خطبة الفائزون والمغبونون في رمضان (مكتوبة) محتوياتها <ul> <li>ترقب المسلمون لاستقبال شهر ...

خطبة الفائزون والمغبونون في رمضان (مكتوبة)
محتوياتها

  • ترقب المسلمون لاستقبال شهر رمضان.

  • نعمة إدراك رمضان والحرص على استغلاله في الطاعات.

  • بعض فضائل رمضان ومحاسنه.

  • الخسارة في تضيع رمضان في متابعة المسلسلات المحرمة.


الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فنسأل الله الكريم أن يجعلنا من عباده المهتدين الشاكرين، وأن يعيننا على ذكره وشكره، وحسن عبادته، وأن يبلغنا كل خير في أمور الدين والدنيا، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، نسأله جل وعلا وله الحمد بكل لسان، وله الحمد جل وعلا على كل إنعام وتفضُّل وامتنان في قديم أو حديث، في سر أو علانية.
أيها الإخوة المؤمنون: لا يمل الطرف ولا يكلُّ النظر من تعظيم شعائر الله -جل وعلا-، وتعظيم شريعته سبحانه، هذه الشرعة القويمة، وهذا الدين القيِّم الذي فيه من الخيرات والبركات، وما تَعجِز العقول عند إدراك، ما فيه من الحكم التي يوفَّق إليها عباد الله الصالحون، فما من وقت ولا زمان ولا حال ولا مكان، إلا ويظهر فيه من إنعام الله -جل وعلا-، ومن امتنانه على عباده، ومن تيسيره لهذه الشرعة الكريمة.
ها نحن وإياكم أيها الإخوة المؤمنون والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يترقبون موسمًا عظيمًا وشهرًا كريمًا، جعله الله -تعالى- منحةً وكرامةً لهذه الأمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ~ [البقرة: ١٨٣].
نعم يترقب المسلمون بشغفٍ عظيم وفرحٍ كبير، وحضورٍ جليل حلول هذا الضيف الكريم، هكذا يكون أهل الإيمان؛ لعلمهم بما لله في هذا الشهر الكريم من أنواع النعم والامتنان الذي يمن الله -جل وعلا- به على من شاء من عباده، وقد كان نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يحفز نفوس الصحابة وأمة الإسلام جميعًا عند قرب وعند دُنو هذا الشهر الكريم، فكان يعدد لهم فضائله، ويبين ما فيه من النوال، وما فيه من أنعم الرحمن؛ حتى يتهيؤوا لهذا الشهر الكريم ويعدوا له عدته، ويرتبوا ويُخططوا ما ينبغي أن ينالوا فيه من الفضل العظيم، فإن الله -جل وعلا- جعل في هذا الشهر الكريم من آثار رحمته ومن فيض منته، ما ينبغي أن يتحفز له كل مؤمن مؤمنة.
إنها مؤشرات كونية وشرعية يظهر بعضها للناس، ويخفى كثير مما جعل الله -تعالى- من بركات هذا الشهر الكريم.
هل تشعرون -أيها الإخوة- أنه مع أول ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم تُفتَّح أبواب الجنة؟ وهل تشعرون أنه مع أول ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم تُغلق أبواب النار؟
إنه حدث كوني لا ندركه لولا الخبر عن سيد البشر مما أوحاه إليه ربه -جل وعلا-، وصلى الله وسلم على نبيه المصطفى.
أيها الإخوة المؤمنون: في مثل هذا المقام وفي مثل هذه اللحظات وفي مثل هذا اليوم سمع الصحابة -رضي الله عنهم- نبيَّهم محمدًا ﷺ وهو يردد: "آمين، آمين، آمين"، وهو يصعد درجات منبره الشريف، وحينئذٍ بادر الصحابة -رضي الله عنهم- بالسؤال وهم الأئمة الكرام الأخيار، الذين يرقبون كل لحظة، وكل قول وفعل من حبيبهم ونبيهم ﷺ، يقول أبو هريرة: فقيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ سمعنا هذا التأمين: "آمين.. آمين.. آمين" لم يكن منك هذا الفعل من قبل وأنت ترقى درجات المنبر، فقال النبي ﷺ: "قال لي جبريل -عليه السلام-: رغم أنف عبدٍ دخل عليه رمضان، فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبدٍ ذكرتَ عنده، فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبدٍ أدرك والديه أو أحدهما، فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين" ~ (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه ابن خُزيمة وغيره).
تأملوا أن جبريل -عليه السلام- يدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- فما السر؟ وما السبب؟
إن هذه الأمور الثلاثة إذا حصلت للإنسان فإنه يلوح معها الخير والبركة، والأسباب الموجبة لدخوله الجنة، والتي تقرِّبه من رحمة الله ورضوانه أن يدرك الشهر الكريم فهي نعمة عظمى؛ لأنه ميدانٌ عظيم لأنواع الخيرات والبركات.
فمن أدرك هذا الشهر ولما انسلخ ولم يغفر له دلَّ ذلك على أن هذا الإنسان بعيدٌ كل البعد عن الخير.
لكم أن تتصوروا وكأنما يسحب بالحبال ويدفع بالقوة لدخول الجنة فيأبى، وما ذلك منه إلا لأن الشر متأصلٌ في نفسه، ومحادته لله ظاهرة، ولذلك استحق هذا الدعاء.
وهكذا الذي يدرك والديه أو أحدهما عند الكبر إن خدمتهما وبرهما ستهيئ له من الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، فهي فرصة عظمى؛ لأنَّ الله وعد عليها أجورًا عظيمة، ثم مع ذلك نكص عن هذا الأمر، وتركه ولم يؤدِّ الوفاء الذي ينبغي نحو والديه وهما في هذا العمر؛ جزاء ما كان منهما من رعايته ورحمته، والقيام عليه، فدلَّ ذلك على تأصُّل سوء الأخلاق في هذا الإنسان.
وهكذا الذي يذكر عنده محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يصلي عليه برغم أنَّ الله -جل جلاله- يصلي عليه في الملأ الأعلى، ثم يأتي هذا ويستنكف ويستكبر، ولا يشرِّف نفسه بهذا الخير والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- فدلَّ ذلك على الغفلة التي أطبقت على قلب هذا الإنسان، فكان حقيقًا بأن تصدق عليه هذه الدعوات، فرغم أنفه يصيبه الذل والصغار، وأن يكون بعيدًا عن رحمة العزيز الغفار.
أيها الإخوة المؤمنون: كم من إنسانٍ صام رمضان الماضي وكان يؤمل بلوغ هذا الشهر، وودعنا مَن ودعنا منهم؟! ونحن اليوم وبيننا وبين رمضان أيام قلائل الله أعلم مَن قد كتب أن تخترمه المنية ولا يبلغ هذا الشهر الكريم، هذا الشهر الذي من بلغه فإنه يحل بميدان عظيم في الأجور المتوالية.
وتأملوا في قصة رجلين كانا في زمن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وما كان من موت أحدهما قبل الآخر، وما أخبر عليه الصلاة والسلام بما أوحى الله إليه من تفاوت منزلتيهما، لما أدرك أحدهما رمضان ولم يدرك الآخر رمضان؛ يقول طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: إن رجلين من قبيلة بلي -رضي الله عنهما- قدما على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، يعني في الطاعات والعمل الصالح، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة، فأَذِنَ للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج، فأَذِنَ للذي استشهد، ثم رجع إليَّ، فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة -رضي الله عنه- يحدِّث به الناس، فعجبوا من ذلك، عجبوا من هذه الرؤيا، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ وحدَّثوه الحديث، فقال عليه الصلاة والسلام: "من أي ذلك تعجبون؟" فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استشهد ودخل الآخر الجنة قبله، يقولون بحسب ما رأينا أنه يجتهد في العمل الصالح وفوق هذا مات شهيدًا في سبيل الله، فكان الذي في الذهن أن يكون هو الأول في دخول الجنة، فقال رسول الله ﷺ: "أليس قد مكث هذا بعده سنة؟" قالوا: بلى، قال: "وأدرك رمضان، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض"، "فما بينهما" يعني في الدرجة في الجنة "أبعد مما بين السماء والأرض" ~ (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
تأملوا -رحمكم الله- كيف أن إدراكك رمضان يبلغك هذه المنزلة التي ربما فاقت مع صلاح العمل منزلة الشهيد في سبيل الله، وراجع نفسك -يا عبد الله- كم رمضان أدركتَ من عمرك؟ وهل قربتك هذه الرمضانات من جنة عرضها السموات والأرض؟ هل حجزت مكانك في الجنة وفي العُتقاء من النار؟ وهذا العرض قائم في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم!
أيها الإخوة المؤمنون: إن المتعين على كل واحد منا أن يكون محاسبًا لنفسه، وأن ينظر هل هو مستعد ومجتهد في أن يكون قائمًا بما ينبغي في هذا الشهر الكريم؟
إنَّ الله -جل وعلا- جوادٌ كريم، وهو سبحانه شكورٌ لمن شَكر، معظمٌ لمبادرة من بادر، كما أنَّه سبحانه إذا اطلع على ما عند عبد من عباده من كراهية الخير والنكول عنه، فإن الله -جل وعلا- يصرف عنه هذا الخير، ومما يدل على هذا قول الله -تعالى- في شأن المنافقين: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) ~ [التوبة: ٤٦]، لو أرادوا الخروج مع رسول الله في الجهاد لاستعدوا بما يستعد له في الجهاد في سبيل الله، وهكذا من هو مقبلٌ على موسم آخر من جهاد النفس وصيام رمضان والمبادرة بالطاعة، هناك من يجتهد بالخير، ويعد له ويهيئ نفسه، ويجعل له خطة ينطلق منها، كم سيختم القرآن في هذا الشهر الكريم؟ كم سيكف مسببات الشر وضياع الأوقات؟ وكم سيحث أهله وأولاده؟ وكيف سيجعل أوقاته مهيأة لأجل صيام هذا الشهر الكريم والمنافسة فيه؟ مَنْ خطط والتخطيط أساس النجاح فإن الله يبلغه ما تمنى ويجعله يدرك هذه المنى، لكن المشكلة التي يخشى منها ما كان من خبر الله -جل وعلا- عنها حين قال: (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) ~ [التوبة: ٤٦] نعوذ بالله.
أيها الإخوة: إن أعظم عقوبة يعاقب بها الإنسان أن يُثبط عن الخير؛ وذلك لأن الله يكره منه أن يكون في الخير؛ لأنه ليس أهلًا له، يطلع الله -جل وعلا- على خبيئة نفس هذا الإنسان، وأنه لا يريد الخير ولا يحبه، ولا يدعو الله أن يعينه عليه، وإنما هو عاكف على الشر والفساد والمعاصي التي تغطِّي قلبه؛ حتى تجعله محبًّا للسيئات والمحرمات، متباعدًا عن الخيرات.
لا تعجبوا -أيها الإخوة- أن يكون هذا حال بعض الناس، فهذا موجود وللأسف الشديد، ألم يقول الله عن أولئك الذين كرهوا شرعه: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا) ~ [المائدة: ٥٨]؟ فإن من أهل الإسلام من تشبَّه بهؤلاء، فتجدهم يستهزؤون بالشعائر، وتجدهم لا يعبؤون بحرمة شهر ولا مكان.
أنتم تشاهدون اليوم كيف أنه عبر وسائل الإعلام يعد في شهر رمضان من قبل كثير من أهل الإسلام الذين ينتسبون إليه، يعد من مضيعة الوقت وانتهاك الحرمات ما لا يكتفون فيه بذلك على أنفسهم، بل يجرون الآخرين إلى تضييع أوقات هذا الشهر الفضيل.
فاحذر -يا عبد الله- أن تكون صيدًا سهلًا لهم، فاحذر -يا عبد الله- أن تضيع وقتًا شريفًا لا تدري كم بقي لك من العمر أن تدركه فيما قضى الله -جل وعلا-.
أيها الإخوة المؤمنون: إن المتأمل في البركات والفضائل التي حواها هذا الشهر ليدرك إدراكًا عميقًا بأنه شهر خير كله، إنه شهر كما دلت على ذلك النصوص، تفتَّح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتُصفد فيه الشياطين ومَردة الجن، وتُفتح فيه أبواب الرحمة، وتفتح فيه أبواب السماء.
تأملوا -أيها الإخوة- أمور كونية لا ندركها بالحس والنظر، السماء لها أبواب تفتح هذه الأبواب، ويدرك ذلك الملائكة، وأعظم ما يكون من تفتيح هذه الأبواب ومن التغيير الكوني، هو في ليلة القدر التي يتنزل فيها الملائكة، ويدرك عباد الله الموفَّقون من خيرها ما لا يدركه الكسالى.
ومن فضائله أنه ينادي فيهم منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وأنَّه في كل ليلة منه لله عُتقاء من النار، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنَّ النبي ﷺ قال: "إذا كان أول ليلة من رمضان، صُفدت الشياطين ومَردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة" ~ (رواه البخاري ومسلم) ~ ، وجاء في رواية: "وفتحت أبواب السماء"، وجاء في رواية عند مسلم: "وفُتِّحت أبواب الرحمة"، وجاء في رواية عندهما أيضًا: "وسُلسلت الشياطين" لِمَ كل هذا؟ لأجل أن ينال العباد مغفرة الرحمن.
إنهم الآن مع دخول الشهر الكريم ليسوا مدفوعين بدوافع الشر من الشياطين، فالشياطين مسلسلة ودوافع الشر قليلة، نعم يوجد من بني جلدتهم من الإنس من قاموا مقام الشيطان، لكنهم مع ذلك لن يبلغوا ما يبلغه الشيطان.
وهذا الشهر الكريم شهر جعل الله -جل وعلا- فيه من الخيرات أيضًا هذه الليلة العظيمة التي من حرم خيرها فقد حُرِم؛ ليلة القدر التي من أدركها أدرك سعادة الدنيا والآخرة، وكذلك في هذا الشهر الكريم يكون إجابة الدعوات التي ربما يدعو الإنسان بخير من الدنيا والآخرة، فينال به سعادة لا منتهى لها.
وتأملوا أن الله -جل وعلا- لما ذكر آيات الصيام في كتابه الكريم، قال في أثنائها: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ~ [البقرة: ١٨٦]، ولذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره أن النبي ﷺ قال: "إن لله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة".
فتأملوا -رحمكم الله- في هذا الخير العظيم الذي لا يفرِّط فيه إلا محروم، ثم تأملوا أيضًا أن هذا الشهر ميدان للذين يجتهدون بالخيرات، لكن لا مكان فيه للكسالى، ولذا كان نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- يضرب المثل والأسوة الحسنة في المبادرة إلى الخير، ولذا كان عليه الصلاة والسلام يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، وكان يقوم ليالي هذا الشهر ويبيِّن الخير الذي فيها، كما ثبت في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر ما تقدم له من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه".
إنها فرصة عظيمة لأجل أن تكون صحائفك مع هذا الشهر الكريم كما ولدتك أمك، ليس فيها إلا الخير، وأما السيئات فقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه، فضل عظيم ومنحة كبرى لا يُصرَف عنها إلا محروم.
فحَرِيٌّ بنا -أيها الإخوة الكرام- أن نكون متأملين في هذه البركات والخيرات، وإنه لمن الحرمان العظيم أن تشاهد بعض الناس ينصرف عن هذه الخيرات، فلا يصلي مع المصلين جماعة في المساجد، ولا يقوم معهم صلاة التراويح التي هي قيام الليل، ومن قام صلاة التراويح وأداها، صدق عليه بإذن الله قيام شهر رمضان، وبعضهم ربما يجعل مشاغله في هذا الوقت وقت التهجد والقيام، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة".
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ: أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ الموفَّق من عباد الله مَن يهتبل الفرص ويبادر إليها متى سنحت.
والناس يعدون الإنسان المبادر للفرص الدنيوية يعدونه حاذقًا فهيمًا، ولا شك أن المبادر إلى فرص الآخرة ودخول الجنة أعقل وأحكم.
وربنا -جل وعلا- قد يسر لنا في هذا الدين العظيم من فرص الخير ومواسم الطاعات، ما لم يكن في دين سابق، فهذا الدين طرق الخير فيه متعددة، فما من لحظة إلا ويمكنك أن تعمرها بالطاعات، ومن عباد الله من لا يكتفي بأن تكون لحظات عمره الراهنة هي فقط التي تعمر بالطاعات، بل إنه يريد أن تبقى الحسنات متوالية ما دامت هذه الدنيا، وإنما يكون هذا لمن أبقى من الخيرات ما هو مستمر له حتى بعد مماته، فكم من إنسان هو اليوم مدرج في طبقات الثراء، لكن الخير الذي أبقاه من بعده لا زال مستمرًّا، فهذا من أكثر الناس خيرًا وأعظمهم أجرًا.
ثم إنَّ من نعمة الله -جل شأنه- أن جعل الفرصة لنا جميعًا بسبب ما ينالنا من التفريط والتقصير، أن يجعل الفرصة مواتية للتعويض، وتأملوا قوله جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) ~ [الفرقان: ٦٢]، فهو جل وعلا جعل الليل والنهار في تعاقبهما محلاًّ للتدبر والاتعاظ بأن الذي خلق الكون على هذا المنوال، وجعل تعاقب الليل والنهار بهذا المقدار على نحو دقيق، لا يتبدل ولا يتغير: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ~ [يس: ٤٠]، إنه إلهٌ كريم عليم قدير له الحكمة البالغة، ثم إنَّ الله قال: (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) ~ [الفرقان: ٦٢] يعني أن الله -سبحانه- جعل الليل والنهار محلاًّ لشكره والتقرب إليه بطاعته؛ قال عمر بن الخطاب وابن عباس والحسن البصري: يعني أن يجعل الإنسان في الليل ما فاته من عمل النهار، وفي النهار ما فاته من عمل الليل، يعني فيما يفوته ويمكن إدراكه.
والمعنى أن الإنسان كلما فاته خير فإنه يبادر لتعويضه، وشهر رمضان محطة من المحطات الكبرى التي يجعل الإنسان فيها نوعًا من تخفيف السيئات والموبقات، فالله -جل وعلا- جعل الفرائض والطاعات سببًا للتخلص والتخفف من السيئات، فإن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.
فالمؤمن بسبب ما جُبِل عليه من أنه غير معصوم، إذا زلَّت قدمه وأخطأ فإن الفريضة التي تأتي بعد الفريضة التي أداها تُكفر سيئاته، والوضوء تخرج به الخطايا؛ كما في الحديث: "حتى تخرج سيئاته مع أعضائه إذا غسلها مع الماء، أو مع آخر قطر الماء" ثم يأتي رمضان لتكون الفرصة فيه لتكفير السيئات أعظم وأكبر، وهكذا الحج، وغير ذلك من أنواع الطاعات.
فهذا الدين العظيم وهذه الشرائع الكبرى مِنَحٌ من الله العظيم من لم يبادر إليها فإنه محروم، فما أعظم الحرمان للإنسان أن تأتيه هذه الفرص ثم يفرط فيها.
ومن أعظم الحرمان وأعظم الغبن أن الإنسان يسلم وقته الثمين لمن لا خلاق لهم ممن لا يرعون إلاًّ ولا ذمة، ولا يُعظمون شعائر الله، وأعني بذلك ما يكون من الأفلام وغيرها مما يعرض عبر وسائل الإعلام.
وهكذا أيضًا ما وجد في أيدي الناس من متابعة شاشات الجوال التي يضيع معها كثير من الأوقات، من خلال هذه البرامج ووسائل التواصل المتنوعة، فتجد أن الإنسان لو قام بحسبة يسيرة، كم يمضي على شاشة جواله في أمور غير ضرورية، لوجد أنه يمضي وقتًا طويلًا لا يقل عن ساعات، نعم لا يقل عن ساعات!
وإنه لمن الحرمان العظيم والغبن الكبير أن يكون الإنسان مرددًا طرفه وناظريه في شاشة جواله في هذه الوسائل والبرامج أكثر من نظره في كتاب الله، ولو حسب الأوقات التي يتبادل فيها التواصل مع آخرين في أمور غير ضرورية، لوجد أنه لو سخرها للتقرب إلى الله بالإقبال على كتابه، لختم القرآن، لا أقول في العام، بل في كل شهر مرة على أقل تقدير.
فالوقت عمرك -يا عبد الله-، الوقت هو المغنم، وهو الربح العظيم فلا تُفرط فيه، ولا تُعطه لمن لا يستحق.
وهذه المواسم فرصة للمراجعة والقرب من الرحمن.
فنسأل الله -جل وعلا- أن يبلغنا شهر رمضان، وأن يعيننا فيه على كل خير، وأن يعيذنا فيه من كل شر.
ثم إنه -أيها الإخوة المؤمنون- وإذ يدركنا هذا الشهر العظيم ونحن في هذه البلاد -المملكة العربية السعودية- ننعم بخير كثير من أعظمه وأجله -وهو عظيم جدًّا- الأمن والطمأنينة، واجتماع الناس على إمام واحد، وائتلاف قلوبهم، وتعاونهم على البر والتقوى، هذه نعمة عظمى يجب شكرها لله -جل وعلا-، وخاصة إذا قارن الإنسان ما حلَّ بكثير من إخوتنا المسلمين في أرجاء شتى، ولا شك أن من الواجب واجب الأخوة الإيمانية والولاء للمسلمين أن نستشعر ما حل بإخواننا، وكلٌّ عليه مسؤولية بحسب مكانه ومنصبه، فعلى القادة والعلماء ما ليس على العامة، وكل مسلم واجب عليه أن يكون متألِّمًا مستشعرًا أحوال إخوانه، وواجب عليه أيضًا أن يدعو لهم في ظهر الغيب، فإنهم قد أريقت دماؤهم، واستُحلَّت محارمهم، وحل بهم من البطش ومكر الأعداء ما لا يخفى مما تنقله وسائل الإعلام، وقد كان نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- يفزع إلى ربه بالدعاء في هذه الشدائد العظيمة، كما كان من دعائه عليه الصلاة والسلام على الذين قتلوا القراء، فبات يقنت شهرًا عقيب صلاة الفجر، يدعو للنجاة للمسلمين والهلاك للظالمين.
وكان عليه الصلاة والسلام يعظم الدعاء والرغبة بين يدي الله عند حلول مثل هذه الأحوال، فحقيق بنا أن نقتدي بنبينا -عليه الصلاة والسلام- بالدعاء لإخوتنا، وخاصة في فلسطين وفي الشام، وفي العراق في الفلوجة وفي ليبيا، وغيرها من البلاد، فقد نزل بهم من استحلال محارمهم ما لا يخفى.
نسأل الله أن يحقن دماءهم، وأن يصلح أحوالهم، وأن يكف شر الأعداء عنا وعنهم، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم يسِّر لهم أمورهم، ونفِّس عنهم كُروبهم.
اللهم اجعل مع بلوغ هذا الشهر الكريم وحلوله حلول الخيرات وحقن الدماء، واجتماع الكلمة، واندحار الأعداء يا قوي يا عزيز.
اللهم أدِم علينا في بلادنا الأمن والطمأنينة، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، اللهم اجعلهم رحمة على رعاياهم، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.
اللهم احفظ رجال الأمن في ثغور البلاد في داخلها وعلى حدودها، اللهم احفظهم بحفظك، وسدد آراءهم ورَميهم يا رب العالمين.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم، اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّونا صغارًا.
اللهم أصلح لنا نياتنا وذرياتنا، وأحِسن عواقبنا في الأمور كلها يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ~ [النحل: ٩٠] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
خطبة للشيخ: خالد بن عبدالرحمن الشايع
عبر: ملتقى الخطباء

خطب عن شهر رمضان جاهزة

...المزيد

إنها مفاصلة مع الكفر، وبراءة من الشرك؛ إنها سورة الكافرون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "(قل ...

إنها مفاصلة مع الكفر، وبراءة من الشرك؛ إنها سورة الكافرون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "(قل يا أيها الكافرون) ~ [الكافرون:١]؛ تعدل ربع القرآن"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

قال العلماء: "(قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن؛ لأن القرآن يشتمل على أحكام الشهادتين، وأحوال النشأتين؛ فهي ربع القرآن؛ لتضمنها البراءة من الشرك".

وسبب نزول هذه السورة: أن الكفار سألوا رسول الله ﷺ أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة؛ فأنزل الله هذه السورة.

وافتتح الله هذه السورة بـ(قل) ؛ للاهتمام بما بعد القول، وأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص.

(قل يا أيها الكافرون): أي قل للكافرين معلنا ومصرحا بالبراءة من دينهم بالكلية. قال ابن عثيمين: "وهذا يشمل كل كافر: سواء كان من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من الشيوعيين، أو من غيرهم، كل كافر يجب أن تتبرأ منه، ومن عبادته".

ثم أكد الله المفاصلة بين الكفر والإسلام، في الحاضر والمستقبل؛ ففي قوله: (لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد) ~ [٢-٣]: وهذا نفي في الحال الحاضر. وفي قوله: (ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد) ~ [٤-٥]: وهذا نفي في المستقبل.

قال ابن عاشور: "وبهذا يعلم الغرض الذي اشتملت عليه، وأنه تأييسهم من أن يوافقهم في شيء مما هم عليه من الكفر، بالقول الفصل المؤكد في الحال والاستقبال، وأن دين الإسلام لا يخالط شيئا من دين الشرك".

ثم ميز الله بين الفريقين، وفصل بين الطائفتين؛ فقال: (لكم دينكم) ~ [٦] وهو الشرك والكفر (ولي دين) وهو التوحيد والإيمان الإسلام، قال ابن القيم: "ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت إقرارا على دينهم أبدا، إنما الآية اقتضت براءته المحضة، وأن ما أنتم عليه من الدين لا نوافقكم عليه أبدا؛ فإنه دين باطل، فهو مختص بكم، لا نشارككم فيه، وهذا غاية البراءة، والتنصل من موافقتهم في دينهم". قال تعالى: (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) ~ [يونس:٤١].

ودلت سورة الكافرون: على أن الكفر ملة واحدة، وأن الأديان كلها -ما عدا الإسلام- كالشيء الواحد في البطلان. فالدين الحق: هو دين الإسلام؛ ولو كره الكافرون؛ كما قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) ~ [آل عمران:١٩].

وقد نزلت سورة الكافرون، بكل أساليب النفي والجزم والتوكيد؛ لتنهي كل مساومة رخيصة، في أمر الدين والعقيدة، وبغير هذه المفاصلة، سيبقى الغبش والتلبيس، والمداهنة والتدليس! (فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون) ~ [القلم:٨-٩].

وقد تتنوع أساليب الدعوة: بحسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، ولكن يبقى جوهر الإسلام النقي، والتوحيد الخالص، بلا ترقيع أو تمييع! (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ~ [آل عمران:٨٥].

وكان النبي ﷺ يقرأ سورة الكافرون، مع سورة الإخلاص: في سنة الفجر، وسنة المغرب، وفي سنة الطواف؛ لما تضمنته من الإخلاص لله، واشتمالها على التوحيد الذي لا نجاة للعبد إلا به؛ فكان ﷺ يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختتم بهما النهار في سنة المغرب، وكان يوتر بهما؛ فيكونان خاتمة عمل الليل والنهار، وقد أتى رجل إلى النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله، علمني شيئا أقوله إذا أويت إلى فراشي؟"، فقال ﷺ: "اقرأ: (قل يا أيها الكافرون) ~ ؛ فإنها براءة من الشرك" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
هل فوائد قراءة سورة الواقعة للرزق حقيقية أم محض أحاديث مكذوبة؟
...المزيد

خطبة الجمعة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك - أو كيفية استقبال الشهر الفضيل أو الاستعداد لشهر ...

خطبة الجمعة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك - أو كيفية استقبال الشهر الفضيل أو الاستعداد لشهر الصوم.. كلها عناوين مشوّقة لما نحن بانتظاره جميعًا من الأئمة والخطباء في أول جمعة من شهر رمضان المبارك..
اقترب شهر مضان المبارك وها هو يطرق الأبواب، أيام قليلة ويحل ضيفاً على أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فيا لها من فرصة عظيمة لمن جد في اغتنامه، فهل نحن جادون في استثمار هذا الشهر وهذه الأيام المباركة ؟ وهل أعددنا أنفسنا لصيام رمضان وقيامه وقراءة القرآن والصدقة والبر وكل عمل صالح فيه ؟
إنّ بلوغ شهر رمضان نعمةٌ عظيمة يفرح بها المؤمنون وحق لهم ذلك، فقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون}.[2] عباد الله إنّ الخلق يفرحون بنعم الدنيا، فكيف لو كانت النعمة تجمع خير الدنيا والآخرة، ففي هذا الشهر يعطي الله البركات لعباده في الحياة، ويتضاعف فيه الأجور بغير حساب، ولا بدّ لكم أن تستعدوا لهذا الشهر المبارك
واسمعوا ماقاله النبى عليه الصلاة والسلام عن رمضان
رُوِيَ عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ أَنَّهُ قالَ خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم ءاخِرَ يَوْمٍ مِن شَعْبانَ فَقالَ يَا أَيُّها النّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبارَكٌ شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر، شَهْرٌ جَعَلَ اللهُ صِيامَهُ فَرِيضَةً وقِيامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا وهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، والصَّبْرُ ثَوابُهُ الجَنَّةُ، شَهْرُ الْمُواساةِ مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صائِمًا كانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النارِ وكانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَىْءٌ قَالُوا يا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ كُلُّنا يَجِدُ ما يُفَطِّرُ الصائِمَ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسلامُ يُعْطِي اللهُ هَذا الثَّوابَ مَنْ فَطَّرَ صائِمًا عَلى تَمْرَةٍ أَوْ عَلَى شَرْبَةِ ماءٍ أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ ومَنْ سَقَى صائِمًا سَقاهُ اللهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لا يَظْمَأُ بَعْدَها حَتَّى يَدْخُلَ الجَنَّةَ وهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وءاخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النّار.
ولأهمية هذا الشهر وعظيم الأجر فيه فقد كان المسلمون الأوائل "يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"، وقال يحي بن أبى كثير: "كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان ، وتسلمه منى متقبلاً ) , فإذا أهل هلال رمضان دعوا الله كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما تحب وترضى ، ربي وربك الله )
لقد كانوا يفرحون بقدوم رمضان ، ويحمدون الله على إدراكه، كيف لا
وهوالشهر الذى يعدالركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة
وهو الشهر الذى أنزل فيه القرآن وذكر فيه ، كما قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )
وهو الشهر الذى جعل الله فيه ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر
وهو الشهر الذى يفتح الله فيه أبواب الجنان ، ويُغلق فيه أبواب النيران ، ويسلسل فيه الشياطين
وهوالشهر الذى لله في كل ليلة منه عتقاء من النار .
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ
وهو الشهر الذى من صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .
وهو الشهر الذى-العمرة فيه تعدل حجة
واعلموا عباد الله أنَّ إكثار الجلوس في المساجد نهار الصيام وليله مِن أعظم مُسبِّبات حفظ الصيام عن الآثام، وزيادة الأجور عليه، والاشتغال بالطاعات، والإكثار منها، فقد صحَّ عن أبي المُتوكِّلِ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كان أَبِو هُرَيْرَةَ ــ رضي الله عنه ــ وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: نُطَهِّرُ صِيَامَنَا )).
وهاهو اقترب رمضان ياعباد الله وإنه لفرصة لمن أراد النجاح في الدنيا والآخرة وغنيمة لمن أراد جمع الحسنات ليوم تكون فيه الحسرات على ضياع الأعمار والأوقات والسنوات الأوقات ، فيا سعادة من أحسن استغلال هذا الشهر ويا تعاسة من أساء استغلاله و لم يخرج منه فائزا منتصرا ظافرا بمغفرة الله ..
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عدلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ )
وهناك ياعباد الله من يستقبل هذا الشهر العظيم استقبال المستهترين ؛ فينتهك حرمة هذا الشهر العظيم، فيفطر في أيامه العظيمة، فبعض المسلمين اليوم يفطرون في نهار رمضان عامدين متعمدين، معاندين مصرين، لا يرعون لرمضان عظمة، ولا للمسلمين حرمة، ولا لأنفسهم آخرة ، فالإفطار في رمضان كبيرة من الكبائر العظيمة التى يجب على المسلم التوبة منا قبل فوات الاوان
فالعبد : يتحمّل الجوع، ويتحمل العطش، ويتحمل مر الصبر على الشهوات، كل ذلك يتحمله ويصبر عليه لأجل الله، لأجل الأجر العظيم، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين .
إن هؤلاء المفطرين في رمضان لا يرى الواحد منهم شهر رمضان إلا بمنظور ضيق، لا يراه إلا شهرًا سيحرمه من الأكل، سيمنعه من الشرب، سيوقفه عن التدخين، إنه منظور تعيس وشقي، إنه منظور أهل الدنيا، الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا ولكنهم عن الآخرة غافلون.
صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: آمين, آمين, آمين. قال صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام فقال لى: يا محمد, من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار, فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين. قال: يا محمد, من أدرك شهر رمضان, فمات, فلم يغفر له, فأدخل النار, فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك, فمات فدخل النار, فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين))
عباد الله استغفروا الله يغفر لكم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله اما بعد عباد الله.
فلقد كان الصالحين ــ رحمهم الله ــ يُقبِلون على القرآن في شهر رمضان إقبالًا كبيرًا، ويهتمُّون بِه اهتمامًا عظيمًا، ويتزوَّدون مِن تلاوته كثيرًا، فكان الإمام الشافعي ــ رحمه الله ــ يَختم في اليوم والليلة مِن رمضان ختمتين، وكان الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ يقرأ في كل يوم وليلة مِن رمضان ختمة واحدة، وبعض الصالحين كان يَختم كلَّ ثلاثة أيَّام، وبعضهم كان يَختم كل خمسة أيَّام، ومِنهم مَن كان يَختم كل جمعة، وكيف لا يكون هذا هو حالهم مع القرآن، ورمضانُ شهر نُزول القرآن، وشهرُ مدارسة جبريل ــ عليه السلام ــ للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وزمَنُه أفضل الأزمان، والحسنات فيه مُضاعفة،
فَيَا لِسعادة مَن أمسَك بزِمام نفسه في هذا الشهر العظيم المبارك، وشمَّر عن ساعد الجِّد، فسلك بها سَبيل الجنَّة، وجنَّبها سُبل النَّاروالشقاءَ فيها، ويا خسارة مَن سَلك بها طريق المعصية والهَوان، وأورَدَها موارِد الهلاك، وأغضب ربَّه الرحمن، وقد يُسِّرت له الأسباب، فسُلسِلتِ الشياطينُ وصُفِّدت.
فئن كنت تُريد مغفرة الخطايا، فعليك بصوم رمضان، إذ صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )).
وإنْ كنت تُريد مضاعفة الحسنات، فعليك بالصوم، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي )).
وإنْ كنت تُريد أنْ تكون مِن أهل الجنَّة السُّعداء فلا تَغفل عن صوم رمضان، فقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب الناس في حجَّة الوداع فقال: (( صَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ )).
وإنْ كانت نفسك تَتُوق للمنازل العالية الرَّفيعة، فعليك بصيام رمضان، فقد ثبت أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: (( يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ الزَّكَاةَ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ وَقُمْتُهُ، فَمِمَّنْ أَنَا؟، قَالَ: مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ )).
ومن ترك الصيام ياعباد الله ترك شفاعة الصوم له وبعد عن حب الله له
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصيامُ والقُرآنُ يَشفَعانِ للعَبدِ؛ يقولُ الصيامُ: ربِّ، إنِّي منَعْتُه الطعامَ والشَّهَواتِ بالنَّهارِ فشَفِّعْني فيه، ويقولُ القُرآنُ: منَعْتُه النومَ باللَّيلِ فيُشَفَّعانِ).[٣] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ).[٤].
عباد الله مامن يوم جمعة إلا وفيه ساعة استجابة فادعوا الله لعلها تكون هذه الساعة
اللهم يا إله العالمين ياحى ياقيوم يارحمن يا رحيم يا ذا الجلال والإكرام
اللهم إنِّا أسألُكَ منَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علمنا منهُ وما لم نعلمْ، ونعوذُ بكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علمنا منهُ وما لم نعلمْ، اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ من خيرِ ما سألكَ عبدُكَ ونبيُّكَ، ونعوذُ بكَ من شرِّ ما عاذَ منه عبدُكَ ونبيُّكَ، اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ ،ونعوذُ بكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، ونسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قضاءٍ قضيتَهُ لنا خيرًا.
اللهم اجعلنا ممن يورثون الجنان ويبشرون بروح وريحان ورب غير غضبان.. اللهم اجعل قلوبنا تخشع من تقواك واجعل عيوننا تدمع من خشياك واجعلنا يا رب من أهل التقوى وأهل المغفرة.
اللهم هب لنا نفوسًا راضية وصدورًا من الهموم خالية وقلوبًا بحبك صافية وأتم علينا العافية..
اللهم من كانت له حاجة بيننا فاقضها يارب العالمين
ربى لاتذرنى فردا وأنت خير الوارثين
اللهم بلغنا رمضان وبارك لنا فيه وارزقنا التوبة النصوحة وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم آتنا فى الدنيا حسنه وفى الاخرة حسنه وقنا عذاب النار. اللهم آمين
هنا أيضًا: خطبة عن استقبال شهر رمضان المبارك
...المزيد

اعلموا يا عباد الله أن ما أصابنا من محنة وبلاء ووباء وإن كان في ظاهره شر ففيه الخير مما علمناه ومما ...

اعلموا يا عباد الله أن ما أصابنا من محنة وبلاء ووباء وإن كان في ظاهره شر ففيه الخير مما علمناه ومما لا نعلمه؛ كما قال ﷻ: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) ~ [النور:١١].

فكم علمنا هذا الوباء وغيره من الأمراض: أن العافية لا تقدر بثمن، وأن الشكر عليها يكون بالقلب؛ خضوعا واستكانة، وباللسان؛ ثناء واعترافا، وبالجوارح؛ طاعة وانقيادا.

وعلمنا هذا الوباء أن من مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام بها: حفظ الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال؛ وقد قيض لنا في بلادنا بفضل من الله ﷻ ثم قيادتنا المباركة من يقوم بحفظها، ويسعى لتحقيقها لكل فرد في هذه البلاد.

علمنا هذا الوباء أن من أعظم الحرمان: البعد عن أحب الأماكن إلى الله وهي المساجد، وكذلك تباعدنا عن إخواننا في الصلاة؛ ولكن للضرورة أحكام.

علمنا هذا الوباء أن كثيرا من القيم الإسلامية نستطيع التمسك بها ولو كنا معزولين عن العالم الخارجي، وأن الكماليات التي نتكلف بها لا حاجة لها ويمكن العيش بدونها، مما يكون فيه إسراف وتبذير.

والآن وبفضل من الله كشفت الغمة عن الأمة، واجتمعت القلوب قبل الأجساد في بيوت رب العباد، وتراصت الصفوف للصلاة بعد التباعد، وسمعنا من أئمة المساجد لكل عبد ساجد: الوصية بالتراص وإقامة الصفوف، فلله الفضل والمنة.

لا تنسى -أخي المسلم- ‌دعاء رفع الوباء والبلاء في صلاتك لك ولبلدك والمسلمين عامَّة. هذا، وصلوا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم، فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ~ [الأحزاب:٥٦]، وقال ‏ﷺ: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا" ~ (رواه مسلم).
...المزيد

بالحلال الطيب، تصلح النفوس والديار؛ لأن من الثابت المتقرر أن سلوك الإنسان وأخلاقه يتأثران بما يدخل ...

بالحلال الطيب، تصلح النفوس والديار؛ لأن من الثابت المتقرر أن سلوك الإنسان وأخلاقه يتأثران بما يدخل في جوفه، وبما يخالط بدنه تأثرا كبيرا ظاهرا؛ تأملوا ما يقوله بعض أهل العلم؛ يقول: "من المشاهد أن الصالحين وأهل التقى والورع يكثرون حين يكثر أكل الحلال وتحريه والبعد عن الشبهات، فكل ناحية كثر الحل في قوت أهلها كثر الصالحون فيها، وعكسه بعكسه، يدل على ذلك قول الله ﷻ: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) ~ [المؤمنون: ٥١]، قال أهل العلم: "إن تقديم الأكل من الطيبات على العمل الصالح تنبيه إلى أن أكل هذه الطيبات هو الذي يثمر العمل الصالح؛ لأن الغذاء الطيب يصلح عليه القلب والبدن؛ فتصلح الأعمال، كما أن الغذاء الخبيث يفسد به القلب والبدن، فتفسد الأعمال.

معاشر الإخوة: طيب المطعم، والمشرب، والملبس، والزينة، والدواء له أثر عظيم في تزكية النفس، وصفاء القلب، وقوة البصيرة، بل إن قبول العبادة، وإجابة الدعاء مرتبط بأكل الحلال الطيب، يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "إن ‌الرسل ‌وأممهم ‌مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالا، فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولا؟" انتهى كلامه -رحمه الله-.

أيها المسلمون: وليس أعظم دلالة وأوضح بيانا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، والذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن النبي ﷺ أنه قال: "أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال عز شأنه: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) ~ [المؤمنون: ٥١]، وقال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ~ [البقرة: ١٧٢]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك"، بل إن من أبرز خصائص الرسالة المحمدية ما جاء في قول الحق -سبحانه وتعالى-: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ~ [الأعراف: ١٥٧].

أيها الإخوة: ومن عجائب عناية هذه الشريعة المطهرة ودقائق تحريها الحلال في غذاء المسلم وطعامه وما يدخل إلى جوفه أن ما أحل له من الحيوان فصلت هذه الشريعة في كيفية ذبحه، وطريقة تذكيته، فاشترطت لذلك شروطا، وسنت سننا وآدابا؛ من: أهلية الذابح، وكيفية الذبح، من إنهار الدم، وقطع الحلق، والمريء، والودجين بآلة حادة، والإحسان في الذبح، والإحسان إلى الذبيحة، وحرمت الميتة بكل أنواعها؛ من: المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، وما ذبح على النصب، وما أهل به لغير الله إلا ما كان من حال الاضطرار غير باغ ولا عاد، وغير ذلك من الأحكام الدقيقة، والآداب الرفيعة من أجل أن يخلص للمسلم ما يدخل إلى جوفه.

معاشر المسلمين: وفي هذا العصر وما فيه من تقدم محمود، ومنافع سخرها الله ويسرها، وقد دخل ذلك التقدم في صناعة الغذاء، والدواء، ومستحضرات التجميل وغيرها، وما أحدثته التقنية العظيمة من تطور هائل؛ مما أحدث تغييرات كبيرة، وأنتج كثيرا من المواد، والمشتقات، والمعالجات الكيميائية في مكونات الأغذية، والأودية، وأدوات التجميل وغيرها؛ مما يستدعي مزيدا من التحري في تحصيل الحلال الطيب.

معاشر المسلمين: اللقمة الحلال تدفع النقم، وتصرف البلاء عن الأنفس، والأموال، والأولاد، والأعمال، والديار قيل للإمام أحمد: "ما علاج مرض القلب؟ قال: كسب الحلال"، وقال بعض الصالحين: "تلين القلوب بأكل الحلال"، ويقول إبراهيم بن أدهم: "ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل في جوفه"، ومما قيل في ذلك: "‌لا ‌يغرنك ‌من ‌المرء ‌قميص ‌رقعه، أو إزار فوق ظهر الكعب عنه رفعه، أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه، ولكن لدى الدرهم والدينار انظر إقدامه وورعه".

ومما يروى عن بعض نساء السلف أنه أتاها نعي زوجها؛ أي: خبر وفاته وهي تعجن العجين، فرفعت يدها وقالت: "هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء"؛ تعني الورثة، يقول سهل بن عبد الله: "من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى"، ويقول ربيعة بن عبد أبي عبد الرحمن -رحمه الله-: "رأس الزهد جمع الشيء من حله، ووضعه في محله".

وتأملوا ما يقوله أبو عبد الله الباجي الزاهد: "خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بالله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل؛ وذلك أن العبد إذا آمن بالله، ولم يعرف الحق لم ينتفع، وإذا عرف الحق، ولم يؤمن بالله لم ينتفع، وإذا آمن بالله وعرف الحق، ولم يخلص العمل لم ينتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل حلالا لم ينتفع".

يا عبد الله: الفقير من طمع، والغني من قنع، يأكل الحلال من لم يظلم الناس في معاشهم، ولم يبخس العاملين حقوقهم، ولم يستغل الضعفاء في أقواتهم، يأكل الحلال من يعلم أبناء المسلمين بصدق وإخلاص وحسن تعليم.

واعلم -يا عبد الله- أن الحرص قرينه التعب، والطمع قرينه الذل، وقد قيل: "أذل الحرص أعناق الرجال"، ويقول إبراهيم بن أدهم: "قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجزع".

أما عجبت -يا عبد الله- ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار، ما أوقع في ذلك إلا الغفلة وقسوة القلب، وضعف البصيرة، وفي صحيح البخاري، عن جندب -رضي الله عنه-: "إن ‌أول ‌ما ‌ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألا يأكل إلا طيبا فليفعل".

وبعد عباد الله: استغنوا بالحلال عن الحرام، وتوبوا من المظالم والآثام، واجعلوا أموالكم سترا لكم من النار، واصرفوها في مرضاة الله، وأكثروا من الصدقات تبلغوا رفيع الدرجات، تحروا الحلال، ابتعدوا عن المشتبه، احفظوا حقوق العباد، أنجزوا أعمالكم، وأدوا أماناتكم، أوفوا بالعقود وبالعهود، اجتنبوا الغش والتدليس والمماطلة، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم اجعل رزقنا رغدا، ولا تشمت بنا أحدا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) ~ [المائدة: ٨٧-٨٨].
وختاما لا تنسوا ‌الصلاة على النبي ﷺ
...المزيد

إن كنت عاقلا، فامهد لنفسك في شهر شعبان، قبل أن يرحل وتستقبل <a ...

إن كنت عاقلا، فامهد لنفسك في شهر شعبان، قبل أن يرحل وتستقبل ‌شهر رمضان
شهر شعبان شهر فاضل كريم، وقع بين شهرين عظيمين؛ بين رجب الشهر الحرام وشهر رمضان شهر الصيام. شهران عظيمان، اكتنفا شهراً عظيماً! جاء مُقصياً وشافعاً لرجب، ومُقدِّمةً وإرهاصاً لرمضان. فكأن رجب لما أُفرِد من بين الشهور الحُرم الأربعة، جبر الله خاطره، فقصاه بشعبان.
فجدير وحري بالمُؤمِن العاقل الذي يمهد لنفسه ويُحرِز لآخرته، أن يستثمر هذا الشهر الكريم، وأن يملأه وأن يشغله بصنوف الطاعات وألوان القُربات. إذ أنه شهر تتوافر فيه دواعي القبول والمغفرة - جعلني الله وإياكم فيه من المقبولين -. ولما كان هذا الشهر كالمُقدِّمة لشهر رمضان، فقد شُرِع فيه ويشرع ما شُرِع في رمضان من صنوف المبرات؛ من الصيام وقراءة القرآن وإخراج الزكوات والصدقات.
مُستخلَص من خطبة من فضائل شهر شعبان، ​​​للدكتور عدنان_إبراهيم.
...المزيد

إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي تَنْعَمُ بِهَا الْبِلَادُ، وَيَسْتَظِلُّ بِهَا العِبَادُ، ...

إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي تَنْعَمُ بِهَا الْبِلَادُ، وَيَسْتَظِلُّ بِهَا العِبَادُ، فَيَهْنَأُ بِهَا الحَاضِرُ وَالبَادِ: نِعَمَ الأَمْنِ وَالإِيمَانِ، والسَّكِينَةِ والِاطْمِئْنَانِ، فَسَلَامَةُ الوَطَنِ مِنَ الْبَلَاءِ، وَكِفَايَةُ أَهْلِهِ مِنَ الشَّقَاءِ وَالعَنَاءِ، يَتَقَلَّبُونَ فِي هَنَاءٍ وَرَاحَةِ بَالٍ، وَأَطْيَبِ حَالٍ- نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِنَّةٌ جَلِيلَةٌ. وَإِنَّ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَلَى الكُوَيْتِ وَأَهْلِهَا، نِعْمَةَ الِاسْتِقْلَالِ وَالتَّحْرِيرِ، هَذِهِ النِّعْمَةُ الَّتِي يَرْفُلُ بِهَا النَّاسُ اليَوْمَ، وَيَعِيشُونَ بَعْدَهَا بِأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَوَحْدَةٍ وَوِئَامٍ، وَرَغَدٍ مِنَ العَيْشِ التَّامِّ، يَنْبَغِي أَنْ نَعْرِفَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا. ...المزيد

إِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى ...

إِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ...المزيد

الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ ...

الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
...المزيد

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم ...

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). ...المزيد

البر بالأم يا أخي ويا أختي مفخرة الرجال وشيمة الشرفاء في كل وقت؛ لا كما يختزله البعض في يوم <a ...

البر بالأم يا أخي ويا أختي مفخرة الرجال وشيمة الشرفاء في كل وقت؛ لا كما يختزله البعض في يوم ‌عيد الأم -ما يسمونه. وقبل ذلك كله هو خُلُقٌ من خُلُق الأنبياء. قال تعالى عن يحيى عليه السلام، في سورة مريم ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾. وقال عيسى عليه السلام -في نفس السورة- ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾.


كما أن برُّ الام برهانٌ على حسن الإسلام وصدق الإيمان، وعملٌ بالتقوى.


البرُّ بالام يتأكَّد يوم يتأكد إذا تقضَّى شبابها، وعلا مشيبها، ورقَّ عظمها، واحدودب ظهرها، وارتعشت أطرافها، وزارتها أسقامها، في هذه الحال من العمر لا تنتظر صاحبة المعروف والجميل من ولدها إلا قلبًا رحيمًا، ولسانًا رقيقًا، ويدًا حانيةً.
...المزيد

على عتبات شهر رمضان المبارك... نتأمَّل الحمد لله فرض علينا صيام <a ...

على عتبات شهر رمضان المبارك... نتأمَّل
الحمد لله فرض علينا صيام ‌شهر رمضان، وأكرمنا فيه بنزول القرآن، وجعله موسما للطاعة والبر والإحسان، وبابا واسعا يلجه طلاب الجنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يغفر ذنوب من صدق من التائبين، ويرفع درجة المخلص من الصائمين، سبحانه فرض الصيام لتحقيق التقوى، وتطهير النفوس من آثار المعاصي والبلوى، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، خير من صام وصلى، وأصدق من تضرع ودعا، -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله سبحانه، إذ بها يحصل القرب من الباري جل شأنه، ويثقل الميزان، ويعلو القدر ويعظم الجاه والشأن، ((فاتقوا الله يا اولي الالباب لعلكم تفلحون))، واعلموا -رحمكم الله- أن الله سبحانه وتعالى جعل من الأزمان مواسم للطاعات، واصطفى فيها أياما وليالي وساعات، وأودعها صنوفا من الفضائل والنفحات، فضلا منه وإحسانا، وكرما على عباده وامتنانا، ألا وإن من أعظم هذه المواسم شهر رمضان بأيامه ولياليه العظام، شهر الصيام والقيام، شهر الطمأنينة والراحة النفسية، شهر محاسبة النفس وإيقاظ الضمير، والعطف على اليتيم والمسكين والفقير، فيه تتخلص النفوس من النزعات الذاتية، وتسيطر الإرادة على شهوات النفس الإنسانية، إنه فرصة كل تائب، وعبرة كل آيب، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، ولو لم يكن من فضل الله علينا في رمضان، غير تشريفنا بإنزال القرآن، لكان كافيا لتقديره وإدراك ما له من العظمة والشأن، قال تعالى: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان))، وقال تعالى: ((قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم))، فيا لها من نعمة ما أعظمها، ومنة ما أجلها وأكملها، لذا فلا غرو أن تستقبل الأمة هذا الزائر المحبوب بفرح غامر، وسرور ظاهر، وبهجة بك يا رمضان، إن يوم إقبالك لهو يوم تتفتح له قلوبنا وصدورنا، فنستقبلك بملء النفس غبطة واستبشارا وأملا، فأنت تصلح السلوك قولا وعملا، فكم تاقت لك أرواح أهل الإيمان، وهفت لاستقبال بشراك الآذان، وهمت سحائبك الندية هتانة بالرحمة والغفران، في رحابك تورق الأيادي وتفيض النفوس برا وإحسانا، وتنتعش الأرواح إخلاصا وإيمانا، وما هي إلا أيام قليلة ويهل بالبشر هلالك، وتعمر بالطاعة لياليك وأيامك، نسأل الله تعالى أن يبارك في قدومها وورودها، وأن يجعل لنا وللمسلمين الحظ الأوفر من يمنها وسعودها، اللهم نسألك بلطفك العظيم، وبإحسانك الواسع العميم، بلوغ شهر رمضان الكريم، ونسألك فيه التمام والقبول والرضوان والتكريم.

أيها المسلمون: بلوغ شهر رمضان نعمة كبرى، ومنزلة عالية جلى، يقدرها حق قدرها الصالحون، ويؤدي واجبها أصحاب الهمم المشمرون، وإن من شكر هذه النعمة جميل استشعارها، ومن أداء الواجب لهذه الفرصة حسن استغلالها، إن العمل الجاد لا يكون على تمامه، ولا يقوم به صاحبه على كماله، إلا حين يتهيأ له تمام التهيؤ، فيستثير همة النفس إلى الطاعات، ويقسم في ضروب الخير الأيام والليالي والساعات، مستغلا على أكمل وجه أبرك الأوقات، وإذا كان المرء عدو ما جهل، فإن من واجب المسلم لتحقيق غاية هذه العبادة في أكمل صورها، إدراك معنى الصيام والمقاصد التي شرع من أجلها، فالصيام شرع لتربية النفس على الفضائل، وكبح جماحها عن الرذائل، فيه صبر على حمأة الظمأ ومرارة الجوع، ومجاهدة النفس في زجر الهوى، وتذكير بحال المساكين والمقترين، يستوي في الصيام المعدم والموسر، فكلهم صائم لربه، مستغفر لذنبه، يمسكون عن الطعام في زمن واحد، ويفطرون في آن واحد، يتساوون طيلة نهارهم بالجوع والظمأ، ليتحقق قول الله في الجميع: ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ))، هذا وإن مما يقدر عليه كل صائم، ويستطيعه كل ذاكر وقائم، التوبة والاستغفار، والندم على ما فرط في جنب الكريم الغفار، والصوم طاعة من الطاعات، لا تقبل إلا من المخبتين التائبين التقاة، قال تعالى حاثا عباده على التوبة: ((يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير))، والأيام صحائف الأعمار، والسعيد من يخلدها بأحسن الأعمال، وراحة النفس في قلة الآثام، ومن عرف ربه اشتغل بطاعته عن هوى نفسه، وفي هذا الشهر المبارك يكثر المسلم من العبادات، ويوسع على الآخرين ببذل المعروف وتفريج الكربات، فإن استطعت -يا رعاك الله- ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل، ففي كل ليلة يفتح باب الإجابة من السماء، وفي كل ليلة لله من النار عتقاء، فاظفر بذلك لئلا يكون حظك من الصيام الجوع والظمأ، وخزائن الوهاب ملأى، فسل من جود الكريم، واطلب رحمة الرحيم، فهذا شهر الإجابة، وموسم الرجوع والإنابة، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء.

أيها المسلمون: ما أجمل ذلك الأب الذي استعد لرمضان مع أسرته ببرنامج حافل بالطاعة، يستغل أجواءه الإيمانية لتهذيبهم قدر الاستطاعة، ينوع لهم فيه النافع من البرامج، ليستقيموا بها على أقوم المناهج، ينتقلون فيها بين صلاة وصيام، وذكر ودعاء وقيام، وزيارة للأقارب والأرحام، دون أن يكون نشاط منها على حساب الآخر، بل كل شيء في وقته المعلوم، وإذا كان شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن، شهر النور الذي لا تنطفئ مصابيحه، والذكر الذي لا يسأم منه بكثرة تردده، والجليس الذي لا يمله الأتقياء، والغذاء الذي لا يشبع منه العلماء، فما أشرق بيتا يضيء أيامه ولياليه بحلقة قرآنية، يتربى فيها أفراد الأسرة على آدابه الربانية، لينشؤوا نشأة صالحة إيمانية؛ عملا بقول الحبيب المصطفى، والرسول المجتبى -صلى الله عليه وسلم- : ((علموا أولادكم القرآن؛ فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو))، إن القرآن هو الدواء والشفاء، للمؤمنين البررة الأتقياء، قال تعالى: ((قل هو للذين ءامنوا هدى وشفاء))، يهتدي به من أدام تلاوته بالليل والنهار، والرحمة تغشى أسرة قامت به في دجى الأسحار.

أيها المؤمنون: إن من الخطأ الواضح أن يكون المرء الذي لا يملك إلا كفافا من المال، لا يحسن ترشيد مصروفاته ونفقاته، فإذا أقبل رمضان كلف ميزانيته فوق طاقتها، أو ركب لذلك الديون متجاهلا سوء عاقبتها، ثم يأتيه العيد سالكا هذا المنهج، وسائرا في إنفاقه بهذا الأسلوب الأعوج، فأين هو في شهر القرآن، من قول الواحد الديان: ((ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا))؟، وفي مقابل هذا الخطأ خطأ آخر؛ فمن الناس من بسط الله له في الرزق، ولكنه نسي بإسرافه ما وجب في ماله من حق، متجاهلا المحتاجين من الخلق، فأين هو في شهر الإحسان، مما أمر الله به في محكم القرآن حين قال سبحانه وتعالى: ((وآتوهم من مال الله الذي آتاكم))؟، فالمال مال الله، والخلق عبيده وعياله، ومن واساهم ناله خيره ونواله، قال تعالى: ((آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير))، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضاعف إنفاقه في رمضان، ويكثر من الجود والإحسان، بالرغم من أنه كان أجود بالخير من الريح المرسلة، لا يرد محتاجا ولا ذا مسألة، فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان))، وإذا كان الإنفاق على المحتاجين من أجل الطاعات، فإن الإسراف من أخطر الموبقات، إنه يحرم صاحبه محبة الله، ويبعده عن رحمته ورضاه، قال تعالى: ((يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين))، إن الإسراف مخالفة صريحة لتعاليم الدين، وأوامر رب العالمين، لذا كان فاعله من إخوان الشياطين، قال سبحانه وتعالى: ((وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)).

فاتقوا الله -عباد الله-، واستقبلوا رمضان بالإكثار من الطاعات وفق منهج مثمر خلاق، واجعلوه فرصة للتحلي بمكارم الأخلاق، واحرصوا فيه على ترشيد الإنفاق، تتجنبوا بذلك الفقر والإملاق.

إن المتأمل في حكم الصوم وفوائده، ومقاصده وعوائده، يجد أن للتكافل الاجتماعي مكانا بارزا فيها، ومحلا عاليا منها، فرمضان في تأريخ الأمة وفلسفتها شهر الجود والإنفاق، شهر الرحمة والإحسان، شهر النفوس الكريمة السخية، والأكف الباذلة الندية، فليكن لكم فيه -إخوة الإيمان- السهم الرابح، ومن حسناته الميزان الوافر الراجح، قولوا لدعاة التكافل: مرحبا وأهلا وسهلا، ولا يترددن أحدكم في مساعدة المعوزين واليتامى، ومن ذا الذي يبخل على نفسه بثواب يحصل له بلا عناء، إذ يكتب الأجر العظيم لمن فطر صائما ولو على شربة ماء، فعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب في آخر يوم من شعبان فقال: ((يا أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء))، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه، فقال -صلى الله عليه وسلم- : ((يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو على شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الجنة وتعوذون من النار، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة))، وبعد أن سمعتم هذا الحديث النبوي الشريف: أليس هذا الشهر حريا بأن يتنافس فيه المتنافسون؟ وجديرا بأن يتسابق لأجله المتسابقون؟!.

ألا فاتقوا الله -عباد الله-، واجعلوا من رمضان منطلقا لتكافلكم، وبداية صادقة لتعاونكم وتآزركم، تسعد بذلك مجتمعاتكم، وتصلح أحوالكم، ويبارك الله في أرزاقكم وأعماركم.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )).

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً