في وسائل الانتقال العامة

منذ 2014-05-13

من داخل تلك الوسيلة المكونة من قطعة حديد صماء تسمع وترى ما يعجبك، وما لا يعجبك.، تسمع وترى ما تندهش له، وما تثني على صاحبه في نفسك وتقول (الله يبارك له)، ومنهم من تسمع منهم ما يجعلك تقول في نفسك (لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم اهدي ولا تأخذنا بذنبه).

عندما يخرج الإنسان من بيته يرى العجب العجاب، يرى أحوال وأمور تتعجب منها..
وخاصة إن كنت تستقل وسيلة انتقال عامة، فتسمع من هذا حكايا، ومن ذاك حكايا أخرى..
فتتعجب من أحوال الناس، وتتفكر ما موقع هؤلاء عند الله، وما موقعك أنت نفسك من بين هؤلاء.
فقد تسمع حكاية تتأفف منها وتعيب على صاحبها، مع أنك قد تقع في نفس ما يقع فيه هؤلاء! ولكن نفس الإنسان العجيبة لا ترى غير عيوب الناس..

فمن داخل تلك الوسيلة المكونة من قطعة حديد صماء تسمع وترى ما يعجبك، وما لا يعجبك.
تسمع وترى ما تندهش له، وما تثني على صاحبه في نفسك وتقول الله يبارك له.
ومنهم من تسمع منهم ما يجعلك تقول في نفسك (لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم اهدي ولا تأخذنا بذنبه). 

ومن تلك الأمثلة حكاية أوجعت قلبي على أصحابها، وتمنيت لو أستطيع نصحهم، ولكن ما منعني جرئتهم العجيبة، وخجلي من التحدث في وجود رجال كانوا يستقلون نفس العربة.. وأسأل الله ألا أكون بصمتي هذا في من ذمهم الله بقوله تعالى: {..كَانُواْ لا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب» (رواه الإمام أحمد). 

فاللهم لا تؤاخذني بمصمتي وتقصيري، وخاصة أنهم من المجاهرين بالمعصية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهر، الذي يعمل العمل بالليل فيستره، ربه، ثم يصبح فيقول: يا فلان: إني عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز و جل» (صححه السيوطي في الجامع الصغير:6279)، فهؤلاء أظهروا معصيتهم جهارًا، ولم يستحوا ممن معهم، فكيف لي أن أعرض نفسي لهم؟! 

والذي أوجع قلبي يا إخواني أنه حين وجودي بالعربة جلس في المقعد الذي يجاورني فتاتان وكان معهما شابين يجلسان في المقعد الأمامي، وكانوا لا يكفون الحديث مع بعضهما البعض، ويتضاحكون كل ما ذكروا فلان وعلان -يعرفونهم- ويتجاذبوا أطراف الحديث بصوت عالٍ وكأنهم في صحراء لا يسمعهم أحد! ومن حديثهما فهمت أنهم كانوا في نزهة على شاطىء البحر..

وكمسلمة لا تتصور في أختها المسلمة أو أخيها المسلم إلا الخير، تصورت في أول الأمر أنهم إخوة أو أزواج شيء من هذا القبيل، وجاءوا للمصيف للتنزه وقضاء اليوم، ولكن ما حدث بعد ذلك جعلني أخاف أن يعاقبهم الله بحادث في الطريق أو ما شابه ويقابلون الله بتلك الخاتمة...

وما جعلني أخاف ما سمعته وهو:
رن هاتف إحدى الفتيات فقالت لمن معها: "اسكتوا دي ماما.. ألو نعم يا ماما... أه لسة خارجة من الكلية، لكن المواصلات زحمة أوي، لا تقلقي وخاصة أنني سأمر على فلانة وهذا سيأخرني، فلا تقلقي"، وتغلق الفتاة الهاتف وترن ضحكتها وزميلتها بطريقة منفرة ولا حول ولا قوة إلا بالله..

طبعًا كل من في العربة يسمع الحديث ويفهم أن هاتين الفتاتين لا يمتان بصلة لمن معهم من الشباب سوى أنهم أخلاء، وهذا لأن كذب الفتاة على أمها معلوم، لأن المدينة التي استقلوا منها العربة معنا ليست بها أي جامعات هي مجرد مصيف، وبيننا وبين المدينة الأخرى والتي بها الجامعة حوالي الساعة تقريبًا..

فقلت في نفسي يا الله، ما هذا الذي يحدث هل الأخلاق وصلت لهذا الحد المشين، فتيات تخرج وتسافر مع شباب للتزهه دون أي رابط شرعي يربطهم، ونتسائل المصائب تتوالى على المسلمين من كل جانب ولا نعرف لماذا؟! إنه عقاب من الله االذي نسينا خشيته، وأحللنا الفاحشة مكان الفضيلة، بل وجاهرنا بتلك المعاصي والفواحش، ونتعجب لفساد الحكام وطغيانهم، وقلة البركة في حياتنا، والأمراض الغريبة التي تظهر بين الفينة والأخرى، أليس من أعمالكم سُلط عليكم..!

وقلت ألا يخافوا هؤلاء أن يحدث لنا حادثة في الطريق ونقابل الرفيق الأعلى، فماذا سيقولون لله تعالى وهذه خاتمتهم؟! وماذا سنقول لرب العالمين نحن الذين أوقعتنا الصدفة أن نركب معهم، فنحن لم ننههم عما يفعلون، ولم ينطق ولو رجل واحد مستنكرًا وواعظًا لهم؟!

وقولي أنه يمكن أن تحدث لهم حادثة فيلاقوا الله ليس خيال، لأنه بالفعل حدث مثل ذلك الأمر حيث جاء لدينا في المستشفى العام رجل قد فارق الحياة، وامرأة كانت معه أصيبت بكسر في يديها وقدميها، وبعد تحقيق النيابة تبين أن الرجل صاحب مصنع وهذه الفتاة تعمل عنده، وجاءا ليقضيا ليلة بمصيف المدينة، وقد كذبت الفتاة على أهلها وقالت لهم: "أنها ستبيت بالمصنع لأن عليها وردية ليل"، فافتضح أمرها وأمر صاحب المصنع الذي فارق الحياة، وسيلقى الله بتلك الخاتمة.

فأسأل الله ألا يحاسبنا بصمتنا على فسادهم، tما كان منا إلا أن عض كل من يخاف الله على شفتيه مع تحريك رأسه اعتراضًا وإشفاقًا مما سمعنا ورأينا، فاللهم عفوك ورضاك، واللهم لا تحاسبنا بما فعل السفهاء منا، فسبحانك أرحم بعبادك من أنفسهم، فاصلح أحوالنا، وهيىء لنا من أمرنا رشدًا سبحانك ولي ذلك والقادر عليه..

وما جعلني أكتب ذلك إلا الأمل في أن يقرئها شاب أو فتاة يخاللون، لعلها تكون سبب توبة لهم ويخافوا أن يلاقوا الله وهم على معصية، فيومها لن ينفع الندم، وسيحاسب كل امرىء بما قدمت يداها، وخاصة أن مثل هؤلاء الأخلاء سيكونون أعداء لبعضهم البعض في هذا اليوم العصيب، يوم الحساب والوقوف بين يدي الله..

يقول تعالى: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، ويقول تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [النحل:111].

أم سارة

كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام

  • 8
  • 0
  • 1,541

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً