• ربطُ العلماء لأحاديث المهدي مع غيرها من أخبار الساعة وبالإضافة لذلك، نجد علماء آخرين يحكمون ...

• ربطُ العلماء لأحاديث المهدي مع غيرها من أخبار الساعة

وبالإضافة لذلك، نجد علماء آخرين يحكمون على بعض الأخبار الواردة في الصحيحين أنها تشير أيضا إلى ما يتعلق بقصة خروج المهدي، كما في حديث (يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم) [متفق عليه]، إذ يقول الإمام ابن حبان -رحمه الله- في تبويبه لأحد أحاديث المهدي: "ذكر الخبر المصرح بأن القوم الذين يخسف بهم، إنما هم القاصدون إلى المهدي في زوال الأمر عنه".

وأورد الإمام البغوي -رحمه الله- الحديث الذي رواه مسلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا، لا يعده عددا) في (باب المهدي) من كتابه (شرح السنة) إشارة إلى رأيه أن الخليفة المقصود في هذا الحديث هو المهدي المذكور في الأخبار.

وعن حديث (يتقارب الزمان) [متفق عليه]، قال الخطابي -رحمه الله- بأن ذلك يكون: "زمان خروج المهدي، ووقوع الأمنة في الأرض بما يبسطه من العدل فيها، فيُستلذ العيش عند ذلك، وتُستقصر مدته" [شرح السنة للبغوي].

وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله- بعدما ذكر حديث (لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا) [رواه مسلم]: "والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره" [تفسير ابن كثير].

كما ربط العلماء قصة المهدي بقصة نزول عيسى ابن مريم، التي هي في الصحيحين، وجزم بعض الأئمة بأن المهدي سيكون معه -عليه السلام- في قتاله للدجال، وبهذا قال الإمام البربهاري، رحمه الله: "وبنزول عيسى ابن مريم، ينزل فيقتل الدجال، ويتزوج، ويصلي خلف القائم من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، ويموت، ويدفنه المسلمون" [شرح السنة]، وبذلك قال أيضا الإمام أبو الحسين الآبري، رحمه الله: "وأنه يخرج مع عيسى ابن مريم، ويساعده في قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة، وعيسى يصلي خلفه، في طول من قصته وأمره" [مناقب الإمام الشافعي].

ورأى علماء آخرون أن خروج المهدي يكون قبل نزول عيسى ابن مريم، عليه السلام، كما في قول ابن كثير، رحمه الله: "وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث" [البداية والنهاية].


• ردهم على من زعم أن المهدي هو عيسى ابن مريم

وردَّ العلماء على من أنكر خروج المهدي، معتمدا على حديث (ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم) [رواه ابن ماجه]، فأنكر بعضهم هذا الحديث، وتأوله آخرون بما يجعله موافقا للأحاديث الصحيحة عندهم في هذا الباب.

فقال ابن تيمية -رحمه الله- عنه: "هذا الحديث ضعيف" [منهاج السنة النبوية]، وقال الذهبي: "خبر منكر" [ميزان الاعتدال]، وقال النسائي: "حديث منكر" [العلل المتناهية لابن الجوزي].

وبالإضافة إلى الطعن في سند الحديث، لجهالة بعض رواته على المحدثين، أو لتفرد بعضهم الآخر به، فإن أهل العلم ردُّوا أيضا بأن بعض أوصاف المهدي الواردة في الأحاديث الصحيحة عندهم تمنع من كونه عيسى ابن مريم، كما قال ابن حبان: "ذكر الإخبار عن وصف اسم المهدي واسم أبيه ضد قول من زعم أن المهدي عيسى ابن مريم" [صحيح ابن حبان].

وردَّ بعض العلماء على هذه الشبهة، بأن الحديث ولو صحَّ فإنه لا ينفي خروج المهدي، كشخص مستقل، بل هو يخصُّ وصفا لعيسى ابن مريم، عليه السلام، كما قال ابن كثير: "وهذا الحديث فيما يظهر ببادي الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى ابن مريم، إما قبل نزوله كما هو الأظهر، وإما بعده، وعند التأمل لا ينافيها، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى ابن مريم، ولا ينفي ذلك أن يكون غيرُه مهدياً أيضاً" [النهاية في الفتن والملاحم]، وبناء على هذا الرأي نجد الإمام ابن كثير يصف عيسى ابن مريم -عليه السلام- بأنه "المسيح المهدي" في مواضع عدة من كتابه الكبير (البداية والنهاية).

هذا والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 114
الخميس 24 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (6) تكلمنا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة -بفضل الله- عن منهج ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (6)

تكلمنا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة -بفضل الله- عن منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع أخبار الغيب، وبيَّنَّا وجوب الإيمان بما صحَّ نسبته منها إلى الوحي، وأوردنا أمثلة عن تعامل الأنبياء ومن سار على هداهم مع هذه الأخبار.

واليوم نركز في بحثنا على واحدة من أهم المسائل التي زلَّت فيها الأقدام في هذا الباب، وهي مسألة خروج المهدي من آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر الزمان، والفتن التي حلت بالناس بسببها طيلة القرون الماضية.


• يُضلُّ به كثيرا ويهدي به كثيرا

فقد انقسم الناس في موقفهم من هذه القضية طوائف شتَّى، بين منكرين لهذه الأخبار بالكلية، وغلاة فيها، بنَوا عليها أديانا وأحكاما تُخرج من أخذ بها من دين الإسلام، وضالِّين في تأويلها يُسقطونها بشكل خاطئ على واقعهم، وبين مؤمنين بها الإيمان الصحيح الذي أمر به الله -عز وجل- ورسوله الكريم، وعمل به سلف هذه الأمة من أهل القرون المفضَّلة.

فأما الطائفة الأولى، وهم المنكرون لأخبار المهدي بالكلية، المكذِّبون بأنها جاءت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهم في الغالب من "الأهوائيِّين" الذين يطلق عليهم في زماننا خطأً وصف "العقلانيِّين"، فهؤلاء يردُّون كل الأخبار التي جاءت في المهدي، في إطار ردِّهم لأكثر أنباء الغيب التي أخبرت عن أحداث آخر الزمان، فمنهجهم الباطل يقوم على عرض كل النصوص على أهوائهم، فما وافقها صحَّحوه ولو كان ساقط السند والمتن، وما خالفها ردُّوه وإن أجمع أهل السنة على صحته، وما عجزوا عن إنكاره تأوَّلوه بمعنى يخرجه عن حقيقته، أو نفوا أنه يفيد العلم إن لم يكن متواترا، بناء على قاعدتهم الباطلة في هذا الباب.

وزعم بعضهم أن هذه الأحاديث هي من وضع الرافضة الذين غلَوا في هذا الباب حتى جعلوه من ضروريات دينهم، التي يكفر منكرها، وجازف آخرون بالقول بتضعيف كل الأحاديث الواردة في هذا الباب، والكذب على أئمة أهل السنة بنسبة هذا القول الباطل إليهم، ومنهم من أشغل نفسه بضرب هذه الأحاديث ببعضها، بل بضرب الضعيف منها بالصحيح، أملا في أن يضعف متنه، ومنهم من أنكر وجود المهدي كشخص مستقل بهذا الاسم أو الوصف، زاعما أن المقصود بهذا الوصف هو عيسى ابن مريم -عليه السلام- حين نزوله آخر الزمان.


• إيراد أئمة أهل السنة لأحاديث المهدي في كتبهم

أما من زعم أن أحاديث المهدي هي من وضع الرافضة، أو أنها من أحاديثهم، فهذا مردود عليه، بأن هذه الأخبار منثورة في كتب السنة ودواوينها، بل أفرد لها أئمة أهل السنة في أسفارهم كتبا وأبوابا، وترجموا لهذه الأحاديث بما يقطع بأنهم يرَون بأن الأخبار التي أوردوها إنما تشير إلى المهدي المعروف في أخبار الساعة.

ففي سنن الترمذي (باب ما جاء في المهدي)، وفي سنن ابن ماجه (باب خروج المهدي)، وفي سنن أبي داود (كتاب المهدي)، وأفرد ابن حبان عدة أبواب من صحيحه للأخبار الواردة في المهدي مترجما لكل منها على حدة، وكذلك البغوي في شرحه للسنة (باب المهدي).

فهذا ما يخص بعض ما رواه أئمة أهل السنة في هذا الباب، وما هو عند غيرهم كثير، مما يصعب استقصاؤه وحصره.


• تصحيح علماء أهل السنة لبعض أحاديث المهدي

رغم أن البخاري ومسلم لم يخرجا أيّاً من الأحاديث التي تنص على اسم المهدي في صحيحيهما، فهذا لا يعني بحال تضعيف أو تكذيب هذه الأحاديث كما قال بعض من ضلَّ في هذا الباب، فإنه لا يشترط لصحة الحديث أن يروِيَه الشيخان، بل الصحاح خارج الصحيحين أكثر مما فيهما.

ولذلك فإن بعض الأحاديث التي عند غيرهما في هذا الباب حكم عليها علماء الحديث بالصحة، فقال الإمام أبو عيسى الترمذي -رحمه الله- عن بعض أحاديث المهدي التي أوردها في سننه أنه "حسن صحيح"، وكذلك فعل البزار في مسنده.

بل وجزم بعض العلماء أن الخبر بخروج المهدي بلغ حدَّ التواتر، كما في قول الإمام أبو الحسين الآبري -رحمه الله- وهو من أئمة الحديث: "قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رُواتها عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يعني في المهدي" [شرح السنة للبغوي]، وكذا قال السفاريني الحنبلي وهو من المتأخرين: "وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عدَّ من معتقداتهم" [لوامع الأنوار البهية]، أما الأخبار العديدة في أوصافه، وقصته، والأحداث المرافقة لها، فأمرها مختلف من حيث الثبوت.
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (6) تكلمنا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة -بفضل الله- عن منهج ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (6)

تكلمنا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة -بفضل الله- عن منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع أخبار الغيب، وبيَّنَّا وجوب الإيمان بما صحَّ نسبته منها إلى الوحي، وأوردنا أمثلة عن تعامل الأنبياء ومن سار على هداهم مع هذه الأخبار.

واليوم نركز في بحثنا على واحدة من أهم المسائل التي زلَّت فيها الأقدام في هذا الباب، وهي مسألة خروج المهدي من آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر الزمان، والفتن التي حلت بالناس بسببها طيلة القرون الماضية.


• يُضلُّ به كثيرا ويهدي به كثيرا

فقد انقسم الناس في موقفهم من هذه القضية طوائف شتَّى، بين منكرين لهذه الأخبار بالكلية، وغلاة فيها، بنَوا عليها أديانا وأحكاما تُخرج من أخذ بها من دين الإسلام، وضالِّين في تأويلها يُسقطونها بشكل خاطئ على واقعهم، وبين مؤمنين بها الإيمان الصحيح الذي أمر به الله -عز وجل- ورسوله الكريم، وعمل به سلف هذه الأمة من أهل القرون المفضَّلة.

فأما الطائفة الأولى، وهم المنكرون لأخبار المهدي بالكلية، المكذِّبون بأنها جاءت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهم في الغالب من "الأهوائيِّين" الذين يطلق عليهم في زماننا خطأً وصف "العقلانيِّين"، فهؤلاء يردُّون كل الأخبار التي جاءت في المهدي، في إطار ردِّهم لأكثر أنباء الغيب التي أخبرت عن أحداث آخر الزمان، فمنهجهم الباطل يقوم على عرض كل النصوص على أهوائهم، فما وافقها صحَّحوه ولو كان ساقط السند والمتن، وما خالفها ردُّوه وإن أجمع أهل السنة على صحته، وما عجزوا عن إنكاره تأوَّلوه بمعنى يخرجه عن حقيقته، أو نفوا أنه يفيد العلم إن لم يكن متواترا، بناء على قاعدتهم الباطلة في هذا الباب.

وزعم بعضهم أن هذه الأحاديث هي من وضع الرافضة الذين غلَوا في هذا الباب حتى جعلوه من ضروريات دينهم، التي يكفر منكرها، وجازف آخرون بالقول بتضعيف كل الأحاديث الواردة في هذا الباب، والكذب على أئمة أهل السنة بنسبة هذا القول الباطل إليهم، ومنهم من أشغل نفسه بضرب هذه الأحاديث ببعضها، بل بضرب الضعيف منها بالصحيح، أملا في أن يضعف متنه، ومنهم من أنكر وجود المهدي كشخص مستقل بهذا الاسم أو الوصف، زاعما أن المقصود بهذا الوصف هو عيسى ابن مريم -عليه السلام- حين نزوله آخر الزمان.


• إيراد أئمة أهل السنة لأحاديث المهدي في كتبهم

أما من زعم أن أحاديث المهدي هي من وضع الرافضة، أو أنها من أحاديثهم، فهذا مردود عليه، بأن هذه الأخبار منثورة في كتب السنة ودواوينها، بل أفرد لها أئمة أهل السنة في أسفارهم كتبا وأبوابا، وترجموا لهذه الأحاديث بما يقطع بأنهم يرَون بأن الأخبار التي أوردوها إنما تشير إلى المهدي المعروف في أخبار الساعة.

ففي سنن الترمذي (باب ما جاء في المهدي)، وفي سنن ابن ماجه (باب خروج المهدي)، وفي سنن أبي داود (كتاب المهدي)، وأفرد ابن حبان عدة أبواب من صحيحه للأخبار الواردة في المهدي مترجما لكل منها على حدة، وكذلك البغوي في شرحه للسنة (باب المهدي).

فهذا ما يخص بعض ما رواه أئمة أهل السنة في هذا الباب، وما هو عند غيرهم كثير، مما يصعب استقصاؤه وحصره.


• تصحيح علماء أهل السنة لبعض أحاديث المهدي

رغم أن البخاري ومسلم لم يخرجا أيّاً من الأحاديث التي تنص على اسم المهدي في صحيحيهما، فهذا لا يعني بحال تضعيف أو تكذيب هذه الأحاديث كما قال بعض من ضلَّ في هذا الباب، فإنه لا يشترط لصحة الحديث أن يروِيَه الشيخان، بل الصحاح خارج الصحيحين أكثر مما فيهما.

ولذلك فإن بعض الأحاديث التي عند غيرهما في هذا الباب حكم عليها علماء الحديث بالصحة، فقال الإمام أبو عيسى الترمذي -رحمه الله- عن بعض أحاديث المهدي التي أوردها في سننه أنه "حسن صحيح"، وكذلك فعل البزار في مسنده.

بل وجزم بعض العلماء أن الخبر بخروج المهدي بلغ حدَّ التواتر، كما في قول الإمام أبو الحسين الآبري -رحمه الله- وهو من أئمة الحديث: "قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رُواتها عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يعني في المهدي" [شرح السنة للبغوي]، وكذا قال السفاريني الحنبلي وهو من المتأخرين: "وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عدَّ من معتقداتهم" [لوامع الأنوار البهية]، أما الأخبار العديدة في أوصافه، وقصته، والأحداث المرافقة لها، فأمرها مختلف من حيث الثبوت.
...المزيد

يَجِلُّ عن التشبيه جل جلاله ولا تَسْلَمُ الأعداءُ منه، ويسلمُ ولا يُبرِمُ الأمر الذي هو ...

يَجِلُّ عن التشبيه جل جلاله
ولا تَسْلَمُ الأعداءُ منه، ويسلمُ
ولا يُبرِمُ الأمر الذي هو حاللٌ
ولا يحلل الأمر الذي هو مبرمُ

ولابد للمؤمن حق الإيمان أن يكون ملجأَہ الوثيق وركنه الركين رب العزة، سبحانه وتعالى، على كل حالاته، فلو اغتنى أو افتقر فمن الغني غَنَاؤه، ولو عزَّ أو ذلَّ فبالعزيز اعتزازه، وإن فرح أو حزن فبرضى الله فرحه وسروره، وإن اشتدت عليه الأمور وضاقت السبل وانصكَّت في وجهه الأبواب فللرحيم القوي التجاؤه.

فهو يعبد الله على كل هيئة، ويستحضر اسمه المناسب لكل حال.

فتتجدد حياته وتُمد بالإيمان والنشاط في كل مناسبة وظرف. فوا فوزه ويا حظه، ذلك الذي أنعم المنعم عليه وجعله يتقلب بين أسمائه وصفاته يتعبده بها.

فبالله عزي واعتزازي وقوتي
ولله حبي ما بقي الدهر وانصرم
خوفا من الله حالي وقت عزي وقوتي
له الكل عُبَّاد صغير وذو الهَرم
أرجوه ذا العفو عفوا على حال زلتي
سبحانه يغفر الذنب ومنه المنتقَم

وسنذكر -بإذن الله- نُبَذاً عن أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 114
الخميس 24 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

العِلم بالله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد... فإن قلب التوحيد معرفة الله، ...

العِلم بالله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد...

فإن قلب التوحيد معرفة الله، وهي كالأساس للعبادة، التي هي غاية خلق الإنس والجن.

ومعلوم أن التوحيد ثلاثة أركان: الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.

والربوبية والألوهية إنما يرسخهما في قلب المؤمن الأسماء والصفات، فإنك إن تعرفت على أسماء معبودك التي سمَّى بها نفسه، وصفاته التي وصف بها ذاته ازداد في قلبك:

1) اليقين بأحقية الله للعبادة.
2) وجوب توكيل تدبير الأمور إليه.
3) تعظيمه وإجلاله.
4) خوفه والوجل منه.
5) الخشوع له وعمل الصالحات حتى بلوغ الأجل.
6) الذل والتعظيم والمحبة لربك ومالكِ أمرك ونهيك.

وكلما تعرفت على الله زادت العبادة كما وكيفا، لأن الإنسان -بفطرته- إذا عرف الشيء مال نحوه.

فتوحيد الأسماء والصفات كالطاقة للموحد، ولذا فلا تخلو صفحة في القرآن من عدة أسماء وصفات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدرا من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك".

قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، قال ابن جرير: "إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته: العلماءُ بقُدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك وأيقن بعقابه على معصيته فخافه ورهبه خشية منه أنه يعاقبه"، وقد ورد في حديث متفق عليه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعا وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة)، وإحصاؤها: حفظها، وتدبر معانيها واستحضارها وقيامها بقلبك، ودعاء الله بها.

ليس أنفع لقلب العبد يُصفيه ويهذبه ويصقله من معرفة إلهه وربه جل في علاه، وقد اختص الله ذاتَه بالأسماء الحسنى والصفات العلا {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، فهي أسماء حسنة في الأسماع، تدل على توحيد الله ورحمته وأفضاله، بل تدل على معاني الخير جميعا دون نقصان.

ومورد فهم أسماء الله وصفاته عند أهل السنة والجماعة مورد عذب صافٍ على منهج راسخ هذا ذكره:

1) إثبات الأسماء والصفات المذكورة في الكتاب وصحيح السنة.
2) فهمها وتصورها كما تصورها أعلم الخلق بربهم رسولُه، صلى الله عليه وسلم.
3) كان فهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته أن الله (ليس كمثله شيء) فلا مجال للعقل أن يفتح باب الخيال على مصراعيه، فإن العقل يتاح له التخيل في الأمور التي جربها وعرفها والله لا يشبه خلقه، وهنا يطرد من الإسلام من يتخيل أن الله يشبه خلقه!

(وهو السميع البصير) فمع أن الله لا يشبه خلقه إلا أنه سميع له سمع وبصير له بصر يليقان بذاته العظيمة -كما ورد في القرآن لا نزيد ولا ننقص- وهنا يُطرد من الإسلام من يدعي قوة تنزيهه لله عن مشابهة خلقه فلا يثبت له أي صفة أو اسم ثابت لخلقه، بمعنى أنه يقول أن الله لا يسمع لأنه ليس كمثله شيء، فكيف يشبه المخلوقين في السمع والبصر، وهذا لم يفرق بين المشاركة اللفظية والحقيقية، فإن الله متنزه عن مشابهة خلقه، وله سمع وبصر يليقان بذاته ولا يعلم أحد من الخلق كيفيتهما، فهذه المشابهة في اللفظ ليتعرف المخلوق على صفات خالقه من خلال دلالة اللفظ ولا تعني المطابقة والتشبيه، تعالى الله عن ذلك.

4) كان توجه فهم الصحابة للأسماء والصفات أن يتعرفوا على الله بها ثم يتعبدونه بها أيضا، فعلى ضوء اسمه الغفور يستغفرونه ويرجعون عن ذنوبهم، وعلى ضوء اسمه القوي يستمدون منه النصر في المعارك، وعلى ضوء اسمه الرزاق يطلبون منه الرزق، وعلى ضوء اسمه الرقيب يشعرون أن الله مطلع عليهم في كل وقت وعلى كل حال حتى في الليلة السوداء، في الحجرة الظلماء، في قعر العقلِ، وسر القلبِ... سبحانه لا شريك له، وعلى ضوء اسمه السميع فهم يدعونه ويلجؤون إليه في الرخاء قبل الشدة، وهم يناجونه آناء الليل وأطراف النهار ولسانهم رطب من ذكره وشكره وحمده وتسبيحه، وهم في كل اسم له يتعبدونه به، وفي هذا يتفاوت عباد الله وتظهر منزلة الشك من اليقين، ففرق بين من يوقن يقينا تاما أن الله مطلع عليه يراه ويسمعه، فهذا يندر أن يقع في معصية وبين من هو أقل يقينا من ذلك فهو يعصي تارة ويحجم تارة، فاليقين درجات والشك دركات، نعوذ بالله من الشك والنفاق.

فهذه قواعد مرقمة تنفعك يا أخَ الدين في معرفة ربك والتعبد بأسماءه وصفاته.
...المزيد

العِلم بالله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد... فإن قلب التوحيد معرفة الله، ...

العِلم بالله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد...

فإن قلب التوحيد معرفة الله، وهي كالأساس للعبادة، التي هي غاية خلق الإنس والجن.

ومعلوم أن التوحيد ثلاثة أركان: الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.

والربوبية والألوهية إنما يرسخهما في قلب المؤمن الأسماء والصفات، فإنك إن تعرفت على أسماء معبودك التي سمَّى بها نفسه، وصفاته التي وصف بها ذاته ازداد في قلبك:

1) اليقين بأحقية الله للعبادة.
2) وجوب توكيل تدبير الأمور إليه.
3) تعظيمه وإجلاله.
4) خوفه والوجل منه.
5) الخشوع له وعمل الصالحات حتى بلوغ الأجل.
6) الذل والتعظيم والمحبة لربك ومالكِ أمرك ونهيك.

وكلما تعرفت على الله زادت العبادة كما وكيفا، لأن الإنسان -بفطرته- إذا عرف الشيء مال نحوه.

فتوحيد الأسماء والصفات كالطاقة للموحد، ولذا فلا تخلو صفحة في القرآن من عدة أسماء وصفات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدرا من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك".

قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، قال ابن جرير: "إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته: العلماءُ بقُدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك وأيقن بعقابه على معصيته فخافه ورهبه خشية منه أنه يعاقبه"، وقد ورد في حديث متفق عليه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعا وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة)، وإحصاؤها: حفظها، وتدبر معانيها واستحضارها وقيامها بقلبك، ودعاء الله بها.

ليس أنفع لقلب العبد يُصفيه ويهذبه ويصقله من معرفة إلهه وربه جل في علاه، وقد اختص الله ذاتَه بالأسماء الحسنى والصفات العلا {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، فهي أسماء حسنة في الأسماع، تدل على توحيد الله ورحمته وأفضاله، بل تدل على معاني الخير جميعا دون نقصان.

ومورد فهم أسماء الله وصفاته عند أهل السنة والجماعة مورد عذب صافٍ على منهج راسخ هذا ذكره:

1) إثبات الأسماء والصفات المذكورة في الكتاب وصحيح السنة.
2) فهمها وتصورها كما تصورها أعلم الخلق بربهم رسولُه، صلى الله عليه وسلم.
3) كان فهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته أن الله (ليس كمثله شيء) فلا مجال للعقل أن يفتح باب الخيال على مصراعيه، فإن العقل يتاح له التخيل في الأمور التي جربها وعرفها والله لا يشبه خلقه، وهنا يطرد من الإسلام من يتخيل أن الله يشبه خلقه!

(وهو السميع البصير) فمع أن الله لا يشبه خلقه إلا أنه سميع له سمع وبصير له بصر يليقان بذاته العظيمة -كما ورد في القرآن لا نزيد ولا ننقص- وهنا يُطرد من الإسلام من يدعي قوة تنزيهه لله عن مشابهة خلقه فلا يثبت له أي صفة أو اسم ثابت لخلقه، بمعنى أنه يقول أن الله لا يسمع لأنه ليس كمثله شيء، فكيف يشبه المخلوقين في السمع والبصر، وهذا لم يفرق بين المشاركة اللفظية والحقيقية، فإن الله متنزه عن مشابهة خلقه، وله سمع وبصر يليقان بذاته ولا يعلم أحد من الخلق كيفيتهما، فهذه المشابهة في اللفظ ليتعرف المخلوق على صفات خالقه من خلال دلالة اللفظ ولا تعني المطابقة والتشبيه، تعالى الله عن ذلك.

4) كان توجه فهم الصحابة للأسماء والصفات أن يتعرفوا على الله بها ثم يتعبدونه بها أيضا، فعلى ضوء اسمه الغفور يستغفرونه ويرجعون عن ذنوبهم، وعلى ضوء اسمه القوي يستمدون منه النصر في المعارك، وعلى ضوء اسمه الرزاق يطلبون منه الرزق، وعلى ضوء اسمه الرقيب يشعرون أن الله مطلع عليهم في كل وقت وعلى كل حال حتى في الليلة السوداء، في الحجرة الظلماء، في قعر العقلِ، وسر القلبِ... سبحانه لا شريك له، وعلى ضوء اسمه السميع فهم يدعونه ويلجؤون إليه في الرخاء قبل الشدة، وهم يناجونه آناء الليل وأطراف النهار ولسانهم رطب من ذكره وشكره وحمده وتسبيحه، وهم في كل اسم له يتعبدونه به، وفي هذا يتفاوت عباد الله وتظهر منزلة الشك من اليقين، ففرق بين من يوقن يقينا تاما أن الله مطلع عليه يراه ويسمعه، فهذا يندر أن يقع في معصية وبين من هو أقل يقينا من ذلك فهو يعصي تارة ويحجم تارة، فاليقين درجات والشك دركات، نعوذ بالله من الشك والنفاق.

فهذه قواعد مرقمة تنفعك يا أخَ الدين في معرفة ربك والتعبد بأسماءه وصفاته.
...المزيد

فصائل الصحوات قتال في سبيل "الشرعية" يراقب قادة فصائل الصحوات المرتدون مشاهد تقدم الجيش النصيري ...

فصائل الصحوات قتال في سبيل "الشرعية"

يراقب قادة فصائل الصحوات المرتدون مشاهد تقدم الجيش النصيري وتراجعات جبهة الجولاني بشيء من التشفي والشماتة غير الخافيين، منتظرين من عدو الله الجولاني وأتباعه المرتدين المزيد من الاستجداء بهم لمؤازرته في الدفاع عن المناطق التي قاتلهم عليها، وأخرجهم منها، مستجيبين حتى في قتالهم إلى جانبه للأوامر التركية لهم بضبط تحركاتها على إيقاع التناغم الروسي - التركي في نظرتهما المشتركة لمصير المعارك في الشام، التي كان أبرز الأمثلة عليها ما جرى لإتمام صفقة تسليم مدينة حلب في ظل انشغال الفصائل المرتدة بالقتال تحت لواء الجيش التركي العلماني ضد الدولة الإسلامية في ريف حلب الشمالي.

والطرفان كما نجد بوضوح يلعبان لعبة السعي إلى اكتساب الصدارة والزعامة في مناطقهم، وجذب قلوب وعقول الأهالي، وأموال الداعمين، من خلال تأكيد كل منهما أنه الطرف الوحيد القادر على التصدي للجيش النصيري، وأنه الوحيد الذي يمثل "أهداف الثورة السورية" على حد كلامهم.

فما يزال المرتدون على دينهم القديم بأن "شرعية" التصدر والزعامة والحكم فيما بينهم تأتي من قتال النظام النصيري، ومدى ما يتحقق من انتصارات على جيشه في ساحات المعارك، وما يزال أكثر الموالين لهذه الفصائل يُقرُّون بهذا المبدأ لتحصيل "الشرعية"، وبناء عليه ما نزال نسمع في بيانات المرتدين التي يزاودون بها على بعضهم عبارات من قبيل "شرعيتنا اكتسبناها بصناديق الذخيرة لا بصناديق الانتخابات" أو "شرعيتنا نلناها في الخنادق لا في الفنادق"، وغير ذلك من عبارات الدعاية الرخيصة والسجع المبتذل التي تروج بضاعتها عند السذج من الناس، والجاهلين منهم، الذين لا يعلمون دينا، ولا يدركون معاني الكلام، ولا يميزون صحيحه من سقيمه.

فإن كانت الديموقراطية وصناديق انتخاباتها لا تعطي الشرعية لأحد، بل هي ماحقة لشرعية أي حاكم يستولي على الحكم من خلالها، أو تزل قدمه في أوحالها، فإن صناديق الذخيرة لا تعطي أيضا شرعية لحاكم مشرك أبدا، وإلا لكان لكل الحكام العلمانيين الذين حكموا بلدانهم باسم قتالهم للمستعمرين يوما ما شرعية قائمة على صناديق الذخيرة، وما أتاتورك وحزبه في تركيا، ولا ضباط (جبهة التحرير) في الجزائر وأنصارهم، ولا "مناضلو" حركة (فتح) في أرض فلسطين عنا ببعيد.

وإن قتال الفصائل المرتدة للطواغيت، ولو أدى إلى إسقاط أنظمتهم وإزالة حكمهم، لا يعطي أي شرعية لها، بل ولا يكون عملا صالحا لأي من المرتدين المنتسبين إليها، إن فعلوه حال ردتهم، ولو زعموا أن نية قتالهم هي إقامة حكم الله، لأن الردَّة عن الدين محبطة للعمل كله، وقد قال -تعالى- في حال أمثالهم من الذين يعملون أعمالا صالحة لا ينالهم من خيرها شيء: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة: 17].

وإن الدولة الإسلامية لم تكن يوما ما -بفضل الله- بانية شرعية جهادها، ولا إمامة أميرها، على قتالها للمشركين، بل وصدارتها في ذلك، وحسب، ولكن بأنها راية سليمة، يقيم من يقاتل تحتها شرع الله في الأحوال كلها، في قتالهم للمشركين، وردِّهم لعادية البغاة، وردعهم للمفسدين، وفي حكم وإدارة كل بقعة من الأرض يمكِّنهم الله -تعالى- منها، وبأن أميرها، الشيخ المجاهد أبا بكر البغدادي -حفظه الله- إمام شرعي، قامت شرعية حكمه على استيفائه لشروط الإمامة المعتبرة التي اتفق عليها علماء الإسلام على مدار الزمان، نحسبه كذلك، وعلى بيعة شرعية أداها إليه من تصحُّ منهم، من أهل الحل والعقد في ديار الإسلام، وعلى رأسهم أمراء المجاهدين، والعلماء العاملون بما استحفظوا عليه من الدين.

أما أحزاب الضلال، وفصائل الفرقة، وجبهات الضرار، فلا تزال تتخبط في تيهها، وتعمه في غيها، باحثة عن شرعية ساقطة لا يقرِّها دين، ولا يعترف بها أحد من المسلمين، وهي تهوي أكثر فأكثر في دركات الكفر والردَّة حتى يصل أتباعها إلى مهاوي الطواغيت الذين زعموا يوما أنهم "فاقدو الشرعية"، هذا إن لم يتجاوزوهم في ذلك.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 114
الخميس 24 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

فصائل الصحوات قتال في سبيل "الشرعية" يراقب قادة فصائل الصحوات المرتدون مشاهد تقدم الجيش النصيري ...

فصائل الصحوات قتال في سبيل "الشرعية"

يراقب قادة فصائل الصحوات المرتدون مشاهد تقدم الجيش النصيري وتراجعات جبهة الجولاني بشيء من التشفي والشماتة غير الخافيين، منتظرين من عدو الله الجولاني وأتباعه المرتدين المزيد من الاستجداء بهم لمؤازرته في الدفاع عن المناطق التي قاتلهم عليها، وأخرجهم منها، مستجيبين حتى في قتالهم إلى جانبه للأوامر التركية لهم بضبط تحركاتها على إيقاع التناغم الروسي - التركي في نظرتهما المشتركة لمصير المعارك في الشام، التي كان أبرز الأمثلة عليها ما جرى لإتمام صفقة تسليم مدينة حلب في ظل انشغال الفصائل المرتدة بالقتال تحت لواء الجيش التركي العلماني ضد الدولة الإسلامية في ريف حلب الشمالي.

والطرفان كما نجد بوضوح يلعبان لعبة السعي إلى اكتساب الصدارة والزعامة في مناطقهم، وجذب قلوب وعقول الأهالي، وأموال الداعمين، من خلال تأكيد كل منهما أنه الطرف الوحيد القادر على التصدي للجيش النصيري، وأنه الوحيد الذي يمثل "أهداف الثورة السورية" على حد كلامهم.

فما يزال المرتدون على دينهم القديم بأن "شرعية" التصدر والزعامة والحكم فيما بينهم تأتي من قتال النظام النصيري، ومدى ما يتحقق من انتصارات على جيشه في ساحات المعارك، وما يزال أكثر الموالين لهذه الفصائل يُقرُّون بهذا المبدأ لتحصيل "الشرعية"، وبناء عليه ما نزال نسمع في بيانات المرتدين التي يزاودون بها على بعضهم عبارات من قبيل "شرعيتنا اكتسبناها بصناديق الذخيرة لا بصناديق الانتخابات" أو "شرعيتنا نلناها في الخنادق لا في الفنادق"، وغير ذلك من عبارات الدعاية الرخيصة والسجع المبتذل التي تروج بضاعتها عند السذج من الناس، والجاهلين منهم، الذين لا يعلمون دينا، ولا يدركون معاني الكلام، ولا يميزون صحيحه من سقيمه.

فإن كانت الديموقراطية وصناديق انتخاباتها لا تعطي الشرعية لأحد، بل هي ماحقة لشرعية أي حاكم يستولي على الحكم من خلالها، أو تزل قدمه في أوحالها، فإن صناديق الذخيرة لا تعطي أيضا شرعية لحاكم مشرك أبدا، وإلا لكان لكل الحكام العلمانيين الذين حكموا بلدانهم باسم قتالهم للمستعمرين يوما ما شرعية قائمة على صناديق الذخيرة، وما أتاتورك وحزبه في تركيا، ولا ضباط (جبهة التحرير) في الجزائر وأنصارهم، ولا "مناضلو" حركة (فتح) في أرض فلسطين عنا ببعيد.

وإن قتال الفصائل المرتدة للطواغيت، ولو أدى إلى إسقاط أنظمتهم وإزالة حكمهم، لا يعطي أي شرعية لها، بل ولا يكون عملا صالحا لأي من المرتدين المنتسبين إليها، إن فعلوه حال ردتهم، ولو زعموا أن نية قتالهم هي إقامة حكم الله، لأن الردَّة عن الدين محبطة للعمل كله، وقد قال -تعالى- في حال أمثالهم من الذين يعملون أعمالا صالحة لا ينالهم من خيرها شيء: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة: 17].

وإن الدولة الإسلامية لم تكن يوما ما -بفضل الله- بانية شرعية جهادها، ولا إمامة أميرها، على قتالها للمشركين، بل وصدارتها في ذلك، وحسب، ولكن بأنها راية سليمة، يقيم من يقاتل تحتها شرع الله في الأحوال كلها، في قتالهم للمشركين، وردِّهم لعادية البغاة، وردعهم للمفسدين، وفي حكم وإدارة كل بقعة من الأرض يمكِّنهم الله -تعالى- منها، وبأن أميرها، الشيخ المجاهد أبا بكر البغدادي -حفظه الله- إمام شرعي، قامت شرعية حكمه على استيفائه لشروط الإمامة المعتبرة التي اتفق عليها علماء الإسلام على مدار الزمان، نحسبه كذلك، وعلى بيعة شرعية أداها إليه من تصحُّ منهم، من أهل الحل والعقد في ديار الإسلام، وعلى رأسهم أمراء المجاهدين، والعلماء العاملون بما استحفظوا عليه من الدين.

أما أحزاب الضلال، وفصائل الفرقة، وجبهات الضرار، فلا تزال تتخبط في تيهها، وتعمه في غيها، باحثة عن شرعية ساقطة لا يقرِّها دين، ولا يعترف بها أحد من المسلمين، وهي تهوي أكثر فأكثر في دركات الكفر والردَّة حتى يصل أتباعها إلى مهاوي الطواغيت الذين زعموا يوما أنهم "فاقدو الشرعية"، هذا إن لم يتجاوزوهم في ذلك.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 114
الخميس 24 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

خنوع الجولاني لأسياده الكفار لقد رفض "المعتمد بن عباد" الاستعانة بالصليبيين على خصومه ...

خنوع الجولاني لأسياده الكفار


لقد رفض "المعتمد بن عباد" الاستعانة بالصليبيين على خصومه الملثّمين في دولة المرابطين، وخلّد التاريخ موقفه يوم قال: "أهون الأمرين أمر الملثّمين، ولأن يرعى أولادنا جِمالهم، أحبّ إلينا من أن يرعوا خنازير الإفرنج!". بينما لسان حال الجولاني وجنوده اليوم: "لأن نرعى خنازير الإفرنج أحب إلينا من بقاء الدولة الإسلامية".

بل لم يكتف الطاغوت الجولاني برعي خنازير الصليبيين، فبات يسعى إلى رعي خنازير اليهود وربما سقْي "غردقهم" عما قريب بدماء جنوده الكفرة الفجرة، وهو ما بدت تتضح ملامحه في "ملف السويداء" الذي جرجر قاد ةَ النظام السوري أذلةً حقراء إلى المحافل اليهودية الفرنسية لتقديم الولاءات وتجديد التعهدات بالالتزام بالخطوط اليهودية الحمراء، وهو ما تم ترجمته عمليا على أرض السويداء عبر "حافلات الفاتح" في خطوة مشبوهة تهدف لإحداث تغيير "ديموغرافي" في الجنوب السوري، وما السويداء إلا البداية.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [506]
"رعاة خنازير الإفرنج!"
...المزيد

رايتها خفاقة بين ظلمة الرايات الجاهلية أما الدولة الإسلامية فقد بقيت رايتها خفاقة براقة بين ...

رايتها خفاقة بين ظلمة الرايات الجاهلية


أما الدولة الإسلامية فقد بقيت رايتها خفاقة براقة بين ظلمة الرايات الجاهلية، وبقي مشروعها طاهرا ناصعا نقيا لم يتلوث أو يتدنس، وبقي جنودها -على محنتهم- جنودا للشريعة كماة حماة لها، بينما صار الثوار جنودا في جيش التحالف الصليبي؛ هذا برتبة "رئيس دولة" لا يملك من أمرها شيئا، وذلك "وزير عدل" أبدل الشريعة بالديمقراطية فتلبس بالظلم العظيم، وتلك "وزارة دفاع" عن المصالح الأمريكية واليهودية، قوامها جيش من الشبيحة الجدد لا يعرفون سوى: "نعم سيدي" ولو رعوا خنازير الفرنجة واليهود، {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}.



• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [506]
"رعاة خنازير الإفرنج!"
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً