رد جمهرة العلماء على تحريم شم النسيم

منذ 2014-04-21

هذا نقل لكلام جمهرة من العلماء ومراكز الفتوى حول حكم شم النسيم وما يحويه من منكرات... جمعتُ هذه الكتابات وغيرها كثير وأسأل الله أن يعم بها النفع...

هذا نقل لكلام جمهرة من العلماء ومراكز الفتوى حول حكم شم النسيم وما يحويه من منكرات... جمعتُ هذه الكتابات وغيرها كثير وأسأل الله أن يعم بها النفع.

موقع الإسلام سؤال وجواب: إشراف الشيخ محمد بن صالح المنجد
مركز الفتوى بإشراف د.عبد الله الفقيه
الشيخ عطية صقر
الشيخ بن باز رحمه الله
د. سعيد عبد العظيم
الشيخ سمير الحلبي
الشيخ إبراهيم الحقيل


ونختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه.

هذا بخلاف الفتاوى المرئية لعلماء الأمة الثقات والمنتشرة والتي تطلب من مظانها.

فتوى موقع الإسلام سؤال وجواب:

حكم الاحتفال "بعيد النيروز"

بارك الله فيكم جميعًا فهذا الموقع موقع رائع! كنت أتساءل ما إذا كان الاحتفال بالنيروز حرامًا أم لا؟ لأنني كفارسي أحتفل به. ونحن نقوم أيضًا في النيروز بإقامة مأدبة ونضع قرآنًا على تلك المائدة.. فهل الاحتفال بالنيروز حرام أم لا؟

الحمد لله..

أولًا
: النَّيْروز؛ كلمة فارسيهَ معَربة، وأصلها في الفارسية "نوروز" ومعناها: اليوم الجديد.

وهو عيد من أعياد الفرس، ويُعد أعْظم أعيادهم، ويقال: إنّ أول من اتخذه "جمشيد" أحد ملوك الفرس الأُول، ويقال فيهْ "جمشاد".

والنيروز: أول أيام السنة الفارسية، ويستمر خمسة أيام بعده.

ويحتفل أقباط مصر بالنيروز، وهو أول سنتهم، وهو المعروف بعيد شم النسيم.

قال الذهبي رحمه الله في رسالة (تشبُّه الخسيس بأهل الخميس، ص: [46]): "فأما النيروز، فإن أهل مصر يبالغون في عمله، ويحتفلون به، وهو أول يوم من سنة القبط، ويتخذون ذلك عيدًا، يتشبه بهم المسلمون" انتهى نقلًا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد: [103-104]).

ثانيًا: ليس للمسلمين عيد يحتفلون به إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وما سوى ذلك فهو أعيادة محدثة، لا يجوز الاحتفال بها.

وقد روى (أبو داود: [1134] والنسائي: [1556]) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ» وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة: [2021]).

ويدخل في الأعياد المحدثة: عيد النيروز، وعيد الأم، وعيد الميلاد، وعيد الاستقلال، وما شابه ذلك، وإذا كان العيد في الأصل عيدا للكفار كعيد النيروز كان الأمر أشد وأعظم.

وعيد النيروز عيد جاهلي، كان يحتفل به الفرس قبل الإسلام، ويحتفل به النصارى أيضًا، فيتأكد المنع من الاحتفال به لما في ذلك من المشابهة لهم.

قال الذهبي رحمه الله في رسالة (التمسك بالسنن والتحذير من البدع): "أما مشابهة الذِّمة في الميلاد، والخميس، والنيروز، فبدعة وحشة. فإن فَعلها المسلم تديُّنًا فجاهل، يزجر وُيعَلَّم، وإن فعلها حُبًّا [لأهل الذِّمة] وابتهاجًا بأعيادهم فمذموم أيضًا، وإنْ فعلها عادةً ولعبًا، وإرضاءً لعياله، وجبرًا لأطفاله فهذا محل نظر، وإنما الأعمال بالنيَّات، والجاهل يُعذر ويبين له برفق، والله أعلم" انتهى.. نقلًا عن (مجلة الجامعة الإسلامية، عدد: [103-104]).

والخميس: عيد من أعياد النصارى، ويسمونه الخميس الكبير.

وفي (الموسوعة الفقهية، ص: [12/7]): التشبه بالكفار في أعيادهم: لا يجوز التشبه بالكفار في أعيادهم، لما ورد في الحديث: «من تشبه بقوم فهو منهم» (رواه أحمد، وأبو داود، وابن أبي شيبة وغيرهم)، ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به...

وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "من مرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشِرَ معهم يوم القيامة". 


ولأن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه وتعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج من الآية:67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره.

قال قاضي خان: "رجل اشترى يوم النيروز شيئًا لم يشتره في غير ذلك اليوم: إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يُعظِّمه الكفرة يكون كفرًا، وإن فعل ذلك لأجل السرف والتنعُّم لا لتعظيم اليوم لا يكون كفرًا. وإن أهدى يوم النيروز إلى إنسان شيئًا ولم يرد به تعظيم اليوم، إنما فعل ذلك على عادة الناس لا يكون كفرًا. وينبغي أن لا يفعل في هذا اليوم ما لا يفعله قبل ذلك اليوم ولا بعده، وأن يحترز عن التشبه بالكفرة".

وكره ابن القاسم (من المالكية) للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة، ورآه من تعظيم عيده وعونًا له على كفره.

وكما لا يجوز التشبه بالكفار في الأعياد لا يُعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل يُنهى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته، خصوصًا إن كانت الهدية مما يُستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في عيد الميلاد. وتجب عقوبة من يتشبه بالكفار في أعيادهم" انتهى.

وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله: "لا يجوز الاحتفال بالأعياد المبتدعة كعيد الميلاد للنصارى، وعيد النيروز والمهرجان، وكذا ما أحدثه المسلمون كالميلاد في ربيع الأول، وعيد الإسراء في رجب ونحو ذلك، ولا يجوز الأكل من ذلك الطعام الذي أعدَّه النصارى أو المشركون في موسم أعيادهم، ولا تجوز إجابة دعوتهم عند الاحتفال بتلك الأعياد، وذلك لأن إجابتهم تشجيع لهم، وإقرار لهم على تلك البدع، ويكون هذا سببًا في انخداع الجهلة بذلك، واعتقادهم أنه لا بأس به، والله أعلم" انتهى من (كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين، ص: [27]).

والحاصل: أنه لا يجوز للمسلمين الاحتفال بعيد النيروز، ولا تخصيصه باحتفال أو طعام أو هدايا.

والله أعلم.

الإسلام سؤال وجواب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فإنه قبل الجواب عن استفسارك الخاص بتصادف اجتماع عيد المولد وعيد شم النسيم في ‏يوم واحد هو يوم الاثنين، لا بد من بيان حقيقة عيد شم النسيم ونشأته، وحكم احتفال ‏المسلمين به، وحقيقة المولد النبوي ونِشأته، وحكم الاحتفال به أيضًا.‏

أما عيد شم النسيم أو الربيع -كما يُطلَق عليه- فهو أحد أعياد مصر الفرعونية، وترجع ‏بداية الاحتفال به بشكلٍ رسمي إلى ما يقرُب من 4700 عام (270) قبل الميلاد، وترجع ‏تسمية "شم النسيم" إلى الكلمة الفرعونية (شمو) وهي كلمة هيروغليفية، ويُرمَز بها عند ‏قدماء المصريين إلى بعث الحياة، وكانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، وفيه بدأ ‏خلق العالم.


وأضيفت كلمة (النسيم) إليه لارتباط هذا اليوم باعتدال الجو، حيث تكون ‏بداية الربيع. ولا بد من الإشارة أن اليهود من المصريين -على عهد سيدنا موسى عليه ‏السلام- قد أخذوا عن الفراعنة المصريين احتفالهم بهذا العيد، وجعلوه رأسًا للسنة العبرية، ‏وأطلقوا عليه اسم "عيد الفصح" والفصح: كلمة عبرية تعني: (الخروج أو العبور) ‏وذلك أنه كان يوم خروجهم من مصر، على عهد سيدنا موسى عليه السلام. 

وعندما ‏دخلت المسيحية مصر عُرِفَ ما يُسمَّى بـ: "عيد يوم القيامة" والذي يرمز إلى قيام المسيح ‏من قبره -كما يزعمون- واحتفالات النصارى بشم النسيم بعد ذلك جاءت موافقة ‏لاحتفال المصريين القدماء، ويلاحظ أن يوم شم النسيم يُعتبَر عيدًا رسميًا في بعض البلاد ‏الإسلامية تُعطَّل فيه الدوائر الرسمية!

كما يلاحظ أيضًا: أن النصارى كانوا ولا يزالون ‏يحتفلون بعيد الفصح -أو عيد القيامة- في يوم الأحد، ويليه مباشرة عيد شم النسيم يوم ‏الاثنين. 


ومن مظاهر الاحتفال بعيد (شم النسيم) أن الناس يخرجون إلى الحدائق ‏والمتنزهات بمن فيهم النساء والأطفال، ويأكلون الأطعمة وأكثرها من البيض، والفسيخ (السمك المملح) وغير ذلك. 

والملاحظ أن الناس قد زادوا على الطقوس الفرعونية، مما ‏جعل لهذا العيد صبغة دينية، سرت إليه من اليهودية والنصرانية، فأكل السمك والبيض ‏ناشئ عن تحريمهما عليهم أثناء الصوم الذي ينتهي بعيد القيامة (الفصح) حيث يمسكون ‏في صومهم عن كل ما فيه روح أو ناشئ عنه، كما أن من العادات تلوين البيض بالأحمر، ‏وربما كانوا يَرمِزون بذلك إلى دم المسيح (المصلوب) حسب اعتقادهم الباطل المناقض ‏للقرآن الكريم، وإجماع المسلمين المنعقد على عدم قتل المسيح وعدم صلبه، وأنه رُفِعَ إلى ‏السماء كما يقول الله جل وعلا في محكم كتابه: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ ‏مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ‏مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء:157]‏، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:158]

وعلى أية حال. فلا يجوز للمسلم مشاركة النصارى وغيرهم في الاحتفال بشم النسيم ‏وغيره من الأعياد الخاصة بالكفار، كما لا يجوز تلوين البيض في أعيادهم، ولا التهنئة ‏للكفار بأعيادهم، وإظهار السرور بها، كما لا يجوز تعطيل الأعمال من أجلها لأن هذا من ‏مشابهة أعداء الله المحرَّمة ومن التعاون معهم على الباطل. 


وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» (رواه أحمد، وأبو داود، وابن أبي شيبة وغيرهم). ‏قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا ‏الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا ‏يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ ‏وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].

ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فليراجع كتاب: (اقتضاء الصراط المستقيم للإمام ابن ‏تيمية رحمه الله).‏

أما الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم واتخاذ يوم ولادته عيدًا فهو أمر محدث ‏مبتدع، وأول من أحدثه هم الفاطميون -العبيديون- كما صرَّح بذلك جمع من الأئمة، ‏قال الإمام المقريزي: 


"كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، ‏وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي ‏طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن: ومولد الحسين، ومولد فاطمة ‏الزهراء رضس الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول ‏شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، ‏وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، ‏وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام ‏الركوبات... إلخ (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار‏، ص:[1/432] طبعة دار صادر بيروت).

وقال الشيخ محمد بخيت المطيعي ‏الحنفي مفتي الديار المصرية سابقًا: "مما أحدث وكثر السؤال عنه المولد، فنقول: إن أول من أحدثها ‏بالقاهرة: الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله، توجه من المغرب إلى مصر في شوال ‏سنة [361] إحدى وستين وثلاثمائة هجرية، فوصل إلى ثغر إسكندرية في شعبان سنة ‏‏[362] ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان في تلك السنة فابتدعوا: ستة موالد: ‏المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد السيدة فاطمة الزهراء، ‏ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر. وبقيت هذه الموالد على رسومها ‏إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش... وفي خلافة الآمر بأحكام الله أعاد الموالد الستة ‏المذكورة قبل، بعد أن أبطلها الأفضل وكاد الناس ينسونها.

ثم قال المطيعي أيضًا: "من ‏ذلك تعلم أن مظفر الدين إنما أحدث المولد النبوي في مدينة إربل على الوجه الذي ‏وصف، فلا ينافي ما ذكرناه من أن أول من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ‏ذلك، فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد بالله أبي محمد عبد الله بن الحافظ بن ‏المستنصر في يوم الاثنين عاشر المحرَّم سنة [567] هجرية، وما كانت الموالد تعرف في دولة ‏الإسلام من قبل الفاطميين"، ثم قال: "وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميون، ومظفر ‏الدين في المولد النبوي جزمت أنه لا يمكن أن يحكم عليه بالحل" (أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من ‏الأحكام، ص: [44]).‏

ومما تقدّم؛ نعلم أن الاحتفال بهذه المناسبة بدعة مُنكَرة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه ‏وسلم، ولا صحابته، ولا من جاء بعدهم من السلف. 


قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "لم يفعله السلف الصالح مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه. ولو ‏كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به مِنَّا، فإنهم كانوا ‏أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له مِنَّا، وهم على الخير أحرص، وإنما ‏كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما ‏بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين ‏من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان" (اقتضاء ‏الصراط المستقيم، ص: [295]).

وعلى أية حال: فإذا كان ‏الرسول صلى الله عليه وسلم قد وُلِدَ يوم الاثنين فإنه قد توفي صلى الله عليه وسلم يوم ‏الاثنين، وما أحسن ما قاله ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل: "العجب العجيب ‏كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور، كما تقدَّم لأجل مولده صلى الله عليه ‏وسلم في هذا الشهر الكريم، وهو صلى الله عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل، ‏وفُجِعَت الأمة وأُصِيبَت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا ‏كان يتعيَّن البكاء والحزن الكثير، وانفراد كل إنسان بنفسه لما أُصِيبَ به، لقوله صلى الله ‏عليه وسلم: «ليعزي المسلمون في مصائبهم المصيبة بي...» (رواه الإمام مالك في مسنده). 


ومن هنا فإننا نقول بعدم ‏جواز الاحتفال بمناسبة المولد النبوي، كما يجدر التنبيه إلى أن اليوم الموافق لميلاد النبي ‏صلى الله عليه وسلم لا يأتي دائمًا يوم الاثنين بل يختلف باختلاف الأعوام، ولكن يوم شم ‏النسيم يأتي دائمًا يوم الاثنين لأن النصارى يعدلون في موعد صومهم كل عام حتى يتوافق مع مجيء "شم النسيم" ‏يوم الاثنين.‏

وأخيرًا: ننصح السائل الكريم بعدم الاحتفال بمثل هذه المناسبات التي ما أنزل الله بها من ‏سلطان. 


ومن أراد المزيد فليرجع إلى عدة كتب ورسائل كتبت في هذا الموضوع ومنها: (‏حكم الاحتفال بالمولد النبوي للشيخ ابن باز، والقول الفصل في الاحتفال بمولد خير ‏الرسل للشيخ إسماعيل الأنصاري، والمدخل لابن الحاج).

‏ والله أعلم.‏

28 ربيع الأول 1422هـ



مركز الفتوى بإشراف د.عبد الله الفقيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال الشيخ عطية صقر لما سُئل.. ما حكم الاحتفال بشم النسيم؟ وما الخلفية التاريخية للاحتفال به؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

شم النسيم كان عيدًا فرعونيًا قوميًا يتصل بالزارعة ثم جاءته مسحة دينية، وصار مرتبطًا بالصوم الكبير وبعيد الفصح أو القيامة، وعلى المسلمين أن يوطنوا أنفسهم على الطاعة، وألا يقلدوا غيرهم في احتفال، ولقد شرع لنا الله عز وجل أعيادنا، وشرع لنا كيفية الاحتفال بها، فلا حاجة لنا في تقليد غيرنا في أعياده التي يختلط فيها الحق والباطل والحرام بالحلال.

وعن مثل هذا السؤال يجيب فضيلة الشيخ عطية صقر -رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا- بقوله:

لا شك أن التمتع بمباهج الحياة من أكلٍ وشربٍ وتنزُّهٍ أمر مباح ما دام في الإطار المشروع، الذي لا تُرتكب فيه معصية ولا تُنتهك حرمة ولا ينبعث من عقيدة فاسدة. قال تعالى: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة:87] وقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف:32].

لكن هل للتزيُّن والتمتع بالطيبات يومٌ مُعيَّن أو موسمٌ خاص لا يجوز في غيره، وهل لا يتحقق ذلك إلا بنوع مُعيَّنٍ من المأكولات والمشروبات، أو بظواهر خاصة؟

هذا ما نحب أن نلفت الأنظار إليه.. إن الإسلام يريد من المسلم أن يكون في تصرفه على وعي صحيح وبُعد نظر، لا يندفع مع التيار فيسير حين يسير ويميل حيث يميل، بل لا بد أن تكون له شخصية مستقبلة فاهمة، حريصة على الخير بعيدة عن الشر والانزلاق إليه، وعن التقليد الأعمى، لا ينبغي أن يكون كما قال الحديث «إمعة» يقول: «إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت»[1] ولكن يجب أن يوطن نفسه على أن يحسن إن أحسنوا، وألا يسيء إن أساءوا، وذلك حفاظًا على كرامته واستقلال شخصيته، غير مبال من هذا النوع فقال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» (رواه البخاري ومسلم).

فلماذا نحرِص على شم النسيم في هذا اليوم بعينه والنسيم موجود في كل يوم؟


إنه لا يعدو أن يكون يومًا عاديًا من أيام الله حكمه كحكم سائرها، بل إن فيه شائبة تحمل على اليقظة والتبصر والحذر، وهي ارتباطه بعقائد لا يقرها الدين، حيث كان الزعم أن المسيح قام من قبره وشم نسيم الحياة بعد الموت.

ولماذا نحرِص على طعام بعينه في هذا اليوم، وقد رأينا ارتباطه بخرافات أو عقائد غير صحيحة، مع أن الحلال كثير وهو موجود في كل وقت، وقد يكون في هذا اليوم أردأ منه في غيره أو أغلى ثمنًا.

إن هذا الحرص يُبرِّر لنا أن ننصح بعدم المشاركة في الاحتفال به مع مراعاة أن المجاملة على حساب الدين والخُلق والكرامة ممنوعة لا يُقرِّها دين ولا عقل سليم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس» (رواه الترمذي، ورواه بمعناه ابن حبان في صحيحه).


ويقول فضيلة الشيخ عن تاريخ هذا الاحتفال:

النسيم هو الريح الطيبة، وشمُّه يعني استنشاقه، وهل استنشاق الريح الطيبة له موسم مُعيَّن حتى يتخذه الناس عيدًا يخرجون فيه إلى الحدائق والمزارع، ويتمتعون بالهواء الطلق والمناظر الطبيعية البديعة، ويتناولون فيه أطايب الأطعمة أو أنواعًا خاصة منها لها صلة بتقليد قديم أو اعتقاد معين؟ ذلك ما نحاول أن نجيب عليه فيما يأتي:

كان للفراعنة أعياد كثيرة.. منها أعياد الزراعة التي تتصل بمواسمها، والتي ارتبط بها تقويمهم إلى حدٍ كبير، فإن لسنتهم الشمسية التي حدَّدوها باثني عشر شهرًا ثلاثة فصول، كل منها أربعة اشهر، وهي فصل الفيضان ثم فصل البذر، ثم فصل الحصاد. 


ومن هذه الأعياد عيد النيروز الذي كان أول سنتهم الفلكية بشهورها المذكورة وأسمائها القبطية المعروفة الآن. 

وكذلك العيد الذي سُمِّيَ في العصر القبطي بشم النسيم، وكانوا يحتفلون به في الاعتدال الربيعي عقب عواصف الشتاء وقبل هبوب الخماسين، وكانوا يعتقدون أن الخليقة خلقت فيه، وبدأ احتفالهم به عام 2700ق.م وذلك في يوم 27 برمودة، الذي مات فيه الإله "ست" إله الشر وانتصر عليه إليه الخير. وقيل منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.

وكان من عادتهم في شم النسيم الاستيقاظ مُبكِّرين، والذهاب إلى النيل للشرب منه وحمل مائه لغسل أراضي بيوتهم التي يُزيِّنون جدرانهم بالزهور. وكانوا يذهبون إلى الحدائق للنزهة ويأكلون خضرًا كالملوخية والخس، ويتناولون الأسماك المملحة التي كانت تصاد من بحر يوسف وتملح في مدينة "كانوس" وهي أبو قير الحالية كما يقول المؤرخ "سترابون" وكانوا يشمون البصل، ويعلقونه على منازلهم وحول أعناقهم للتبرُّك.

وإذا كان لهم مُبرِّر للتمتع بالهواء والطبيعة وتقديس النيل الذي هو عِماد حضارتهم فإن تناولهم لأطعمة خاصة بالذات واهتمامهم بالبصل لا مُبرِّر له إلا خرافة آمنوا بها وحرِصوا على تخليد ذكراها.

لقد قال الباحثون: إن أحد أبناء الفراعنة مرض وحارت الكهنة في علاجه، وذات يوم دخل على فرعون كاهن نوبي معه بصلة أمر بوضعها قرب أنف المريض، بعد تقديم القرابين لإله الموت "سكر" فشفى. وكان ذلك في بداية الربيع، ففرح الأهالي بذلك وطافوا بالبلد والبصل حول أعناقهم كالعقود حول معابد الإله "سكر" وبمرور الزمن جدت أسطورة أخرى تقول: إن امرأة تخرج من النيل في ليلة شم النسيم يدعونها "نداهة" تأخذ الأطفال من البيوت وتغرقهم، وقالوا: إنها لا تستطيع أن تدخل بيتًا يُعلَّق عليه البصل".

ثم حدث في التاريخ المصري حادثان، أولهما يتصل باليهود والثاني بالأقباط.. أما اليهود: فكانوا قبل خروجهم من مصر يحتفلون بعيد الربيع كالمصريين، فلما خرجوا منها أهملوا الاحتفال به، كما أهملوا كثيرًا من عادات المصريين، شأن الكاره الذي يريد أن يتملص من الماضي البغيض وآثاره. لكن العادات القديمة لا يمكن التخلص منها نهائيًا وبسهولة، فأحب اليهود أن يحتفلوا بالربيع لكن بعيدًا عن مصر وتقويمها، فاحتفلوا به كما يحتفل البابليون، واتبعوا في ذلك تقويمهم وشهورهم.

فالاحتفال بالربيع كان معروفًا عند الأمم القديمة من الفراعنة والبابليين والأشوريين، وكذلك عرفه الرومان والجرمان، وإن كانت له أسماء مختلفة، فهو عند الفراعنة عيد شم النسيم، وعند البابليين والأشوريين عيد ذبح الخروف، وعند اليهود عيد الفصح، وعند الرومان عيد القمر، وعند الجرمان عيد "إستر" إلهة الربيع.

وأخذ احتفال اليهود به معنى دينيًا هو شكر الله على نجاتهم من فرعون وقومه.

وأطلقوا عليه اسم "عيد بساح" الذي نقل إلى العربية باسم "عيد الفصح" وهو الخروج، ولعل مما يشير إلى هذا حديثٌ (رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه قال: "قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى أن اليهود تصوم عاشوراء، فقال لهم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» قالوا: هذا يوم عظيم، نجَّى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه. وفي رواية: «فنحن نصومه تعظيمًا له».

غير أن اليهود جعلوا موعِدًا غير الذي كان عند الفراعنة، فحدَّدوا له يوم البدر الذي يحل في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرة.

ولما ظهرت المسيحية في الشام احتفل المسيح وقومه بعيد الفصح كما كان يحتفل اليهود. ثم تآمر اليهود على صلب المسيح وكان ذلك يوم الجمعة 7 من إبريل سنة [30 ميلادية]، الذي يعقب عيد الفصح مباشرة، فاعتقد المسيحيون أنه صُلِبَ في هذا اليوم، وأنه قام من بين الأموات بعد الصلب في يوم الأحد التالي، فرأى بعض طوائفها أن يحتفلوا بذكرى الصلب في يوم الفصح، ورأت طوائف أخرى أن يحتفلوا باليوم الذي قام فيه المسيح من بين الأموات، وهو عيد القيامة يوم الأحد الذي يعقب عيد الفصح مباشرة، وسارت كل طائفة على رأيها، وظل الحال على ذلك حتى رأى قسطنطين الأكبر إنهاء الخلاف في "نيقية" سنة [325 ميلادية] وقرَّر توحيد العيد، على أن يكون في أول أحد بعد بدر يقع في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرة، وحسب الاعتدال الربيعي وقتذاك فكان بناء على حسابهم في يوم 21 من مارس "25 من برمهات" فأصبح عيد القيامة في أول أحد بعد أول بدر وبعد هذا التاريخ أطلق عليه اسم عيد الفصح المسيحي تمييزًا له عن عيد الفصح اليهودي.

هذا ما كان عند اليهود وتأثر المسيحيين به في عيد الفصح. أما الأقباط وهم المصريون الذين اعتنقوا المسيحية فكانوا قبل مسيحيتهم يحتفلون بعيد شم النسيم كالعادة القديمة، أما بعد اعتناقهم للدين الجديد فقد وجدوا أن للاحتفال بعيد شم النسيم مظاهر وثنية لا يُقرِّها الدين، وهم لا يستطيعون التخلُّص من التقاليد القديمة، فحاولوا تعديلها أو صبغها بصبغة تتفق مع الدين الجديد، فاعتبروا هذا اليوم يومًا مباركًا بدأت فيه الخليقة، وبشّر فيه جبريل مريم العذراء بحملها للمسيح، وهو اليوم الذي تقوم فيه القيامة ويُحشر الخلق، ويُذكِّرنا هذا بحديثٍ (رواه مسلم) عن النبي صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلى في يوم الجمعة» (صحيح مسلم بشرح النووي، ج6، ص: [142]).

فاحتفل أقباط مصر بشم النسيم قوميًا باعتباره عيد الربيع، ودينيًا باعتباره عيد البشارة، ومزجوا فيه بين التقاليد الفرعونية والتقاليد الدينية.

وكان الأقباط يصومون أربعين يومًا لذكرى الأربعين التي صامها المسيح عليه السلام، وكان هذا الصوم يبدأ عقب عيد الغطاس مباشرة، فنقله البطريرك الإسكندري ديمتريوس الكرام، وهو البطريرك الثامن عشر [188-234م] إلى ما قبل عيد القيامة مباشرة، وأدمج في هذا الصوم صوم أسبوع الآلام، فبلغت عدته خمسة وخمسين يومًا، وهو الصوم الكبير، وعم ذلك في أيام مجمع نيقيه "325م" وبهذا أصبح عيد الربيع يقع في أيام الصوم إن لم يكن في أسبوع الآلام، فحرَّم على المسيحيين أن يحتفلوا بهذا العيد كعادتهم القديمة في تناول ما لذ وطاب من الطعام والشراب، ولما عزَّ عليهم ترك ما درجوا عليه زمنًا طويلًا تخلَّصوا من هذا المأزق فجعلوا هذا العيد عيدين؛ أحدهما: عيد البشارة يحتفل به دينيًا في موضعه، والثاني: عيد الربيع ونقلوه إلى ما بعد عيد القيامة، لتكون لهم الحرية في تناول ما يشاءون، فجعلوه يوم الاثنين التالي لعيد القيامة مباشرة، ويُسمَّى كنسيًا "اثنين الفصح" كما نقل الجرمانيون عيد الربيع ليحل في أول شهر مايو.

من هذا نرى: أن شم النسيم بعد أن كان عيدًا فرعونيًا قوميًا يتصل بالزارعة جاءته مسحة دينية، وصار مرتبطًا بالصوم الكبير وبعيد الفصح أو القيامة، حيث حُدِّد له وقتٌ مُعيَّن قائم على اعتبار التقويم الشمسي والتقويم القمري معًا، ذلك أن الاعتدال الربيعي مرتبط بالتقويم الشمسي، والبدر مرتبط بالتقويم القمري، وينهما اختلاف كما هو معروف، وكان هذا سببًا في اختلاف موعده من عام لآخر، وفي زيادة الاختلاف حين تغير حساب السنة الشمسية من التقويم اليولياني إلى التقويم الجريجوري.

وبيان ذلك: أن التقويم القمري كان شائعًا في الدولة الرومانية، فأبطله يوليوس قيصر، وأنشأ تقويمًا شمسيًا، قدر فيه السنة بـ 25 و365 يومًا، واستخدم طريقة السنة الكبيسة مرة كل أربع سنوات، وأمر يوليوس قيصر باستخدام هذا التقويم رسميًا في عام 708 من تأسيس روما، وكان سنة 46 قبل الميلاد، وسُمِّيَ بالتقويم اليولياني، واستمر العمل به حتى سنة 1582م حيث لاحظ الفلكيون -في عهد بابا روما جريجورويوس الثالث عشر- خطأ في الحساب الشمسي، وأن الفرق بين السنة المعمول بها والحساب الحقيقي هو 11 دقيقة، 14 ثانية، وهو يعادل يومًا في كل 128 عامًا، وصحَّح البابا الخطأ المتراكم فأصبح يوم 5 من أكتوبر سنة 1582م هو يوم 15 أكتوبر سنة 1582م وهو التقويم المعروف بالجريجوري السائد الآن.

وعندما وضع الأقباط تاريخهم وضعوه من يوم 29 من أغسطس سنة 284م الذي استشهد فيه كثيرون أيام "دقلديانوس" جعلوه قائمًا على الحساب اليولياني الشمسي، لكن ربطوه دينيًا بالتقويم القمري، وقد بني على قاعدة وضعها الفلكي "متيون" في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو أن كل 19 سنة شمسية تعادل 235 شهرًا قمريًا، واستخدم الأقباط هذه القاعدة منذ القرن الثالث الميلادي. وقد وضع قواعد تقويمهم المعمول به إلى الآن البطريرك ديمتريوس الكرام، وساعده في ذلك الفلكي المصري بطليموس.

وبهذا يُحدَّد عيد القيامة -الذي يعقبه شم النسيم- بأنه الأحد التالي للقمر الكامل "البدر" الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرة.

وقد أخذ الغربيون الحساب القائم على استخدام متوسط الشهر القمري لحساب ظهور القمر الجديد وأوجهه لمئات السنين "وهو المُسمَّى بحساب الألقطي" وطبَّقوه على التقويم الروماني اليولياني، فاتفقت الأعياد المسيحية عند جميع المسيحيين كما كان يُحدِّدها التقويم القبطي، واستمر ذلك حتى سنة 1582م حين ضبط الغربيون تقويمهم بالتعديل الجريجوري.

ومن هنا اختلف موعد الاحتفال بعيد القيامة وشم النسيم.

والله أعلم.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الشيخ بن باز رحمه الله

حكم شم النسيم

قال ابن باز رحمه الله:


لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم بل يجب ترك ذلك؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم.

فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء، لأنها أعياد مخالفة للشرع.


فلا يجوز الاشتراك فيها ولا التعاون مع أهلها ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها، ولأن الله سبحانه يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة من الآية:2]، فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان.
 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سُئِلَ فضيلة الدكتور الشيخ سعيد عبد العظيم حفظه الله:

السؤال: 


قرأت ما هو مكتوب عن شم النسيم. لكن أريد أن أعرف كيف لي ألا أحتفل بشم النسيم، فالأمر عندنا لا يمثل سوى إجازة عادية وترتيب لقضاء الإجازات مع الأسرة والأخوات، وهكذا يكون الأمر في يوم شم النسيم. ويفضل الجميع أكل الأسماك المملحة كتغيير لأنها كما تعلمون ليست من الأكلات المتكرِّرة لصعوبتها. فهل هذا حرام؟

الإجابة: شم النسيم من الأعياد الوثنية البدعية، والأعياد من أعظم شعائر الدين، وأعيادنا توقيفية تؤخذ دون زيادة ودون نقصان. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا أهل الإسلام» (رواه البخاري ومسلم). 


ولما قَدِمَ المدينة ورأى أهلها يلعبون في يومين فسأل عن هذين اليومين فعلم أنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: «إن الله أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى». ويوم الجمعة هو خير يوم طلعت علينا فيه الشمس، وما دخلت بدعة إلا وخرجت في المقابل السُنة؛ فإن الناس لما احتفلوا بشم النسيم وغيره وأظهروا الفرحة والبهجة وخرجوا إلى المتنزهات والملاهي، كان من جراء ذلك هجران ذلك في الأعياد الشرعية، فقد رصدت عدسات المصورين شوارع القاهرة الكبرى خالية من السيارات والمارة في يوم العيد، ولا يكاد يخرج الكبار من البيوت، فضلًا عن ارتداء أحسن ما عندهم إظهارًا للفرحة والبهجة.

ولذلك كان الواجب أن نمرّ يوم شم النسيم كسائر أيام العام دون استحداث لشيء زائد في اللهو والأكل، فمن كانت عادته أكل الأسماك المملحة في غير ذلك من الأيام فلا حرج في أكلها في هذا اليوم، وإلا فلا داعي لإضفاء شيء زائد على هذا اليوم؛ بل يجب تحذير الناس من الابتداع في دين الله، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق".


والله أعلم.


 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عيد شم النسيم.. أصله، شعائره، حكم الاحتفال به

إبراهيم بن محمد الحقيل


الحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى اختار لنا الإسلام دينًا كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران من الآية:19]، ولن يقبل الله تعالى من أحد دينًا سواه كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به إلا كان من أصحاب النار» (رواه مسلم: [153])، وجميع الأديان الموجودة في هذا العصر -سوى دين الإسلام- أديان باطلة لا تُقرِّب إلى الله تعالى؛ بل إنها لا تزيد العبد إلا بعدًا منه سبحانه وتعالى بحسب ما فيها من ضلال.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فِئامًا من أمته سيتبعون أعداء الله تعالى في بعض شعائرهم وعاداتهم، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شِبرًا بشِبر وذِراعًا بذراع حتى لو دخلوا جُحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: «فمن؟»" (أخرجه البخاري: [732]، ومسلم: [2669]).

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلًا بمثل، حذو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله» (أخرجه الحاكم: [1/129]).

وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وانتشر في الأزمنة الأخيرة في كثير من البلاد الإسلامية؛ إذ اتبع كثير من المسلمين أعداء الله تعالى في كثير من عاداتهم وسلوكياتهم، وقلَّدوهم في بعض شعائرهم، واحتفلوا بأعيادهم.
 

وكان ذلك نتيجة للفتح المادي، والتطور العمراني الذي فتح الله به على البشرية، وكان قصب السبق فيه في الأزمنة المتأخِّرة للبلاد الغربية النصرانية العلمانية، مما كان سببًا في افتتان كثير من المسلمين بذلك، لا سيما مع ضعف الديانة في القلوب، وفشو الجهل بأحكام الشريعة بين الناس.

وزاد الأمر سوءًا الانفتاح الإعلامي بين كافة الشعوب، حتى غدت شعائر الكفار وعاداتهم تُنقل مزخرفة مبهرجة بالصوت والصورة الحية من بلادهم إلى بلاد المسلمين عبر الفضائيات والشبكة العالمية -الإنترنت- فاغتر بزخرفها كثير من المسلمين.

وقد لاحظت -كما لاحظ غيري- احتفال كثير من المسلمين في مصر بعيد شم النسيم واحتفال غيرهم.. في كثير من البلدان العربية والغربية بأعياد الربيع على اختلاف أنواعها ومسمياتها وأوقاتها، وكل هذه الأعياد الربيعية -فيما يظهر- هي فرع من عيد شم النسيم، أو تقليد له.

لأجل ذلك رأيت تذكير إخواني المسلمين ببيان خطورة الاحتفال بمثل هذه الأعياد الكفرية على عقيدة المسلم.

منشأ عيد شم النسيم وقصته:

عيد شم النسيم من أعياد الفراعنة، ثم نقله عنهم بنو إسرائيل، ثم انتقل إلى الأقباط بعد ذلك، وصار في العصر الحاضر عيدًا شعبيًا يحتفل به كثير من أهل مصر من أقباط ومسلمين وغيرهم.

كانت أعياد الفراعنة ترتبط بالظواهر الفلكية، وعلاقتها بالطبيعة، ومظاهر الحياة؛ ولذلك احتفلوا بعيد الربيع الذي حدَّدوا ميعاده بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل.

ويقع في الخامس والعشرين من شهر برمهات -وكانوا يعتقدون- كما ورد في كتابهم المقدس عندهم أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدء خلق العالم.

وأطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم (عيد شموش) أي بعث الحياة، وحُرِّف الاسم على مرِّ الزمن، وخاصة في العصر القبطي إلى اسم (شم) وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تُعلِن وصوله.

يرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسميًا إلى عام 2700 ق.م أي في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، ولو أن بعض المؤرخين يؤكد أنه كان معروفًا ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة "أون" وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات.

بين عيد الفصح وشم النسيم:

نقل بنو إسرائيل عيد شم النسيم عن الفراعنة لما خرجوا من مصر، وقد اتفق يوم خروجهم مع موعد احتفال الفراعنة بعيدهم.

واحتفل بنو إسرائيل بالعيد بعد خروجهم ونجاتهم، وأطلقوا عليه اسم عيد الفصح، والفصح كلمة عبرية معناها (الخروج) أو (العبور)، كما اعتبروا ذلك اليوم -أي يوم بدء الخلق عند الفراعنة- رأسًا لسنتهم الدينية العبرية تيمنًا بنجاتهم، وبدء حياتهم الجديدة.

وهكذا انتقل هذا العيد من الفراعنة إلى اليهود، ثم انتقل عيد الفصح من اليهود إلى النصارى وجعلوه موافقًا لما يزعمونه قيامة المسيح، ولما دخلت النصرانية مصر أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء -الفراعنة- ويقع دائمًا في اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة.

كان الفراعنة يحتفلون بعيد شم النسيم؛ إذ يبدأ ليلته الأولى أو ليلة الرؤيا بالاحتفالات الدينية، ثم يتحوَّل مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه جميع طبقات الشعب كما كان فرعون، وكبار رجال الدولة يشاركون في هذا العيد.

من مظاهر الاحتفال به:

يخرج المحتفلون بعيد شم النسيم جماعات إلى الحدائق والحقول والمتنزهات؛ ليكونوا في استقبال الشمس عند شروقها، وقد اعتادوا أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم، ويقضوا يومهم في الاحتفال بالعيد ابتداء من شروق الشمس حتى غروبها، وكانوا يحملون معهم أدوات لعبهم، ومعدات لهوهم، وآلات موسيقاهم، فتتزين الفتيات بعقود الياسمين (زهر الربيع)، ويحمل الأطفال سعف النخيل المزين بالألوان والزهور، فتقام حفلات الرقص الزوجي والجماعي على أنغام الناي والمزمار والقيثار، ودقات الدفوف، تصاحبها الأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع، كما تجري المباريات الرياضية والحفلات التمثيلية.

كما أن الاحتفال بالعيد يمتد بعد عودتهم من المزارع والمتنزهات والأنهار إلى المدينة ليستمر حتى شروق الشمس سواء في المساكن حيث تقام حفلات الاستقبال، وتبادل التهنئة أو في الأحياء والميادين والأماكن العامة حيث تقام حفلات الترفيه والندوات الشعبية.

أطعمة هذا العيد:

كان لشم النسيم أطعمته التقليدية المفضلة، وما ارتبط بها من عادات وتقاليد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الاحتفال بالعيد نفسه، والطابع المميز له والتي انتقلت من الفراعنة عبر العصور الطويلة إلى عصرنا الحاضر.

وتشمل قائمة الأطعمة المميزة لمائدة شم النسيم: (البيض، والفسيخ، والبصل، والخس، والملانة)..

وقد أخذ كثير ممن يحتفلون بأعياد الربيع في دول الغرب والشرق كثيرًا من مظاهر عيد شم النسيم ونقلوها في أعيادهم الربيعية.

بيض شم النسيم:

يُعتبَر البيض الملون مظهرًا من مظاهر عيد شم النسيم، ومختلف أعياد الفصح والربيع في العالم أجمع، واصطلح الغربيون على تسمية البيض (بيضة الشرق)

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 4
  • 0
  • 30,849

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً