﷽ مكانة مصر في الإسلام إعداد : الشيخ السيد طه أحمد الحمد لله رب العالمين ....فضل بعض ...



مكانة مصر في الإسلام

إعداد : الشيخ السيد طه أحمد

الحمد لله رب العالمين ....فضل بعض الشهور علي بعض، وفضل الأماكن علي بعض فضل البيت الحرام وبيت المقدس وطور سيناء علي كل الأماكن فاقسم بهم في القرآن الكريم فقال تعالي }وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ(3){ التين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شرف أرض مصر وجعلها آمنة فقال تعالي علي لسان نبيه يوسف عليه السلام } وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99){ يوسف .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ)..أوصي بأهل مصر خيرا .. فقال (ﷺ): "أحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً". رواه أحمد.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد : فيا أيها المؤمنون ...
إن حديثي وثنائي على مصر هو كمدح الأعرابي وثنائه على القمر:
كان يمشي في الظلام الدامس وفجأة طلع عليه القمر، فأخذ الأعرابي يناشد القمر ويشكره، ويقول: يا قمر، إن قلت: جملك الله؛ فقد جملك، وإن قلت: رفعك الله؛ فقد رفعك
مصر المسلمة التي شكرت ربها، وسجدت لمولاها.
مصر التي قدمت قلوبها طاعة لربها، وجرت دماؤها بمحبه نبيها عليه الصلاة والسلام.
إن لك يا مصر في عالم البطولة قصة، وفي دنيا التضحيات مكان، وفي مسار العبقريات كرسي لا ينسى، دخلت مصر في الإسلام طوعاً، ودخل الإسلام قلب مصر حباً، وأحب المصريون ربهم تبارك وتعالى فذادوا عن دينه، وحموا شرعه، ونشروا منهجه قديما وما زالوا ..
فالحديث عن مصر ومكانتها حبيب إلي النفس لأنني عندما أتكلم عن مصر أتكلم عن نفسي التي تهيم في حبها وتتمني أن تراها في أحسن حال وفي مقدمة الأمم وتكون لها السيادة والريادة كما كانت من قبل .
لذا فإني أكتب عنها بعواطفي ومشاعري وأبثها حبي وشوقي ، من باب رد الجميل لمصرنا الحبيبة .. أردت أن أبين مكانة مصر في الإسلام من خلال القرآن والسنة ..
وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ مصر في الكتب السماوية .
2ـ مصر في القرآن الكريم .
3ـ مصر في السنة النبوية المطهرة .
4ـ مصر أرض الأنبياء والصحابة والصالجين.
5ـ عطاءات مصر .
6ـ واجبنا نحو مصر .
العنصر الأول : مصر في الكتب السماوية :ـ
قيل إن مصر ذكرت في العهدين القديم والجديد 698مرة، ومن ذلك ما روي عن كعب الأحبار قال: "مصر بلد معافاة من الفتن مَن أرادها بسوء كبه الله على وجهه".
العنصر الثاني : مصر في القرآن الكريم :ـ
لقد ذكر الله تعالى مصر في أربعة مواضع في كتابه الكريم، وفي ذلك تشريفا لها وتكريما، فقال جَلّ من قائل: }وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ (21){ يوسف
وقال سبحانه: }وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ (99){ يوسف
وقال أصدق القائلين:} وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتٗا وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَةٗ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (87){ يونس
وقال عز وجلّ قاصاً قول فرعون: }قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ (51){ الزخرف
وذكرها سبحانه إشارة في مواضع عديدة تبلغ قرابة الثلاثين، وذلك نحو قوله تعالى: }وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ.. (30){ يوسف (المدينة هي مصر) .
وقوله تعالى: {وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا ...(15){القصص ( المدينة مصر)
وكقوله تعالى قاصاً قول آل فرعون: {وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ (127){ الأعراف.
- وكقوله تعالى قاصاً قول ناصح موسى عليه الصلاة والسلام: }وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ(20) { القصص... إلى آخر تلك المواضع الكثيرة.
- وقد وصف سبحانه وتعالى أرض مصر أحسن وصف فقال جل من قائل: }كَمۡ تَرَكُواْ مِن جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ (25) وَزُرُوعٖ وَمَقَامٖ كَرِيمٖ (26) وَنَعۡمَةٖ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ (27) كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ (28)} الدخان .
- وقد وُصفت مصر في القرآن بأنها خزائن الأرض فقال سبحانه وتعالى قاصاً قولَ يوسف عليه الصلاة والسلام: }قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ (55){ يوسف . وما ذلك إلا لكثرة خيراتها، وعظم غلاتها، وجودة أرضها.
وخزائن الأرض هنا وزارة مالية مصر والتى تعد خزائن الأرض كما ذكر ربنا فقيمة مصر في ذلك الوقت تعادل الكوكب الأرضي بأسره
- ولم يذكر نهر من الأنهار في القرآن سوى النيل، وذلك في قوله تعالى: }وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ .. (7){ القصص
والمفسرون على أن المقصود باليم هنا هو نيل مصر.
- وقال الكندي: لا يُعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله تعالى عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.
وأقسم بها في القرآن الكريم فقال تعالي { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ(3){ التين .
وهي منزل للأنبياء والأماكن المقدسة ، فمصر مليئة بالأماكن المقدسة ومهبط لكثير من الأنبياء، ففيها سيناء التي ذكرها الله في القرآن أكثر من مرة،
قال تعالى: " {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ(20)}المؤمنون
أي وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل طور "سيناء", يعصر منها الزيت, فيدَّهن ويؤتدم به.
وواعد الله موسى عليه السلام من جانب الطور الأيمن لإنزال التوراة عليه هناك، قال تعالى: "{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى(80)}طه.
ونادى الله موسى عليه السلام من نفس المكان وقربه إليه، قال تعالى{وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً(52)}مريم.
وفي هذا تشريف عظيم للطور، بل سمى الله الوادي الذي كلم عليه موسى المقدس (طوى )
قال تعالى{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12)}طه.
أي إني أنا ربك فاخلع نعليك, إنك الآن بوادي "طوى" الذي باركته, وذلك استعدادًا لمناجاة ربه.
وهي أرض الربوة :ـ
في مصر الربوة التي أوى إليها عيسى بن مريم وأمه على أحد أربعة أقوال للسلف، فقد قال ابن وهب وابن زيد وابن السائب أن مكان الربوة المذكورة في قوله تعالى:}وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ (50){(المؤمنون). إنها في مصر.
وهي أرض التمكين :
مصر أرض التمكين للمؤمنين المستضعفين في الأوض فقال تعالي } وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6){ القصص.
وقال تعالي }وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (21){ وقال تعالى } وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (56) { (يوسف)
والأرض في الآية هي مصر و قد ذكرت في عشر مواضع باسم الأرض في القرآن كما ذكر عبد الله بن عباس .
العنصر الثالث : مصر في السنة النبوية :ـ
- لقد أوصى رسولنا الأعظم (ﷺ) بأهل مصر خيراً ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) " ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحما ". (رواه مسلم)
والرحم لأن أم إسماعيل وهاجر من القبط، وفي لفظ: "فإن لهم ذمة وصهراً"، والصهر لأن مارية أم إبراهيم رضي الله عنه منهم، والذمة: هي الحُرمة والأمان.
- ولذلك قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قبط مصر أخوال قريش مرتين.
- وقال رسول الله (ﷺ): "أحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً".(رواه مسلم وأحمد)
- وعن أم سلمة رضي الله عنها- أن رسول الله (ﷺ) أوصى عند وفاته، فقال: " الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعواناً في سبيل الله ".
أخرجه الطبراني، وصححه الألباني.
وعن عبد الله بن يزيد وعمرو بن حريث وغيرهما رضي الله عنهم، قالوا: قال رسول الله - (ﷺ) " إنكم ستقدمون على قوم جعدة رءوسهم فاستوصوا بهم خيرًا؟ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله ".( رواه أبو يعلى الموصلي وعنه ابن حبان في صحيحه).
لقد صلى النبي (ﷺ) بها في رحلة الإسراء:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال:" أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها فركبت ومعي جبريل عليه السلام فسرت فقال انزل فصل. ففعلت فقال أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر، ثم قال انزل فصل. فصليت فقال أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله عز وجل موسى عليه ..." (رواه مسلم)
نهرها النيل من أنهار الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: " سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة".( رواه مسلم)
العنصر الرابع : مصر أرض الأنبياء والصحابة والصالجين:ـ
عاش علي أرضها الأنبياء :ـ
كان بها صفوة خلق الله: فكان بمصر من الأنبياء: إبراهيم الخليل، ويعقوب، ويوسف. واثنا عشر نبياً من ولد يعقوب وهم الأسباط وموسى وهارون ويوشع بن نون، وعيسى بن مريم، ودانيال، عليهم الصلاة والسلام.
عاش علي أرضها الصحابة :ـ
عاش علي أرضها من الصحابة: الزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص وكان أمير القوم، وعبد الله بن عمرو، وخارجة بن حذافة العدوي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيس بن أبي العاص السهمي، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح العامري،، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، هبيب بن معقل...
عاش علي أرضها الفقهاء والعلماء :ـ
الإمام الشعبي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعكرمة، ومحمد بن إسماعيل بن علية، والشافعي، وحفص الفرد ، وإبراهيم بن أدهم، ومنصور بن عمار المتكلم. يزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، وأشهب، وابن القاسم وعبد الله بن عبد الحكم، وأسد بن موسى ، ومحمد بن عبد الحكم، والمزني، والربيع، وأحمد بن سلامة الطحاوي، وشيخ الإسلام البلقيني، وابن حجر العسقلاني...
فمن الأسماء اللامعة في العلوم الحديثة مثل ... الرياضيات والفلك والطب والفلسفة والمنطق وغيرها من العلوم: الإسكندر ذو القرنين، الذي تلا الله قصته في القرآن الكريم، ومنهم فيثاغورث وسقراط وأفلاطون وأرسطا طاليس و أرشيمدس في الهندسة وجالينوس في الطبيعة.
حتى إنها كانت وما زالت تعلم وترسل بعثاتها إلى الخليج العربي لتعليم كافة العلوم والفنون، في الأدب والفقه والشريعة والحديث والقرآن وغيرها من العلوم.

العنصر الخامس : عطاءات مصر:ـ
جعل الله جوها معتدلا وهواؤها نقيا وتتوسط الكرة الأرضية فهي بين آسيا وشمال أفريقيا، فليست هي ببلاد الطقس البارد والثلوج كروسيا وأوربا، ولا هي ببلاد الحر الشديد كالحجاز وأفريقيا، وهي منبت لجميع الثمار وأرضها خصبة لجميع الزروع، وكانت تسمى ببقرة الخلافة، أي إنها كانت تدر على دولة الخلافة في المدينة الكثير من الخير لما حدث بها جدب.
وعن كعب الأحبار أنه قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وأزهرت، وإذا اطردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنت طيرها.
ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية : "لا يقوم الاسلام إلا بمصر والشام ولا يموت الاسلام إلا بموت مصر والشام"
وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة، وقد جباها في أول سنة عشرة ملايين دينار، وقد كانت تجبي قبل ذلك للروم عشرين مليون دينارا، فانظر كيف أتى الإسلام بالرحمة لأهل مصر.
مصر وكسوة الكعبة :ـ
لقد أرسل سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه، إلى عامله في مصر أن يصنع كسوة للكعبة المشرفة , فصنعت الكسوة من عهد عمر رضي الله عنه وظلت كسوة الكعبة تصنع هناك في مصر سنة تلو سنة حتى مرت أكثر من ألف سنة وكسوة الكعبة ترسل من مصر إلى مكة ولم يتوقف ذلك إلا قبل قرابة المائة سنة .
ولمصر من المواقف العظيمة مالها علي سبيل المثال ...
قال سعيد بن أبي هلال: مصر أم البلاد، وغوث العباد.
موقف مصر في عهد سيدنا يوسف
كانت مصر سلة الغذاء للأمة كلها فلما حدثت المجاعة في الجزيرة العربية لم يجدوا منقذا لهم يلجئون إليه إلا مصر في عهد نبي الله يوسف عليه السلام الذي قال} قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ (55){ ]يوسف[ .
والذي استطاع بفضل الله تعالي ثم بفضل تخطيطه الدقيق أن ينقذ الأمة من مجاعة محققة كادت أن تودي بالأخضر واليابس .
قال تعالي :}يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49){.]يوسف[
قص علينا القرآن قصة نبي الله يوسف الصديق عليه السلام، وكيف أنقذ الله على يديه مصر وما حولها من أزمة غذائية طاحنة، ألهم الله يوسف فخطط لها أحسن التخطيط لمدة خمسة عشر عاما، أقام فيها اقتصاد مصر ـ وكانت الزراعة أساسه ومحوره ـ على زيادة الإنتاج، وتقليل الاستهلاك، وتنظيم الادخار، وإعادة الاستثمار، حتى نجت مصر من المجاعة، وخرجت من الأزمة معافاة، بل كان لها فضل على ما حولها من البلدان، التي لجأ إليها أهلها يلتمسوا عندها الميرة والمئونة، كما يبدو ذلك في قصة إخوة يوسف الذين ترددوا على مصر مرة بعد مرة، وقالوا له في المرة الأخيرة: }يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ (88)){ (يوسف). كان هذا التخطيط مما علمه الله ليوسف عليه السلام ومما أكرم الله به أهل مصر.
وكان يوسف عليه السلام هو الذي رسم معالم التخطيط، وهو الذي قام بالتنفيذ، وهو لدى الدولة مصر مكين أمين، وعلى خزانتها وأمورها حفيظ عليم.
موقف مصر في عام الرمادة :ــ
أصاب المسلمين في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه قحطٌ أكل الأخضر واليابس (عام الرمادة) وقال عمر رضي الله عنه :[والله لا آكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف الله الغمة عن المسلمين ] وبقى مهموماً هماً يتأوه منه ليلاً ونهارا نزل الأعراب حوله في العاصمة الإسلامية المدينة المنورة بخيامهم، كان يبكي على المنبر عام الرمادة، وينظر إلى الأطفال وهم يتضورون جوعاً أمامه، وود أن جسمه خبزاً يقدمه للأطفال.
وأخذ يقول:[يا ليت أم عمر لم تلد عمر .. يا ليتني ما عرفت الحياة.. آه يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين[
لأنه يرى أنه هو المسئول الأول عن الأكباد الحرَّى، والبطون الجائعة
وفي الأخير تذكر عمر أن له في مصر إخواناً في الله، وأن مصر بلداً معطاءً، سوف يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ العاصمة الإسلامية
وكان والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه الداهية العملاق، كتب له عمر رسالة، وهذا نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص
أمَّا بَعْـد:
فوا غوثاه... وا غوثاه... والسلام
وأخذها عمرو بن العاص ، وجمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم ، ولما قرأها عمرو ؛ أجاب عمر على الهواء مباشرة، وقال:[لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر[
وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام، وحملوا الجمال وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل تحمل النماء والحياة والخير والزرق والعطاء لعاصمة الإسلام
ودعا لهم عمر رضي الله عنه ، وحفظها التاريخ لهم حفظاً لا ينساه أبد الدهر.
جهاد مصر ضد الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي
سقطت القدس بأيدي الصليبيين من سنة 492 هجرية لسنة 583 هجرية حين ظهر صلاح الدين، وللعلم فإن صلاح الدين لم يكن وحده رجلا مؤمنا، بل كان واحدا من جيل كله قلوبهم متعلقة بالإيمان.
فاسمع إلى [ابن كثير]، وغيره من أهل السير وهم يسردون لك ذلك الحدث في ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة للهجرة: دخل ألف ألف مقاتل بيت المقدس، وصنعوا فيه ما لا تصنعه وحوش الغاب، وارتكبوا فيه ما لا ترتكب أكثر منه الشياطين، لبثوا فيه أسبوعًا؛ يقتلون المسلمين حتى بلغ عدد القتلى أكثر من ستين ألفًا، منهم الأئمة، والعلماء، والمُتَعبدون، والمُجَاورون، وكانوا يُجْبِرون المسلمين على إلقاء أنفسهم من أعالي البيوت؛ لأنهم يُشعلون النار عليهم وهم فيها فلا يجدون مخرجًا إلا بإلقاء أنفسهم من على السطوح، جاثوا فيها خلال الديار، وتبَّروا ما علوا تتبيرا، وأخذوا أطنان الذهب والفضة والدراهم والدنانير، ثم وُضِعت الصُلبان على بيت المقدس، وأدخلت فيه الخنازير، ونودي من على مآذن لطالما أطلق التوحيد من عليها: أن الله ثالث ثلاثة -جل الله وتبارك- فذهب الناس على وجوههم مستغيثين إلى العراق، وتباكى المسلمون في كل مكان لهذا الحدث، وظنَّ اليائسون أن لا عودة لبيت المقدس أبدًا إلى حظيرة المسلمين.
ويمضي الزمن، ويُعَدُّ الرجال، وفي سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة للهجرة 583 هـ .
أعد صلاح الدين جيشًا لاسترداد بيت المقدس، وتأديب الصليبيين على مبدئهم هم.
وفي وقت الإعداد تأتيه رسالة على لسان المسجد الأقصى تُعَجِّل له هذا الأمر، وهذه المَكْرُمة، فإذا بالرسالة على لسان المسجد الأقصى:
يا أيها الملك الذي لمعالم الصُلبان نَكَّس
جاءت إليك ظِلامَة تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طُهِرَت وأنا على شرفي أُنَجَّس
فانتخى وصاح: وا إسلاماه، وامتنع عن الضحك، وسارع في الإعداد، ولم يُقارف بعدها ما يُوجب الغُسل.
وعندها علم الصليبيون أن هذا من جنود محمد (ﷺ) فتصالح ملوك النصارى، وجاءوا بِحَدِّهم وحديدهم، وكانوا ثلاثة وستين ألفا، فتَقَدَّم صلاح الدين إلى طبرية ففتحها بـ لا إله إلا الله، فصارت البحيرة إلى حوزته، ثم استدرجهم إلى الموضع الذي يريده هو، ثم لم يصل إلى الكفار بعدها قطرة ماء، إذ صارت البحيرة في حوزته فصاروا في عطش عظيم، وعندها تقابل الجيشان، وتواجه الفريقان، وأَسْفر وجه الإيمان، واغْبَرَّ وجه الظلم والطغيان، ودارت دائرة السوء على عبدة الصُّلبان عشية يوم الجمعة، واستمرت إلى السبت، الذي كان عسيرًا على أهل الأحد، إذ طْلعت عليهم الشمس، واشْتَدَّ الحر، وقوي العطش، وأُضْرِمت النار من قبل صلاح الدين في الحشيش التي كان تحت سنابك خيل الكفار، فاجتمع عليهم حر الشمس، وحر العطش، وحر النار، وحر السلاح، وحر رشق النبال، وحر مقابلة أهل الإيمان، وقام الخطباء يستثيرون أهل الإيمان، ثم صاح المسلمون وكبروا تكبيرة اهتز لها السهل والجبل، ثم هجموا كالسيل الدَّفَّاع لِيَنْهَزِم الكفار، ويُؤسَر ملوكهم، ويُقْتَل منهم ثلاثون ألفًا، حتى قِيْل لم يَبْقَ أحد، ويُؤسَر منهم ثلاثون ألفًا، حتى قيل لم يُقْتل أحد .
فلم يُسْمع بمثل هذا اليوم في عِزِ الإسلام وأهله إلا في عصر الصحابة، حتى ذُكِر أن بعض الفلاحين رئي وهو يقود نيفا وثلاثين أسيرا يربطهم في طنب خيمته، وباع بعضهم أسيرًا بنعل يلبسها، وباع بعضهم أسيرًا بكلب يحرس له غنمه، ثم أمر السلطان صلاح الدين جيوشه أن تستريح لتتقدم إلى فتح بيت المقدس، ففي هذه الاستراحة كيف كانت النفوس المؤمنة التي لا تيأس؟ الرؤوس لم تُرفع من سجودها، والدموع لم تُمْسح من خدودها، يوم عادت البِيَعُ مساجد، والمكان الذي يُقال فيه إن الله ثالث ثلاثة، صار يُشهد فيه أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ثم صار نحو بيت المقدس ليفتحه من جهته الشرقية ويخرجهم منه والتقى بالصليبيين في حطين في آخر ربيع الآخر، وكان عدد الصليبيين ستين ألفاً ومعهم ملوك أوروبا، وانتصر صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين ، وفي السابع والعشرين من رجب سنة (583 هـ) حاصرت جيوش صلاح الدين بيت المقدس من كل الجوانب، واستعد المجاهدون والمتطوعة برميها بالنفاطات وبالمجانيق، وعند ذلك عرض بليان بن نيزران والي القدس من قبل الصليبيين على صلاح الدين الأيوبي أن يتنازل له بالقدس صلحاً، فقال له صلاح الدين : والله لا آخذها إلا عنوة كما أخذتموها من المسلمين عنوة، وأقتل رجالكم وأسبي نساءكم، فقال له بليان بن برزان : إذاً والله نقتل كل من معنا من أسرى المسلمين، وكانوا خمسة آلاف أسير- ونقتل نساءنا وأطفالنا، ونهدم المصانع (يعني: البيوت) ونغور نبع بيسان، ثم نخرج إليكم نقاتلكم في الصحراء، لا يقتل منا قتيل إلا قتل منكم عشرة ودون قيامة تقوم القيامة، وهنا استشار صلاح الدين رجال مشورته ورق لأسرى المسلمين، ورضي أن يخرجوا من بيت المقدس ، فكان له ذلك على أن يبذلَ كل رجل منهم ويخرج ذليلا، يبذل عن نفسه عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة، وعن الطفل دينارين، ومن عجز كان أسيرًا للمؤمنين، فعجز منهم ستة عشر ألفًا كانوا أسرى للمسلمين، ودخل المسلمون بيت المقدس، وطَهَّروه من الصليب، وطَهروه من الخنزير، ونادى المسلمون بالآذان، وَوُحدوا الرحمن، وجاء الحق وبَطلت الأباطيل، وكَثُرت السجدات، وتنوعت العبادات، وارتفعت الدعوات، وتَنَزَّلت البركات، وتَجَلَّت الكربات، وأُقِيمت الصلوات، وأَذَّن المُؤَذِنون وخَرِسَ القسيسون، وأُحْضِر منبر [نور الدين] الشهيد عليه رحمة الله الجليل الذي كان يأمل أن يكون الفتح على يديه فكان على يدي تلميذه [صلاح الدين].
وكان نور الدين محموداً قد عمل بحلب منبراَ أمر الصناع بالمبالغة في تحسينه واتقانه، وقال: هذا عملناه لينصب بالبيت المقدس، فعمله النجارون عدة سنين لم يعمل في الإسلام مثله فأمر بإحضاره، فحمل من حلب ونصب بالقدس، وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنه، وكان هذا من كرامات نور الدين وحسن مقاصده" كان كلما مر عليه ملأ سخروا منه كما كان الناس يسخرون من نبي الله نوح عليه السلام وهو يصنع السفينة . وَرَقى الخطيب المنبر في أول جمعة بعد تعطل للجمعة والجماعة في المسجد الأقصى دام واحدًا وتسعين عامًا، فكان مما بدأ به الخطيب خطبته بعد أن حمد الله أن قال: }فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (45){ ]الأنعام [. لله الأمر من قبل ومن بعد، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
جهاد مصر ضد التتار بقيادة قطز:ــ
من وقت أن فتحت مصر وأصبحت قلعة الإسلام الأولى لصد أي عدوان على العالم الإسلامي، وكيف لا وقد أوصى الرسول (ﷺ) أصحابه بذلك، فعن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: " إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيراً، فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر: ولم يا رسول الله قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة". (أخرجه: ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن عساكر).
دخل التتار العالم الإسلامي فدمروه.. هدموا المساجد، ومزقوا المصاحف، وذبحوا الشيوخ، وقتلوا الأطفال، وعبثوا بالأعراض، بل دمروا عاصمة الدنيا بغداد
وزحفوا إلى مصر ليحتلوها، وخرج المصريون وراء الملك المسلم قطز الذي يحمل لافتة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وكانت عين جالوت
والذي حث الناس على الجهاد هو العالم سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى.
والتقى التتار الأمة البربرية البشعة، التي لم يعلم في تاريخ الإنسان أمة أشرس ولا أقوى ولا أشجع منها، التقوا بالمسلمين المصريين؛ بجيل محمد عليه الصلاة والسلام .
ولما حضرت المعركة والتقى الجمعان، قام قطز فألقى لأمته من على رأسه، وأخذ يهتف في المعركة: وا إسلاماه... وا إسلاماه... وا إسلاماه
فقدموا المهج رخيصة، وسكبوا الدماء هادرة معطاءة طاهرة، وانتصر الإسلام وسحق التتار، ومنيوا بهزيمة لم يسمع بمثلها في التاريخ
مصر والعدوان الثلاثي
أتى العدوان الثلاثي الغاشم يريد اجتياح مصر، وخرج المؤمنون بعقيدتهم وتوحيدهم يدافعون الدول الثلاث، خرجوا يهتفون مع صباح مصر :
أخي جاوز الظالمون المدى *** فحق الجهاد وحق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة *** أرض الأبوة والسؤددا
فجرد حسامك من غمده *** فليس له اليوم أن يغمدا
وسحقوا العدوان الثلاثي، واندحر العميل الغادر الغاشم بنصر الله ثم بضربات المؤمنين، وكلكم يعلم أن العالم الإسلامي حارب إسرائيل ما يقارب أربعين سنة، فكانت مصر أكثر الأمة جراحاً، وأعظمها تضحيةً، وأكبرها إنفاقاً، وأجلها مصيبةً..
هذه مصر ..قدمت آلاف وملايين الأبناء البررة المؤمنين، والدماء الذكية الطاهرة، والآراء الحكيمة السديدة.
العنصر السادس : واجبنا نحو مصر :ـ
هذا الوطن الغالي مصر محل عبادتنا لربنا , فيه مساجدنا , ومدارسنا وجامعتنا ،وأهلنا ،وعلماؤنا , وأموالنا ،حيث تعلمنا أمور ديننا ودنيانا ، قدمت لنا ولغيرنا الكثير ،فكان لزاما علينا أن نؤدي واجبنا نحوه ونعرف أن أداؤنا للواجب ليس منة ولا تفضلا وإنما واجب ودين في رقبتنا نسأل عنه أمام الله تعالي ، نؤجر إن وفينا ونعاقب إن قصرنا ، فمن حق الوطن علينا :ـــ
1ـ المحافظة على تديُّن مصر ،ونشْر الخير بين أبنائها، ومقارعة الفساد فيها:ـ
فبلدنا قام على الإسلام، ويُحكَم فيه بالإسلام ، وأنظار الملايين من المسلمين تتَّجه نحو دِين وتديُّنِ بلادنا، فالحرص على صَفاء الإسلام ونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين.
ولا بد أن نعلم أن إشاعة الفكر المنحرِف، والمناهج المستوردة بين أبناء وطننا خيانةٌ عظمي لهذا الوطن .
و يعد من أكبر الخيانة الوطنية حينما تتحوَّل بعض وسائل الإعلام إلى وسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها، ومشاريع الإصلاح في بلدها. ولن يتم ذلك إلا بالإصلاح الشامل في وطننا ، ويعتبر الإصلاح واجب على كل فرد في الوطن ولا اعفاء لأحد، لأن كل فرد مطالب بالإصلاح على الأقل داخل محيط أسرته؛ فقد جعل رسولنا الكريم (ﷺ) كلَّ فرد مسؤولاً، والمقصود من المسؤولية هي الإصلاح؛ فيقول النبي (ﷺ) :}كلُّكم راعٍ، وكل مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده، ومسؤول عن رعيته{ ]رواه البخاري ومسلم[ .
بل أخذ النبي (ﷺ) العهدَ على أصحابه عند دخولهم في الإسلام بأن يكونوا مُصلِحين، وذلك بالنصح لكل المسلمين، فشرط على كل واحد منهم أن يكون مصلحًا، وذلك بأن يكون ناصحًا، ومن ذلك حديث جَرِير بن عبدالله رضي الله عنه في الصحيحين يقول: "أتيت النبي (ﷺ) قلتُ أبايعك على الإسلام، فشرط عليَّ، (والنصح لكل مسلم)، فبايعتُه على هذا".
• وإذا أردنا النجاة لمصر ولأهلها، فعلينا بالإصلاح؛ فإن الله سبحانه جعل النجاة فيه؛ قال تعالى } وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117){ [هود].
فقال سبحانه مصلحون، ولم يقل: صالحون؛ لأن مجرد الصلاح لا ينجِّي الأمم؛ لأن النبي (ﷺ) سئل؛ كما في الصحيحين: "أَنَهْلِك وفينا الصالحون، قال:(نعم، إذا كثر الخبث).
وها هم أصحاب السبت، حرَّم الله عليهم الصيد يوم السبت، فكانوا يتحايلون على شرع الله. ونجد الصالحين في هذا المكان انقسموا إلى فريقين:ـ
ـ فريق نقل نفسه إلى درجة الإصلاح، وأنكروا عليهم ما يفعلونه من مخالفتهم لشرع ربهم.
ـ وفريق صالح سكت، بل عاتب مَن أراد الإصلاح، فقالوا لهم}لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164){[ 164]؛ فانظروا إلى عاقبة ذلك، أن نجَّى الله المصلحين؛ فقال سبحانه } فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ (165){ [الأعراف]؛ أي المصلحين، } وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165){ [165]،
واختلف المفسرون في الصالحين الذين سكتوا، وفريق منهم على أنهم هلكوا مع من هلك. فما استحق المسلمون الخيرية إلا بالإصلاح؛ قال تعالى }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){ [آل عمران]،
فقدَّم الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أساس وركن الإصلاح على الإيمان به؛ لأهميته؛ فكل إنسان خاسر إلا المؤمنَ الصالح المصلح، اقرؤوا معي سورة العصر؛ ففيها بيان الفوز ولكن لمن؟: ﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3){ [العصر].
2ـ الحفاظ علي أمن واستقرار مصر :ـ
الأمن والأمان مَطلَبٌ تَصغُر دُونه كثيرٌ من المطالب، وتهون لأجله كثيرٌ من المتاعب، الأمن في الأوطان لا يُشتَرى بالأموال، ولا يُبتاع بالأثمان، ولا تفرضه القوَّة، ولا يُدرِكه الدهاء؛ وإنما هو منَّة ومنحَة من الملك الديَّان رب العالمين } فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4){ [قريش].
بالأمن والأمان تعمر المساجد وتصفو العبادة، ويُنشَر الخير وتُحقَن الدماء، وتُصان الأعراض وتُحفَظ الأموال، وتتقدَّم المجتمعات وتتطوَّر الصناعات.
الأمن في البلاد مع العافية والرِّزق هو الملك الحقيقي، والسعادة المنشودة؛ قال رسول الله (ﷺ) :}مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها{.( رواه البخاري والترمذي)
إذا خلَتِ البلاد من الأمن، فلا تسَلْ عن الهرج والمرج، إذا ضاعَ الأمن حلَّ الخوف وتَبِعَه الفقر، وهما قرينان لا ينفكَّان؛ قال سبحانه عن القرية التي كفَرتْ بأنعُم الله:} فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112){ [النحل].
فالأمن والاستقرار إذَا من أهمِّ مُقوِّمات العيش ومطالب الحياة، والواقع والتاريخ يُؤكِّد هذا كلَّه، فالبلاد الآمنة يُرحَل إليها، وتزدهر معيشتها، وتهنأ النُّفوس بالمكث فيها.
ولذا كان من النعيم المستلذِّ به عند أهل الجنَّة نعيمُ الأمن والأمان ؛ } وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37){ ]سبأ[
وفي المقابل حينما تخلو الدِّيار من الأمن والأمان، تُصبِح أرضًا موحشةً، وإنْ كان فيها ما فيها من النعيم والخيرات، بل إنَّ التشريد بين الأنام، واللجوء إلى الخيام، ليُصبِح أهنأ وأهون من هذا المقام.
قال تعالي }أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67){ [العنكبوت].
3ـ العمل الجاد من أجل نهضة مصر:ـ
كل مواطن في البلد هو في الحقيقه جندي من جنوده ، والاسلام يخاطب المؤمنين في الدعوة والجهاد والسعي الى العمل الصالح دون تفريق بين الفرد وآخر فليس هناك جنود مسؤولون عن الوطن وآخرون ينعمون بخيراته ولا يتحملون مسؤوليه اتجاهه .
العمل من أجل أن يعود لمصر مكانتها الرائدة بين الدول كما كانت من قبل، فالعمل الصالح من الإيمان كما هو في كثير من الآيات في الكتاب الكريم قال تعالى}مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62){ ]البقرة [ .
وقال تعالى } مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (69){ ]المائدة [
وقال تعالى}مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97){ ]النحل[
وغيرها من الآيات الكثيرة التي ربطت بين الايمان والعمل الصالح فلابد من الانتماء الذي اشرنا اليه من الالتزام بالسلوك والعمل وهذا العمل لا يحد بنوع معين وإنما هو متروك لإمكانيات الشخص وقدراته ومؤهلاته وهو تنوع يتيح تكاملا في العطاء ويتطلب ابتداء استشعار الواجب تجاه الوطن وأن القادر غير معذور إطلاقا عن الاسهام في الواجب وفق اللبنة التي يتمكن من وضعها في بناء وطنه.
وإن من خير الأعمال ما عم نفعه وأدني الأعمال ما اقتصر عمل صاحبه علي نفسه.
4 ـ الدفاع عن مصر ضد أي عدوان:ـ
يقول الله تعالى في قصة طالوت وجالوت } أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ (246){ ]البقرة [ .
فدلالات هذه الآية تشير إلى أهميه القتال من أجل الديار والأبناء فيما لا يتعارض مع الإسلام وأن هذا جهاد في سبيل الله .
وعنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ، أَحدِ العشَرةِ المشْهُودِ لَهمْ بالجنَّةِ، رضي الله عنه ، قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ ﷺ يقولُ: "منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ ".
(رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
ومن أغلى الأموال الأرض التي نسكنها ونحيا عليها ولا يصح أن نفرط في أوطاننا وأراضينا بل الحفاظ عليها أمر واجب شرعا .
فاللهم الطف بأهل مصر .. اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك واحفظ بلاد المسلمين يا رب العالمين ، اللهم تول أهل مصر برعايتك..
اللهم احقن دمائهم ... اللهمّ بدّل خوفهم أمنا ، اللهم ول عليهم خيارهم ،اللهم احقن دماءهم واحفظ أعراضهم و سلم ذراريهم و أموالهم.
نسألك اللهم أن تعصم دماء المسلمين وأموالهم وأن تجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن وان تصرف عنهم شرارهم وجميع بلاد المسلمين ،
اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.
اللهم آمين . والحمد لله رب العالمين .
...المزيد

العمل سبيل العزة الحمد لله، أوجدَ الخَلْق فأحصاهم عددًا، وخَلَقَ الموتَ والحياة ليبلوهم أيُّهم ...

العمل سبيل العزة
الحمد لله، أوجدَ الخَلْق فأحصاهم عددًا، وخَلَقَ الموتَ والحياة ليبلوهم أيُّهم أحسن عملاً، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، لا قابضَ لما بَسط، ولا بَاسطَ لما قبضَ، ولا مُعْطِي لما مَنَعَ، ولا مانع لما أَعْطَى، ولا مُبَاعِد لما قَرَّبَ، ولا مُقَرِّبَ لما بَاعَدَ، وكلُّ شيءٍ عنده بأَجَلٍ مَسَمَّى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ربَّ لنا سواه، ولا نعبدُ إلا إيَّاه؛ ﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر: 14]،
وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، بُعث بالنور المبين، فأخرج الله به من الضلال إلى الهدى، وأنقذ العباد من سُبل الرَّدَى، سيد العاملين أوصي بالعمل ورفع من قيمة فعَنِ الْمِقْدَامِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ) (رواه البخاري)،
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أَولِي النُّهى، وأعلام الهدى، ومصابيح الدُّجَى، والتابعين لهم بإحسان، ومَن تبِعهم واقتفَى وسلم تسليما كثيرا . ....
أما بعد :ــ فيا أيها المؤمنون ..
إنَّ ارتفاع الأممِ وهبوطها، وبقاءَها واندثارها يرتبط ارتباطًا كبيرًا بعملِ أبنائها وتطلُّعاتهم واهتماماتهم، فلن ترتقيَ أمةٌ يميلُ أبناؤها إلى الدَّعة والراحة والسكون، ويؤثرون على العمل الجاد الذي يسهم في بناءِ الأمة ، وإن نهضة الأمم والشعوب ورقيها وسيادتها وسعادتها تتوقف على تقدمها في مجال العلم والعمل، وبهما تبني الأمم أمجادها فلا تبنى الأمجاد على البطالة والجهل والفقر والمرض، ورحم الله من قال:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم لم يبـن ملك على جهـل وإقـلال.
وبالعمل والاحتراف المتقن تتبوأ الشعوب الصدارة بين الأمم، والله سبحانه وتعالى يحب اليد التي تعمل وتجتهد لتقدم الخير لنفسها ووطنها ودينها، والمؤمن المحترف يحبه الله ورسوله جزاء ما قدم، ومن أحبه الله ورسوله هداه الله واجتباه وحفظه ووقاه وجعله من أوليائه وأدخله في رحمته فيسعد في الدنيا والآخرة. لذلك كان حديثنا عن العمل والإنتاج سبيل نهضة الأمة ويتناول هذه العناصر الرئيسية :ـ
1 ـ نظرة الإسلام للعمل .
2ـ منهج الإسلام في عمارة الأوطان.
3ـ نماذج مشرقة ساهمت في عمارة الوطن .
4ـ أثر العمل علي الفرد والمجتمع .
=============================
العنصر الأول : نظرة الإسلام للعمل:ــ
لقد دعا الإسلام إلى العمل والاحتراف والاشتغال بالعلوم النافعة؛ وإن أطيب مال وأحلَّ كسب ما كان من عمل الإنسان،ولأن قضية العمل بالنسبة للإنسان قضية مستقبل ومصير، اهتم القرآن الكريم اهتماما كبيرا بها وجاء لفظ العمل ومشتقاته في آيات كثيرة بلغت 359 آية ، وردت هذه الآيات بأساليب متنوعة ، مرة تأتي بلفظ الأمر الذي يفيد الوجوب
فقال تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُوْا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ﴾ (سورة التوبة: 105)، ومرة بأسلوب الإستثناء فقال تعالي ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ..........)العصر
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير ما يأكل الإنسان من كسب يده: فقال «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه »رواه ابن ماجه .
فقد حث الإسلام المسلم على أن يكون ديدنه في حياته كلها العمل والعطاء وتعمير الأرض وبناء الحياة حتى يدركه الموت أو الساعة
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها " رواه الإمام أحمد
لقد عمل الشرع الحنيف على القضاء على مظاهر العوز والفقر، وذلك بالحث على السعي لطلب الرزق، فنهى الله تعالى الصحابة الكرام عن المكث في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الطعام الذي دعوا إليه، ودعاهم إلى الانتشار في الأرض، ومثله قوله تعالى: قال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الجمعة: 10).
وقوله سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾(الروم: 23)
فالنوم يكون بالليل، ويكون أيضاً بالنهار لمن تستدعي طبيعة عمله أن يعمل بالليل. الإسلام على الهجرة، وشجعهم على الغربة، وبين لهم أن أرض الله واسعة، وأن رزق الله غير محدد بمكان ولا محصور في جهة، قال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]، وقال تعالى: {وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].
وعن عبد الله بن عمرو قال: توفى رجل بالمدينة ممن ولدوا فيها، فصلى عليه رسول الله وقال: "ليته مات في غير مولِدِه"، فقال رجل: ولِمَ يا رسول الله ؟ قال: "إن الرجلَ إذا مات غريباً قِيسَ له من مولده إلى منقَطَعِ أثرِه في الجنة". رواه الترمذي
ويقول الإمام الشافعي في السفر :

سافر تجـد عوضـاً عمـن تفارقـه --- وانصَبْ فإن لذيذ العيش في النصـب
إني رأيـت وقـوف المـاء يفسـده --- إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطـب
والأسدُ لولا فراق الأرض ما افترست --- والسهم لولا فراق القوس لم يصـب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمـة ً --- لملها الناس من عجـم ومـن عـرب
والتبر كالترب ملقـي فـي أماكنـه --- والعود في أرضه نوع من الحطـب
فـإن تغـرب هـذا عـز مطلـبـه --- وإن تغـرب ذلـك عـز كالـذهـب

وقد انطلق المسلمون الأوائلُ على هدى هذه الأحاديث في فجاج الأرض؛ ينشرون الدينَ، ويلتمسون الرزقَ، ويطلبون العلم، ويجاهدون في سبيل الله.
ولقد ذكر القرآن الكريم الإيمان مقروناً بالعمل في أكثر من سبعين آية من آياته، ولم يكتف بمجرد العمل ولكنه يطلب عمل "الصالحات" وهي كلمة جامعة من جوامع القرآن تشمل كل ما تصلح به الدنيا والدين، وما يصلح به الفرد والمجتمع، وما تصلح به الحياة الروحية والمادية معاً.
والإيمان هو تقديم الأعمال بأمانة وإتقان العمل بجد واجتهاد، والصدق، ومنع أي أذى قد يصيب الآلة التي أعمل عليها وحمايتها من التلف والضياع وصيانتها دوريًا.
وقد اقترن العمل بالإيمان في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ اَوْ اُنْثٰی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیٰوةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ اَجْرَهُمْ بِاَحْسَنِ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ﴾ (سورة النحل الآية 97) وقال تعالى: ﴿اِنَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ اِنَّا لَا نُضِیْعُ اَجْرَ مَنْ اَحْسَنَ عَمَلًا﴾ (سورة الكهف الآية30)
وأوضح القرآن الكريم الفرق بين من يحسن ويتقي ويصلح وبين من أساء إلى دينه و وطنه وأهله قال تعالى: ﴿اَمْ نَجْعَلُ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ كَالْمُفْسِدِیْنَ فِی الْاَرْضِ اَمْ نَجْعَلُ الْـمُتَّقِیْنَ كَالْفُجَّارِ﴾ (سورة ص، الآية28) وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ یَرْجُوْا لِقَآءَ رَبِّه فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَّ لَا یُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهٓ اَحَدًا﴾ (سورة الكهف، الآية 110).
إن الإيمان بالله واليوم الآخرأعظم دافع للعمل والإنتاج .
العنصر الثاني :ـ منهج الإسلام في عمارة الأوطان :ـ
إن البطالةُ من أخطر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم يومًا بعد يوم على المستوى العالمي، وخاصة في الدول الفقيرة والنامية،ولا شك أن للكسل والبطالة والقعود عن العمل أضراراً وأمراضاً خطيرة تهدد المجتمعَ بالخراب والدمار، فالإنسان الذي يركن إلى البطالة ويُضرب عن العمل مع توفر فرصه يضيع نفسه ويضيع ذويه، ويصبح عالة على غيره وعضواً مشلولا يعوق حركة المجتمع وتقدمه، ثم نجده يُعرّض نفسَه ومن يعول للذل والهوان، ولا يلقى من الناس إلا الاحتقارَ والسخرية، ويجني من كل ذلك ضياع الدين والخلق والكرامة.
وهذا العاطل عن العمل قد يدفعه تعطلُه وبطالتُه إلى أحد أمرين:ــ
إما أن يتكفف الناس ويتسول، وإما أن يتجه إلى ارتكاب الجرائم والمنكرات للحصول على الأموال.
فأما التسول:ـ فهو من أخطر الأمراض التي تضر المجتمع، وتشوه صورته، والمتسول -وخاصة إذا كان من القادرين على العمل- إنسان حقر نفسه، وأراق ماء وجهه، وخلع حياءه وكرامته، وفقد إنسانيته، وبدأ يمد يده للناس أعطوه أو منعوه، أما غيرُ القادر على العمل فهذا له عذرُه في الحاجة إلى غيره، ومن أجله كانت فريضة الزكاة التي تغنيه عن الحاجة والمسألة.
ولكن الشيء الغريب أن التسول أصبح اليوم مهنة لبعض الناس، وانتشر في بعض الدول الإسلامية انتشارا سرطانيًا مدمرًا؛ حتى إن بعض القادرين على العمل من الكسالى قد استسهلوا التسول وانطلقوا في الشوارع والمركبات العامة يمدون أيديهم للناس بغير حياء.
وأما الأثر الثاني للبطالة والتعطل عن العمل بعد التسول فهو الاتجاهُ إلى الجريمة طلبًا للمال، وهذا الأثر أخطرُ بكثير من التسول؛ لأنه إن كان المتسولُ يأخذ من مال الإنسان بمحض إرادته وبطيب نفس منه، فإن السارق يأخذُ المالَ عَنوة، وقد يعتدي على صاحب المال إذا ما اعترضه وهو يسرق، ويرتكب جريمة أخرى غير السرقة وهي: القتل، ومن هنا تنتشر الجرائم وتصبح حياةُ الإنسان وماله وعرضه في خطر من هؤلاء المجرمين المتعطلين، وقد أثبتت الدراساتُ والبحوث أن أكثر الذين يرتكبون الجرائم في هذه الأيام هم من العاطلين الذين أخفقوا في عملهم أو في دراستهم وعجزوا عن أن يشغلوا أنفسهم بالحق فشغلتهم هي بالباطل.
ومن هنا تتضح عظمة الإسلام حين حضّ على العمل، ورغب الناس فيه، وجعل بعض الأعمال تصل إلى منزلة الجهاد في سبيل الله. وهذه بعض الخطوات التي اتبعها الإسلام في عمارة الأرض ...
1ـ التحفيز إلي عمارة الأرض في كل المجالات :ـ
من العوامل التي تساعد على المضي قدمًا في زيادة الإنتاج وتوفيره تحفيز النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على إعمار الأرض الخراب، فيقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ" أخرجه أحمد.
وأخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ "، ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ مِنْهَا يَعْنِي أَجْرًا وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي مِنْهَا– يعني الطير والسباع- فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ".
والإعمار والإحياء إما بالزرع أو حفر الآبار،أو بالبناء عليها،كبناء المصانع، والشركات المنتجة لما يلزم للناس، ونحو ذلك.
ولقد حفز النبي صلي الله عليه وسلم علي العمل مهما كان حجمه إذا نوى صاحبه إطعام الجائع وكساء العاري وشفاء المرض وإغناء الفقير كان له بذلك صدقة جارية وأجر غير ممنون ما انتفع الناس والحيوان بثمرة عمله.
قال – صلى الله عليه وسلم – " من بني بنيانا من غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع به خلق الله تبارك وتعالي"(رواه أحمد)
وقال أيضا : " ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله عز وجل له من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغراس " وقال أيضا : " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة "(أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد)
ولقد أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم أن العمل الجاد يسبب محبة الله تعالى لتلك الأيادى، منها يد الفلاح في حقله، والعامل في مصنعه، والعالم في محرابه، والمعلم في معهده، والطبيب في عيادته، وغيرهم من رجال يسهرون على راحتنا، وهؤلاء لهم ثواب عظيم؛ لأن «من بات كالّاً من عمل يده بات مغفورًا له» رواه الطبراني..
وقوله صلي الله عليه وسلم ( إن الله يحب المؤمن المحترف ) .
والعمل الجاد مكفر للذنوب ومطهر للآثام فقال – صلى الله عليه وسلم (من بات كالا من عمله بات مغفورا له "
وقال : " من بات وانيا من عمله بات والله عنه راض)
وبالإضافة إلي ذلك حث ورغب في إتقان العمل وإحسانه فقال صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " إن كلمة " عملا " في الحديث جاءت مطلقة من غير تحديد لنوع معين من الأعمال يجب الاهتمام به والإحسان فيه دون غيره لتشمل أعمال الدنيا والآخرة .
2ـ ذم التسول والمتسولين :ـ
ولقد حارب الإسلامُ هذه العادةَ السيئة وبالغ في النهي عن مسألة الناس؛ فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم". وروى الإمامُ أحمد عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله قال: "لا يفتح عبدٌ بابَ مسألة إلا فتحَ الله عليه بابَ فقر". وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى".
ولقد ذم السلف للعاطلين ، إن المتابع لهدي السلف الصالحين يجدهم عمالا متكسبين وليسوا كسالى ولا متسولين، قال صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى" أخرجه البخاري و مسلم .
وقد حذر النبي صلي الله عليه وسلم من سؤال الناس؛ فعن الزُّبير بن العوَّام - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبلَه، فيأتيَ بحُزمة الحطب على ظهره، فيبيعَها، فيكُفَّ الله بها وجهَه - خيرٌ له من أن يسألَ الناس، أعطَوْه أو منعُوه))؛ رواه البخاري.
3ـ قطع الطريق أمام المتسولين والبطالين :ـ
ولقد قطع الإسلام كل الطرق أمام المتسول والبطال حتي لا يركن لشيئ مثل أن يركن بحجة العبادة ، أو يركن معتمدا علي مال الزكاة .
لقد رأى الفاروقُ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قومًا قابعين في رُكن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المُتوَكِّلون على الله، فعَلاهم عمر رضي الله عنه بدِرَّته ونَهَرَهم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة، وإن الله يقول: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ (الجمعة: 10).
وروى ابن أبي الدنيا في "التوكل" بسنده عن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب، لقي ناسا من أهل اليمن، فقال : من أنتم؟ قالوا : نحن المتوكلون. قال : بل أنتم المتكلون، إنما « المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض، ويتوكل على الله ». وكان سفيانُ الثوريّ رحمه الله يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: فما نصنَع؟! قال: اطلُبوا من فضلِ الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين.
فالمؤمنين ليسوا عالة على غيرهم تشغلهم عبادتهم عن العمل والكسب ، وليسوا طلاب دنيا وعبيد مال تحجزهم مصالحهم وتلهيهم تجارتهم عن أداء حقوق الله تعالى ، " ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك .. " ، ودخل عبد الله بن عمر- رضي الله عنه - السوق ، فأقيمت الصلاة فأغلق التجار حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال : فيهم نزلت : " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. " ، وقال مطرف الوراق : " كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة " وأيضا لم يجعل النبي صلي الله عليه وسلم لمتبطل كسول حقا في الصدقات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي" أخرجه أبو داود والترمذي..
و لكنه قد تجوز المسألة عند الحاجة ، قال صلى الله عليه وسلم :"إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة :لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع" أخرجه أحمد وابن ماجة..
4 ـ توفير فرص العمل للقادرين عليه:ـ
وهناك حديثٌ معبِّر أتمَّ تعبيرٍ عن أنَّ المسلم يجب أن يعمل، ويصونَ نفسَه من مذلَّة السؤال، فإنَّه ما دام قادرًا على العمل، فلا بُدَّ أن يجد وسيلةً للعمل.
فعن أنس رضي الله عنه ( أنَّ رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأله فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (أَمَا في بيتك شيء؟)، قال الرَّجل: بلى، حِلْسٌ[كساء يلبس، ويفرش على الأرض، ويجلس عليه.] نلبس بعضَه، ونبسط بعضه، وقَعْبٌ[الإناء.] نشربُ فيه من الماء، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم (ائتني بهما) ، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيده، وقال: (مَن يشتري هذين؟)، فقال رجل: أنا آخذهما بدِرهم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (مَن يَزيد على درهم؟) مرَّتين أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدِرهمين، فأعطاهما إيَّاه وأخذ الدِّرهمين، وأعطاهما الأنصاريَّ، وقال: (اشترِ بأحدهما طعامًا، فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخرِ قَدُومًا فأتِني به).
فأتاه به، فشدَّ فيه رسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عودًا بيده، ثم قال له: (اذهبْ فاحتطب وبِعْ، ولا أرينَّك خمسةَ عشرَ يومًا) ، فذهَبَ الرجل يحتطبُ ويبيع، فجاء وقد أصاب عَشرةَ دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم (هذا خيرٌ لك مِن أن تجيءَ المسألةُ نُكتةً في وجهك يومَ القيامة؛ إنَّ المسألة لا تصلح إلاَّ لثلاثة: لذي فَقر مُدقِع، أو لذي غُرْم مُفظِع، أو لذي دمٍ مُوجِع) رواه أبو داود برقم ، واللفظ له، ، وابن ماجه ، والنسائي ، وأحمد ،
فكانت معالجته معالجة عمليَّة؛ استخدم فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم كل الطاقات والإمكانات المتوفِّرة لدى الشخص الفقير، وإن تضاءلت؛ حيث علَّمه رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف يجلب الرزق الحلال من خلال عمل شريف.
5 ـ تشجيع المشاريع الإقتصادية:ـ
شجَّع رسول الله المشاريع الاقتصادية بين المسلمين، وحثَّهم على المزارعة، كما فعل الأنصار مع إخوانهم المهاجرين الفقراء، الذين قَدِموا على المدينة بلا أدني مال، فعن أبي هريرة أنه قال: قالت الأنصار للنبي : اقسمْ بيننا وبَيْن إخواننا النَّخِيلَ. فقال: "لا". فقالوا: تَكْفُونَا الْمُؤْنَة, وَنَشْرَككُمْ في الثمرة. قالوا: سمِعْنا وأطَعْنا.(رواه البخاري)
6 ـ تحريم الربا:ـ
وحرَّم الإسلام الربا لما له من مضارَّ على فقراء المجتمع؛ فهو يعوق التنمية، ويُسَبِّب التخلُّف، ويَزِيد الفقير فقرًا؛ ممَّا يؤدِّي إلى الهلاك؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))؛ متفق عليه.
7ـ ترسيخ قيمة التكافل :ـ
أمَّا إذا ضاقت الحال، ولم يجد الإنسان عملاً، وأصبح فقيرًا محتاجًا، فعلاج الإسلام حينئذ لهذه المشكلة هو أن يَكْفُل الأغنياءُ الموسرون أقاربهم الفقراء، وذلك لما بينهم من الرَّحِمِ والقرابة، وقد وصفه الله بأنه حقٌّ من الحقوق الواجبة بين الأقارب، فقال تعالى: {فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الروم: 38].
وإذا عجز الأقارب الأغنياء عن سدِّ حاجة الفقراء جاء دَوْرُ المجتمع ككلٍّ؛ متمثِّلاً في الزكاة التي فرضها الله للفقراء من أموال الأغنياء، ولكنَّ رسول الله جعلها مقصورة على الفقير الذي لا يستطيع العمل والكسب؛ لذلك قال رسول الله : "لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ [أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]).
بهذا لم يجعل رسول الله لمتبطِّل كسول حقًّا في الصدقات؛ ليدفع القادرين إلى العمل والكسب.
وإذا بقي في المجتمع فقيرٌ لا يستطيع العمل؛ وجب على المجتمع كله أن يُخْرِج الصدقات ابتغاء مرضاة الله وثوابه، وهذه مزيَّة تميَّز بها الإسلام عن غيره من المعالَجَات البشريَّة للمشكلة، فها هو ذا النبي يُعَلِّم أصحابه الإنفاق، فعن جرير بن عبد الله أنه قال: خطبنا رسول الله فحثَّنَا على الصدقة، فأبطئوا حتى رُئِيَ في وجهه الغضب، ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصُرَّة، فأعطاها له، فتتابع الناس حتى رُئِيَ في وجهه السرور، فقال رسول الله : "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا، وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَمِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ". (أخرجه مسلم في صحيحه).
وبهذه القيم يظلُّ المجتمع متماسكَ البنيان، ومتوازن الأركان، ولا تنهشه أمراض الحقد والحسد، والنظر إلى ما في يد الآخرين، فتمتلئ بطونُ البعض، بينما غيرهم لا يجد ما يسدُّ رمقه، أو يُبقي على حياته، فكان الإسلام ناجحًا في إيجاد الحلول العمليَّة والواقعيَّة لمشكلتي الفقر والبطالة، ولعلَّ هذه الطريقة الفريدة الفذَّة في علاج مثل هذه المشكلة لَمِنْ أبلغ الأدلَّة على نُبُوَّته ، وعلى أن المنهج الذي أتى به ليس منهجًا بشريًّا بحال، إنما هو من وحي الله العليم الخبير.
العنصر الثالث : نماذج مشرقة ساهمت في عمارة الوطن :ـ
1ـ الخليفة الأول أبو بكرالصديق رضي الله عنه :ـ
تقول عنه عائشة رضي الله عنها كان أبو بكر أتجر قريش، حتى دخل في الإمارة، والأثر رواه الخلال بسندٍ صحيح، نعم. كان تاجراً حتى دخل في الإمارة فافتقر، وليس العكس!! كان أتجر قريشٍ، لأنه يشتغل بالبز، وبالتجارة، وكان يذهب إلى الشام وإلى غيرها، ويسبق في الأسواق، فلما تولي الخلافة رضي الله عنه افتقر، وأصبح ليس عنده إلا ما يقوم ببيته من المال الذي جعله له المسلمون ولـأبي بكر أمر الخلافة، وجعلت الأمة كلها أمرها في عنق أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
فيا ترى! ماذا فعل هذا الخليفة رضي الله عنه، الذي يفاخر به المسلمون عبر التاريخ؟
روى ابن سعدٍ بسندٍ موصول بالرجال الثقات أن أبا بكر لما استخلف، أصبح غادياً إلى السوق، وعلى رأسه أثواباً يتاجر بها كالعادة، حمل الأثواب والبضائع وغدا إلى السوق، يبيع ويشتري! فلقيه في الطريق عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما فقالا له:(كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين) ؟!
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:(فمن أين أطعم عيالي)؟!
قالا له:(نفرض لك، ونجعل لك مرتباً يومياً، أو أسبوعياً، أو شهرياً، تستغني به عن التجارة).
فماذا يا ترى فرضوا له؟ فقط نصف شاةٍ يومياً، هذا راتب الخليفة رضي الله عنه وهو مقابل أموالٍ ضخمة كان يكسبها من التجارة، حتى إنه كان أغنى أغنياء قريش قبل أن يلي أمر الخلافة.
2ـ عثمان بن عفان مجهز جيش العسرة :ـ
الرجل الثاني: عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله عنه رجل رأسمالي اسلامي سخر ماله لخدمة الإسلام والمسلمين يجهز جيش المسلمين في وقت عصيب وهو وقت العسرة وهذا الأمر يوضح علي ما لديه من المال.
فقد روى الترمذي عن عبد الرحمن بن سمرة قال: [جاء عثمان رضي الله عنه يوم العسرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينارٍ، وذلك حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، فنثرها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر عثمانُ إليه، ثم قال: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم] قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريب، وهو كما قال.
الأثر الثاني:
عن عبد الرحمن بن خباب رضي الله عنه وهو عند الترمذي -أيضاً- قال: لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تجهيز جيش العسرة، قال عثمان: {يا رسول الله! عليَّ مائة بعيرٍ بأحلاسها وأقتابها، ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشاركة، فقال: يا رسول الله! عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم مرةً ثالثة، فقال: يا رسول الله! عليَّ ثلاثمائة بعيرٍ بأحلاسها وأقتابها}.
هذا ما أنفقه عثمانُ في مناسبةٍ واحدة، فما بالك بمجموع ما أنفقه طيلةَ عمره!! وما بالك بمجموع أموال الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.
3 ـ طلحة بن عبيد الله ( طلحة الفياض ):ـ
أما طلحة بن عبيد الله ـ طلحة الفياض- فقد كان كريماً جواداً وسمي بالفياض، وغلةُ طلحة يومياً ألف دينار، هذه أرباحه يومياً في مثل ذلك العصر، الذي لم يكن يعرف الملايين والمليارات.
ولما مات طلحة رضي الله عنه خلف من الأموال الشيء الكثير، سأل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه موسى بن طلحة، ولده، فقال له: كم ترك أبو محمد، أي كم خلف من الأموال؟
فقال له: ترك ألفي ألف درهم، ومائتي ألف درهم، هذا من الفضة، أما من الذهب فخلف مائتي ألف دينار، فقال معاوية رضي الله عنه: [عاش حميداً سخياً شريفاً، ومات شهيداً].
4ـ عبدالرحمن ابن عوف ودلني علي السوق :ـ
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَآخَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىِّ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِى أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، دُلَّنِى عَلَى السُّوقِ .
فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ، فَرَآهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ . قَالَ « فَمَا سُقْتَ فِيهَا » . فَقَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: « أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ » أخرجه البخاري.
وفي رواية عند البخاري أيضًا عَنْ أَنَسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا؛ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيرًا ، حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْيَمْ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا سُقْتَ فِيهَا؛ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ. أخرجه البخاري.
استطاع سيدنا عبد الرحمن بن عوف أن يكون ثروة واسعة، بعد أن ترك دياره وأرضه وأمواله،وكان يقول: لو رفعتن حجرًا لوجدت تحته ذهبًا، وقال عنه بعض المؤرخين: : كان تاجرا مجدودا في التجارة وكسب مالا كثيرا وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا فكان يدخل منه قوت أهله سنة.دورا بارزا في تأسيس الاقتصاد الاسلامي وإطلاق أسواق تنهي احتكار اليهود للتجارة.
كان له دور في بناء الوطن فأنشأ سوقا للمسلمين في المدينة.
إذ كان اليهودُ قبل الهجرة يحتكرون التجارةَ فيها، ويسيطرون على معظمِ الموارد.
وقد أرادَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم إنهاءَ هذا الاحتكارِ والهيمنة، وتشجيعَ أثرياءِ المسلمين على مزاولة النشاط الاقتصادي. من أبرز المسلمين الذين كانَ لهم فضلٌ في إنشاء سوقٍ في المدينة المنورة الصحابيُ الجليل عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوف. ومَلَكَاته التجارية، لم تظهر في المدينة فحسب، بل كان له نشاطٌ تجاري كبير في مكةَ قبلَ الهجرة.
كان عبدُ الرَّحمنِ بن عوف من أوائل الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وساهمت إمكاناتُه الماليةُ في مساندةِ الدعوةِ وفقراءِ المسلمين.
فأين أصحاب رؤس الأموال اليوم من عبدالرحمن ابن عوف ومعاناة الكثير من فقراء المسلمين .
وقد كان المهاجرون والأنصار، يعملون في الزراعة، أوفي التجارة أو في الحطب، أو في الاستيراد، أو في غير ذلك، وكلهم كانوا مثل عبد الرحمن بن عوف، حتى نتج عن ذلك نشاطٌ اقتصاديٌ واسعُ النطاق .

العنصر الرابع :أثر العمل علي الفرد والمجتمع :ــ

إن الأمة التي تعمل تقود ولا تقاد ، تسود ولا تساد ، تتكلم فيسمع لها ، تأمربأمر الله فتطاع ، وتنهى بنهي الله فلا تعصى، تذل لها الأمم وتدين لها الدول، وكانت مضرب المثل بين الأمم،و يشار إليها بالبنيان، ويتحقق لها النجاج ، والهيبة والمنعة.
ورحم الله الإمام الشعراوي حين قال حتي تكون كلمتك من رأسك لابد أن تكون لقمتك من فأسك.
وهذه بعض الآثار المترتبة علي نتيجة العمل الجاد..
1 ـ النجاح مرتبط بالعمل:ـ
لا يذهب الظن أو الوهم بأحد، فيحسب أن ارتباط السعادة والفوز بالعمل مقصور على الآخرة وحدها، فإن قوانين الله في الجزاء واحدة، ورب الدنيا والآخرة واحد، فالله تعالى يقول: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)) (الكهف)، (ففَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)) (الزمر)، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) (الزلزلة
.
وسنة الله -التي أخبرنا القرآن أنها لا تتبدل ولا تتحول- لا تسمح لفارغ أو قاعد أو كسول أن يظفر بما يريد، أو يحقق ما يأمل، بل إن سنن الله في الدنيا لا تفرق في الجزاء على العمل بين مؤمن وكافر ... فمن عمل أُجر، ومن قعد حُرم، مهما كان دينه أو اعتقاده.
وبهذا يندفع المؤمن إلى العمل دائماً، حتى لا يصادم سنن الله في الكون فتصدمه؛ فيكون من الهالكين.
2 ـ حفظ الهيبة :ـــ
فالعمل مهما كان قدره ومهما كان ربحه وعائده فهو يمنع صاحبه من التبذل وسقوط ماء الوجه وضياع هيبته بالسؤال وبذلك ينال العامل توقير المجتمع واحترامه ويحيى عزيزا كريما ويموت جليلا حميدا واليد العليا خير من اليد السفلى وفي حديث البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه : " لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه " .
والمسلم عزيز النفس كريم الخلق عفيف الطبع، يكره ما يسيئه ويشينه بعد أن أعزه الله بالإسلام، فبدلا من أن يقعد عن العمل ويمد يده للناس سائلا منهم المال فليعمل ليتكسب، فروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم".
وفي يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة فإن قالوا لا سقط من عيني)..
وكان إبراهيم بن أدهم إذا قيل له : كيف أنت ؟ قال : بخير ما لم يتحمل مؤنتي غيري. ورحم الله الخليفة الراشد علي ابن أبي طالب حين قال:ـ
لنقل الصخر من تلك الجبال أخف علي من منن الرجال
يقول الناس كسب فيه عار فقلت العار في ذل السؤال
3ـ منعة الأمة :ــ
إن الأمة المنتجة قوية ولها منعة ويهابها أعدائها ، والأمة المستهلكة ضعيفة وتكون ألعوبة في أيد أعدائها .
لقد زار سيدنا عمرابن الخطاب بلدة فرأى أكثر الفعاليات الاقتصادية بيد غير المسلمين، فعنفهم أشد التعنيف، فقالوا: لقد سخرهم الله لنا، فقال لهم قبل ألف وأربعمائة وست وثلاثون عاما: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟
لقد أدرك الخليفة العملاق قبل ألف وأربعمائة وست وثلاثون عاما أن المنتج قوي والمستهلك ضعيف،أصبحنا الآن نستورد كل شيئ من الإبرة حتي الصاروخ ، لذلك يجب أن نعمل، كل إنسان منا يجب أن يفكر بعمل يخدم به أمته، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ [متفق عليه عن زيد بن أرقم]
إن تقدم الأمة في الصناعات المختلفة وريادتها في الأعمال المبتكرة يحقق لها المنعة من الأعداء المتربصين بها والطامعين في ثرواتها وكنوزها .
وأخيرا :ـ إن الإسلام الحنيف رغَّب في الكد والعمل والتحصيل، وذم البطالة بشتى صورها، وحذر منها لما فيها من الجمود والاتكالية، فبقاء الفرد عاطلاً دون عمل معتمدًا على غيره يجعله ذليلاً مكسور الجناح، واضعًا نفسه تحت رحمة الخلق وشفقتهم، يرجو برهم وعطفهم، ويخاف شرَّهم وعقابهم، فهو إن لم يسايرهم منعوا عنه العطاء، ومخرجه من ذلك أن يكون عاقلاً منتجًا، وأن يوجد لنفسه مهنةً، يكتسب من خلالها، وأن يكون في عداد المثمرين المنتجين، حتى لا يبقى عالة على نفسه ومجتمعه.
نسأل الله العظيم أن يحفظ علينا ماء وجوهنا وأن يجعلنا من العاملين المخلصين المنتجين إنه ولي ذلك ومولاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم علي سيدنا محمد وعلي أله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
===========================
...المزيد

"أشكو إليك أمورًا أنت تعلمها مالي على حملها صبرٌ ولا جلدُ ، وقد مددتُ يديَّ بالضر مشتكيًا إليك يا ...

"أشكو إليك أمورًا أنت تعلمها مالي على حملها صبرٌ ولا جلدُ ، وقد مددتُ يديَّ بالضر مشتكيًا إليك يا خير من مُدت إليه يدُ."

منهج النبي صلي الله عليه وسلم في تأديب الأولاد ورد أن الحسن والحسين غابا عن أمهما ساعةً، فشغفت ...

منهج النبي صلي الله عليه وسلم في تأديب الأولاد

ورد أن الحسن والحسين غابا عن أمهما ساعةً، فشغفت وحنت وخافت عليهما، وبدأ البحث عنهما، ثم وجدهما النبي صلى الله عليه وسلم-، فما كان منه إلا أن احتضنهما قائلاً: "حبيباي.. حبيباي" فلم يعنف ولم يضرب، بل أظهر الود والحنان كعادته- صلى الله عليه وسلم ، وصدق الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾الأنبياء:107.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كخ .. كخ .. ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" أخرجه البخاري ومسلم.

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بغلام يسلخ شاةً ما يحسن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تنح حتى أريك فأدخل يده بين الجلد والعظم.." أخرجه أبو داوود، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه أولاً ولم يعنفه.
فإذا أصرَّ الطفل على ارتكاب الخطأ فلا حرج في فتل أذنه (أي شدها).

عن عبد الله بن يسر المازني رضي الله عنه قال: "بعثتني أمي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم بقِطْف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئتُ أخذ بأذني وقال: يا غُدر. (أي يا غادر(


ولا بأس بإظهار السوط ونحوه هيبةً وزجرًا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أمر بتعليق السوط في البيت"، ويجوز ضرب الصبي للتأديب والتهذيب دون إتلاف إذا لم يرتدع.

ومن شروط الضرب الواردة في السنة

أـ أن يكون ابتداء الضرب في سن العاشرة .
ب ـ أقصى الضربات عشر، لا يضرب الوجه أوالرأس أو الفرج .
وإن أقصى عدد الضربات لا يتجاوز في أي حال من الأحوال في العملية التربوية العشر ضربات؛ وذلك لما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله"
ج ــ أن يكون مفرقًا معتدلاً لا يحدث عاهةً ولا يكسر وكذلك يجب أن يكون الضرب بين الضربين، وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للضارب: "لا ترفع إبطك" أي لا تضرب بكل قوة يدك، والفقهاء متفقون على أن الضرب لاينبغي أن يكون مبرحًًا أي موجعا.
د ـ يحذر الغضب الذي يخرجه عن حد الاعتدال
هـ يتجنب السب والشتم البذيء.

إذا ذكر الطفل ربه، يرفع يده عنه، لما رواه الترمذي عن أبى سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم" أخرجه الترمذي، وكذلك الأمر بالنسبة للصبي .
وــ لا يصح التحريق بالنار لورود النهي عنه.

4 * ألا نخوف أبنائنا أو نرعبهم :

من الخطأ الذي يقع فيه كثير من الآباء والأمهات إذا أراد أن يسكت الطفل أن يقول له "نم وإلا أتي لك بالعفاريت .أو أبو رجل مسلوخة .أو غير ذلك من العادات السيئة ".
والنبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني والبزار قال " لا تروعوا المسلم فان روعة المسلم ظلم عظيم " .
وروي الطبراني حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أخاف مؤمنا بغير حق كان علي الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة "
أثبت العلماء أن الطفل عندما يولد يخاف من الصوت العالي والمكان العالي( فطريا )
يصل لسن 13 أو 14 سنة يخاف من 1067 شيء هذا العدد مصنف عالميا الآن .

روى البزار والطبراني وأبو داود عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون معه يوما في مسير فنام رجل منهم ( وفى رواية خفق علي الناقة ) ومعه حبل فذهب أحد الصحابة ونزع الحبل من يده فانتبه الرجل وهو مفزوع واشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلمما كان فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " .
...المزيد

#اسألوا_التاريخ لا يُهزم جيش فيه القعقاع .. ✍ في معركة ذات السلاسل كان عدد المجوس أضعاف عدد ...

#اسألوا_التاريخ

لا يُهزم جيش فيه القعقاع ..

✍ في معركة ذات السلاسل كان عدد المجوس أضعاف عدد المسلمين، ومع ذلك فقد ربطوا أنفسهم بسلاسل الحديد حتى لا يفروا .
✍ وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه أمير وقائد جيش المسلمين .
✍ وهرمز قائد جيش الفرس .
✍ كانت عادة جيوش الكفار أن قائدهم إذا قتل أو انهزم إنتهت المعركة بهزيمة هذا الجيش .
✍ أراد هرمز أن يقتل قائد الجيش خالد بن الوليد ليفر الجيش الإسلامي حسب ظنه، وهرمز يعلم علم اليقين من هو خالد ؟
ويعلم أيضاً أنه أقل شأناً من أن يتغلب على خالد لذلك لجأ إلى حيلة غادرة .
✍ عندما تقابل الجيشان نزل عن حصانه و دعا خالداً إلى المبارزة ، نزل خالد عن حصانه وتقدم إلى هرمز .
✍ كانت عيون الجيشين تنظر إلى القائدين وهما يتقدمان إلى الموت ، وقد ذهل المُشاهد عن نفسه لهول الموقف .
✍ ولكن القعقاع لم يكن غائب اللب في هذا المشهد الرهيب ، بل استل سيفه وهيأ جواده لأي أمر طارئ .
✍ القائدان يتقدمان من بعضهما بخطوات بطيئة ، وفي اللحظة التي بدأت بينهما المبارزة هجم عشرة من فرسان المجوس إنتقاهم هرمز للهجوم على خالد ، وبلمح البرق طار القعقاع إلى الفرسان بجواده العربي الأصيل الذي يسبق السهم ، فقتل خمسة من الفرسان بضربات خاطفة كالبرق وفر الباقون .
✍ أما خالد فقد سيطر على خصمه ، فأمسكه من عنقه وقال له :
إنك لست أهلاً أن تموت في ساحة المعركة ميتة الشرف لأنك لا تعرف الشرف .
✍ثم ذبحه بسيفه كما يذبح الخروف .
فانهزم المجوس في هذه المعركة ولحق بهم المسلمون .

المصدر :
فتوح الشام / الواقدي
تاريخ دمشق / إبن عساكر
البداية والنهاية / إبن كثير
...المزيد

كنا #نعلم_ولا_نعمل قال ابن القيم (رحمه الله) : "هلكت جارية في طاعون، فرآها أبوها في المنام، ...

كنا #نعلم_ولا_نعمل
قال ابن القيم (رحمه الله) :
"هلكت جارية في طاعون، فرآها أبوها في المنام، فقال لها: يابنيه أخبريني عن الآخره فقالت:
قدمنا على أمر عظيم، وقد كنا نعلم ولا نعمل.. ووالله لتسبيحة واحده أو ركعة واحده في صحيفة عملي أحب إلي من الدنيا وما فيها !!"..
لقد قالت الجارية كلاماً عظيماً "كنا #نعلم ولا #نعمل".. ولكن كثيراً منا لم يفهم مرادها !..
⬅ كنا #نعلم أننا إذا قلنا "سبحان الله وبحمده" مائة مرة تغفر لنا ذنوبنا وإن كانت مثل زبد البحر.. وتمر علينا الأيام والليالي ولا نقولها !!.
⬅ كنا #نعلم أن ركعتي الضحى تجزئ عن 360 صدقة.. وتمر علينا الأيام تلو الأيام ولا نصليها!!
⬅ وكنا #نعلم أن من صام يوماً في سبيل الله تطوعاً، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً.. ولم نصم !!
⬅ وكنا #نعلم أن من عاد مريضاً تبعه سبعون ألف ملك يستغفرون له الله.. ولم نفعل ذلك؛ اﻻ نادرا !!
⬅ وكنا #نعلم أن من صلى على جنازة وتبعها حتى تدفن، فإن له قيراطين من الأجر (القيراط كجبل أحد).. ولم نفعل ذلك، اﻻ نادرا !!.
⬅ وكنا #نعلم أن من بنى لله مسجداً ، ولو كمفحص قطاة (عش الطائر)، بنى الله له بيتاً في الجنة.. ولم نساهم في بناء احد المساجد !!.
⬅ وكنا #نعلم أن الساعي على الأرملة وأبنائها المساكين، كالمجاهد في سبيل الله، وكصائم النهار الذي لا يفطر، وكقائم الليل كله ولا ينام.. ولم نساهم في كفالة إحداهن وأبنائها!!
⬅ وكنا #نعلم أن من قرأ من القرآن حرفا واحدا، فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.. ولم نهتم بقراءة القرآن يومياً !!
⬅ وكنا #نعلم أن الحج المبرور جزاؤه الجنة، وأجره أن يرجع الحاج كيوم ولدته أمه (أي بصفحة بيضاء نقية من الذنوب).. ولم نحرص على أداء مناسك الحج ، مع توافر القدرة لدينا على الحج !!
⬅ وكنا #نعلم أن شرف المؤمن قيامه الليل، وأن النبي صلى الله عليه وآله ، وصحابته (رضوان الله عليهم)، لم يفرطوا بصلاة القيام طول عمرهم ، ورغم انشغالهم بكسب العيش، وجهادهم في سبيل نشر دين الله.. وفرطنا نحن في ذلك!!
⬅ وكنا #نعلم أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.. ولم نستعد لها !!
⬅ وكنا ندفن الموتى ونصلى عليهم.. ولم نستعد لملاقاة الموت.. وكأننا غير معنيين بذلك!
⬅ ورغم معرفتنا بأن كل نفَس نتنفسه يقربنا إلى الأجل المحتوم، اﻻ اننا ما زلنا نلهو ونلعب، ونضيع أعمارنا سدى!!
آن الأوان، من هذه اللحظة، أن نغير نمط حياتنا، وأن نستعد الاستعداد الأمثل ليوم الحساب.. (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).
⬅ كنا #نعلم ان الدال علي الخير كفاعله.. وقد لا نعيد ارسال هذه الرسالة لمن نعرفهم لتكون لنا صدقة جارية!.
هنيئا لمن قرأها واستوعب مضمونها، وبادر إلى التزود من الطاعات...
❤‍🩹❤‍🩹❤‍🩹🌹🌹🌹
...المزيد

المعايشة الإيمانية لاسم الله الرَّزاق الحمد لله رب العالمين ... خلق الأرض وبارك فيها،وقدر فيها ...

المعايشة الإيمانية لاسم الله الرَّزاق

الحمد لله رب العالمين ... خلق الأرض وبارك فيها،وقدر فيها أقواتها ،واحد لا شريك له،ولا شيء مثله ، ولاشيء يعجزه،ولا إله غيره ،فقال تعالي }قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10){فصلت.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير... يُطعِم ولا يُطعَم ،خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة .. قال تعالي }قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ..(14){ [الأنعام].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ)...ربي الأمة علي الثقة فيما عند الله تعالي من فضل ورزق ...فعن أبي أُمامةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبيَّ (ﷺ) قال: "إِنَّ رُوحَ القُدسِ نَفَثَ فِي رُوعي أَنَّ نفسًا لنْ تموتَ حتى تستكمِلَ أَجلَها وتستوعبَ رِزْقَها، فاتقوا اللهَ وأجْمِلُوا فِي الطلبِ، ولا يحمِلَنَّ أحدَكُم استبطاءُ الرِّزقِ أَنْ يطلبَهُ بمعصيةِ اللهِ، فإنَّ الله تعالى لا يُنالُ ما عندَهُ إلا بطاعتِهِ"[ رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وصححه الألباني.].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلي يوم الدين ....
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون ..
إن العلمَ بالله أحَدُ أركانِ الإيمان، بل هو أصلُها وما بعدَها تبَعٌ لها، ومعرِفَةُ أسماء الله وصفاتِه أفضلُ وأوجَب ما اكتسبَته القلوب وحصَّلته النفوسُ وأدركته العقول.
قال ابن القيّم رحمه الله:أطيَبُ ما في الدنيا معرفتُه سبحانه ومحبَّته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي (ﷺ) قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » رواه البخاري ومسلم
قال أهل العلم: أحصاها يعني: علمها وآمن بها وعمل بمدلولها.
وأسماء الله سبحانَه أحسَنُ الأسماء، وصفاته أكمَلُ الصفاتِ، قال تعالي}لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(11){[الشورى].
وحقيقٌ بكلِّ مسلمٍ معرفتُها وفهم معانيها، والعمل وفقها، والدعاء بها.
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى.
فمن أسماء الله الحسني اسم الله الرزاق، فإن تعرفتَ على اسم الله الرزاق ستحبه وتعيش معه ،وتدعو به فيحقق لكَ الرزاق مطلبك ، لذلك كان موضوعنا (المعايشة الإيمانية لاسم الله الرزاق) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ....
1ـ الرزاق في القرآن الكريم والسنة النبوية.
2ـ من معاني الرزاق.
3ـ الحقائق الإيمانية لقضية الرزق
4ـ الأسباب التي تستجلب الرزق.
5ـ آثار الإيمان باسم الله الرزاق .
6ـ الخاتمة .
============================
العنصر الأول : الرزاق في القرآن الكريم والسنة النبوية :ـ
ورد اسم الله الرزاق مفردًا مرة واحدة في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات]
وورد بصيغة الجمع خمس مرات منها قول الله تعالى{وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(114)} [المائدة] .
وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(11)} [الجمعة] .
وقال تعالي } قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(39){ سبأ
وورد قول النبي (ﷺ) لإثبات هذا الاسم في الحديث أنه قال: (إن اللهَ هو المسعر القابض الباسط الرازق) [صححه الألباني]
العنصر الثاني : من معاني الرزاق:ـ
الرَّزَّاقُ في اللغة مِنْ صيغِ المبالغةِ على وزن فعَّال منِ اسم الفاعل الرازِق، فعلُه رَزَقَ يَرْزقُ رِزْقًا، والمصدر الرِّزْقُ وهو ما يُنتَفعُ به والجمع أرزاق.
وحقيقةُ الرِّزْقِ هو العطاءُ المتجدّدُ الذي يأخذُهُ صاحبُه في كلِّ تقديرٍ يوميٍّ أو سَنويٍّ أو عُمُريٍّ فينال ما قُسِم له في التقديرِ الأزلي والميثاقي.
وقال تعالى: } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ(3){ [فاطر].
فالله سبحانه قَدَّرَ خلْقَهم ورِزْقَهُم معًا قبلَ وجودِهم، وكتبَ أرزَاقَهُمْ فِي الدُّنيا والآخرِة قبل إنشائِهم، فالرّزقُ وصفٌ عامٌّ يتعلقُ بعمومِ الكونِ فِي عالمِ الملكِ والملكوتِ.
وقال ابنُ تيميةَ: "والرِّزق اسمٌ لكل ما يَغتذِى به الإنسانُ، وذلك يعمُّ رزقَ الدُّنيا ورزقَ الآخِرَةِ، فلا بُدَّ لكل مخلوقٍ من الرِّزقِ، قال اللهُ تعالى:} وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6){[هود].
وقال ابن جرير: هو المتكفل بأقواتهم قال تعالي{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(80)} [الشعراء]
وقال القرطبيُّ: "والفَرْق بين القُوتِ والرِّزق، أَنَّ القُوتَ ما به قَوامُ البنْيةِ مما يُؤكلُ ويَقعُ به الاغتذاءُ.
والرِّزقُ كلُّ ما يَدْخُل تحت مِلْكِ العبدِ: مما يُؤكلُ ومما لا يُؤكلُ، وهو مراتبُ أعلاها ما يُغذي.
وقد حَصَر رسولُ الله (ﷺ):وجوهَ الانتفاعِ في الرِّزق في قوله (ﷺ): }يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ{[رواه مسلم].
وفي معنى اللِّباسِ يَدخُلُ المركوبُ وغيرُ ذلك مما يَنْتَفعُ به الإنسانُ، والقوتُ رِزْقٌ مخصوصٌ، وهو المضمونُ من الرِّزقِ الذي لا يَقطعُه عجزٌ، ولا يجلبُه كيْسٌ، فلا ينقطعُ هذا الرزقُ إلا بانقطاعِ الحياةِ"
قال الخطابي: "هو المُتكفِّلُ بالرِّزقِ، والقائمُ على كلِّ نفسٍ بما يُقيمُها مِنْ قُوتِها، وَسِعَ الخَلْقَ كلَّهم رزقُهُ ورحمتُهُ، فلم يختصَّ بذلك مؤمنًا دون كافرٍ، ولا وليًّا دُونَ عدُوٍّ.
فالرَّزَّاقُ سبحانه هو الذي يتولى تنفيذَ العطاء الذي قدَّرَهُ لأرزاقِ الخلائق لحظةً بلحظةٍ فهو كثيرُ الإنفاقِ، وهو المفيضُ بالأرزاق رِزْقًا بعد رزقٍ، مبالغةً في الإرْزاقِ وما يتعلَّقُ بقسْمَةِ الأرزاق وترتيبِ أسبابها في المخلوقاتِ.
الفرق بين اسم الله الرازق واسم الله الرزاق !!
الرازق سبحانه هو الذي يرزق الخلائق أجمعين وهو الذي قدر أرزاقهم قبل خلق العالمين وهو الذي تكفل باستكمالها ولو بعد حين فلن تموت نفس إلا باستكمال رزقها .
إذن فالرازقُ فيه معنى الرزق المطلق، فهو يفيد ثبوت صفة الرزق لله عز وجل.
أما الرزَّاق فتفيد التكثير، أنه يرزق رزقا بعد رزق.
سُئل احد السلف: لما سمي الله خير الرْازقين؟
فأجاب: لأنه إذا كفر به عبده لم يقطع رزقه عنه، وهو كافر به.
سبحان الله عطائه ورزقه مستمر حتى لمن يكفر به ويعطيه نعيمه في الدنيا، بعكس ابن آدم لو كان الرزق بيده لقطعه إذا لم يرق مزاجه له أو كرهه أو إذا نسيه والله سبحانه وتعالى لايغفل ولاينسى ولاتأخذه سِنة (وهي غفوه صغيره) عن الخلق فأمور الكون كلها بيده سبحانه وتعالي.
روي عن نبي الله سليمان عليه السلام أنه رأى نملة تجر حبة قمح وبجهد إلى بيتها فقال لها سليمان عليه السلام: كم يكيفيك من حبوب القمح لمدة سنة ؟
قالت النملة: حبيتن
قال سليمان عليه السلام: سوف أضعك في صندوق وأجعل لك حبتين لمدة سنة بدل بحثك عن حبوب القمح، وأغلق عليها الصندوق وجعل لها حبتين وجاء لها بعد سنة فوجد النملة أكلت حبة وتركت الحبة الثانية فاستغرب وغضب نبي الله سليمان عليه السلام وقال للنملة: لماذا تكذبين علي؟
تقولين تكفيني حبتين في السنة وأنتِ خلال سنة أكلتي حبة واحده فقط، قالت النملة: كانت تكفيني حبتين وكان الله لا ينساني ويرزقني، أما عندما أقفلت علي الصندوق ولم استطع أن أخرج فأكلت حبة وأدخرت حبة ثانية لأعيش بها قدر المستطاع حتى لا أموت، وخشيت أن تنساني.
العنصر الثالث : الحقائق الإيمانية لقضية الرزق :ـ
لقد وضع الله تعالي سننا وقوانينا تحكم حياة الناس،وتنظم حركة الكون ، وهناك قوانين تخص
قضية الرزق والتي تجعل الإنسان منضبطا ومنسجما ومنتظما مع الكون ،وهذه القوانين تسمي
حقائق إيمانية ....فمن هذه الحقائق ..
الحقيقة الأولي : الرزق مكتوب ومضمون ومحدد:ـ
فالرزقُ مكتوبٌ في السماءِ وهو وَعْدُ اللهِ وحُكمُه في القضاءِ قبل أن يكونَ واقعًا مقدورًا في
الأرضِ. وهو سبحانه وتعالي يتولى تنفيذَ المقدَّرِ في عطاءِ الرِّزْقِ المَقسومِ، والذي يخرجُه في السماواتِ والأرضِ، فإخراجُه في السماواتِ يعني: أنه مقضيٌّ مكتوبٌ، وإخراجه في الأرض يعني أنه سَينفُذُ لا محالةَ؛ ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحد ومخاطبته سيدنا سليمان عليه السلام قال تعالي{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ(25)} [النمل] الخبء: أي الشيء الخفي المخبوء.
فهنا أدرك الهدهد أن الرزق مكتوبٌ في السماء قبل أن يكون واقعًا مقدرًا في الأرض.
قال تعالي } هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13){ غافر .
ويقول تعالى: }وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) { [الذاريات].
وحول هذه الآيات قصة عجيبة مع الأصمعي رحمه الله تعالي ..
روى البيهقي في (شُعب الإيمان) وأورد ابن قدامة في كتابه (التوابين) عن الأصمعي قال: أقبلت ذات يوم من المسجد الجامع بالبصرة، فبينا أنا في بعض سككها إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلد سيفه وبيده قوس، فدنا وسلم وقال لي: ممن الرجل؟
قلت: من بني الأصمع، قال: أنت الأصمعي؟
قلت: نعم، قال: ومن أين أقبلت؟
قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، قال: وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟
قلت: نعم، قال: اتلُ علي شيئاً منه، فقلت له: انزل عن قعودك، فنزل وابتدأت بسورة الذاريات، فلما انتهيت إلى قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) .
قال: يا أصمعي هذا كلام الرحمن؟!
قلت: إي والذي بعث محمداً بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد (ﷺ)، فقال لي: حسبك، ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطعها بجلدها، وقال: أعني على تفريقها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وجعلهما تحت الرحل، وولى مدبراً نحو البادية، وهو يقول:
(وفي السماء رزقكم وما توعدون) فأقبلت على نفسي باللوم، وقلت: لم تنتبه لما انتبه له الأعرابي فلما حججت مع الرشيد دخلت مكة، فبينا أنا أطوف بالكعبة إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي نحيلاً مصفاراً! فسلم علي وأخذ بيدي وأجلسني من وراء المقام وقال لي: اتل كلام الرحمن، فأخذت في سورة الذاريات فلما انتهيت إلى قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) صاح الأعرابي: وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، ثم قال: وهل غير هذا؟
قلت: نعم يقول الله عز وجل: { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) { [الذاريات].
فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف!
ألم يصدقوه حتى ألجؤوه إلى اليمين؟! قالها ثلاثاً وخرجت فيها روحه.
فالرزق أولا مكتوب في اللوح المحفوظ ثم بعد ذلك ينزل في السموات لتعرفه الملائكة وتنزل به إلى صاحب الرزق في الأرض فينفذ على صاحبه.
فالرزق معلوم ومحدد عند الله تعالي ، قال تعالي}وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21){ الحجر .
فالرزق يسوقُه اله تعالي إلى الضَّعيفِ الذي لا حيلة له، ولا مُتَكَسَّبَ فيه، كما يسوقُه إلى الجَلْدِ القويِّ ذي المِرَّةِ السَّويِّ، قال سُبْحانَهُ:}وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ (60){[العنكبوت].
وقد أكد النبي (ﷺ) أن الرزق مكتوب ومضمون ومحدد ، فعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله (ﷺ) وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكَتْبِ رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيدٌ، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبيَّ (ﷺ) قال:(كَتب اللهُ مقاديرَ الخلائق قبل أن يَخلق السماواتِ والأرضَ بخمسين ألف سَنة قال: وعرشه على الماء))[مسلم].
وبين أيضا أنه ما كُتب للعبد مِن رِزق وأجل،لا بد أن يستكمله قبل أن يموت؛ عن جابر رضي الله عنه؛ أن النبي (ﷺ) قال: (لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوْتِ، لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ المَوْتُ)[ حلية الأولياء وصححه الألباني [
الحقيقة الثانية : الرزق مقسوم وفق حكمته سبحانه وتعالي :ـ
الأرزاقُ مقسُومةٌ وفق حكمته تعالي، ولَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَو يُؤخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ.
فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنه قال: "قَالَتْ أُمُّ حَبيبَةَ زَوْجُ النبيِّ (ﷺ): اللَّهُمَّ أَمْتعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ الله (ﷺ) ، وَبأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبأَخي مُعَاوْيَةَ، فَقَالَ النبيُّ (ﷺ): "قَدْ سَألْتِ اللَه لآجَالٍ مَضْرُوبَة، وأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَّابٍ في النَّارِ أَوْ عَذَابٍ في الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وأَفْضَلَ" رواه مسلم
وقد قسم الله الأرزاق علي عباده بالعدل حسب حكمته تعالي، وتفضل علىهم بنعم لا تعد ولا تحصى، ثم فاوت بينهم في الرزق ، فمثلاً الأستاذ في الجامعة نصابه ثلاث ساعات، ومعلم ابتدائي بقرية كاد يُسحق من الفقر والقهر والجهد والاثنين تابعون إلى مؤسسة واحدة ؛ هذا أستاذ جامعة وهذا معلم ابتدائي .
وأيضا في مجال الطب هذا أكبر جراح في العالم دخله اليومي بمئات الألوف؛ وهذا ممرض يومي في مستشفى معاشه لا يكفيه يومين؛ كلاهما يعمل في حقل الطب.
وأيضا في مجال التجارة ، نجد بائع متجول يقضي يومه تحت حر الشمس أو برودة الجو ، ويرجع إلي بيته آخر النهار بجنيهات معدودة، وفي نفس المجال نجد أكبر مستورد كل صفقة عنده بخمس ستة ملايين أرباحها؛ كلاهما يعمل في حقل التجارة .
ونجد أيضا : امرأة جميلة جداً وامرأة دميمة جداً هذه يأتيها آلاف الخطاب وهذه لا يطرق بابها أحد.
يوجد تفاوت في الجمال والمال وتفاوت في الذكاء، تفاوت في العمر، تفاوت في الغنى، طفل يولد ابن ملك ،الدنيا كلها له وطفل لا يأكل قطعة لحم ولايجد شيئا، بل يخرج للعمل الشاق وهو في طفولته .
قال تعالي }كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21){الإسراء.
وهذا التفاوت لحكم عظيمة، جهلها كثير ممن لم تتنور بصائرهم بنور الوحي، ومن هذه الحكم ما يلي:
أولاً: لو كان الناس على مستوى واحد في رزقهم وإمكاناتهم لما قامت الحياة ،ولتعطلت كثيرمن الأعمال، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكمة بقوله تعالى}أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32){ الزخرف .
قال السدي وابن زيد: يسخر الأغنياء الفقراء فيكون بعضهم سبباً لمعاش بعض.
ثانياً: الابتلاء والاختبار، ليظهر الشاكر من الكافر، والصادق من الكاذب، فالغني مبتلى بالغنى، والفقير مبتلى بالفقر.
أما الغني فهل يؤدي شكر نعمة الله عليه وينفق المال وفق أمر الله له؟
وأما الفقير فهل يصبر ويحمد الله على ما هو فيه دون حسد لغيره وتضجر من قدر الله وحكمته؟ وبذلك ترفع درجتهما إن صبرا، ويعذب من سخط منهما ولم يرض بقسمة الله.
ثالثاً: أن الله تعالى يعطي ويمنع بما يصلح عباده، قال تعالى:}وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ(27){ [الشورى].
وقد استشهد الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية بالحديث الذي أخرجه الطبراني والديلمي في الفردوس وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس وعمر رضي الله عنهما أن رسول الله (ﷺ) قال: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد، ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا القلة ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر".
الحقيقة الثالثة : الرزق مكفول فلم الهم؟
هناك أصل مهم من أصول الإيمان وهو أن يعلم الجميع أن رزق الله تعالى الذي قدره لا يفوت العبد، بل لا بد من تحصيله، وقد قال في ذلك رسول الله (ﷺ)}:ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد ألقى في رُوعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقَها {.
فلو أن الناس عملوا بذلك وآمنوا به لما كان هناك سرقة ولا نهب، ولا غصب ولا اختلاس، ولا تحايل على قضية الرزق، فما قدر الله تعالى لعباده آتٍ لا محالة، وما لم يقدر فلن يستطيعَه العبدُ ولو بذل في سبيل ذلك الدنيا وما فيها.
لذلك نهي الله تعالي أولائك الذين يقتلون أولادهم بغير حق لا لشيء إلا الخوف أن يأكلوا من
طعامهم فيقللوا عليهم أرزاقهم، فقال سبحانه وتعالي: } وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31){ [الإسراء].
ويحكي أنه جلس إبراهيم بن ادهم رحمه الله يوما ووضع بين يديه بعضا من قطع اللحم المشوي فجاءت قطة فخطفت قطعة من اللحم وهربت،فقام وراءها وأخذ يراقبها فوجد القطة قد وضعت قطعة اللحم في مكان مهجور أمام جحر في باطن الأرض وانصرفت فازداد عجبه وظل يراقب الموقف باهتمام وفجأة خرج ثعبان أعمى ، يخرج من الجحر في باطن الأرض ويجر قطعة اللحم إلى داخل الجحر مرة أخرى،فرفع الرجل رأسه إلى السماء وقال سبحانك يا من سخرت الأعداء يرزق بعضهم بعضا.
ورأى إبراهيم بن أدهم رجلا مهموماً: فقال له: أيها الرجل إني أسألك عن ثلاث تجيبني قال الرجل: نعم. فقال له إبراهيم: هل يجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟ قال: لا
قال إبراهيم: أينقص من رزقك شيء قدره الله لك؟ قال: لا
قال إبراهيم: أينقص من أجلك لحظة كتبها الله في الحياة؟ قال: لا
فقال له إبراهيم: فعلام الهم إذن؟
ولذا قال ابن عطاء الله السكندري : إياك والهم بعد التدبير فما قام به غيرك عنك لا تنشغل به أنت.
فينبغي علي الإنسان أن لا يهتم للشيء أكثر مما ينبغي.
الحقيقة الرابعة: الأصل في الرزق أنه لا يأتي وحده ولكن يُسعي إليه :ـ
إن الله تعالي جعل من السنن الكونية ، الأخذ بالأسباب ،وطلب الرزق من عند الله سبحانه وتعالى بأسبابه المباحة قال تعالى: } إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17){ العنكبوت.
قال تعالى: }لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ۚ (198){ البقرة .
أي أن تطلبوا الرزق والفضل من الله سبحانه وتعالى، فعلى المسلم أن يجدَّ ويجتهد في طلب
الرزق ليغني نفسه عن الناس وليغني من تلزمه نفقته، وليتصدق ولينفق في وجوه الخير إذا رزقه الله مالاً فنعم المال الطيب للرجل الطيب، ووجوه طلب الرزق كثيرة والحمد لله وميسرة:
ومنها البيع والشراء والمتاجرات والمؤجرات في حدود ما شرع الله سبحانه وتعالى، فالتجارة النزيهة هي خير المكاسب، والحمد لله الأصل في المعاملات الحلَّ والإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه: قال تعالي } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ (29){ النساء.
فالتجارة هي خير المكاسب بأن يبيع الإنسان ويشتري طلباً للربح، وكذلك من وجوه الكسب المباحة أن يتعلم الإنسان المهن والحرف التي يكتسب من وراءها من الصناعة وغير ذلك من المهن التي يستفيد منها أموال مباحة، وكان نبي الله داوود عليه السلام يصنع الدروع ويبيعها ويأكل من ثمنها ولهذا جاء في الحديث:" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ".
إن أطيب ما يأكل المؤمن من كسب يده، وإن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده مع أنه نبي وملك لكنه لا يأكل إلا من كده ومن عمل يده فكذلك المؤمن يطلب الحرف والصناعات والمهارات التي يعيش من وراءها ويستغني من مردودها، فيتعلم ما يدر عليه من الرزق مما أباح الله سبحانه وتعالى، يتعلم الهندسة، يتعلم الطب، يتعلم الحدادة ،يتعلم كل ما فيه نفعٌ وفيه مردود حلال ليحصل على الرزق، وكذلك من وجوه الاكتساب الاحتراف ،والكد باليد .
ولقد قطع الإسلام كل الطرق أمام المتسول والبطال حتي لا يركن لشيئ مثل أن يركن بحجة العبادة ، أو يركن معتمدا علي مال الزكاة .
فعن أنس رضي الله عنه ( أنَّ رجلاً من الأنصار أتى النبي (ﷺ) يسأله فقال صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَا في بيتك شيء؟ قال الرَّجل: بلى، حِلْسٌ[كساء يلبس، ويفرش على الأرض، ويجلس عليه.]
نلبس بعضَه، ونبسط بعضه، وقَعْبٌ[الإناء] نشربُ فيه من الماء، قال (ﷺ) (ائتني بهما) ، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله (ﷺ) بيده، وقال: مَن يشتري هذين؟، فقال رجل: أنا آخذهما بدِرهم، قال (ﷺ) مَن يَزيد على درهم؟ مرَّتين أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدِرهمين، فأعطاهما إيَّاه وأخذ الدِّرهمين، وأعطاهما الأنصاريَّ، وقال: (اشترِ بأحدهما طعامًا، فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخرِ قَدُومًا فأتِني به).
فأتاه به، فشدَّ فيه رسولُ (ﷺ) عودًا بيده، ثم قال له: (اذهبْ فاحتطب وبِعْ، ولا أرينَّك خمسةَ عشرَ يومًا) ، فذهَبَ الرجل يحتطبُ ويبيع، فجاء وقد أصاب عَشرةَ دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول الله (ﷺ) هذا خيرٌ لك مِن أن تجيءَ المسألةُ نُكتةً في وجهك يومَ القيامة؛ إنَّ المسألة لا تصلح إلاَّ لثلاثة: لذي فَقر مُدقِع، أو لذي غُرْم مُفظِع، أو لذي دمٍ مُوجِع.
رواه أبو داود برقم ، واللفظ له، ، وابن ماجه ، والنسائي ، وأحمد .
وقال عليه الصلاة والسلام: لئن يذهب أحدكم بأحبله إلى الجبل فيحتطب ويبيع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه .
ولقد رأى الفاروقُ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قومًا قابعين في رُكن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟
قالوا: نحن المُتوَكِّلون على الله، فعَلاهم عمر رضي الله عنه بدِرَّته ونَهَرَهم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة، وإن الله يقول:}فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10){ الجمعة.
وروى ابن أبي الدنيا في "التوكل" بسنده عن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب، لقي ناسا من أهل اليمن، فقال : من أنتم؟
قالوا : نحن المتوكلون. قال : بل أنتم المتكلون، إنما « المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض، ويتوكل على الله ».
وكان سفيانُ الثوريّ رحمه الله يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: فما نصنَع؟!
قال: اطلُبوا من فضلِ الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين.
ويُروى عن" شقيق البلخي" وهو من أهل العبادة والزهد أنه ودَّع أستاذه " الشيخ إبراهيم بن أدهم" لسفره في تجارة عزم عليها.
وأثناء سيره في الطريق رأى طائراً أعمى كسير الجناح، فوقف يتأمل الطائر ويفكر كيف يجد رزقه في هذا المكان المنقطع.
فلم يمضِ وقت طويل حتى جاء طائر آخر فأطعم الطائر كسير الجناح. تعجب شقيق من هذا المشهد وأثر فيه ،فقال في نفسه: إذا كان الله تعالى يرزق هذا الطائر من غير حول منه ولا قوة ولم يهمله فلماذا أذهب إلى التجارة و لماذا العناء و السفر وأنا في هذا السن؟!
سأرجع وحتماً سيرزقني الله ، وفعلاً عاد إلى بيته ولم يكمل السفر ،وحين وصل زار شيخه فقال له الشيخ : لماذا عدت يا شقيق.. الم تذهب للتجارة ؟
فقص عليه القصة بأنه رأى في طريقه طائرا أعمى وكسيح و أخذ يفكر كيف يأكل هذا الطائر ويشرب؟
وبعد قليل جاء طائر آخر يحمل حباً وأطعم الطائر الأعمى ثم سقاه، فقلت طالما ربنا عز وجل رزق الطائر الأعمى الكسيح سأرجع إلى بيتي وسط أولادي وارجع لأهلي وبلدي وربي سيرزقني.
هنا قال له الشيخ إبراهيم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الذي ينتظر عون غيره ولا تكن أنت الطائر الآخر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمرة ذلك على من حوله ؟!
أما علمت أن النبي (ﷺ) قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى) .
إنتبه شقيق إلى خطأه فقَبل يد الشيخ وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق، ثم تركه ليذهب مجدداً لطلب الرزق.
فالمؤمنين ليسوا عالة على غيرهم تشغلهم عبادتهم عن العمل والكسب ، وليسوا طلاب دنيا وعبيد مال تحجزهم مصالحهم وتلهيهم تجارتهم عن أداء حقوق الله تعالى قال تعالي } ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك{القصص.
ودخل عبد الله بن عمر رضي الله عنه السوق ، فأقيمت الصلاة فأغلق التجار حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال : فيهم نزلت : }رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. {.النور
وقال مطرف الوراق : " كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة ".
وأيضا لم يجعل النبي (ﷺ) لمتبطل كسول حقا في الصدقات ، فيحكي أنه جاء رجلان إلى النبي (ﷺ) يسألانه من الزكاة فنظر إليهما فوجد أنهما قويان فقال عليه الصلاة والسلام: إن شئتما أعطيتكما غير أنه لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة قوي ، لا حظ فيها لغني (يعني الزكاة) ولا حظ فيها لذي مرة (يعني قوة) لذي مرة قوي لأن الأول غنيٌ بماله والثاني غنيٌ بقوته.
فقال رسول الله (ﷺ):" لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي" أخرجه أبو داود والترمذي.
فالإسلام الحنيف ليس فيه عطالة ، فالإسلام دين الجد والاجتهاد ، حيث يأمرنا بالضرب في الأرض ، قال تعالي (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ) يعني يسافرون (يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) يطلبون الرزق.
الحقيقة الخامسة: الرزق ليس مقصورا علي المال والأعراض المادية :ــ
الكثير من الناس ينظرون إلى الرزق نظرة ضيقة قاصرة فهم يتصورون أنه المال فحسب!! كلا !
فالرزق ليس هو المال فقط ، ورِزْقُ الله لعبادِهِ نوعانِ:
1- رزقٌ عامٌّ شملَ البرَّ والفاجِرَ، والأولينَ والآخرينَ؛ وهو رِزْقُ الأبدان.
2- ورزقٌ خاصٌّ؛ وهو (رِزْقُ) القلوبِ، وتغذيتُها بالعِلمِ والإيمانِ.
وقال ابن منظور في لسان العرب الرزق: هو ما تقوم به حياة كل كائن حي مادي كان أو معنوي.
فالإيمان رزق ،وحب النبي رزق ،وحب الصحابة رزق ،والعلم رزق ،والخُلقُ رزق ،والزوجة الصالحة رزق، والحب في الله رزق ، والمال رزق ، وما أنت فيه الآن رزق، وصيامك للنهار رزق ، وقيامك الليل رزق ، إلى غير ذلك......
والرّزاق بكل هذه الأرزاق هو الله سبحانه وتعالي ..
جاء رجل إلى يونس بن عبيد رحمه الله: فشكى إليه ضيقاً من حاله ومعاشه واغتمامه بذلك.
فقال: أيسرك أن تفقد بصرك بمائة ألف؟ قال: لا.
قال: فبسمعك؟ قال: لا.
قال: فبلسانك؟ قال: لا.
قال: فبعقلك؟ قال: لا.
وذكره نعم الله عليه، ثم قال يونس: أرى أن عندك مئات الآلاف وأنت تشكو الحاجة؟!.
ومن أعظم الرزق في الدنيا رزق الأخلاق، يقول النبي (ﷺ): (إن الله قسم بينكُم أخلاقكُم كما قسم بينكُم أرزاقكُم وإن الله عز وجل يعُطى الدنيا من يُحب ومن لايُحب ولا يُعطى الإيمان إلا من أحب) [صححه الألباني]
وأعظمُ رزقٍ يَرْزُقُ اللهُ به عِبادَهُ هو (الجَنَّةُ) التي أَعدَّها اللهُ لعبادِهِ الصالحين، وخلق فيها ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذنٌ سمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ.
وكلُّ رزقٍ يَعِدُ اللهُ به عبادَهُ الصالحين فِي القرآن فغالبًا ما يُراد به الجَنَّةُ كقوله تعالى:} لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4){ [سبأ].
وقوله تعالي: }وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(58){ [الحج].
وقوله سبحانه:}وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11){[الطلاق].
فهو أحسنُ الرِّزقِ وأكملُه وأفضلُه وأكرمهُ، لا ينقطعُ ولا يزولُ قال تعالي } إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54){ [ص].
الحقيقة السادسة: الرزق يبارك فيه بالطاعة ويمحق بالمعصية:ـ
الرزق يُبارك فيه بالطاعة ويُمحق بالمعصية.
الرزق يُبارك فيه بالطاعة، ويُمحق بالمعصية، فتذهب بركته وإن كان كثيرا ظاهرًا؛ لأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته؛ يقول النبي (ﷺ) ( أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم) [صححه الألباني].
وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق، فترك التقوى مجلبة للفقر، فما استجلب رزق بمثل ترك المعاصي، وقد ضرب الله الأمثال لذلك في القرآن؛ قال تعالى:}وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112){ [النحل].
فمن استعجل الرزقَ بالحرام مُنِع الحلالَ .
ذكر صاحب المستطرف وعبارته: ودخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد: أمسك عليّ بغلتي، فأخذ الرجل لجامها، ومضى وترك البغلة، فخرج علي وفي يده درهمان ليكافىء بها الرجل على إمساكه بغلته فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها ومضى، ودفع لغلامه درهمين يشتري بهما لجاما، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال علي رضي الله عنه: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له. انتهى.
لقد تساهل الكثير في الكسب وتحصيل المال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال:(يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم الحرام)؛ رواه البخاري.
فتساهلوا في الغش والخداع، وفرحوا بالرشوة والغلول وأكل مال اليتيم والسرقة، ونشطوا في بيع المحرمات والإعانة عليها ونشرها، وتسابقوا في الأعمال المحرمة،حتي رأينا الرجل يبيع ذمته ودينه بعرض من الدنيا ،ورأينا المرأة تعرض جسدها لإغراء الشباب ، كل ذلك بحجة طلب الرزق، وكأن الرزق لا يكون إلا بطريق الحرام، وضعف يقينهم في أن الرزق من الله، وأنه لن يبارك في مال ورزق جاء من الحرام.
ومن ظنّ أن الرزق يأتي بحيلةٍ فقد كذّبته نفسه وهو آثم
قال رسول الله (ﷺ) مبينًا قاعدة عظيمة من قواعد الكسب وطلب الرزق: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): " مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ " رواه الترمذي .
الحقيقة السابعة: من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه :ـ
من ترك المال الحرام من أجل الله تعالي عوضه الله خيرا منه ، قال: رسول الله (ﷺ) : (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ إلاَّ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ))[ مسند الإمام أحمد].
ذكر الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي البزاز المتوفى في سنة (535 هـ):
((قال الشيخ الصالح أبو القاسم الخزاز البغدادي: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول: كنت مجاورا بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوما من الأيام جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشُرّابة من إبريسم أيضا (الإبْرَيْسَم : أحسن الحرير)، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله.
فخرجت فإذا بشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمس مئة دينار وهو يقول: هذا لمن يردّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأردّ عليه الكيس.
فقلت له: تعال إليّ فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرّابة، وعلامة اللؤلؤ وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه، فسلّم إليّ خمس مئة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب علي أن أعيده إليك، ولا آخذ له جزاء، فقال لي: لا بدّ أن تأخذ وألحّ عليّ كثيرا، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى.
وأما ما كان مني، فإني خرجت من مكة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليّ وقال: علمني القرآن، فحصل لي من أولائك القوم الشيء الكثير من المال.
ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها، فقالوا لي: تحسن تكتب؟ فقلت: نعم. فقالوا: علمنا الخط، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا: لابدّ وألزموني فأجبتهم إلى ذلك.
فلما زفوها إليّ مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه، فقالوا: يا شيخ! كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد، فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت: ما بكم؟
فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: ما وجدت في الدنيا مسلما
[المراد أمينا وعفيفا يعرف أحكام اللقطة] إلا هذا الذي ردّ عليّ هذا العقد، وكان يدعو ويقول: اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي، والآن قد حصلتْ، فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين، ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي، فبعته بمئة ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال)).
الحقيقة الثامنة : المالك الحقيقي للمال هو الله تعالي ونحن مستخلفون فيه :ـ
المالك الحقيقي للمال والأرض هو الله تعالي ،والإنسان ما هو إلا مستخلف فيه ،لذلك ينبغي علي الإنسان أن يحسن استخدامه وتوظيفه فلا يتصرف وفق رغبات وشهواتها فيسرف في الإنفاق ليرضي متطلبات نفسه ونزواتها ويبخل بالمال حرصا عليه عندما تستلزمه الضرورات التي ليس لمفسه إليها حاجة أو حظ ونسي أن هذا المال ليس ماله وأنه فقط مستخلف فيه وأن المستخلف في شيئ ملزم التصرف فيه وفق ضوابط وأوامر من استخلفه ولا يجوز له أن يجتهد خارج هذه الأوامر والضوابط وإلا أصبح خائنا للأمانه فيقع تحت طائلة الآية الكريمة } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28){ الأنفال .
فيؤكد المولي عز وجل هذه الحقيقة بكلمات واضحة مباشرة فيقول سبحانه وتعالي}آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7){الحديد
ويقول تعالي }وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ(33){ النور.
ومن هنا جاءت النصوص توضح المنهج الوسط في التعامل مع المال بما يحقق الاستخلاف ويؤدي إلي مرضاة الله تعالي وفي نفس الوقت تحذر من الخروج علي هذا المنهج فيقول تعالي مبيحاَ لعباده الزينة والطيبات من الرزق ولكن في غير سرف ولا تقتير } يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32){ الأعراف.
ويقول تعالي }وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29){ الإسراء.
ويقول تعالي أيضا : }وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا(67){ الفرقان .
ويقول تعالي في معرض أداء الحقوق } وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27){ الإسراء.
والتبذير هو الإنفاق في غير المشروع ،أما الإسراف فهو الإنفاق في المشروع ولكن بزياة كبيرة عن الحد المعقول وكلاهما حرام .
وَقَالَ النَّبِى (ﷺ): (كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَالْبَسُوا، وَتَصَدَّقُوا فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلا مَخِيلَةٍ) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ.
ورغم ذلك نجد البعض من أصحاب الثراء الفاحش ينفقون المال علي موائد القمار وعلي حفلات المُجون والرقص ، وهناك من المسلمين من يكاد يموت جوعا أو مرضا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وفي هؤلاء وأمثالهم يقول النبي (ﷺ) فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله (ﷺ):(إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق ،فلهم النار يوم القيامة ( . رواه البخاري .
وليعلم المسلم أيضا أن نعم الله عز وجل لا يمتلكها أحد ، وإنما هي بمثابة الجوار، ليتمتع بها بما يرض الله عز وجل ، فإذا أحسن الإنسان جوار النعم لازمته، وبارك الله له فيها ، وإذا أساء جوارها فارقته ،وأثم إثما كبيرا .
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول دخلَ عليَّ رسولُ اللهِ (ﷺ) فَرأى كِسْرَةً مُلْقَاةً فَمَشَى إليها فأخذَها ثُمَّ مسحَها فَأكلَها ثُمَّ قال لي يا عائشةُ أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ تَعالَى فإنَّها قَلَّ ما نَفَرَتْ من أهلِ بَيْتٍ فَكَادَتْ أنْ تَرْجِعَ إليهِمْ"[أخرجه ابن ماجه ، وابن أبي الدنيا في الشكر والطبراني في المعجم الأوسط].
ويقول الله تعالي}وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7){إبراهيم
ولابد أن نعلم أنَّ صلاح الأمة بالتزام هذه التعاليم وهلاكها في انحرافها عن هذه التعاليم
فعن عبد الله بن عمرو في الحديث المرفوع }صَلاحُ أَوَّلِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالزُّهْدِ وَالْيَقِينِ ، وَيَهْلِكُ آخِرُهَا بِالْبُخْلِ وَالأَمَلِ { .رواه الطبراني في الأوسط.
ومن أهم الأشياء التي يوقن بها المسلم أن كل هذه النعم لا تصحبه في رحلته إلي الدار الآخرة ، وهي أهم رحلة لأنه من خلالها يتحدد مصير الإنسان إما نعيم مقيم ، وإما عذاب أليم ، وقدأخبرالنبي (ﷺ) بذلك فعن أنس رضي الله عنه عن رسولِ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ: يتْبعُ الميْتَ ثلاثَةٌ: أهلُهُ ومالُه وعمَلُه، فيرْجِع اثنانِ ويبْقَى واحِدٌ: يرجعُ أهلُهُ ومالُهُ، ويبقَى عملُهُ" متفقٌ عَلَيهِ. الحقيقة التاسعة : كثرة المال أو قلته ليس دليلا علي رضا الله تعالي أو سخطه :ـ
كثرة الرزق لا تدل على محبة الله، ولا قلته دليل علي سخطه تعالي.
فالله سبحانه يرزق الجميع، ولكنه قد يزيد أهل الضلال والجهل في الرزق، ويوسع عليهم في الدنيا، وقد يقتر على أهل الإيمان، فلا يظن أن العطاء والزيادة دليل المحبة والاصطفاء!.
بل إنه بين أنه لولا أن يكفر الناس جميعًا لأراهم الله تعالى عطاياه لأهل الكفر، فقال جل ذكره:
قال تعالي }وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ(33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا ۚ وَإِنْ كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) }[الزخرف].
وقال الله تعالي: }أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ (56){ [المؤمنون].
وقال تعالى: }قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَداًّ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ سَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75){ [مريم].
وقد حكى لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حال النبي (ﷺ) ، وقد دخل عليه في غرفته، وهو على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قَرَظًا مصبوبًا، وعند رأسه أهب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال (ﷺ) : " ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"؟
والله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب. ولا يعطي الإيمان إلا من يحب.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولا تظن أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه، ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه، ولكن عطاءه ومنعه ابتلاء وامتحان، يمتحن بهما عباده، قال الله تعالى:}فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16){ [الفجر].
كلا أي ليس كل من أعطيته ونعمته، وخولته فقد أكرمته، وما ذاك لكرامته علي، ولكنه ابتلاء وامتحان له أيشكرني، فأعطيه فوق ذلك، أم يكفرني فأسلبه إياه، وأخول فيه غيره.
وليس كل من ابتليته، فضيقت عليه رزقه، وجعلته بقدر لا يفضل عنه، فذلك من هوانه، ولكنه ابتلاء وامتحان مني له أيصبر، فأعطيه أضعاف أضعاف ما فاته من سعة الرزق، أم يتسخط فيكون حظه السخط، فرد الله سبحانه على من ظن أن سعة الرزق إكرام، وأن الفقر إهانة، فقال: "لم أبتل عبدي بالغنى لكرامته علي، ولم أبتله بالفقر لهوانه علي"
فأخبر أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال وسعة الرزق وتقديره، فإنه سبحانه يوسع على الكافر لا لكرامته، ويقتر على المؤمن لا لإهانته، إنما يكرم من يكرمه بمعرفته ومحبته وطاعته، ويهين من يهينه بالإعراض عنه ومعصيته، فله الحمد على هذا، وعلى هذا، وهو الغني الحميد". انتهى.
وقد بين المولي تبارك وتعالي أن ما يعطي للكفار والعصاة علي كفرهم إنما هو علي سبيل الإملاء والإستدراج فقال تعالي { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(178)}آل عمران.
فهو إذن ليس رضا ولكن إملاء واستدرج وغمسا في الإثم فقال تعالي { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)}الأنعام
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج» ، ثم تلا رسول الله (ﷺ) قول الله تعالي:{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)} الأنعام.
فالأمر كله ابتلاء واختبار للناس فيقول الله تعالي { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} الكهف.
الحقيقة العاشرة : السعي علي الرزق وطلب المال لا يتعارض مع أداء الواجبات ـ
في خضم السعي علي الرزق وطلب المال يجب أن لا ينسي الإنسان واجباته المطلوبه منه وهي،
واجبه نحو ربه من أداء الفرائض والنوافل، وواجبه نحو نفسه بالترقي بها في جميع جوانب الحياة ، وواجبه نحو أهله وكل من يعول بالنفقة والرعاية والتربية علي منهج الإسلام، وواجبه نحو دينه ووطنه.
وقد بين الله تعالي في كتابه الكريم أن الغاية الأولي من وجوده في هذا الكون وهي العبادة وعمارة الكون وتحقيق الخلافة في الأرض ، فتبارك الذي أتقَنَ كلَّ شيءٍ في مُلكِهِ، وجعل رِزْقَ الخلائقِ عليه، ضَمِنَ رزقَهُم وسيؤدِّيه لهم كما وَعَدَ، وكل ذلك ليركنوا إليه ويعبدوه وحدَه لا شريكَ له.
قال تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58){ الذاريات .
ولقد أمر نبيه صلي الله عليه وسلم قال الله عز وجل:}وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132){( طه){.
تكّفل الله تعالي لنا بالرزق وأمرنا أن نسعى للدار الآخرة، فقال تعالي}وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهَىٰ (42) { (النجم)
وربما يتعذر الإنسان بالعمل من أجل لقمة العيش ويقصر في عبادته بحجة البحث عن الرزق ويعطي لنفسه المبررات لذلك وقد نهي الإسلام الحنيف عن ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال:( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ! تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى ، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً ، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ ) رواه الترمذي
وقد ورد في الحديث القدسي : (عبدي خلقتك لعبادتي فلا تلعب وقسمت لك رزقك فلا تتعب ، إن قل فلا تحزن ،وإن كثر فلا تفرح، إن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت بدنك وعقلك وكنت عندي محمودا ، وإن لم ترضي بما قسمته لك أتعبت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموما ، وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في الفلاة ثم لا يصيبك منها إلا ما كتبته لك ) .
نري البعض بذل كل مجهوداته فيما ضمن له ، أمَّا ما كلفوا به نراهم يقصرون فيه وهذا من الخلل في العقيدة .
إذاً أَقبِلوا على ما كُلِّفتم ودعوا ما ضُمِن لكم، فمما رُوي عن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام
أنه كان يَقول لأتباعه : " لا تغتمُّوا لبطونكم ".
ويقول ابن عطاء رحمه الله تعالي :(اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس بصيرتك).
العنصر الرابع : الأسباب التي تستجلب الرزق:ـ
1ـ الإيمان والتقوي :ـ
التقوي هي تجنب المحارم خشية من الله تعالي وخشية من النار ،قال تعالى: } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3){ [الطلاق].
وفي هذا بيانُ أنَّ الذي قَدَّره من الرزق على العمومِ والإجمالِ سيتولَّاه في الخلقِ على مَدَارِ الوقتِ والتفصيلِ فهو سبحانه الرَّزَّاقُ الخلَّاقُ القَديرُ المقتَدر.
وقال تعالى}وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96){ [الأعراف]
2ـ الاستقامة علي منهج الله تعالي :ـ
الاستقامة هي مردود الإيمان والتقوي ،فالذي آمن واتقي من شأنه أن يستقيم ومع الإستقامة يكون الخير ، قال تعالي } وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16){ الجن.
ويقول تعالي } وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66){ المائدة .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): " حَدٌّ يُقَامُ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا " رواه النسائي .
3ـ الاستغفار والتوبة :ـ
قال تعالي{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (12)} [نوح]
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): ( مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) رواه أبو داود وابن ماجه ، وأحمد في "المسند" ، والطبراني في "المعجم الأوسط" ، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وغيرهم .
ذكر الإمام القرطبي رحمه الله:أن رجلاً جاء إلى التابعي الجليل الحسن البصري يشكو إليه الجدب والقحط فأجابه قائلاً يا هذا: "استغفر الله "، ثم جاءه رجلُ آخر يشكو الحاجة والفقر فقال له يا هذا: "استغفر الله"، ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد فقال له:" استغفر الله"، فعجب القوم من إجابته...وقالوا: لقد أتاك رجال يشكون أنواعاً من البلاء فأمرتهم كلهم بالاستغفار.. كيف ذلك. فقال لهم وهو يرشدهم إلى الفقه الإيماني والفهم القرآني والهدي النبوي..
ألم تقرؤوا قول الله تعالى: } فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14){ ﴾ [نوح]
4ـ التبكير في طلب الرزق :ـ
يقول النبي(ﷺ) : (اللهم بارك لأمتى في بكورها) [صحيح]
ووقت البكور هو وقت ما بعد الفجر.
5ـ اجتناب المعاصي :ـ
إن للمعاصي نذير شؤم علي الفرد والمجتمع فبسببها يُحرم الرزق وينحول الأمة من أمن إلي خوف ومن عافية إلي مرض ، ومن رغد إلي جوع، فقال الله سبحانه وتعالي: }ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41){ [الروم].
وفي المسند: قال رسول الله (ﷺ) "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"،
فالمعصية تؤدي إلي ضنك العيش فى الدنيا والعمى والحسرة يوم القيامة: قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)}(طه).
وقال سبحانه وتعالي :}إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلاَ يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20){ [القلم].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ):{يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم} (رواه ابن ماجه وهو صحيح. السلسلة الصحيحة).
مازالت نعمة إلا بذنب ، ولا حلت نقمة إلا بذنب كما قال علي رضي الله عنه ( ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة )
ورحم الله القائل :ـ
إذا كنت فى نعمة فأرعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم
و سافر بقلبك بين الورى لتبصر أثار من قد ظلم.
كانت عادة النساء في السلف، كان الرجل إذا خرج من منزله تقول له امرأته أو ابنته:إياك وكسب الحرام، فإنا نصبر على الجوع والضر ولا نصبر على النار.
6ـ صدق التوكل علي الله تعالي :
قال تعالي{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)}[الطلاق]
قال الشافعي رحمه الله:
توكلتُ فِي رزقي على الله خالقـي وأيقنتُ أن الله لا شـك رازقـي
ومـا يكُ من رزقـي فليس يفوتني ولو كان في قاع البحـار العوامق
سيـأتي بـه الله العظيـم بفضلـه ولو لم يكن مني اللسـانُ بنـاطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة وقد قسم الرحمـن رزق الخلائق؟
عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً"،رواه الترمذي،وقال:
حديث حسن.
ألا ما أحوجنا إلى صدق التوكل على الله والرضا بما قسم وقدر!
7ـ المتابعة بين الحج والعمرة :ـ
المتابعة بين الحج والعمرة ، فإنها سبب للرزق ،فعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله (ﷺ) تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة " رواه الترمذي.
8ـ الإنفاق في سبيل الله :ـ
أنفق يُنفق عليك. قال تعالى: }وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(39){ [سبأ]
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ (ﷺ) عَلَى بِلَالٍ وَعِنْدَهُ صُبْرَةٌ مِنْ تَمْرٍ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا بِلَالُ؟
" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادَّخَرْتُهُ لَكَ وَلِضِيفَانِكَ. فَقَالَ:أَمَا تَخْشَى أَنْ يَفُورَ لَهُ بُخَارٌ فِي جَهَنَّمَ؟
أَنْفِقْ بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا"
[رواه الطبراني وأحمد والبيهقي والبزار والحديث صححه الألباني].
وكذلك الإنفاق على من تفرغ لطلب العلم الشرعي: النفقة على طلبة العلم سبب للرزق،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ (ﷺ) ،فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ (ﷺ) ، فَقَالَ: ((لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ)) [ الترمذي ]
9ـ صلة الرحم:ـ
صلة الرحم سببٌ لسعة الرزق ،لك أقارب، لك أخوات، لك بنات، لك عمات، لك خالات في
أي مكان، أنت حينما تصلهم، وتعطيهم، وتأخذ بيدهم، وتتولى شئونهم، وترعاهم ،وتهديهم إلى الله عز وجل يزداد رزقك
فعن أَنَس بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)).[ البخاري ، مسلم ، أبو داود ، أحمد ]
10ـ إكرام الضعفاء والإحسان إليهم:ـ
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ (ﷺ): «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» (رواه البخاري)،
11ـ الهجرة في سبيل الله :ـ
يترك مكان الضيق إلى غيره ما فيه سعة في الرزق ولكن بضوابط الهجرة، وليس كما يحدث الآن بأن يهاجر أحدهم بالسنوات تاركا زوجته وأولاده بحجة تأمين المستقبل. مما يفتح أبواب الابتلاءات والفتن والفواحش على الزوجات.
قال الله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (100)} [النساء]
12ـ الدعاء باسم الله الرزاق
كان من دعائه (ﷺ) (أن كان يقول اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ) [رواه مسلم] .
أعطهم قدر احتياجهم لا توسع عليهم فيطغوا ولا تقدر عليهم فيضيق عليهم فيجزعوا وإنما أعطهم ما يكفيهم وقنعهم بذلك.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من البخل والفقر، وعذاب القبر).
وعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ، وَأَنْ تَظْلِمَ، أَوْ تُظْلَمَ). [النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
وكان النبي (ﷺ) يعلم أصحابه هذا الدعاء، فكان الرجل إذا أسلم علمه النبي (ﷺ) الصلاة.
ثم أمره أن يدعو بهذه الكلمات (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني.) [رواه مسلم]

العنصر الخامس : أثر الإيمان باسم الله الرزاق :ـ
أولا : اليقين بالله تعالي:
فمعايشة اسم الله تعالي الرزاق يغرس في نفس المؤمن اليقين والإطمئنان بأن الله هو المتفرد بالرزق وحده لا شريك له، قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(24)} [سبأ].
فمما رُوي أنه جاء رجل إلى الإمام الحسن البصري رحمه الله وسأله: ما سر زهدك في الدنيا ياإمام؟ فقال أربعة أشياء:
علمتُ أن رزقي لايأخذه غيري فاطمأن قلبي.
وعلمتُ أن عملي لايقوم به غيري فاشتغلت به وحدي.
وعلمتُ أن الله مطلع عليّ فاستحييت أن يراني على معصية.
وعلمتُ أن الموت ينتظرني فاعددت الزاد للقاء ربي.
ويحكي أيضا أنه ..جلس رجلان قد ذهب بصرهما على طريق أم جعفر زبيدة العباسية لمعرفتهما بكرمها.
فكان أحدهما يقول: اللهم ارزقني من فضلك..
وكان الآخر يقول: اللهم ارزقني من فضل أم جعفر.
وكانت أم جعفر تعلم ذلك منهما وتسمع، فكانت ترسل لمن طلب فضل الله درهمين، ولمن طلب فضلها دجاجة مشوية في جوفها عشرة دنانير.
وكان صاحب الدجاجة يبيع دجاجته لصاحب الدرهمين، بدرهمين كل يوم، وهو لا يعلم ما في جوفها من دنانير.
وأقام على ذلك عشرة أيام متوالية، ثم أقبلت أم جعفر عليهما، وقالت لطالب فضلها: أما أغناك فضلنا؟
قال: وما هو؟
قالت مائة دينار في عشرة أيام.
قال: لا، بل دجاجة كنت أبيعها لصاحبي بدرهمين.
فقالت: هذا طلب من فضلنا فحرمه الله، وذاك طلب من فضل الله فأعطاه الله وأغناه.
وجاء رجل إلى حاتم الأصم، فقال من أين تأكل، فقال من خزائنه فقال الرجل أيلقي الله عليك الخبز من السماء، فما هذا الكلام؟
قال: " لو لم تكن الأرض له لألقى علي من السماء الخبز، يرزقني من الأرض " .
ثانيا : الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس:ـ
إذا علمت أن الله وحده هو الرزَّاق تفرده بالقصد ولا تسأل أحداً سواه، تكسب العزة والكرامة والطمأنينة والحظوة عند الله عز وجل.
قيل لإنسان آخر من أين تأكل قيل من خزائن مَلِكِ لا تدخلها اللصوص ولا يأكلها السوس، خزائن الله عز وجل مفتوحة وخزائنه مملوءة وخزائنه فيها كل شيء، حيث يقول الله تعالى:}وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21){ ( الحجر).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: " ( يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ) رواه مسلم.
قال ابن رجب: المراد كمال قدرة الله وكمال ملكه، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء، وإن في هذا لحثًا على إنزال الحوائج بالله وسؤاله إياها.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ : " يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَدِهِ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ " الصحيحين.

وصدق القائل
وكيف أخاف الفقر والله رازقي **** ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفّل بالأرزاق للخلـق كلهم **** وللضب في البيداء والحوت في البحر

لذلك كان حال السلف الثقة الدائمة فيما عند الله تعالي واليأس فيما عند الناس ،
حكوا أنَّ رجلاً من السَّلف همَّ بالسفر، فكره جيرانه سفره، فقالوا لزوجته لِمَ ترضين بسفره ولم يدع لك نفقة؟
فقالت: زوجي منذ عرفته عرفته أَكالاً وما عرفته رزاقاً، ولي رب رزاق، يذهب الأكال ويبقى الرزاق.
فمن الأخطاء الشائعة أن" يُقال فلان مُعيل" (أي عنده عائلة كبيرة)، والصواب فلان مُعال وليس مُعيل،[المُعيل هو الله عز وجل، والناس كلهم على مائدة الرحمن].
لقد كان إيمان السلف بأن الله هو الرزاق عظيمًا، فلم يلتفتوا لأحد سوى الله في أرزاقهم، وكانوا بما في يد الله أوثق مما في أيديهم.
ولذا قال الحسن: "إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عز وجل"، وروي عن ابن مسعود قال: (إن أرجى ما أكون للرزق إذا قالوا: ليس في البيت دقيق)،
وقال الإمام أحمد: "أسرّ أيامي إليّ يوم أُصبح وليس عندي شيء".
وقيل لأبي حازم الزاهد: ما مالُك؟
قال: لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس.
وقيل: أما تخاف الفقر؟!
فقال: أخاف الفقر ومولاي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟!
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: "من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خلقه، وأعقبه الحلم، وسختْ نفسه، وقلّت وساوسه في صلاته".
ثالثا : العزة والتعفف عما في أيدي الناس :ــ
الإيمان باسم الله الرزاق يورث العبد عزة وعفة ومهابة ، وذلك امتثالا لهدي النبي(ﷺ) فعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال : «.. ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله» ( أخرجه الشيخان ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي) .
قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بم سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم.
وما أحسن قول بعض السلف في وصف الدنيا:
وما هي إلا جيفة مستحيلة *** عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها *** وإن تجتذبها نازعتك كلابها
قال عطاء: جاءني طاووس رحمه الله فقال لي: "يا عطاء إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، وجعل دونك حجابًا. وعليك بطلب حوائجك إلى من بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة، طلب منك أن تدعوه ووعدك الإجابة". (تهذيب حلية الأولياء)
دخل سليمان بن عبد الملك إلى بيت الله الحرام وفيه علم من أعلام المسلمين وإمام من أئمة الدين عطاء بن أبي رباح رحمه الله برحمته الواسعة، هذا الإمام الذي كان ينادي المنادي في الحج ويقول: لا يفتي الناس إلا عطاء لعلمه وفضله، كان عطاء في ذلك المسجد يومها فأخذه سليمان وطاف معه، ثم قال: يا عطاء ! سلني حاجتك؟ ما هي حاجتك؟
قال: يا أمير المؤمنين! إني لأستحي أن أسأل أحداً في بيت الله جل جلاله إني لأستحي أي من الله ، فلما خرجا من المسجد قال: يا عطاء ! سلني حاجتك؟
قال: يا أمير المؤمنين! أن يغفر الله ذنبي، قال: ليس ذلك بيدي، قال: ماذا تريد أن أسألك؟
قال: سلني حاجتك من الدنيا، قال: يا أمير المؤمنين! إني لم أسألها من يملكها أفأسألها من لا يملكها! فلما أصَّر عليه، قال أطلب منك الجنة، قال هذه ليست لي، قال إذاً ليس لي عندك حاجة.
هذا العِزّ عزة التعفف، فما أجمل أن يعطي الغني الفقير، والأجمل من ذلك أن يتعفف الفقير عن مال الغني وأن يقول الحمد لله.
قال بعض العلماء: " كما أن الله لا شريك له في خلقه، لا شريك له في رزقه، كما أنه لا إله إلا الله، أيضاً لا رازق إلا الله.
رابعا: عدم الشكوي لغير الله تعالي :ـ
الإيمان باسم الله الرزاق يجعل الإنسان دائما لا يلتفت إلي مخلوق ولا يشكو له حاله ، وإنما علمه بالله تعالي يجعله دائما يرفع شكواه وحاله إلي الله تعالي ، لأن الأصل أن الشكوى إلى المخلوق تنافي كمال الصبر؛ لأن فيها رجاء للمخلوق، وقد يكون فيها شيء من التسخط من قدر الله، فالمشروع للعبد أن يجعل شكواه إلى الله وحده.
قال ابن تيمية: والصبر الجميل صبر بلا شكوى قال يعقوب عليه الصلاة والسلام "إنما أشكو بثي وحزني الى الله "مع قوله" فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون".
فالشكوى الى الله لا تنافي الصبر الجميل، فكان من دعاء النبي (ﷺ) " اللهم اليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي الله إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك أو يحل علي غضبك لك العتبى حتى ترضى".
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في صلاة الفجر "إنما أشكو بثي وحزني الى الله" ويبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف، بخلاف الشكوى إلى المخلوق.
والعبد مأمور أن يسأل ربه دون خلقه، كما قال تعالى فإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب، وقال (ﷺ) لابن عباس: "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله". (الفتاوى) .
وقال ابن الجوزي: وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الشَّكْوَى إِلَى الْخَلْقِ، وَالشَّكْوَى وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَاحَةٌ إِلا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ وَذُلٍّ وَالصَّبْرُ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةٍ وَعِزٍّ. اهـ.
يُحكى عن حماد بن مسلمة أنه قال، كان في جواري امرأة أرملة لها أيتام، وكانت ليلة ذات مطر، فسمعت صوتها، تقول يا رفيق أُرفق بحالي، قال فخطر ببالي أنها أصابتها فاقة، فصبرتُ حتى احتبس المطر، فحملتُ معي عشرة دنانير، وقرعت عليها الباب، فقالت: حماد بن مسلمة؟
" يبدو أنه معروف بالصلاح " فقلت نعم حماد، كيف الحال، فقلت في خير وعافية، احتبس المطر ودفئ الصبيان، فقال خذي هذه الدنانير وأصلحي بها بعضَ شأنك..
عندها فتاةٌ صغيرة، صاحت هذه الفتاةُ، لا نريد يا حماد أن تكون بيننا وبين الله، ثم قالت لأمها لما رفعت صوتك بإظهار السر علمت أن الله يؤدبنا بإظهار الرفق على يد مخلوق.
الخاتمة :
إذا علم المسلم هذه الحقائق الإيمانية لقضية الرزق ، وعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين أفرده بالسؤال والقصد، فلا ينتظر العبد الرزق إلا منه، ولا يتوكل فيه إلا عليه، وإذا علم أن الله وحده هو الرزاق أفرده بالدعاء وسؤال الرزق، ولا يسأل أحدًا سواه، وحينها يكتسب العزة والكرامة والطمأنينة.
فاللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، واجعل أوسع أرزاقنا عند ضعفنا وكبر سننا، اللهم لا تحوجنا إلا إليك، ولا تذلنا إلا بين يديك، وصب علينا الرزق صبًّا، ولا تجعل معيشتنا كدًّا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، اللهم ارزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، آمين.. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.ِ

=========================
...المزيد

‏ ما الفرق بين (ارجعي) و ( اذهبي ).؟ لماذا يذكر القرآن الكريم للنفس المؤمنة حين موتها ( ارجعي) ...

‏ ما الفرق بين (ارجعي) و ( اذهبي ).؟

لماذا يذكر القرآن الكريم للنفس المؤمنة حين موتها ( ارجعي) إلى ربك وليس (اذهبي) ؟
ماهو الفرق بين الذهاب والرجوع..؟
تقول: (ذهبت إلى السوق... ورجعت إلى البيت...وليس العكس).
الذهاب يكون من المكان الاصل إلى مكان مؤقت.‏
والرجوع يكون من مكان مؤقت إلى المكان الأصل.
سيدنا سليمان عليه السلام أرسل الهدهد إلى قوم بلقيس وقال له ( اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم).
وعندما جاءه رسول بلقيس قال له( ارجع إليهم).
لذلك فإن ربنا سبحانه يقول لنفس المؤمن عند موتها ( ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) .
وليس: اذهبي إلى ربك... لأن الدنيا بالنسبة للمؤمن مكان مؤقت .وكذلك (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) ولم يقل تذهبون فيه إلى الله . فعنده سبحانه المقر والمستقر..
وكل ماسواه فناء وزوال .
💝💝💝💝🌹🌹🌷🌷
...المزيد

اختيار الله لك خيرٌ من اختيارك لنفسك: وهذا يريح العبد من تشتت الذهن في ألوان الاختيارات، ويفرِّغ ...

اختيار الله لك خيرٌ من اختيارك لنفسك:
وهذا يريح العبد من تشتت الذهن في ألوان الاختيارات، ويفرِّغ قلبك من عناء التدبير، ويضمن راحة البال، فقد وكَّلت أمرك إلى (الحكيم).
قال سفيان الثوري: «منعه عطاء، وذلك أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما نظر في خير العبد فمنعه اختيارًا وحسن نظر».
💗❤💝🌹🌹🌹
...المزيد

من السنن الإلهية …❤ وإن جندنا لهم الغالبون ================ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول ...

من السنن الإلهية …❤
وإن جندنا لهم الغالبون
================
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
سنّة الله في نصر المؤمنين لا تتخلف : إن سنّة الله تعالى في نصر المؤمنين لا تتخلف أبداً لأنها إخبار من الله تعالى والله أصدق القائلين .

وأذكر فيما يلي بعض النصوص من القرآن الكريم الدّلة على ذلك .
أ ـ قال تعالى : (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً {22} سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)الفتح .
قال القرطبي في قوله تعالى : (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ) يعني طريقة الله وعادته السالفة نصر أوليائه على أعدائه .
وقال ابن كثير في تفسيرها : أي هذه سنّة الله تعالى وعادته في خلقه : ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلا نصر الله الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل كما فعل الله تعالى يوم بدر.

ب ـ قال تعالى : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)) الأنعام.
وجاء في تفسيرها : (وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ) أي التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين كما قال تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) .

ج ـ قال تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) .
وجاء في تفسير الزمخشري في هذه الآيات : الكلمة : قوله تعالى : (إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) والمراد الوعد بعلوهم على عدوهم في مقام الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في الآخرة .

د ـ قال تعالى:(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21))المجادلة.
وجاء في تفسيرها : أي قد حكم الله وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يُمانع ولا يُبدل بأن النصر له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة.

هـ ـ وقال تعالي{إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَـقُومُ الأَشْهَادُ (51)}[ غافر] .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :(وهذه سنّة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقرّ أعينهم ممن آذاهم .
وقال السدّي لم يبعث الله عز وجل رسولاً قط إلى قوم فيقتلونه ، أو قوماً من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلونهم فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا .
قال السدي : فكانت الأنبياء والمؤمنين يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها ) .
ومعنى ذلك أن المؤمنين وهم أهل الحق هم المنصورون وإن قتلهم أهل الباطل وانتصروا عليهم في الظاهر إلا أن العاقبة والغلبة للمؤمنين ولو بعد حين ، حيث يأتي من يعاقب المبطلين ويقتلهم جزاء ما فعلوه بأهل الحق ، وهذا علامة على اندحار أهل الباطل وغلبة أهل الحق عليهم .

و ـ ولقد وعد الله بالتمكين والنصر لعباده المؤمنين فقال تعالي{وَكَانَ حَقاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ(47)}[سورة الروم.
وجاء في تفسيرها : فيها مزيد تشريف وتكرمة للمؤمنين حيث جعلوا مستحقين على الله تعالى أن ينصرهم ، وإشعار بأن الانتقام لأجلهم .

وظاهر الآية أن هذا النصر في الدنيا وأنه عام لجميع المؤمنين فيشمل من بعد الرسل من الأمة .
ولقد حكي الله تعالي ما حدث في بدر رغم عدم التكافؤ بين الفريقين ومع ذلك كان النصر حليف الفئة المؤمنة ذات العدة والعدد القليل ، فقال سبحانه وتعالي : {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)} (آل عمران).


يقول الإمام الحافظ ابن كثير: إن في ذلك لَمُعْتَبَرًا لمن له بصيرة وفَهْم، يهتدي به إلى حكم الله وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.
وفي قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون خير مثال على انتصار الحق في النهاية, رغم مظاهر انتصار الباطل في البداية, قال تعالى: { فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ (122)} الأعراف.
وقال تعالي{…وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَـلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً(141)}[ النساء] .

وقد وعد الله تعالي بأن لا يخلي الأرض من عباده المجاهدين المتمسكين بالحق, إن ذهب جيل قيض الله جيلا آخريدافع عن الحق كما قال النبي صلي الله عليه وسلم (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ذَلِكَ) رواه مسلم . وأخبر بأنها منصورة بأمره ،
كما قال صلى الله عليه وسلم : [ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ] (رواه الترمذي,وابن ماجه, وأحمد)
...المزيد

أولادنا أولًا

لما كانت التربية من أخطر الأمور التي تواجه المسلم لما يترتب علي ذلك من إصلاح المجتمع أو إفساده تناول الكاتب موضوع تربية الأولاد في هذا البحث من خلال ثلاث مباحث. ... المزيد

الفارض المبدع شرح مواريث الروض المربع

الحاجة الماسة لعلم الفرائض بربط كلام المتقدمين بأسلوب يفهمه المعاصرون ... المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً