تعلموا أمر دينكم • صفة الكفر بالطاغوت تكون بـ: ➊ - اعتقاد بطلانها. ➋ - تركها والتبرؤ منها. ➌ ...

تعلموا أمر دينكم

• صفة الكفر بالطاغوت تكون بـ:
➊ - اعتقاد بطلانها.
➋ - تركها والتبرؤ منها.
➌ - بغضها وعداوتها.
➍ - تكفير أهلها.
➎ - معاداتهم في الله.

والدليل قوله تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۖ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [الممتحنة: ٤]

إذاً فمن لم يحقق هذه الصفة لم يكن مؤمناً بالله كافرا بالطاغوت، بل العكس، لأن الإيمان بالطاغوت والإيمان بالله ضدان لا يجتمعان في قلب إنسان أبدا، إذ لا يمكن أن يوصف الشخص بأنه مشرك وموحد في نفس الوقت، بل لا بد له من أحد الوصفين لا محالة، إذ لا ثالث لهما، لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ } وقوله: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }

فهذا الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به ونجتنبه، وهذه عبادته التي نهينا عنها وأمرنا بتركها وتكفير أهلها ومعاداتهم.

- كتاب تعلموا أمر دينكم صادر عن ديوان الدعوة والمساجد / سلسلة (4)
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (2) تحدثنا في العدد السابق -بحمد الله تعالى- عن بعض الضوابط في ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (2)

تحدثنا في العدد السابق -بحمد الله تعالى- عن بعض الضوابط في مسألة التعامل مع أخبار الفتن والملاحم التي تقع في آخر الزمان، وخاصة ما ورد منها في صحاح الأحاديث النبوية.

وبيّنا وجوب الإيمان بكل خبر ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، بما فيها أخبار الفتن والملاحم التي هي من أنباء الغيب، مع التأكيد على التثبت من صحة نسبة هذه الأخبار إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصحة تأويل هذه الأخبار الواردة في الوحيين، وعدم الالتفات إلى الأخبار المكذوبة والتأويلات الباطلة.

وكما يتفاضل الناس إزاء أي من واجبات الإيمان، فإنهم يتفاضلون أيضا في مواقفهم من هذا الواجب، وهو الإيمان بأخبار المرسلين، التي منها ما أخبروا عنه من فتن آخر الزمان وأشراط الساعة، فهُم بين مؤمن بها حق الإيمان، وبين ناقصٍ إيمانه بها لمرض في قلبه، وبين جاحد لها أشد الجحود، ومنافق يظهر الإيمان، ويطعن فيه من جوانب يظنها تخفى على المؤمنين.

ولنا في كتاب الله وسيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الكثير من النماذج التي توضح اختلاف مواقف الناس من أخبار المرسلين.


• الكافرون: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

فقد أوحى الله تعالى إلى عبده نوح -عليه السلام- شيئا من الغيب في مصير من كفر من قومه، وأمره بصناعة الفلك لتجنيب الذين آمنوا ما سيصيب المشركين من العذاب، ولكن الذين كفروا بكل ما أنبأهم نبيهم من أمر الغيب لم يكونوا ليؤمنوا بما بلغهم من أمر العذاب الذي قدّره الله عليهم، فسخروا من نوح وما يعدهم به من العذاب، وطالبوه أن يستعجل لهم ما يعدهم به، حتى حاق بهم ما كانوا به يستهزؤون، في الوقت الذي كان نبي الله موقنا بوعد ربه له، ويتوعد به الكفار أنهم مصيبهم ما وعدهم ربهم لا محالة، قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 36-39].

وهذا المشهد نجده يتكرر في كثير من قصص الأنبياء مع الكافرين من أقوامهم، تكذيب لهذه الوعود، وسخرية منها، حتى وهم متيقنون من صدق أنبياءهم، كما كان حال كفار قريش مع الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومن ذلك ما رواه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- من اعتداء قومه على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، فلما أكثروا من أذاه، توعَّدهم بما يسوؤهم، وهو في حال استضعاف منهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح)، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: "انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فوالله ما كنت جهولا"، ثم عادوا إلى إيذائه في اليوم التالي، رغم ما وجدوه في أنفسهم من رهبة له عندما توعدهم.


• المنافقون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

وكذلك نجد في مواقف المنافقين محاولات للطعن في صدق دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خلال التشكيك فيما أخبر المسلمينَ به من بشائر وهم في أحلك الظروف، ليثبتهم بها، ويربط على قلوبهم، فاستغل المنافقون الضعف الذي مرَّ به المسلمون، ليشككوهم في صدقه -عليه الصلاة والسلام-، إذ يبشّرهم بفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، وهم يخشون أن يدخل عليهم عدوهم في أي لحظة، فيستبيح بيضاءهم ويستأصل شأفتهم.

فقد روى الإمام أبو جعفر الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، عن قتادة قوله: "قال ذلك أُناس من المنافقين، قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حُصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" [جامع البيان في تأويل القرآن].• الظالمون: اذهب أنت وربك فقاتلا

وهذا المرض، وهو عدم تصديق أخبار الأنبياء والمرسلين، قد لا يتجلى في الإنكار القولي، ولكنه يظهر أحيانا بصورة التولي العملي عن تنفيذ الأحكام التي قد ترتبط بهذه الأخبار، كما كان حال بني إسرائيل مع إخبار نبيهم موسى -عليه السلام- لهم بأن الله قد جعل لهم الأرض المقدسة، وأمرهم فقط أن يدخلوها فينصرهم الله على عدوهم ويورثهم الأرض التي بأيديهم، وهذا ما فقِهَه أولوا الإيمان من بني إسرائيل، فقالوا: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].

فكان جواب الظالمين التشكيك في هذا الوعد من خلال امتناعهم عن تنفيذ أمر الله لهم بدخول تلك الأرض، بحجة أن فيها قوما جبارين يمنعون من تحقيق موعود الله تعالى لهم، كما قال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 21-22].

فكان عقوبة فعلهم هذا أن حرَّمها الله عليهم أربعين سنة، ثم صدق وعده مع بني إسرائيل بأن أدخلهم هذه الأرض التي كتبها لهم، كما قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137]، وذلك بعد أن خرج منهم من صدّق موعود الله وأطاع أمره سبحانه، وما كان الله ليُخلف وعده، وإن استبطأ الناس تحقيقه، قال تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 47].


• المؤمنون: هذا ما وعدنا الله ورسوله

أما أهل الإيمان فإنهم يصدقون موعودَ الله، ويزدادون إيمانا بما يجدونه في واقعهم من حدوث ما آمنوا به سابقا من أخبار جاءتهم عن طريق الوحي، حتى لو كانت تلك الأخبار تتضمن ابتلاءات سيجدونها في طريقهم قبل أن يأتيهم نصر الله، كما كان موقفهم من قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، إذ وجدوا مصداقا لها في ذات الموقف الذي أظهر المنافقون فيه كفرهم، وهو الشدة التي أصابتهم يوم الأحزاب، فازدادوا بذلك تصديقا لكلام الله ورسوله، وازدادوا بذلك إيمانا.

قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء، فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] أي: تصديقا لله وتسليما لأمر الله" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].

وهذا التصديق رافقه عمل صالح هو الثبات أمام الأحزاب، والصبر على الشدة والحرب حتى فصل الله بينهم وبين القوم المشركين، وكان فرحهم بتحقق موعود الله تعالى لهم بالنصر يرافقه فرح آخر ببشرى جديدة ألقاها إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تتعلق بانقلاب كلي في مسار الحرب بين المسلمين ومشركي قريش، بقوله: (نغزوهم ولا يغزوننا) [رواه البخاري]، فلا زالوا مصدّقين لذلك حتى فتح الله عليهم مكة عقر دار المشركين يومئذ.

وهكذا هم المتّقون في كل زمان، يؤمنون بالغيب، الذي منه ما جاءهم من أنباء ما يأتي من الأيام، ويؤمنون بكل ما أنزل إلى أنبيائهم، ومنه ما أوحي إليهم من أخبار آخر الزمان، ويوقنون بالآخرة وبالساعة، التي يبعث فيها الناس من قبورهم، ويُنشرون لحسابهم، ويؤمنون بما جاءهم من أشراطها، التي لا تقوم إلا بعد حدوثها، كما قال تعالى فيهم: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 2-5].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

لقد كان في قصصهم عبرة (3) • ذو القرنين رحمه الله لقد أنزل الله سبحانه القرآن العظيم على ...

لقد كان في قصصهم عبرة (3)

• ذو القرنين رحمه الله

لقد أنزل الله سبحانه القرآن العظيم على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد تضمن آيات الأحكام والقصص والعبر والأمثال لتكون منارا للموحدين السائرين إلى ربهم، ومن القصص التي ينبغي أن نقف عندها ونستقي منها العلم النافع ونحن نسير على طريق الموحدين الغزاة في سبيل الله هي قصة ذي القرنين.

ذلك الملك الصالح الغازي في سبيل الله الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها فاتحا داعيا إلى الله تعالى بالسيف واللسان، وهذا ما يحتاجه المجاهدون اليوم وهم يسيرون على خطى ذلك الملك الصالح في بلوغ الوعد الإلهي وظهور هذه الأمة في هذا الزمان على العالمين، فإن الله تعالى أعطى ذا القرنين من كل شيء سببا، أي إن الله تبارك وتعالى أراد له التمكين في الأرض فأعطاه من كل العلوم والخبرات لتكون له سببا في سعيه وغزوه في سبيل الله ومواجهة أمم الكفر في وقته، قال الإمام البغوي في تفسيره: "أعطيناه من كل شيء يحتاج إليه الخلق، وقيل: من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء، {سببا} أي: علما يتسبب به إلى كل ما يريد ويسير به في أقطار الأرض، والسبب: ما يوصل الشيء إلى الشيء".

وحينها أخبرنا الله تعالى أنه {اتبع سببا}، أي سار في منازل الأرض ومعالمها وطرقها، فبلغ مغرب الشمس ووجد في تلك البلاد البعيدة أمة عظيمة من الأمم الكافرة، فألهمه الله أن يفعل فيهم أحد أمرين إما أن يعذبهم بالقتل إن لم يقبلوا التوحيد أو أن يتخذ فيهم حسنا قيل: أي أن يأسرهم ويعلمهم الهدى، وبعد أن أظفره الله بهم كان حكمه فيهم: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 87-88]، فأخبرنا الله تعالى عن سيرته في الأقوام الكافرين، فمن أصر منهم وعاند فإن جزاءه التعذيب الدنيوي بيد ذي القرنين وهو القتل، ثم يرد إلى ربه سبحانه فيعذبه العذاب الأنكر من القتل وهو العذاب بنار جهنم.

وهكذا يسير كل موحد مجاهد في من ظلم وتعدى على حق الله وعبد غيره، فإن الشرك أعظم الظلم، ومن تعدى على حق الله وعبَد غيره فإن جزاءه العذاب بأيدي الموحدين، قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، وأما من آمن وعمل صالحا فله الحسنى عند ربه وهي الجنة، وأما عند ذي القرنين فإنه سيجد منه اللين والمعاملة الطيبة، معاملة المسلم لأخيه المسلم، فمنهج ذي القرنين يعتمد على أخوة الدين مهما اختلفت الأعراق والأجناس، فمن أسلم وعبَد الله وكفر بالمعبودات الباطلة فهو وليه وأخوه.

وتستمر رحلة الملك الغازي في سبيل الله سيرا في طرق الأرض ومعالمها حتى بلغ مطلع الشمس فوجد فيها قوما ليس لهم بنيان يسترهم عنها، فسار فيهم مسيرة من قبلهم في المعاملة الرشيدة، ثم سار في مسلك آخر حتى وصل بين السدين أي الجبلين حيث يخرج من بينهما قوم يأجوج ومأجوج ليشنوا غاراتهم، وهم قوم مفسدون ظالمون باغون، وكان خارج السد أقوام في عزلة عن الناس، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم"، ولكن الله تعالى آتى ذا القرنين من كل شيء سببا، فجاءه المترجم ليسمع منه مُراد أولئك القوم الذين عانوا من فساد وشر يأجوج ومأجوج ، فوجدوا في ذي القرنين الرجل الصالح الذي يريد إصلاح الأرض بالتوحيد والسير بين الناس بالعدل ورفع الظلم، {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94].

وسياق الآية يدل على أن هؤلاء الأقوام المنعزلين عن محيطهم كانوا أيضا يملكون المال ولكنهم لم يستطيعوا توظيف جهدهم لمواجهة خطر يأجوج ومأجوج، فعرضوا على ذي القرنين أن يعطوه المال مقابل أن يبني لهم سدا يكف به شر يأجوج ومأجوج الذين أهلكوا الحرث والنسل، ولكن ذا القرنين عرض عليهم عرضا مغايرا، فأخبرهم أنه ليس بحاجة إلى أموالهم ولكن يحتاج جهدهم البشري، فكان جوابه يفيض بالاعتراف بنعمة الله تعالى ونسبة الفضل إليه والتعفف عن أموال الغير، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السلام: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النَّمْلِ: 36] وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني {بِقُوَّةٍ} أي: بعملكم وآلات البناء".وعندما تهيأت آلات البناء واستعد الناس للعمل، قام ذو القرنين باستخدام ما حباه الله به من أسباب النجاح فقال، {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، أي إن ذا القرنين جمع قطع الحديد ورتبها حتى بلغ بها رؤوس الجبلين، ثم أجج فيها النار ثم أفرغ في الحديد المذاب نحاسا حتى يكون السد صلبا لا يمكن ثقبه، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، ولأن الظهور من فوق السد أسهل من نقبه، جاءت الأولى بالتخفيف بدون تاء {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} وجاءت الثانية بالتاء للتعبير عن استحالة إحداث نقب فيه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}.

ثم قال ذو القرنين بعد اكتمال بناء السد معترفا مرة أخرى بنعمة الله عليه ورادا الفضل إليه: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}، وهكذا ينبغي لكل مجاهد غاز في سبيل الله أن يرد الفضل لله سبحانه في كل أحواله مهما بذل وتعب ومهما جنى من النتائج المفرحة التي يحبها ويرجوها من المغنم والفتح والتمكين والظهور على الكفار، فإن ذلك كله بفضل الله ورحمته، وقد ذكر الله قول عبده الملك الصالح لنقتديَ به ونعتبر، فمن شكر نعمة الله زاده الله من فضله ورحمته.

أما هؤلاء القوم المفسدون فلا يزالون يحفرون حتى يأذن الله عز وجل بخروجهم وذلك حين يسوي الله تعالى السد بالأرض فيدكه دكا، وقد أعطى الله تعالى ذا القرنين العلم بهذا حين قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}، قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم، جعله دكاء، يقول: سوَّاه بالأرض، فألزقه بها، وكان وعد ربي الذي وعد خلقه في دك هذا الردم، وخروج هؤلاء القوم على الناس، وعيثهم فيه، وغير ذلك من وعده حقا، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن".

فهذه قصة عبد صالح من عبيد الله تعالى، مكن له في الأرض، فحمد الله على هذه النعمة بإقامة دينه، والسعي في إخضاع الناس لحكمه، وجهاد المشركين في سبيله، واتخذ في ذلك كل ما مكنه الله من وسائل القوة المادية التي استعان بها على أعداء الله تعالى، وحري على كل مسلم أن يستن بسنة هذا العبد الصالح، الذي أثنى عليه ربه، وقص قصته على عبيده ليتأسوا به.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد: دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله أبو سليمان الليبي: ...

صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد:

دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله
أبو سليمان الليبي:
"لقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا"


إن الدعوة إلى الله هدي الأنبياء، وسبيل الصالحين والأتقياء، قال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وللدعوة طريقان، طريق السنان وطريق اللسان، وأكمل أسلوب للدعوة هو الجمع بين الطريقين، وقد تجسَّد ذلك كله بأخلاق النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وسار على هديه الصحابة والتابعون الكرام، فقد كانوا دعاة لله بأفعالهم قبل أقوالهم.

وممن نحسبه كذلك -والله حسيبه- الأخ المجاهد أبو سليمان الليبي -تقبله الله- فلقد كان -رحمه الله- مثلا في الدعوة إلى الله بفعله وقوله، حيث كان طالب علم على صغر سنِّه الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين، وقد كان حافظا لكتاب الله، ولآلاف من الأحاديث النبوية الصحيحة، وكان له باع في علوم الآلة.

ولم يكن -تقبله الله- ممن حفظ المتون والكتب وتجاهل العمل بها، بل كان علمه قائدا له في جميع شؤون حياته، فكان قوّاما بالليل صواما بالنهار، عابدا لله على بصيرة، مجاهدا ذو أخلاق كريمة رفيعة.

لم تمنعه الدنيا من الالتحاق بجندية الخلافة
ينحدر أبو سليمان الليبي -تقبله الله- من عائلة ثرية من مدينة بنغازي، فلم يكن ينقصه المال كي يطلبه عبر الغزوات أو القتال، ولم تكن تنقصه الشهرة كي يطلبها عن طريق الالتحاق بصفوف الدولة الإسلامية وجنديتها، لم يرض القعود ودماءُ المسلمين تسيل، وأعراضهم تنتهك، فشمَّر عن ساعد الجد، وتسلَّح بالإيمان وتوكل على الله، وأدرك يقينا حقيقة الضر والنفع، التي لخَّصها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بقوله لابن عباس -رضي الله عنه- عندما كان يافعا: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [سنن الترمذي].

كان حريصا على طلب العلم وتعلمه، وكان أكثر ما يحرص على علم المواريث، ولم يكن طلبه للعلم يصدُّه عن الجهاد في سبيل الله، بل كان من السباقين للقتال في ليبيا منذ اندلعت شرارة الجهاد فيها، وأُصيب -تقبله الله- في إحدى المعارك هناك خلال قتاله ضد المرتدين أعوان الصليبيين الأمريكان.

ولما منّ الله على عباده المجاهدين بإعلان الخلافة، سارع بإعلان بيعته لخليفة المسلمين وحثَّ إخوانه هناك على اللحاق بركب الخلافة، خاصة وأنه وجد في إعلانها في ذلك الوقت فرصة ذهبية لجمع شتات الأمة بعد تبعثرها ولإحيائها بعد موتها بمئات السنين، ففرح أشد الفرح لإعلانها وبدأ ينشط نشاطا كبيرا لإقناع إخوانه بالالتحاق بركبها.


• ابتعاثه إلى أرض الشام

فانتدبه إخوانه للهجرة إلى أرض الشام مبتعثا من قبلهم للتواصل مع الأمراء، وإخبارهم عن حال إخوانهم في ليبيا وإطلاعهم على منهجهم وعقيدتهم، فانطلق أبو سليمان قاصدا أرض الشام، فالتقى بإخوانه من الأمراء ورفع لهم أمر إخوانه في ليبيا، فرحبوا به وبإخوانه بعد أن تأكدوا من صحة منهجهم، وقوة عزيمتهم، وقام بدوره -تقبله الله- بنقل ما رآه في أرض العراق والشام لإخوانه في ليبيا مشجعا ومحرضا لهم على البيعة، فبايع الإخوة هناك.

وبعد فترة وجيزة من وصوله لأرض الشام، عُين -تقبله الله- الشرعي العام لولاية حمص وأميرا للمراكز الشرعية فيها، فأحبه الإخوة حبا شديدا لما رأوا من طيب أخلاقه وحسن إدارته، وما زادته تلك التكليفات إلا انكسارا لربه وتواضعا لإخوانه الذين وُلِّي أمرهم.

واستمر الشيخ -رحمه الله- في طلب العلم والجهاد في سبيل الله حتى بعد تكليفه بمهام كثيرة منها خدمة إخوانه، فكان يدير شؤونهم في النهار ويسهر على طلب العلم في الليل، وإذا ما نادى منادي الجهاد والقتال تراه في الصفوف الأولى بجنب إخوانه المقاتلين في المعارك يحرض ويقاتل، وكأن لسان حاله ما قاله ابن حزم:

مناي من الدنيا علوم أبثها
وأنشرها في كل باد وحاضر

دعاء إلى القرآن والسنن التي
تناسى رجال ذكرها في المحاضر

وألزم أطراف الثغور مجاهدا
إذا هيعة قامت فأول نافر

لألقى حمامي مقبلا غير مدبر
بسمر العوالي والربيع البواتر

فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها
ولا تجعلني من قطين المقابر

لم يغفل -رحمه الله- عن العمل بما تعلمه من خلق نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فلقد كان لينا رحيما بإخوانه المجاهدين، يؤثرهم على نفسه حتى في أموره الخاصة، وكانوا لا يسمعون منه إلا طيب الكلام ولا يرون منه إلا حسن المعاملة، ولقد صدق من قال عنه أنه كان مدرسة بفعله وأخلاقه وتعامله مع إخوانه.• مقتله -تقبله الله-

ولقد كان لمقتله –تقبله الله- أثر كبير في نفوس إخوانه لا يمحى، فلقد كان مقتله علامة على صدقه -نحسبه والله حسيبه-، صدق الله عز وجل فصدقه الله، وما أشبه مقتله بمقتل ذلك الصحابي الكريم الذي قال عندما وصله نصيبه من الغنائم: "ما على هذا بايعتك يا رسول الله، بايعتك على سهم يدخل من هنا ويخرج من هنا، بايعتك على أن أقتل في سبيل الله"، وما هي إلا أن دارت رحى الحرب حتى تفقد الصحابة الكرام الصحابي فرأوا السهم وقد اخترق رقبته كما أشار.

وهنا مع أخينا أبي سليمان الليبي حصل الشيء نفسه، حيث ينقل لنا أحد إخوانه الذين كانوا مع في آخر غزوة خاضها -رحمه الله- ما حدث فيقول: ركب أخونا أبو سليمان معنا في عربة BMP لينغمس في حاجز للجيش النصيري في محيط المحطة الثالثة بولاية حمص شرق مدينة تدمر، فأصيب بطلق ناري وبدأ ينزف دما فيغمى عليه ويفيق، فقال له الأخوة: ارجع يا شيخ لن تستطيع مواصلة القتال معنا فلقد أُصبت، فقال: "لا والله لا أرجع"، فلما أعاد عليه إخوانه طلب الرجوع وألحوا عليه قال: "لا والله لا أرجع ولقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا وأشار إلى جبهته ومؤخرة رأسه"، وما هي إلا دقائق قليلة حيث رفع رأسه فجاءته رصاصة أصابت جبهته بالمكان الذي أشار إليه فارتقى -تقبله الله- شهيدا كما نحسبه.

رحمك الله أبا سليمان، لقد كنت نعم الأخ ونعم الرفيق ونعم الأمير ونعم المعلم، وأسكنك الله فسيح جنانه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

إن اللَّه بريء من المشركين ورسولُه إن مجادلة أهل الضلال للمؤمنين لصدهم عن بعض دينهم أو كله ...

إن اللَّه بريء من المشركين ورسولُه


إن مجادلة أهل الضلال للمؤمنين لصدهم عن بعض دينهم أو كله سنّة مستمرة لا تنقطع ما دام هناك إيمان وكفر على هذه الأرض، ولن يتوقف الطواغيت عن هذه المجادلة حتى يجعلوا الناس عبيدا لهم من دون الله، يطيعونهم في معصية الله سبحانه، ويتبعونهم على غير هدى أو كتاب مبين.

ولا زلنا نرى بعض من يزعم الإسلام يجادل المجاهدين في قتال بعض طوائف الشرك أو كلها، فبعد الغزو الأمريكي للعراق وما فتح الله به على الموحدين من تنكيل في الصليبيين، وجدنا التأييد الكبير من مختلف الطوائف لأهل الجهاد جزاء على ما يفعلونه من صد لعادية المحتلين لبلاد المسلمين.

فلما وجدوا أن المجاهدين لا يقتصرون في جهادهم على الكافر المحارب فحسب، وإنما يشملون به طوائف الكفر كلها سواء كان كفرها أصليا أو طارئا، رأينا كيف بدأ الكثير من المصفقين ينفضّون عن أهل التوحيد، ويعادونهم وينعتونهم بأبشع الأوصاف، بل ويعينون الصليبيين المحتلين عليهم، وسمعنا بعضهم يشترط على المجاهدين أن يكون القتال لأمريكا وجنودها فقط، دون أوليائها من مرتدي الشرطة والجيش، فضلا عن بقية أصناف المرتدين، كالروافض والديموقراطيين وغيرهم.

كما وجدنا تكرارا لهذا الأمر في الشام، إذ كنا ولا زلنا نرى مختلف الطوائف من الناس تفرح أشد الفرح عندما يرون جنود الدولة الإسلامية يقيمون حكم الله في الروافض والنصيرية ذبحا وتقتيلا، ثم إذا رأوا حكم الله يقام على مرتدي الصحوات أو غيرهم من طوائف الردة إذا هم يستنكرون.

وتجد هؤلاء الضالين المضلين يجادلون عن المشركين المرتدين، ويعصمون دماءهم التي أباحها الله تعالى بسبب كفرهم به سبحانه، بعبارات مختلقة ما أنزل الله بها من سلطان، من قبيل "حرمة الدم العراقي"، و"حرمة دماء الثوار"، وغيرها من العبارات التي يحرمون بها ما شاؤوا ويبيحون بها ما شاؤوا من دين الله عز وجل.
ولا شك أن القصة ذاتها مكررة في مصر، وسيناء، وخراسان، وليبيا، واليمن، والصومال، والقوقاز، وشرق آسيا، وغيرها من الأصقاع والبلدان التي يجاهد فيها جنود الخلافة أعداء الله بمختلف مللهم ونحلهم.

وإن المجاهد الموحد لله عز وجل، الكافر بالطواغيت، لا يمكن أن يلتفت إلى شيء من هذا، إذ مرجعه في أمره كله كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فإباحة الدماء وتحريمها من الله عز وجل وحده، أما مسألة تقديم قتال صنف من المشركين، أو تأخير قتال آخر، بحسب درجة ضررهم على المسلمين، أو بحسب قوة المسلمين، فيطيع في ذلك إمامه، وليس ذلك من تحريم الحلال أو تحليل الحرام في شيء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

بل على المسلم عموما أن يحذر على دينه من طاعة المشركين في أي أمر فيه مخالفة لأمر ربه عز وجل، حذار أن يصير من المشركين، كما قال ربه جل وعلا: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، فيحذر كل الحذر من استباحة دم معصوم، أو تحريم دم مباح، خوفا من الناس أو إرضاء لهم، أو طمعا في نصرتهم، ويكون من الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 25-26].

فيا جنود الخلافة، امضوا على بركة الله، قاتلوا أعداء الله، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، قاتلوا المشركين بكل طوائفهم حتى يكفروا بما يعبدون من دون الله، ويؤمنوا بالله وحده، كما أمركم ربكم: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

أخي المجاهد فِرَّ إلى الله إذا نزل بك الكرب واشتد حولك الخطب وأحاطت بك المُلمات وجهدت في ...

أخي المجاهد فِرَّ إلى الله


إذا نزل بك الكرب واشتد حولك الخطب وأحاطت بك المُلمات وجهدت في البحث عن طريق للنجاة، فاعلم -أخي- أن الطريق هو الفرار إلى الله ربِّ الأرض والسماوات،خالق الليل والنهار، من هو كل يوم في شأن.

نعم فِرَّ إلى الله، فهو من قدَّر الأقدار، وهو من يجيب المضطر إذا دعاه، ومن أقوى منه تلجأ إليه؟! أو أشد بأسا تحتمي بحماه؟!

فِرَّ إلى الله بالتضرع إليه والانكسار بين يديه، فِرَّ إليه بالصلاة والذكر، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم)، وأمرك ربك بالاستعانة بالصلاة فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].

فِرًّ إليه بالتوبة والاستغفار مما بدر منك في حقه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

فِرَّ إليه باتباع أمره، والانتهاء عن نهيه، بالثبات والصبر على دينك وجهادك، والأخذ بالأسباب، واليقين بصدق وعده، قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50].

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "فإذا فرَّ العبد إلى الله فإنما يفر من شيء، إلى شيء وُجد بمشيئة الله وقدره، فهو في الحقيقة فارٌّ من الله إليه، ومن تصور هذا حق تصوُّره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك منك) [صحيح مسلم]، وقوله: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ) [رواه الشيخان]، فإنه ليس في الوجود شئ يُفرُّ منه ويستعاذ منه ويلجأ منه إلا هو مِن الله خلقاً وإبداعا، فالفارُّ والمستعيذ: فارٌّ مما أوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه، إلى ما تقتضيه رحمتُه وبِره ولطفه وإحسانه" [الرسالة التبوكية].

وإياك إياك أن تتبع الشيطان في طريق فيه هلاكك وسوء عاقبتك، فلقد أمرك ربك أن تجاهد عدوه وأمرك بالصبر على ذلك، وحذرك من الفرار، وبين لك الطريق وأعلمك بالعاقبة ودلَّك على درب النجاة.

قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 155 - 156]، فأخبرهم بقدره عليهم وهو البلاء، ودلَّهم على طريق النجاة وهو الصبر.

ولك أسوة حسنة بالأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين، فلقد علموا طريق نجاتهم وسلكوه، فكانت لهم العاقبة وأهلك الله عدوهم ونصرهم عليهم.

فهذا نبي الله موسى لما أدركه فرعون وجنوده من خلفه، والبحر من أمامه، وقال أصحابه إنا لمدركون، أبى ذلك ودلهم على طريق نجاته الذي لايخيب، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 61 - 63].

وهذا رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- يخِرُّ راكعا لله -عز وجل- يوم بدر، وقد حشَّد المشركون حشدهم، وجاؤوا ببهرجهم، يحاربون الله ورسوله، فسلك رسول الله طريقه، وتضرع إلى خالقه وألح عليه في الدعاء حتى أمده الله بجنده ونصره.
فدونك هذا الطريق فالزمه، وإياك أن تحيد عنه، واعلم أن الله نعم المولى ونعم النصير.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

فَوَائِدُ الذِكر • قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ؛ ...

فَوَائِدُ الذِكر

• قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ، فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ) [الترمذي].

• قال ابن القيم: "فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى".

◾️ من فوائده:

▪️ يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره
▪️ يرضي الرحمن وينجي من عذابه
▪️ يزيل الهم والغم ويجلب الفرح والسرور
▪️ يقوي القلب والبدن وينور الوجه
▪️ يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة
▪️ يورث المحبة التي هي روح الإسلام
▪️ يورث المراقبة ويدخله في باب الإحسان
▪️ يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه سبحانه
▪️ سبب نزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة
▪️ سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش
▪️ أيسر العبادات وهو من أجلها وأفضلها
▪️ ينبه القلب ويوقظه ويداوي قسوته
▪️ يوجب صلاة الله وملائكته على الذاكر
▪️ يسهّل الصعب وييسر العسير ويخفف المشاق
▪️ كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق

[الوابل الصيب - بتصرف يسير]
...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-: في تفسير قوله تعالى: {يَا ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-:

في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ..}: "ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم"

[تفسير ابن كثير]
...المزيد

وحرض المؤمنين محن ونوازل متلاحقة يشتدّ فيها الصراع بين الحق والباطل، ويكشّر الكفار فيها عن ...

وحرض المؤمنين

محن ونوازل متلاحقة يشتدّ فيها الصراع بين الحق والباطل، ويكشّر الكفار فيها عن أنيابهم ليحاربوا المسلمين في كل مكان، فيسفكون الدماء وينتهكون الحرمات وينهبون الخيرات ويهلكون الحرث والنسل، فكان لزاما على أبناء الإسلام التصدي لهم ورد عاديتهم، نصرة للدين وصونا للحرمات.

• من ينتصر للإسلام؟

أخي الموحد، أما تغضب لدينك وأنت ترى بلدان المسلمين تُحكم بشرع الشيطان بدل شرع الرحمن؟، أما تبصر مآسي أمتك فوق كل أرض وتحت كل سماء على أيدي النصارى واليهود وأذنابهم المرتدين؟، أما يحزنك قصف المنازل على رؤوس الصغار والكبار؟ أما تغضبك أخبار الاعتداء على الأعراض؟ أما يحرك قلبك أنين الأسارى؟، هب أن المُعتدَى عليهم أهلك وأبناؤك، هل كنت ستقف موقف المتفرج أم أنك ستدافع بكل ما أوتيت من قوة؟ قل لنا بالله عليك: لماذا تحرّك قلبك تجاه أقاربك في النسب ولم يتحرك تجاه إخوانك في الدين، مع أن أواصر الدين أقوى وأمتن؟! أما تعلم أن نصرة إخوانك في الدين واجب شرعي عليك، لقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، قال القرطبي: "حض على الجهاد، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين؛ فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس".

• إني أجد ريح الجنة!

كلمة سطرها التاريخ لأنس بن النضر رضي الله عنه في غزوة أحد لمّا تراجع الناس "فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ؟ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضى فَقُتِل". [متفق عليه]، فنال ما تمنى، أما آن لك أن يحترق قلبك شوقا إلى بلاد الأفراح، حيث سعادة الأنفس والأرواح، حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، نعيم لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، كما في الحديث القدسي: (قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ). [البخاري]

فقل لنا بالله عليك: أما طمعت نفسك في الجنان، وفي النظر إلى الرحيم الرحمن، أما قرأت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، تأمل كيف يشتري سبحانه منك نفسك ومالك وهو المالك الحقيقي، وبأغلى الأثمان!، فما ضرك يا أخي أن تبذل نفسك رخيصة في سبيل خالقها ومالكها فتفوز بأعلى الجنان؟!

• انفروا خفافا وثقالا

أخي الموحد، اعلم أن الله تعالى شرع الجهاد والهجرة في سبيله وقرن سبحانه بينهما في آيات كثيرة كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فما الذي يقعدك عن اللحاق بإخوانك والهجرة إليهم، أما سمعت قول ربك: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع". أخي الموحد، ما أخرك عن اللحاق بقوافل المهاجرين، أهما والداك؟ فلن يدفعا عنك يوم القيامة عذاب ترك الجهاد، بل لعلك بالجهاد والشهادة تكون شفيعا لهما يوم الحساب، وحسبك في الدنيا أن تبرهما وتحسن إليهما وليس من ذلك ترك الجهاد المتعين، أم أخرك زوجك وأبناؤك؟، هب أنك قعيد بينهم أكنت أنت رازقهم أم كنت أنت الذي تحميهم من نوائب الدهر؟!، أتخشى عليهم الفقر بعدك؟ فمن كان إذًا لـ "هاجر" زوج الخليل -عليه السلام- بعد أن تركها في صحراء قاحلة لا طعام لها ولا زاد، ولكن يقينها بربها كان أقوى فقالت: "يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: اللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعَنَا" [البخاري]، فاعلم وتيقن أن رزق عيالك على ربك سبحانه، وإن كان ما أخرّك مسكن واسع أو تجارة رابحة أو غير ذلك من عرض الدنيا الفانية فتدبر قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} فخف على نفسك وعيد ربك.

• واقتلوهم حيث ثقفتموهم

أخي المسلم، إن حيل بينك وبين الهجرة ولم تهتد إليها سبيلا، فاعلم أنك على ثغر مهم لا يقل شأنا عن ثغور الجهاد إن أحسنت استغلاله، فابذل الأسباب واستعن بالله ودونك رقاب الكفار والمرتدين، فاقطف رؤوسهم وأحرق مراكبهم واجعلهم لا يأمنون على أنفسهم حتى في بيوتهم، واجعل قدوتك في ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم، فهذا محمد بن مسلمة رضي الله عنه ذهب إلى "كعب بن الأشرف" فقتله بين أظهر المشركين، نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم قال: (مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) [البخاري]

فيا أخي في الدين، كم مرة سبّوا فيها نبينا صلى الله عليه وسلم وتطاولوا على جنابه الكريم في أرض الكفار الأصليين وعند الأنجاس المرتدين؟! كما يفعل الرافضة في العراق وغيرهم، وكم مرة شتموا فيها ديننا! بل وتطاولوا على خالقنا! -جل جلاله- باسم "حرية التعبير" و "التنوير" أما يغضبك ذلك؟! أما يحرك فيك دماء الثأر والانتقام؟ فكن أخي على درب محمد بن مسلمة وانتصر لدينك ونبيّك، أو كن مثل الصحابي فيروز الديلمي الذي اغتال رأس الردة "الأسود العنسي" في عقر داره وعلى فراشه، أو كن مثل تلك الثلة المباركة من الصحابة بقيادة عبد الله بن أنيس، الذين تسللوا إلى خيبر واغتالوا عدو الله "سلام بن أبي الحقيق"، فقتلوه وامرأته تصرخ وتولول! [تاريخ ابن كثير].

وعلى خطى الصحابة سار أبطال الإسلام اليوم، أما سمعت عن فوارس دولتنا الذين صالوا وجالوا في عقر أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرها من بلاد الكفر، فمنهم من دهس! ومنهم من ذبح! ومنهم من فجّر وانغمس واشتبك!، فكن مثلهم واقتد بهم واسلك طريقهم، ولا تدع الشيطان يثبطك، ولا تتعذر بقلة العدة فالقليل يغني مع الصدق الكثير، ولا تتهيب الأسر، فهو -إنْ وقع- ابتلاء من جملة الابتلاءات التي يقدرها الله على عباده ليميز الخبيث من الطيب، فادفعه عنك ببذل الأسباب وحسن التوكل على مولاك، واصبر وصابر واستعن بالله وانطلق، والله خير حافظا.

فحاصل الكلام أخي المسلم، أن تشارك إخوانك المجاهدين في أرض العز بالهجرة إليهم كما فعل غيرك، فانهض وتجهز وكن لبنة من لبنات التمكين لهذا الدين، ولا يغرنك تخلف المتخلفين ولا ثرثرة القاعدين، فإن حيل بينك وبين الوصول إلى المجاهدين، فاجتهد وجاهد في مكانك فأئمة الكفر وجنودهم في كل مكان حولك، ولتكن غايتك رضا مولاك ولتضع هذه الآية نصب عينيك: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.


• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 505
السنة السابعة عشرة - الخميس 29 المحرم 1447 هـ
مقال:
وحرض المؤمنين
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 505 الافتتاحية: • وقود التوحيد لكل قضية نبيلة ضريبة ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 505
الافتتاحية:

• وقود التوحيد

لكل قضية نبيلة ضريبة تُدفع وثمن باهظ يُبذل، مهما سمت تلك القضية التي نؤمن بها ونعيش من أجلها، فلا يمكن لراياتها أن تعلو ولبنيانها أن يشمخ ويرتفع إلا بوجود وقود يذكيها ويشعل جذوتها، وكفاح وبذل يترجم صدقها وصدق حامليها، ولا قضية أنبل وأعظم من التوحيد، وهو ليس مجرد كلمة تقال، بل هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء تحتاج إلى جهد ومصابرة واحتمال.

وإن وقود الاستخلاف في الأرض حتى يكون السلطان والحكم فيها لله وحده مصداقا لقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}؛ هو الجهاد في سبيل الله والصبر على مشاقه وتكاليفه؛ وذلك ببذل المهج وإرخاص الأرواح كما قال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ}، فلم يقل: سايروهم أو سالموهم أو شاركوهم لأن الدم لا يُحقن إلا بالدم! والحديد لا يُفل إلا بالحديد، وكرامة النصر والتمكين ليست غنيمة باردة تأتي بالمجان دون مقابل، والقعود والانبطاح والاستسلام وكل دعاوى الانهزام بجميع أشكالها وصورها لم تكن يوما سبيلا لإقامة الحق ونصرة الدين والعقيدة، بل القتال هو الطريق الأوحد والسبيل الآكد لتحقيق ذلك، لذلك أمر به سبحانه فقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، قال ابن عباس رضي الله عنه: "حتى لا يكون شرك، ويخلص التوحيد لله". [ابن كثير]، وبهذا السبيل لا بغيره استطاع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تشييد أعظم دولة عرفها التاريخ، بنوها بجماجمهم وسقوا أصولها بدمائهم حتى غدت سيرتهم في ذلك منارة شماء تهدي الأجيال الوافدة، وموكب نور يضيء شعاعه وسط الدجنة الحالكة.

أما من اختطّ له طريقا غير التوحيد وسلك سُبلا أخرى غير سبيل الجهاد، زاعما بسلوكها نصرة المستضعفين ومجابهة الظلم والظالمين، فقد ضل الطريق وتاه عن السبيل وزين له الشيطان سوء عمله فرآه حسنا، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، فلقد جعل الله تعالى القتال سبيل نصرة الإسلام والمسلمين، ولو سلك الناس كل سبيل لرفع الاستضعاف عن أمة الإسلام؛ فلن يجدوا غير الجهاد سبيلا، شريطة أن يكون جهادا في سبيل الله على منهاج النبوة، وليس قتالا جاهليا في سبيل الطاغوت كالذي يملأ نتنه الآفاق اليوم.

ولذلك فالضريبة الثقيلة الدامية التي طابت نفوس المؤمنين قديما وحديثا بدفعها، واستسهلوا وعرها واستعذبوا عذابها هي ضريبة الشريعة وحاكميتها، ضريبة الحق كاملا لا بعضه ولا أنصافه، ضريبة منهاج النبوة لا مناهج الجاهلية والوطنية وكل ضروب الغثاء.

ولقد كان من فضل الله تعالى وتوفيقه وتسديده للدولة الإسلامية، أن هداها وأعانها على سلوك هذا السبيل القويم، فلم تبغ غير الجهاد سبيلا ولا لنهجه نائبا في إقامة دين الله وشرعه والدفاع عن بيضته والذود عن حياضه، منذ أن قامت وشقّت طريقها وحتى يومنا هذا الذي اشتدت فيه الهجمة على الإسلام، فتمايز الناس وتغربلت صفوفهم وتمحصت مناهجهم.

لقد احتمل مجاهدو دولة الإسلام تكاليف هذا الطريق وأعباءه ومشاقه ودفعوا ضريبته طوعا، من نفير وهجرة وقرح وجرح وقتل وأسر وفقدان للأحباب ومفارقة للأصحاب وإيثار السكنى في الأودية والشعاب، وافتراش الأرض والتحاف السماء في العراء وسط الرمضاء، لقد عاينوا كل ألوان المحنة والشدة واللأواء؛ جريا منهم على نهج وسيرة خاتم الرسل والأنبياء وصحابته السادة النجباء الذين ذاقوا من البأساء في سبيل إقامة الدين ألوانا وتجرعوا من العلقم كيزانا، في ترجمة واقعية لسنة الله في حمل أمانته ونصرة دينه وشريعته يسلّيهم قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}؛ قال ابن كثير: "أي: أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد.. أي: لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تُبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء".

وإن ما يسطره جنود الدولة الإسلامية -ثبّتهم الله- من ملاحم عظيمة ومعارك شرسة في ظروف غير متكافئة بكل المقاييس، تراق فيها الدماء وتمزق الأشلاء وتتساقط فيها جماجم الشهداء، متصدّين فيها لحملات الصليبيين وأوليائهم المرتدين في سائر الولايات والميادين؛ شاهد وبرهان على أن وقود التوحيد باهظ وطريقه شائك، ليس عنه محيد، وخوضه طاعة لله واحتمال ما فيه، هو أمارة صدق وبشرى للسائرين عليه الباذلين فيه أغلى ما يملكون وبشراهم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.إن ضريبة تحكيم شريعة الله في أرضه ونقلها من حيز التنظير إلى أرض الواقع تحتاج منكم -معاشر المجاهدين- إلى كثير من التضحيات، وهذا هو قدره الغالب وحكمته البالغة وسنته الماضية في خلقه لم تحاب أحدا قبلكم بمن فيهم الأنبياء والرسل {مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا}، مع أنه سبحانه قادر على نصرة دينه وإهلاك أعدائه بدون قتال ولا جهاد، ولكنه سبحانه فرض ذلك على عباده امتحانا لإيمانهم واختبارا لصبرهم وتمحيصا لصفوفهم ورفعا لدرجاتهم، كما قال في كتابه: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}.

إن الضريبة التي يدفعها المجاهد في سبيل إقامة شرع الله مهما عظمت، فنتاج أمرها بين جزاءين لا ثالث لهما: الأول هو النصر والظفر لمن يبقيه الله تعالى حتى يريه ذلك، وهذا النصر حق ووعد لا شك في تحقيقه في الحياة الدنيا، والثاني هو نيل مرتبة الشهادة السامية لمن يُقتل على هذا الدرب مؤمنا صابرا محتسبا لم يبدل ولم ينكل، وكلا الجزاءين للمجاهد فوز وكرامة ونجاة، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 505
السنة السابعة عشرة - الخميس 29 المحرم 1447 هـ
...المزيد

أحلام الجولاني المفتون بالحكم في الوقت الراهن تتجاذب دوائر صنع القرار اليهودي طريقتين للتعامل مع ...

أحلام الجولاني المفتون بالحكم

في الوقت الراهن تتجاذب دوائر صنع القرار اليهودي طريقتين للتعامل مع المشهد السوري الجديد، الطريقة الأولى تتمثل في حسم الملف أمنيا وعسكريا، وعدم الوثوق بالنظام الجديد مهما قدّم من قرابين وعرابين، ومهما التزم بآداب حسن الجوار أسوة بنظيره الأردني والمصري وهلم جرا.

بينما الطريقة الثانية وتؤيدها مراكز أبحاث "الأمن القومي اليهودي" تتمثل في التعامل مع النظام السوري الجديد كحليف محتمل مستقبلا، أسوة بسلفه "الأسد" الذي كان يرفع شعار "المقاومة" في الهواء وعلى الأرض يلتزم التزاما حديديا بحماية الحدود اليهودية! مع فارق أن الطاغوت الجديد لا يرفع أي شعارات سوى "السلام".

لكن تبقى النزعة الأمنية اليهودية حتى الآن متغلبة على غيرها في التعامل مع المشهد السوري، وهو ما يصطدم بالأحلام الجولانية الواعدة لمد جسور السلام والوئام مع العدو التقليدي للمسلمين تشبُّثا بالحكم وليس ثمة شيء آخر.

فالسلوك الرسمي للنظام السوري الجديد بدا واضحا منذ الأيام الأولى لتسلُّمه الحكم، وكان حاسما لا يقبل المواربة بأن "سوريا الجديدة" لن تشكل خطرا على اليهود! ولن تسمح لأحد بذلك! وهذا شيء متوقع ليس في الفترة الانتقالية فحسب، بل حتى لو حكم الجولاني مئة عام فلن يسعى لإغضاب الجار اليهودي!، فالرجل المفتون بالحكم طلّق دينه ثلاثا من أجل هذه "اللحظة التاريخية!" أتراه يغامر باللعب في الملف الأخطر على الإطلاق وهو الأمن اليهودي؟!

افتتاحية النبأ "الجولاني بين جدارين" 488
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم تتشوق النفس البشرية للتعرف على ما هو كائن في قابل الأيام، سواء ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم


تتشوق النفس البشرية للتعرف على ما هو كائن في قابل الأيام، سواء عما يتعلق بمستقبل الإنسان نفسه أم بمصير البشرية كلها وصولا إلى قيام الساعة، ولعل في انتشار الكهنة والعرافين في كل أمم الشرك خير دليل على ذلك، إذ يُنفق المشركون كثيرا من أموالهم طلبا لمعرفة المستقبل الذي يزعم أولئك الكذبة الدجالون معرفته.

وفي الوقت نفسه فإن الله سبحانه -الذي لا يعلم الغيب إلا هو- أوحى إلى بعض عباده وهم الأنبياء -عليهم السلام- في جملة ما أوحى إليهم أمورا هي من الغيب، تخص ما هم ملاقوه وأتباعهم في أيامهم القادمة، ولعل أكبر مثال على ذلك، ما أوحاه -تعالى- للمرسلين السابقين عن بعثة أخيهم محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمره لهم بالإيمان به ونصرته هم وأتباعهم، وأخذ الميثاق منهم على ذلك.

وكذلك فإن نبينا -عليه الصلاة والسلام- بلَّغ من جملة ما بلَّغه عن ربه -تعالى- من العلم أمورا تحصل بين بعثته وقيام الساعة، منها ما هو من أخبار الفتن والملاحم التي تكون في آخر الزمان، ومنها ما هو من أشراط الساعة التي يجعلها الله -سبحانه- علامات على اقتراب قيامها، فلا تقوم إلا بعد ظهور هذه الأشراط.

ولا زال المسلمون في كل عصر يولون هذه الأحاديث الاهتمام الكبير، فيؤمنون بما فيها من العلم، ويعلِّمونها، ويبلِّغها كل قرن للذي يليه، وكما في كل مسألة من مسائل الدين الكثيرة التي ضل فيها أقوام، فإن طوائف كثيرة من الناس قد ضلت في هذه القضية الهامة، فغلوا فيها إفراطا أو تفريطا، بين متعلق بها أشد التعلق يريد أن يُسقط كل ما يسمعه من أنبائها على واقعه المعاش، هربا من ضغوط عليه أو طمعا في مصير يطمح إليه، وبين قالٍ يريد أن يردّ هذه الأحاديث كلها، ويكفر بها، لأنه لا يعتقد بما ورد فيها من أمور لا تتوافق مع عقله القاصر.

والمؤمن يعمل بالمسألة كما أراد الله سبحانه، فلا يندفع في عالم من الجهل، يتتبع كل كلمة لا يعرف صدقها فيجعلها من محكمات الدين، ولا يزهد في هذا الباب من العلم الذي نزل به الروح الأمين من لدن رب العالمين، وبلغه إلى رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، ونقله عنه خيار الناس من الصحابة والتابعين، ولا زال مدار اهتمام وتعليم له من أهل العلم الراسخين، ومن أهم أسس المنهج النبوي في هذا الباب:

• الإيمان بكل ما جاء في الكتاب والسنة

فلا شك أن من أصول أهل الإيمان أن يؤمنوا بكل ما جاءنا من النبي، عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك الإيمان بما ورد في الكتاب والسنة من أحاديث الفتن والملاحم، فقد ورد كثير مما يتعلق بهذا الباب في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يصح إيمان امرئ لا يؤمن أن كل ما فيه حق، وأنه من الله تعالى، وكذلك الإيمان بكل ما صح عن النبي، عليه الصلاة والسلام، وإن لم يعقله، أو يدرك مغزاه، وأن لا يكون في صدره حرج منه، كما قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
ولذلك نجد أن أئمة السلف جعلوا الإيمان بالمسائل الغيبية التي أنبأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بحدوثها في آخر الزمان في كتب العقيدة التي كتبوها للناس، مبينين من خلالها اعتقاد أهل السنة والجماعة الذين لا يزيغ عن عقيدتهم إلا هالك، وما كان اهتمامهم الكبير بإبراز هذه المسائل إلا خوفا على المسلمين من أن يفتنهم أهل الضلال عنها، ويدفعوهم إلى الكفر ببعض ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتباعا لأهواء الذين لا يعلمون.

قال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد: "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل: حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة، مثل خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم -عليه السلام- فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل"، انتهى كلامه رحمه الله.

ولا يشترط تواتر الأحاديث لوجوب الإيمان بها، بل إذا صح الحديث عند علماء الحديث فإننا نؤمن ونعمل به، خلافاً لأهل البدع الذين اشترطوا تواتر الحديث لإثبات أمور العقائد، وادعوا أن الحديث غير المتواتر لا يفيد العلم اليقيني.

ولا يجوز اعتقاد أن بعض الأخبار المستقبلية قد نسخ، لأن النسخ يكون للأحكام لا للأخبار، فما أخبر عنه الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- كله حق وصدق، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، وقال عن نبيه، صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].
• الحذر من الأحاديث المكذوبة والتأويلات الفاسدة

ولما كانت القضية هنا تتعلق بما ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وجب التأكد من نسبة الأقوال إليه، قبل الإيمان بها أو نسبتها إليه عند تبليغها للناس، وخاصة أن باب الفتن والملاحم من الأبواب التي كثر الكذب فيها من أهل الضلال الذين حاولوا الانتصار لضلالهم من هذا الطريق، وخاصة الروافض الملاعين الذين أكثروا من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وآل بيته، ووضعوا قصصا كثيرة يزعمون من خلالها انتصار ضلالهم في آخر الزمان.

وكذلك فإن كثيرا من أحاديث الفتن والملاحم وصلتنا من طرق ضعيفة لا يقوم بها دين، فالحديث الضعيف وإن لم يكن شديد الضعف فهو لا يفيد العلم اليقيني، بل يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، ولكن من الجهة الأخرى لا يُكذب المسلم ما جاء في الأحاديث الضعيفة من أخبار، وإن لم يؤمن بها، إلا إذا جاء في الأحاديث الصحيحة ما يعارضها وينفي صحة ما جاء فيها، لأن بعض الأحاديث تختلف فيها اجتهادات أهل العلم بالحديث فيصححها بعضهم ويضعفها آخرون.

والإيمان بما ورد من الغيبيات يقتضي أن نصدق بالأخبار على ظاهرها، خلافاً لأهل البدع الذين يسمون أنفسهم العقلانيين ومن على شاكلتهم حيث ادعوا الإيمان بالغيب ثم صرفوا كثيراً من النصوص عن ظاهرها، فلا نتأول أحاديث الفتن والملاحم تأولا يحرفها عن حقيقتها، بل نؤمن بما جاء فيها، ونمررها كما جاءت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى يظهر تأويلها واضحا جليا في الوقت الذي يأذن به الله عز وجل.

والواجب على المسلم الرجوع إلى تفسير أهل العلم للآيات والأحاديث التي فيها أخبار عن أشراط الساعة وغيرها من الأمور المستقبلية، كما هو شأن المسلم دائماً، ألا يفسر القرآن برأيه ولا بآراء أهل البدع والضلال.

وكذلك فإنه ينبغي الابتعاد عن إسقاط النصوص التي تتضمن إشارات إلى أحاديث آخر الزمان على واقع المسلمين في أي زمان دون برهان بيّن من الشريعة، ففي هذه الهاوية زلَّت كثير من الأقدام، وفي هذا الطريق ضلت طوائف من الناس، وسنسعى -بإذن الله- إلى الحديث عن هذا الجانب الخطير من جوانب الإيمان بأحاديث الملاحم والفتن، والله الهادي إلى سواء السبيل.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً