مواقف من ثبات الصحابة • أولئك أصحاب محمد ﷺ كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً ...

مواقف من ثبات الصحابة

• أولئك أصحاب محمد ﷺ كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد ﷺ كانوا على الهدى المستقيم وربِّ الكعبة.

"فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم، إن التشبه بالكرام فلاحُ"

- بلال بن رباح:
كان أمية بن خلف يُخرج بلالاً رضي الله عنه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، قال ابن كثير: "كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يشرك بالله فيابى عليهم وهو يقول: أحدٌ أحد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها رضي الله عنه وأرضاه".

- خباب بن الأرت:
خباب بن الأرت رضي الله عنه أسلم ولم يبلغ العشرين من عمره، وهو من السابقين الأولين في الإسلام، إذ كان سادس ستة أسلموا على ظهر الأرض، وكان رضي الله عنه مولى لأم أنمار بنت سباع الخزاعية، فلما علمت بإسلامه عذبته بالنار، وكانت تأتي بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره ورأسه، ليكفر برسول الله ﷺ ويرجع عن إسلامه، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانا، وكذلك كان المشركون يعدبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفاها إلا شحم ظهره.. ولما اشتد تعذيب المشركين له رضي الله عنه ولغيره من المسلمين المستضعفين ذهب إلى النبي ﷺ يشكو إليه ويطلب منه الدعاء له ولأصحابه فقال: (شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) [رواه البخاري].

- عثمان ابن عفان:
روی ابن سعد في الطبقات عن محمد بن إبراهيم بن حارث التيمي قال: "لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطاً وقال: أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدَثْ؟ والله لا أحلك أبداً حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين، فقال عثمان والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه، فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه".

- خالد بن سعيد بن العاص:
روی ابن سعد عن عمرو بن شعيب قال: "كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص ثالثاً أو رابعاً، وكان ذلك ورسول الله ﷺ يدعو سرا، وكان يلزم رسول الله ﷺ ويصلي في نواحي مكة خالياً، فبلغ ذلك أبا أحيحة فدعاه فكلمه أن يدع ما هو عليه، فقال خالد لا أدع دين محمد حتى أموت عليه... ثم أمر به إلى الحبس، وضيق عليه وأجاعه وأعطشه، حتى لقد مكث في حر مكة ثلاثاً ما يذوق ماء).

- الزبير بن العوام:
عن أبي الأسود قال: "أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين، وهاجر وهو ابن ثمان عشرة، وكان عمه يعلقه في حصير ويدخن عليه بالنار ويقول: ارجع إلى الكفر، فيقول: الزبير لا أكفر ابدا" [رواه الطبراني]

- عمار بن ياسر وأمه:
عن عمر بن الحكم قال: "كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول". وفي السيرة النبوية لابن هشام "سمية أم عمار عذبها هذا الحي من بني المغيرة على الإسلام وهي تأبى حتى قتلوها وكان النبي ﷺ يمر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة فيقول: (صبراً يا آل یاسر فإن موعدكم الجنة). وسمية رضي الله عنها هي أول شهيد في الإسلام، قال ابن حجر: "أخرج ابن سعد بسند صحيح عن مجاهد قال: أول شهيد في الإسلام سمية والدة عمار بن ياسر"، وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "قال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال: أول شهيد كان في الإسلام إستشهد أم عمار (سمية) طعنها أبو جهل بحربة في قُبُلها".
...المزيد

تعلموا أمر دينكم (3) • ثانياً: طاغوت الحكم: وهو كل ما تُحُوكِم إليه من دون الله من دستور شركي ...

تعلموا أمر دينكم (3)

• ثانياً: طاغوت الحكم:
وهو كل ما تُحُوكِم إليه من دون الله من دستور شركي أو قانون وضعي أو حاكم بغير ما أنزل الله، سواء كان سلطاناً أو قاضياً أو غيرهما، ودليل ذلك قوله تعالى: { يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } [النساء: ٦٠]، وقوله تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: ٥٠].


• ثالثاً: طاغوت المتابعة:
ومثاله متابعة علماء السوء في تحليل الحرام وتحريم الحلال، وتشريع أحكام الطواغيت من الديمقراطية والقوانين الوضعية، ولا بدّ أن يعلم المرء أنّ التشريع من خصائص الله جلّ وعلا، قال تعالى: { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } [النحل: ١١٦]، وقوله تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } [التوبة: ۳۱]، وقد جاء في تفسير هذه الآية أن الأحبار والرهبان أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله فبهذا اتخذهم الناس أربابا من دون الله.

• والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة:
1- الشيطان.
2- الحاكم المغيّر لأحكام الله، ومثله المشرّع.
3- الحاكم بغير ما أنزل الله.
4- الذي يدّعي علم الغيب من دون الله.
5- الذي يُعبد من دون الله وهو راضٍ بذلك.

- كتاب: تعلموا أمر دينكم صادر عن ديوان الدعوة والمساجد سلسلة (3)
...المزيد

غريب القرآن - سورة غافر • { مِنْ بَأْسِ اللَّهِ } عذابه. • { مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ...

غريب القرآن - سورة غافر

• { مِنْ بَأْسِ اللَّهِ }
عذابه.

• { مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ }
يعني: مثل عذاب الأمم الخالية.

• { يَوْمَ التَّنَادِ }
يوم القيامة، ينادي أهل الجنة أهل النار
وأهل النار أهل الجنة والناس ينادي بعضهم بعضا.

• { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ }
مثل حال.

• { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ }
يعني عن النار، أي فارين غير معجزين الله.

• { مِنْ عَاصِمٍ }
أي: من ناصر.
...المزيد

فَوَائِدُ وَفَرَائِدُ مِنَ السُّنَّةِ وَالآثَارِ • عن عطاء، عن ابن عباس، قال: «ما اجتمع رجلان ...

فَوَائِدُ وَفَرَائِدُ مِنَ السُّنَّةِ وَالآثَارِ

• عن عطاء، عن ابن عباس، قال: «ما اجتمع رجلان يختصمان فافترقا حتى يفتريا على الله عزَّ وجل».

• عن الحارث العكلي، قال: «أيما رجلين جلسا يختصمان، فليعلما أنهما في بدعةٍ حتى يفترقا».

- [الإبانة الكبرى (639) (640)]
...المزيد

فَضَائِلُ الصَّحَابَة • عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ ...

فَضَائِلُ الصَّحَابَة

• عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ، فَقَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ». فَعَدَّ رِجَالًا.*


أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي
...المزيد

قسوة القَلب • قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- ‌وأمَّا أسبابُ القسوة فكثيرة: - منها: كثرةُ ...

قسوة القَلب

• قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- ‌وأمَّا أسبابُ القسوة فكثيرة:

- منها: كثرةُ الكلام بغير ذكر الله

- ومنها: نقض العهد مع الله تعالى، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}

- ومنها: كثرةُ الضَّحك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ)

- ومنها: كثرةُ الأكل، ولا سيما إِنْ كان من الشبهات أو الحرام؛ قال بشر ابن الحارث: خصلتان تُقسِّيان القلب، كثرةُ الكلام وكثرة الأكل.

- ومنها: كثرةُ الذنوب، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}

• وأمَّا مزيلاتُ القسوة، فمتعددة أيضاً:

- فمنها: كثرةُ ذكر الله الَّذِي يتواطأ عليه القلب واللسان

- ومنها: الإحسانُ إِلَى اليتامى والمساكين

- ومنها: كثرةُ ذكر الموت

- ومنها: زيارةُ القبور بالتفكر في حال أهلها ومصيرهم

- ومنها: النظرُ في ديار الهالكين، والاعتبار بمنازل الغابرين

• [ذم قسوة القلب] لابن رجب -رحمه الله-


• المصدر: إنفوغرافيك النبأ - قسوة القَلب
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 461
الخميس 16 ربيع الأول 1446 هـ
...المزيد

حُــ ←ـمـاة الشّـريـعة, [20/09/24 01:02 م] بنغلاديش وحكم الشريعة • عصفت ببنغلاديش مؤخرا أحداث ...

حُــ ←ـمـاة الشّـريـعة, [20/09/24 01:02 م]
بنغلاديش وحكم الشريعة

• عصفت ببنغلاديش مؤخرا أحداث واضطرابات أسبابها تراكمية قديمة، تجددت وتنامت شيئا فشيئا إلى أن تمخضت في النهاية عن هروب أو "تهريب" حاكمتها إلى الهند على متن مروحية عسكرية، فيما دخلت البلاد مرحلة من "التداول السياسي" من طاغوت لآخر، في مشهد قارنه الكثيرون بما جرى قبل سنوات في بلدان عربية سقط فيها الحاكم دون الحكم، وهي مقارنة لا تبعد كثيرا عن الواقع من حيث الأسباب والوسائل والنتائج.

من ناحية تاريخية، لا تختلف بلاد البنغال كثيرا عن حال بلدان المنطقة من حيث تسلسل أحداث الحكم، فقد استولى البريطانيون الصليبيون على البلاد، ثم تركوها فريسة لصراعات طواغيت باكستان والهند، لتعيش البلاد انقساما مزمنا سيئا أعقبه "استقلال مزعوم" أسوأ، بعد معارك دامية تأتي في سياقها الطبيعي حين يُنازع الطواغيت في حكمهم، ثم استمرت انقلابات ودسائس "المستقلين" على بعضهم حتى رست مراكب الحكم لـ "رئيسة الوزراء" الأخيرة التي ولّت هاربة إلى مشغّليها في الهند، إلا أن القاسم المشترك بين هذه الحكومات المتصارعة على مدار مئات السنين هو الحكم بغير شريعة الإسلام في بلد يوصف بأن غالبيته مسلمة!

من حيث الأسباب والغايات، لم تكن غاية خروج الطلاب والناس إلى شوارع بنغلاديش هو المطالبة بتحكيم الشريعة، بل كان الخروج للمطالبة بتنفيذ "إصلاحات" في نظام الحكم لا تخرجه عن كونه نظاما كفريا، لكنها تحقق لـ "الثائرين" مكاسب دنيوية لا أكثر من قبيل "التوزيع العادل للوظائف"، وفي سبيل هذه الغاية أتلف مئات الشباب أنفسهم وصاروا وقودا لـ "معركة الديمقراطية" و "الوطنية" البائسة التي ما زالت فصولها مستمرة حتى اليوم.

وهو الأمر ذاته الذي جرى في بعض الدول العربية، حين ثار الناس على الأنظمة الطاغوتية المرتدة، في "ثورات" لم تكن على بصيرة من أمرها ولم تسلك سبيل ربها، فانتهت بإبدال طواغيت بطواغيت آخرين أشد فتكا وكفرا، فالمشهد في بنغلاديش يعيد ما جرى في تلك البلدان، حين أسقطوا الطاغوت وأبقوا حكمه وأعوانه ونظامه العميق المتغلغل في كل نواحي الحياة، فهم في الواقع لم يزيدوا على تغيير الرأس برأس آخر، يختلف شكلا لا مضمونا، لتبقى منظومة الطاغوت الكفرية مهيمنة على بلاد المسلمين.

منهجيا، يوجد فرق كبير وبون شاسع بين الأساليب "الثورية" ومشتقاتها، في تغيير الواقع، وبين سبيل الجهاد؛ ذلك أن الجهاد يغيّر الواقع من جذوره، ويقتلع الباطل من أصله ويجتثه من عروقه، من أصغر جندي في منظومة الطاغوت إلى رأس الهرم فيه، ولا يداهنه أو يحاصصه أو يلتقي معه في منتصف الطريق!، فيثمر الجهاد تغييرا حقيقيا جوهريا لا صوريا، كما هو حال "الثورات" التي يخرج فيه حكم الطاغوت من الشباك ويدخل من النافذة!، وهذا من بركات وثمار التمسك بالسبيل الرباني والتزام الوحي الإلهي، فالله تعالى أعلم بما يُصلح الخلق، ولو كان غير الجهاد سبيلا لدلنا عليه سبحانه، ولسلكه نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضوان الله عليهم.

إن سبب فشل هذه "الثورات" المتلاحقة في بنغلاديش وغيرها من بلاد المسلمين، يكمن في بطلان المنطلقات التي انطلقوا منها، فالشباب الذي أطاح بزعيمة بنغلاديش وقبلها بزعماء مصر وتونس واليمن وليبيا، لم ينطلقوا من منطلقات شرعية، ولم يخرجوا ضد الحكام لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ولم تكن غايتهم تطبيق شريعة الله، ولم تكن وسيلتهم الجهاد في سبيل الله، ذلك أنهم نتاج ضخّ عقدي وإعلامي لنفس منظومة الطاغوت الذي ثاروا ضده، فهم حصاد مر لسنوات من الجاهلية التي روجت للسلمية سبيلا للحل، والديمقراطية غايةً في الحكم، وهي كارثة عقدية كبيرة لم تحلّ بشباب بنغلاديش وحدهم، بل ما زالت تعيث فسادا في كل بلدان المسلمين، رغم كل ما أنتجته وأفرزته من ضياع الدين والدنيا.

ومن أسباب هذه الكارثة في بنغلاديش، تضييع الولاء والبراء عند كثير من المنتسبين للإسلام، إلى الحد الذي ترى البوذيين الذين قتلوا وهجّروا مئات آلاف المسلمين من ميانمار المجاورة، والهندوس الذين بلغ إجرامهم بحق المسلمين الآفاق؛ يعيشون آمنين مطمئنين بين "الغالبية المسلمة" في بنغلاديش! دون أن تراق دماؤهم ويُثأر منهم للمسلمين، وهذا مثال واحد من أمثلة إفساد عقائد المسلمين، الذين يجمعهم -في الأصل- دين واحد، ومن ذلك أيضا، أنك تجد الناس يخرجون في بنغلاديش دعما لأهل غزة وسخطا على اليهود؛ في الوقت الذي يتركون فيه ويوادعون الهندوس الداعمين بقوة لليهود، في تناقض فجّ لا يفسره إلا فساد العقيدة وانحرافها.

▫ المصدر: افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 461
الخميس 16 ربيع الأول 1446 هـ

حُــ ←ـمـاة الشّـريـعة, [20/09/24 01:02 م]
بنغلاديش وحكم الشريعة

• إن سبب فشل هذه "الثورات" المتلاحقة في بنغلاديش وغيرها من بلاد المسلمين، يكمن في بطلان المنطلقات التي انطلقوا منها، فالشباب الذي أطاح بزعيمة بنغلاديش وقبلها بزعماء مصر وتونس واليمن وليبيا، لم ينطلقوا من منطلقات شرعية، ولم يخرجوا ضد الحكام لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ولم تكن غايتهم تطبيق شريعة الله، ولم تكن وسيلتهم الجهاد في سبيل الله، ذلك أنهم نتاج ضخّ عقدي وإعلامي لنفس منظومة الطاغوت الذي ثاروا ضده، فهم حصاد مر لسنوات من الجاهلية التي روجت للسلمية سبيلا للحل، والديمقراطية غايةً في الحكم، وهي كارثة عقدية كبيرة لم تحلّ بشباب بنغلاديش وحدهم، بل ما زالت تعيث فسادا في كل بلدان المسلمين، رغم كل ما أنتجته وأفرزته من ضياع الدين والدنيا.

ومن أسباب هذه الكارثة في بنغلاديش، تضييع الولاء والبراء عند كثير من المنتسبين للإسلام، إلى الحد الذي ترى البوذيين الذين قتلوا وهجّروا مئات آلاف المسلمين من ميانمار المجاورة، والهندوس الذين بلغ إجرامهم بحق المسلمين الآفاق؛ يعيشون آمنين مطمئنين بين "الغالبية المسلمة" في بنغلاديش! دون أن تراق دماؤهم ويُثأر منهم للمسلمين، وهذا مثال واحد من أمثلة إفساد عقائد المسلمين، الذين يجمعهم -في الأصل- دين واحد، ومن ذلك أيضا، أنك تجد الناس يخرجون في بنغلاديش دعما لأهل غزة وسخطا على اليهود؛ في الوقت الذي يتركون فيه ويوادعون الهندوس الداعمين بقوة لليهود، في تناقض فجّ لا يفسره إلا فساد العقيدة وانحرافها.

هذه الاضطرابات العقدية والمنهجية الخطيرة، لا بد لشباب بنغلاديش أن يسعوا لإصلاحها ويعطوا لذلك الأولوية القصوى في حياتهم، قبل أي تحرك ميداني على الأرض، فيحرصوا على تصحيح العقيدة أولا، ويكفروا بالطاغوت أيا كان عنوانه وصفته، جاهلا كان أم من حملة "الشهادات"، عسكريا أو مدنيا، مدفوعا من الشرق أو مدعوما من الغرب، فكل حكم بغير ما أنزل الله العظيم كفر، وكل حاكم بالقوانين الوضعية أيا كان مصدرها ومرجعها ومشرّعها هو كافر بالله، ثم بعد ذلك، نوصيهم باستغلال كل ثغرة تنتج عن هذه الفوضى للإعداد وجمع السلاح والموارد اللازمة لإحياء فريضة الجهاد على منهاج النبوة، وعدم تضييع الفرصة كما ضيعها غيرهم، فإن دول النظام الجاهلي العالمي لن تدع بلاد البنغال دون طاغوت من ثوبها وعلى شاكلتها في الكفر والظلم، ولن تدع المسلمين يحكمون بشريعة ربهم إلا إن انتزعوا منهم الأرض بالحديد والنار، وذلك لا يكون بغير الجهاد في سبيل الله.

وبالجملة، فالواجب على المسلمين في بنغلاديش وكل مكان، أن يصححوا المسار في مواجهة الحكومات المرتدة، فلا يزهقوا أنفسهم في سبيل تغيير شكل الطاغوت، من عسكري إلى مدني أكاديمي، ومن سارق عديم الخبرة إلى سارق محترف، ومن مدمّر للبلاد ناهب لثرواتها إلى معمر لها وبانٍ لاقتصادها، فلا تعمر الأرض بغير شريعة الرحمن، ولو صارت مروجا وقصورا، فالشريعة هي البداية وبغيرها لا سيادة ولا سعادة، ودونها وفي سبيلها تسفك الدماء، هذا هو ديننا الذي ارتضاه لنا ربنا سبحانه، ومن استبطأ النصر واستعظمه، أو أكبر الثمن واستغلاه فلن يصل لمراده، فالغايات العظيمة لا بد لها من بذلٍ عظيم، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.


▫ المصدر: افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 461
الخميس 16 ربيع الأول 1446 هـ
...المزيد

آخاهما طريق الهجرة والإعداد والجهاد في أرض الخلافة مقدسيّان يزفّهما معاً صاروخٌ إلى الحور ...

آخاهما طريق الهجرة والإعداد والجهاد في أرض الخلافة
مقدسيّان يزفّهما معاً صاروخٌ إلى الحور الحسان

• شابّان من غزّة، لم يكونا يعرفان بعضهما البعض حتّى جمعهما طريق الهجرة إلى الدّولة الإسلاميّة، فالتقيا وأصبحا روحاً بجسدين، وبات أحدهما يكمل الآخر، فلا تكاد تجد أحدهما إلا والآخر برفقته.

أبو المثنّى الفلسطينيّ أو المقدسيّ -أحياناً- كما يحبّ أن يُكنّى، أوهم الجميع بأنّه مسافرٌ لإكمال دراساته العليا في بلدٍ أجنبيٍّ، قبل أن يترك مشروع مستقبله، وحلم كلّ شابٍ، ليتّجه صوب أرض الخلافة بحثاً عن مرضاة الله، تاركاً أحلام الصّبا، بعدما قرّر أن يشتري آخرته بدنياه.

أمّا توأم هجرته فكان أبا طارقٍ الغزّاويّ، فقد كان خبيراً في التّعامل مع الأسلحة، وبارعاً في فنون التّدريب، كونه أحد المنتمين لحركة (حماس)، قبل أن تتبيّن له حقيقة أنّ الجهاد الحقيقيّ هو الذي تسلك طريقه الدّولة الإسلاميّة، فأصبح الحمساويّ أبو طارقٍ متمرداً على أوامر قيادة (حماس) بعدم استهداف اليهود بأيّ شكلٍ من الأشكال، فكان يقوم بعمليّاتٍ انفراديّةٍ، من قبيل إطلاق قذائف هاون، أو صواريخ باتّجاه اليهود بلا أوامر، فما كان من (حماس) إلّا أن قامت باعتقاله والتّحقيق معه، قبل أن تُلقي به في سجونها لمدّة ليست بالقصيرة بتهمة خرق الهدنة مع اليهود.

وما إن خرج أبو طارقٍ الذي عرف حقيقة (حماس) وتبرأ منها حتى أدرك أنه لا مناص من الهجرة إلى أرض الخلافة، كونها المشروع الوحيد الذي يضرب أيّ عدوٍّ للإسلام، مهما كانت قوته أو نفوذه، دون محاباة لهذا الطّرف أو ذاك، فأخذ يعمل على هذا الهدف، دون علم عائلته، التي فوجئت بوصوله إلى أرض الخلافة، بعد أن أوهمهم أنّه خارجٌ للعمل للحصول على قوت عائلته اليوميّ، كما هي عادته مطلع كلّ نهار، لكنّ أبا طارقٍ هذه المرّة كانت وجهته غير التي اعتاد عليها، حتى والدته التي كان يحرص على إرضائها وبرّها، رفض أن يحتضنها ويضع على رأسها قبلة الوداع، خشية أن تكتشف وجهته، فيحصل ما لا يحمد عقباه فيضيع منه حلم الهجرة.

كان أبو طارقٍ وهو يغادر داره، بحقيبةٍ صغيرةٍ فيها طعام غدائه، مثل كلّ يومٍ، يختلس النّظر إلى نافذة داره التي -وعلى غير عادته- جلس فيها أخوه الصّغير وهو يودّعه، للمرّة الأخيرة.

داس أبو طارقٍ على قلبه، وحبس أنفاسه، وسار في طريق هجرته، حتى اجتمع في بلدٍ آخر برفيق رحلته المستقبليّة أبي المثنّى الفلسطينيّ، ليواصلا الرّحلة معاً حتّى دخلا أرض الخلافة وتنفسا هواءها.

جلسا في ضيافة الدّولة الإسلاميّة لأيام بانتظار دخول معسكرات التّدريب، حتى حان موعد الحقيقة، يوم أُبلغا بأنّهما سيكونان في صباح اليوم التّالي في معسكر التّدريب الشّرعيّ، وما أن أزف وقت دخولهما المعسكر حتى شرعا يُكبّران الله ويحمدانه على ما أنعم به عليهما من تحقيق حلمهما في الوصول إلى أرض الدّولة الإسلاميّة، والجهاد تحت رايتها، والموت على ثراها..

حينما حلّا في ضيافة المعسكر الشّرعيّ، ونظراً لتميّزهما عن غيرهما، اختير كلّ واحدٍ منهما ليكون أمير سريّة، كما اختيرا ليدير كلّ واحدٍ منهما حلقةً لتحفيظ القرآن الكريم للمتدرّبين في المعسكر، فهما يحفظان القرآن الكريم بكامله. وبالإضافة لذلك كانا يمتعان إخوانهما في المعسكر بالأناشيد الجهادية التي كانا يحفظان الكثير منها، فكان أبو المثنى كثيراً ما يجود بصوته العذب منشداً:
على نغمات حمحمة الجياد .. وقرع سيوفنا البيض الحداد
سنمضي نفرض الإسلام ديناً .. ونمحو الشّرك من كلّ النّوادي

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 8
(قصة شهيد)

آخاهما طريق الهجرة والإعداد والجهاد في أرض الخلافة
مقدسيّان يزفّهما معاً صاروخٌ إلى الحور الحسان

• بقي الصّاحبان معاً على هذا الحال يتشاركان النّوم وتناول الطّعام وعرق التّدريب وشراسته حتّى انتهى المعسكر الشّرعيّ بعد أكثر من أربعة أسابيعَ، وكالعادة في تفوّقهما، كان أبو طارقٍ وأبو المثنّى من الأوائل في الاختبارات الشّرعيّة التي تُجرى في نهاية المعسكر، تماماً مثلما كانا من الأوائل في ميدان التّدريب البدنيّ الشّاقّ الذي يتضمّنه المعسكر الشّرعيّ كذلك.

ومثلما جرت عليه العادة في المعسكر الشّرعيّ، كان حالهما في المعسكر العسكريّ، لا يفترقان أبداً، إذ كانا يطلبان أن يبقيا في مجموعةٍ واحدةٍ، فهما يشعران بالألم إنْ فُرِّق بينهما، ما يجعل المدرّب يعيد جمعهما في مجموعةٍ واحدةٍ من جديد كلما افترقا، حرصاً على أخوّتهما التّي كانت فريدةً من نوعها!

انتهى المعسكر العسكريّ، ونُسِّبا إلى جيش الخلافة، ليصلا إلى سوح النّزال بعد أشهر من المعسكرات المستمرّة والمتتالية، وما إن وقعت أعينهما، على حقائب بعض الإخوة ممّن سبقوهم إلى جنان الخلد -نحسبهم والله حسيبهم- في مقرّ كتيبتهم الجديدة، حتى فاضت عينا أبي طارقٍ وأبي المثنّى بالدّمع الغزير، حيث شعرا أنّهما على موعدٍ مع الشّهادة، فهما يُمنّيان النّفس بنيلها عاجلاً غير آجل، بعد إثخانٍ في العدوّ وجزّ رقابٍ ونحر أعناقٍ.

في آخر يومين لهما قبل ذهابهما لإحدى الغزوات تبدّل حالهما، فالمزاح قد قلّ، والنّظرات تبدّلت، والضّحكات المستمرّة تحوّلت لابتسامات خفيفة لا تفارق محيّاهما، وبات جُلّ حديثهما عن الجنّة، وحور عينها، وفردوسها الأعلى، فشعر جميع رفاقهم أنّها اللّحظات التي يعيشها الإخوة قبل ساعات مقتلهم.

أخذ (أبو طارقٍ) أثناء تلك الأوقات يطلب من رفاقه التقاط صورٍ له وهو بلباس القتال، مردّداً عبارات التمنّي في وصول تلك الصّور لرفاقه السّابقين في حركة (حماس)، كي يدركوا أيّ خيرٍ ذلك الذي رزقه الله لصاحبهم، الذي نجا بنفسه من بؤرة الكفر نحو عزّ الخلافة، وكتب كذلك وصايا متعدّدة لعائلته، ولأصدقائه، ولرفاقه السّابقين في (حماس)، يحثّهم فيها على النّفير والهجرة إلى أرض الخلافة، وسلك طريق الجهاد الحقيقيّ في ربوع الدّولة الإسلاميّة.

أمّا أبو المثنّى فرفض أن يكتب وصيّةً في أمور الدّنيا، مكرّراً أن لا حاجة له بهذه الدّنيا الفانية ومن فيها، فهو -كما يقول- راحلٌ إلى جوار ربّه، طالباً إبلاغ أهله شفوياً أنّ ابنهم لم يمت، بل ذهب شهيداً إلى ربّه مخضبّاً بالدّماء.

وذات صباحٍ، خرج أبو طارقٍ وأبو المثنّى في غزوةٍ بولاية البركة، التي تشهد معارك طاحنةً مع مرتدي الـ (PKK) المدعومين بطيران الشّرق والغرب، والشّمال والجنوب، وما هي إلا ساعاتٌ حتّى جاءت البشارة بأنّ الخليلين قد قتلا في المعارك بصاروخٍ زفهما إلى الجنة معاً -بإذن الله- بعدما رفضا أن يفترقا حتى آخر لحظاتهما.

أمّا عائلة كلّ واحدٍ منهما، فما إن وصلهما خبر مقتل الأسدين الهصورين، حتّى أخذت كلّ عائلة تُكبّر الله وتحمده أنْ منّ سبحانه على ابنها بالقتل في سبيله، ونيله ما خرج لأجله بعدما ترك زخرف الدّنيا وزينتها في سبيل ذلك.

ارتحل أبو طارقٍ وأبو المثنّى اللذان كانا يُكثران من سؤال الله أن يجعل جسد كلّ واحدٍ منهما أشلاءً في سبيله، فاستجاب الله لهما، فما بقي من جسديهما شيءٌ يمكن دفنه.

فهنيئاً لهما بعث أشلائهما من ثرى أرض الخلافة إلى فردوس ربّنا الأعلى، بمشيئته سبحانه.

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 8
(قصة شهيد)
...المزيد

الآثار بعيدة المدى لعمليات جنود الخلافة في تونس • ممّا يميّز عمليّات جنود الخلافة في تونس أنّها ...

الآثار بعيدة المدى لعمليات جنود الخلافة في تونس

• ممّا يميّز عمليّات جنود الخلافة في تونس أنّها عمليّات نوعيّة بامتياز، فالأهداف التي ضربتها المفارز الأمنيّة يظهر أنّها منتقاةٌ بعنايةٍ فائقةٍ، كما أنّ العمليّات نُفّذت بأقلّ التّكاليف، وحقّقت خسائر فادحةً في الأعداء، وكانت لها نتائجُ استراتيجيّةٌ بعيدة المدى تفوق بكثيرٍ النّتائج المباشرة المتمثّلة بالخسائر البشريّة والمادّيّة للجهات المستهدفة.

فهذه العمليّات في حقيقتها استهدفت أسُس النّظام الطّاغوتيّ الحاكم في تونس ذاته، لا شاطئاً للعراة، أو متحفاً لآثار الوثنيّين، أو حافلةً لجنود الطّاغوت، بل استهدفت أسُس هذا النّظام التي تمكّنه من إدارة البلاد وحكم العباد، وأهمّها الهيبة التي يمكنه من خلالها فرض حكمه على النّاس، ونظاماً سياسياً يدير من خلاله الحكم، ونظاماً اقتصادياً ومالياً يؤمّن من خلاله الموارد الضّرورية لعمل نظام الحكم وتسيير شؤونه.

فبالإضافة إلى العمليّات التي استهدفت جيش الطّاغوت والتي راح ضحيّتها العشرات من جنوده الذين لا يلقي لهم بالاً، استهدفت المفارز الأمنيّة بانغماسيّيها واستشهاديّيها أهدافاً قيّمةً، تمثّلت في رعايا الدّول الصّليبيّة من السّيّاح، وضبّاط وعناصر جهاز "أمن الرّئاسة"، ما أدّى إلى نتائج وخيمةٍ على النّظام الطّاغوتيّ، ستستمر تبعاتها في التّضخّم كلّما تصاعدت عمليّات جنود الخلافة على أرض تونس بإذن الله.

- استهداف الكفّار وآثاره الاقتصاديّة والسّياسيّة:

إنّ الكفّار المحاربين من رعايا الدّول الصّليبيّة يمثّلون أهدافاً مباشرةً للمجاهدين فيُستهدفون لكفرهم، وحرب دولهم على الإسلام والمسلمين، وقتل جيوشهم لرجال ونساء وأطفال المسلمين دون تمييزٍ، فيُقتلون ويُؤسرون مهما كانت الصّفة التي يحملونها، سواء كانوا عسكريّين مباشرين للقتال أم لم يكونوا، ويستمرّ فيهم هذا الحكم حتّى يقبلوا بشريعة الإسلام، اتّباعاً لها بدخولهم فيه، أو خضوعاً لها بعقد ذمّةٍ، أو معاهدة هدنةٍ أو أمانٍ.

وفضلاً عن ذلك تزداد أهميّة استهدافهم أثناء وجودهم في البلاد التي يحكمها الطّواغيت المتسلّطون على رقاب المسلمين، لسببين أساسيّين هما: حرص هؤلاء الطّواغيت أشدّ الحرص على رضا الدّول الصّليبيّة بحمايتهم لرعاياهم، وفتح البلاد أمامهم للسّياحة والاستثمار، وإظهار قدرتهم على محاربة المجاهدين ومنعهم من توجيه الأذى إلى هذه الدّول، ومن جهة أخرى فإنّ استمرار توافد رعايا الصّليبيّين على بلدانهم يعني استمرار تدفّق الأموال إلى خزائنهم، عن طريق عوائد السّياحة، والضّرائب والرّسوم الجمركيّة، وعوائد الاستثمارات الاقتصاديّة، وغيرها من الموارد الماليّة التي تزداد كلما ازداد حجم تدفّق "الأجانب" على أراضي هذه الدّول، لذلك نجد أنّ بعض هؤلاء الطّواغيت جعل من البلاد التي استولى عليها مركزاً لاجتذاب المستثمرين "الأجانب" حتى سيطروا على الاقتصاد كلّه تقريباً وباتوا هم أصحاب الشّأن في البلاد، وجلبوا العمالة من الكفّار إلى حدٍّ جعل هؤلاء الكفّار من العمالة الرّخيصة يمثّلون غالبيّة السّكان، كما هو الحال في "دولة الإمارات" وغيرها، أو جعل من البلاد أرضاً مفتوحةً للسّياحة يجتذب إليها الكفّار والمشركين، وذلك بجعل البلاد بطولها وعرضها ساحة للدّعارة والفجور، والمخدّرات والخمور، والعريّ والسّفور، كما هو الحال في مصر وتركيا والمغرب وتونس وغيرها.

لذا فإنّ استهداف هؤلاء الكفّار فضلاً عن أنّه تحقيقٌ لأمر الله بقتلهم وإرهابهم، وكونه استهدافاً لدولهم المحاربة للإسلام، فإنّه أيضاً استهدافٌ للأنظمة الطّاغوتية، بما له من تأثير كبير عليها.


• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 8
مقال:
الآثار بعيدة المدى لعمليات جنود الخلافة في تونس


الآثار بعيدة المدى لعمليات جنود الخلافة في تونس

• فبالنظر إلى الجانب الاقتصاديّ الذي يمثّل التّأثير الأكبر على حكومة الطّاغوت في تونس، نجد أنّ السّياحة تحتلّ أهميّةً كبيرةً في بنيته إلى حدّ وصفها من قبل بعض الاقتصاديّين أنّها "رمز الاقتصاد التّونسيّ"، فبعد نصف قرن من اعتمادها على قطاع السّياحة في تنمية الاقتصاد، أوصلت الحكومات الطّاغوتيّة المتعاقبة البلاد إلى حالة الاعتماد عليها في تأمين مصادر الدّخل وتوفير فرص العمل، حيث وصلت مساهمة السّياحة في تونس إلى ٧% من النّاتج المحلّيّ الإجماليّ، مقدّمة أكثر من 2.5 مليار دولار عام ٢٠٠٨ كعوائدَ مباشرةٍ وغير مباشرةٍ على الاقتصاد، وحوالي ٥٠٠ ألف فرصة عملٍ كما أنّ السّياحة هي المصدر الأوّل للعملات الأجنبيّة، وبالنّظر لما سبق يتبيّن أهميّة هذا القطاع لأيّ حكومة طاغوتيّة يهمّها تحصيل المال من أيّ مصدرٍ كان، وتزداد أهميّة هذا القطاع وتنميته عند الحكومة الطّاغوتيّة في تونس إذا علمنا أنّ الاستثمارات في هذا القطاع يهيمن عليها كبار اللّصوص من المرتبطين بالطّاغوت الهارب (زين العابدين بن عليّ)،بالإضافة إلى المستثمرين الأجانب، كذلك تمثّل شركات ووكالات السّياحة الأوروبيّة أهمّ المستفيدين من عائدات هذا القطاع، حيث يرتبط بها ٩٠% من المؤسّسات العاملة في هذا القطاع وتقدّر حصّتها من إجمالي أرباحه بحوالي ٢٥%.

لذلك فإن ضرب القطاع السّياحي كما حدث إثر عمليتي (شاطئ سوسة) و (متحف باردو)، اللّتين أدّتا إلى مقتل وإصابة ١٠٠ من رعايا الدّول الصّليبيّة، أدّتا أيضاً حسب أحد مسؤولي حكومة الطّاغوت إلى إغلاق أكثر من ٧٠ فندقاً لأبوابها، بعد تراجع نسبة إشغال الفنادق بنسبة ٨٠%، وهذه المؤشّرات تفضح حقيقة قطاع السّياحة وتراجع إيراداته، الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي إلى تدمير اقتصاد الحكومة الطّاغوتية بإذن الله، وزيادة أعبائها ومشكلاتها، ما سينتج عنه بإذن الله مع الزّمن حالة من الفوضى تسود البلاد وتساعد كثيراً في زيادة العمليّات الأمنيّة ضدّها، خاصّة مع استمرار العمليّات العسكريّة داخل البلاد مهما اختلف حجمها ونوعيّة الأهداف التي تضربها، كما حدث في العمليّة الأخيرة التي حدثت في قلب العاصمة (تونس)، التي اعتبرها المراقبون مؤشّراً على الظّهور البارز للدّولة الإسلاميّة في البلاد، ما يعني نسف كلّ جهود ودعايات الحكومة الطّاغوتيّة ومزاعمها بقدرتها على ضبط الأمور، ما يعني استحالة استعادة الجاذبيّة السّياحيّة في ظل هذه الظروف.

وفي الوقت نفسه فإنّ عمليّة استهداف "الأمن الرّئاسي" الأخيرة التي نفّذها جنود الخلافة في أحد أهمّ شوارع العاصمة (تونس) كان لها تأثير سياسيّ بعيد المدى فضلاً عن نكايتها في جنود الطّاغوت بمقتل وإصابة ٣٧ من ضباط وعناصر "الأمن الرّئاسيّ" في العمليّة الاستشهاديّة التي نفّذها جنديّ الخلافة أبو عبد الله التّونسيّ تقبّله الله، فموقع العمليّة في قلب العاصمة وفي أحد أهمّ شوارعها لما يتضمّنه من مقرّات سياديّة تتبع لحكومة الطّاغوت، ونوع الهدف المتّمثل بجهاز يتبع لرأس حكومة الطّاغوت "رئاسة الجمهوريّة" ألا وهو "أمن الرّئاسة"، لم يدعا مجالاً للشّكّ أنّ الهدف منها كان رأس الطّاغوت ذاته، بكسر هيبته، وإشغاله بتحصين نفسه، وزيادة تركيزه على تأمين عاصمته، ودفعه دفعاً إلى إجراءات من قبيل فرض "حالة الطّوارئ"، وإغلاق الحدود ستزيد من حالة الغضب في نفوس النّاس ورغبتهم في الخلاص منه.

وسيزداد التّأثير بعيد المدى لمثل هذه العمليّات إذا أوصلت الطّاغوت إلى مرحلة القضاء على ما يسمّى بالعمليّة السّياسيّة التي تجري على أسُس الدّيموقراطيّة الشّركيّة، بمحاولته التّخلّص من خصومه السّياسيّين في الحكومة، ما سيعني فضح حقيقة لعبة الدّيموقراطيّة الشّركيّة أمام النّاس، وامتداد الخسائر لتشمل كل المرتدّين من المشاركين فيها، ودفعهم بالتّالي للوقوف في وجه الطّاغوت، أو خسارة قواعدهم الحزبيّة والشعبيّة.

• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 8
مقال:
الآثار بعيدة المدى لعمليات جنود الخلافة في تونس
...المزيد

إنْ قُلتُـم: نَحنُ نَحتَفِلُ مَحَبَّةً بِهِ - ﷺ -، • قُلنَـا: لكنَّ المَحَبَّةَ هِيَ الاتِّباع ...

إنْ قُلتُـم: نَحنُ نَحتَفِلُ مَحَبَّةً بِهِ - ﷺ -،

• قُلنَـا: لكنَّ المَحَبَّةَ هِيَ الاتِّباع وليس الابتداع، قَالَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران: ٣١].

تَأمَّل قَولَهُ -تَعَالَى: { فَاتَّبِعُونِي } إذن المَحَبَّةُ هي الاتِّبَاع، ثُمَّ هَل أَنتُم أَكثرُ حُبَّا للنّبي ﷺ مِنْ أَصْحَابِهِ؟ وَمَعَ حُبِّهِم لَهُ - ﷺ - لَمْ يَحتفلوا بمولِده
...المزيد

: عُقوبة مُخالفة أَمر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم -. • قال الله - تبارك وتعالى -: ...

:
عُقوبة مُخالفة أَمر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم -.

• قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ سورة النور ‌۝٦٣

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره: وقوله: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾

أي: عن أمرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سبيله هوَ ومنهاجُه وطريقتُه وسنَّتُه وشريعتُه، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله، كائنا من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من عمِل عملًا ليس عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ)، أي: فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا ﴿ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي: في قلوبهم، من كُفر أو نفاقٍ أو بدعة، ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

وقال الطَّبري رحمه الله تعالى - في تفسيره في قوله - تعالى -: ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ يقول: أو يصيبهم في عاجل الدنيا عذاب من الله مُوجع، على صنيعهم ذلك، وخلافهم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ آل عمران ۝٣٠

• هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذبٌ في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المُحمدي والدين النبويَّ في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من عمِل عملًا ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ) ولهذا قال: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ ‍[ يُنظر تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى ]

فالمحبة الصادقة هي اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في كل صغيرة وكبيرة، لا مخالفة أمره.

ليس الإرجاء فحسب، ولكنه التنكر لنعمة الله!

• فمعرفة الله تورث محبته، ومحبته تورث الغيرة على دينه، فإذا وجد المحب غيرة في قلبه، فتركها لهواه أو بحجة فقه الواقع والتلطف لمن حمله على المخالفة الكبر والمعاندة الدنية لا الجهل وحسن النية؛ هنا بالضبط تكون نقطة التحول، فإذا حاول استدعاءها مرة أخرى لحظ نفس أو غيرة متكلفة كان ذلك أعز عليه من بيض الأنوق ﴿ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، فملاطفة المعاند مفسدة، كما أن الغلظة على الجاهل مفسدة أيضا..

ووضع الندى في موضع السيف في العلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
...المزيد

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها • الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد ...

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها

• الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله الطّيبين وصحابته الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

فقد بعث الله نبيّه محمّداً صلى الله عليه وسلّم بخير دين وخير كتاب، وجعل أمّته خير أمّة بين الأمم، وخصّص هذه الخيريّة بمزيّةٍ عظيمةٍ فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠]، وقد عرفت هذه الشّعيرة العظيمة في التّاريخ الإسلاميّ باسم الحِسبة.

فما هي الحِسبة؟ وما هي مكانتها في الشّرعية الإسلاميّة؟
وما فضيلتها وفوائدها؟ وما الآثار المترتّبة على تركها؟

• تعريف الحِسبة:

الحِسبة لغةً: بالكسر هو الأجر؛ تقول: فعلته حِسبةً؛ والاحتساب: طلب الأجر، وفي الحديث: (من مات له ولد فاحتسبه)، أي احتسَبَ الأجر بصبره على مصيبته به، وفي الحديث: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا)، أي طلبا لوجه الله تعالى وثوابه. انظر لسان العرب لابن منظور.

الحسبة اصطلاحاً: قال صاحب الأحكام السّلطانيّة: "هي أمرٌ بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهيٌ عن المنكر إذا أظهر فعله."، وقال صاحب الإحياء: "الحسبة عبارةٌ عن المنع عن منكرٍ لحَقِّ الله صيانةً للممنوع عن مقارفة المنكر".

فالحسبة إذاً ولاية دينيّة تتولى مهمّة الأمر بالمعروف إذا أظهر النّاس تركه، والنّهي عن المنكر إذا أظهر النّاس فعله، حماية لجناب الشّريعة من الضّياع، وصيانة للجماعة المسلمة من الانحراف، وتحقيقاً لمصالح النّاس الدينيّة والدنيويّة وفقاً لشرع الله تعالى.

• منزلة الحسبة في الإسلام:

قال ابن تيميّة رحمه الله: "جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإنّ الله -سبحانه وتعالى- إنّما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرّسل، وعليه جاهد الرّسول والمؤمنون، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: ٥٦)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: ٢٥)، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36)".

وقال القرطبيّ عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: "هو فائدة الرّسالة وخلافة النّبوة" تفسير القرطبيّ. فالحسبة هي سفينة النّجاة التي تحمل الأمة وتنجو بها من التّيه في غياهب المعاصي والشّهوات، والضّلالات والشّبهات.

وقد ضرب لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثلاً واضحاً فقال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا" رواه البخاريّ.

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها

• مشروعيّة الحسبة وحكمها:

قال القاضي عياض: "الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام بالكتاب والسّنة وإجماع الأمّة" إكمال المعلم بفوائد مسلم. والأدلّة من القرآن الكريم والسّنة المطهّرة على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أكثر من أن تحصى في هذه الأسطر؛ فمنها: قول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤]، وقال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: ١١٦].

وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيرّه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». صحيح مسلم.

فجعل تغيير المنكر من صفات المؤمن الرّاسخة مصداقاً لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ٧١]. وليست مقتصرةً على مؤسّسةٍ معيّنةٍ أو طائفةٍ أو فرقةٍ من المسلمين، بل هي واجبةٌ على كلّ مسلمٍ لعموم الأدلّة الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، و علّق الإمام ابن كثيرٍ على قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} فقال: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقةٌ من الأمّة متصدّية لهذا الشّأن، وإن كان ذلك واجباً على كلّ فردٍ من الأمّة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من رأى منكم منكراً فليغيرّه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل".

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها

• فضائل الحسبة:

لمّا كانت مكانة الحسبة في الشّريعة عظيمةً كان فضلها عظيماً، وكان القائمون عليها بصدقٍ وحقٍ هم أهل الفضائل الذين صدَّقوا القول بالعمل، ودعوا النّاس لدين الله وأخذوا على يد الظّالم والمسيء، وقد تكلّم الله سبحانه وتعالى في كتابه عن صالحي أهل الكتاب من الأمم قبلنا فقال: {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤)} [آل عمران]، فجعل أول علامة للصّالحين بعد الإيمان بالله واليوم الآخر هي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

• فوائد الحسبة الدينيّة والدنيويّة:

اشتملت هذه الشّعيرة المباركة على فوائد دينيّةٍ ودنيويّةٍ جمَّةٍ، منها -على سبيل المثال لا الحصر-:

- النّجاة من عذاب الله تعالى كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: ١٦٥].

- إدراك رحمة الله لمن قام بشعيرة الحسبة، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة].

- شيوع الأمن الحقيقيّ والأمن النّفسيّ بين رعية الدّولة الإسلاميّة، فحين يقوم كلّ فردٍ بدوره الشّرعيّ المأمور به من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ينتفي الظّلم وتشيع الفضيلة، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢].

- تنبيه الغافلين عن أوامر الله، الغارقين في معاصي الله، وتحقيق مفهوم الرّحمة المتمثّلة ببعثة النّبي صلّى الله عليه وسلّم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧]، فالرّحمة تقتضي الحرص على النّاس ومنعهم من ولوج محارم الله الموصلة إلى سخطه وعذابه في الدّنيا والآخرة.

- التّقليل ما أمكن من مظاهر الانحراف الأخلاقيّ والسّلوكيّ بين الرعيّة، فما دام دعاة الطّاعة قائمين على رؤوس النّاس فلن يجد -بإذن الله- دعاة جهنّم مكاناً لهم ليفتنوا عباد الله عن صراطه المستقيم.

• الآثار المترتبة على ترك الحسبة:

كما أنّ للحسبة فوائدَ وفضائلَ ظاهرةً فإن لتركها وإهمالها آثارًا خطيرةً على الجماعة المسلمة، منها:

- حلول الغضب الإلهيّ بسبب شيوع المنكرات وهجران الطّاعات، وفشوّ الفساد بين الرعيّة دون نكير أو تحذير.

- تمكّن الباطل وأهله في المجتمع، وذلك يؤدي إلى أن تتحوّل الأرض إلى بؤرةٍ من الشّرّ والفساد قال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: ٢٥١]، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: ٤٠].

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً