طيف ..
لم يكن يجرؤ على أن يُخبرها بما في قلبه لها.. غير أن تصرفاته اللا إرادية تفضحه.. ووجههُ يَشي به كُل مرة!
وقالتْ:
لم يكُن بالطيف العابر أبدًا!
استجديتُ رُوحهُ مرارًا أن تَكُفّ عن مُلاحقتي في أفكاري، يَقظتي، منامي.. ولكن عبثـًا!
أيّ بُؤسٍ تُثقل به قُلوبنا هذه الدنيا.. إنّي أخافُ الله ربَّ العالمين!
(كان الخجل يقطر مِنهُما..
كل من يراهما يحسدهما..
يتجسد الطُهر والنقاء الباهر على مُحَيَّاهُم دُون مُواربة..
لم يكن يجرؤ على أن يُخبرها بما في قلبه لها..
غير أن تصرفاته اللا إرادية تفضحه..
ووجههُ يَشي به كُل مرة..
سُكونه كُلَّما مرّتْ..
حِرصه على القُرب من طيفها..
رِفقه كُلما أَلَمَّ بها كرب جَليّ..
وعونه الصادق بالعمل العظيم، مع أقل قدر من الكلمات التي تخرج وجبهته تَضرج خجلًا..
وانقضت السنُون سريعًا.. وافترقا..
غير أن الرُّوح عصيّة.. وتأبى..
فما هذا الويل!)
تندهش هي من نَفسها..
لِمَ.. لم هذا الأمر المرير الذي لا تدري حتى كُنهه!؟
(لم يَبُوحا بشيءٍ.. أيّ شيء ..
رزينة هي.. وكذا هو..
تدري لو كانت حقًا تُعنيه لصرّح، لمَهَّدَ في الموضع السليم،
ولأعطى إشارة أن انتظريني، لكنَّهُ ولَّى بعيدًا.. دًون أن يحكي شيئًا..
فلِمَ تلحقها رُوحه هكذا!)
تثقُ أنَّ ثَمة أمر غريب لا تَعلمه..
ثم تُتَمْتِمُ لي في مَرارة..
أخشى أن تأثم أرواحنا!
لا يدري لي موطن، وكذا أنا..
فأيّ جُنون وشقاء هذا الذي تَجُرّه علينا أرواحنا!
نعم، لرُبما سددتُ يا صَديقتي كُل الطُّرق بوجهِ..
لرُبّما لم يكن يجرُؤ على البَوح بمكنون قلبه، خشيةً من تكاليف هذا المُجتمع على حاله..
خوفـًا من أن يَظلمني بطُول المَكث..
ولكن.. وَيحي!
وكأني آتحدث وأبرر له..
لو كان مِقدَامًا على الأمر، لطرق البابَ الصّحيح..
وباحَ بما يُخالجه، وَوَكَّل أمره على رَازقه..
—-
صَمَتُّ طويلًا وأنا أنظُر إليها..
ثمّ ضَممتُها إلَيَّ، حزينة مُشفقة.. وقلت:
يا صغيرتي، لا شقاء في دُنياكِ ورُوحكِ موطنها السَّماء!
خيرًا فعلتُما.. والله خير لرُبما لم يَتَكشّف لكِ بَعد..
إنما هذه الحياة جهاد..
ونُفوسنا البَشريّة هي أثقل من نُواجه ونُكابد في دُروبنا..
اصبري والله حَسيبكِ..
إنما جهادك هذا من أجله هو.. الله جلّ في عليائه..
من أجل نظرة رضاء منهُ..
من أجل نفس طَيّبة تَحُوم في قلبك.. أنبتها هو..
تأبى الرّزائل والصغائر والهَوان.. وإن تمادى كُلّ النّاس حولكِ..
هل أُعيد على مسامعكِ يا حبيبة أن أمثالكِ في الحياة صاروا قِلّة!
قِلة قد يتحاكى القاصي وَالدَّانِي عنها، يسخَرُون أو يعجبون من غَرابتهم!
نعم، فأنتُم الغُرباء لا ريب..
تَتَمسكُون بقضيتكم الكُبرى، قيم الإسلام، تمسكَ الغَريق بقشّة!
في عالمٍ يضجّ بالزَيف والهوان والاستهتار..
يا صديقة..
ابتسمي سألتكِ بالله..
وأزيحي هذا الهَمّ عنكِ..
لم تأثم -يا حبّة القلب- أرواحكما..
وحاشاه اللطيف يُؤاخذنا بما لا نملك..
في قلبك لو تدرين معاني -سُورة- النُور منقوشة من عند الله..
وكذا في قلبه حبّ الله أكبر..
وإلَّا لتهاوى دُون اكتراث..
الله الأعلم بحاله..
والله الأعلم بما تصيرُ إليهِ الأمُور..
ثقي أنَّ ثَمّة خير كثير، وحكمة عظيمة يقضيها الله..
واذكري خير من يُقتدى به في العِفّة والنّقاء.. يُوسُف الصِّديق.
وَلَّى ولم يُعَقّب! فبَدل الله الكرب الثقيل لفرجٍ عظيم عظيم..
استقيمي دومًا كما أُمرتِ، ولا تلتفتي!
ثَمَّة إله لهذا الكون.. يرعاكِ ويرعاه!
بقلم: أمل ناجح