أحب لأخيك ما تحب لنفسك
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله القائل في كتابه العزيز ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]و أشهد أن لا اله إلا الله الرحمن الرحيم الداعي عباده إلى محبة الخير للعالمين و أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله القائل لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ........ثم أما بعد :
إخوة الإسلام إن الإسلام دين مبني على المحبة والألفة والأخوة تلك الوشيجة القوية التي تجعل من المجتمع بنيانا مرصوصا يحب بعضه بعضا يحنوا فيه القوي على الضعيف والغني على الفقير والكبير على الصغير والحاكم على المحكوم، مجتمع يحب الخير إلى غيره يفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويسعد لسعادتهم، مجتمع تخرج من تلك المدرسة القرآنية المحمدية التي تنص على ما يلي:
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث معاذ رضي اللهُ عنه: أنه سأل رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أفضل الإيمان، قال: «أَفْضَلُ الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ» قال: وماذا يا رسول اللَّه؟ قال: «وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا أَوْ تَصْمُتَ»( ).
وهذا من خصال الإيمان العظيمة، ولذلك رتَّب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخول الجنة على العمل بها، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث يزيد ابن أسد القسري رضي اللهُ عنه قال: قال لي رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ؟ » قلت: نعم، قال: «فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ» ( ).
وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللهُ عنهما: عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَاتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَاتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» ( ) .
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي اللهُ عنه قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي؛ لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ»( ).
وإنما نهاه عن ذلك لما رأى من ضعفه، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحب هذا لكل ضعيف، وإنما كان يتولَّى أمور الناس لأن اللَّه قوَّاه على ذلك، وأمره بدعاء الخلق كلهم إلى طاعته، وأن يتولَّى سياسة دينهم ودنياهم.
وكان محمد بن واسع يبيع حمارًا له، فقال له رجل: أترضاه لي؟
قال: لو رضيته لم أبعه؛ وهذا إشارة منه إلى أنه لا يرضى لأخيه إلا ما يرضى لنفسه، وهذا كله من جملة النصيحة لعامة المسلمين، التي هي من جملة الدين.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة رضي اللهُ عنه قال: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ، مَهْ، فَقَالَ: «ادْنُهْ»، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ » قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ»؛ قَالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ » قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ»؛ قَالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ » قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ»؛ قَالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ»: قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ»؛ قَالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ»: قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ» قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ»، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ( ) .
قال ابن رجب: وينبغي للمؤمن أن يحزن لفوات الفضائل الدينية، ولهذا أُمر أن ينظر في الدين إلى من فوقه، وأن يتنافس في طلب ذلك جهده وطاقته، كما قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون (26)} [المطففين]؛ ولا يكره أن أحدًا يشاركه في ذلك، بل يحب للناس كلهم المنافسة فيه، ويحثهم على ذلك، وهذا من تمام أداء النصيحة للإخوان؛ فإذا فاقه أحد في فضيلة دينية، اجتهد على لحاقه، وحزن على تقصير نفسه وتخلفه عن لحاق السابقين: لا حسدًا لهم على ما آتاهم اللَّه، بل منافسة لهم وغبطة وحزنًا على النفس، لتقصيرها وتخلفها عن درجات السابقين؛ وينبغي للمؤمن أن لا يزال يرى نفسه مقصرًا عن الدرجات العالية مستفيدًا بذلك أمرين نفيسين: الاجتهاد في طلب الفضائل والازدياد منها، والنظر إلى نفسه بعين النقص؛ وينشأ من هذا: أن يحب للمؤمنين أن يكونوا خيرًا منه، لأنه لا يرضى لهم أن يكونوا على مثل حاله، كما أنه لا يرضى لنفسه بما هي عليه، بل هو يجتهد في إصلاحها.
وقد قال محمد بن واسع لابنه: أَمَّا أبوك فلا كثَّر اللَّه في المسلمين مثله، فمن كان لا يرضى عن نفسه، فكيف يحب للمسلمين أن يكونوا مثله مع نصحه لهم؟ ! بل هو يحب للمسلمين أن يكونوا خيرًا منه، ويحب لنفسه أن يكون خيرًا مما هو عليه ( ). اهـ.
قال ابن عباس رضي اللهُ عنهما: «إني لأَمُرُّ على الآية من كتاب اللَّه، فأَوَدُّ أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم».
وقال الشافعي رحمه الله: «وددت أن الناس تعلَّموا هذا العلم، ولم يُنسَب إليَّ منه شيء».
قال أبو بكر الحربي: سمعت السَّرِيَّ يقول: حمدت الله مرة، فأنا أستغفر من ذلك الحمد منذ ثلاثين سنة.
قيل: وكيف ذاك؟
قال: كان لي دكان فيه متاع، فاحترق السوق، فلقيني رجل، فقال: أبشر، دكانك سلمت.
فقلت: الحمد لله، ثم فكرت، فرأيتها خطيئة! ( )
وفي رواية قال:
احترق سوقنا فقصدت المكان الذي فيه دكاني فتلقاني رجل فقال أبشر فإن دكانك قد سلمت.
فقلت: الحمد لله.
ثم ذكرت ذلك التحميد إذ حمدت الله على سلامة دنياي وإني لم أواس الناس فيما هم فيه، فأنا أستغفر الله منذ ثلاثين سنة. ( )
فهو قد شعر بأنه قد تلبس بأَثَرَة وأنانية، دون شعور بعطف ورحمة تجاه إخوانه المصابين، وهذا ما أشعره بالخطيئة فقال
ثم ذكرت ذلك التحميد إذ حمدت الله على سلامة دنياي وإني لم أواس الناس فيما هم فيه، فأنا أستغفر الله منذ ثلاثين سنة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»( )
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَحَابُبِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى شَيْءٌ مِنْهُ تَدَاعَى سَائِرُهُ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ، وَفِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ إِذَا صَلَحَتْ وَسَلِمَتْ سَلِمَ سَائِرُ الْجَسَدِ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، الْقَلْبُ»( )
فَمَا وَجْهُ اسْتِغْفَارُهُ؟
كأنه رضيّ عن احتراق دكاكين إخوانه، أو لم يشعر بالأسف على ذهاب أموال إخوانه، والإيمان الحقيقي أن يحب المر لأخيه ما يحب لنفسه، هو سلم دكانه نعم، لكن كان المفروض أن يظهر حزنًا وتفجعًا على دكاكين الآخرين التي احترقت، فكأنه رأى أنه أخلَّ ببعض مواصفات المؤمنين، فلم يستغفر الله أنه حمد الله، إنما استغفر الله لتقصيره فيما يتعلق بأموال إخوانه، ولا يحمل هذا الكلام إلا على هذا فقط، وإلا فهو كلام مردود، إذا لم تجد له في التأويل مساغًا ومسلكًا نرده لأنه ليس معصومًا، والإنسان الفاضل قد يقول الكلام الساقط أحيانًا وقد يقول الكلام المرجوح كثيرًا، فهذا أيضًا كلام لسري يحتاج إلى تأويل. ولما تدقق وتمحص في المعاني قد لا تهتدي لمرادك، فقد تتبع طريقته وأنت لست مؤهلاً لذلك فيحدث عندك انتساخ عنه،
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أما بعد: عباد الله ..................................
قال الشيخ علي الطَّنطاوي - رحِمه الله -: "الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها، حمد الغنيّ أن يعْطي الفقراء، وحمْد القويِّ أن يُساعد الضُّعفاء، وحمْد الصَّحيح أن يعاون المرْضَى، وحمْد الحاكم أن يعدِل في المحْكومين، فهل أكون حامدًا لله على هذه النِّعَم إذا كنت أنا وأوْلادي في شبع ودفْء، وجاري وأولاده في الجوع والبرد؟! وإذا كان جاري لم يسألْني، أفلا يجِب عليَّ أنا أن أسأل عنه؟! إنَّ كلَّ واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد مَن هو أفقر منه فيعطيه، ولا تظنّوا أنَّ ما تعطونه يذهب هباءً، لا والله، إنَّكم تقْبضون الثَّمن أضعافًا، تقْبضونه في الدُّنيا قبل الآخرة، إنَّ الله يخلفه في الدنيا قبل الآخرة".
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم.«من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟ قلت: أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعد خمسا فقال:
اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ( )».
وعظ علي كرم الله وجهه ابنه الحسن رضي الله عنه فقال:
(يا بني، اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك:
فأحبَّ لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها.
ولا تظلم، كما لا تحب أن تُظلم.
وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك.
واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك.
وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك.( )
إذا رأى المسلم في أخيه نقصاً في دينه اجتهد في إصلاحه، فهو يكره ما هو عليه من المعصية، ويرحم صاحبها، فيريد إخراجه منها، شفقة عليه أن تمسه النار، قال بعض السلف: "أهل المحبة لله نظروا بنور الله، وعطفوا على أهل معاصي الله، مقتوا أعمالهم وعطفوا عليهم، ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم، وأشفقوا على أبدانهم من النار، لا يكون المؤمن مؤمناً حقاً حتى يرضى للناس ما يرضاه لنفسه".
فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك
يونس بن عبيد – رحمه الله –..
كان رحمه الله تاجرا وعنده حلل مختلفة الأثمان منها نوع ثمن كل حله منه أربعمائة درهم ، ونوع كل حلة مائتا درهم ، فذهب إلى الصلاة وخلف ابن أخيه فجاء أعرابي إلى الدكان وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين ، فاستحسنها ورضيها فاشتراها بأربعمائة درهم ، فمشي بها وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته ،
فقال للأعرابي بكم اشتريت؛ فقال: بأربعمائة درهم، فقال يونس لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها،
فقال الأعرابي : هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا ارتضيها فقال له : يونس انصرف معي فإن النصح في الدنيا خير من الدنيا بما فيها ، ثم رده إلى الدكان ورد عليه مئتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك ،
وقال له : أما استحيت من الله ؛ تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين ؛ فقال : والله ما أخذها إلا وهو راض بها ، فقال : فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك .)( )
إن فرسك خير من ثلاثمائة
جرير بن عبد الله – رضي الله عنهما- روي الطبراني أن غلام يعني جرير اشترى له فرسا بثلاثمائة فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال : إن فرسك خير من ثلاثمائة فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة( )
محبة الخير الى الغير حتى اخر رمق في الحياة
قال حُذَيفة العدوي: انطلقتُ يوم اليرموك أطلب ابن عم لي - ومعي شيء من الماء - وأنا أقول: إن كان به رَمَق سقَيْتُه، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه: أنْ نَعم، فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إليَّ ابن عمي أنِ انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فأشار: أنْ نَعم، فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أنِ انطلق إليه، فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات؛ ( )الدعاء ...................................... ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
أحب لأخيك ما تحب لنفسك الشيخ السيد مراد سلامة الخطبة الأولى الحمد لله القائل في كتابه العزيز ...
أحب لأخيك ما تحب لنفسك
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله القائل في كتابه العزيز ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: ...المزيد
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله القائل في كتابه العزيز ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: ...المزيد
جمال الإحسان إلى الجير الشيخ السيد مراد سلامة الخطبة الأولى أما بعد: ...
جمال الإحسان إلى الجير
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: .................................أيها الإخوة الكرام: دين لم يعاد الجمال بل سما به و لم لا و الله تعالى جميل يحب الجمال فالجمال" صفة مِن صفات الله عز وجل، فالله سبحانه جميل، جميلٌ في ذاته، جميلٌ في أسمائه، جميلٌ في أفعاله، جميلٌ في صفاته، يُحِبُّ الجَمال، ويُحِبُّ مِن عبادِه الاتِّصافَ بالتَّجمُّل. عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "(إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَمِيل)( ): أَيْ حَسَنُ الأَفعَالِ، كَامِلُ الأَوصَاف".
وقال المناوي: «له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه (يحب الجمال) أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق». ( )
((إنَّ الله جميل)) جمَع الجمالَ كله، فالجمال منه وإليه؛ جمالٌ لا تُحِيطه العقول، ولا تُدرِكه الفهوم، ولا يمكن أنْ يصفه الواصفون، أو أنْ يبلغ كنهه الناعتون، له المثل الأعلى؛ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].
واعلموا أن كل شيء جميل طالما أنه محاط بسياج الشرع الحكيم , والجمال في الأشياء من نعم الله تعالى علينا , ولقد ذكرنا سبحانه ببعض سبحات الجمال في مخلوقاته الكونية التي سخرها لنا ومنها خلق النبات والحدائق المبهجة , قال تعالى : {واقرؤوا قولَه سبحانه: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } . سورة النمل:60. وقوله سبحانه: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} . سورة الأنعام:99 , وقوله : \" {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}. سورة ق:10.
وكذا الجمال في خلق الحيوان , قال تعالى : { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ }. سورة النحل:5-8. وقال: { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} . سورة الغاشية:17-20.
✍جمال الإحسان إلى الجيران في القرآن:
إخوة الإيمان: و من بساتين الجمال نقتطف وردة الإحسان إلى الجيران لنرى نضرتها و جمالها و لنشم عبيرها و أريجها و نتذوق حلاوتها إن الإسلام أيها الكريم قد وضع دعائم الجمال الاجتماعي و الجمال السلوكي مع الجيران حتى يأسس مجتمعا يبهر العيون و يأخذ بالألباب مجتمعا متآلفا متحابا تعالى لترى ذلك الجمال الذي يبلغ بك ذرة الكمال قال الكبير المتعال : [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ] (النساء: 36).
✍يقول القرطبي - رحمه الله - قوله تعالى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه. الا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين فقال تعالى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى ) أي القريب. (وَالْجارِ الْجُنُبِ) أي الغريب، قاله ابن عباس،..... فقوله_تعالى_: [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى]: هو الذي بينك وبينه قرابة، وقيل: هو الذي قَرُبَ جوارُه، وقيل: المسلم، وقيل: الزوجة.
وقوله: [وَالْجَارِ الْجُنُبِ]: قيل: هو الذي يعد في العرف جارًا وبينك وبين منزله فسحة.
وقيل: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الزوجة: وقيل: غير المسلم( )
✍جمال الإحسان إلى الجيران في سنة النبي العدنان
جمال الإحسان إلى الجار يتجلى في توثيق الروابط الاجتماعية وزيادة المحبة بين الناس، وتطهير المجتمع من الحقد وسوء الظن، مما يؤدي إلى تماسك المجتمع وزيادة الألفة.
و ها هو النبي المختار – عليه الصلاة و السلام – يخبرنا عن وصية جبريل عليه السلام – بالجار فكلما جاء جبريل فهو يوصي النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى خُيل للنبي – صلى الله عليه و سلم أن جبريل سيجعل للجار في الميراث حقا ،عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه( )
يقول بدر الدين العيني – رحمه الله - قوله سيورثه أي سيجعله قريبا وارثا وقيل معناه أي يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره وهذا خرج مخرج المبالغة في شدة حفظ حق الجار)( )
✍الحجب والحرمان من دخول الجنان لمن آذى الجيران
و اعلم علمني الله و إياك: و من قبيح الخلال التي تشوه صورة الجمال في الإسلام أذية الجيران فما أقبح بإنسان يسيء إلى جاره و ما أقبح بإنسان لا يعلم للجار عليه حقا و لا يحمي له عرضا و لا يحفظ له مالا ، إن النبي -صلى الله عليه و سلم أخبرنا أن الله تعالى يجب من آذى جاره عن جنته عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه )( )
قل لي يا من تؤذي جارك أين جمال أخلاقك الذي يزين ظاهرك؟
قل لي يا من تؤذي جارك أين جمال إيمانك الذي يزين باطنك؟
قل لي يا من تؤذي جارك قد تكون جميل الوجه جميل الثياب ولكنك قبيح الأفعال
جمال الوجه في قبح نفسٍ **** كقنديلٍ على قبر مجوسي.
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم إ **** ذا كانت الأخلاق غير حسان
ومن قايس بين الجمال والفعال تبين له أن الملاحة بالقباحة لا تفي بالمقصود، فلله ماذا يعني لباس المظهر إذا كان المخبر عارياً باديةً للناس سوءته! قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:٢٦]
نهى النبي - صلى الله عليه و سلم - عن أذى الجار و عدَّ من أذى الجار من أسباب نقصان الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ( )
✍الأمر بإكرام
إكرام الجار دليل أيضا على رسوخ الإيمان بالله تعالى و رجاء ما عنده من أجر وثواب و دليل واضح على جمال فاعله فكل إناء بما فيه ينضح ،
لَيسَ الجَمالُ بِأَثوابٍ تُزَيِّنُنا *** إِنَّ الجَمالَ جَمالُ العَقلِ وَالأَدَبِ
لَيسَ اليَتيمُ الَّذي قَد ماتَ والِدُهُ ** إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلمِ وَالأَدَبِ
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه( )
وقوله (فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ) على هذا، يدخل فيه إكرام الجار بالألفاظ الحسنة، إكرام الجار بحفظ الجار في أهله، حفظ الجار في عرضه، في الاطلاع على مسكنه، ويدخل في هذا حفظ الجار في أداء الحقوق العامة له؛ في الجدار الذي بينهما، أو النوافذ التي تُطِلُّ على الجار، أو في موقف السيارات مثلا أو في إعتداء الأطفال، أو ما أشبه ذلك، فيدخل هذا جميعا في إكرام الجار، ويدخل فيه أيضا أن يكرم الجار في المطعم والملبس، وأشباه ذلك؛ يعني أنه إذا كان عنده طعام فإنه يطعم جاره منه، وقد كان عليه الصلاة والسلام ربما طها في بيته بعض اللحم فقال «أرسلوا لجارنا اليهودي من مرقة هذا اللحم» وهذا في حق الجار الكافر، ولهذا رأى طائفة من أهل العلم كأحمد في رواية، وكغيره، أن إكرام الجار في هذا الحديث عام يدخل فيه إكرام الجار المسلم، وإكرام الجار الكافر، وإكرام الجار المسلم له حقان لإسلامه ولجواره.
فإذا إكرام الجار كلمة عامة يدخل فيها:
✍ أداء ما له من الحقوق.
✍وكف الأذى عنه.
✍ وبسط اليد له بالطعام وما يحتاجه، وهذا أيضا مع قول الله جل وعلا { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [الماعون:6-7]، والماعون هو ما يحتاج إليه في الإعارة، (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يعني يمنعون ما يحتاج إليه المسلمون في الإعارة، فإذا احتاج جارك إلى أن تعيره شيئا من أدوات الطهي أو شيئا من أدوات المنزل، أو من الأثاث، أو ما أشبه ذلك فإن من إكرامه أن تعطيه ذلك، أما إذا كان يتعدى على أشيائك، ويتلف المال فهذا لا يكون له الحق في إكرامه بذلك؛ لأنه مظنة التعدي.)( )
أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
أما بعد : عباد الله ....................................
✍جمال الإحسان إلى الجيران في حياة أهل الإيمان
اعلموا -بارك الله فيكم- أنَّ مجرَّد الجمال الظَّاهر في الصُّور والثياب لا ينظر الله إليْه، وإنَّما ينظر إلى القلوب والأعْمال، فإن كان الظَّاهر مزيَّنًا مجمَّلاً بحال الباطن، أحبَّه الله، وإن كان مقبَّحًا مدنَّسًا بقبْح الباطن، أبغضه الله؛ فإنَّه - سبحانه - يحبُّ الحسن الجميل، ويُبغض السيِّئ الفاحش.
وهيا أيها الأحباب لنرى الجمال في الفعال والإحسان إلى الجيران ترجمة حرفية فورية
لما روى أنس رضي الله عنه أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: أسلم، فأسلم،
عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-حيث ذبح شاةً فقال: هل أهديتم منها لجارنا اليهودي؟
ثلاث مرات.
ثم قال: سمعت النبي " يقول: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"( )
ففهم هذا الصحابي الجليل من هذا الحديث في حسن معاملة الجار أنه يشمل المسلم والكافر.
وفي ظل هذا التوجيه القرآني عاش أهل الكتاب في جوار المسلمين ينعمون بالأمن والطمأنينة على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
بل لقد وجدوا معاملةً وعدلاً لم يكونوا يجدونها بين أهليهم وبني جنسهم وملَّتهم.
وحين وجدوا تلك المعاملة الحسنة والعدل والخلق من المسلمين أحبوا دين الإسلام، وسارعوا إلى الدخول فيه عن قناعة ويقين.
و تأمل إلى أحوال أهل الإيمان كيف كانوا يقابلون أذى الجيران ،عن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- أن جاره اليهودي انخرق جداره إلى منزل الحسن فصارت النجاسة تنزل في داره واليهودي لا يعلم بذلك فدخلت زوجته يوما فرأت النجاسة قد اجتمعت في دار الحسن فأخبرت زوجها بذلك فجاء اليهودي إليه معتذرا فقال أمرني جدي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار فأسلم اليهودي وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار بل حسن الجوار الصبر على أذى الجار وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن آذى جاره حرم الله عليه الجنة..( )
✍الإمام أبي حنيفة – رحمه الله و جاره :من المشهور عن مروءته، ووفائه ورعايته حق الجوار، و مننن جميل أخلاقه رحمه الله ما روى أنه كان له جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحماً فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت، وهو يقول:
أضاعوني وأي فتىً أضاعُوا *** ليَوم كريهةٍ وسدَادِ ثَغْرِ
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت، حتى يأخذه النوم.
وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس.
فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلة، واستأذن على الأمير. فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكبا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط.
ففعل، فلم يزل الأمير يوسع في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟
قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليال، ويأمر الأمير بتخليته.
فقال: نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا. فأمر بتخليتهم أجمعين.
فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، هل أضعناك؟
فقال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار، ورعايته.
وتاب الرجل، ولم يعد إلى ما كان عليه، ببركة الإمام، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة مُتقلبه ومثواه، ونفعنا ببركاته، وبركات علومه في الدنيا والآخرة. ( )
✍إذا نظرنا إلى أحوال أهل الجاهلية لرأينا كيف أنهم رغم كفرهم و شركهم إلا أنهم كانوا يحمون و يدافعون عن الجار في حضوره و في غيابه، فهذا عنترة المشرك يتغنى بمكارم الخلاق التي تحلى بها مع جيرانه
وإني لأحمي الجار من كل ذلة *** وأفرح بالضيف المقيم وأبهج( ).
✍جمال وروعة الإحسان إلى الجار وإن كان من غير الإنسان
بل لقد غالى العرب وبالغوا في المحاماة عن الجار؛ إذ لم تتوقف محاماتهم عن الجار الإنسان، بل لقد تعدوا ذلك، فأجاروا ما ليس بإنسان إذا نزل حول بيوتهم حتى ولو كان لا يعقل ولا يستجير؛ مبالغة في الكرامة والعزة، وتحديًا لأحد أن يخفر الجوار،
✍حق الجوار حتى مع النمل:
لقد تجلى الجمال جمال الأخلاق مع معرفة حقوق غير الآدميين فحفظوا جوارهم، وبسطوا فضلهم ،و حموا جوارهم ،فكانوا صورة مشرقة لذلك الدين .................
كان عدي بن حاتم الطائي صحابيا روى عن النبي ستة وستين حديثا وكان إذا ركب فرسه تخط رجلاه بالأرض وكان يفت الخبز لمن جاوره من النمل ويقول علينا حق الجوار حكاه النووي في تهذيب الأسماء واللغات..( )
✍مجير الجراد
وكان أبو حنبل يقال له مجير الجراد،وذلك أنه نزل عليه جراد بفنائه فعدا الحي إليه فقال لهم:إلى أين؟
فقالوا أردنا جيرانك جراداً نزل بفنائك!فقال:أما إذ سميتموه جاري فلا تصلون إليه أبداً!فأمر قومه أن يسلو سيوفهم ويمنعوه؛وفيهم يقول الشاعر:
ومنّا ابن مرّ أبو حنبل *** أجار من الناس رجل الجراد ( )
✍و منهم من قضى على من قتل حمامة مجاورة للرجل بالدية
قدم زياد الأعجم خراسان على المهلب فنزل على حبيب بن المهلب، فجلسا على شراب لهما، وفي الدار شجرة عليها حمامة فجعلت تدعو، فقال زياد الأعجم: " من الوافر "
تغني أنت في ذممي وعهدي *** بأن لن يذعروك ولن تطاري
إذا غنيتي فطربت يوماً *** ذكرت أحبتي وذكرت داري
فإما يقتلوك طلبت ثأراً *** بقتلهم لأنك في جواري
فأخذ حبيب سهماً فرماها فقتلها، فقال زياد: قتلت جارتي بيني وبينك المهلب، فأتى المهلب فقال: يا حبيب، ادفع إلى أبي أمامة دية جاره ألف دينار كاملة، فقال حبيب: إنما كنت ألعب، فقال المهلب: ليس مع هذا لعب، جاره جاري بل هو أفضل، فدفع إليه ألف دينار، فقال زياد: " من الطويل "
فلله عينا من رأى كقضية قضى لي بها شيخ العراق المهلب
قضى ألف دينار لجار أجرته ** من الطير حضان على البيض يتعب
رماه حبيب بن المهلب رمية *** فأنفذه بالسهم والشمس تغرب
فألزمه عقل القتيل " بن حرة *** فقال حبيب إنما كنت ألعب
فقال زياد لا يروع جاره *** وجاره جاري بل من الجار أقرب
فبلغ الحجاج فقال: ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها.)( )
✍لا يحب أحد لحسنه وجماله فقط بل لما فيه من الإيمان وكريم الخلال:
قال شيخ الإسلام : "وليس في دين الله محبَّة أحدٍ لحسنِه قطّ؛ فإنَّ مجرَّد الحسن لا يُثيب الله عليه ولا يُعاقب، ولو كان كذلِك كان يوسف - عليْه السَّلام - لمجرَّد حسنه أفضلَ من غيره من الأنبِياء لحسنه، وإذا استوى شخْصان في الأعمال الصَّالحة، وكان أحدُهُما أحسنَ صورةً، وأحسنَ صوتًا - كانا عند الله سواءً؛ فإنَّ ((أكرم الخلق عند الله أتقاهم)) يعمُّ صاحبَ الصَّوت الحسَن والصورة الحسنة، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته، كان أفضل من هذا الوجْه، كصاحب المال والسُّلْطان، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته؛ فإنَّه بذلك الوجْه أفضل ممَّن لم يشْركْه في تلك الطَّاعة، ولم يمتحن بما امتُحِن به حتَّى خاف مقام ربِّه ونَهى النَّفس عن الهوى، ثمَّ ذلك الغير إن كان له عمَلٌ صالِح آخَر يُساويه به، وإلاَّ كان الأوَّل أفضل مطْلقًا".( ) ...المزيد
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: .................................أيها الإخوة الكرام: دين لم يعاد الجمال بل سما به و لم لا و الله تعالى جميل يحب الجمال فالجمال" صفة مِن صفات الله عز وجل، فالله سبحانه جميل، جميلٌ في ذاته، جميلٌ في أسمائه، جميلٌ في أفعاله، جميلٌ في صفاته، يُحِبُّ الجَمال، ويُحِبُّ مِن عبادِه الاتِّصافَ بالتَّجمُّل. عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "(إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَمِيل)( ): أَيْ حَسَنُ الأَفعَالِ، كَامِلُ الأَوصَاف".
وقال المناوي: «له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه (يحب الجمال) أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق». ( )
((إنَّ الله جميل)) جمَع الجمالَ كله، فالجمال منه وإليه؛ جمالٌ لا تُحِيطه العقول، ولا تُدرِكه الفهوم، ولا يمكن أنْ يصفه الواصفون، أو أنْ يبلغ كنهه الناعتون، له المثل الأعلى؛ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].
واعلموا أن كل شيء جميل طالما أنه محاط بسياج الشرع الحكيم , والجمال في الأشياء من نعم الله تعالى علينا , ولقد ذكرنا سبحانه ببعض سبحات الجمال في مخلوقاته الكونية التي سخرها لنا ومنها خلق النبات والحدائق المبهجة , قال تعالى : {واقرؤوا قولَه سبحانه: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } . سورة النمل:60. وقوله سبحانه: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} . سورة الأنعام:99 , وقوله : \" {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}. سورة ق:10.
وكذا الجمال في خلق الحيوان , قال تعالى : { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ }. سورة النحل:5-8. وقال: { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} . سورة الغاشية:17-20.
✍جمال الإحسان إلى الجيران في القرآن:
إخوة الإيمان: و من بساتين الجمال نقتطف وردة الإحسان إلى الجيران لنرى نضرتها و جمالها و لنشم عبيرها و أريجها و نتذوق حلاوتها إن الإسلام أيها الكريم قد وضع دعائم الجمال الاجتماعي و الجمال السلوكي مع الجيران حتى يأسس مجتمعا يبهر العيون و يأخذ بالألباب مجتمعا متآلفا متحابا تعالى لترى ذلك الجمال الذي يبلغ بك ذرة الكمال قال الكبير المتعال : [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ] (النساء: 36).
✍يقول القرطبي - رحمه الله - قوله تعالى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه. الا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين فقال تعالى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى ) أي القريب. (وَالْجارِ الْجُنُبِ) أي الغريب، قاله ابن عباس،..... فقوله_تعالى_: [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى]: هو الذي بينك وبينه قرابة، وقيل: هو الذي قَرُبَ جوارُه، وقيل: المسلم، وقيل: الزوجة.
وقوله: [وَالْجَارِ الْجُنُبِ]: قيل: هو الذي يعد في العرف جارًا وبينك وبين منزله فسحة.
وقيل: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الزوجة: وقيل: غير المسلم( )
✍جمال الإحسان إلى الجيران في سنة النبي العدنان
جمال الإحسان إلى الجار يتجلى في توثيق الروابط الاجتماعية وزيادة المحبة بين الناس، وتطهير المجتمع من الحقد وسوء الظن، مما يؤدي إلى تماسك المجتمع وزيادة الألفة.
و ها هو النبي المختار – عليه الصلاة و السلام – يخبرنا عن وصية جبريل عليه السلام – بالجار فكلما جاء جبريل فهو يوصي النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى خُيل للنبي – صلى الله عليه و سلم أن جبريل سيجعل للجار في الميراث حقا ،عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه( )
يقول بدر الدين العيني – رحمه الله - قوله سيورثه أي سيجعله قريبا وارثا وقيل معناه أي يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره وهذا خرج مخرج المبالغة في شدة حفظ حق الجار)( )
✍الحجب والحرمان من دخول الجنان لمن آذى الجيران
و اعلم علمني الله و إياك: و من قبيح الخلال التي تشوه صورة الجمال في الإسلام أذية الجيران فما أقبح بإنسان يسيء إلى جاره و ما أقبح بإنسان لا يعلم للجار عليه حقا و لا يحمي له عرضا و لا يحفظ له مالا ، إن النبي -صلى الله عليه و سلم أخبرنا أن الله تعالى يجب من آذى جاره عن جنته عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه )( )
قل لي يا من تؤذي جارك أين جمال أخلاقك الذي يزين ظاهرك؟
قل لي يا من تؤذي جارك أين جمال إيمانك الذي يزين باطنك؟
قل لي يا من تؤذي جارك قد تكون جميل الوجه جميل الثياب ولكنك قبيح الأفعال
جمال الوجه في قبح نفسٍ **** كقنديلٍ على قبر مجوسي.
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم إ **** ذا كانت الأخلاق غير حسان
ومن قايس بين الجمال والفعال تبين له أن الملاحة بالقباحة لا تفي بالمقصود، فلله ماذا يعني لباس المظهر إذا كان المخبر عارياً باديةً للناس سوءته! قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:٢٦]
نهى النبي - صلى الله عليه و سلم - عن أذى الجار و عدَّ من أذى الجار من أسباب نقصان الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ( )
✍الأمر بإكرام
إكرام الجار دليل أيضا على رسوخ الإيمان بالله تعالى و رجاء ما عنده من أجر وثواب و دليل واضح على جمال فاعله فكل إناء بما فيه ينضح ،
لَيسَ الجَمالُ بِأَثوابٍ تُزَيِّنُنا *** إِنَّ الجَمالَ جَمالُ العَقلِ وَالأَدَبِ
لَيسَ اليَتيمُ الَّذي قَد ماتَ والِدُهُ ** إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلمِ وَالأَدَبِ
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه( )
وقوله (فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ) على هذا، يدخل فيه إكرام الجار بالألفاظ الحسنة، إكرام الجار بحفظ الجار في أهله، حفظ الجار في عرضه، في الاطلاع على مسكنه، ويدخل في هذا حفظ الجار في أداء الحقوق العامة له؛ في الجدار الذي بينهما، أو النوافذ التي تُطِلُّ على الجار، أو في موقف السيارات مثلا أو في إعتداء الأطفال، أو ما أشبه ذلك، فيدخل هذا جميعا في إكرام الجار، ويدخل فيه أيضا أن يكرم الجار في المطعم والملبس، وأشباه ذلك؛ يعني أنه إذا كان عنده طعام فإنه يطعم جاره منه، وقد كان عليه الصلاة والسلام ربما طها في بيته بعض اللحم فقال «أرسلوا لجارنا اليهودي من مرقة هذا اللحم» وهذا في حق الجار الكافر، ولهذا رأى طائفة من أهل العلم كأحمد في رواية، وكغيره، أن إكرام الجار في هذا الحديث عام يدخل فيه إكرام الجار المسلم، وإكرام الجار الكافر، وإكرام الجار المسلم له حقان لإسلامه ولجواره.
فإذا إكرام الجار كلمة عامة يدخل فيها:
✍ أداء ما له من الحقوق.
✍وكف الأذى عنه.
✍ وبسط اليد له بالطعام وما يحتاجه، وهذا أيضا مع قول الله جل وعلا { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [الماعون:6-7]، والماعون هو ما يحتاج إليه في الإعارة، (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يعني يمنعون ما يحتاج إليه المسلمون في الإعارة، فإذا احتاج جارك إلى أن تعيره شيئا من أدوات الطهي أو شيئا من أدوات المنزل، أو من الأثاث، أو ما أشبه ذلك فإن من إكرامه أن تعطيه ذلك، أما إذا كان يتعدى على أشيائك، ويتلف المال فهذا لا يكون له الحق في إكرامه بذلك؛ لأنه مظنة التعدي.)( )
أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
أما بعد : عباد الله ....................................
✍جمال الإحسان إلى الجيران في حياة أهل الإيمان
اعلموا -بارك الله فيكم- أنَّ مجرَّد الجمال الظَّاهر في الصُّور والثياب لا ينظر الله إليْه، وإنَّما ينظر إلى القلوب والأعْمال، فإن كان الظَّاهر مزيَّنًا مجمَّلاً بحال الباطن، أحبَّه الله، وإن كان مقبَّحًا مدنَّسًا بقبْح الباطن، أبغضه الله؛ فإنَّه - سبحانه - يحبُّ الحسن الجميل، ويُبغض السيِّئ الفاحش.
وهيا أيها الأحباب لنرى الجمال في الفعال والإحسان إلى الجيران ترجمة حرفية فورية
لما روى أنس رضي الله عنه أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: أسلم، فأسلم،
عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-حيث ذبح شاةً فقال: هل أهديتم منها لجارنا اليهودي؟
ثلاث مرات.
ثم قال: سمعت النبي " يقول: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"( )
ففهم هذا الصحابي الجليل من هذا الحديث في حسن معاملة الجار أنه يشمل المسلم والكافر.
وفي ظل هذا التوجيه القرآني عاش أهل الكتاب في جوار المسلمين ينعمون بالأمن والطمأنينة على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
بل لقد وجدوا معاملةً وعدلاً لم يكونوا يجدونها بين أهليهم وبني جنسهم وملَّتهم.
وحين وجدوا تلك المعاملة الحسنة والعدل والخلق من المسلمين أحبوا دين الإسلام، وسارعوا إلى الدخول فيه عن قناعة ويقين.
و تأمل إلى أحوال أهل الإيمان كيف كانوا يقابلون أذى الجيران ،عن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- أن جاره اليهودي انخرق جداره إلى منزل الحسن فصارت النجاسة تنزل في داره واليهودي لا يعلم بذلك فدخلت زوجته يوما فرأت النجاسة قد اجتمعت في دار الحسن فأخبرت زوجها بذلك فجاء اليهودي إليه معتذرا فقال أمرني جدي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار فأسلم اليهودي وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار بل حسن الجوار الصبر على أذى الجار وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن آذى جاره حرم الله عليه الجنة..( )
✍الإمام أبي حنيفة – رحمه الله و جاره :من المشهور عن مروءته، ووفائه ورعايته حق الجوار، و مننن جميل أخلاقه رحمه الله ما روى أنه كان له جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحماً فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت، وهو يقول:
أضاعوني وأي فتىً أضاعُوا *** ليَوم كريهةٍ وسدَادِ ثَغْرِ
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت، حتى يأخذه النوم.
وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس.
فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلة، واستأذن على الأمير. فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكبا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط.
ففعل، فلم يزل الأمير يوسع في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟
قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليال، ويأمر الأمير بتخليته.
فقال: نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا. فأمر بتخليتهم أجمعين.
فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، هل أضعناك؟
فقال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار، ورعايته.
وتاب الرجل، ولم يعد إلى ما كان عليه، ببركة الإمام، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة مُتقلبه ومثواه، ونفعنا ببركاته، وبركات علومه في الدنيا والآخرة. ( )
✍إذا نظرنا إلى أحوال أهل الجاهلية لرأينا كيف أنهم رغم كفرهم و شركهم إلا أنهم كانوا يحمون و يدافعون عن الجار في حضوره و في غيابه، فهذا عنترة المشرك يتغنى بمكارم الخلاق التي تحلى بها مع جيرانه
وإني لأحمي الجار من كل ذلة *** وأفرح بالضيف المقيم وأبهج( ).
✍جمال وروعة الإحسان إلى الجار وإن كان من غير الإنسان
بل لقد غالى العرب وبالغوا في المحاماة عن الجار؛ إذ لم تتوقف محاماتهم عن الجار الإنسان، بل لقد تعدوا ذلك، فأجاروا ما ليس بإنسان إذا نزل حول بيوتهم حتى ولو كان لا يعقل ولا يستجير؛ مبالغة في الكرامة والعزة، وتحديًا لأحد أن يخفر الجوار،
✍حق الجوار حتى مع النمل:
لقد تجلى الجمال جمال الأخلاق مع معرفة حقوق غير الآدميين فحفظوا جوارهم، وبسطوا فضلهم ،و حموا جوارهم ،فكانوا صورة مشرقة لذلك الدين .................
كان عدي بن حاتم الطائي صحابيا روى عن النبي ستة وستين حديثا وكان إذا ركب فرسه تخط رجلاه بالأرض وكان يفت الخبز لمن جاوره من النمل ويقول علينا حق الجوار حكاه النووي في تهذيب الأسماء واللغات..( )
✍مجير الجراد
وكان أبو حنبل يقال له مجير الجراد،وذلك أنه نزل عليه جراد بفنائه فعدا الحي إليه فقال لهم:إلى أين؟
فقالوا أردنا جيرانك جراداً نزل بفنائك!فقال:أما إذ سميتموه جاري فلا تصلون إليه أبداً!فأمر قومه أن يسلو سيوفهم ويمنعوه؛وفيهم يقول الشاعر:
ومنّا ابن مرّ أبو حنبل *** أجار من الناس رجل الجراد ( )
✍و منهم من قضى على من قتل حمامة مجاورة للرجل بالدية
قدم زياد الأعجم خراسان على المهلب فنزل على حبيب بن المهلب، فجلسا على شراب لهما، وفي الدار شجرة عليها حمامة فجعلت تدعو، فقال زياد الأعجم: " من الوافر "
تغني أنت في ذممي وعهدي *** بأن لن يذعروك ولن تطاري
إذا غنيتي فطربت يوماً *** ذكرت أحبتي وذكرت داري
فإما يقتلوك طلبت ثأراً *** بقتلهم لأنك في جواري
فأخذ حبيب سهماً فرماها فقتلها، فقال زياد: قتلت جارتي بيني وبينك المهلب، فأتى المهلب فقال: يا حبيب، ادفع إلى أبي أمامة دية جاره ألف دينار كاملة، فقال حبيب: إنما كنت ألعب، فقال المهلب: ليس مع هذا لعب، جاره جاري بل هو أفضل، فدفع إليه ألف دينار، فقال زياد: " من الطويل "
فلله عينا من رأى كقضية قضى لي بها شيخ العراق المهلب
قضى ألف دينار لجار أجرته ** من الطير حضان على البيض يتعب
رماه حبيب بن المهلب رمية *** فأنفذه بالسهم والشمس تغرب
فألزمه عقل القتيل " بن حرة *** فقال حبيب إنما كنت ألعب
فقال زياد لا يروع جاره *** وجاره جاري بل من الجار أقرب
فبلغ الحجاج فقال: ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها.)( )
✍لا يحب أحد لحسنه وجماله فقط بل لما فيه من الإيمان وكريم الخلال:
قال شيخ الإسلام : "وليس في دين الله محبَّة أحدٍ لحسنِه قطّ؛ فإنَّ مجرَّد الحسن لا يُثيب الله عليه ولا يُعاقب، ولو كان كذلِك كان يوسف - عليْه السَّلام - لمجرَّد حسنه أفضلَ من غيره من الأنبِياء لحسنه، وإذا استوى شخْصان في الأعمال الصَّالحة، وكان أحدُهُما أحسنَ صورةً، وأحسنَ صوتًا - كانا عند الله سواءً؛ فإنَّ ((أكرم الخلق عند الله أتقاهم)) يعمُّ صاحبَ الصَّوت الحسَن والصورة الحسنة، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته، كان أفضل من هذا الوجْه، كصاحب المال والسُّلْطان، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته؛ فإنَّه بذلك الوجْه أفضل ممَّن لم يشْركْه في تلك الطَّاعة، ولم يمتحن بما امتُحِن به حتَّى خاف مقام ربِّه ونَهى النَّفس عن الهوى، ثمَّ ذلك الغير إن كان له عمَلٌ صالِح آخَر يُساويه به، وإلاَّ كان الأوَّل أفضل مطْلقًا".( ) ...المزيد
الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان الشيخ السيد مراد سلامه الخطبة الأولى الحمد لله ...
الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان
الشيخ السيد مراد سلامه
الخطبة الأولى
الحمد لله ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بنار
تلظى بدوام الوقيد، المكرم سبحانه وتعالى لمن أطاعه واتقاه بجنات لا ينفذ نعيمها ولا يغيب، فسبحان الذي قسم خلقه قسمين وجعلهم فريقين فمنهم شقي وسعيد [َمنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ] [فصلت: 46] ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد، القيوم الصمد، الذي
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْيَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ، لا مغيث غير الله،
ولا مجير غير الله، ولا معين غير الله، ولا ناصر غير الله، ولا مفرج لهمومنا وكروبنا إلا الله
فإذا أصابك همٌ فقل يا الله
وإذا أصابك حزنٌ فقل يا الله
وإذا واجهتك المشكلات فقل يا الله
وإذا اجتمعت عليك الدنيا بأسرها فقل الله، فإنه لا مفرج لكل ذلك إلا الله
أما بعد:
أما بعد: فيا أحباب الحبيب صلى الله عليه وسلم –حديثنا اليوم عن المحافظة على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان
اعلموا ثم اعلموا أنه لا أضر على الفرد والمجتمع من الذنوب والمعاصي وقد يستهين بها الفرد ويستهين بها المجتمع ولكنها هي التي تفسد عليه أمنه الاجتماعي وأمنه الاقتصادي وأمنه السياسي فكم من أمم قد أهلكها الله تعالى كانت أشد قوة وأكثر جمعا ولكن الذنوب والمعاصي قصمت ظهورهم وجعل الله تعالى بأسهم شديد يقول ابن القيم رحمه الله:
ما الذي غرّق أهل الأرض كلّهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟
وما الذي سلّط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمّرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة.
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحةَ حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيحَ كلابهم، ثم قَلَبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعًا. ثم أتبعهم حجارةً من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمّةٍ غيرهم. ولإخوانهم أمثالُها، وما هي من الظالمين ببعيد! وما الذي أرسل على قوم شعيب سحابَ العذاب كالظُّلل، فلمّا صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تلظّى؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحُهم إلى جهنّم. فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
وما الذي أهلك القرون من (بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمّرها تدميرًا؟
وما الذي سلّط عليهم أنواع العقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ، ومرّةً بجور الملوك، ومرّةً بمسخهم قردة وخنازير؟ وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167].
قال الإِمام أحمد: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قال: لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالسًا يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يومِ أعزّ الله فيه الإِسلامَ وأهلَه؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهونَ الخلقَ على الله عَزَّ وَجَلَّ إذا أضاعوا أمره! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمرَ الله، فصاروا إلى ما ترى!
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا ظَهَرَ السُّوءُ فِي الْأَرْضِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَأْسَهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَالِحُونَ يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ ثُمَّ يُرْجَعُونَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ» ".( )
* ركّاب سفينة واحدة: أيها الإخوة الكرام لابد أن يعي الجميع أن الطالحين والصالحين ركاب سفينة واحدة، فإن هلك الطالحون لطلاحهم فسيهلك معهم الصالحون، وإن غرق المفسدون فسيغرق معهم الصالحون، والله -تبارك وتعالى-يقول: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)[الأنفال: 25].فلا يتوهمن متوهم -ولو كان صالحاً- أنه سينجو إن نزلت العقوبة الجماعية، نسأل الله أن يرفع عن الأمة البلاء.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَخْرُجُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ وَيَشُقُّونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا: لَا نَدَعُكُمْ تَمُرُّونَ عَلَيْنَا فَتُؤْذُونَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا: إِنْ مَنَعْتُمُونَا فَتَحْنَا بَابًا مِنْ أَسْفَلِهَا، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ، نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ هَلَكُوا جَمِيعًا " ( )رواه البخاري
* خماسية الشقاء الاجتماعي:
أيها الأحباب أحباب النبي الأواب ها هو النبي صلى الله عليه و سلم يحذرنا من خمسة أمور هي سبب كل شقاء في أي مجتمع من المجتمعات عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا مَعْشَرَ المهاجرينَ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم.( )
* الآثار المترتبة على منع الزكاة :
يقول عليه الصلاة والسلام: (ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا) كم يستسقي الناس، وكم يستغيثون الله عز وجل ويطلبون منه المطر، بل نرى الجدب قد ضرب أطنابه في الأرض، وسبب ذلك أن الأمة الإسلامية فرطت في دينها، وضيعت كثيراً من أوامر ربها سبحانه وتعالى.لقد أصبحت أرقام الأموال لدى طائفة من الناس خيالية لدرجة أنك قد تعجز عن إحصائها، ولكن مع الأسف نجد أن الكثير منهم امتنعوا من إخراج زكاة أموالهم، بل رأينا كثيراً من تلك الأموال تذهب في معصية الله عز وجل، وفيما لا يرضي الله في وقت].
وحينما يبخل الناس بالزكاة فإن الله تعالى يمنع المطر، ولربما يظن ظان أن المطر إنما هو وسيلة لإنبات العشب، ولكن المطر حقيقة هو وسيلة لحياة هذا الإنسان {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [الواقعة:68-69].إن امتناع القطر من السماء سببه الذنوب والسيئات، وأعظم هذه الذنوب وتلك السيئات التي كانت سبباً في حبس المطر حتى أجدبت الأرض هو منع إخراج الزكاة، فعلينا أن نصلح أحوالنا حتى يغير الله ما بنا؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].
* نقص المكيال والميزان وعاقبته:
و قد يستهين جموع المجتمع بقضية تطفيف الكيل و الميزان فلا يبالي البائع أن يطفف ولا يبالي المشتري أن يطفف و وما علموا أن ذلك سبب الغلاء و العناء و الضراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان)، المراد بنقص الميزان والمكيال إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم.
وقد حذر شعيب عليه السلام قومه من الشرك بالله وبخس المكاييل والموازين، فقد كان قومه يغشون في المعاملات وينقصون الناس أشياءهم، وذكرهم الخير الذي أدره الله عليهم، والأرزاق المتنوعة، وأنهم ليسوا بحاجة إلى ظلم الناس في أموالهم، ولكنهم أبوا ذلك فأخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
* عاقبة نقض عهد الله وعهد رسوله:
و من عقوبات الذنوب و العاصي التي تجلب على الفرد و المجتمع الذل و الهوان و تسلط الأعداء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم)، ولقد نقض المسلمون عهودهم مع الله عز وجل ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، فتركوا ما أمرهم الله به وارتكبوا ما نهاهم الله عنه، ثم كانت النتيجة الحتمية، والخاتمة السيئة: (سلط الله عليهم عدواً من غيرهم)، أي: من غير الأمة الإسلامية، (فيأخذ بعض ما في أيديهم)، إذا أردت دليلاً على هذا الواقع المرير فتصفح خارطة العالم الإسلامي، أين فلسطين؟ وأين الأندلس؟ وأين كثيراً من البلاد التي أصبحت الآن في قبضة العدو، وما بقي منها فيكاد أن يكون تحت سيطرة العدو إلا ما شاء الله.وإنا لنخاف أن يأتي ذلك اليوم الذي يأخذ العدو كل ما في أيدينا، ويصبح هؤلاء المسلمون أسرى بسبب سيئاتهم وإعراضهم عن الله عز وجل.
* المعاصي سبب كل فساد في البحر و البحر أصاب الإنسان أو الحيوان أم الطير كل ذلك بسبب ذنوب بني آدم فأي مجتمع ظهرت الفواحش و ارتكاب المحرمات إلا شقي المجتمع بما فيه فمن آثار الذنوب والمعاصي أنها تتعدى إلى غير مرتكبها، فليست مقصورة على العاصي فقط، بل إنَّ آثارها متعدية إلى غيره من جيرانه، ومن يعيشون معه، بل وحتى لها تأثير على الأرض التي يعيش عليها، وحتى لها تأثير على الحيوانات والجمادات، فمن آثارها على المجتمع عامة؛ أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء، والزرع والثمار، والمساكن، قال تعالى: { {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} }[الروم: 41].
* ومن آثارها على المجتمع عامة؛ أنها سبب من أسباب الخسف والزلازل؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " «توشك القرى أن تخرب وهي عامرة، إذا علا فجارها على أبرارها، وساد القبيلة منافقوها» ".( )
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ". قِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَتِ القِيان وَالْمَعَازِفُ، واستُحلت الْخُمُورُ".. ( )
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ الْأَشْعَرِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَيُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمُ الْمَعَازِفُ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ". ( )
أيها الناس: ومن آثار الذنوب والمعاصي على المجتمع أنَّ شؤمها وضررها ليس مقتصراً على العاصي فقط، وإنما متعدي إلى غيره من الجمادات والحيوانات، قال مجاهد بن جبر: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"
* ومن أثرها على المجتمع أنَّها سببٌ للتمزقِ والتفرقِ والاختلافِ، وهذا ما نراه ونلاحظه اليوم في أمتنا، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} }[الشورى: 30]. ولكن للعجب إنَّ كثيراً من الناس اليوم يعزون ما حلَّ بالأُمَّةِ من تمزق وتشرذم واختلاف إلى أسباب مادية بحتة, أو إلى أسباب سياسية, أو إلى أسباب مالية, أو إلى أسباب حدودية، أو ما أشبه ذلك، وهذا مما لاشك فيه أنه من قصور فهمهم، وضعف إيمانهم، وغفلتهم عن تدبر كتاب الله وسنة رسوله. أو لا يعلم أولئك أن وراء تلك النكبات والمصائب أسباباً غير تلك الأسباب المادية البحتة أسباباً شرعية، وهي الذنوب والمعاصي، أولم يسمعوا إلى الله وهو يقول: { {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} }[الأعراف: 96-99]. فالله الله -عباد الله- في تقوى الله، ومراقبته في السر والعلانية، والحذرَ الحذرَ من الغفلة، والتمادي في معصيته.
أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أما بعد: .............................
* ومنها تسليط الأعداء، وذهاب القوة، ونزع الهيبة من قلوب الأعداء: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بُعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة من الصغار على من خالف أمري، من تشبه بقوم فهو منهم".
إن صحائف التاريخ خير شاهد على عجيب تأثير المعاصي في الأمم، لقد كانت أمة الإسلام في سالف دهرها أمة موفورة الكرامة، عزيزة الجانب، مرهوبة القوة، عظيمة الشوكة، لكنها أضاعت أمر الله، وأقْصت شريعته من حياتها، وراجت أسواق الشرك في أصقاع كثيرة في العالم الإسلامي؛ فصار أمرها إلى إدبار، وعزها إلى ذل، وجثم على صدرها ليل طويل من الاستعمار الكافر، ولولا أنها الأمة الخاتمة لأصبحت تاريخًا دابرًا تحكيه الأجيال!!
وليس الذي حلَّ بنا ويحلُّ ظلمًا من ربنا.. كلا وحاشا، فهو القائل في الحديث القدسي الصحيح: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا"، وإنما هي السنن الربانية النافذة التي لا تحابي أحدًا؛ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان مرفوعًا: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها". قلنا: يا رسول الله، أمِن قلة منا يومئذٍ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تُنزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن". قالوا: وما الوهن؟ قال صلى الله عليه وسلم: "حب الدنيا وكراهة الموت".
إننا -معاشر المسلمين- اليوم نئن تحت وطأة الذلّ المسلّط علينا، وكثير من المسلمين لا يزالون غافلين عن سبب البلاء الذي بيّنه رسولنا صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث صحيح؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلَّط الله عليهم ذلاًّ لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم" (رواه أبو داود وأحمد).
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إننا كنا قومًا أذلة فأعزنا الله بهذا الدين، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
الدعاء................................................. ...المزيد
الشيخ السيد مراد سلامه
الخطبة الأولى
الحمد لله ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بنار
تلظى بدوام الوقيد، المكرم سبحانه وتعالى لمن أطاعه واتقاه بجنات لا ينفذ نعيمها ولا يغيب، فسبحان الذي قسم خلقه قسمين وجعلهم فريقين فمنهم شقي وسعيد [َمنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ] [فصلت: 46] ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد، القيوم الصمد، الذي
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْيَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ، لا مغيث غير الله،
ولا مجير غير الله، ولا معين غير الله، ولا ناصر غير الله، ولا مفرج لهمومنا وكروبنا إلا الله
فإذا أصابك همٌ فقل يا الله
وإذا أصابك حزنٌ فقل يا الله
وإذا واجهتك المشكلات فقل يا الله
وإذا اجتمعت عليك الدنيا بأسرها فقل الله، فإنه لا مفرج لكل ذلك إلا الله
أما بعد:
أما بعد: فيا أحباب الحبيب صلى الله عليه وسلم –حديثنا اليوم عن المحافظة على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان
اعلموا ثم اعلموا أنه لا أضر على الفرد والمجتمع من الذنوب والمعاصي وقد يستهين بها الفرد ويستهين بها المجتمع ولكنها هي التي تفسد عليه أمنه الاجتماعي وأمنه الاقتصادي وأمنه السياسي فكم من أمم قد أهلكها الله تعالى كانت أشد قوة وأكثر جمعا ولكن الذنوب والمعاصي قصمت ظهورهم وجعل الله تعالى بأسهم شديد يقول ابن القيم رحمه الله:
ما الذي غرّق أهل الأرض كلّهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟
وما الذي سلّط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمّرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة.
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحةَ حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيحَ كلابهم، ثم قَلَبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعًا. ثم أتبعهم حجارةً من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمّةٍ غيرهم. ولإخوانهم أمثالُها، وما هي من الظالمين ببعيد! وما الذي أرسل على قوم شعيب سحابَ العذاب كالظُّلل، فلمّا صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تلظّى؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحُهم إلى جهنّم. فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
وما الذي أهلك القرون من (بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمّرها تدميرًا؟
وما الذي سلّط عليهم أنواع العقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ، ومرّةً بجور الملوك، ومرّةً بمسخهم قردة وخنازير؟ وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167].
قال الإِمام أحمد: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قال: لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالسًا يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يومِ أعزّ الله فيه الإِسلامَ وأهلَه؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهونَ الخلقَ على الله عَزَّ وَجَلَّ إذا أضاعوا أمره! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمرَ الله، فصاروا إلى ما ترى!
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا ظَهَرَ السُّوءُ فِي الْأَرْضِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَأْسَهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَالِحُونَ يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ ثُمَّ يُرْجَعُونَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ» ".( )
* ركّاب سفينة واحدة: أيها الإخوة الكرام لابد أن يعي الجميع أن الطالحين والصالحين ركاب سفينة واحدة، فإن هلك الطالحون لطلاحهم فسيهلك معهم الصالحون، وإن غرق المفسدون فسيغرق معهم الصالحون، والله -تبارك وتعالى-يقول: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)[الأنفال: 25].فلا يتوهمن متوهم -ولو كان صالحاً- أنه سينجو إن نزلت العقوبة الجماعية، نسأل الله أن يرفع عن الأمة البلاء.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَخْرُجُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ وَيَشُقُّونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا: لَا نَدَعُكُمْ تَمُرُّونَ عَلَيْنَا فَتُؤْذُونَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا: إِنْ مَنَعْتُمُونَا فَتَحْنَا بَابًا مِنْ أَسْفَلِهَا، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ، نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ هَلَكُوا جَمِيعًا " ( )رواه البخاري
* خماسية الشقاء الاجتماعي:
أيها الأحباب أحباب النبي الأواب ها هو النبي صلى الله عليه و سلم يحذرنا من خمسة أمور هي سبب كل شقاء في أي مجتمع من المجتمعات عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا مَعْشَرَ المهاجرينَ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم.( )
* الآثار المترتبة على منع الزكاة :
يقول عليه الصلاة والسلام: (ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا) كم يستسقي الناس، وكم يستغيثون الله عز وجل ويطلبون منه المطر، بل نرى الجدب قد ضرب أطنابه في الأرض، وسبب ذلك أن الأمة الإسلامية فرطت في دينها، وضيعت كثيراً من أوامر ربها سبحانه وتعالى.لقد أصبحت أرقام الأموال لدى طائفة من الناس خيالية لدرجة أنك قد تعجز عن إحصائها، ولكن مع الأسف نجد أن الكثير منهم امتنعوا من إخراج زكاة أموالهم، بل رأينا كثيراً من تلك الأموال تذهب في معصية الله عز وجل، وفيما لا يرضي الله في وقت].
وحينما يبخل الناس بالزكاة فإن الله تعالى يمنع المطر، ولربما يظن ظان أن المطر إنما هو وسيلة لإنبات العشب، ولكن المطر حقيقة هو وسيلة لحياة هذا الإنسان {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [الواقعة:68-69].إن امتناع القطر من السماء سببه الذنوب والسيئات، وأعظم هذه الذنوب وتلك السيئات التي كانت سبباً في حبس المطر حتى أجدبت الأرض هو منع إخراج الزكاة، فعلينا أن نصلح أحوالنا حتى يغير الله ما بنا؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].
* نقص المكيال والميزان وعاقبته:
و قد يستهين جموع المجتمع بقضية تطفيف الكيل و الميزان فلا يبالي البائع أن يطفف ولا يبالي المشتري أن يطفف و وما علموا أن ذلك سبب الغلاء و العناء و الضراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان)، المراد بنقص الميزان والمكيال إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم.
وقد حذر شعيب عليه السلام قومه من الشرك بالله وبخس المكاييل والموازين، فقد كان قومه يغشون في المعاملات وينقصون الناس أشياءهم، وذكرهم الخير الذي أدره الله عليهم، والأرزاق المتنوعة، وأنهم ليسوا بحاجة إلى ظلم الناس في أموالهم، ولكنهم أبوا ذلك فأخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
* عاقبة نقض عهد الله وعهد رسوله:
و من عقوبات الذنوب و العاصي التي تجلب على الفرد و المجتمع الذل و الهوان و تسلط الأعداء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم)، ولقد نقض المسلمون عهودهم مع الله عز وجل ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، فتركوا ما أمرهم الله به وارتكبوا ما نهاهم الله عنه، ثم كانت النتيجة الحتمية، والخاتمة السيئة: (سلط الله عليهم عدواً من غيرهم)، أي: من غير الأمة الإسلامية، (فيأخذ بعض ما في أيديهم)، إذا أردت دليلاً على هذا الواقع المرير فتصفح خارطة العالم الإسلامي، أين فلسطين؟ وأين الأندلس؟ وأين كثيراً من البلاد التي أصبحت الآن في قبضة العدو، وما بقي منها فيكاد أن يكون تحت سيطرة العدو إلا ما شاء الله.وإنا لنخاف أن يأتي ذلك اليوم الذي يأخذ العدو كل ما في أيدينا، ويصبح هؤلاء المسلمون أسرى بسبب سيئاتهم وإعراضهم عن الله عز وجل.
* المعاصي سبب كل فساد في البحر و البحر أصاب الإنسان أو الحيوان أم الطير كل ذلك بسبب ذنوب بني آدم فأي مجتمع ظهرت الفواحش و ارتكاب المحرمات إلا شقي المجتمع بما فيه فمن آثار الذنوب والمعاصي أنها تتعدى إلى غير مرتكبها، فليست مقصورة على العاصي فقط، بل إنَّ آثارها متعدية إلى غيره من جيرانه، ومن يعيشون معه، بل وحتى لها تأثير على الأرض التي يعيش عليها، وحتى لها تأثير على الحيوانات والجمادات، فمن آثارها على المجتمع عامة؛ أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء، والزرع والثمار، والمساكن، قال تعالى: { {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} }[الروم: 41].
* ومن آثارها على المجتمع عامة؛ أنها سبب من أسباب الخسف والزلازل؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " «توشك القرى أن تخرب وهي عامرة، إذا علا فجارها على أبرارها، وساد القبيلة منافقوها» ".( )
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ". قِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَتِ القِيان وَالْمَعَازِفُ، واستُحلت الْخُمُورُ".. ( )
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ الْأَشْعَرِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَيُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمُ الْمَعَازِفُ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ". ( )
أيها الناس: ومن آثار الذنوب والمعاصي على المجتمع أنَّ شؤمها وضررها ليس مقتصراً على العاصي فقط، وإنما متعدي إلى غيره من الجمادات والحيوانات، قال مجاهد بن جبر: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"
* ومن أثرها على المجتمع أنَّها سببٌ للتمزقِ والتفرقِ والاختلافِ، وهذا ما نراه ونلاحظه اليوم في أمتنا، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} }[الشورى: 30]. ولكن للعجب إنَّ كثيراً من الناس اليوم يعزون ما حلَّ بالأُمَّةِ من تمزق وتشرذم واختلاف إلى أسباب مادية بحتة, أو إلى أسباب سياسية, أو إلى أسباب مالية, أو إلى أسباب حدودية، أو ما أشبه ذلك، وهذا مما لاشك فيه أنه من قصور فهمهم، وضعف إيمانهم، وغفلتهم عن تدبر كتاب الله وسنة رسوله. أو لا يعلم أولئك أن وراء تلك النكبات والمصائب أسباباً غير تلك الأسباب المادية البحتة أسباباً شرعية، وهي الذنوب والمعاصي، أولم يسمعوا إلى الله وهو يقول: { {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} }[الأعراف: 96-99]. فالله الله -عباد الله- في تقوى الله، ومراقبته في السر والعلانية، والحذرَ الحذرَ من الغفلة، والتمادي في معصيته.
أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أما بعد: .............................
* ومنها تسليط الأعداء، وذهاب القوة، ونزع الهيبة من قلوب الأعداء: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بُعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة من الصغار على من خالف أمري، من تشبه بقوم فهو منهم".
إن صحائف التاريخ خير شاهد على عجيب تأثير المعاصي في الأمم، لقد كانت أمة الإسلام في سالف دهرها أمة موفورة الكرامة، عزيزة الجانب، مرهوبة القوة، عظيمة الشوكة، لكنها أضاعت أمر الله، وأقْصت شريعته من حياتها، وراجت أسواق الشرك في أصقاع كثيرة في العالم الإسلامي؛ فصار أمرها إلى إدبار، وعزها إلى ذل، وجثم على صدرها ليل طويل من الاستعمار الكافر، ولولا أنها الأمة الخاتمة لأصبحت تاريخًا دابرًا تحكيه الأجيال!!
وليس الذي حلَّ بنا ويحلُّ ظلمًا من ربنا.. كلا وحاشا، فهو القائل في الحديث القدسي الصحيح: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا"، وإنما هي السنن الربانية النافذة التي لا تحابي أحدًا؛ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان مرفوعًا: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها". قلنا: يا رسول الله، أمِن قلة منا يومئذٍ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تُنزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن". قالوا: وما الوهن؟ قال صلى الله عليه وسلم: "حب الدنيا وكراهة الموت".
إننا -معاشر المسلمين- اليوم نئن تحت وطأة الذلّ المسلّط علينا، وكثير من المسلمين لا يزالون غافلين عن سبب البلاء الذي بيّنه رسولنا صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث صحيح؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلَّط الله عليهم ذلاًّ لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم" (رواه أبو داود وأحمد).
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إننا كنا قومًا أذلة فأعزنا الله بهذا الدين، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
الدعاء................................................. ...المزيد
قوارب الموت وأوهام الثراء (الهجرة غير الشرعية) الشيخ السيد مراد سلامة الخطبة الأولى أما بعد ...
قوارب الموت وأوهام الثراء (الهجرة غير الشرعية)
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد :
أنا يا إلهي ما عبدت سواكا قدست ذاتك و اتبعت هداكا
أحببت ذكرك وارتقت بمشاعري في ظل فضلك للعلا نجواكا
فإذا عصيت فأنت أكرم غافر وإذا أطعت فمن نعيم ذكراكا
وبحسب يا الله ما أعطيتني من زخرف الدنيا وزاد عطاكا
وبنعمة التقوي ملأت جوانحي و كساني بالايمان فيض سناكا
أوجدتني ورزقتني ورعيتني لولاك .. ما كان الوري لولاكا
من ذا الذي يحيي العباد سواه ؟! من ذا الذي يرزقهمو إلاه ؟!
أيها الأحباب حديثنا عن أمر جلل أدى ذلك الأمر إلى موت الألاف من الشباب و أدى ذلك الأمر إلى ضياع حقوق آلاف من العمال و أدى ذلك الأمر إلى انحلال و افتتان الألاف من الشباب........ إن هذا الأمر هو قوارب الموت وأوهام الثراء ........إنها الهجرة غير الشرعية !!
فما حكمها وما هي أضرارها على الفرد في دينه ودنياه و آخرته أعيروني القلوب و الأسماع
أولا: تعريف الهجرة غير الشرعية
تعرف الهجرة الغير شرعية بأنها انتقال الأشخاص وكذلك الجماعات بطريقة غير قانونية من دولة إلى دولة أخرى، ويكون في هذا الانتقال خرق لقوانين الدول التي يهاجرون إليها الأفراد، ويكون ذلك بالتواجد في هذه البلاد دون وجود أي تصريح أو مستندات قانونية للتواجد على أراضي هذه الدول.
ثانيا: حكم الهجرة غير الشرعية:
أيها الآباء: إن في الهجرة غير الشرعية مخالفة ولي الأمر، وهذه المخالفة غير جائزة ما دام أن ولي الأمر أو الحاكم لم يأمر بمحرم؛ فقد أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وقد جاء في كتب السادة الشافعية أن ولي الأمر إذا أمر بمستحب أو مكروه أو مباح وجب فعله؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي: قولهم: تجب طاعة الإمام فيما يأمر به وينهى عنه ما لم يخالف حكم الشرع.( )
فللحاكم أن يسن من التشريعات ما يراه محققا لمصالح العباد؛ فإن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، والواجب له على الرعية الطاعة والنصرة.
وقد نص القانون رقم 97 لسنة 1959م المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1968م في شأن جوازات السفر على أنه لا يجوز لمصري مغادرة البلاد أو العودة إليها إلا إذا كان حاملا لجواز سفر، ومن الأماكن المخصصة لذلك، وبتأشيرة على جواز سفره، ويعاقب من يخالف أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين جنيها.
ثالثا أضرار الهجرة غير الشرعية
أولا: أن فيها تعريض النفس إلى الهلاك: أيها الإخوة الأحباب أن الهجرة الغير الشرعية تؤدي في كثير من الأحيان إلى التلف والهلكة ووصل عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين لقوا حتفهم أو فقدوا، بعد أن سقطوا فرائس في أيدي المتاجرين بالبشر والمهربين أثناء رحلاتهم الشاقة والمميتة، إلى 56800 شخص على مستوى العالم منذ عام 2014 وحتى الآن، حسب إحصاء قامت به وكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
وقالت الوكالة في تقرير لها، إن هؤلاء الضحايا تركوا عائلاتهم في حيرة حول ما حدث لهم على وجه التحديد، في الوقت الذي امتلأت فيه المقابر في جوتنج بجنوب أفريقيا وجرجيس الساحلية التونسية وإيطاليا واليونان وليبيا بجثث مجهولة الهوية.
أيها الإخوة :إن الشريعة الإسلامية وضعت لتحقيق مقاصد الله عز وجل في قيام مصالح العباد في الدنيا والدين، وفي كل مقصد حفظ شيء من الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، أو حفظ الحاجيات مثل أنواع المعاملات وإما حفظ شيء من التحسينات والتي منها مكارم الأخلاق ومحاسن العادات أو تكميل واحد من الأنواع الثلاثة لما يعين على تحقيقه، فمقاصد الشريعة هي الغايات المستهدفة والنتائج المرجوة من وضع الشريعة والتي تخدم مصالح العباد الدنيوية والأخروية والمادية والمعنوية، فهي تمثل مراد الله وغاية ما كلف به عباده وما شرعه لهم، والله لا يريد بعباده إلا الخير في كل أمر يأمر به وفي كل زجر عن كل شر والآية من سورة النحل ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]
و لقد نهانا الله تعالى أن نلقي انفسنا إلى التهلكة فقال سبحانه و تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151]، وحفظ النفس أيضاً بتحريم الانتحار حيث قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، و تلك الهجرة هي عبارة عن عملية انتحار و قتل للنفس
وإن من أبشع أنواع قتل النفس: الانتحار، ومن يفعل ذلك فعقابه جهنم وبئس المصير وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِتَرَدٍّ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»( )
ثانيا: أن في الهجرة غير الشرعية إهانة وإذلال للنفس:
فالشخص الذي يدخل على نفسه الذل والهوان لأنه لا حقوق له ولأنه قد ظلم نفسه بقعله الغير شرعي والحبيب النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نذل أنفسنا لأن الله تعالى أعزنا بالإسلام
واعلموا أنه ينبغي للمؤمن أن يكون عزيز النفس، موفور الكرامة، بعيداً عن كل ما يوقعه في الذّل والمهانة والحرج.
وقد حرص الشارع الحكيم على ذلك، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم-يستعيذ بالله من الذّلّة, في الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلّة والذّلّة).( )
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».( )
عباد الله: لقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-المؤمن أن يتسبب في إذلال نفسه، كما في الحديث الذي حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما -قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسَهُ، قالوا: كيف يُذِلُّ نفسه؟ قال: يتعرَّض مِن البلاء لما لا يطيق».( )
ثالثا :أن المهاجر غير الشرعي يرتكب كبائر كثيرة منها الكذب وكذا والغش والحيل المحرمة وكل ذلك قد نهانا الله تعالى عنه وحذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيها عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ( قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ( )
فالذي يتعاطى الصدق، ويتعوَّد الصدقَ يُوفَّق للبرِّ في أعماله، والصدق في أعماله، والاستقامة في أعماله، والذي يُبتلى بالكذب يجرّه الكذبُ إلى الفجور والمعاصي الكثيرة.
فالواجب على المؤمن أن يتحرى الصدق، ويبتعد عن الكذب، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]،
رابعا: الكسب الحرام بالعمل في البارات والخمارات وأماكن الدعارة
فكثير من هؤلاء يلجؤون إلى العمل في أماكن الخمور والسفور والإباحية و يمتهنون انفسهم من اجل عرض زائل و إليك بيان حرمة ذلك
أولاً: يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير ، والأجرة على ذلك محرمة ، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، والله تعالى نهى عنه بقوله : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2] وننصحك في البعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه ، لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله .
ثانياً: يحرم على المسلم بيع المحرمات من الخنزير والخمر ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ( ) والأرزاق وجلب الزبائن بيد الله ، وليست في بيع المحرمات ، فعلى المسلم تقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2-3] إن الله عز وجل حرم أكل لحم الخنزير بنصوص قطيعة صريحة في كتابه، أما بيعه فإنه مما ثبت في السنة تحريمه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ»[ ]. فالأصل في هذا العمل المقترن ببيع الخنزير تحريمه بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،
خامسا: ضياع حقوق هؤلاء:
ومن الأضرار والأخطار التي يتعرض لها المهاجر غير الشرعي أنه لا حقوق له لأنه دخل إلى تلك البلاد بطريق مخالف فسقطت جميع حقوقه التي يكفلها له لقانون للفرد الذي دخل بطريق شرعي
فكم وكم من شباب قد قتلوا في تلك البلاد وضاعت حقوقهم وكم من شباب عملوا وكدوا ولم ينالوا أجورهم كل ذلك أيها الإخوة سببه الهجرة غير الشرعية
(ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
أما بعد ...............................
خامسا: الافتتان في دينه وخاصة الشباب الذين لم يتربوا تربية سليمة
انتشار ثقافة الشذوذ الجنسي في كثير من هذه الدول كحرية شخصية وعادة غير ممقوتة.
- انتشار ثقافة المساكنة والمصاحبة خارج إطار الزواج.
- انتشار ثقافة شرب الخمر كعادة طبيعية ومقبولة.
- انتشار ثقافة الانفكاك عن العائلة في سن الثامنة عشر، في الوقت الذي يكون الشاب أو الفتاة أحوج ما يكون إلى الرعاية الأسرية.
- انتشار الإباحية والخلاعة في الشوارع والحدائق من غير نكير، بل يُنكَرُ على من ينكر ذلك.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا[ ]رواه مسلم.
ولا تظن أنَّ العرَض مِن الدنيا هو المال، كل متاع الدنيا عرَض سواء مال أو جاه أو رئاسة أو نساء أو غير ذلك، كل ما في الدنيا مِن متاع فإنَّه عرَض.اهـ
معاشر الشباب .... أحبتي في الله.... يا أبنائي.... صحيح أن حالكم فوق أرضكم يجبركم على الرحيل .... صحيح أن الضياع قام بيننا زمنا طويلا ..لكن.. من الرزاق.. من بيده خزائن السماوات و الأرض..... إنه الله.. إنه الودود الرحيم.. وسعت رحمته كل حي......و هو بالمؤمنين أرحم ..... و هو الذي أخبر ثم أقسم .. أخبر أن رزقنا في السماء ..ثم أقسم إنه لحق .. فقال جل جلاله..... {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ .. فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ }.. والخير كل الخير .. فيما نصح به الناصح الأمي...ن..ونصيحته من صحيح الترغيب..... .حيث يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم.. : إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى، خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلهَى ( ) ..... فَكَم مِمَّن يَملِكُ الملايين......وَهِيَ تُشقِيهِ وَلَا تُسعِدُهُ.
يقول الحطيئة ..
وَلَستُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمعَ مَالٍ وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وَتَقوَى اللّهِ خَيرُ الزَّادِ ذخرًا وَعِندَ اللّهِ لِلأَتْقَى مَزِيدُ
فيا أبنائي لا تخاطروا .. لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة .... العز في أوطانكم.. الكرامة بين أهلكم ..... فاصبروا و صابروا ..... فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ...... إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا.... كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ..
الدعاء سأل الله عزَّ وجلَّ أن يُصلح أحوالنا، وأن يُحوِّل أحوالنا إلى أحسن حال، وأن يتقبَّل منا توبتنا، ويغسل لنا حوبتنا، ويغفر ذنوبنا ما صغُر منها وما كبر، وأن يجعلنا دائماً وأبداً من عباده التوَّابين والمتطهرين.
اللهم افتح لنا في بلادنا كنوز الخيرات، واجعلها خيرات مباركات، وأغننا بخيرك وبرك عن جميع المعونات، ووفِّق شبابنا للعمل الصالح على منهج الله، وعلى المتابعة لحبيب الله ومصطفاه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، يا أرحم الراحمين. ...المزيد
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد :
أنا يا إلهي ما عبدت سواكا قدست ذاتك و اتبعت هداكا
أحببت ذكرك وارتقت بمشاعري في ظل فضلك للعلا نجواكا
فإذا عصيت فأنت أكرم غافر وإذا أطعت فمن نعيم ذكراكا
وبحسب يا الله ما أعطيتني من زخرف الدنيا وزاد عطاكا
وبنعمة التقوي ملأت جوانحي و كساني بالايمان فيض سناكا
أوجدتني ورزقتني ورعيتني لولاك .. ما كان الوري لولاكا
من ذا الذي يحيي العباد سواه ؟! من ذا الذي يرزقهمو إلاه ؟!
أيها الأحباب حديثنا عن أمر جلل أدى ذلك الأمر إلى موت الألاف من الشباب و أدى ذلك الأمر إلى ضياع حقوق آلاف من العمال و أدى ذلك الأمر إلى انحلال و افتتان الألاف من الشباب........ إن هذا الأمر هو قوارب الموت وأوهام الثراء ........إنها الهجرة غير الشرعية !!
فما حكمها وما هي أضرارها على الفرد في دينه ودنياه و آخرته أعيروني القلوب و الأسماع
أولا: تعريف الهجرة غير الشرعية
تعرف الهجرة الغير شرعية بأنها انتقال الأشخاص وكذلك الجماعات بطريقة غير قانونية من دولة إلى دولة أخرى، ويكون في هذا الانتقال خرق لقوانين الدول التي يهاجرون إليها الأفراد، ويكون ذلك بالتواجد في هذه البلاد دون وجود أي تصريح أو مستندات قانونية للتواجد على أراضي هذه الدول.
ثانيا: حكم الهجرة غير الشرعية:
أيها الآباء: إن في الهجرة غير الشرعية مخالفة ولي الأمر، وهذه المخالفة غير جائزة ما دام أن ولي الأمر أو الحاكم لم يأمر بمحرم؛ فقد أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وقد جاء في كتب السادة الشافعية أن ولي الأمر إذا أمر بمستحب أو مكروه أو مباح وجب فعله؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي: قولهم: تجب طاعة الإمام فيما يأمر به وينهى عنه ما لم يخالف حكم الشرع.( )
فللحاكم أن يسن من التشريعات ما يراه محققا لمصالح العباد؛ فإن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، والواجب له على الرعية الطاعة والنصرة.
وقد نص القانون رقم 97 لسنة 1959م المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1968م في شأن جوازات السفر على أنه لا يجوز لمصري مغادرة البلاد أو العودة إليها إلا إذا كان حاملا لجواز سفر، ومن الأماكن المخصصة لذلك، وبتأشيرة على جواز سفره، ويعاقب من يخالف أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين جنيها.
ثالثا أضرار الهجرة غير الشرعية
أولا: أن فيها تعريض النفس إلى الهلاك: أيها الإخوة الأحباب أن الهجرة الغير الشرعية تؤدي في كثير من الأحيان إلى التلف والهلكة ووصل عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين لقوا حتفهم أو فقدوا، بعد أن سقطوا فرائس في أيدي المتاجرين بالبشر والمهربين أثناء رحلاتهم الشاقة والمميتة، إلى 56800 شخص على مستوى العالم منذ عام 2014 وحتى الآن، حسب إحصاء قامت به وكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
وقالت الوكالة في تقرير لها، إن هؤلاء الضحايا تركوا عائلاتهم في حيرة حول ما حدث لهم على وجه التحديد، في الوقت الذي امتلأت فيه المقابر في جوتنج بجنوب أفريقيا وجرجيس الساحلية التونسية وإيطاليا واليونان وليبيا بجثث مجهولة الهوية.
أيها الإخوة :إن الشريعة الإسلامية وضعت لتحقيق مقاصد الله عز وجل في قيام مصالح العباد في الدنيا والدين، وفي كل مقصد حفظ شيء من الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، أو حفظ الحاجيات مثل أنواع المعاملات وإما حفظ شيء من التحسينات والتي منها مكارم الأخلاق ومحاسن العادات أو تكميل واحد من الأنواع الثلاثة لما يعين على تحقيقه، فمقاصد الشريعة هي الغايات المستهدفة والنتائج المرجوة من وضع الشريعة والتي تخدم مصالح العباد الدنيوية والأخروية والمادية والمعنوية، فهي تمثل مراد الله وغاية ما كلف به عباده وما شرعه لهم، والله لا يريد بعباده إلا الخير في كل أمر يأمر به وفي كل زجر عن كل شر والآية من سورة النحل ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]
و لقد نهانا الله تعالى أن نلقي انفسنا إلى التهلكة فقال سبحانه و تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151]، وحفظ النفس أيضاً بتحريم الانتحار حيث قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، و تلك الهجرة هي عبارة عن عملية انتحار و قتل للنفس
وإن من أبشع أنواع قتل النفس: الانتحار، ومن يفعل ذلك فعقابه جهنم وبئس المصير وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِتَرَدٍّ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»( )
ثانيا: أن في الهجرة غير الشرعية إهانة وإذلال للنفس:
فالشخص الذي يدخل على نفسه الذل والهوان لأنه لا حقوق له ولأنه قد ظلم نفسه بقعله الغير شرعي والحبيب النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نذل أنفسنا لأن الله تعالى أعزنا بالإسلام
واعلموا أنه ينبغي للمؤمن أن يكون عزيز النفس، موفور الكرامة، بعيداً عن كل ما يوقعه في الذّل والمهانة والحرج.
وقد حرص الشارع الحكيم على ذلك، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم-يستعيذ بالله من الذّلّة, في الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلّة والذّلّة).( )
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».( )
عباد الله: لقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-المؤمن أن يتسبب في إذلال نفسه، كما في الحديث الذي حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما -قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسَهُ، قالوا: كيف يُذِلُّ نفسه؟ قال: يتعرَّض مِن البلاء لما لا يطيق».( )
ثالثا :أن المهاجر غير الشرعي يرتكب كبائر كثيرة منها الكذب وكذا والغش والحيل المحرمة وكل ذلك قد نهانا الله تعالى عنه وحذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيها عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ( قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ( )
فالذي يتعاطى الصدق، ويتعوَّد الصدقَ يُوفَّق للبرِّ في أعماله، والصدق في أعماله، والاستقامة في أعماله، والذي يُبتلى بالكذب يجرّه الكذبُ إلى الفجور والمعاصي الكثيرة.
فالواجب على المؤمن أن يتحرى الصدق، ويبتعد عن الكذب، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]،
رابعا: الكسب الحرام بالعمل في البارات والخمارات وأماكن الدعارة
فكثير من هؤلاء يلجؤون إلى العمل في أماكن الخمور والسفور والإباحية و يمتهنون انفسهم من اجل عرض زائل و إليك بيان حرمة ذلك
أولاً: يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير ، والأجرة على ذلك محرمة ، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، والله تعالى نهى عنه بقوله : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2] وننصحك في البعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه ، لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله .
ثانياً: يحرم على المسلم بيع المحرمات من الخنزير والخمر ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ( ) والأرزاق وجلب الزبائن بيد الله ، وليست في بيع المحرمات ، فعلى المسلم تقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2-3] إن الله عز وجل حرم أكل لحم الخنزير بنصوص قطيعة صريحة في كتابه، أما بيعه فإنه مما ثبت في السنة تحريمه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ»[ ]. فالأصل في هذا العمل المقترن ببيع الخنزير تحريمه بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،
خامسا: ضياع حقوق هؤلاء:
ومن الأضرار والأخطار التي يتعرض لها المهاجر غير الشرعي أنه لا حقوق له لأنه دخل إلى تلك البلاد بطريق مخالف فسقطت جميع حقوقه التي يكفلها له لقانون للفرد الذي دخل بطريق شرعي
فكم وكم من شباب قد قتلوا في تلك البلاد وضاعت حقوقهم وكم من شباب عملوا وكدوا ولم ينالوا أجورهم كل ذلك أيها الإخوة سببه الهجرة غير الشرعية
(ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
أما بعد ...............................
خامسا: الافتتان في دينه وخاصة الشباب الذين لم يتربوا تربية سليمة
انتشار ثقافة الشذوذ الجنسي في كثير من هذه الدول كحرية شخصية وعادة غير ممقوتة.
- انتشار ثقافة المساكنة والمصاحبة خارج إطار الزواج.
- انتشار ثقافة شرب الخمر كعادة طبيعية ومقبولة.
- انتشار ثقافة الانفكاك عن العائلة في سن الثامنة عشر، في الوقت الذي يكون الشاب أو الفتاة أحوج ما يكون إلى الرعاية الأسرية.
- انتشار الإباحية والخلاعة في الشوارع والحدائق من غير نكير، بل يُنكَرُ على من ينكر ذلك.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا[ ]رواه مسلم.
ولا تظن أنَّ العرَض مِن الدنيا هو المال، كل متاع الدنيا عرَض سواء مال أو جاه أو رئاسة أو نساء أو غير ذلك، كل ما في الدنيا مِن متاع فإنَّه عرَض.اهـ
معاشر الشباب .... أحبتي في الله.... يا أبنائي.... صحيح أن حالكم فوق أرضكم يجبركم على الرحيل .... صحيح أن الضياع قام بيننا زمنا طويلا ..لكن.. من الرزاق.. من بيده خزائن السماوات و الأرض..... إنه الله.. إنه الودود الرحيم.. وسعت رحمته كل حي......و هو بالمؤمنين أرحم ..... و هو الذي أخبر ثم أقسم .. أخبر أن رزقنا في السماء ..ثم أقسم إنه لحق .. فقال جل جلاله..... {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ .. فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ }.. والخير كل الخير .. فيما نصح به الناصح الأمي...ن..ونصيحته من صحيح الترغيب..... .حيث يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم.. : إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى، خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلهَى ( ) ..... فَكَم مِمَّن يَملِكُ الملايين......وَهِيَ تُشقِيهِ وَلَا تُسعِدُهُ.
يقول الحطيئة ..
وَلَستُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمعَ مَالٍ وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وَتَقوَى اللّهِ خَيرُ الزَّادِ ذخرًا وَعِندَ اللّهِ لِلأَتْقَى مَزِيدُ
فيا أبنائي لا تخاطروا .. لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة .... العز في أوطانكم.. الكرامة بين أهلكم ..... فاصبروا و صابروا ..... فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ...... إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا.... كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ..
الدعاء سأل الله عزَّ وجلَّ أن يُصلح أحوالنا، وأن يُحوِّل أحوالنا إلى أحسن حال، وأن يتقبَّل منا توبتنا، ويغسل لنا حوبتنا، ويغفر ذنوبنا ما صغُر منها وما كبر، وأن يجعلنا دائماً وأبداً من عباده التوَّابين والمتطهرين.
اللهم افتح لنا في بلادنا كنوز الخيرات، واجعلها خيرات مباركات، وأغننا بخيرك وبرك عن جميع المعونات، ووفِّق شبابنا للعمل الصالح على منهج الله، وعلى المتابعة لحبيب الله ومصطفاه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، يا أرحم الراحمين. ...المزيد
معلومات
الإنتاج العلمي طبع ونشر له مصنفات عبر دور النشر المصرية منها: دار الإيمان بالإسكندرية 1-اللامبالاة في حياة الفرد والمجتمع 2-صور مشرقة من الثبات على الإيمان 3-صور من وصايا الأنبياء والعلماء عند الموت 4-عشر محاولات لاغتيال النبي صلى الله وسلم - دار العالمية بالإسكندرية و وقد أصدرت لي عدة كتب 5-فكرة المؤامرة عقيدة وحقيقة لا خيال 6-تبصرة الموحدين بخيانات الشيعة على الإسلام والمسلمين 7-تذكرة النفوس الأربعة بالأخطار 8-أخطاؤنا في تربية الأبناء 9-الخطب و المواعظ الباهرة في ذكر الموت و أهوال المقبرة 10-الالئ الحسان من أوصاف شهر رمضان -دار ابن رجب وقد أصدرت لي عدة كتب 11-تشنيف الآذان بأحكام و آداب الأذان 12- الشيطان كأنك تراه 13-فوائد الزواج و أسرار السعادة الزوجية 14لماذا نصوم رمضان 15 يومئذ يفرح الصائمون 16- أخطاؤنا في تربية الأبناء دار التقوى *17 تحفة الواعظ للخطب والمواعظ 18 أنبياء وعلماء وقضاة خلف القضبان المكتبة المرادية المكتبة المرادية ( وكل هذه الكتب موجودة على صفحتي على موقع الالوكة لمن أراد تحميلها ) 19-كشف اللثام عن حقيقة وحكم الأضراب والمظاهرات والاعتصام 20-متن الأربعين المرادية 21-العهد القديم والإرهاب العالمي مقارنة برحمة الإسلام وعدله 22-متن الأربعين الشتوية من أحاديث خير البرية 23-الأربعون النورانية في وصف صفوة البشرية 24-مشكاة المصابيح لجلسة صلاة التراويح 25-الركائز في بيان أسرار وآداب الجنائز 26-الدرر البهية من المقدمات المنبرية 27- الأربعون التيسيرية من سنة خير البرية 28- إشراق المصابيح لجلسة صلاة التراويح 29-السراج الوهاج من عبر الاسراء و المعراج 30-تحفة الأنام بفتاوى شهر رجب الحرام 31- مفاتيح النجاح العشرة 32-مؤذنو رسول الله – صلى الله عليه وسلم- 33-العناية الربانية بصفوة البشرية– صلى الله عليه وسلم- 34-أسباب الغلاء و قلة البركة من منظور الشرع 35-هجرة القلوب الى علام الغيوب 36- فتح الكبير المتعال بالاحاديث الطوال 37-التجلية في بيان معاني وأسرار وأحكام التلبية 38- الأربعون البرزخية 39- الأربعون البلدانية 40- التسعون العلية من أسماء الذات الإلهية 41- الأربعون النبوية لمغفرة خطايا الإنسانية 42- إسراج المصابيح لجلسة صلاة التراويح 43- الأربعون الرمضانية من أحاديث خير البرية 44-رد القوي المتين على من سب أو عاب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم 45- متن الأربعين من أهوال يوم الدين 46-النسمات المباركات من مقدمات المناسبات 47-الدرر البهية من المقدمات المنبرية 48-مشكاة المصابيح لجلسة صلاة التراويح 49-المشكاة في بيان آداب وأحكام اصطحاب الأطفال إلى الصلاة 50-الأربعون النورانية في وصف صفوة البشرية 51-هزة غزة هزة إيمان واعتقاد وعزة المخطوط =================== ويوجد ما يقرب من خمسين مصنفا لم يتم طبعها منها: * النسوة يسألن والنبي يجيب *الجامع لأسباب الموانع * حرص السلف وتفريط الخلف * الفوز والفائزون في القران الكريم * الدر المنضود في الإصلاح والتغيير المنشود *500 وصية من وصايا الأنبياء والعلماء لأبنائهم * رحلة الشيطان مع بني الإنسان من البداية حتى النهاية * العقد الثمين من درر اليقين * شرح الأربعين المرادية *السيل العرمرم من خصائص وفضائل ماء زمزم *قصص الشيطان مع الأنبياء والصالحين * الصواعق الربانية للقضاء على فوضى البلطجية * خلفاء وملوك ورؤساء خلف القضبان * ديوان لحن الخلود في الشهادة والشهيد *رسالة عاجلة إلى من فاته الحج *ألف ليلة وليلة من ليالي الأنبياء والعلماء والخلفاء العنوان/جمهورية مصر العربية / محافظة البحيرة / مركز شبراخيت / قرية فرنوى [email protected] " وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"
أكمل القراءة