* وإليكم بعض ما وقفنا عليه من أقوال أهل العلم الذين نصوا على مناط كفر المتوقف في الكافر: فقد علل ...

* وإليكم بعض ما وقفنا عليه من أقوال أهل العلم الذين نصوا على مناط كفر المتوقف في الكافر:
فقد علل القاضـي عياض تكفير المتوقف في اليهود والنصارى ومن فارق دين الإسلام بما نقله عن الباقلاني، قال: "لأن التوقيف والإجماع اتفقا على كفرهم، فمن وقف في ذلك فقد كذب النص والتوقيف، أو شك فيه، والتكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر".(29) انتهى كلامه.

وقال ابن الوزير الصنعاني -رحمه الله- في تكفير الشاك في عابد الصنم ومن لم يكفره: "ولا علة لذلك إلا أن كفره معلوم من الدين ضـرورة". (30) انتهى كلامه.

وعلل الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- تكفير من قال: (أن من شهد الشهادتين لا يجوز تكفيره ولو عبد غير الله)، فقال: "لأن قائل هذا القول مكذب لله ورسوله، وإجماع المسلمين". (31) انتهى كلامه

وقال بعض أئمة الدعوة النجدية: "فإن الذي لا يكفر المشـركين غير مصدق بالقرآن، فإن القرآن قد كفر المشـركين، وأمر بتكفيرهم، وعداوتهم وقتالهم".(32) انتهى كلامهم.

ونكتفي بهذا القدر، وإلى لقاء آخر في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى...

ونسأل الله تعالى العون والتوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا...


• ( الْحَلَقَةُ الرابعة )

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شـريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الأولين والآخرين، أما بعد:

فهذه حلقة نتناول فيها الحديث -بعون الله تعالى- عن مسألتين:

الأولى: هل تكفير المشـركين كله على مرتبة واحدة أم على مراتب...

والثانية: نذكر فيها مراتب المتوقفين في تكفير المشـركين...

ونشـرع الآن في المسألة الأولى: هل تكفير المشـركين كله على مرتبة واحدة أم على مراتب؟

• والجواب: نص أهل العلم على أن التكفير حكم شـرعي له مراتب بحسب أمرين:

فالأول: قوة ثبوته في الشـرع؛ أي وضوح وظهور الدليل الشـرعي على كفر فلان من الناس، وهو ما يعرف بمعرفة الحكم...

والثاني: قوة ثبوته على المعين الذي وقع في الشـرك أو الكفر، وهو ما يسمى بمعرفة الحال، ويكون من خلال الرؤية أو السماع أو شهادة الشهود...

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "التكفير حكم شـرعي، يرجع إلى إباحة المال، وسفك الدماء، والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشـرعية، فتارة يدرك بيقين، وتارة يدرك بظن غالب، وتارة يتردد فيه، ومهما حصل تردد فالتوقف عن التكفير أولى، والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل ".(1) انتهى كلامه رحمه الله.

وذلك بخلاف من زعم أن جميع صور الكفر أو الشـرك على مرتبة واحدة؛ بحيث يستوي في إدراكها العالم والجاهل، ولا شك في بطلان هذا القول، ومخالفته لما قرره أهل العلم في هذا الشأن، بل ومخالفته للنصوص التي دلت على أن الكفر بعضه أشد من بعض.

قَالَ تَعَالَىٰ: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 167]، وَقَالَ تَعَالَىٰ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [آل عمران: 90]، وَقَالَ تَعَالَىٰ: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} [التوبة: 97].

أما المسألة الثانية: وهي مراتب المتوقفين في تكفير المشـركين...

فنقول: إن للمتوقفين في المشـركين مراتب يؤثر فيها قوة الدليل الشـرعي، وظهور الكفر أو الشـرك...

قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "فهؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم من أهل الخرج وغيرهم مشهورون عند الخاص والعام بذلك، وأنهم يترشحون له، ويأمرون به الناس: كلهم كفار مرتدون عن الإسلام، ومن جادل عنهم، أو أنكر على من كفرهم، أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلا فلا يخرجهم إلى الكفر: فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق، لا يقبل خطه ولا شهادته، ولا يصلى خلفه". (2) انتهى كلامه رحمه الله.

فتأمل كلامه؛ كيف أنه جعل للمتوقف في هؤلاء الطواغيت أحوالا أقلها الفسق، وهذا يؤكد على أن للمتوقفين في المشـركين أحوالا ومراتب.
* وهذه المراتب يؤثر فيها قوة الدليل الشـرعي، وظهور الكفر أو الشـرك بغض النظر عن شدته؛ فقد يكون الشـرك أشد في حال من الأحوال، ولكنه في الظهور أقل مما هو أخف منه شدة.

مثال ذلك: شـرك عباد الأصنام مع شـرك الجهمية؛ فالحكم بتكفير المتوقف في عباد الأصنام أقوى من الحكم بتكفير المتوقف في الجهمية؛ وذلك لأن عبادة الأصنام أشد ظهورا من التجهم، مع أن التجهم أشد شـركا.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "فإن المشـرك المقر بصفات الرب خير من المعطل الجاحد لصفات كماله... فأين القدح في صفات الكمال والجحد لها من عبادة واسطة بين المعبود الحق وبين العابد، يتقرب إليه بعبادة تلك الواسطة إعظاما له وإجلالا؟ فداء التعطيل هذا الداء العضال الذي لا دواء له".(3)
...المزيد

فقد قال الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا ...

فقد قال الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 88 - 89]

وصح في سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد، فرجع ناس ممن كان معه، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، قال بعضهم: "نقتلهم"، وقال بعضهم: "لا".(20)

وصح عن مجاهد -رحمه الله- أنه قال: "قوم خرجوا من مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذلك، فـاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة؛ ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، فـاختلف فيهم المؤمنون، فقائل يقول: "هم منافقون"، وقائل يقول: "هم مؤمنون"، فبين الله نفاقهم، فأمر بقتالهم".(21)

وقد روي بهذا المعنى عن عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس -رضي الله عنهم-، وصح بنحوه مرسلا عن عدة من التابعين وهم: عكرمة، والسدي، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي رحمهم الله.
وقال الإمام الطبري -رحمه الله- في تأويل قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا { [النساء: ٨٨]، قال: "يعني بذلك: والله ردهم إلى أحكام أهل الشـرك في إباحة دمائهم، وسبي ذراريهم". (22) انتهى كلامه.

وقد رجح الإمام الطبري أن هذه الآية نزلت في قوم ارتدوا عن الإسلام، حيث قال بعدما ذكر أقوال السلف في سبب نزولها: "وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك: قول من قال: نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا ارتدوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة".(23) انتهى كلامه.

وقال ابن أبي زمنين -رحمه الله-: "هم قوم من المنافقين كانوا بالمدينة؛ فخرجوا منها إلى مكة، ثم خرجوا من مكة إلى اليمامة تجارا فـارتدوا عن الإسلام، وأظهروا ما في قلوبهم من الشـرك، فلقيهم المسلمون، فكانوا فيهم فئتين؛ أي فرقتين، فقال بعضهم: قد حلت دماؤهم؛ هم مشـركون مرتدون، وقال بعضهم: لم تحل دماؤهم؛ هم قوم عرضت لهم فتنة، فقال الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}".(24) انْتَهَىٰ كَلَامُهُ رحمه الله.
ومن الأدلة أيضا: ما رجحه طائفة من العلماء أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- توقف في تكفير مانعي الزكاة في بادئ أمرهم، ولما بين له أبو بكر -رضي الله عنه- كفرهم وافقه، ولم يستتبه على توقفه فيهم.

فقد صح عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال لأبي بكر -رضي الله عنه- في شأن "المرتدين" : كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله ».(25)

وقد توقف بعض أئمة السلف -في بادئ الأمر- كفر من قال بخلق القرآن، ومنهم توقف في كفر الجهمية على الرغم من شدته، فلم يكونوا بذلك كفارا، ولما تبين لهم الدليل على كفرهم لم يتوقفوا فيهم، ولم يجددوا إسلامهم لأجل ما سبق من توقفهم.

فعن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: "سألت أحمد بن حنبل عمن يقول: القرآن مخلوق، فقال: "كنت لا أكفرهم حتى قرأت آيات من القرآن: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: 145]، وَقَوْلَهُ: {بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: 120[" وقوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [النساء: 166]" .(26)
وعن ابن عمار الموصلي -رحمه الله- قال: "يقول لي ابن المديني: ما يمنعك أن تكفرهم؟! -يعني: الجهمية- قال: وكنت أنا أولا أمتنع أن أكفرهم حتى قال ابن المديني ما قال، فلما أجاب إلى المحنة، كتبت إليه كتابا أذكره الله، وأذكره ما قال لي في تكفيرهم".(27)

وبذلك نكون قد انتهينا من المسألة الأولى...

ونشـرع الآن في بيان المسألة الثانية: وهي ما هو المناط أو العلة أو السبب في كفر المتوقف في تكفير المشـركين.

الجواب: هو تكذيب الشـرائع وردها.

فبالنظر إلى نصوص أهل العلم في هذا الناقض يظهر جليا ما قرروه من أن مناط الكفر في المتوقف في الكافر يرجع إلى تكذيب الشـرائع وردها، لا من جهة انتقاض أصل الدين.

وقد تتابع أكثر أهل العلم على ذكر هذا المناط بناء على أن الكفر إنما يكون بإنكار الأحكام المتواترة المجمع عليها، أو بإنكار المعلوم من الدين ضـرورة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين ضـرورة، أو بإنكار الأحكام المتواترة المجمع عليها ونحو ذلك". ا.هـ(28)
...المزيد

هذا وقد تتابع أهل العلم على تقرير الفرق بين الجهل بأصل الدين والجهل بالواجبات الشـرعية: فقد نقل ...

هذا وقد تتابع أهل العلم على تقرير الفرق بين الجهل بأصل الدين والجهل بالواجبات الشـرعية:

فقد نقل الإمام محمد بن نصـر المروزي عن طائفة من أهل الحديث قولهم: "ولما كان العلم بـالله إيمانا والجهل به كفرا، وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر... إلى أن قالوا: وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا، وبعد مجيء الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا، والجهل بـالله في كل حال كفر، قبل الخبر وبعد الخبر". (13) انتهى كلامه -رحمه الله-

وأما صفة قيام الحجة وكيفية تحقيق هذا الشـرط قبل التكفير، فإن ذلك يختلف بحسب ظهور المسألة وخفائها، فقد تقوم الحجة بمجرد وجود المتوقف عن التكفير في مظنة العلم، بحيث يكون بتوقفه معرضا لا جاهلا، وبحيث لا يعذر إلا من كان حديث عهد بإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة، وقد تكون إقامة الحجة بتبيين النص الشـرعي الدال على كفر من فعل كذا أو قال كذا، ولا يكتفى بمجرد البلوغ العام للقرآن، وقد تكون إقامة الحجة بتبيين الدليل مع إزالة الشبهة والإجابة عن الدليل المعارض، وسيأتي مزيد توضيح لهذه المسألة عند الحديث عن مراتب المتوقفين.

ويستدل على التفريق بين الجهل بالشـرائع والجهل بأصل الدين أو على أن تكفير المشـركين من الشـرائع ليس من أصل الدين بعدة من الأدلة، أذكر منها:

إن جميع الأنبياء عليهم السلام بدءوا أقوامهم بالدعوة إلى عبادة الله وحده لا شـريك له، ولو أن الجهل بأحكام التكفير كفر لما تأخر بيانها عن بيان أصل الدين لحظة واحدة.

ومن الأدلة أيضا على التفريق أن التكفير من واجبات الدين وأنه حكم شـرعي وليس من أصل الدين ما ثبت أن من الصحابة رضي الله عنهم، من توقف في تكفير قوم وقعوا في الردة، وسموهم مسلمين، ولما نزلت الآيات التي بينت كفر هؤلاء القوم لم يستتابوا من توقفهم، بينما ثبت أن أحد الصحابة وقع في الشـرك جاهلا، ومع ذلك كفره الصحابة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه، وهذا يدل على الفرق بين من وقع في الشـرك جاهلا، وبين من جهل الشـرائع.

فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشـركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: "كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فـــاستغفروا لهم"، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97، 98]، قال: فكتب إلي من بقي من المسلمين بهذه الآية، وأنه لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشـركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [العنكبوت: ١٠] الْآيَةَ".(14)

قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله : "فأنزل الله هذه الآية، وبين فيها حكم هؤلاء المشـركين، وأنهم من أهل النار مع تكلمهم بالإسلام".(15) انتهى كلامه.

وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: كنا نذكر بعض الأمر، وأنا حديث عهد بالجاهلية، فحلفت باللات والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره؛ فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فلقيته فأخبرته، فقال: «قل: لا إله إلا الله وحده ثلاث مرات، وتعوذ من الشيطان ثلاث مرات، واتفل عن شمالك ثلاث مرات، ولا تعد له».(16)

وقال ابن الوزير الصنعاني-رحمه الله- معلقا على هذا الحديث: "وهذا أمر بتجديد الإسلام".(17) انتهى كلامه.

وقال ابن العربي المالكي -رحمه الله- "فمن قال في الإسلام في يمينه واللات والعزى مؤكدا ليمينه بذلك على معنى التعظيم فيه: كافر حقيقة". ا.هـ(18)

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله- : "أخذ به -يعني حديث سعد -رضي الله عنه- طائفة من العلماء فقالوا يكفر من حلف بغير الله كفر شـرك، قالوا: ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه بقول لا إله إلا الله، فلولا أنه كفر ينقل عن الملة لم يؤمر بذلك، وقال الجمهور: لا يكفر كفرا ينقله عن الملة، لكنه من الشـرك الأصغر".(19) انتهى كلامه.

فلم يعذر- رضي الله عنه- في ذلك مع أنه حديث عهد بجاهلية..

ومن الأدلة أيضا على التفريق أن التكفير من واجبات الدين، وأنه حكم شـرعي وليس من أصل الدين الذي لا يعذر فيه أحد: ما روي أن الصحابة -رضي الله عنهم- اختلفوا في تكفير بعض المرتدين، فلما بين الله تعالى كفر هؤلاء القوم لم يأمر من توقف فيهم بتجديد إسلامه.
...المزيد

سلسلة علمية في بيان مسائل منهجية (3-4) • تَكْفِيرُ الْمُشْـرِكِينَ الحمد لله رب العالمين، ...

سلسلة علمية
في بيان مسائل منهجية
(3-4)

• تَكْفِيرُ الْمُشْـرِكِينَ

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شـريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الأولين والآخرين، أما بعد:

ففي هذه الحلقة نبدأ الحديث -بعون الله تعالى- عن تكفير المشـركين، وسنتكلم عن مسألتين:
المسألة الأولى: سنجيب فيها على سؤال: ما هي منزلة التكفير من الدين؟

المسألة الثانية: نذكر فيها العلة أو المناط أو السبب في كفر المتوقف في تكفير المشـركين.

وقبل الشـروع في ذلك نذكر بعض نصوص أهل العلم في كفر من لم يكفر الكافر...

قال أبو الحسين الملطي الشافعي -رحمه الله-: "جميع أهل القبلة لا اختلاف بينهم أن من شك في كافر فهو كافر". (1) انتهى كلامه.

وقال القاضـي عياض -رحمه الله: "نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك". (2) انتهى كلامه.

وقال النووي -رحمه الله-: "من لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى، أو شك في تكفيرهم، أو صحح مذهبهم، فهو كافر". (3)

ونص الحجاوي -رحمه الله- على أن من "لم يكفر من دان بغير الإسلام؛ كالنصارى، أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم... فهو كافر".(4) انتهى كلامه.

ونص البهوتي -رحمه الله- على تكفير من "لم يكفر من دان بغير دين الإسلام كأهل الكتاب، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم".(5)

وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: "من لم يكفر المشـركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر إجماعا". ا.هـ(6)

انتهى كلامهم رحمهم الله.


ونشـرع الآن في بيان المسألة الأولى: وهي الإجابة على سؤال: ما هي منزلة التكفير من الدين؟

والجواب هو أن التكفير حكم شـرعي محض، لا مدخل للعقل فيه، ولا يدخل تحت مسائل ومعاني أصل الدين، والتي سبق وأن بيناها في الحلقة السابقة.

إذن تكفير المشـركين من واجبات الدين وليس من أصل الدين.

طيب ما الفرق؟

الفرق أن ما كان من أصل الدين، فإنه لا يعذر المرء فيه بجهل، ولا تشترط إقامة الحجة على تاركه أو تارك بعضه.

أما التكفير فهو حكم شـرعي قد يعذر فيه بالجهل والتأويل.

ثم إن التكفير ليس على مستوى واحد، بل له مراتب، فأعلاها ما هو معلوم من الدين بالضـرورة؛ كتكفير من كفرهم الله تعالى في كتابه على التعيين؛ كإبليس وفرعون وكل من دان بغير الإسلام؛ كاليهود والنصارى وعباد الأصنام.

وأدناها ما اختلف في تكفير مرتكبه؛ كتارك الصلاة وغير ذلك، وبينهما مراتب متفاوتة، وهو ما سوف نتناوله في حلقة قادمة بإذن الله تعالى.

قلنا: إن التكفير من واجبات الدين، وأنه حكم شـرعي، وليس له مورد سوى الأدلة الشـرعية، ولا مدخل للعقل فيه، وقد تتابع أهل العلم على تقرير ذلك وتأكيده، وإليكم بعض أقوالهم:

قال القاضـي عياض -رحمه الله-: "فصل في بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف أو يختلف فيه، وما ليس بكفر: اعلم أن تحقيق هذا الفصل وكشف اللبس فيه مورده الشـرع، ولا مجال للعقل فيه".(7) انتهى كلامه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : "التكفير حكم شـرعي، يرجع إلى إباحة المال، وسفك الدماء، والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشـرعية".(8)

وقال -رحمه الله-: "فإن الكفر والفسق أحكام شـرعية، ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل؛ فالكافر من جعله الله ورسوله كافرا، والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقا، كما أن المؤمن والمسلم من جعله الله ورسوله مؤمنا ومسلما..-إلى أن قال: - فهذه المسائل كلها ثابتة بالشـرع".(9)

وقال -رحمه الله-: "الإيمان والكفر هما من الأحكام التي ثبتت بالرسالة، وبالأدلة الشـرعية يميز بين المؤمن والكافر، لا بمجرد الأدلة العقلية". (10) انتهى كلامه.

وقال العلامة ابن القيم -رحمه الله- :
الكفر حق الله ثم رسوله
بالنص يثبت لا بقول فلان
من كان رب العالمين وعبده
قد كفراه فذاك ذو الكفران(11)

وقال ابن الوزير الصنعاني -رحمه الله: "أن الدليل على الكفر والفسق لا يكون إلا سمعيا قطعيا، ولا نزاع في ذلك".(12) انتهى كلامه

وعليه نقول: إن من جهل حكم الشـرع في أحد الكفار أو المشـركين أو إحدى طوائفهم: لا يكون حكمه كحكم من أشـرك، لأن الذي أشـرك نقض أصل الدين؛ كما ذكرنا في الحلقة السابقة، وإنما حكمه كحكم كل من جهل شـريعة أو فريضة من فرائض الإسلام، فمن قامت عليه الحجة الرسالية في ذلك كفر، ومن لم تبلغه الحجة الرسالية في ذلك فليس بكافر، بخلاف من جهل التوحيد؛ الذي هو أصل الدين؛ فإنه كافر كفر جهل.
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 101 الافتتاحية: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 101
الافتتاحية:

أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ


إن النَّاظر في حال الكفار اليوم بمختلف مللهم ونحلهم، يرى فيهم الكبر والعجب، والبطر والخيلاء، يصُّبون حِمم حقدهم على المسلمين، أينما وُجدوا، ولا يألون في ذلك جهدا، ولا يدَّخرون فيه وُسعا، يبذلون الغالي والنفيس لإطفاء نور الله، وردِّ المسلمين عن دينهم، حسِبوا أنهم على ذلك قادرون، وله منجزون، مصرِّحين للعالم أجمع بقولهم: "من أشد منا قوة"، قالوها وقد مُلئت قلوبهم تجبُّرا وعنادا، وكفرا وإلحادا، ظانِّين أنهم مُعجِزو الله، وأن لن يقدر عليهم أحد، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15]، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [التوبة: 70]،{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} [غافر: 21].

إن الله الذي أهلك عادا وثمود، وفرعون وهامان وجنودهما، وكلَّ من قاتل الأنبياء وعادى الرُّسل، لن تُعجزه أمريكا وروسيا، ولا الروافض والنصيرية، ولا ملاحدة الأكراد ومرتدو الصحوات، بل ولا كفار الأرض مجتمعين، فإن إهلاكهم عليه يسير، وإنه عليهم لقدير، {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59]، كيف لا، وهم لا يشاؤون إلا أن يشاء، ولا يقدرون إلا أن يأذن، فإن طائراتهم تطير بقدر الله، وهو قادر على إسقاطها إن شاء، وإن سفنهم تجري بأمر الله، وهو قادر على إغراقها إن شاء، وإن آلياتهم تمشي بإذن الله، وهو قادر على تدميرها إن شاء، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

وإن المسلمين إذا تيقنوا بأن الله للكافرين قاهر، ودينه عليهم ظاهر، وأن الله يبتليهم بالكافرين، ويبتلي الكافرين بهم، توكلوا على خالقهم حق التوكل، سألوه النصر وحده، وخاضوا غمار الحرب، حاديهم قول نبيهم صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) [سنن الترمذي]، فإن الله ناصر جنده، ومعزُّ عباده، وهو قاهر أعدائه، {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147]، وإن من ظنُّوا غير ذلك فإنما {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: 154]، {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15].

وإننا كلما اشتدت الكروب، وعظمت الخطوب، ازددنا يقينا بأن الله منجزنا ما وعدنا، وأن نصره لنا قد اقترب، وأن الله لن يخذلنا، وأنه جاعل لنا من هذا الضيق مخرجا، إنما هو الابتلاء الذي يُنقى به الصف، والامتحان الذي يخرج به الخبث، وإن الله قد ابتلى من كان قبلنا بما هو أشد، حتى إذا أذن بنزول النصر نزل، لم يمنعه عدد الكفار وعتادهم، ولا قوتهم وجبروتهم، {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].

وإننا نعلن لأمم الكفر قاطبة، أننا اليوم بتنا من النصر أقرب من أي وقت مضى، فقد صقلتنا الشدائد، وخرج من صفوفنا الخبث، ونزداد في كل يوم من الله قربا وإليه التجاءً، وتزدادون منه بعدا وعنه نفورا، فما هي إلا مسألة وقت حتى تخور قواكم ويُكسر كبرياؤكم، {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196-197]، فأنتم تتربصون بنا أن تُفنينا حملتكم الأخيرة هذه، {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52]، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 101
الخميس 22 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

ونختم بمسألتين: الأولى: لو كان إنسان قائما بأصل الدين يعبد الله ولا يشـرك به شيئا، ويؤمن برسوله ...

ونختم بمسألتين:

الأولى: لو كان إنسان قائما بأصل الدين يعبد الله ولا يشـرك به شيئا، ويؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم، لكنه يجهل مصطلح أصل الدين.

بمعنى أنك لو سألته: ما هو أصل الدين تلعثم أو لم يحر جوابا، فلا يضـره ذلك؛ لقيامه بأصل الدين، إذ لا يضـره عدم معرفة ما اصطُلح عليه في هذه المسائل والمعاني.

والدليل على ما ذكرنا: ما جاء في الصحيحين -واللفظ للبخاري-: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معاذ)، قلت: لبيك وسعديك، ثم قال مثله ثلاثا: (هل تدري ما حق الله على العباد)، قلت: لا، قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشـركوا به شيئا).

فتصـريح معاذ رضي الله عنه بأنه يجهل حق الله على عباده لم يوقعه في الكفر أو الشرك؛ لأنه قائم بهذا الحق وإن لم يعلم الاصطلاح الشرعي الذي يدل على ذلك المعنى.

المسألة الثانية: أن إحدى المسائل التي ذكرنا أنها من أصل الدين قد يخفى على بعض طلبة العلم أنها من أصل الدين، وهي مسألة عداوة المشـركين، وموالاة المؤمنين؛ فيظن أنها من واجبات الدين لا من أصله، أو يتوقف فيها، فهذا لا يعد ناقضا لأصل الدين طالما أنه حقق البراءة من المشـركين، والموالاة للمؤمنين.

قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "بحسب المسلم أن يعلم: أن الله افترض عليه عداوة المشـركين وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، وأخبر أن ذلك من شروط الإيمان، ونفى الإيمان عمن يواد {مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22]، وأما كون ذلك من معنى لا إله إلا الله أو لوازمها، فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك، إنما كلفنا بمعرفة أن الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه، ومن عرف أن ذلك من معناها، أو من لازمها فهو حسن، وزيادة خير، ومن لم يعرفه فلم يكلف بمعرفته، لا سيما إذا كان الجدال والمنازعة فيه مما يفضي إلى شـر واختلاف، ووقوع فرقة بين المؤمنين، الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله، وعادوا المشـركين، ووالوا المسلمين". ([13]) انتهى كلامه رحمه الله.

ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يجعلنا هداة مهديين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1])) مجموع الفتاوى (16/203).
[2])) منهاج السنة النبوية (5/255).
[3])) التبصير في معالم الدين (ص126-132).
[4])) مجموع الفتاوى (1/10).
[5])) مجموع الفتاوى (20/357).
[6])) مدارج السالكين (3/455).
[7])) الدرر السنية (8/359).
[8])) مجموع الفتاوى (15/438).
[9])) مدارج السالكين (1/253).
[10])) طريق الهجرتين (ص414).
[11])) تفسير الطبري (12/388).
[12])) تفسير الطبري (18/128).
[13])) الدرر السنية (8/166).



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا ...

وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادا منه لربه فيها؛ لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد، وفريق الهدى فرق، وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية". ([11]) انتهى كلامه رحمه الله.

ومن الأدلة على عدم عذر الجاهل في الشـرك: قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103، 104].

قال الطبري رحمه الله: "وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته؛ وذلك أن الله -تعالى ذكره- أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم، ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم: أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة". ([12]) انتهى كلامه رحمه الله.

طيب: إذا حكمنا على شخص ما بالكفر والشـرك، ما الذي يترتب على ذلك؟

يترتب على حكمنا على أحد بالكفر والشـرك ولو كان جاهلا: قطع الموالاة الإيمانية بيننا وبينه حتى يتوب إلى الله تعالى، وعدم التناكح معه أو أكل ذبيحته، وكذا عدم الاستغفار له إن مات على ذلك، وأنه لا حظ له من الحقوق التي أوجبها الله للمسلمين، وغير ذلك من الأحكام.

وأما تعذيبه في الدنيا والآخرة فهذا متوقف على قيام الحجة الرسالية، وهذا على الصحيح من أقوال العلماء، ودليله قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
ونؤكد على: أن من وقع في الشـرك من هذه الأمة فهو مشـرك كافر أيضا، وإن كان مدعيا للإسلام ناطقا بالشهادتين.

قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].

وقال تعالى بعد ذكره لأنبيائه عليهم السلام: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].

وهذه الآيات من أقوى الأدلة على أن الإسلام يحبط بالشـرك، وأن من أشرك من هذه الأمة فهو كافر، وإن كان ناطقا بالشهادتين عاملا بشعائر الإسلام الأخرى.
...المزيد

أصل الدين كما قلنا: لا يُعذر بالجهل به أيُّ أحد؛ أي لا يصح إسلام من نقضه ولا يرتفع عنه اسم ...

أصل الدين كما قلنا: لا يُعذر بالجهل به أيُّ أحد؛ أي لا يصح إسلام من نقضه ولا يرتفع عنه اسم الكفر.

• لماذا لم يعتبر بجهل الرجل العاقل أو المرأة العاقلة في أصل الدين؟

لأنه مما علم وثبت بالميثاق وضرورة الفطرة والعقل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأصل الدين هو عبادة الله، الذي أصله الحب والإنابة والإعراض عما سواه، وهو الفطرة التي فطر عليها الناس". ([8]) انتهى كلامه.

وقال ابن القيم رحمه الله: "وأي شيء يصح في العقل إذا لم يكن فيه علم بقبح الشرك الذاتي، وأن العلم بقبحه بديهي معلوم بضـرورة العقل، وأن الرسل نبهوا الأمم على ما في عقولهم وفطرهم من قبحه". ([9]) انتهى كلامه رحمه الله.

ومن هنا نعلم أن أصل الدين لا يشترط فيه إقامة الحجة للحكم بالكفر على من لم يأت به؛ أي نحكم على من لم يأت بأصل الدين بالكفر، سواء أقيمت عليه الحجة أم لم تقم.

ونؤكد على أنه لا عذر لأي أحد بالجهل في هذه المسائل، التي هي من أصل الدين؛ لأنها من العلوم الضرورية المستقرة في جميع الفطر والعقول، وبالتالي فمن انتقض أصل دينه فهو مشـرك، ولكن عذابه في الدنيا والآخرة متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها؛ فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل". ([10]) انتهى كلامه رحمه الله.

سؤال: ما الذي يناقض أصل الدين؟
الجواب: الشـرك ...

حيث قلنا في تعريف أصل الدين: أنه الإقرار بالله وعبادته سبحانه وحده وترك عبادة ما سواه، والبراءة ممن أشرك به سبحانه، إذن: الشرك بـالله يناقض أصل الدين وينافيه.

ومعنى الشـرك شـرعا: هو جعل الشـريك أو الند لله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.

فمثال شـرك الربوبية: أن يجعل مع الله خالق أو رازق أو مدبر أو حاكم أو مشـرع.

ومثال الشـرك في الألوهية: السجود أوالدعاء أوالنذر أوالذبح لغير الله.

ومثال الشـرك في الأسماء والصفات: تعطيلها مثل نفي العلم والسمع والبصـر عن الله، أو تشبيهه سبحانه وتعالى بخلقه.

وكل هذا الشـرك لم يعذر فيه أحد من المشـركين بجهله؛ لأنه يناقض أصل الدين، والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حكم بكفر الأتباع والمقلدين، وحكم بكفر الأميين من أهل الكتاب مع جهلهم، وحكم بكفر جهلة مشـركي العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "من مات مشـركا فهو في النار، وإن مات قبل البعثة؛ لأن المشـركين كانوا قد غيَّروا الحنيفية دين إبراهيم واستبدلوا بها الشـرك وارتكبوه، وليس معهم حجة من الله به، وقبحه والوعيد عليه بالنار لم يزل معلوما من دين الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، وأخبار عقوبات الله لأهله متداولة بين الأمم قرنا بعد قرن، فلله الحجة البالغة على المشـركين في كل وقت، ولو لم يكن إلا ما فطر عباده عليه من توحيد ربوبيته المستلزم لتوحيد إلهيته، وأنه يستحيل في كل فطرة وعقل أن يكون معه إله آخر، وإن كان سبحانه لا يعذب بمقتضـى هذه الفطرة وحدها، فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة لأهلها، فالمشـرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرسل، والله أعلم". انتهى كلامه رحمه الله.

وأما الجهلة من المشـركين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من المنتسبين للإسلام وغيرهم فالأمر فيهم أشد؛ لأن غالب جهلهم جاء من جهة الإعراض عن رسالته صلى الله عليه وسلم، والإعراض بمجرده كفر، فكيف لو كان معه شـرك؟!

قال الشوكاني رحمه الله: "ومن وقع في الشرك جاهلا لم يعذر، لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فمن جهل فقد أتي من قبل نفسه؛ بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة، وإلا ففيهما البيان الواضح؛ كما قال سبحانه في القرآن: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً} [النحل: 89]، وكذلك السنة: قال أبو ذر رضي الله عنه: " توفي محمد صلى الله عليه وسلم وما ترك طائرا يقلب جناحيه بين السماء والأرض إلا ذكر لنا منه علما"، أو كما قال رضي الله عنه؛ فمن جهل فبسبب إعراضه، ولا يعذر أحد بالإعراض". انتهى كلامه رحمه الله.

هذا وأدلة عدم عذر الجاهل في الشـرك والذي يناقض أصل الدين كثيرة.

منها قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30].

قال الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نصـراء من دون الله وظهراء؛ جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا.
...المزيد

السلسلة العلمية المنهجية 2 (أصل الدين) الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا ...

السلسلة العلمية المنهجية 2
(أصل الدين)

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إمام الأولين والآخرين، أما بعد:

ففي هذه الحلقة سنتناول الحديث عن أصل الدين، وهو موضوع في غاية الأهمية؛ وذلك لأنه لا يصح إيمان أحد إلا إذا أتى به.


• فما هو أصل الدين؟

أصل الدين هو الإقرار بالله، وعبادته سبحانه وحده وترك عبادة ما سواه، والبراءة ممن أشرك به سبحانه.

أربعة أمور ...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإبراهيم وموسى قاما بأصل الدين؛ الذي هو الإقرار بالله، وعبادته وحده لا شـريك له، ومخاصمة من كفر بالله".([1]) انتهى كلامه.

"والبراءة ممن أشرك به سبحانه" هو ما عبَّر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية هنا بقوله: "ومخاصمة من كفر بالله"، فكلا العبارتين معناهما واحد: مخاصمة المشـركين والبراءة منهم.

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأصل الدين أن يكون الحب لله، والبغض لله، والموالاة لله، والمعاداة لله، والعبادة لله". ([2]) انتهى كلامه.

فنقول بناء على ما سبق: لو أن شخصا أتى بثلاثة أمور من أصل الدين ولم يأت بالرابع؛ كترك عبادة ما سوى الله تعالى، أو ترك البراءة ممن أشـرك به سبحانه، هل يصح إسلامه؟، الجواب: لا.
فماذا يسمى؟، يسمى مشـركا كافرا.

وهذا القدر الذي هو أصل الدين لا يعذر من لم يأت به أحد بلغ حد التكليف ولو كان جاهلا، سواء بلغته الحجة الرسالية أو لم تبلغه، أو بلفظ آخر سواء جاءه رسول أو لم يأته.

قال إمام المفسـرين ابن جرير الطبري رحمه الله بعد ذكره لشـيء من أصل الدين، قال: "لا يعذر بالجهل به أحد بلغ حد التكليف؛ كان ممَّن أتاه من الله تعالى رسول، أو لم يأته رسول، عاين من الخلق غيره، أو لم يعاين أحدا سوى نفسه".([3]) انتهى كلامه رحمه الله.

لم يعاين أحدا سوى نفسه؛ يعني لم ير إلا نفسه؛ كمن كان في جزيرة نائية ولم ير أحدا من الناس سوى نفسه.

نقول: فإذا جاءه رسول دخل في أصل الدين الإيمان به وبما جاء به على وجه الإجمال.

إذن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم منذ بعثته إلى الآن، وبما جاء به على وجه الإجمال يدخل في أصل الدين؛ لأن أصل الدين هو الشهادتان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أصل الدين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا عبده ورسوله". ([4]) انتهى كلامه رحمه الله.

• طيِّب ما معنى (الإقرار بالله)؟

يعني: الإيمان بوجوده تعالى، وأنه متصف بصفات الكمال، ومنزه عن النقائص والعيوب، وأنه سبحانه المتفرِّد بالخلق والأمر.

قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]
والأمر منه ما هو كوني؛ أي أنه سبحانه يقول للشـيء كن فيكون، ومن الأمر ما هو شرعي؛ ويتمثل بتفرده سبحانه وتعالى بالتحليل والتحريم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن أصل الدين أنه لا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه الله؛ فإن الله سبحانه في سورة الأنعام والأعراف عاب على المشـركين أنهم حرموا ما لم يحرمه الله، وأنهم شـرعوا من الدين ما لم يأذن به الله". ([5]) انتهى كلامه رحمه الله.

مرة ثانية: ما هو أصل الدين؟ هو الإقرار بالله، وعبادته سبحانه وحده وترك عبادة ما سواه، والبراءة ممن أشـرك به سبحانه، شرحنا الإقرار بالله.

طيب، ما معنى: عبادته سبحانه وحده، وترك عبادة ما سواه، والبراءة ممن أشرك به سبحانه؟
معناه: توحيد الله، ومحبة التوحيد وتحسينه، وموالاة أهله، وتقبيح الشـرك، واجتنابه، ومخاصمة أهله.

قال ابن القيم رحمه الله: "واعلم أنه إن لم يكن حسن التوحيد وقبح الشـرك معلوما بالعقل، مستقرا في الفطر، فلا وثوق بشـيء من قضايا العقل؛ فإن هذه القضية من أجل القضايا البديهيات، وأوضح ما ركب الله في العقول والفطر". ([6]) انتهى كلامه رحمه الله.

وموالاة أهله: هذا هو الولاء؛ موالاة المؤمنين ...، ومخاصمة أهله -يعني أهل الشـرك-: هذا هو البراء من المشركين ...

ومن هنا يتبيَّن أن الولاء والبراء يدخل في أصل الدين.

ولكن ههنا مسألة؛
وهي الفرق بين وجود العداوة للكافرين وبين إظهار العداوة، فالأول -وهو وجود العداوة- من أصل الدين، والثاني: وهو إظهار العداوة فمن واجبات الدين لا من أصله.

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله: "ومسألة إظهار العداوة غير مسألة وجود العداوة؛ فالأول: يعذر به مع العجز والخوف، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، والثاني: لا بد منه؛ لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت، وبينه وبين حب لله ورسوله تلازم كلي، لا ينفك عنه المؤمن". ([7]) انتهى كلامه.
...المزيد

وإن من البغي الاستطالة على المخالف، واتهامه في نيته، وقذف المسلم بالكفر أو البدعة تعديا وظلما جزافا ...

وإن من البغي الاستطالة على المخالف، واتهامه في نيته، وقذف المسلم بالكفر أو البدعة تعديا وظلما جزافا من غير بينة ...

أخرج ابن حبان في صحيحه عن حذيفة ؓ، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه، وكان ردئا للإسلام، غيره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشـرك»، قال: قلت: يا نبي الله، أيهما أولى بالشـرك، المرمي أم الرامي؟ قال: «بل الرامي».

وقال الآجري ؒ: "إن الله عز وجل بمنه وفضله أخبرنا في كتابه عمن تقدم من أهل الكتابين اليهود والنصارى، أنهم إنما هلكوا لما افترقوا في دينهم، وأعلمنا مولانا الكريم أن الذي حملهم على الفرقة عن الجماعة والميل إلى الباطل الذي نهوا عنه، إنما هو البغي والحسد، بعد أن علموا ما لم يعلم غيرهم، فحملهم شدة البغي والحسد إلى أن صاروا فرقا فهلكوا، فحذرنا مولانا الكريم أن نكون مثلهم فنهلك كما هلكوا، بل أمرنا عز وجل بلزوم الجماعة، ونهانا عن الفرقة، وكذلك حذرنا النبي ﷺ من الفرقة وأمرنا بالجماعة، وكذلك حذرنا أئمتنا ممن سلف من علماء المسلمين، كلهم يأمرون بلزوم الجماعة, وينهون عن الفرقة". ([4]) انتهى كلام الآجري ؒ.

وننكر أشد النكير على من يبغي ويتعدى فيكفر العلماء أمثال ابن قدامة المقدسـي والنووي وابن حجر العسقلاني وغيرهم ô ممن لهم على أمة الإسلام أياد بيضاء في نشـر العلم ونصـرة الشـريعة، بل نحفظ مكانتهم ونترحم عليهم، ونعتذر عما بدر منهم من أخطاء وزلات.

قال الشعبي -أحد أئمة التابعين- ؒ: "كل أمة علماؤها شرارها، إلا المسلمين؛ فإن علماءهم خيارهم". ([5])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ؒ: دفع التكفير عن علماء المسلمين وإن أخطئوا هو من أحق الأغراض الشرعية". ([6]) انتهى كلامه ؒ.

وقال الشيخ عبد الله بن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ؒ: "ونحن كذلك: لا نقول بكفر من صحت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها، وإن كان مخطئا في هذه المسألة أو غيرها". انتهى كلامه ؒ.

وممن نثني عليهم، ونحفظ حقهم علينا أمراء الدولة الإسلامية من أبي مصعب الزرقاوي؛ أمير الاستشهاديين، الصادع بالحق والتوحيد، وقتّال أهل الشـرك والتنديد، مرورا بالشيخ المجاهد أبي عمر البغدادي صاحب العقيدة الراسخة والمواقف الشامخة، ووزيره الشيخ المجاهد أبي حمزة المهاجر صاحب التآليف والتصانيف النافعة، والشيخ أبي محمد العدناني قامع المنحرفين، وكاسر حدود الكافرين، والعالم الرباني أبي علي الأنباري، وغيرهم من أمراء هذه الدولة الذين قضوا في سبيل الله، نحسبهم والله حسيبهم، ولا نزكي على الله أحدا.

وستشتمل هذه السلسلة بإذن الله تعالى على بيان أمور منها:
* حكم التوقف في تكفير المشركين أو الكفار.
* حكم الطوائف الممتنعة، وحكم المخالف فيها.
* حكم ساكني ديار الكفر الطارئ.
ونسأل الله تعالى أن يبارك في هذه السلسلة العلمية، وأن يجعلها سببا لجمع كلمة المجاهدين على الكتاب والسنة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1])) مجموع الفتاوى (3/279).
[2])) مصنف ﭐبن أبي شيبة (7/562/37931).
[3])) الاستقامة (1/37(.
[4])) الشـريعة (1/270).
[5])) مجموع الفتاوى (7/284).
[6])) مجموع الفتاوى (35/103).



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

وهذه الأقوال لا تروج على أهل العلم، كما لا تروج الدنانير الزائفة على الصيرفي الحاذق، فقد فهم علي ؓ ...

وهذه الأقوال لا تروج على أهل العلم، كما لا تروج الدنانير الزائفة على الصيرفي الحاذق، فقد فهم علي ؓ مغزى كلام الحرورية، ولم يرج عليه قولهم: (لا حكم إلا لله) كما راج على الجهال، حيث قال ؓ: "لا حكم إلا لله، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60]، فما تدرون ما يقول هؤلاء؟ يقولون: لا إمارة، أيها الناس، إنه لا يصلحكم إلا أمير بر أو فاجر".([2])
وفي صحيح مسلم عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ، أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب ؓ قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي: "كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله ﷺ وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم، لا يجاوز هذا منهم (وأشار ؓ إلى حلقه) من أبغض خلق الله إليه".

قال النووي ؒ: "قوله: (قالوا لا حكم إلا لله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل) معناه: أن الكلمة أصلها صدق، قال الله تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 40]، لكنهم أرادوا بها الإنكار على علي ؓ في تحكيمه". انتهى كلامه.

من أجل ذلك وجب على طالب الحق أن يبتغي الحق من مظانه، لا من المرجفين أنصاف المتعلمين، ولا من علماء الضلالة.

وكان سفيان بن عيينة وغيره من أهل العلم كالإمام أحمد وعبد الله بن المبارك يقولون: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغر؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].

فكيف تترك أخي المجاهد أهل الثغر من العلماء الذين نفروا إلى أرض الجهاد والإسلام، كيف تترك هذا المعين الصافي، ثم تذهب لتأخذ دينك عن القاعدين بين أحضان طواغيت جزيرة العرب وغيرها، وما كفرهم ولا أنكر عليهم، يخالط جنوده ورجال أمنه ومخابراته من غير أن يبين لهم ما ارتكبوه من نواقض.

ولا تغتر أخي بسجن الطاغوت لأحدهم، فقد يكون تلميعا وإشهارا له ولأقواله، وإدخالا له على الإخوة في السجون؛ لإحداث البلبلة وإلقاء الشبهات بينهم، وقد كانت لهم الفرصة سانحة إن كانوا أهل حق وصدق أن ينفروا إلى أرض الجهاد، ويهاجروا إلى دار الإسلام.

فإن الطاغوت الذي يؤوي أمثال هؤلاء المنظرين للغلو في التكفير، ويسمح برواج بدعتهم هو نفسه الذي يؤوي أهل التجهم والإرجاء ويعينهم على الترويج لبدعتهم، وما ذلك إلا لكون الطرفين والمنهجين يؤديان لنتيجة واحدة؛ وهي الطعن في أهل الحق وترك الهجرة والجهاد في سبيل الله تعالى.

أخي المجاهد: كيف بعد إذ نجاك الله من شباك علماء الطواغيت أهل الإرجاء، تعود فتقع في شباك علماء الطواغيت المروجين للغلو المصدرين للشبهات؛ لكي يقعدوك عن جهادك، ويردوك عن هجرتك، فيسلم من بأسك أولياؤهم من أعداء الله تعالى.

وقد قال بعض السلف: "ما أمر الله تعالى عباده بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: فإما إلى غلو، وإما إلى تقصير؛ فبأيهما ظفر قنع".

كيف تترك علم من يحمل معك السلاح، ويقاتل معك في الصف من أهل العلم والفقه -لا أعني أنصاف المتعلمين-، وتسلم عقلك وذهنك إلى من لا يستأمن على دينه، وهو يعيش في دعة سالما مسالما للطواغيت، وينظر لك من بعيد؟!

3 - السبب الثالث من أسباب الاختلاف والتنازع: البغي، يقال بغى فلان على فلان؛ أي تعدى عليه بالقول أو الفعل وتجاوز حده.

قال الله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [الشورى: 14].
وقال تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [الجاثية: 17].
وقال تعالى: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)} [البقرة: 213].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ؒ: "الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي، لا لمجرد الاجتهاد ... فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ، بل مع نوع بغي، وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين، سواء كان قولا أو فعلا ...

وقال أيضا ؒ: "وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك: هو من هذا الباب؛ فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغيا، وفيه الباغي من غير اجتهاد، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر". ([3]) انتهى كلامه.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شـريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الأولين والآخرين، أما بعد:

فهذه سلسلة إذاعية في بيان وتوضيح بعض مسائل المنهج والعقيدة، التي وقع فيها الالتباس والاشتباه على أبنائنا وإخواننا من جنود الدولة الإسلامية وسائر المسلمين في داخل دولة الخلافة وخارجها؛ وذلك بسبب التعميم الصادر عن اللجنة المفوضة المعنون له بالآية: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]، الذي تم إيقاف وتعطيل العمل به؛ وذلك لما تضمنه من أخطاء علمية ومنهجية وعبارات موهمة حمالة أوجه، أدت إلى الوقوع في التنازع والاختلاف.

فكان لزاما علينا عدم تأخير البيان عن وقت دعت الحاجة إليه واشتدت، وأصبحت ضرورة ملحة؛ وذلك لجمع كلمة الدولة، وتأليف قلوب جنودها على الحق، وإفراغهم لصد عادية أمم الكفر عليها، والذب عن بيضة الإسلام وحرماته.

وقد حذرنا الله تعالى من التنازع والاختلاف أيما تحذير فقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال: 46]

وفي الوقت ذاته أمرنا بالجماعة وعظم شأنها ..
قال النبي ﷺ: «عليكم بالجماعة»، وقال ﷺ: «يد الله مع الجماعة»، وقال ﷺ: «وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد».
وجاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وصححه، قال ﷺ: «وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن، السمع والطاعة، والجهاد والهجرة والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».

وإن من أسباب الفتنة والاختلاف والتنازع:

1 - ترك الاعتصام بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، والاعتماد على الأهواء وأقوال الرجال ..
قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

وقال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 101].

قال ﷺ: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب ?لله وسنتي".

وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة ؓ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا؛ فيرضـى لكم أن تعبدوه ولا تشـركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».

وكان النبي ﷺ يقول إذا خطب: «أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشـر الأمور محدثاتها».

وقال ابن عباس: "أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله تعالى".

وعن التابعي الجليل ابن شهاب الزهري ؒ، قال: كان من مضـى من علمائنا يقولون: "الاعتصام بالسنة نجاة".

وقال الإمام الأوزاعي ؒ: "عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه بالقول؛ فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ؒ: "وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة، ويطيعون الله ورسوله، فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق". ([1])
وقال أيضا ؒ: "والفتنة والفرقة لا تقعان إلا من ترك ما أمر الله به، والله تعالى أمر بالحق والعدل وأمر بالصبر، والفتنة تكون من ترك الحق أو من ترك الصبر". انتهى كلامه ؒ.

2 - ومن أسباب الاختلاف والتنازع عدم تمييز السنة من البدعة على بعض صغار المنتسبين للعلم أنصاف المتعلمين، الذين جعلوا أنفسهم في مصاف الأئمة المجتهدين، فتجد الواحد منهم يزعم أنه المهتدي، ويحسب أن السنة معه، وأن المخالف له ضال مبتدع وربما قال: كافر، فينشأ عن ذلك من التفرق والشـرور ما الله به عليم.

والسنة هي ما أمر به الله ورسوله، والبدعة هي ما لم يشرعه الله من الدين.
وقد قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43].

وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».

وعن محمد بن سيرين ؒ، قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم". انتهى كلامه.
ومن صفات رؤوس الضلالة (أهل البدع): أنهم يمررون باطلهم بعبارات شرعية رنانة، كحفظ جناب التوحيد، وملة إبراهيم، والتوحيد الخالص وغيرها؛ كما قالت الخوارج لعلي بن أبي طالب ؓ: "لا حكم إلا لله، وقالوا: "لا نحكم الرجال، نريد حكم الله".
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً