📜 {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} ▫قد يتطرق اليأس لبعض النفوس الضعيفة حين ترى تتابُع ...

📜 {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}

▫قد يتطرق اليأس لبعض النفوس الضعيفة حين ترى تتابُع النكبات بأمة الإسلام، وتداعي الأمم الكافرة عليها كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فتهتز ثقة هذه النفوس بوعد ربها! وكأنه تعالى لم يجعل لمهلكهم موعدا.

▫والعبد مأمور باليقين أنّ هذه الأحداث المؤلمة، إنما هي أقدار العدل سبحانه، وأنّ وقوعها سنة كونية جارية فيها من الحِكم العظيمة ما لا يحيط بها إلا مُجريها، وفيها من المكاسب ما لا يتحقق إلا بها، بل وعليها تترتب غايات وأحكام ومآلات يظهرها الله عقب وقوعها، لذا اقتضت حكمة الله أن تقع ولو كرهتها النفوس، وما الدنيا بجميع محطاتها إلا دار اختبار وتمحيص للعبد من حياته وحتى مماته، لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

▫وإن كان الأمر كذلك؛ فالمؤمن لا ينفك عن عبوديته لله تعالى في جميع أحواله، في حال قوته أو ضعفه، في سراءه أو ضراءه، وقد حكى الله لنا حال الأنبياء وكيف كان تعبّدهم لله على تقلُّب أحوالهم عسرا ويسرا، شدة ورخاء، فما من نبي إلا وقد ابتُلي -وأتباعه- بتسلُّط الكافرين وطغيانهم؛ فكانت عبادتهم لله في تلك المرحلة؛ الصبر واليقين والتسليم لأمر الله، والتضحية لدينه، والتبشير بحتمية فرجه ونصره لعباده، والتراحم والتواصي بالصبر على سبيله، والترغيب بما أعده المولى لأهل طاعته، والترهيب من وعيده تعالى لأهل معصيته.

▫وإذا أدرك المؤمن أن المحنة مرحلة حتمية في طريق التوحيد؛ كان حري به أن يوطّن نفسه لاستقبال هذا القدر الإلهي بما يليق به، ليخرج منه على أتم إيمان وأكمل يقين، وأن يربّي نفسه خلاله على أعلى المراتب في الإيمان والتسليم والعبادة والأخلاق والأخوة والإيثار والبذل، وغير ذلك مما علّمه النبي ﷺ أصحابه حال اشتداد المحنة، فلا تمر عليه إلا وقد فقه عن الله مراده من الابتلاء، وحكمته مما كتبه عليه من الشدة واللأواء، فلا أحد حينئذ أحسن ظنا بالله منه، ولا أحد أشد تمسكا بالتوحيد منه، ولا أصلب على المصائب وأشد تحملا للمصاعب منه، وتلك كلها كنوز حظي بها وثمرات قطفها في ظلال الشدة والمحنة فانقلبت منحة، فتأمل.

▫بهذا يُصيّر المؤمن محنته منحة؛ بحسن اتّباعه وتسليمه لأقدار ربه، وحرصه على ألا يخرج منها إلا فائزا حائزا أجور الصابرين الموقنين، ولا شك أن هذه الفضيلة الإيمانية تشتد الحاجة إليها في بيئة الجهاد أكثر من غيرها، لأنه لا قيام للجهاد إلا بها، والمجاهد له من الابتلاء والمحنة قدر كبير لأنه على درب الأنبياء مسيره، وعلى منهاج خاتمهم ﷺ مستقره ومقيله، وهو في الذروة يذود عن المسلمين ويحمي حماهم ويصد عادية الأمم عنهم، فمحنته على قدر همته، وتمحيصه على قدر مهمته، وأجره على قدر مشقته.

▫ومهما اشتدت المحن وتوالت الخطوب، فالواجب على المسلم، ألا يحمله ذلك على استبطاء الفرج والنصر من خالقه ومالكه، وألا يسري لقلبه سوء الظن بمدبّر أمره، وليعلم أن للأمور ميقاتا عند رب العباد، وأجلا محتوما إذا جاء لن يتقدم ولن يتأخر، وله -جل جلاله- الحكمة البالغة في تحديد موعد إهلاك الكافرين كما قال تعالى: {وَلَكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}، قال القرطبي: "أي لهلاكهم وعذابهم وقت معلوم في علمه سبحانه، إذا جاء وقت انقضاء أجلهم، لا يمكنهم أن يستأخروا ساعة باقين في الدنيا، ولا يتقدمون فيؤخرون". أهـ، سواء كان هذا بعذاب من عند الله بالكلّية، أو بعذاب يجريه على أيدي عباده، أو بهذا وذلك، فالله هو مدبّر الأمور ومصرّفها.

▫إن وعيد الله للكافرين حق لا مرية فيه، وانتقامه منهم صدق لا ريبة فيه، وهو شديد إذا وقع، فالله شديد العقاب شديد العذاب شديد المحال، وأخذه أليم شديد، ولن تنفعهم وقتها قوتهم ولا حشودهم ولا جيوشهم، كما فعل الله بأشياعهم من قبل، وأخذهم بغتة فإذا هم مبلسون آيسون، وقد أنذرهم الله فما كانوا يعتبرون، وحذّرتهم الرسل وأتباعهم فكانوا بهم يستهزءون، حتى وقع عليهم عذاب الله القاصم لظهورهم، واعترفوا بذنبهم حين عاينوا العذاب فما قبل الله منهم اعترافهم، كما قال الله تعالى يصف حالهم: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} إلى قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ،} قال ابن كثير: "ما زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف بالظلم، هجيراهم حتى حصدناهم حصدا و خمدت حركاتهم وأصواتهم خمودا".


▫فهذه عاقبة الكافرين غدا وإن تغطرسوا اليوم، وإن طغوا وبغوا وعلوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد، وسولت لهم أنفسهم ألا حساب عليهم! وظنوا أن لن يقدر أحد عليهم، كما هو حالهم في كل زمان ومكان، والله تعالى يهددهم في كتابه ويتوعدهم بعذابه كما قال عز وجل: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}، قال ابن كثير: "لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر؛ ولهذا قال: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي} أي: نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني، فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ!".

▫فالمسلمون مطالبون شرعا أن يتيقنوا وعد الله بالكافرين وبأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فهو قادم لا محالة، والله جعل الله لمهلكهم موعدا مستقرا في علمه، ولكن يؤخّره ويحجبه عنا لحِكم جليلة يريدها سبحانه منها: إتمام أجور المؤمنين، وتربيتهم على التعلق به وحده، وترقيتهم في منازل اليقين بوعوده وأخباره، وإشعارهم بعظيم فضله عليهم ونعمته بعد النصر فإنّ ذلك أدعى لشكرهم ربهم، ومنها إتمام إملاءه للكافرين والمجرمين؛ حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، ومنها تهيئة صفوف المؤمنين وتنقيتها وتطهيرها لتكون أهلا لنزول هذه الوعود الإلهية، وغيرها من حِكم الحكيم الخبير سبحانه.

▫ومَن تيقّن قدوم شيء استعدّ له وأحسن استقباله، ومِن تمام اليقين بوعد الله تعالى؛ الإعداد له وإتيان أسبابه من تجريد التوحيد لله تعالى والصدق معه، والجهاد في سبيله حق جهاده، ومراعاة سننه الكونية والشرعية فالسنن لا تحابي، فقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر ولم يخص به قوما ولا جماعة، إنما خص به من ينصره تعالى ويقف عند حدوده، فكونوا كذلك أيها المسلمون، ينصركم الله ويثبت أقدامكم.



الخميس 1 جمادى الأولى 1447هـ
...المزيد

📜【الإيمان والأماني】 ▫"ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل". بكل ...

📜【الإيمان والأماني】

▫"ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل". بكل هذا الوضوح والجلاء والدقة والصفاء؛ وصفَ أئمة السلف حقيقة الإيمان وضابطه وناظمه، تلك كانت زبدة فهمهم وخلاصة فقههم لهذه الحقيقة التي هي غاية الخلق وسبيل النجاة، وعليها مدار الممات والحياة.

▫بينما يتمنى الناس اليوم أماني كثيرة ويبنون عليها أحلاماً وأوهاماً كبيرة، بغير برهان، تماماً كما فعل الذين من قبلهم ونعى الله عليهم ذلك في كتابه فقال سبحانه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}.

▫نقل الإمام الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية عن قتادة: "أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله الآية إلى قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}، فأفلج الله حُجَّة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان". أهـ.

▫والمعنى في هذه الآية كما بيّنه المفسرون وفهمه السابقون المهديون: "أن الدين ليس بالتحلّي ولا بالتمني، وليس كل من ادعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال: إنه هو الحق، سُمع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} أي: ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمنّي، بل العبرة بطاعة الله، واتباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام". أهـ.

▫ومِن تمام عدله تعالى، رغم تفضيله الإسلام وشريعته على سائر الأديان لا شك في ذلك ولا ريب، وقضائه -سبحانه- في كتابه أنّ من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه؛ ومع ذلك فقد جعل -سبحانه- الضابط والمعيار في هذا الدين ليس مجرد الانتساب إليه كما هو حال الكثيرين اليوم، بل قيّد ذلك بالاتباع والعمل، ولذا أتبع الآية بقوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، وقوله: {وهو مؤمن} شرط وقيد بريده العمل، ثم حسم المسألة -تبارك وتعالى- وحدّها وقيّدها وأكّدها بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}، وقوله: {وهو محسن} كقوله: {وهو مؤمن}؛ كلاهما يدلان على الاتباع والإخلاص والانقياد التام لله الفرد الصمد ودينه الحق العدل.

▫ثم أوجز سبحانه حقيقة الإسلام بكلمات معدودات جامعات واضحات بيّنات محكمات غير متشابهات فقال: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}، قال ابن كثير: "الحنيف هو المائل عن الشرك قصدا، التارك له عن بصيرة، المقبل على الحق بكليته، لا يصده عنه صاد، ولا يرده عنه راد، وقال: هم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة". أهـ. فهذا هو الإسلام يا أمة الإسلام، ليس بالأماني ولا الدعاوى والأوهام.

▫واليوم يدّعي كثير من الأفراد والجماعات
أنهم على الحق، ويتوهمون أنهم على الجادة، وأنهم أهل الطريقة المُثلى والراية الفُضلى وغيرها من أوصاف التزكية والتفضيل ونعوت الثناء والتبجيل، ويسيطر عليهم الوهم بذلك، وهم في الحقيقة خلاف ذلك، بل هم يتقلبون في الضلالة وينغمسون في الغواية حتى أخمصهم، لكن زيّن لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوها على غير حقيقتها كما أخبر تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}.

▫يقودنا ذلك للحديث عن الوهم، وهو داء عضال ومرض خطير قتّال، يتفوّق على جذم الأطراف وقطع الأوصال، ذلك أنه دقيق يسري في الأفهام والأذهان سريان الدم في العروق والأبدان، ومع ذلك قلّما يُنتبه ويُتفطن إليه، فالواهمون يغرقون في أوهامهم وهم يعتقدون اعتقاداً جازماً أنهم بُعداء عنه بُرآء منه.

▫وأسباب هذا الوهم كثيرة بعضها من البيئة المحيطة وبعضها من خارجها، بعضها متصل بالنفس البشرية وبعضها منفصل عنها، إلا أن أبرز أسبابه وأكثرها شيوعاً قديماً وحديثاً: التقليد الأعمى كما فعل الكافرون الأوائل حين قلّدوا آباءهم في شركهم ورفضوا الاتباع وقالوا: (حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا)، ومن أسباب الوهم التعجُّل والتسرُّع في ضبط الانفعالات والمواقف خصوصاً في زمن طغيان العواطف على العقائد! وغلبة المظاهر على البواطن، ومنها الجهل واتباع الظنون، وأسوأ منه الجهل المركّب فهو مرتع الأوهام ومحضن الواهمين، ومنها اتباع الهوى وبين الوهم والهوى وئام لا ينقضي، ومنها الكبر والغرور وهما متجذران في نفوس الواهمين حتى تكاد تراه رأي العين، ومنها ضعف الحجة وفقدان البصيرة، والوهم والبصيرة في عداء لا ينتهي.

▫وخطورة الوهم تكمن في أنّ له سلطانا كبيرا على العقول والنفوس، وتعظم خطورة الأوهام والأماني عندما تكون في أبواب المعتقدات، وأكثر الناس اليوم صرعى وأسرى أوهامهم وأمانيهم التي درجوا عليها حتى عشعشت في عقولهم ورانت على قلوبهم وبنوا عليها أحكاما وتصورات أنزلوها منزلة المسلّمات الراسخات وهي في حقيقتها ضلالات وسرابات.

▫والمتأمل يجد أنّ الوهم والتوهم وكل تصاريفه ومشتقاته ومعانيه ومدلولاته، قواسم مشتركة بين أعداء الجهاد على اختلاف مشاربهم، فتراهم جميعا يهيمون على وجوههم في بحار الأوهام والأهواء والأحلام والشكوك والظنون والجهل والأكاذيب والتخرّصات والأماني الخدّاعات.. وعدِّد ما شئت من معاني ومدلولات الوهم والريبة والاضطراب، فهؤلاء لمّا فارقوا سبيل الجهاد؛ حرمهم الله الهداية فأضلهم عن سبيله، واقرأوا إنْ شئتم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.

▫لذا ينبغي للمؤمن أن يُعرف بتوحيده إذا أشرك الناس، وبهدايته إذا ضلّ الناس، وبثباته إذا تراجع الناس، وبفهمه إذا زاغ الناس، وبرويّته إذا طاش الناس، ينبغي للمؤمن أن تغلب عقيدتُه عاطفته وأن يوجّه إيمانُه عملَه، وأن يكون هواه تبعا لما جاء به نبيه ﷺ، فهذا هو الإيمان وما سواه أماني وأوهام.
...المزيد

◽【العبور إلى كامب ديفيد!】 ▫من يقرأ بنود "قمة السلام" بنسختها الأمريكية الأخيرة في "شرم الشيخ" ...

◽【العبور إلى كامب ديفيد!】

▫من يقرأ بنود "قمة السلام" بنسختها الأمريكية الأخيرة في "شرم الشيخ" حول وقف الحرب في غزة؛ تعود به الذاكرة تلقائيا إلى مؤتمرات وقمم السلام الأولى بين "منظمة التحرير الفلسطينية" واليهود، التي كانت تنتهي على نحو مشابه، وكأنّ بعض البنود نُقلت حرفيا من نصوص الاتفاقيات السابقة.

▫وليس من قبيل المصادفة أن يختار رعاة الاتفاق الجاهلي، مدينة "شرم الشيخ" موقعا لعقد القمة وتوقيع الاتفاق، فالمدينة منذ "تحريرها" غدت قِبلة السلام مع اليهود! وساحة لنذر قرابين التعهد بحفظ أمنهم، ووجهة مفضلة لسياحهم، في سياق طبيعي لمفهوم "التحرير" في قاموس الوطنية على غرار "تحرير" دمشق وبغداد وكابل، وهلم جرا.

▫ولتنشيط ذاكرة القارئ قليلا، نذكّره بأن من جملة مؤتمرات السلام التي شهدتها المدينة؛ قمة السلام التي عُقدت قبل عقدين من الآن، بحضور الطاغوتين "عباس" و "شارون" وتمّ فيها الإعلان رسميا عن نهاية ما عُرف بـ "الانتفاضة" والتزام خطة "خارطة الطريق" للسلام؛ وهو ما رفضته حركات التحرُّر الوطني آنذاك في ذروة حماسها وعدته خيانة وتفريطا، بينما عادت إليه اليوم بخفي حنين في نفس المدينة وبرعاية نفس الأطراف الدولية، مضافا إليها تركيا "ذراع الغرب" الصليبي وقطر عرابة الترويض والاحتواء.

▫ومن تناقضات قمة الأكاذيب، أن يعد السفّاح ترامب أهل غزة بالسلام! وأن يحاضر "جزارُ الباب" عن الإعمار! وأن يتحدث فرعون مصر عن وقف الألم! وأن تقود بريطانيا صاحبة "وعد بلفور" ومعها فرنسا الحاقدة، جهود إعادة إعمار غزة، وكأن الغزاة التاريخيين خرجوا من الباب وعادوا من النافذة.

▫على خشبة مسرح السلام قال ترامب: "هذا فجر يوم تاريخي جديد للشرق الأوسط!". صحيح أن الفلسطينيين لطالموا ترنّموا بفجر الحرية والتحرير؛ لكن هل كانوا يقصدون هذا "الفجر التاريخي" الذي يشيد به ترامب؟ أكان فجرا أم غسقا ينذر بأيام حالكة لشعب تائه يتلمّس الحرية في غير مظانها، ويتجرع باستمرار غصص التجارب والنكسات الوطنية المتعاقبة التي تشابهت نهاياتها، بعد أن تشابهت بداياتها وجذورها "الوطنية".

▫"قمة السلام" التي رعتها أمريكا وقطر ومصر وتركيا، وحضرها أكثر من ۲۰ رئيس دولة؛ جاءت تطبيقا عمليا لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي رسمه اليهود والصليبيون بالمجازر والنار والحديد، بينما يصفق العالم اليوم لهذه القمة المخادعة، وينعتها بكل وقاحة بقمة السلام!

▫ولعل من أسوأ بنود هذه القمة -وكلها سيئة- كما نشرها البيت الأسود: "تفكيك التطرف والتشدد بجميع أشكالهما"، وهو ما أكده ترامب على نحو أوضح في خطابه أمام "الكنيست" اليهودي قائلا إن "غزة لن تشكل تهديدا مستقبليا لأمن إسرائيل!".

▫لقد سمعنا هذا الطرح من قبل، ضمن بنود "اتفاق السلام" بنسخته الأفغانية الذي بموجبه تسلمت طالبان الحكم و "تحررت كابل!"، ثم سمعناه مجددا في عهد "سوريا الجديدة" بعد تسلُّم الجولاني للحكم خلفا للأسد و "تحررت دمشق!"، وها نحن نسمعه مجددا في اتفاق غزة بمرحلته الأولى، فهل أصبحت "مشاريع التحرر" لا تنتهي إلا بهذه الخاتمة: "نبذ الإرهاب" وضمان الأمن اليهودي والصليبي؟! أم أن للقصة بقية كما يرددون؟!

▫إن الترجمة الحقيقية لقمّة "شرم الشيخ" هي التعهد بحماية أمن دويلة اليهود والتوبة والإقلاع عن مهاجمتها، والانخراط في تطبيع العلاقات معها، خصوصا أن حكومات عديدة كانت تنتظر توقف طوفان الدماء في غزة، لتُجري أنهار التطبيع والموالاة الرسمية والعلنية مع اليهود، ولا نعني بذلك طواغيت الخليج فحسب، لأن القائمة تطول.

▫وسواء تعثّرت "اتفاقية السلام" الجديدة أو تعمقت وترسخت وغرست أنيابها في الجسد الفلسطيني المثخن بالجراح والألم، فإننا نخاطب إخواننا المسلمين في فلسطين بخطاب التواصي بالصبر والحق والمرحمة، نذكّرهم بأن الله تعالى شرع لنا دينا قويما أتمّه وأكمله وأفرده، ونفى ما سواه وأبطله، وشرع لنا سبحانه الجهاد يحرسه ويذب عنه، فهذا هو طريق الخلاص فخوضوه كما يحب ويرضى سبحانه، واكفروا بكل ما سواه من دروب الجاهلية والوطنية فهي لن توصلكم سوى إلى مزيد من قمم الأوهام وما "أوسلو" وأخواتها عنكم ببعيد، وقد جاءت كلها بعد ثورات جاهلية لم يكن الإسلام فيها سبيلا ولا حلا وحيدا، فاسمعوا وعوا ولا تكرروا الوقوع في نفس الحفر، واعلموا أن صون الدماء ليس بمجرد وقفها، فقد تتوقف ولا تُصان! وإنما يكون صونها برهنها وجريانها على منهاج النبوة تحت راية الشريعة المحمدية.

▫وفي هذا الموطن والظرف العصيب، فإننا لا نعزي إخواننا المسلمين هناك بقتلاهم فحسب، لأن مصابهم الجلل بعد كل هذه الدماء في "الاتفاق المشؤوم" الذي -لو تم- فإنه يمهّد لحقبة جديدة من الغزو والوصاية الدولية بذريعة "تشكيل هيئة انتقالية لإدارة "غزة" يديرها "مجلس سلام" يتنفس الرضا اليهودي ولا يخرج عنه شبرا.


▫وليس غريبا أن تنتهي مشاريع "المقاومة والتحرر الوطني" من أفغانستان مرورا بسوريا وصولا إلى فلسطين، باتفاقيات "التسوية والسلام ونبذ العنف " بوساطة أمريكية تُشكر على جهودها بعد أن كانت "شريكا في الإبادة!"، فعلى كل حال هذا هو الفرق بين طريق الجهاد وطرق "التحرر الوطني" التي استمر البعض عبثا يحاول إذابة الفوارق بينها، كما لم يكن مستبعدا ولا مستغربا أن ينتهي "العبور الأول" بنفس ما انتهى "العبور الثاني" بتواقيع ووعود أمريكية، وكأن الجيوش القومية والكتائب الوطنية تسير منذ "كامب ديفيد" الأول إلى "كامب ديفيد" آخر ولكن هذه المرة في "شرم الشيخ" أو "مدينة السلام" كما يسمونها.

▫بينما بقي المجاهدون الربيون الغرباء يشقون طريقهم بكل ثبات ويقين نحو خيبر ومكة وحطين، وهي قادمة لا محالة -بإذن الله تعالى- بعد هذا المخاض العسير الذي صار فيه الناس إلى "أكثرية" فقدت ثقتها بكل صور القتال ضد اليهود، و "طائفة " قليلة صابرة مؤمنة يهيء الله لها الأسباب بحكمته لتقود رحى الحروب الدينية القادمة التي يردد فيها الحجر أو الشجر : (يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيُّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ).

▫إن عصا موسى -عليه السلام- معجزة خاصة بزمانه، وليس لأحد أن يرفعها ويشق بها البحر بحثا عن مخرج، فعصر المعجزات انتهى، وإنما أبقى الله لنا سيف نبيه ﷺ مشرعا ومنهاجه باقيا وطريقه ممتدا إلى قيام الساعة، فهذا هو طريق العبور الوحيد يا شباب الإسلام، وما سواه فـ "كامب ديفيد" أو "أوسلو" أو "شرم الشيخ" تغيّرت الأسماء والنتيجة واحدة.



الخميس 24 ربيع الآخر 1447هـ
...المزيد

◾️متغيّرات وثابت وحيد ▫يزدحم المشهد العالمي بالتطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة في التحالفات ...

◾️متغيّرات وثابت وحيد

▫يزدحم المشهد العالمي بالتطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة في التحالفات والصراعات، الأمر الذي أصاب الكثيرين بالتيه والحيرة جراء التسارع الرهيب في الأحداث، وما ذلك إلا لغفلتهم عن الاستمساك بالعروة الوثقى؛ الثابت الوحيد وسط كل هذه المتغيّرات، وحبل الله العاصم من كل هذه القواصم.

▫ولعل أبرز ما يطفو على السطح هذه الأيام القمم والمؤتمرات بل المؤامرات المنصبة على جهود وضع خاتمة للمشهد الفلسطيني الدامي، وجهود سوق طواغيت العرب إلى جحر "التطبيع" مع اليهود موالاة وتوليا، علما أن جميع الأطراف الطاغوتية متورطة في نسج خيوط هذه المؤامرة اليهودية الصليبية على أمة الإسلام، ولا وجود للأبرياء أو المحايدين في هذا الملف.

▫وبينما تغرق الساحة الدولية بهذه الصراعات والمتغيرات، يقف البعض حائرا تائها لا يدري ماذا يفعل، وما الموقف الذي يتخذه حيال هذا الواقع المضطرب الذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، ولا شك أن هذا الشعور يختلج صدور كثير من عامة المسلمين، إذا ما أردنا أن نفرّق بين العامة والخاصة في زمن الإسفاف.

▫والحقيقة أن هذا "التيه" لا يليق بالمسلم وبين يديه كتاب ربه سبحانه، وسنة نبيهﷺ الذي ما ترك خيرا إلا دلّنا عليه ولا شرا إلا حذَّرنا منه، حتى أكمل الله به الدين وأتمّ به النعمة، وتركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال.

▫والسبب الرئيس لكل هذا التيه والعمه، هو تعطيل الكتاب والسنة في حياة الناس، والمرء قد يتلو الآيات ليل نهار، لكنها مع ذلك معطلة في حياته؛ ليست سوى تراتيل تُتلى ثم تُطوى ولا يبقى.

▫منها أثر في واقعه العملي، وبذلك يفقد المرء بصيرته، فأنى يبصر النور وسط هذا النفق المظلم؟!

▫ولقد دلّنا الوحيُّ على الموقف غير المحايد الذي ينبغي للمسلم اتخاذه تجاه المتغيرات من حوله، وأكدت نصوص الشريعة أن التوحيد هو الثابت الوحيد والركن الشديد الذي يأوي إليه المسلم في جميع أحواله، ويبقى بالنسبة إليه المعيار والميزان الذي يزن الأمور به ويقيس المواقف وفقا له، ولا يخرج عنه قيد أنملة، لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول}، وحديث ابن عباس عن النبي ﷺ قال: (إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِﷺ). [الحاكم والبيهقي].

▫فعبر منظار التوحيد وبوصلته، يرى المسلم جميع هذه المؤتمرات مؤامرات صرفة يحيكها دهاقنة الشر من الغزاة اليهود والصليبيين لأمة الإسلام، سواء فيما يتعلق بفلسطين أو سوريا الأسيرتين، أو فيما يتعلق بملف موالاة اليهود تحت مسمى "تطبيع العلاقات" أو غيرها من الملفات التي تتصدر المشهد.

▫وهاهنا لفتة منهجية مهمة لمن يعادي "التطبيع" وطنيةً لا ديانةً؛ إن الحل الأوحد الذي يصمد أمام "مؤامرة التطبيع" هو التوحيد بولائه وبرائه، وليست الوطنية ومشتقاتها من "المقاومة" و "الثورة" وغيرها من المفرزات التي أنتجتها المناهج الجاهلية وطغت على المشهد خلال العقود الأخيرة ولم ينج منها إلا من رحم.

▫وبالتالي، فالمسلم الذي يشتكي "التيه والحيرة" من متغيرات الساحة وتقلباتها، مأمور شرعا بلزوم منهاج نبيهﷺ الذي أرسله الله هاديا وبشيرا بالتوحيد الذي لا تغيّره صروف الدهر مهما بلغت، كما أرسله المولى -تبارك وتعالى- بشريعة الجهاد الذي هو سلاحالمسلم في التصدي لجيوش الأحزاب والمنافقين الذين يجتمعون اليوم في "الأمم المتحدة" وغيرها من المحافل الجاهلية، للنيل من الإسلام.

▫ولا يتوقع المسلم أو يظن لوهلة أن كل هذه المؤتمرات والجهود الدولية الماراثونية ستتمخض عن خير للمسلمين، بل كل الشر أن يظن المرء ذلك! وكل الخير أن يقطع المرء أمله في كل هؤلاء، بل الخير المحض والواجب عليه والفرض أن يكفر بهم ويعاديهم وينظر إليهم بنفس العين التي ينظر بها إلى اليهود والنصارى، فإنْ فَعَل ذلك واستوت عنده كل الأطراف الجاهلية الناطقة بالعربية أو الأعجمية؛ زال "تيهه" وانجلت "حيرته" وأبصر الحق حقا والباطل باطلا.

▫إن المسلم الذي يشتكي "الحيرة" في زمن المتغيرات المتلاحقة، عليه أن ينهل من معين النبوة، وأن يرد مواردها العذبة فهي البوصلة التي لا تخيب، وهي النور الذي لا يخبو إلى قيام الساعة.

▫وقد أخبر تعالى في كتابه أنه يهدي أولياءه إلى نور الهداية ويخرجهم من ظلمات التيه فقال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}. قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام، فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير، وأن الكافرين إنما وليهم الشياطين تزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات، ويخرجونهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك". انتهى كلامه.

▫وحاصل الكلام أيها المسلم، أن سبيل نجاتك وهدايتك وسط هذه الظلمة هو كفرك بالطاغوت لقوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}، والعروة الوثقى هي عين ما تبحث عنه وتطلبه أيها الهائم، وهي "الطريقة المثلى والصراط المستقيم".

▫ومن أظهر صور الطاغوت في عصرنا: الحكام المرتدون الذين يحكمون بلاد المسلمين بالقوانين الجاهلية، ويوالون اليهود والنصارى وينفذون مؤامراتهم، فالمسلم مطالب بالكفر بهؤلاء كافة وتكفيرهم واتخاذهم أعداء كما يتخذ اليهود والنصارى أعداء.

▫واعلم -أيها المسلم- بأن الطاغوت منظومة جاهلية كاملة لا تقتصر على شخص الحاكم، بل تشمل كل سدنته وأعوانه وأركان حكمه؛ من الجنود والدعاة والإعلاميين والمفكرين والمؤثّرين، وكل السائرين في فلك الطاغوت الموطدين لحكمه، المنافحين عنه، الموالين له، فكل هؤلاء لبنات في منظومة الطاغوت، أمرنا اللهُ بالكفر بها، وأخبرنا تعالى أن بذلك تكون العصمة من الضلال، وأنه العروة الوثقى التي لا تنقطع.

▫فهذا هو سبيل الهداية والنجاة، والعصمة من الزيغ والانحراف في هذه الحياة، فالمتغيرات كثيرة إلا التوحيد، وكل العرى مقطوعة إلا العروة الوثقى فاستمسك بها أيها المسلم بكلتا يديك، وإلا تناوشتك الرماح وتقاذفتك الرياح، ولات حين مندم.
...المزيد

#فتاوى - السؤال:- ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطره) ؟ - ...

#فتاوى

- السؤال:- ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطره) ؟

- الجواب:- للناس فى فهم هذا الحديث مذاهب شتى: والصحيح الراجح الذى عليه سلف الأمه -رضوان الله عليهم- من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، أن الفطرة هنا هى : "الإسلام " وليس المقصود بذلك الإسلام التفصيلى بكل ما وردت به الشرائع ،إنما هو الإسلام الفطرى لله تعالى بأنه الخالق، الرزاق ،الفاطر، المستحق للعباده ،وأن هذا الأمر مغروسا فى الفطر.

- ولذلك قال أبو هريرة رضى الله عنه راوى هذا الحديث بعد ذكره: اقرأوا إن شئتم (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)

- وروى عن عكرمه، ومجاهد ،والحسن البصرى، وإبراهيم النخعي ،والضحاك، وقتاده ،رحمهم الله جميعا فى قول الله عز وجل : (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) قالوا "فطرة الله" دين الإسلام.

- ولا عبرة بما اخترعه وابتدعه أئمة الضلاله ،كالأشاعرة، والمعتزلة ،وغيرهم من المتكلمين فى تأويل هذا الحديث حسب اهوائهم .

- وليراجع الأخ السائل وفقنا الله وإياه تفاسير السلف وكلامهم ،عند قوله تعالى فى سورة الروم : (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)

- وكذا ما كتبه الإمام الحافظ بن عبد البرفى كتابه "التمهيد".

- وما كتبه شيخ الإسلام بن تيميه -رحمه الله- فى كتابه "درء تعارض العقل والنقل" حول هذا الحديث ،وهذه المسألة ،وبالله التوفيق.
...المزيد

#فتاوى - السؤال:- ما معنى قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ...

#فتاوى

- السؤال:- ما معنى قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)؟

- الجواب:- قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات)، إبراهيم مفعول به مقدم، و"ربه" فاعل فالمبتلى هو الله عز وجل، والمُبتَلَى هو إبراهيم ،والبلاء هو الإختبار والإمتحان .

- (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ)،أختلف أهل العلم فى المراد بالكلمات على أقوال منها :-

- أنها شرائع الإسلام .
- وقال بعضهم بالأمر والنهى .
- وقال بعضهم بذبح ابنه.
- وقال بعضهم بأداء الرساله .
- وكل هذه المعانى صحيحة متقاربة .

- فهذه الكلمات التى امتحن الله بها إبراهيم عليه السلام، هى كلمات كونية وشرعية، فكل قضاء قدره الله عز وجل على إبراهيم فهو من الكلمات، لذلك صبر لما أوقدت له النار وألقى فيها، وكل أمر شرعي أمر به إبراهيم فهو من الكلمات، كذبح إبنه، واختتانه، وغير ذلك.

- لذلك روى عن أبى العارية رحمه الله فى قوله تعالى (فَأَتَمَّهُنَّ) قال:- "أى عمل بهن"، وسميت هذه التكاليف الشرعية بالكلمات لأن تكليفها كان بالكلام .

- قال القرطبي -رحمه الله- قوله تعالى (بِكَلِمَاتٍ) ،الكلمات جمع كلمه، ويرجع تحقيقها إلى كلام البارى تعالى، لكنه عبر عنها عن الوظائف الذى كلفها إبراهيم عليه السلام .

- ولما كان تكليفها بالكلام، سميت به كما سمى عيسى كلمه، لأنه صدر عن كلمة وهى "كن" والله اعلم .
...المزيد

#فتاوى - السؤال:- هل يجوز تكفير المعين ؟ - الجواب:- من اتفق على كفره أو ردته بوقوع الإجماع ...

#فتاوى

- السؤال:- هل يجوز تكفير المعين ؟

- الجواب:- من اتفق على كفره أو ردته بوقوع الإجماع على كفره او ردته فيجوز بل يجب تكفيره كاليهود والنصارى والعلمانيين وكالروافض والنصيرية والدروز والإسماعيلية وكذلك من ارتكب كفرا ظاهرا لا خلاف فيه كمن قصد سب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم او توجه بالعبادة لغير الله او كهؤلاء الطواغيت المحاربين لدين الله تعالى المتحاكمين لغير شرعه كبشار والسيسي وآل سعود وغيرهم فهؤلاء يجوز للعامة إطلاق لفظ الكفر والردة عليهم بل يجب كما ذكرنا والأدلة كثيرة منها قول الله تعالى ( قل يا أيها الكافرون ) ومنها ما ورد في قصة المتحاورين في سورة الكهف حيث قال (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا )

- أما من اشتبه كفره من اهل القبلة أو وقع في أمر او كفر محتمل واشتبه هل له تأويل سائغ أم لا أو يوجد إكراه أم لا فهذا يحتاج إلى التثبت وعدم التسرع ويحتاج إلى طالب العلم المجتهد لينزل الحكم الشرعي عليه ذكر اهل العلم في ضوابط التكفير أمور منها ان يثبت الدليل على السبب المكفر والثاني أن يكون فعل الشخص لهذا السبب المكفر ظاهر لا احتمال فيه والثالث انتفاء الموانع من إكراه وتاويل وخطأ وجهل ولهذه الامور تفصيلات ليس هذا محل ذكرها والله أعلم
...المزيد

#فتاوى - السؤال:- هل يجوز للمصلي أن يقرأ القرآن من المصحف؟ - الجواب:- لقد أختلف الفقهاء ...

#فتاوى

- السؤال:- هل يجوز للمصلي أن يقرأ القرآن من المصحف؟

- الجواب:- لقد أختلف الفقهاء -رحمهم الله- في مسألة القرآءة من المصحف في الصلاة على ثلاثة أقوال:

- القول الأول: المنع مطلقاً في الفرض والنفل, وهو قول الإمام أبي حنيفة والإمام أبن حزم الظاهري رحمهم الله.
- القول الثاني: الجواز مطلقا في الفرض والنفل, وهو قول الإمام الشافعي رحمه الله.
- القول الثالث: فهو الجواز في النوافل والكراهة في الفرض, وهو قول الإمام مالك -رحمه الله- ورواية عند الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وهذا هو القول الراجح الذي نقول به.

- قال الإمام أبن وهب -رحمه الله- قال أبن شهاب: (كان خيارنا يقرأون في المصاحف في رمضان), وقال المالك والليث مثله, وقال الإمام أبن قدامه كما في "المغني" قال أحمد: (لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف, قيل له: في الفريضة؟ قال: لا لم أسمع فيه شيئا), وقال القاضي يكره في الفرض ولا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ, فإن كان حافظاً كره أيضاً, وقد سُئل أحمد عن الإمامه بالمصحف في رمضان فقال: إذا أضطروا الى ذلك... والله تعالى أعلم
...المزيد

#فتاوى - السؤال:- هل يجوز للمسافر أن ينتظر الإمام حتى ينهي أول ركعتين ثم يلتحق بالجماعة؟ - ...

#فتاوى

- السؤال:- هل يجوز للمسافر أن ينتظر الإمام حتى ينهي أول ركعتين ثم يلتحق بالجماعة؟

- الجواب:- لا يجوز للمسافر أن يفعل ذلك, إذ أن الراجح من أقوال الفقهاء أن المسافر إذا أدرك ركعة أو أكثر خلف المقيم فعليه أن يتم ولا يجوز له القصر حينئذٍ, لما رواه أحمد بسند حسن عن موسى أبن سلمه قال: (كنا مع أبن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعه وإذا رجعنا الى رحالنا صلينا ركعتين, قال: تلك سنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم-) وروى مالك بسند صحيح عن أبن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يصلي في سفره خلف المقيم أربعه, وإذا صلى وحدة صلى ركعتين, وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن أبي مجلز -رحمه الله- قال: قلت لأبن عمر -رضي الله عنهما- (أدركت ركعة من صلاة المقيمين وأنا مسافر, قال: صلي بصلاتهم)... والله أعلم ...المزيد

#فتاوى - السؤال:- هل يجوز لمرأة فى بيتها أن تقتدى بإمام المسجد الذى تسمع صوته عبر مكبرات الصوت ؟ ...

#فتاوى

- السؤال:- هل يجوز لمرأة فى بيتها أن تقتدى بإمام المسجد الذى تسمع صوته عبر مكبرات الصوت ؟

- الجواب:- لا يجوز للمرأة أن تقتدى بالإمام الذى يصلى فى الجامع، اعتمادا على صوته، لعدم إتصال الصفوف، أما إن كانت الصفوف متصلة إلى بيتها، فلا بأس حينئذ بالإقتداء بالإمام والحالة هذه.

- أما إن كان بين بيتها وبين المسجد جدار، أو طريق، فلا يصح اقتدائها بالإمام .

- قال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله (وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشى الناس فيه ،لم تصح صلاتهم فى أظهر قولى العلماء، وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط، بحيث لا يرون الصفوف)، والله تعالى أعلم .
...المزيد

ما هو الطاغوت ؟ وكيف نكفر به ؟ وماهي أنواعه ؟ ومن هم رؤوس الطواغيت ؟ الحمدلله والصلاة والسلام ...

ما هو الطاغوت ؟ وكيف نكفر به ؟ وماهي أنواعه ؟ ومن هم رؤوس الطواغيت ؟

الحمدلله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أن أول ما فرض الله على العباد هو الإيمان به والكفر بالطاغوت ، ودليل ذلك قوله تعالى : { وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِی كُلِّ أُمَّةࣲ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلطَّـٰغُوتَۖ } . فأوجب الله تعالى ، الإيمان به والكفر بالطاغوت .
ولكننا في هذا الزمن ، آمنا بالله تعالى ، وجهلنا الكفر بالطاغوت ، بل أكثرنا يجهل هذا ولا يعلمه ، وكل ذلك بسبب انتشار الجهل بيننا ، والتكاسل عن طلب العلم والقراءة في القران والسنة وكتب السلف والتابعين من العلماء ، والاكتفاء بالمعلومات العامة الدينية ، وقد تناسى أصل أصيل من الإيمان به ، حيث أنه لو لم يأت به لا يصير مؤمنا بالله.

ما هو الطاغوت ؟ وكيف نكفر به ؟ وماهي أنواعه ؟ ومن هم رؤوس الطواغيت ؟

الحمدلله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

ثم أما بعد ..

أن أول ما فرض الله على العباد هو الإيمان به والكفر بالطاغوت ، ودليل ذلك قوله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } . فأوجب الله تعالى ، الإيمان به والكفر بالطاغوت .

* السؤال الأول : ماهو الطاغوت ؟

كل ما عبد من دون الله فهو : طاغوت .

[ الإمام مالك ، وغير واحد من السلف ، والليث ، وأبو عبيدة ، والواحدي ، والكسائي ، وجماهير أهل اللغة ] .

قال الإمام مجاهد بن جبر : ( الطاغوت : الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه ، وهو صاحب أمرهم ) .

قال الإمام إبن القيم رحمه الله:
[ الطاغوت كل ماتجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم انصرفوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته] . { إعلام الموقعين المجلد الأول85 }

ويقول الإمام محمد التميمي رحمه الله - : ( والطاغوت : عام في كل ما عبد من دون الله ، فكل ما عُبد من دون الله ، ورضي بالعبادة ، من معبود ، أو متبوع ، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله ، فهو طاغوت ) اهـ [ الدرر السنية 1 / 161 ] .

قال الإمام المحقق سليمان بن عبدالله - رحمهما الله - في شرحه على كتاب التوحيد : ( الطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد ) اهـ . [ تيسير العزيز الحميد : 34 ]

قال الإمام عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين - رحمه الله - : ( اسم (الطاغوت يشمل : كل معبود من دون الله ، وكل رأس في الضلالة يدعو إلى الباطل ويحسنه ، ويشمل أيضا : كل ما نصبه الناس بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله ، ويشمل أيضا : الكاهن والساحر وسدنة الأوثان .) اهـ [ مجموعة التوحيد : 500 ] .

وقال الإمام عبدالرحمن السعدي : ( كل حكم بغير شرع الله فهو : طاغوت . ) اهـ . [ تيسير الكريم الرحمن 1/ 363 ] .

◾ السؤال الثاني : كيف نكفر بالطاغوت ؟ ونؤمن بالله ؟

قال الإمام محمد التميمي رحمه الله تعالى - : ( فأما صفة الكفر بالطاغوت : فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله ، وتتركها ، وتبغضها ، وتكفر أهلها ، وتعاديهم .
وأما معنى الإيمان بالله : فأن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون من سواه ، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله ، وتنفيها عن كل معبود سواه ، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم ، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم .
وهذه ملة إبراهيم التي سفه نفسه من رغب عنها ، وهذه هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله
( قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ فِیۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥۤ إِذۡ قَالُوا۟ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَ ٰۤ⁠ ؤُا۟ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰ⁠وَةُ وَٱلۡبَغۡضَاۤءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥۤ ) اهـ [ الدرر السنية 1 / 161 ]

يقول الإمام سليمان بن سحمان : ( قال تعالى : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى } [ الزمر : 17 ] . ففي هذه الآيات من الحجج على وجوب اجتنابه - أي الطاغوت - وجوه كثيرة .

والمراد من اجتنابه هو : بغضه وعداوته بالقلب ، وسبّه ،وتقبيحه باللسان ، وإزالته عند القدرة ، ومفارقته ، فمن ادعى اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق ) اهـ . [ الدرر السنية 10 / 502 ] .

السؤال الثالث : ماهي أنواع الطاغوت ؟


قال الإمام سليمان بن سحمان - رحمهما الله - : ( وحاصله : أن الطاغوت ثلاثة أنواع :


1- طاغوت حكم .


2- وطاغوت عبادة .


3- وطاغوت طاعة ومتابعة . ) اهـ . [ الدرر السنية 10 / 503 ]



السؤال الرابع : من هم رؤوس الطواغيت ؟

◼والطواغيت كثيرة، ورؤوسهم خمسة

◼ الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله، قال تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [يـس: 60] .

- فالشيطان هو الطاغوت الأكبر، الذي يسعى دوماً لصرف الناس عن طاعة الله، وهناك من البشر من يشاركون الشيطان في صد الناس عن عبادة الله، وهؤلاء أيضا طواغيت.

◼ الثاني: الحاكم المغير لأحكام الله، قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } [ النساء: 60 ].

- ومن هؤلاء رؤساء الدول والحكومات والملوك والأمراء الذين يستبدلون أحكام الشريعة بالقوانين الوضعية والأحكام العُرفية والتقاليد العشائرية،
أو يعطلون حكم الشرع، كإلغائهم : الحدود والجهاد والزكاة الخ .....

◼الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله، قال تعالى: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [ المائدة: 44 ].

- قال ابن القيم: " من حاكم خصمه إلى غير الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت، وقد أُمر أن يكفر به، ولا يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده " [ طريق الهجرتين ].

- فإذا حكم الحاكم أو القاضي بين متخاصمين بغير ما أنزل الله؛ كان حكم بالقوانين الوضعية أو بالأعراف الاجتماعية أو بالهوى؛ فقد ارتد عن دين الله وصار طاغوتاٌ.

- وكذلك فإن كل من تحاكم إلى هذا الحاكم بغير ما أنزل الله من المتخاصمين فهم كفار, قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65], فنفى الله سبحانه الإيمان عنهم: لأنهم لم يُحكموا شرع الله بينهم, كما نفى الله تعالى الإيمان عمن تحاكم إلى الطاغوت, أو نوى وأراد التحاكم إليه, كما في الآية السابقة: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}.

◼ الرابع: مَن أدعى علم الغيب, قال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65].
- فمن يزعم أنه يعلم الغيب فهو طاغوت, لأنه جعل نفسه نداً لله ونازعه في صفةٍ من صفات الربوبية, قال الحق سبحانه: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام:59], وقال جل في علاه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن:26], وبهذا فإن مدعي الغيب مُكذبٌ لصريح القرآن الكريم.

- ويجب على المسلم أن يحذر من الذهاب إلى كل من يدعي علم الغيب, كالسحرة والكهان والعرافين, ويحذر من أن يصدقهم فيما يدعونه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» [رواه مسلم], وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهناً أو عرافاً, فصدقهُ بما يقول, فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» [حديث حسن, رواه أحمد وغيره].

- فمجرد إتيان السحرة والكهان والعرافين سبب لعدم قبول الصلاة, أما إذا اقترن بإتيانهم تصديقهم بما يدعون فهذا سبب من أسباب الكفر.

◼ الخامس: مَن عُبِدَ مِن دون الله وهو راضٍ, أو مَن دعا الناس إلى عبادة نفسه, والدليل قوله تعالى: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [النبياء:29].

- فالعبادة حق لله عز وجل, ولا ينبغي لأحد أن يدعو لعبادة نفسه, أو لعبادة أحد غير الله تعالى, فمن فعل ذلك, أو لم يفعل لكنه رَضِيَ أن يُعبَدَ من دون الله؛ فهو طاغوت.
...المزيد

الدركات في باب الحكم بغير ما أنزل الله وهنا نقف وقفة من باب التأصيل والتقعيد لهذه المسألة ...

الدركات في باب الحكم بغير ما أنزل الله

وهنا نقف وقفة من باب التأصيل والتقعيد لهذه المسألة الجليلة التي كَثُرَ فيها اللغط في هذه الأيام، وكَثُرَ فيها الإختلاف بين قائل ومُتقوّل بعلم وبغير علم ، بفهم وبغير فهم ، فالكل يخوض في هذه المسألة من باب الترقيع لبعض الطوائف والحكومات وإباحة ما تفعل ، أو الذب والدفاع عنها بما استطاعوا من البيان كما قال ﷺ : [ أَخْوَف ما أخاف عليكم … جدالُ منافق بالقرآن ] كذلك رُوي عن النبي ﷺ أنه – قال : [ منافق عليم اللسان ] .
وهذه الدركات التي هي في باب الحكم بغير ما أنزل الله .


أولاً : الحكم بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى – ينقسم إلى دركات :-

– الدركة الأولى :

التي هي أقل هاتيك الدركات خطئاً وإثماً وأهون تلك الدركات هي مُجمل الذنوب والمعاصي ، التي هي من قبيل الحكم بغير ما أنزل الله
فالسرقة ليست حكم الله وإنما هي حكم بغير ما أنزل الله والزنا والخمر وقِسْ على ذلك، فهذه المعاصي هي غير حكم الله – سبحانه وتعالى – ولكنها من قبيل ما هو
كفر دون كفر ؛ کفر لا ينقل عن الملة إنما هي كبائر ومعاصي لا تُخرِج بصاحبها من الملة ما لم يَستَحِلَّ تلك المعاصي ، فهذه أول دركة ولذلك ذَكَرَ الإمام الرازي عند تفسير قول الله سبحانه وتعالى -: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} – [المائدة: 44 ]
قال: الخوارج أَنْزَلُوا هذه الآية على سائر المعاصي، وقالوا بأنها -أي المعاصي – هي حُكم بغير ما أنزل الله وبالتالي هي كفر أكبر مُخرج من الملَّة .
لذا فنحن نوافق أنها قد تُسمى أو يُصطلح عليها بأنها حكم بغير ما أنزل الله ، لكننا لا نوافق أبدا أنها من قبيل الكُفر المُخرج من الملة ، بل أجمع العلماء جميعاً من علماء أهل السنة والجماعة على أن هذه المعاصي هي من قبيل كُفر دون كُفر ، ولا تُخرج بصاحبها من الملة ما لم يَسْتَحِلَّ تلك المعاصي .
إذن هذه الدركة مسألة إجماعية بين أهل السنة والجماعة؛ أنها ليست بكفر أكبر مُخرج من الملة، ولم يقل بالتكفير بها إلا الخوارج، فهذه الدركة الأولى وهي كما أسلفنا إجماعية في عدم تكفير صاحبها ، إلا أن يَسْتَحِلَّهَا .

– الدركة الثانية :

هي أن يحكم الحاكم بكتاب الله وسنة رسوله ، ويكون مرجعه للكتاب والسنة في حكمه ولكن في قضية معينة حَكَمَ بِهَوَاه ، ولم يجعل هذا الحكم ثابتاً بل حَكَمَ فيه إما لرشوة أو لغراية او لشفاعة لأحد أقرباءه أو لعداوة بينه وبين أحد أطراف القضية ، وللتوضيح أكثر نضرب مثالاً :
( حدث بيني وبينك خلاف فذهبنا لقاضٍ يحكم بشرع الله ، والقاضي من طرفي (قريبي مثلاً) فلم يحكم ضدي في هذه المسألة ، وإن كُنتُ على باطل ، هنا حَكَمَ بغير شرع الله ، ولكن هل يكفر ؟

ج : المسألة خلافية*،*فعن بن مسعود – رضي الله عنه – قال يكفر وكذلك قال الإمام السدي ، اما ابن عباس – إن صح عنه – وجمهور العلماء أنه لا يكفر ولكن معصية من كبائر الذنوب – كفر دون كفر – (لاحظ أنه حَكَمْ ، ولكن لم يُبدل ، يعني حَكَمَ بغير حكم الله في هذه القضية ، ولكن لم يجعله حكم دائم يحكم فيه لكل شخص في هذه القضية ، لأن ذلك من التبديل ، وكُفر التبديل أكبر مُخرج من الملة)

*

– الدركة الثالثة :

وهي دركة التبديل ، وهي أظلم من التي قبلها وكُفرها كُفر أكبر مُخرج من الملة ، كيف هذه الدركة ؟
ج : أن يأتي بحكم – واحد أو أكثر فالحُكم سواء – مثلاً من الديمقراطية ، السارق في شرعنا تُقطع يده ، هو يأتي بحكم ديمقراطي يستبدل فيه حكم الله ، ويجعل عقوبة السارق السجن مثلاً ، هنا ماذا فعل ؟
ج : استبدل حكم الله بحكم البشر
ما حكمه ؟

ج : كافر خارج من الملة بإجماع المسلمين ،وقد سبق أن نقلنا الإجماعات سابقاً ، وهنا تلاحظ الفرق بين الدركة الثانية

والثالثة ، فالثانية لم يستبدل ولم يحكم إلا في قضية معينة ، أما الثالثة فاستبدل الحُكم كلياً وطبَّقَهُ بدلاً من شرع الله وجعله شرعاً وقانوناً بدلاً من شرع الله عزّوجل .

– الدركة الرابعة :

في الدركة الثالثة لم يُشَرِّع ، بل أتى بقانون أو حُكم جاهز .
في هذه الدركة هوَ الذي يُشَرِّع ويَسنّ القوانين والأحكام ، وهذا أشنع من الثالث ، وإن كان الإثنان كَفَرَة خارجين من الإسلام ، ولكن هذا جعل نفسه شريكاً لله في تشريعه ، إذ أن التشريع حق خاص لله عز وجل فمن نَازَعَهُ في حقه كَفَر ، وهذا بإجماع المسلمين .

– الدركة الخامسة :

هذه أخبث من السابقة أيضاً ، وهي التي يدّعي أصحابها أن لهم أو لغيرهم حق التشريع المُطلق ، فهذا أعلن جهاراً أنه يُنازع الله في ربوبيته .
الدركة السابقة يُشَرِّع في قانون مُعيَّن مثلاً ولكن لا يَدّعي التشريع مطلقاً ، أما هؤلاء فيدّعون حق التشريع ، وهؤلاء أنجس من أولئك وكلاهما نَجس ، وكلاهما كَفَرَة بإجماع المسلمين .

الدركة السادسة :

أخبث الدركات جميعها ، فهذه الدركة تُعطل حُكم الله بالإضافة إلى أنها تمتنع بشوكة عن تعطيل شرع الله .
فهذه اجتمعت فيها أسباب : كفر الحكم بما أنزل الله ، وكفر الإمتناع عن شريعة الإسلام بشوكتها وقوتها ، فأصبح هناك مناط مستقل لكفرهم ألا وهو الإمتناع بالشوكة ، وقد نصَّ الإجماع على كفر هذه الطائفة ” أي المتمنعة بالسلاح والشوكة ” وجميع الحكومات التي تحكم بلاد المسلمين ، وقعت هذه الدركة فجمعت انواع الكفر والردة قاتلهم الله ولعنهم ومكن للمجاهدين من رقابهم.

ننتقل سريعاً لمراجعة الدركات بإختصار :
1 – جُملة المعاصي كالسرقة والزنا وشرب الخمر وهي بالإجماع كفر دون كفر – معصية يعني صاحبها مُسلم عاصي .

2 – يَحكم بشرع الله ، ولكن حَكَمَ بقضية معينة لهوىً أو رشوةً بغيره ، هنا أجمع جماهير العلماء على أنه لا يكفر .

3 – هنا يُبدل حكم واحد أو أكثر ، يستبدل حكم الله بحكم آخر ، هذا كافر بالإجماع ، وتَنَبَّه هُنا أن هذا لم يُشَرِّع فقط بل جاءَ بحكم جاهز اقتبسه من قانون أو شريعة أخرى .

4 – هنا لا يقتبس قانوناً أو تشريعاً من قانون آخر ، وإنما هو بنفسه يُشَرِّع القانون ، وأيضاً يكفر إجماعاً .

5 – يُشَرِّع ويَدَّعي أن له حق التشريع ، عكس الرابع الذي لا يَدَّعي حق التشريع ، فهذا نَازَعَ الله في ربوبيته ، وكافرٌ بإجماع المسلمين .

6 – هؤلاء عَطَّلوا حُكم الله ، وفوق هذا تمنَّعوا عليه بالسلاح والشوكة ، فهؤلاء تحققت فيهم مناطات كفر تعطيل الحكم ، وأضف إليها الإمتناع إذ هو ردةٌمستقلةٌ لوحدها .

وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين .
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً