﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ...

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ آل عمران ۝٣٠

• هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذبٌ في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المُحمدي والدين النبويَّ في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من عمِل عملًا ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ) ولهذا قال: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ ‍[ يُنظر تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى ]

فالمحبة الصادقة هي اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في كل صغيرة وكبيرة، لا مخالفة أمره.
...المزيد

عُقوبة مُخالفة أَمر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم -. • قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ ...

عُقوبة مُخالفة أَمر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم -.

• قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ سورة النور ‌۝٦٣

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره: وقوله: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾

أي: عن أمرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سبيله هوَ ومنهاجُه وطريقتُه وسنَّتُه وشريعتُه، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله، كائنا من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من عمِل عملًا ليس عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ)، أي: فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا ﴿ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي: في قلوبهم، من كُفر أو نفاقٍ أو بدعة، ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

وقال الطَّبري رحمه الله تعالى - في تفسيره في قوله - تعالى -: ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ يقول: أو يصيبهم في عاجل الدنيا عذاب من الله مُوجع، على صنيعهم ذلك، وخلافهم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
...المزيد

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها • فضائل الحسبة: لمّا كانت مكانة الحسبة في الشّريعة عظيمةً ...

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها

• فضائل الحسبة:

لمّا كانت مكانة الحسبة في الشّريعة عظيمةً كان فضلها عظيماً، وكان القائمون عليها بصدقٍ وحقٍ هم أهل الفضائل الذين صدَّقوا القول بالعمل، ودعوا النّاس لدين الله وأخذوا على يد الظّالم والمسيء، وقد تكلّم الله سبحانه وتعالى في كتابه عن صالحي أهل الكتاب من الأمم قبلنا فقال: {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤)} [آل عمران]، فجعل أول علامة للصّالحين بعد الإيمان بالله واليوم الآخر هي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

• فوائد الحسبة الدينيّة والدنيويّة:

اشتملت هذه الشّعيرة المباركة على فوائد دينيّةٍ ودنيويّةٍ جمَّةٍ، منها -على سبيل المثال لا الحصر-:

- النّجاة من عذاب الله تعالى كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: ١٦٥].

- إدراك رحمة الله لمن قام بشعيرة الحسبة، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة].

- شيوع الأمن الحقيقيّ والأمن النّفسيّ بين رعية الدّولة الإسلاميّة، فحين يقوم كلّ فردٍ بدوره الشّرعيّ المأمور به من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ينتفي الظّلم وتشيع الفضيلة، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢].

- تنبيه الغافلين عن أوامر الله، الغارقين في معاصي الله، وتحقيق مفهوم الرّحمة المتمثّلة ببعثة النّبي صلّى الله عليه وسلّم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧]، فالرّحمة تقتضي الحرص على النّاس ومنعهم من ولوج محارم الله الموصلة إلى سخطه وعذابه في الدّنيا والآخرة.

- التّقليل ما أمكن من مظاهر الانحراف الأخلاقيّ والسّلوكيّ بين الرعيّة، فما دام دعاة الطّاعة قائمين على رؤوس النّاس فلن يجد -بإذن الله- دعاة جهنّم مكاناً لهم ليفتنوا عباد الله عن صراطه المستقيم.

• الآثار المترتبة على ترك الحسبة:

كما أنّ للحسبة فوائدَ وفضائلَ ظاهرةً فإن لتركها وإهمالها آثارًا خطيرةً على الجماعة المسلمة، منها:

- حلول الغضب الإلهيّ بسبب شيوع المنكرات وهجران الطّاعات، وفشوّ الفساد بين الرعيّة دون نكير أو تحذير.

- تمكّن الباطل وأهله في المجتمع، وذلك يؤدي إلى أن تتحوّل الأرض إلى بؤرةٍ من الشّرّ والفساد قال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: ٢٥١]، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: ٤٠].

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
...المزيد

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها • مشروعيّة الحسبة وحكمها: قال القاضي عياض: "الأمر ...

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها

• مشروعيّة الحسبة وحكمها:

قال القاضي عياض: "الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام بالكتاب والسّنة وإجماع الأمّة" إكمال المعلم بفوائد مسلم. والأدلّة من القرآن الكريم والسّنة المطهّرة على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أكثر من أن تحصى في هذه الأسطر؛ فمنها: قول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤]، وقال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: ١١٦].

وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيرّه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». صحيح مسلم.

فجعل تغيير المنكر من صفات المؤمن الرّاسخة مصداقاً لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ٧١]. وليست مقتصرةً على مؤسّسةٍ معيّنةٍ أو طائفةٍ أو فرقةٍ من المسلمين، بل هي واجبةٌ على كلّ مسلمٍ لعموم الأدلّة الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، و علّق الإمام ابن كثيرٍ على قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} فقال: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقةٌ من الأمّة متصدّية لهذا الشّأن، وإن كان ذلك واجباً على كلّ فردٍ من الأمّة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من رأى منكم منكراً فليغيرّه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل".

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
...المزيد

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها • الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد ...

الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها

• الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله الطّيبين وصحابته الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

فقد بعث الله نبيّه محمّداً صلى الله عليه وسلّم بخير دين وخير كتاب، وجعل أمّته خير أمّة بين الأمم، وخصّص هذه الخيريّة بمزيّةٍ عظيمةٍ فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠]، وقد عرفت هذه الشّعيرة العظيمة في التّاريخ الإسلاميّ باسم الحِسبة.

فما هي الحِسبة؟ وما هي مكانتها في الشّرعية الإسلاميّة؟
وما فضيلتها وفوائدها؟ وما الآثار المترتّبة على تركها؟

• تعريف الحِسبة:

الحِسبة لغةً: بالكسر هو الأجر؛ تقول: فعلته حِسبةً؛ والاحتساب: طلب الأجر، وفي الحديث: (من مات له ولد فاحتسبه)، أي احتسَبَ الأجر بصبره على مصيبته به، وفي الحديث: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا)، أي طلبا لوجه الله تعالى وثوابه. انظر لسان العرب لابن منظور.

الحسبة اصطلاحاً: قال صاحب الأحكام السّلطانيّة: "هي أمرٌ بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهيٌ عن المنكر إذا أظهر فعله."، وقال صاحب الإحياء: "الحسبة عبارةٌ عن المنع عن منكرٍ لحَقِّ الله صيانةً للممنوع عن مقارفة المنكر".

فالحسبة إذاً ولاية دينيّة تتولى مهمّة الأمر بالمعروف إذا أظهر النّاس تركه، والنّهي عن المنكر إذا أظهر النّاس فعله، حماية لجناب الشّريعة من الضّياع، وصيانة للجماعة المسلمة من الانحراف، وتحقيقاً لمصالح النّاس الدينيّة والدنيويّة وفقاً لشرع الله تعالى.

• منزلة الحسبة في الإسلام:

قال ابن تيميّة رحمه الله: "جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإنّ الله -سبحانه وتعالى- إنّما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرّسل، وعليه جاهد الرّسول والمؤمنون، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: ٥٦)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: ٢٥)، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36)".

وقال القرطبيّ عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: "هو فائدة الرّسالة وخلافة النّبوة" تفسير القرطبيّ. فالحسبة هي سفينة النّجاة التي تحمل الأمة وتنجو بها من التّيه في غياهب المعاصي والشّهوات، والضّلالات والشّبهات.

وقد ضرب لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثلاً واضحاً فقال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا" رواه البخاريّ.

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
...المزيد

معركة الجماعة والفصائل 6 تجارب أهل الجماعة مع الفصائل - لا جماعات مع الجماعة في العراق • مع ...

معركة الجماعة والفصائل
6 تجارب أهل الجماعة مع الفصائل

- لا جماعات مع الجماعة في العراق

• مع فتح الموصل وتساقط أجزاءٍ واسعةٍ من العراق بيد المجاهدين، وزوال قبضة الرّافضة عنها، لم تجد الدّولة الإسلاميّة صعوبةً في توحيد صفّ المسلمين هناك خاصّةً بعد إعلان الخلافة الإسلاميّة، والسّبب - بعد فضل الله - يعود إلى خلوّ السّاحة من الفصائل، فالفصائل التي كانت لها القوّة والشّوكة في بدايات الاحتلال الصّليبيّ الأمريكيّ للعراق أتلفت نفسها في قتال الدّولة الإسلاميّة، فتفكّكت وزالت ولم يبق منها إلا بيانات تُنشر على مواقع التّواصل من حسابات يديرها قادتها القابعون في رعاية الطّواغيت في "دول الجوار"، ولم يكن زوالها ناتجاً فقط عن خسائرها في قتال الدّولة الإسلاميّة، بل بانفضاض المقاتلين عنها، حيث تركها الكثيرون ممّن انخدعوا بها سنيناً عندما وجدوا أنفسهم في صفّ الصّليبيّين ضدّ من كانوا يعدّونهم إخوة الجهاد في الأمس، وكذلك انفضّ عنها الذين وجدوا في الانضمام إلى الصّحوات وإلى صفّ الرّوافض والصّليبيّين فرصةً أفضل لتحقيق المنافع من بقائهم في صفّ هذه الفصائل، خاصّةً في ظلّ حشد الفتاوى والتّصريحات من علماء السّوء الذين جعلوا من قتال دولة العراق الإسلاميّة واجب العصر، فزالت الفصائل في العراق، ورحل المحتلّ الصّليبيّ منه، وبقيت الدّولة الإسلاميّة تصاول الرّوافض سنين حتّى فتح الله عزّ وجلّ عليها الأرض.

إنّ تجربة الدّولة الإسلاميّة وخاصّةً بعد إعادة الخلافة الإسلاميّة قدّمت نموذجاً حيّاً عن الفرق بين حال المسلمين في ظلّ الجماعة عن حالهم في ظلّ الفصائل، وإن مقارنةً بسيطةً بين المناطق الخاضعة لحكم الدّولة الإسلامية في الشّام والأخرى التي تسيطر عليها الفصائل كفيلةٌ بتوضيح هذا الفارق.

إذ لم يكن ممكناً على سبيل المثال تطبيق شريعة الله بوجود الفصائل، لأنّ أيّ قضيّة يكون أحد أطرافها تابعاً لفصيل ما، لا يمكن حلّها إلا بمعركةٍ مع هذا الفصيل، في الوقت الذي يخضع كلّ النّاس في دولة الخلافة لسلطة الشّرع، ويحقّ للقضاة فيها استدعاء أيّ مدّعىً عليه مهما بلغت سلطته وليحاكم وفقاً لشريعة الله. ولا تزال الفصائل في المناطق التي تسيطر عليها من الشّام ترفض تطبيق شرع الله بدعوى عدم تمكّنها من الأرض، فأنشأ كلّ فصيلٍ منها محكمةً خاصّة به، فضاعت حقوق العباد بين محاكم الأوغاد. ومن النّاحية العسكريّة، فإنّ ثبات الدّولة الإسلاميّة بفضل الله وهي تخوض حرباً عالميّةً بمفردها لم يكن ليتحقّق في ظلّ وجود الفصائل التي كرّرت تجربة الصّحوات بطريقة أو بأخرى.

- الجماعة والفصائل ... لن يتكرّر الخطأ

وبناءً على هذه التّجربة الطّويلة المريرة في التّعامل مع الصّحوات، أدرك قادة الدّولة الإسلاميّة، أن لا حلّ ممكنٌ مع الفصائل إلا بتفكيكها وإزالتها، حيث لا يمكن بأيّ حالٍ أن تنضمّ هذه الفصائل جميعها إلى مشروعٍ جامعٍ للأمّة، لأنّ كلّاً منها يريد أن يكون قائداً للأمّة، إنْ لم يكن يرى في فصيله أنّه هو الأمّة، وكذلك بسبب استقواء أكثر الفصائل بالطّواغيت لتوفير الدّعم اللّازم لاستمرارها وبالتّالي خضوعها لشروط هؤلاء الطّواغيت التي لا يمكن أن تكون في مصلحة المسلمين.

فكان الخطاب الأخير للشّيخ العدنانيّ تقبله الله (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) يحمل في طيّاته النّتيجة النّهائيّة لمصير الفصائل بعد قرنٍ من الزّمن راجت وكثرت فيه الفصائل في ظلّ غياب جماعة المسلمين، ولكنّ تجربة الفصائل وتعدّدها كانت كارثةً من حيث النّاتج العامّ، إذ ضاعت ثمرة الكثير من التّجارب الجهاديّة بسبب هذه الفصائل وتنازعها، وارتباط كثير منها بالطّواغيت، ودخول كثيرٍ منها في مشاريع تحالفاتٍ وائتلافاتٍ مع الطّواغيت لتحقيق مصالح هذه الفصائل، ولإضعاف خصومها، وما تجارب الشّام الأولى (ضدّ الطاّغوت حافظ الأسد) وأفغانستان الأولى (ضدّ الشّيوعيّين) والجزائر (ضدّ أبناء فرنسا) والعراق الأولى (ضدّ الصّليبيّين الأمريكيّين)، والشّام الحاليّة، إلا أمثلةٌ واقعيةٌ عن الكوارث التي أحلّتها الفصائل بالجهاد. وبذلك تنطلق الأمّة المسلمة نحو مرحلةٍ جديدةٍ عنوانها (جماعة المسلمين) التي تقودها الخلافة الإسلاميّة نسأل الله لها النّصر والتّمكين.

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
معركة الجماعة والفصائل (6)
تجارب أهل الجماعة مع الفصائل
...المزيد

معركة الجماعة والفصائل 6 تجارب أهل الجماعة مع الفصائل • كان إعلان دولة العراق الإسلاميّة ...

معركة الجماعة والفصائل
6 تجارب أهل الجماعة مع الفصائل

• كان إعلان دولة العراق الإسلاميّة واحداً من أهمّ الأحداث في تاريخ المسلمين الحديث، لعدّة أسباب منها القيام بالواجب الشّرعيّ المضيّع، وقطع الطّريق على لصوص الجهاد الذين كانوا يحضّرون أنفسهم للاستيلاء على ثمرات تضحيات المجاهدين خاصّة مع ظهور بوادر الفشل الأمريكيّ وكثرة التّوقّعات حول رغبته في الانسحاب من العراق، وكذلك لأنّ هذا الإعلان كان يحمل في طيّاته الانتهاء من مرحلة الفصائل التي مزّقت الجهاد في العراق؛ بسبب المرجعيّات المختلفة لهذه الفصائل، ورؤاها المتعدّدة بخصوص مستقبل الجهاد ومستقبل العلاقة مع الأطراف المختلفة في السّاحة العراقيّة.

هذا الإعلان لم يكن للفصائل أن تفهمه الفهم الصّحيح على أنّه دعوةٌ للاجتماع والاعتصام بحبل الله عن طريق الوسيلة الشّرعيّة ألا وهي إقامة جماعة المسلمين ونصب الإمام لها الذي يجتمع عليه المسلمون كلّهم، ولكنّها فهمتها من منطلق الأحزاب والدّيموقراطيّات التي أُشربتها قلوبهم وإن أنكرتها ألسنتهم، فلم يكن لهم ليتقبّلوا أن يدعوا إلى جماعةٍ غير فصيلهم ولو كانت جماعة المسلمين، ولا لإمامٍ غير أنفسهم ولو استكمل كلّ شروط الإمامة الشّرعيّة، فأعلنوا الحرب على الدّولة الإسلاميّة، وأكّدوا بأفعالهم أنّ الثّابت الوحيد في عرفهم أنْ تبقى فصائلهم، وكلّ ما سوى ذلك متغيّراتٌ تبعٌ للحفاظ على ذلك الثّابت، فصار المحتلّ الأمريكيّ الذي كانوا يقاتلون لإخراجه من العراق حليفاً مقرّباً ضدّ العدوّ المشترك وهو الدّولة الإسلاميّة، وصار الرّوافض الذين كانوا عملاء للمحتلّ "شركاء في الوطن" بل حتّى "شركاء في العمليّة السّياسيّة"، وبات المجاهدون من جنود الدّولة الإسلاميّة هم العدوّ الوحيد الذي يجب القضاء عليه "للحفاظ على الجهاد في العراق"، وزيادةً في الإثم قاموا بتشكيل تجمّعاتٍ بدعيّةٍ مرتدّةٍ لصدّ النّاس عن الدولة الإسلامية وحشد القوى لقتالها.

وكان لتمسّك قادة دولة العراق الإسلاميّة وعلى رأسهم الشيخان (أبو عمر البغداديّ وأبو حمزة المهاجر) تقبّلهما الله بهذه الدولة ورفض التّراجع عنها بل وحتى رفض أيّ تفاوضٍ مع خصومها في شأن بقائها الأثر الكبير في منع العودة بها إلى مرحلة الفصائل، رغم أنّها أضعفت كثيراً من حيث العدد والعدّة وانحازت من أغلب المناطق التي كانت تحت سيطرتها، لكن كان بقاء الدّولة الإسلاميّة ثابتاً لا يقبل الشّيخان التّفاوض حوله مع العدوّ والصّديق على حدٍّ سواء، حيث أطلق وزير الحرب تصريحه الشهير "إن قلوبنا مفتوحة لكل نقد وتعديل يخص هذا المشروع، فقط لا يمكن الرجوع عن أمرين: الدولة وأميرها، لأنا اجتهدنا ونحسب فيهما الخير والبركة والفلاح". وأطلق أمير دولة العراق الإسلاميّة الشّعار المعروف "باقية" لقطع النّقاش في هذه المسألة.

- خبرات العراق وفصائل الشّام

دخل مجاهدو دولة العراق الإسلاميّة إلى الشّام مثقلين بالتّجارب المريرة مع الفصائل المسلّحة في العراق، نصرةً للمسلمين في وجه الطّاغوت النّصيريّ من جهة، ولتنشيط ساحتها من جهة أخرى لتكون بذلك عمقاً استراتيجيّاً لساحة العراق وامتداداً لها، في إطار وحدة جهاد الأمّة المسلمة، لكنّ الفصائل أبت ذلك.

كان قادة الدّولة الإسلاميّة يعلمون علم اليقين أنّ هذه الفصائل لن تترك الدّولة الإسلاميّة دون قتال، ولكنّ الخيار كان بتأجيل قتالهم المؤكّد ما استطاعوا ذلك.

وفي نفس الوقت كان أعداء الدّولة الإسلاميّة من الصّليبيّين وأنصارهم من الطّواغيت والأحزاب المنحرفة يضعون نصب أعينهم القضاء عليها وقتل مشروعها في الشّام في مهده بالأسلوب ذاته الذي طُبّق في العراق، فكثرت الزّيارات التي يقوم بها المسؤولون الأمريكيّون إلى تركيا للالتقاء بقادة الفصائل، وفي الوقت ذاته بدأت مشاريع لإنشاء قوّاتٍ مدرّبةٍ أمريكيّاً في الأردن لقتال الدّولة الإسلاميّة.

وكان من فضل الله على الدّولة الإسلاميّة وما حمله قادتها من خبرة في التّعامل مع الفصائل بناءً على تجاربهم في العراق، والتي علّمتهم أنّ التّهاون في شأن ردّ عاديتها، وتوضيح حكمها الشّرعيّ مفسدةٌ للدّين، مضيعةٌ للجهاد، فبيّنوا للنّاس عامّةً ولجنودهم خاصّةً حكم قتال هذه الفصائل، وشدّ المجاهدون وقادتهم لقتالها مآزرهم، ولم يسقطوا السّيف من أياديهم إلا والفصائل مكسورون، مدحورون، والدولة الإسلاميّة ممكّنة في جزءٍ كبيرٍ من الشّام تطبّق شرع الله وتقيم حدوده فيه.

مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
معركة الجماعة والفصائل (6)
تجارب أهل الجماعة مع الفصائل
...المزيد

عبادة الجهاد وغايات المنحرفين • إنّ هذه الانحرافات في مفهوم الجهاد وغيرها إنّما تنشأ من السّبب ...

عبادة الجهاد وغايات المنحرفين

• إنّ هذه الانحرافات في مفهوم الجهاد وغيرها إنّما تنشأ من السّبب الذي ذكرناه في البداية، وهو الجهل في غاية الجهاد ووظيفته.

فالجهاد في منظور هؤلاء وسيلةٌ من الوسائل التي يفهمها أهل الدّنيا، لها من القيمة بمقدار ما تحقّقه من الفائدة وتقلّل من التكلفة، فإذا قلّت فائدتها أو زادت تكلفتها وجب استبدالها بوسيلة أجدى في تحقيق غاياتهم، فيكون الجهاد والمنهج الذي يسير عليه - في هذه الحالة - تبعاً للنتيجة المتوقعة منه، فإذا تحقق له النصر والفتح، أعلن أنّ "الجهاد هو الحل"!، وإذا تأخّر النّصر والفتح انقلب على عقبيه، وبحث عن "حلُّ " آخر، بما أن الجهاد عنده هو "أحد الحلول المطروحة " لا أكثر! فكان حاله كما قال الله عزّ وجل فيه: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة)، فهو يتعبّد الله بالجهاد ما أصابه منه خير، فإذا أصابته فتنة في جهاده انقلب على عقبيه.

وهذه الأمثلة نجدها دائماً تظهر في صف المجاهدين، حيث يبرز المنافقون ومن في قلبهم مرضٌ مع كلّ مصيبة تحلّ بالمجاهدين، ومع كل تراجع يحصل معهم ومع كل تأخر في النصر، ليشكّكوا المجاهدين، في جهادهم، ومنهجهم، ودينهم، ويوسوسوا لهم بضرورة تغيير ذلك كلّه أو بعضه لتحقيق النّصر على الأعداء، فإذا ما فتح الله على عباده سكتوا وخنسوا.

أمّا المجاهد الحقّ فإنّه يجاهد طاعة لأمر الله الذي كتب عليه القتال، ولو كان الله أمره باتباع سبيل غيره في مدافعة الكفّار والمنافقين لالتزم بذلك ولم يقاتل مهما رأى في القتال من وسيلة مجدية لتحقيق غاياته، وهو يحرص كلّ الحرص على صحّة جهاده من حيث موافقته لأمر الله عزّ وجلّ، كونه عبادة من العبادات، ويقيّم صحّة هذا الجهاد بمقدار التزامه بضوابط الشّرع، وبمقدار اتّباعه فيه لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ،وصحابته، لا بمقدار ما يتوقعه منه من نتائج، والكلام هنا عن أصل الجهاد والقتال، لا عن أساليبه وإجراءاته التي تخضع لاجتهاد أمراء الجهاد في تقديرهم للطَّريقة الأفضل في قتال العدو والتي تحقق فيه أكبر نكاية وفي المسلمين أقل الخسائر، في إطار ضوابط الشّريعة ولا شك.

فالجهاد من حيث كونه عبادة لا يمكن تقييمه بناءً على ما ينتج منه من منافع أو خسائر ظنّية، وإلا لأمكن لأهل الضّلال تقييم كلّ العبادات بهذا الميزان المنحرف، فإذا كانت الصلاة بالنسبة لفرد ما لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فترك الصلاة بالكلية - في مقياسهم الفاسد - جائز أو واجبٌ، وإذا كان الصّيام لا ينهاه عن قول الزور والعمل به فالأولى الفطر وترك الصيام، وإذا كانت الزكاة لم تؤد - في نظر أحدهم - إلى تنمية ماله وحفظه وتطهير نفسه، ظنّ أنه جاز له العدول عنها إلى وسيلة أخرى من وسائل تحقيق هذه الغايات التي كان يروجونها من عبادة الزكاة.

بل يجب على المسلم أن ينظر إليها أنّها عبادةٌ بشّر الله من عمل بها مخلصاً محتسباً بأعظم الثواب، وتوعد من تركها بغير عذر شرعيّ بالعذاب الشّديد في الدّنيا والآخرة، بل من ترك العمل بها وهو يرى فيها شرّاً، أو يرى أنّ زمانها انتهى، أو أنّه يسِعه عدم العمل بها بغير عذر شرعيّ فقد خرج من الإسلام بالكلية، بل إن امتنعت طائفة من النّاس بشوكةٍ عن هذه العبادة لأي سبب كان اعتُبرت طائفةً ممتنعة عن شرائع الإسلام وجب قتالها.


• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
عبادة الجهاد وغايات المنحرفين
...المزيد

عبادة الجهاد وغايات المنحرفين • إنّ من أكثر الأمور التي خاض فيها المتفلسفون في أمر الجهاد، هو ...

عبادة الجهاد وغايات المنحرفين

• إنّ من أكثر الأمور التي خاض فيها المتفلسفون في أمر الجهاد، هو سؤالهم: هل الجهاد وسيلةٌ أم غايةٌ؟

والغالب على من يطرح هذا السّؤال أنّه يريد أن يمهّد لإطلاق تنظيراته العقيمة حول الجهاد والتي يجب أن تقوم على أساس أنّ الجهاد مجرد وسيلة! لكي يبني على أساس هذه القاعدة الفاسدة، أنّ الوسيلة إذا لم توصل إلى الغاية فلا فائدة منها، أو أنّ الجهاد يجب أن يُمارس بالطّريقة التي توصل إلى الغاية التي وضعوها هم لهذا الجهاد.

ففي منظورهم إذا كانت الغاية هي إخراج المحتلّ الكافر من أرض الإسلام فقط، فإنّ هذا العدوّ لا يواجه بالجهاد إلا في حالة عدم وجود وسيلة أخرى، فإذا أجبروا على اتخّاذ هذه الوسيلة، فإن هذا الجهاد يجب أن يمارس بأيّ طريقة يعتقدون أنّها توصلهم إلى إخراج المحتل، وعليه يكون هذا "الجهاد" مصمماً على قياس هذه الغاية فقط، ولنا في فصائل العراق أيام الاحتلال الأمريكي والتي أطلقت على عملها لقب "المقاومة الشريفة" لتمييزه عن عمل المجاهدين وغايته أن تكون كلمة الله هي العليا، حيث اعتبرت هذه الفصائل أن توسيع دائرة القتال لتشمل المرتدين من الشرطة والحرس الوثني والصحوات والرافضة "جريمة" بناءً على قاعدتهم الفاسدة التي أطلقوها وهي "حرمة الدّم العراقي"، في نفس الوقت الذي توسّعوا في دائرة "جهادهم" ليشمل ذلك الجهاد المشاركة في البرلمان العراقي، وإقامة علاقاتِ مع مخابرات الطواغيت العرب في دول الجوار، بل وعقد جلسات تنسيق مع المحتلّ الأمريكيّ.

وبالمثل إذا كان "الجهاد" وسيلةّ لإسقاط طاغية فإنّ شكل هذا "الجهاد" وحجمه مصمّم وفق مقاييس الثّوار على هذا الطّاغية، ومتى ما ظنّ أصحاب هذا "الجهاد" أو ذاك أنّ الغاية التي يطلبون يمكن تحقيقها بوسائل أخرى بادروا إلى خلع اللباس العسكري والأحذية الثقيلة، وارتدوا البدل الرسميّة والأحذية اللامعة، ليطلقوا على عملهم الجديد اسم "الجهاد السّياسي"، رغم ما يتضمنه من الجلوس مع أعداء الأمس، ومع مخابرات الطواغيت، وإطلاقهم للتصريحات المداهنة للكفار، وغير ذلك من الأفعال المخزية، وفي قادة أكثر الفصائل في في ليبيا والشام هذا الزمان مثال ناصع على هذا النموذج من المجاهدين المزعومين.

بل والأشنع أن يكون "جهاد" بعضهم لإقامة الديموقراطية، بزعمهم الضال أنها وسيلة لإقامة الدّين، فتجد شيوخهم وزعماءهم يحرّضون الشّباب على هذا "الجهاد"، وينعتون من يقوم به و يقتل فيه بأنّهم "مجاهدون" أو "شهداء"، ومثل هذا القتال في سبيل الطّاغوت نجده في قتال الحركات المنتمية إلى فكر "الإخوان المسلمين، والأمثلة على ذلك كثيرة لكن أشهرها تجربة مشاركة "الإخوان المسلمين في سوريا" في القتال ضدّ الطاغوت (حافظ الأسد) قبل ثلاثة عقود حيث لم يستح قادتهم من إعلان أن هدف القتال الذي ساقوا إليه أتباعهم هو فتح المجال أمام الحريات، وإتاحة المجال أمام المسار الدّيموقراطيّ لتداول السلطة وغير ذلك من الضلالات، وكذلك تجربة مشاركة "جبهة الإنقاذ في الجزائر في القتال ضد طواغيت الجزائر، حيث كان الهدف من تأسيس "جيش الإنقاذ المرتبط بهم هو إجبار الطواغيت على العودة إلى المسار الدّيموقراطيّ وإلى الانتخابات التي تمّ إلغاؤها، في الوقت الذي كان المجاهدون في الجزائر يعلنون بصراحة أنّ هدفهم إقامة الدّولة الإسلامية، لتكون أساساً لإقامة الخلافة الإسلامية في كل الأرض.

وفي كلا الحالتين لم يحقّق هؤلاء الضّالّون غاية قتالهم الفاسدة، فضلاً عن تضييعهم للغاية الشرعيّة لقتال الكفّار، وهي أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن لا يبقى شرك في الأرض ويكون الدين كله لله عزّ وجلّ.

وكذلك انحدر بعض ممّن خرجوا يزعمون جهاد الطواغيت، وغايتهم (المعلنة) هي إقامة شريعة الله، فتكون كلمة الله هي العليا، فلما استبطؤوا النصر، واستصعبوا الثبات على الطريق، واستعجلوا قطف الثمار، وأحزنهم قلة الصاحب وقلة ذات اليد، وأرعبهم تكالب ملل الكفر عليهم، استزلّهم الشيطان فظهرت التراجعات، وراجت "المراجعات "، بل بات الكثير من هؤلاء يستحي من وصف قتاله للطَّاغوت أنّه جهاد، ويتباهى أنه لن يعود إلى "طريق العنف"، وأنه سيسلك "السبل السلمية" في طريقه إلى الوصول إلى الشريعة التي يحلم بها، و "السبل السلمية " التي يتكلّم عنها هؤلاء هي في الغالب الدّخول في البرلمانات الشركيّة وموالاة المرتدين من العلمانيين الديموقراطيين ممّن يصنّف في صفّ المعارضة السّياسيّة، وبالطبع لو سئل هذا المنتكس عن فعله لسماه "جهاداً" ولحرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر " ليجعل المقصود منه هو معارضة الحاكم الجائر المبدّل للشّريعة، ولو دخل البرلمانات الشّركيّة، ولعلّ في قادة التنظيم المسمّى "الجماعة الإسلامية مصر" خير مثال على ذلك.


• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
عبادة الجهاد وغايات المنحرفين
...المزيد

فوائد معرفة أَحْوال السَّابِقِين • "وأما السابقون المقربون: فنستغفر الله الذي لا إله إلا هو أولا ...

فوائد معرفة أَحْوال السَّابِقِين

• "وأما السابقون المقربون: فنستغفر الله الذي لا إله إلا هو أولا من وصف حالهم وعدم الاتصاف به، بل ما شممنا له رائحة، ولكن محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها، وإن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم، ففي معرفة حال القوم فوائد عديدة:

• منها: أن لا يزال المتخلف المسكين مزريا على نفسه ذامًا لها

• ومنها: أنه لا يزال منكسر القلب بين يدي ربه تعالى ذليلا له حقيرا يشهد منازل السابقين وهو في زمرة المنقطعين، ويشهد بضائع التجار وهو في رفقة المحرومين

• ومنها: أنه عساه أن تنهض همته يوما إلى التشبث والتعلق بساقة القوم ولو من بعيد

• ومنها: أنه لعله أن يصدق في الرغبة واللجأ إلى من بيده الخير كله أن يلحقه بالقوم ويهيئه لأعمالهم فيصادف ساعة إجابة لا يسأل الله عز وجل فيها شيئا إلا أعطاه

• ومنها: أن هذا العلم هو من أشرف علوم العبادة، وليس بعد علم التوحيد أشرف منه، وهو لا يناسب إلا النفوس الشريفة، ولا يناسب النفوس الدنيئة المهينة

• ومنها: أن العلم بكل حال خير من الجهل، فإذا كان اثنان أحدهما عالم بهذا الشأن غير موصوف به ولا قائم به، وآخر جاهل به غير متصف به فهو خلو من الأمرين

• ومنها: أنه إذا كان العلم بهذا الشأن همه ومطلوبه، فلا بد أن ينال منه بحسب استعداده ولو لحظة لو بارقة، ولو أنه يحدث نفسه بالنهضة إليه

• ومنها: أنه لعله يجري منه على لسانه ما ينتفع به غيره بقصده أو بغير قصده، والله لا يضيع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العامل"

[طريق الهجرتين] لابن القيم -رحمه الله-


المصدر: إنفوغرافيك النبأ - فوائد معرفة أَحْوال السَّابِقِين
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 460
الخميس 9 ربيع الأول 1446 هـ
...المزيد

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} • وعن أسباب هذا الهوان والذل والاستضعاف، يطول الكلام وتكثر ...

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا}

• وعن أسباب هذا الهوان والذل والاستضعاف، يطول الكلام وتكثر زواياه، لكننا نتناوله اليوم من زاوية أخرى، فنقول إن الهوان والذل الذي أصاب المسلمين سببه هجرهم مصدر عزتهم وهدايتهم، هجرهم كتاب ربهم، ليس هجر قراءته والترنم به وحفظه وتدشين الحلقات لذلك، بل هجر العمل به وتطبيقه، هجر اليقين بوعده وما جاء به، هجر نقله من السطور والصدور إلى أرض الواقع، ومن ذلك قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}، فهو سبحانه لم يقل: هادنوهم! ولم يقل: سالموهم! بل قال: {قَاتِلُوهُمْ}، وعاتب الله المسلمين كثيرا بقوله: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وساءلهم أكثر من مرة: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، وتوعدهم لما تقاعسوا عن ذلك بقوله: {إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وبين لهم أنه غني عنهم وإنما يعود النفع عليهم لا عليه جل جلاله فقال: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وأخبرهم سبحانه بأنه قادر على إنزال النصر بدون جهاد فقال: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ}، وإنما شرع سبحانه الجهاد اختبارا وتمحيصا للعباد فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، ودلّهم على أن خيري الدنيا والآخرة في الجهاد وإن كرهته النفوس فقال: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، قال ابن كثير: "لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء، والاستيلاء على بلادهم، وأموالهم، وذراريهم، وأولادهم، وهذا عام في الأمور كلها، قد يحب المرء شيئا، وليس له فيه خيرة ولا مصلحة، ومن ذلك القعود عن القتال، قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم".

فبعد كل هذه الآيات الربانية التي دلت على طريق الخلاص؛ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}؟، ألم يأن للذين آمنوا أن يستشعروا خطاب الله لهم في تلك الآيات؟ ألم يأن لهم أن تتحرك نفوسهم لرد عادية الكفر والظلم، ألم يأن لهم أن يهاجروا ويجاهدوا وينصروا إخوانهم؟ ألم يأن لهم أن يعلموا كم خسروا بتفريطهم في الجهاد؟

ثم ألم يأنِ للذين آمنوا أن يعرفوا أن ضريبة الجهاد أخف من ضريبة تعطيله وهجره، فلا يوجد أدنى مجال للمقارنة بين من سقطوا قتلى -مثلا- في معركة شقحب ضد التتار، ومن أخذهم سيل التتار الجارف حتى وصل إلى الشام! وكيف يقاس ما قدمه المسلمون في حطين مع ما قدموه للصليبيين في حملاتهم إلى بيت المقدس؛ لا لن نقيس، ولن نقارن فلا وجه للمقارنة بحال بين الطاعة والمعصية، بين العزة والمذلة، فالمكاسب أعز وأوفر من ذلك، بل على العكس تماما سنعمد للمقارنة والتذكير بما جرته علينا السلامة والموادعة اللتان أدتا لسقوط الأندلس وسفك الدماء وانتهاك الأعراض المسلمة، فذلك قد كان أضعافا مضاعفة عما أوصلنا له الإقدام والجهاد في فتحها يوم كانت تعلوها راية الإسلام.

ألم يأن للذين آمنوا أن يدركوا كل ذلك، فيخلعوا هوان القعود وضعف الفرقة، ويكسبوا عز الجهاد وقوة الجماعة، أيحتاج الأمر مزيدا من الجراحات والمجازر، أم طال العهد فقست القلوب وتحجرت؟!

هكذا دلنا الله تعالى في كتابه على طريق النجاة والخروج من نفق الذل والتيه الذي يعيشه أكثر أهل القبلة اليوم، وليس هناك طرق أخرى، فإما أن تبادر وتمتثل الأمر الإلهي بالجهاد والنفير لتقلب الطاولة على رؤوس الطواغيت وتقلب الواقع رأسا على عقب، أو تقعد وتجبن وتتثاقل وتتخلف عن قافلة الجهاد فتنال بذلك خسارة الدنيا والآخرة، أو تسلك طريق نبيك وصحابته فتفوز كما فازوا وتعز كما عزوا، والجزاء من جنس العمل.


المصدر: افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 460
الخميس 9 ربيع الأول 1446 هـ
...المزيد

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} • لا نبالغ لو قلنا إنك أينما وجّهتَ ناظريك حول العالم، رأيت ...

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا}

• لا نبالغ لو قلنا إنك أينما وجّهتَ ناظريك حول العالم، رأيت ألوان البلايا وأنواع الرزايا قد نزلت بالمسلمين وحلت بديارهم، فلا يكاد يخلو صقع من الأرض من مسلم يؤذى في دينه ويبتلى في نفسه أو أهله أو ماله أو ولده أو في ذلك كله، بالقتل أو الأسر أو التهجير أو غيرها من صنوف العذاب التي يلحقها طواغيت العصر عربا وعجما بالمسلمين، فما سبب ذلك؟ وما السبيل للخروج من هذا الواقع المر وقلبه على رؤوس الطواغيت وزبانيتهم؟

إن أحوال المسلمين اليوم لا تخفى، فمن جور الشيوعيين في الصين وتركستان، إلى جرائم البوذيين والهندوس في الهند وبورما وأراكان، مرورا بالنصارى الشرقيين المشربين ببطش الشيوعية، إلى نصارى أمريكا وأوروبا الصليبية الذين ملؤوا العالم كفرا وظلما، ومثلهم اليهود الكافرون ومجازرهم في فلسطين، وليس أقل منهم كفرا وجرما الرافضة والنصيرية وما فعلوه في العراق والشام واليمن ولبنان.. إلى غيرهم من ملل الكفر الذين شنوا الحروب تلو الحروب على بلاد المسلمين، ولا ننسى بالطبع الحكومات والجيوش العربية المرتدة التي جرى تأسيسها لحرب المسلمين وقمعهم وإفساد عقيدتهم وأخلاقهم وإسكاتهم وكبح أي محاولة جادة للتغيير والسير نحو الحق، وليس آخرها جرائم هذه الجيوش بحق مسلمي السودان، فكم قتلوا وكم أسروا وكم طغوا وبغوا في الأرض فكانوا بحق فراعنة العصر في الكفر والإفساد.

ومما يزيد الطين بلة ويجعل المشهد أكثر قتامة، تلك الحركات والكيانات المنحرفة عن التوحيد المائلة إلى الشرك، التي كانت وبالا على المسلمين، وشكلت معول هدم تهدم الإسلام من الداخل بما بثته وصدّرته من مناهج باطلة في التغيير خلافا لمنهاج الكتاب والسنة الذي تستروا خلفه أحيانا، واستعرّوا منه أحايين أخرى، لكنهم لم يتبنوه ولم يطبّقوه أبدا في واقعهم وتجاربهم المتعاقبة على الفشل، بل كانوا حربا على من طبّقه أو سعى لتطبيقه، وسلما على من حاربه، وقد رأيناهم من قبل في العراق ومصر وتونس وليبيا، أينما رفعت راية الشريعة كانوا خصومها وأعداءها، وأينما رفعت رايات الجاهلية كانوا أنصارها وحماتها، فكانوا بذلك حربا على الإسلام حقا.

وعن أسباب هذا الهوان والذل والاستضعاف، يطول الكلام وتكثر زواياه، لكننا نتناوله اليوم من زاوية أخرى، فنقول إن الهوان والذل الذي أصاب المسلمين سببه هجرهم مصدر عزتهم وهدايتهم، هجرهم كتاب ربهم، ليس هجر قراءته والترنم به وحفظه وتدشين الحلقات لذلك، بل هجر العمل به وتطبيقه، هجر اليقين بوعده وما جاء به، هجر نقله من السطور والصدور إلى أرض الواقع، ومن ذلك قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}، فهو سبحانه لم يقل: هادنوهم! ولم يقل: سالموهم! بل قال: {قَاتِلُوهُمْ}، وعاتب الله المسلمين كثيرا بقوله: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وساءلهم أكثر من مرة: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، وتوعدهم لما تقاعسوا عن ذلك بقوله: {إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وبين لهم أنه غني عنهم وإنما يعود النفع عليهم لا عليه جل جلاله فقال: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وأخبرهم سبحانه بأنه قادر على إنزال النصر بدون جهاد فقال: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ}، وإنما شرع سبحانه الجهاد اختبارا وتمحيصا للعباد فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، ودلّهم على أن خيري الدنيا والآخرة في الجهاد وإن كرهته النفوس فقال: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، قال ابن كثير: "لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء، والاستيلاء على بلادهم، وأموالهم، وذراريهم، وأولادهم، وهذا عام في الأمور كلها، قد يحب المرء شيئا، وليس له فيه خيرة ولا مصلحة، ومن ذلك القعود عن القتال، قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم".


المصدر: افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 460
الخميس 9 ربيع الأول 1446 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً