علماء السوء... ملعونـون مغضــوب عليهـــم [2/1] لقد شرَّف اللهُ العلمَ وأهلَه ورَفَع قَدْرَهم ...

علماء السوء...
ملعونـون مغضــوب عليهـــم
[2/1]

لقد شرَّف اللهُ العلمَ وأهلَه ورَفَع قَدْرَهم وأعلى منزلتهم، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].

قال القرطبي: «لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء» [الجامع لأحكام القرآن].

ولذلك نفى الله سبحانه التسوية بين العلماء وغيرهم، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].

وأمر الله بالرجوع لهم فقال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

ولكن هل المقصود بالعلم هو مجرد حفظ المتون، وجرد المطوّلات، وتحقيق المخطوطات، والإحاطة بالأقوال، والتأليف التجاري؟! أبداً وكلّا!

إن العلماء الذين مدحهم الله سبحانه وسماهم بـ «أولي العلم» هم العاملون بالعلم المبلّغون له، قال الشاطبي: «العلم المعتبر شرعا -أعني الذي مدح اللهُ ورسولهُ أهلَه على الإطلاق- هو العلم الباعث على العمل» [الموافقات]، فثم تلازم بين العلم والعمل، فلا عمل بدون علم، ولا علم بدون عمل.
هتف العلمُ العملَ * فإن أجابه وإلا ارتحل
والعمل الملازم للعلم هو المُثمِر لخشية الله، فتحمله خشيته من الله أن يصدع بالحق خوفا من غضب الله وعذابه، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وعن ابْن عباس -رضي الله عنهما- قال: «العلماء بالله الذين يخافونه» [الزهد لأبي داود].

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: «ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية» [حلية الأولياء].

كما أن من العمل الملازم للعلم الجهاد في سبيل الله، فالجهاد قرين العلم كما جاء في حديث معاوية -رضي الله عنه- قال: «سمعت النبي ﷺ يقول: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين، يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، إلى يوم القيامة)» [رواه مسلم].

وهذا الاقتران في الحديث يدل على التلازم بين العلم والجهاد، وأن أهله هم الطائفة المنصورة، فقوام الدين وظهور الحق لا يكون إلا بالعلم والجهاد.

وهذا هو حال الصحابة -رضي الله عنهم- الذين هم أعلم الأمة حيث قرنوا العلم بالجهاد، والناظر في سير الصحابة من المهاجرين والأنصار يجد أن كثيرا منهم قُتِلوا في ساحات الجهاد، محققين العلم والعمل، ففي يوم اليمامة وقد استحرّ القتل بحفظة كتاب الله من الصحابة، إذ سقطت الراية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة -رضي الله عنه- فقال المسلمون: «يا سالم، إنا نخاف أن تؤتى من قبلك!» فقال: «بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي، وتقدّم فقاتل حتى قُتل».

وعلى ذلك سار التابعون وباقي الأئمة، فلهم في ساحات الرباط والغزو وقائع وجولات، بالرغم من أن الجهاد والرباط في أيامهم كان فرضاً على الكفاية.

فأولئك الأئمة أهل الحديث والزهد، فكما شاركوا في الرواية، شاركوا كذلك في الرباط وملازمة الثغور والرماية، أمثال الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، وابن القاسم، وأبي إسحاق الفزاري، ومخلد بن الحسين، وإبراهيم بن أدهم، وحذيفة المرعشي، ويوسف بن أسباط، وغيرهم كثير، فقد ترجموا علمهم بالعمل من الرباط والجهاد.

بل كان من المحدّثين من يلازم الثغر مرابطا لا يخرج، كالإمام عيسى بن يونس، ولذا كان الإمامان ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: «إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما عليه أهل الثغر، فإن الحق معهم؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}».

وعلى مر العصور تجد العلماء من أهل الحديث قائمين بواجب العمل من الجهاد والصدع بالحق، أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي صدع بالحق وجاهد التتار وقاتلهم، وكذا إلى عصر الإمام محمد بن عبد الوهاب، الذي قاتل المشركين في الجزيرة وجاهدهم بالسنان والبيان.

وإلى أيامنا هذه، فالذين أحيا الله بهم العلم والعقيدة، وظهروا بالحق وظهر الحق بهم، كانوا من أولئك الذين قرنوا العلم بالجهاد، أمثال الشيخ العَلَم أبي مصعب الزرقاوي، والشيخ أبي أنس الشامي والشيخ عبد الله الرشود والشيخ أبي الحسن الفلسطيني والشيخ أبي ميسرة الغريب، رحمهم الله جميعا.

ولذا فمَن عَلِمَ ولم يعمل بعلمه فهو مذموم شرعاً، ولا يكون من أولي العلم ولا يسمى عالماً بالمعنى الشرعي، وكيف يسمى عالماً، وهو ممقوتٌ عند الله، مغضوب عليه! فقد غضب اللهُ على اليهود وسماهم «المغضوب عليهم» لمّا لم يعملوا بعلمهم.
وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، وفي هذا بيان شدة مقت الله وغضبه على من علم ولم يعمل.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 45
◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

قتال الكفار أجمعين في سنة سيد المرسلين وخلفائه الراشدين - قاتل رسول الله قومه على دين الله، ...

قتال الكفار أجمعين في سنة سيد المرسلين وخلفائه الراشدين


- قاتل رسول الله قومه على دين الله، كما قاتل سائر كفار العرب الذين رفضوا دعوته والخضوع للإسلام، وكذلك فعل مع اليهود في المدينة وخارجها، وأرسل جيشه لقتال الروم مؤدباً لهم؛ لقتلهم رسوله، ولم يغض الطرف عنهم لقوتهم وشدة بأسهم، وأرسل رسوله إلى كسرى عظيم الفرس، يدعوه للدخول في دين التوحيد، واتباع شريعة الإسلام، مع علمه ﷺ بغطرسة كسرى وتعجرفه، ولولا أنّ الله صرف شره بمقتله، لأرسل الفرس جيشهم لحرب المسلمين في ذلك الوقت.

وفي غزوة الخندق اجتمعت على رسول الله ﷺ الأحزاب من قريش وقبائل العرب، بتحريض ومشاركة من يهود بني النضير، الذين أجلاهم رسول الله من المدينة فحنقوا على الإسلام وأهله.
قال ابن إسحاق: «فخرجت قريش، وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان، وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، في بني مرة، ومسعر بن رخيلة... فيمن تابعه من قومه من أشجع».

وحتى في هذا الكرب العظيم لم يتراجع رسول الله ﷺ عن جهاد المشركين، بل كانت سياسته التصدي لهم جميعا، مع سعيه إلى تفكيك تحالفهم من خلال دفع بعض أطرافه إلى الانسحاب منه، كما أراد أن يفعل مع غطفان، بأن يعرض عليهم قسما من ثمار المدينة على أن ينسحبوا من المعركة كي ينفرط بذلك أمر باقي الأطراف، ولكن لما وجد في أصحابه إصرارا على الثبات وأن لا يعطوا الدنية للمشركين بعد أن أعزهم الله بالإسلام عزم أمره على أن يستعين بالله على هزيمة الأحزاب كلهم، وأن لا ينال أي منهم من المسلمين ظفرا أو مغنما.

قال ابن إسحاق: «فلما أراد رسول الله ﷺ أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه، فقالا له: يا رسول الله، أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به، لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا! والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم»، وقد سره ذلك -عليه الصلاة والسلام- وأقرهم على عزمهم، فنصرهم الله -عز وجل- وأيدهم بتأييده.

وحتى ما كان بين رسول الله ﷺ والمشركين من معاهدات فإنها كانت مؤقتة بزمن، ما يعني ضمناً استمرار العداوة مع تأجيل القتال، وكذلك فإنها لم تكن على حساب الدين والتوحيد كما يفعل المرتدون حلفاء الصليبيين اليوم، الذين يزعمون أن عملهم تحت إمرة المشركين مشابه لمهادنة النبي ﷺ لبعض القبائل، ثم كان أمر الله تعالى لعبده ورسوله -عليه الصلاة والسلام- أن يقاتل المشركين بعد انتهاء عهودهم التي عاهدهم عليها مالم يستعجلوا هم القتال بنقضهم العهود.

وبعد وفاة رسول الله ﷺ ارتدّت العرب قاطبة إلا مكة والمدينة والطائف ومسجد بالبحرين، فأصر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على إنفاذ بعث أسامة -رضي الله عنه- لقتال الروم تنفيذا لوصية رسول الله ﷺ مع أنَّ ظاهر السياسة يقتضي الاحتفاظ بجيشه ليرد عن المدينة خطر المرتدين المحدق بها، ولكن وصية رسول الله ﷺ تُقدّم على ما يُظن أنه من حسن السياسة.

ثم أرسل الصديق -رضي الله عنه- الجيوش لقتال المرتدين جميعا، ولم يقبل في ذلك أي تنازل أو استثناء، وقد وفّقه الله وأظهر الحق على يديه.
قال ابن كثير، رحمه الله: «وقد تكلم الصحابة مع الصديق، في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة، ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم، ثم هم بعد ذلك يُزكّون، فامتنع الصديق من ذلك وأباه»، فأرسل -رضي الله عنه- الجيوش شمالا وجنوبا، تطارد المرتدين جميعا في عقر ديارهم، وتستأصل شأفتهم.

قال ابن كثير: «وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء، عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له. ولعكرمة بن أبي جهل، وأمره بمسيلمة. وبعث شرحبيل بن حسنة في أثره إلى مسيلمة الكذاب، ثم إلى بني قضاعة. وللمهاجر بن أبي أمية، وأمره بجنود العنسي ومعونة الأبناء... ولخالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام. ولعمرو بن العاص إلى جماع قضاعة ووديعة والحارث... إلخ».
ولم يفرّق الصديق في القتال بين من ارتد بامتناعه عن التزام الزكاة وحدها مع بقائه على سائر المباني، وبين من ناقض الإيمان بخاتم الأنبياء والمرسلين واتبع الدجالين مدعي النبوة، بل حاربهم جميعا، وسيّر إليهم السرايا والجيوش، حتى نصره الله عليهم ومكنه من رقابهم.
ولما انقضت حروب الردة أرسل الصديق -رضي الله عنه- الجيوش تغزو أعظم إمبراطوريتين في ذلك التاريخ: فارس والروم، مع أنّ المسلمين خرجوا لتوّهم من حرب شرسة مع المرتدين، استشهد فيها كثير من الصحابة، ولكنه واجب البلاغ، والهدف الذي بينه الصحابي الجليل ربعي بن عامر -رضي الله عنه- وهو على بساط الفرس وأمام عظيم قادتهم حين قال: «الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فمن قبل ذلك قبلنا منه، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله. قال: وما هو موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي» [المنتظم في تاريخ الملوك والأمم].
قالها مدوية وحجة مبطلة لقول كل من يدعي أن أسلافنا خرجوا لمجرّد تحرير التراب أو زيادة المكتسبات.

وهكذا كان المسلمون يحاربون في العراق والشام أعظم دولتين في الأرض آنذاك في آن واحد ويوقعون فيهم أنكى وأشد الهزائم، وانتصر المسلمون على الأمتين الكافرتين ونشروا دعوة التوحيد بكتاب يهدي وسيف ينصر.

واليوم يخوض أحفاد ذلك السلف الصالح من أبناء الخلافة حربهم على الكفار جميعا، وقد عزموا على أن يهزموهم جميعا ويخضعوهم لدين الله أو يهلكوا دون ذلك، ولأن تمزق أشلاؤهم أحب إليهم من أن يساوموا على دينهم وتوحيدهم، مهما بلغت قوة أعدائهم واشتدت حملتهم عليهم، فالثبات على المبدأ نصر بحد ذاته.

وليسوا بالقوم السذج الجاهلين بحسن السياسة وإدارة المعارك، ولكنها لن تكون على حساب التوحيد أو دماء المسلمين وأعراضهم، ولن تكون بالذل والخنوع والرضى والاستسلام لأعداء الله.

وجند الخلافة -بإذن الله تعالى- لن يداهنوا في دينهم، أو يتنازلوا عن شريعتهم، أو يوالوا أحدا من الكفار، لأن الله فرض عليهم معاداتهم، فليسوا كمن باع دينه لجيش تركيا المرتد أو تمسح بالصليبيين ليمدوه بالغطاء الجوي أو تسول الدعم بالسلاح وغيره، بل يتوكلون على الله وحده لا على أحد سواه، ولهم في رسول الله ﷺ وأصحابه أسوة حسنة، وظنهم بالله أنه ينصرهم على أمم الكفر جميعا، كما نصر أسلافهم ويوقنون أن البلاء والشدة والقتل والجراح، ما هي إلا تمحيص واختبار، وأن العاقبة للمتقين.


* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

◾ تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ [3/3] ولا تظن المسلمة أن الله تعالى لا يقبل إلا الكثير ...

يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ

[3/3]
ولا تظن المسلمة أن الله تعالى لا يقبل إلا الكثير والوفير، بل رُب درهم سبق ألف درهم، ورب نصف تمرة يتصدق بها صاحبها في الدنيا تقيه نار الآخرة، فعن المنذر بن جرير، عن أبيه، قال: «كنا عند رسول الله ﷺ في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله ﷺ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: ({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}) إلى آخر الآية، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18]. (تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره) -حتى قال- (ولو بشق تمرة) قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله ﷺ يتهلل، كأنه مذهبة، فقال رسول الله ﷺ: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)» [رواه مسلم].

وإذا فات المسلمة في الجهاد بالسيف من الخير الكثير، وذلك من فضل الله تعالى على الرجال، فها هو باب الجهاد بالمال العظيم مفتوح على مصراعيه ينتظر المتاجرات مع ربهن تجارة لن تبور أبدا، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: «ومن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله، وجب عليه الجهاد بماله، وهو نص أحمد في رواية أبي الحكم، وهو الذي قطع به القاضي في أحكام القرآن، في سورة براءة عند قوله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}، فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله، وعلى هذا فيجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل».

وبعض النساء تكنز الذهب قائلة: لعلِّي لا أجد يوما ما أنفق -على الدنيا طبعا- فأبيع من هذا الذهب. ولكن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- لم تكن تتبع نفس السياسة، فعائشة تصدقت بسبعين ألفا وإنها لترقع درعها، بل ويرسل إليها معاوية -رضي الله عنه- بمائة ألف درهم، فلم تغرب شمس ذاك اليوم إلا وقد تصدقت بها كلها، فتقول لها جاريتها: «لو اشتريت لنا منها بدرهم لحما؟» فتجيبها أم المؤمنين: «ألا قلت لي؟»

فإن كان هذا حال أمهات المؤمنين والصحابيات مع الصدقة والإنفاق في سبيل الله، وهنّ من هنّ، أفلا يجدر بمن هن دونهن من المسلمات ممن آتاهن الكريم من فضله، أن يتزودن لدار القرار، ما دمن في سعة من الأمر وأمنة من العيش، والله -تبارك وتعالى- يقول: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} [المنافقون: 10-11].


* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ [2/3] روى البخاري في «باب فضل من جهّز غازيا أو خلفه بخير» ...

يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ

[2/3]
روى البخاري في «باب فضل من جهّز غازيا أو خلفه بخير» عن زيد بن خالد -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (من جهّز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا)؛ وهذا ما فقهه أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فتاجر مع الرحمن تجارة أورثته الجنان، ولم يجهّز غازيا واحدا فحسب بل جيشا بأكمله لغزوة تبوك، هو جيش العسرة وما أدراك ما جيش العسرة، ذاك الجيش الذي ما سمي بالعسرة إلا لأنه كان في أيام عسيرة وأوقات عصيبة على المسلمين، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي ﷺ بألف دينار، حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي ﷺ يقلّبها في حجره ويقول: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم) مرتين. [رواه الترمذي].

بل لقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية لطيفة فقهية نفيسة تبيّن منزلة الجهاد بالمال وتقديمه على عموم الصدقات، فقال رحمه الله: «لو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي يتضرر بتركه، قدّمنا الجهاد وإن مات الجياع، كما في مسألة التترس وأولى، فإن هناك نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله» [الفتاوى الكبرى].

وإنّا إن تأملنا في حال بعض النساء اليوم، نلحظ إسرافا منهن على متاع الدنيا الزائلة، من لباس وزينة وولائم وما إلى ذلك، وفي المقابل نجد تقتيرا وشحا على دين الله تعالى وهو الغني ونحن الفقراء: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، فهل تكون المسلمة طويلة اليد إلى أمور الدنيا، قصيرة اليد إلى ما ينفعها في آخرتها؟ وهل من متأسية بسودة زوج النبي وأم المؤمنين؟ فعن عائشة، رضي الله عنها: أن بعض أزواج النبي ﷺ قلن للنبي ﷺ: «أيّنا أسرع بك لحوقا؟ قال: (أطولكن يدا)، فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة» [رواه البخاري ومسلم].

ولا تظن المسلمة أن الله تعالى لا يقبل إلا الكثير والوفير، بل رُب درهم سبق ألف درهم، ورب نصف تمرة يتصدق بها صاحبها في الدنيا تقيه نار الآخرة، فعن المنذر بن جرير، عن أبيه، قال: «كنا عند رسول الله ﷺ في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله ﷺ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: ({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}) إلى آخر الآية، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18]. (تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره) -حتى قال- (ولو بشق تمرة) قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله ﷺ يتهلل، كأنه مذهبة، فقال رسول الله ﷺ: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)» [رواه مسلم].


* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ [1/3] فرض الله تعالى القتال على عباده دون إمائه، فظن كثير ...

يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ

[1/3]
فرض الله تعالى القتال على عباده دون إمائه، فظن كثير من النساء -نساء عصرنا- أن لا جهاد عليهن أبدا، وفاتهن أنه قد بقي من أنواع الجهاد جهاد عظيم، قدَّمه الله على الجهاد بالنفس في جميع المواضع في الكتاب العزيز، إلا موضعا واحدا؛ إنه الجهاد بالمال، الذي لم يسقط في حق المرأة، كما سقط في حقها جهاد السيف من حيث الأصل، ورحم الله بعض نساء السلف، فقد كانت الواحدة منهن إذا لم تجد ما تنفقه على الغزاة، قصت ظفيرتها وجعلتها عقالا للخيل الغازية، فأين المشمّرات إعلاء لكلمة الله تعالى في الأرض، وأين المنفقات لنصرة هذا الدين؟ والجزاء جنة عرضها السماوات والأرض، بإذن الله تعالى.

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10-11]، إيمان بالله تعالى ثم جهاد في سبيله بالمال والنفس، والجهاد بالمال مقدّم لأن المال هو الذي يُبدأ فيه بالإنفاق لإعداد العدة وتجهيز الجيوش، والجهاد بالنفس فيه أهل الأعذار الذين لا حرج عليهم إن تخلفوا، والمرأة مستثناة منه، أما الجهاد بالمال فلا عذر فيه لمن أغناه الله من فضله وتأخر عن الإنفاق، لا فرق فيه بين الرجل والمرأة، والشيخ والشاب، والأعمى والبصير، والمقعد والسليم، أما من كان فقيرا فلا حرج عليه لقول الله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92].

وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) [رواه أبو داود].

يقول ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في الحكمة من تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس: «وفائدة ثانية وهي أن المال محبوب النفس ومعشوقها، التي تبذل ذاتها في تحصيله، وترتكب الأخطار وتتعرض للموت في طلبه، وهذا يدل على أنه هو محبوبها ومعشوقها، فندب الله تعالى محبيه المجاهدين في سبيله، إلى بذل معشوقهم ومحبوبهم في مرضاته، فإن المقصود أن يكون الله هو أحب شيء إليهم، ولا يكون في الوجود شيء أحب إليهم منه، فإذا بذلوا محبوبهم في حبه، نقلهم إلى مرتبة أخرى أكمل منها، وهي بذل نفوسهم له فهذا غاية الحب» [بدائع الفوائد].

ومعلوم أن النساء -إلا من عصم الله، وهنّ قليلات- يكثرن اللغو وكفران العشير والغيبة وما إلى ذلك من الذنوب المهلكة، فأرشدهنّ النبي ﷺ إلى ما يكفّرن به عن بعض ما يقترفنه في الدنيا، فعن أبي سعيد الخدري، قال: «خرج رسول الله ﷺ في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرّ على النساء، فقال: (يا معشر النساء تصدّقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير...)» الحديث [رواه البخاري].
وها هي أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- ورغم فاقتها وحاجتها، أسماء التي لم تكن تملك ذهبا ولا حليا، تسأل النبي ﷺ عن الصدقة، فعن ابن أبي مليكة، قال: «حدثتني أسماء بنت أبي بكر، قالت: قلت: يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أَدخل الزبير على بيتي، فأعطي منه؟ قال: (أعطي، ولا توكي، فيوكى عليك)» [رواه أبو داود].

قال ابن حجر: «والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة؛ لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسب عند الجزاء، لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب، فحقه أن يعطي ولا يحسب» [فتح الباري].

يجود علينا الطيبون بمالهم
ونحن بمال الطيبين نجود

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله ﷺ: (إنّ الله -عز وجل- يقبل الصدقات، ويأخذها بيمينه، فيربّيها لأحدكم كما يربّي أحدكم مُهره، أو فَلُوَّه حتى إن اللقمة لتصير مثل أُحُد)» [رواه الترمذي].

فكيف إذا كانت هذه الصدقات لتجهيز المجاهدين في سبيل الله؟ وهل يقيم الدين ويحمي بيضة الإسلام غير المجاهدين؟ وهل يذود عن الأعراض ويكسر أنف الكفر غير المجاهدين؟


* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 45 قوموا فموتوا على ما مات عليه إخوانكم يحاول أهل الباطل في كل وقت أن ...

صحيفة النبأ العدد 45
قوموا فموتوا على ما مات عليه إخوانكم


يحاول أهل الباطل في كل وقت أن يجعلوا من موت الصالحين، أو مقتلهم على أيدي أعداء الإسلام من المشركين والمرتدّين بشارة لهم على انكسار الموحّدين، وما يدري أولئك السفهاء أن الله تعالى كتب لكلِّ نفس أجلها من قبل أن تُخلق السماوات والأرض، قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، ويستوي في هذا الحكم القدري كل الناس، من نبيّ ووليّ وتقيّ، ومن كافر وظالم وشقيّ.

وما يدري أولئك السفهاء أن الله تعالى يحفظ دينه بما شاء سبحانه، ولن يزال هذا الدين قائما، لا يضره موت أحد من الناس، ولو كان ضارّه شيء لضرّه موت النبي ﷺ وصحابته الكرام، إذ بقي الدين من بعدهم، وزاده الله تمكينا وانتشارا في الأرض، بحفظه سبحانه له، وبتسخيره لخدمته عبادا له صالحين {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].

أما الربانيون الذي يخشون الله حق خشيته، ويعبدونه حق عبادته، فلا يكون قولهم إذا ما مات صالح منهم إلا أن يذكّروا إخوانهم بما ذكّر به أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أصحابه: «من كان يعبد محمدا فإن محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت».

وأما المجاهدون في سبيل الله، وهم خاصة الله من خلقه، الذين اصطفاهم من عباده ليتخذ منهم الشهداء، وليبلوهم منه بلاء حسنا، فإن موت قادتهم وأمرائهم الذين كانوا يقتحمون أمامهم غمار المعارك، ويتقحمون من أجل دينهم المهالك، لا يزيدهم إلا ثباتا وإقداما في قتال أعداء الله، ولا يكون قولهم إلا كقول أنس بن النضر -رضي الله عنه- لصحابة رسول الله ﷺ وقد وجدهم في يوم أحد وقد أرهقهم ما سمعوه من دعاية المشركين عن قتلهم لرسول الله ﷺ فقال: «ما يُجلِسُكم؟» قالوا: «قُتل رسول الله ﷺ!» قال: «فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ﷺ!» ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قُتل.

وهذه سنة الموحّدين في كل زمان ومكان، كلما قضى منهم جيل خرج الجيل الذي يليه يحمل راية التوحيد وينغمس من جديد في أتون معركة الإسلام الباقية ضد الشرك وأهله، وشعار كلٍّ منهم: قوموا فموتوا على ما مات عليه إخوانكم الذين سبقوكم بالإيمان.

إن مقتل إخواننا السابقين المصابرين كأمثال الشيخ أبي محمد العدناني -تقبله الله- لن يضرّ الإسلام شيئا، فهو محفوظ بحفظ الله -سبحانه وتعالى- له، ولن يضرّ إخواننا شيئا، فإننا نحسبهم ما خرجوا مقاتلين في سبيل الله إلا لينالوا الشهادة مقبلين غير مدبرين، وقد قال الله تعالى فيهم: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169-171].

وإن مقتلهم لن يضرّ الدولة الإسلامية بإذن الله، ما دامت ثابتة على التوحيد والسنة، وسيسخّر لها من الرجال من يغيض الله بهم الكفار، ويشفي بهم صدور قوم مؤمنين، كما سخّر لها من يقيم أصولها، ويرفع قواعدها، ويرفع صرحها، حتى بلغت -بفضل الله- ما بلغته اليوم من عز وتمكين.

فعندما فرح المشركون والمرتدون بمقتل الشيخ أبي مصعب الزرقاوي -تقبله الله- لم يدُرْ في خلدهم أن الله سيسخّر من جنود الشيخ وإخوانه من يرغم أنوفهم، ويغيض قلوبهم، من أمثال الشيخ أبي محمد العدناني، تقبله الله.

واليوم يفرحون بمقتل الشيخ أبي محمد العدناني -تقبله الله- ثم سيبكون كثيرا عندما يسلّط الله عليهم -بإذنه- من يسومهم سوء العذاب من جنود أبي محمد وإخوانه، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].


* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

◾ تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

دين الإسلام وجماعة المسلمين (4) إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم [1/3] إن كلمة التوحيد -لا ...

دين الإسلام وجماعة المسلمين (4)

إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم
[1/3]

إن كلمة التوحيد -لا إله إلا الله- التي تنفي الإلهية عما سوى الله، وتثبتها لله وحده، تبطل جميع أنواع الشرك الأكبر -في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات- فإن الإله هو الذي يستحق أن يُعبد ويُطاع لـ «ما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع» [تيسير العزيز الحميد]، فمن لم يُفرد الله بالإلهية بجميع أنواع العبادة والطاعة، ناقض شهادة التوحيد، وكذّب عمليا ما ادعاه من توحيد الربوبية والأسماء والصفات.

ومن أنواع العبادة التي أفرد الله -جل وعلا- لها الذكر في كتابه وفي سنّة نبيّه -صلى الله عليه وسلم- العبادة بالتحاكم إليه وحده والحكم بما شرعه وحده، وهي مقتضى إيمان المرء بأن الله هو {أحْكمُ الْحاكِمِين} [هود: 45] و{خيْرُ الْفاصِلِين} [الأنعام: 57]، وأنه لا أعدل منه كلمةً ولا أحسن منه حكما وأنه ليس له شريك في التشريع، فمن أشرك في حكمه أحدا، ناقض شهادة التوحيد، وكذّب عمليا ما ادعاه من توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والأدلة على توحيد الحكم والتشريع كثيرة جدا.

قال الشنقيطي: «الإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: {ولا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أحدًا} [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامر من السبعة {ولا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أحدًا} بصيغة النهي؛ وقال في الإشراك به في عبادته: {فمن كان يرْجُو لِقاء ربِّهِ فلْيعْملْ عملًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادةِ ربِّهِ أحدًا} [الكهف: 110]، فالأمران سواء كما ترى إيضاحه إن شاء الله» [أضواء البيان].

وقال أيضا: «وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الحكم لله وحده لا شريك له فيه على كلتا القراءتين جاء مبينا في آيات أخر»، ثم ذكر منها قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلّا لِلّهِ أمر ألّا تعْبُدُوا إِلّا إِيّاهُ ذلِك الدِّينُ الْقيِّمُ ولكِنّ أكْثر النّاسِ لا يعْلمُون} [يوسف: 40]، وقوله: {أفحُكْم الْجاهِلِيّةِ يبْغُون ومنْ أحْسنُ مِن اللّهِ حُكْمًا لِّقوْمٍ يُوقِنُون} [المائدة: 50]، وقوله: {أفغيْر اللّهِ أبْتغِي حكمًا وهُو الّذِي أنزل إِليْكُمُ الْكِتاب مُفصّلًا} [الأنعام: 114].

ثم قال: «ويُفهم من هذه الآيات... أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: {ولا تأْكُلُوا مِمّا لمْ يُذْكرِ اسْمُ اللّهِ عليْهِ وإِنّهُ لفِسْقٌ وإِنّ الشّياطِين ليُوحُون إِلى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وإِنْ أطعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ لمُشْرِكُون} [الأنعام: 121]، فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: {ألمْ أعْهدْ إِليْكُمْ يا بنِي آدم أن لّا تعْبُدُوا الشّيْطان إِنّهُ لكُمْ عدُوٌّ مُّبِينٌ * وأنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُّسْتقِيمٌ} [يس: 60-61]».

ثم قال: «ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء، في قوله تعالى: {وكذلِك زيّن لِكثِيرٍ مِّن الْمُشْرِكِين قتْل أوْلادِهِمْ شُركاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ ولِيلْبِسُوا عليْهِمْ دِينهُمْ ولوْ شاء اللّهُ ما فعلُوهُ فذرْهُمْ وما يفْترُون} [الأنعام: 137]، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا لعدي بن حاتم -رضي الله عنه- لما سأله عن قوله تعالى: {اتّخذُوا أحْبارهُمْ ورُهْبانهُمْ أرْبابًا مِنْ دُونِ اللّهِ} [التوبة: 31]، فبيّن له أنهم أحلّوا لهم ما حرّم الله، وحرّموا عليهم ما أحلّ الله فاتّبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا، ومن أصرح الأدلة في هذا، أن الله -جل وعلا- في سورة النساء بيّن أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب، وذلك في قوله تعالى: {ألمْ تر إِلى الّذِين يزْعُمُون أنّهُمْ آمنُوا بِما أُنزِل إِليْك وما أُنزِل مِن قبْلِك يُرِيدُون أن يتحاكمُوا إِلى الطّاغُوتِ وقدْ أُمِرُوا أن يكْفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ الشّيْطانُ أن يُضِلّهُمْ ضلالًا بعِيدًا} [النساء: 60]، وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور، أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله -جل وعلا- على ألسنة رسله -صلى الله عليهم وسلم- أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم» [أضواء البيان].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 44 الإفتتاحية: لاتزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله من يتابع إعلام ...

صحيفة النبأ العدد 44
الإفتتاحية:
لاتزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله

من يتابع إعلام الدولة الإسلامية ويرى حجم تركيزها على أن هذه الحملة الصليبية التي يواجهها جنودها الآن بكل شجاعة وإقدام هي آخر الحملات، بإذن الله، يتبادر إلى ذهنه أن جنودها يحسبون هذه الحملة عليهم نهاية المطاف، ومرحلة أخيرة من مراحل طريق الجهاد الطويل.

ومن يعرف حقائق الإسلام، يدرك أن الطائفة المنصورة لا يمكن أن تلقي السلاح يوما، أو تقعد عن جهاد المشركين، فالشرك في الأرض مستمر إلى يوم القيامة، وما بقي من أهل الإيمان فرد إلا ووجب عليه جهادهم وقتالهم حتى يخضعوا لحكم الله تعالى، كما أن المشركين مستمرون في حرب أهل الإيمان ما بقي منهم أحد على وجه الأرض، حتى يردوا المؤمنين عن دينهم إن استطاعوا.

ولما كانت أمريكا قائدةَ هذة الحملة الصليبية على أمة الإسلام، فإن انتهاء هذه الحملة سيكون قريبا بإذن الله، بانكفاء أمريكا على نفسها لتداوي ما أصابها من جراحات وتعوض ما لحقها من خسائر، لتحافظ على رأس مالها المتآكل بعد تيقّنها أن الحصول على الأرباح بات شاقا مكلفا، فما نراه اليوم هو أن أمريكا تدفع حلفاءها دفعا لمشاركتها في تحمل تكاليف الغارات الجوية ودعم جيوش المرتدين على الأرض وتمويلها، وبانسحاب أمريكا من المنطقة، ستعاني الدول الصليبية الأخرى من معضلتي العجز عن تغطية جبهات القتال الواسعة، وغياب العنصر الجامع لأشتات الدول المتحالفة.

ولكن من يوسع مجال الرؤية أكثر يجد أن العالم مليء بالمشركين من غير الصليبيين، فهناك اليهود، والملحدون اللادينيون، والمشركون من الهندوس والبوذيين والوثنيين، وهناك الطواغيت الحاكمون لبلدان المسلمين المسلوبة، والمرتدون من المنتسبين للإسلام كالرافضة والقبوريين والديموقراطيين، وهناك مرتدو الصحوات الذين يتولون أي فريق من المشركين في سبيل أن لا تُحكّم الشريعة ولا يكون الدين كلّه لله، وهناك غيرهم ممن لا نعلمهم الآن، ولكن الله يعلم وقت ظهورهم ومنابذتهم لأهل التوحيد بالعداوة والقتال.

وأمم الشرك هذه لا تقلّ عداوة للذين آمنوا عن النصارى الصليبيين، بل هم أشد الناس عداوة للمؤمنين، كما قال تعالى: {لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 42]، ومعظم هذه الأمم منغمسة في الحرب على الإسلام وأهله، وما قصص استضعافهم للمسلمين، وحربهم على شعائر الإسلام الظاهرة، عنا ببعيد.

وتذكّرنا حوادث التاريخ بأمثلة عن جرائم تلك الطوائف بحق أهل الإسلام، ولا أدلّ من قصة المغول الوثنيين الذين غزو المسلمين في عقر دارهم، وأزالوا دولتهم وخلافتهم، ودمّروا حواضرهم، وسفكوا دماءهم، وأصابوا المسلمين بفاجعة كل ما كان بعدها من الفواجع يهون عندها، كما إن قصة صراع المسلمين وخاصة في القرن الماضي مع الطواغيت المرتدين المنتسبين للإسلام لا تقل مأساتها بحال عن قصة الصراع مع الصليبيين القادمين من وراء البحار.

وما إن تنكسر هذه الحملة الصليبية -بإذن الله- حتى تتلوها حملات وحملات من أمم الشرك المختلفة، على المسلمين أن يجاهدوها أيضا، ويصبروا عليها، كما صبروا على حملات الصليبيين المتعاقبة، وحتى لو توقفت حملات المشركين عن مهاجمة دار الإسلام، فإن من واجب المسلمين أن يطلبوا المشركين في أرضهم، وأن يدخلوا عليهم الباب، فيكسروا شوكتهم، وينكّسوا رايتهم، وأن يستمروا في مطاردتهم، حتى تدين الأرض كلها بالدين لله وحده، وحتى يخضع المشركون كلهم لحكم الله، عز وجل.

إن استمرار المسلمين في قتال المشركين أبدا سنّة من سنن الله التي اختص بها هذا الدين العظيم وأهله، وقد ربط الله تعالى قيام هذا الدين بذلك القتال، كما في قوله، صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة) [رواه مسلم]، وقوله، صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) [رواه مسلم].

فليحرص كل مسلم أن يكون في صف هذه العصابة من الموحّدين التي لا تنقطع إلى قيام الساعة، فإنهم لا يضرّهم من خالفهم ولا من خذلهم وهم مستمرون في جهادهم بقدر من الله يسوقهم إليه سوقا، وليحرص كل مجاهد أن يجدّد نيته دائما على الاستمرار في قتال المشركين حتى يأتيه اليقين، فيبعثه الله في زمرة الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 44
الثلاثاء 19 ذو القعدة 1437 ه‍ـ
...المزيد

إخواننا المسلمين في القوقاز يا أحفاد شامل وعمروف وأبي عمر الشيشاني انضموا إلى الدولة ...

إخواننا المسلمين في القوقاز

يا أحفاد شامل وعمروف وأبي عمر الشيشاني
انضموا إلى الدولة الإسلامية
ابنوا مع إخوانكم ولاية القوقاز
لا تكونوا لعبة بيد روسيا في حروبها
لا تكونوا يدًا للمجرمين في الكرملين

إما إقامة دولة إسلامية أو حربٌ على روسيا الصليبية!
...المزيد

فتاوى ابن تيمية: مواضع المنكرات "ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التى يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه ...

فتاوى ابن تيمية: مواضع المنكرات

"ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التى يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه الإنكار إلا لموجب شرعي مثل:

أن يكون هناك أمر يحتاج إليه لمصلحة دينه أو دنياه لا بد فيه من حضوره أو مكرها، فأما حضوره لمجرد الفرجة وإحضار امرأته تشاهد ذلك، فهذا مما يقدح في عدالته ومروءته إذا أصر عليه".

ابن تيمية - مجموع الفتاوى (239/28)
...المزيد

زَقُّومُ مَجَالِسِ النِّسَاءِ [3/3] أما النميمة وما أدراك ما النميمة، فتلك أمرها أشد وأعظم من ...

زَقُّومُ مَجَالِسِ النِّسَاءِ
[3/3]

أما النميمة وما أدراك ما النميمة، فتلك أمرها أشد وأعظم من الغيبة، وهي -كما عرّفها أهل العلم- نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم، وقد ذم الله -عز وجل- النمَّامين في محكم التنزيل فقال تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 10-11]، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قَتَّات) [متفق عليه]، والقَتَّات النَمَّام الذي ينقل الكلام بين الناس بغية الإفساد وإحداث فتنة، وما أبغض هذا الخُلُق وأسوأه، وكيف يطيب عيشه وينام ليله من كان هذا طبعه؟ وعن يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- قال: «النمّام يفسد في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر» [الآداب للبيهقي].

وبعض النسوة لهن أكثر من وجه، فتجد إحداهن تأتي هذه بوجه والأخرى بوجه، وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه)، وما تكاد النمّامة تسمع من مسلمة كلمة في حق أخت لها، حتى تطير بها إليها زاعمة أن ذلك من المحبة والإخلاص، كذبت والله، فهذا من إفساد ذات البين، فما تنقل المُحِبَّة لأختها ما يكدّرها وينزغ بينها وبين مسلمة، وما تمشي من تخشى الله واليوم الآخر بوقيعة بين المسلمين، فلتحذر المسلمة من أن تكون من الفاسقات، إن هي سلكت سبيل المشّائين بنميم إذ يقول الله، عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6].

والنميمة من موجبات عذاب القبر، فعن ابن عباس قال: «مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قبرين، فقال: (أما إنهما ليُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)» [متفق عليه].

ولتعلم من يبلغها من أختها شرّ في حقها أن من نقلت لها ستنقل عنها حتما، هكذا هي معادلة النمامين! وعليها أن تردّها وتنهرها وتقبّح صنيعها وتذكّرها بالله وشديد عقابه علَّها تنزجر وتتعظ.
وأخيرا: حذار حذار يا أَمَة الله من أن تأتي يا مسلمة يوم القيامة مفلسة من الحسنات التي كنت تجمعينها بصلاتك وزكاتك وقراءتك القرآن وتحريضك وهجرتك... إلخ، روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أتدرون من المفلس؟) قالوا: «المفلس فينا يا رسول الله، من لا درهم له، ولا متاع»، قال: (المفلس من أمتي يوم القيامة من يأتي بصلاة، وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم عرض هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرح عليه، ثم طرح في النار).

وحريّ بالمسلمة مريدة الآخرة أن تجعل من بيتها منارة من منارات الهدى، ومن مجالسها شعلة من مشاعل الإيمان، فلا تقومنّ من مجلس كمن تقوم من على جثة حمار، لحديث النبي، صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة) [رواه أبو داود].

كما عليها أن تختار لنفسها صحبة صالحة تعينها على أمر الآخرة، فيجتهدن لتعلم أمر دينهن والسؤال عما ينفعهن.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

زَقُّومُ مَجَالِسِ النِّسَاءِ [2/3] وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن ...

زَقُّومُ مَجَالِسِ النِّسَاءِ
[2/3]

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا، يهوي بها سبعين خريفا في النار)، ولفظ (الرجل) هنا لا يعني أن المعنيين بالخطاب الرجال فحسب، بل المرأة كذلك يشملها هذا الحديث وهذا الوعيد، وإن كانت كلمة تفعل بصاحبها هذا الفعل، فكيف بكلمات وكلمات، بل كيف بمجالس تدوم لساعات وساعات، لا حديث فيها إلا عن فلان أو فلانة.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه) [رواه مسلم]، نعم عرضه الذي لا ترقب فيه المغتابة إلّاً ولا ذمة، فنجد الواحدة من النساء رقيقات الدين تلوك في عرض أختها المسلمة دونما خوف أو رادع لها.

ويحك يا مسلمة، أما بلغك حديث نبيك -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم) [رواه أبو داود]، نعم هذا حال الواقعين في أعراض المسلمين في الآخرة والعياذ بالله، أم حسب المغتابون أنهم لا يُسألون؟!

وعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) [رواه أبو داود].

أتدرين ما ردغة الخبال يا مسلمة؟ قال ابن الأثير: «جاء تفسيرها في الحديث أنها عصارة أهل النار، والردغة، بسكون الدال وفتحها: طين ووحل كثير».

روي أن الإمام ابن سيرين -رحمه الله تعالى- ذكر رجلا فقال: «ذاك الرجل الأسود»، فخاف وجزع ثم استدرك: «أستغفر الله، إني أراني قد اغتبته»!
فلتحذر المسلمة من هول يومٍ عظيم، فالله -تبارك وتعالى- قد يغفر لك ما كان في حقه عليك من تقصير أو تفريط، أما حقوق عبيده الذين تعديتِ عليهم فلن يغفرها حتى يعفوا هم عنك، ولتعلمي أن مجالسك الدنيوية ستكون يوم القيامة شاهدة عليك، وجهاز الهاتف الذي تقضي به بعضُ المسلمات الأوقات الطوال، تذكر أختا لها مسلمة بسوء أو شر، هو أيضا سيأتي يوم الحساب شاهدا عليك، ولا تظني يا مسلمة أن دعاء كفارة المجلس الذي تلهج به المغتابة بعد الانتهاء من أكل لحم أختها، أو قول: «غفر الله لنا ولها»، سينجيك بين يدي الحسيب، لأن كفارة المجلس والدعاء المجرد لا ينفعان صاحبهما إن لم تؤدَّ الحقوق إلى أصحابها ويتوب المرء توبة صادقة.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً