طالب العلم والعقيدة
طالب العلم مهما تفرعت به تخصصاته أو اهتماماته أو نُبوغه في أي فنٍ من فنون العلوم، فينبغي أن يعلم أن ارتباطه بالعقيدة يجب أن يكون ارتباطًا تامًا.
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا يا إلهنا علمًا وعملًا.
نبدأ من هذا اليوم إن شاء الله تعالى وإلى يوم الأحد وربما يوم الإثنين لم نتأكد ليكون درس ما بعد العصر في موضوع عام سنتطرق فيه إن شاء الله تعالى إلى عدة موضوعات الموضوع الأول سيكون حول طالب العلم والعقيدة، والثاني سوف يكون حول فقه الخلاف وأنواعه، والثالث سوف يكون حول تعامل طالب العلم مع الفتن والنوازل، والرابع سيكون حول الثوابت والمتغيرات، ثم الخامس سيكون حول قضايا مختلفة نذكرها لكم إن شاء الله تعالى في حينه.
ونبدأ درسنا في هذا اليوم حول الموضوع الأول وهو بعنوان: طالب العلم والعقيدة، ولاشك أن أهمية معرفة العقيدة بالنسبة للأمة وبالنسبة لطالب العلم لا تحتاج إلى بيان، لأن أهمية الأمر مُجمع عليه ومُتفق على أن الأمة إذا لم يكن لديها عقيدة فهي أُمة ضائعة فاشلة، وطالب العلم إذا لم يُنَشئ نفسه على عقيدة فلن تكون له قضية يُدافع عنها ولا منهج يرجع إليه، ومن ثَمَّ فنحن ننتقل إلى صُلب هذه القضية التي نتحدث عنها وهي ما يتعلق بتعامل طلبة العلم مع قضية العقيدة وكتب العقيدة ونحو ذلك، ويمكن أن نتطرق إلى هذا الموضوع من خلال الأمور التالية:
الأمر الأول: هو طالب العلم: لَمَا نقول طالب العلم والعقيدة فإننا نتحدث عن قضية مُحددة بالنسبة لنا نحن المسلمين، ونقصد بالعقيدة (ال) هنا العقيدة المعتبرة، وإلا فعند الإضافة فإن العقيدة تختلف، فأنت تقول عقيدة اليهود عقيدة النصارى عقيدة الرافضة وإذا أطلقت وقلت العقيدة فنقصد بها العقيدة المعروفة التي جاء بها هذا الإسلام، والتي بينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم بيان، وجاء بيانها مُدللًا مؤصلًا كما قال الأئمة رحمهم الله تعالى وهي العقيدة التي فهمها الصحابة وهي التي انتقلت أيضًا إلى من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسلفنا الصالح رحمهم الله تعالى وهي العقيدة التي ستبقى إلى آخر الزمان كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلى هذا فنقصد بالعقيدة ما كان مُعتبرًا يصح الانتساب إليه، ويجب على المسلم اعتقاده وما يترتب على ذلك من ناحية كيفية طلب العلم؛ لذلك المصادر الأصول القواعد التي تظبطه كل هذا تبع، ومن ثَمَّ فإن بعض الناس يظن أن مسألة العقيدة ما هي إلا مسألة عَرَضية وبعض المعاصرين قد يجعلها نسبية وهذه هي النظرية المعروفة والتي حقيقة تُتَداول في هذه الأيام بعنوان (نسبية الحق)، أو (نسبية العقيدة)، ويظنون أن كل من اعتقد عقيدة مُقتنعًا بها فقد تكون حقًا وهذا منهج حقيقة جريء على دين الإسلام الذي ختم الله به الرسالات ونُسخت به كل شريعة وكل دين وجاءت مُبينةً البيان التام حتى ترك صلى الله عليه وآله وسلم أُمته على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلى هذا فينبغي أن يُعلم أن العقيدة التي يجب أن يتعلمها طالب العلم، وأن يُدافع عنها هي عقيدة مُحددة المعالم واجبٌ عليه أن يؤمن بها وأن يعتقدها وأن يُدافع عنها.
ومن ثَمَّ فإن العقيدة يجب أن تتحول عنده إلى قضية يؤمن بها ويُدافع عنها وليست من المسائل العارضة، وأنا أقول هذا لأن بعض من ينتسب إلى العلم أحيانًا وخاصةً حين يُبتلى في هذه الأيام بما يُسمى بالتخصص حين يتخصص في جانبٍ من جوانب العلوم يظن أن تخصصه فيه هو الأعظم، وهو المهم وينسى أن قضية العقيدة هي قضية أُمة، لا ينفك عنها المسلم في أي حالٍ من الأحوال، وعليه فطالب العلم الذي يظن أنه يمكن أن يكون طالب علم بلا عقيدة سيكون طالب علم بلا قضية؛ ولهذا السلف الصالح رحمهم الله تعالى ربطوا العلوم بالعقيدة، أي: ربطوا هذه العلوم حين أخذها وتعلمها ربطوها بالعقيدة، فنهو الإنسان الذي يطلب العلم نهوه من أن يأخذ علمه عن المبتدعة حتى ولو كانت العلوم الأخرى، إلا بقيودٍ وشروط أما أن يُصبح الأمر سائبًا في الأمة يؤخذ عن كل من هب ودب فالسلف الصالح رحمهم الله تعالى قالوا لا، الأصل في وجوب أن يتصدر أهل السنة فهم الذين يُعلمون العلوم كلها، وعلى الناس أن يأخذوا علمهم ممن يُوثق به، وهذا معنى قول العلماء: " لا تُجالسوا أهل البدع"، ما هو معنى لا تُجالس أهل البدع؟ طبعًا أنت لا تُجالس صاحب بدعة فلن تتلقى منه علم وهذا واضح المعنى إلا عند الحاجات أو الضرورات الخاصة، التي يعني قد يحدث أحيانًا لا يوجد في هذا الفن عالم من علماء السنة يمكن أن يقوم به كما ينبغي فحينئذ يمكن أن يؤخذ منه هذا العلم بقيودٍ وشروط.
وخلاصة هذه القضية الأولى التي أحببت أن أُشير إليها هي أن طالب العلم مهما تفرعت به تخصصاته أو اهتماماته أو نُبوغه في أي فنٍ من فنون العلوم، فينبغي أن يعلم أن ارتباطه بالعقيدة يجب أن يكون ارتباطًا تامًا؛ لأن المسألة أكبر من أي شيءٍ آخر، وأعني بها مسألة أن يكون طالب العلم قائمٌ علمه على عقيدة مؤصلةٍ صحيحة.
ننتقل إلى مسألة ثانية وهي مسألة قراءة الكتب في باب العقيدة، وهذه المسألة بالنسبة لطالب العلم تُعتبر أساسية، وخاصةً في الأزمنة المتأخرة، لما كثرت الكتب قديمًا كان الكتاب لا يَصل إليهم إلا مخطوطًا، ولا ينتشر إلا قليلًا بمعنى أن القرية مثلًا يأتي لها الكتاب الواحد أو النسخة الواحدة من الكتاب فتجدها عند فلان من الناس، ولا يكاد الآخرون يحصلون عليها إلا بشق الأنفس وأحيانًا يصلون إليها عن طريق القراءة على الشيخ، بمعنى أن هذه النسخة من المخطوطة تجد الطلاب يأتون ويقرؤون، يعني لا توجد نُسخ لا يوجد إلا ما يسمعونه من خلال هذا الدرس، الآن تغيرت الصورة وتغيرت الأحوال وكثرت الكتب وتنوعت وصار الحصول عليها عند الكثيرين سهلًا ولو بنسبٍ مُتفاوتة، فيأتي السؤال طالب العلم وكتب العقيدة، كيف يتعامل معها؟
هناك ملحوظتان مهمتان:
إحداهما: أن كثرت الكتب وخاصةً في الفن الواحد قد تُربك طالب العلم فتجعله يتنقل من كتاب إلى كتاب دُون انضباط وبلا تأصيل.
الملحوظة الثانية: هي أن هذه الكتب ينقل بعضها عن بعض وربما يُغني بعضها عن بعض فقد تُشغل وقت طالب العلم، بمعنى أنه يُحب أن يقرأ فتجده يقرأ في هذا الكتاب ويُمضي فيه زمنًا، وينتقل إلى كتابٍ آخر ويُمضي فيه زمنًا والكتاب الثاني هو الأول، أو شبيه به أو الزيادات عليه إنما هي زيادات قليلة فربما مضى على الإنسان وقت وأوقات كثيرةٌ جدًا وهو يُراوح مكانه في طلب العلم.
إذا انتبهنا إلى هاتين الملحوظتين نأتي إلى بعض القواعد المتعلقة بتعامل طالب مع الكتاب:
أول هذه القواعد: هي أن يختار الإنسان الكتب المؤصلة ويُحددها سواء كانت كتبًا عامة أو في فنٍ من فنون العلم يعني مثلًا إذا هو سيأخذ كتاب في العقيدة فيأخذ كتابًا كافيًا يختار، وإذا كان سيأخذ في فن من فنون العقيدة سواء هذا الفن يتعلق بركن من أركان الإيمان أو قضية من قضايا العقيدة، أو فرقة من الفرق فأيضًا لابد أن يختار كتابًا مُحددًا ويكون اختياره عن طريق الاستشارة، أو عن طريق انتشار الأمر بين أهل العلم وهذا والحمد لله جيد ونافع لطلاب العلم، يعني مثلًا حينما يشتهر عند طلاب العلم مثلًا أنه والله الواسطية وشروحها، أصل هذا أنا أعتبره من الأمور النافعة جدًا بدل أن طالب العلم يتردد هنا وهناك تجده يختار مثل هذا الكتاب ويؤصل فيه تعلمه وقراءته ودراسته مثلًا لما نقول شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي هذا الشرح أطبق عليه طلاب العلم، ونفع الله به الأمة فصار مرجعًا، يعني: مرجعًا مُتفقًا عليه وهذا نافع بالنسبة لاختيار طالب العلم حين يختار بالنسبة للكتب التي يحتاج فيها إلى أن يختار منها ما يكون أصلًا في بابه.
الأمر الثاني: فيما يتعلق بتعامل طالب العلم مع الكتاب وهو أمرٌ مهم جدًا أن يتعامل مع الكتاب بكليته، أي: ليحذر من الانقطاع، ليحذر من السأم، ينبغي للإنسان أن يحذر من هذه الأشياء، وأنا أقول: إن هذه من العيوب الكبرى التي وللأسف الشديد قد خيمت على كثير من طلاب العلم وهو الانقطاع، يعني: الإنسان إذا اختار كتابًا فعليه أن يتعامل معه بكليته فيقرأ الكتاب أو يدرس الكتاب، أو المتن أو غيره من أوله إلى آخره، وليحذر من الانقطاع، هذا الانقطاع يُولد عند الإنسان تشويشًا وعدم ثبات، ومما يُؤسف له أن يتنقل الإنسان من كتاب إلى كتاب إلى كتاب وتكون في النهاية النتيجة فاشلة، يا أيها الإخوة تأصيل طلب العلم يحتاج منك إلى إرادة عازمة قوية بدون هذه الإرادة التي تتغذى بغذاء الهمة والصبر والنظر إلى لذة الوصول مالم تكن كذلك وإلا سيتنقل الإنسان بدون أن يؤصل نفسه التأصيل الصحيح في العلوم عمومًا وفي قضية التأصيل خصوصًا.
الأمر الثالث: المتعلق بقواعد التعامل مع كتب العقيدة، وهو أيضًا أمر يعني ربما يقع فيه الخلط أحيانًا هو أن كتب العقيدة التي كثرت في هذه الفترة الأخيرة وانتشرت، وصارت يعني تُعد بالعشرات والمئات ونحو ذلك يستطيع فيها الإنسان أن يأخذ فيها مسارًا منضبطًا يصل فيه إلى العلم على وجهٍ صحيح، ما هي المشكلة أيها الإخوة بالنسب لي القراءة المتعلقة بهذه النقطة بالذات؟
المشكلة هي القفز في مسائل العلم بمعنى أن الإنسان يقفز إلى مسائل أُخرى دون أن يؤصل ما دونها فإذا جاءت القضية ليقرأ فيها تجده مرتبكًا فيها، إذا أراد أن ينتهي فيها إلى نهايات تطمئن إليها نفسه تجده لا يصل إلى هذه النهايات السبب ما هو؟
السبب هو أنه يقفز على مسائل العلم وهذه لا تختص بقضية كتب العقيدة وإنما حتى في العلوم الأخرى كما قد سبقت الإشارة إلى ذلك، أنا أقول لكم بعض الطلاب أحيانًا يسألني سؤال في قضية أنا متأكد أنه لم يفهمها لكن هو سمع بها في مجلس سمع في حديث معين فعلقت في ذهنه فيريد الجواب لكن لم يفهم الجواب حولها مهما أديت له الجواب فلن يستطيع استيعاب الجواب السبب ما هو؟
السبب هو القفز يعني هو دخل في قضية من هذه القضايا دون أن يعرف أُصولها ومداخلها، وكثير من الخلط في فهم المسائل والانتهاء فيها أحيانًا إلى آراء وإلى أحكام ونحو ذلك هي ناتجة من هذا الخلط، الشيء المتفق عليه أن العلم الصحيح والاستدلال الصحيح يؤدي إلى فهم صحيح وإلى علم صحيح، انتبهوا معي السبيل الصحيح الطريق الصحيح المستقيم لابد يوصل صاحبه إلى الحق لكن المشكلة إذا كانت البداية غير صحيحة، أو إذا جاءت البدايات عرضًا ولم تأتي بطريقة مؤصلة وصحيحة، مسائل العلم يا أيها الإخوة في القراءة ينبغي أن يرتقي فيها الإنسان ولا يقفز على بعض المسائل دون أن يستوعبها، يعني أعطيكم مثال على ذلك قبل الإنسان مثلًا يُناقش في مسألةٍ ما من مسائل العقيدة لكن لها علاقة بأقوال فرقة من الفرق كالصوفية مثلًا أو النصرانية تجد هذه المسألة عنده لم يبنها على تأصيل صحيح في فهمه لمنهج أهل السنة والجماعة فيُناقش أحيانًا في هذه القضية وربما ناقش هذه الفرقة لكن دُون تأصيلٍ صحيح والسبب هو أنه أتى إليها لوحدها دُون أن يبنيها على أُصولٍ صحيحة، ولهذا لما نُركز في قضايا طلب العلم وخاصة في جانب العقيدة على التدرج لأجل هذا الغرض....، فمسائل العلم مُرتبط بعضها ببعض ومن ثَمَّ فليحذر كل الحذر من أن يأتي إلى مسائل كُبرى دُون أن يُتقن أُصولها ومداخلها.
قضية أيضًا رابعة تتعلق بتعامل طالب العلم مع كتب العقيدة وهي قضية كتب الأصول في العقيدة وكتب التحقيق هذه أيضًا يكثر الخلط فيها، ماذا نعني بكتب الأصول وكتب التحقيق؟
نعني بكتب الأصول مصادر أهل السنة سواء كانت في كتب السنة كبعض أبواب البخاري أو مسلم أو حتى أبو داود أو غيرهم وكذلك أيضًا كتب السنة المُسندة كالسنة لابن أبي عاصم، اللالكائي، الإبانة لابن بطة، الشريعة للآجري، وغيرهم.
ونعني بكتب التحقيق كتب الأئمة الذين حققوا المسائل ونظروا في كتب السلف ونظروا في الأدلة وعالجوا بعض هذه المسائل فحققوها.
الواقع أيها الإخوة أن هاتين القضيتين المتعلقتين بمصدرية طالب العلم بالنسبة لكتب العقيدة ليس هناك انضباط بالنسبة لطالب العلم أو لطلاب العلم معها، كيف يا أيها الشباب؟ يعني: الإشكال هنا هو أن بعض طلاب العلم يريد أن يقرأ الكتب القديمة يقول يا أخي أنا أُريد أن أُؤصل نفسي لأقرأ هذه الكتب، يقرأ فيها لكن المشكلة هو يقرأ فيها على خلفية يحتاج فيها ومعها إلى التحقيق، ونعني بالتحقيق: تحقيق هذه المسائل، يعني ورد عن السلف رحمهم الله تعالى آثار في كذا وكذا وكذا لكن ثم ماذا؟
كيف تجمع بينها؟ كيف نصل إلى هذه النتيجة في هذه القضية العقدية؟
إن أخذها من مصادرها ولم يكن مُتمكنًا في طلب العلم ستصبح عنده ربكة لا يستطيع التعامل معها، هذا القول لهذا الإمام هل هو موافق لما يقوله المحققون أو غير موافق، ما جواب الإشكال المتعلق به الخ، وهذه هي الإشكالية التي نراها في ظاهرة عدم الاستفادة من كتب السلف القديمة إلا كمصادر، السبب هو هذا، هو أنه يريد أن يأخذ هذه الكتب مع أنه بحاجة ماسة إلى كتب التحقيق، يعني نعني بها كتب التحقيق الكتب التي رجعت إلى تلك الكتب وحققت في المسائل التي وقع فيها الخلاف، وقع فيها الإشكال تنازع فيها الناس صار فيها نقاش طويل عريض تحتاج المسألة فيها إلى تحقيق دقيق، فالواجب بالنسبة لطالب العلم هو ما يلي بالنسبة لهذه القضية سأذكر فيها نقطتين مهمتين:
أما النقطة الأولى: فهي أنا أُرجح أن يبتدئ طالب العلم بتحقيق المسائل يعني الكتب العقدية التي حققت المسائل مثل ما كتبه الأئمة رحمهم الله تعالى كابن قدامة، أو شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض رسائله ونحو ذلك، فنقول: إن كتب هؤلاء تُعتبر كتب تحقيق يعني أنها جاءت بعد استقراء للأدلة والأقوال وأقوال الأئمة ونحو ذلك فينطلق منها ثم بعد التحقيق لا بأس أن يقرأ في كتب السلف رحمهم الله تعالى، فيبتدئ بالكتب التي حققت حتى يُصبح لديه شيء من الفهم الصحيح للمسائل، وتُشبه هذه القضية تمامًا قضية أخذ الأحكام الشرعية لو أراد إنسان أن يأخذ الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة بدون قواعد في أُصول الفقه، وبدون قواعد الفقهاء ونحو ذلك فممكن يستفيد لكن سيجد إشكالات، سيجد أن هناك قضايا ربما تتعارض عنده من ناحية الدلالة لا يستطيع لوحده أن يجد لها جوابًا، لكن كون طالب العلم يعتمد الكتاب والسنة أصلًا، ولكن يستفيد من كتب المحققين في هذه المسائل فتكون عنده خلفية أُصوليه يعرف فيها مراتب الأدلة ونحو ذلك، تكون عنده خلفية أيضًا فقهية يعرف فيها منطلقات الفقهاء رحمهم الله تعالى، هنا ستكون استفادته من كتب السنة استفادة يعتمد فيها على الدليل يُرجح فيها دون أن يقع في خلل في أصل عظيم، كذلك أيضًا فيما يتعلق بمسائل العقيدة كما ذكرت لكم قبل قليل.
ننتقل بعد هذا إلى فقرة أُخرى وهي قراءة الكتب المخالفة للعقيدة، هل يقرأ طالب العلم كتب المخالفين أو لا يقرأها؟
مسألة يعني ما بين من يقول لا ينبغي للإنسان أن يقرأ كتب المخالفين؛ لأنها تُثير الشُبه الخ، وبين من يقول لا، يجب أن يكون الإنسان حرٌ في طريقة أن يقرأ؛ لأنه متمكن من عقيدته ودينه ونحو ذلك، وفي الفترة الأخيرة للأسف الشديد يعني كثر تداول أن طالب العلم ينبغي أن يفتح نفسه على المذاهب الأخرى، وكتب الآخرين ويكون مُنفتحًا عليها تمام الانفتاح الخ وهي مبنية على مسألة سبقت قد أشرنا إليها قبل قليل تتعلق بالحريات وسماع الرأي الآخر.
حقيقة انتبهوا معي إلى هذه المسألة القراءة في كتب المذاهب الأخرى طبعًا لها أحوال ويختلف أمامها طلاب العلم أحيانًا تكون قراءة واجبة ليجد الرد على هذه الفتنة أو هذه المقالة التي هجمت على المسلمين وتؤثر على دينهم وعقيدتهم فتحتاج الأمة إلى من يُدافع ومن يصدها ومن يردها وهذه لا تتم إلا بالقراءة والمناقشة، وأحياناً تكون هذه الديانة بعيدة جداً عن المسلمين لا أثر لها عليهم فلا حاجة إلى إقحام المسلمين بها ولا حاجة إلى القراءة، وكم من ديانات تُعد بالمئات موجودة اليوم والله لا حاجة للمسلم في أن يقرأ عنها شيئًا إلا من باب الثقافة أن الديانة الفلانية فيها كذا وكذا، لكن أن يقرأ في كتبها أو أن يقرأ في عقائدها ونحو ذلك لا حاجة إلى ذلك، وهناك أشياء بين، بين وخاصةً مع العولمة والإنترنت والمحطات الفضائية وغيرها، فإنه كثر وللأسف الشديد تداخل الأفكار والمقالات والمذاهب ونحو ذلك وهنا يأتي القضية التي أُريد أن أتحدث عنها وهي:
هل يقرأ الإنسان في كتب المخالفين أو لا يقرأ؟
هذه سأبنيها على قاعدتين:
القاعدة الأولى: هي أن الإنسان لا يقرأ في كتب المخالفين إلا إذا كان مؤصلًا، وعند الحاجة إلى ذلك، شرطان:
الشرط الأول: أن يكون مؤصلًا.
الشرط الثاني: أن تكون هناك حاجة ماسة إلى ذلك.
إذا لم يكن مؤصلًا فمن سلامته وهو واجب عليه أن يحمي نفسه أن يبتعد عن هذه الكتب وهذا معنى كون السلف الصالح رحمهم الله تعالى حذروا من قراءة هذه الكتب وحذروا من نشرها بين العامة الخ، ما أثبت عنهم وتواتر وكثر.
الأمر الثاني: أن تكون هناك حاجة إلى ذلك، يعني أن يكون مؤصلًا هو نفسه في العقيدة، وأن تكون هناك حاجة إلى القراءة في هذه الكتب، هذه هي القاعدة الأولى.
القاعدة الثانية: هي أن يقرأ الإنسان هذه الكتب قراءة الواثق مما عنده بحيث يجعل بينه وبينها مسافة، انتبهوا لهذه المسألة لأني أعتبرها زُبدة هذا الدرس، إذا خرجتم من هذا الدرس بهذه الفائدة أنا أعتبرها فائدة كبيرة جدًا، كيف؟
ينبغي إذا قرأت للمخالف وأنت واثق مما عندك أن تجعل بينك وبين المخالف مسافة هذه المسافة هي الروح النقدية التي تجعلك تُقوم ما تقرأ وتنقد ما تقرأ ولا تتأثر بما تقرأ، يؤسفنا أن هناك أُناس يقرؤون للمخالفين لكن بلا انضباط، والذي يحدث وللأسف الشديد لاحظ معي أن الخصم أو صاحب الرأي الآخر أحيانًا يجذب القارئ وربما بلعه وأدخله في جواره، كيف ذلك؟
أحيانًا الإنسان يقرأ لكن يقرأ بتبسط وبدون فهم فيما عنده وقناعة وبدون قراءة ناقدة فكما يُقال يفترسه الخصم، الخصم قد يكون صاحب لغة جيدة قد يكون صاحب حِجَاج ونحن نعلم أن الخصوم لهم حِجَاج، صاحب حِجَاج وصاحب أدلة قد يكون صاحب فلسفة مُعينة يلف ويدور فالقارئ البسيط الذي لا يفهم أو لا يدرك أبعاد ما يقرأ أحيانًا يُصبح أمام ما يقرأه ضعيفًا والنتيجة هي أحيانًا أنه قد يجذبه إليه وربما بلعه، ومعنى بلعه يا أيها الإخوة هو أنه صار الإنسان كما يُقال صار عبدًا ذليلًا لهذا الكاتب، يُفكر كما يفكر ويسير معه حيث سار ويؤيده في نظرياته وهذا هو السقوط في الفخ الذي يُريده كل إنسان، يعني حقيقة وهو يُجادل خصومه، هو يسعى للغاية الانتصار كما تعلمون أن تُقيم الحجة على الخصم هذه ثمرة وغاية، كونه فيه خلاف بين شخصين ثم أحدهما يرد على الآخر ويفلجه في الخصومة، ويُسكته هذه غاية فما بالك فيما إذا تجاوز هذه الغاية وبلع الخصم خلاه مُتذبذبًا، ويش تصير النتيجة؟
النتيجة معناها أنه انتصار ليس بعده انتصار.
بعض القراء في الفترة الأخيرة صاروا يقرؤون لبعض أرباب الفكر الغربي أو الفكر المستغرب، أو لبعض كتابات الحداثيين أو العلمانيين أو غيرهم فصار يقرأ بدون ثقة مما عنده من منهج أهل السنة والجماعة، صار يقرأ بإعجاب في هذا الكتب، هذه القراءة في هذه اللحظات التي يَنِدْ فيها الذهن عن موطن المعركة وحقيقة المعركة يجد نفسه وقد حشر نفسه في زمرة هذا الخصم وربما انتقل بعد ذلك إلى أن يكون أحد تلاميذه ومُريديه هذه من أخطر الأشياء ويؤسفنا أنه وقع فيها البعض وقد يقع فيها البعض وقديمًا قال أبو بكر ابن العربي صاحب أحكام القرآن، وصاحب عارضة الأحوذي شرح الترمذي أبو بكر ابن العربي المالكي صاحب العواصم من القواصم، ايش قال عن شيخه أبي حامد لأنه هو من بلاد المغرب وزار بلاد المشرق ويُقال أنه قابل أبا حامد الغزالي وأبوحامد الغزالي معروف في تنقله له امامه مهمة جدًا أن يُنتبه لها يقول فيها: "شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة وأراد أن يخرج فلم يستطع"، ايش معناه بلعوه يعني: الفلاسفة بلعوه، ومعنى هذا أن الإنسان في هذه الحالة حينما يبلعه الكاتب أو المفكر يتحول إلى تلميذ له غايته أن يفهم ما يقول هذا المفكر غايته أن يقرأ كتبه غايته أن يفكر كما يُفكر وهذا من أخطر ما يمر به القارئ على مدار الأزمان لكن في هذه الفترة الأخيرة أن أعتبرها من أخطر الأشياء التي تمر بطلاب العلم وبالشباب، إعجاب بكاتب معين صاحب فكر صاحب اجتهادات صاحب رأي صاحب الخ وإذا بهذا الإنسان يقرأ له هذه القراءة له خطيرة جدًا لأنه قد يبلعه الكتاب لأنه أكبر منك وكما قلنا عنده حجج، عنده أسلوب، عنده طريقة، عنده، عنده، عنده،...
فإذا كنت أنت تنطلق من منطلق غير واثق فلربما لحقت به وتبعته بل وربما صرت أحد تلاميذه الصغار وأنت تظن أنك تُعرج بنفسك إلى ميادين الفكر الحر والنظر المفتوح والرأي الخ وتأتي إلى زملائك القدامى وتُناقشهم وتُغفلهم وأحيانًا تسخر منهم وتظن أنك أنت العملاق وما دريت أنك قد وضعت في القيد، أو أدخلك الكاتب في بطنه فصرت كالحمل في بطن أُمه لا يستطيع أن يتغذى، ولا أن يتنفس إلا عن طريق أُمه، طيب ما هو العلاج لهذه القضية؟
العلاج لها هو أن لا نقرأ أن نُغلق أنفسنا!
نحن بينا قبل قليل أن هذه القراءة يجب أن تكون من مؤصل وعند الحاجة لكن هل يكفي هذا؟
نقول: لا، لا يكفي، الإنسان قد يحتاج إلى القراءة قد يضطر إلى السماع سماع الحوارات والمناظرات وغيرها قد قد الخ، نحن لا نستطيع في ظل العولمة والإنترنت وغيرها أن نقفل الباب، إذا كان كذلك فعند القراءة لمثل هؤلاء أو ما نُسميها نحن في هذه الفقرة القراءة في كتب المخالفين أو نحو ذلك ما هو المنهج الصحيح؟
أقول: أيها الإخوة المنهج الصحيح يقوم على أساسين:
أحدهما ذكرته قبل قليل، وهو أن تنطلق من مُنطلق الواثق من ما عندك أي ريب وأي شك مما عندك تراه مشكلة، انتبهوا يا شباب إذا نحن في شك من مصادر أهل السنة، ومن عقيدة أهل السنة فهذه مشكلة فينا قبل أن ننتقد للآخرين، يجب أن يكون لدينا الثقة التامة بأن هذه العقيدة على منهاج السلف الصالح هي الحق، وكلمة هي الحق ليست دعوى وإنما هي الحق؛ لأنها هي القائمة على الدليل الصحيح إن كان عندك هذه الثقة التامة بأن منهاج السلف الصالح هو المنهاج الوسط هو المدلل كل ما خالفه من إفراط أو تفريط أو نحو ذلك فهو على بدعة وضلالة، مُدلل بالأدلة الصحيحة هذا هو الشرط الأول الأساس، ولهذا لا أرى للإنسان أن يقرأ في كتب المخالفين دون أن يكون مؤصلًا، وواثقًا من تأصيله؛ لأنه في هذه الحالة سيرى نفسه في موطن الخصم.
الأمر الثاني في القراءة: وهو مهم جدًا أن تقرأ قراءة الناقد وأُسميها بمسمى آخر، أقول أن تجعل بينك وبين القول الآخر مسافة تمامًا مثل أي إنسان يتعامل مع وباء صح ولا لا؟
يعني كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يحذرون من كتب البدع يحذرون من نشرها يأمرون بإحراقها، الكتب البدعية الخالصة، لماذا؟ لأنها كلها يعني ضلالة وغواية، يعني فعلًا يجب أن تبتعد عنها فكذلك أيضًا بالنسبة للقراءة أو نحو ذلك يجب أن تجعل بينك وبينها مسافة؛ لأنه هذا الذي أمامك يعني ليس هو حق بحيث إنك تقول: والله لا أنا أُريد هذا الحق، نقول: لو كان حقًا لما قلنا إنه قول مخالف لكن هذا الذي أمامك فيه خطر فيه إشكال، كيف تعرف أنه فيه إشكال؟
لما تكون مؤصلًا تُصبح لديك حاسة دقيقة جدًا تعرف بها الأقوال والمقالات والانحرافات تقومها بسهولة، فإذا ما قرأت فاجعل بينك وبين ما تقرأه مسافة هذه المسافة للتفكير للنقد للتأمل لعدم الاستجابة لفكرة صاحب هذا الرأي الآخر، بعدم التأثر بحججه ومقالاته ونحو ذلك بحيث أنك تستطيع أن تُحافظ على نفسك وعلى روحك النقدية لما تقرأ وهذا الذي كان عليه السلف الصالح رحمهم الله تعالى، كانوا يقرؤون لكن قراءة الناقد، وهذه القراءة يا أيها الإخوة، يعني إذا احتاج الإنسان إليها أو مرت عليه وهي قراءة الناقد لا تضر بل أحيانًا تنفعه وتزيده رسوخًا فيما عنده، أرجو أن تكون القضية فهمت وأرجو من الجميع أن يستوعبها جيدًا لأن الإشكال الواقع في الخلل في هذه المسالة أوقع كثيرين نسأل الله لنا ولهم الهداية والثبات على الدين أوقعهم في ورطات ابتلعهم الفكر المخالف، الرأي الآخر القول الآخر وصاروا يخوضون ويموجون ولن يصلوا إلى الحق لأنه إذا لم يكن أخذ الحق من دليله فلا.
طيب فإن قال قائل وكيف أدري مع كثرة الكتب أنه هذا من الرأي الحق أو من الرأي المخالف؟
فنقول إن الوصول إليها عن طريق الفهم الصحيح والسؤال وأيضًا الروح الناقدة إن صح التعبير، نحن انتبهوا معي جيدًا أمام هذه القضية التي نتحدث عنها نحن أمامنا تتفاوت المراجع والكتب وكلما كان المرجع أصلًا أو قريبًا من الأصل فأنت لا نقول فقط اقرأه وإنما أدخله في قلبك وروحك أعطيكم مثال:
الكتاب والسنة لا نقول تعامل وإنما نقول تعامل معها أدخلها يعني إذا كان الآخرون قد يجدون الحق في قول فلان أو فلسفة فلان أو غير ذلك، فنحن كأمة عندنا الكتاب والسنة مصدران عظيمان صحيحان والحمد لله، هذان المصدران بالنسبة لنا نتعامل معهما مهما تعاملنا معهما واختلطت أرواحنا وقلوبنا ودمائنا بهما فلن يكون في ذلك إلا خير؛ ولهذا مهما أزدت من إدخال كتاب الله عزوجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في جوفك وعقلك فأنت تكون أقوى ما تكون فهمًا وعلمًا وعبادةً وصفاءً، إذا ما أخلصت الأمر لله عزوجل، ثم كل ما كان الكتاب إلى السنة أقرب فأنت تقبله أكثر، وكل ما كان العلم مؤصلًا كلما كنت تتقبله كذا.
وهذا معنى أن الإنسان يقرأ لكتب أئمة السنة و هو مرتاح النفس قال لك: ليش؟
قال: لأني عرفت أنه ايش منبعهم، منبعهم صافي ففي هذه الحالة والحمد لله أنا أقرأ لشيخ الإسلام ابن تيمية، أو لابن القيم أو لبعض أئمة الإسلام أقرأ وأنا مرتاح قد تقول لي ليش تقرأ لهذا الرجل ألا يمكن أن يكون مُعرضًا للخطأ؟
نقول: نعم ما عندنا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن من خلال الاستقراء تبين لي أن هذا العالم يأخذ منهجه في الاستدلال من خلال الأدلة الصحيحة؛ ولذلك لا عيب إذا أنا قرأت له وقرأت له وقرأت له وهذا هو الأساس الذي انطلقوا منه في منهج الإسلام ومنهج أيضًا في أهل السنة والجماعة في قضية التتلمذ، أنت لا تتلمذ على إمام؛ لأنه معصوم؛ لأنه لا معصوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم لكن تتلمذ على إمام ترى أن أُصوله ومنهجه قائمة على منهج صحيح، وهذا أصل يُحدد لنا طريقتنا في القراءة يعني إذا قال لي: المكتبة واسعة كيف أقرأ؟
نقول: أمامك هذا الأصل، أمامك كتب أهل السنة سواء كانت أُصولًا أو تحقيق، طيب وما خالفها ما عارضها نقول هذه هي الفئة الثانية التي يجب أن تتعامل معها بحذر، ولهذا نحن في كل يوم نتعرض لهذه الطريقة في كل يوم ندخل المكتبة ونجد عشرة، عشرين كتاب مؤلفة من جديد ماذا نصنع بها؟ أمامي كتاب جديد لا أعرفه لا أعرف المؤلف لا أعرف طريقته؟
هذا الكتاب الذي مثلًا طُبع ودخلت في المكتبة ورأيته لأول مرة خلاص خلنا نشوف والله الكتاب للإمام فلان، إذًا هو لإمام من أئمة أهل السنة انتهى عندي خلاص أدخلته ضمن قائمة الكتب، هل يعني أن هذا الكتاب معصوم مئة بالمائة، لا، لكن تحدد لدي أن هذا الكتاب له منهج معين أن أرتاح له، بالعكس أحيانًا هذا الكتاب لإمام من أئمة البدع رأسًا أقف منه موقف حتى لو أني اشتريته أو أبقيته عندي لكن عندي فيه نظرة أميز أنه والله هذا الكتاب عليه ملحوظات قائم على مذهب معتزلي، على مذهب رافضي على مذهب أشعري الخ فأنا أعرف هذا الكتاب.
أحيانًا الكتاب لا أدري هل هو هنا أو هناك؟ ما أدري مؤلف معاصر جمع فيه معلومات وضع عنوان الخ؟
هنا أدخل في تقويم الكتاب، والدخول في تقويم الكتاب، أيها الإخوة يتحدد لدى طالب العلم المتمكن من خلال نظرات معينة يعني أحيانًا الإنسان يستطيع أن يحكم على الكتاب تقريبًا ما هو مئة بالمائة، لكن يحكم على الكتاب خلال عشر دقائق ينظر في فهرس الكتاب ينظر في مقدمة الكتاب ينظر في بعض المسائل، بعض المسائل تعرض لها المؤلف انظر فيها، تنظر فيها تجده أبدًا أحيانًا تقرأ نصف صفحة في الكتاب يتبين لك أن هذا الكاتب منهجه يوافق أهل السنة والجماعة أو منهجه يُخالف منهج أهل السنة والجماعة، فكيف الإنسان إذا كان لا والله يبي يَطلع على الكتاب نصف ساعة أو ساعة، هذا أنا أقول إذا كان لديه منهج مؤصل في معرفة هذه الأشياء فإنه ينتهي به إلى معرفة، يعني: قيمة الكتاب وأثر الكتاب ويقومه ويتعامل معه بعد ذلك، ومن الخطأ أن يقرأ الإنسان الكتاب دون أن يدري ما منهج الكاتب، من الخطأ، تقرأ الكتاب لا تدري هل هو على منهج أهل السنة ،هل هو مخالف أهل السنة، هل هو متذبذب في المنهج، هل هو لا تدري عن ذلك كله هذا غلط، بل يجب أن تقرأ كما قلنا قراءة الناقد ويجب قبل ذلك أيضًا أن تعرف منهج المؤلف ومن ثَمَّ فأنت تقرأ من خلال إدراك هذه الأشياء.
طيب ننتقل بعد هذا إلى مسألة أُخرى وهي التعامل مع الشُبه العقدية: التعامل مع الشُبه العقدية ينبغي أن يُنظر فيها إلى الأمور التالية، أنا أقول: يُمكن فهمها من خلال هذه الأمور:
الأمر الأول: هو أن شُبه المخالفين لا تنتهي فهي كثيرة ومُتعددة ومتنوعة ومن ثَمَّ فهي لا تنتهي، فمن ظن أنه لابد في كل مسألة من استقراء شُبه المخالفين، فنقول: لا ينبغي؛ لأن آراء الناس وأفكار الناس وشُبههم وأقوالهم الفاسدة أو الباطلة أو التي فيها جزء من الحق أو الخ هذه لا تكاد تنتهي.
الأمر الثاني: هو أن هناك من الشُبه ما يعتمد عليها أهل البدع، ويُمكن أن نسميها شُبهًا أصلية، وهذه الشُبه التي يعتمد عليها أهل البدع هي التي تحتاج إلى مناقشة، وجواب وإدراك لحقيقتها، ولحقيقة أيضًا بطلانها وهذا معروف لدى كل فئة من الفئات، لو جئت للنصارى أو جئت للرافضة أو جئت لغيرهم تجد كل طائفة من هذه الطوائف عندها شُبه معينة، معروفة الشُبه الفلانية الشُبه، الفلانية الشُبه الفلانية المنتشرة عندهم، وهي التي يقوم عليها دينهم بالنسبة لمخالفتهم للمسلمين أو مخالفتهم لأهل السنة والجماعة، فيُركز على الشُبه الكبار هذه الثانية.
الأمر الثالث: هو أن نقض الشُبهة يُشترط فيه شرطان:
الأول: معرفة الحق في المسألة فمن لا يعرف الحق قد لا يجيب الجواب الصحيح وكثير من الناس يُجيب عن الشُبهة بجواب عقلي لكن لا يبنيه على أصل حق؛ لأنه ما من شُبهة إلا وهي شُبهةٌ على مسألةٍ باطلة، فلا بُدَ أن تَرد هذه الشُبة من خلال ما يُقابل تلك المسألة الباطلة وهو الموقف أو المذهب الحق.
الأمر الثاني: هو أن رَدَ هذه الشُبهة وجوابها ينبغي أن يكون مع الإنصاف والعدل مع الخصم كما هو معروف في منهج المسلم في ذلك، ينبغي أن يكون جوابها واضحًا يُبين الحق ويَنصح للمخالف، لأنه ليس المقصود من جواب الشُبهة الهجوم، الهجوم يكفي أن نقول هذه شُبهةٌ باطلة والسلام، إنما المقصود بها أن تُبين الحق وبيان الحق يستفيد منه طائفتان الموافق والمخالف، الموافق لك إذا قرأ جوابك اقتنع والمخالف إذا قرأ جوابك أيضًا قد يقتنع إذا أراد الله عزوجل له الهداية، وإلا فعلى أقل تقدير فإنه سيجد قوة حجتك في وضوحها وهذا مهم أيها الإخوة في الله، قوة الحق ليست إلا بشيء واحد وهو أن يكون حقًا قوة الحق بالحق انتبهوا لهذا الكلام قوة الحق إنما تكون بالحق ليست بأي شيء آخر لا بكلام، ولا بقيل ولا بترداد كلام الخ، قوة الحق إنما تكون بالحق، وكيف يكون حقًا؟
لما يكون مبنيًا على دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
طيب من المسائل المتعلقة بالشبه العقدية هي ألا تهولنك الشُبه ولا تفزع منها بعض الناس أو بعض أهل العلم أحيانًا يأتي إليك فزعًا يقول أنا ناقشت نصرانيًا أو ناقشت رافضيًا، وأتى إلـيَّ بهذه الشُبه وما قدرت الجواب عليها: يأتي فزع فزع فزع على أبعد الحدود، ومعلومٌ أيها الإخوة أن مثل هذه الشُبه وغيرها عند معرفة الجواب عليها تُصبح لاشيء، فأنت قارن بين إنسان فزع فزعًا عظيمًا وفي مُقابله إنسان رآها لا تُساوي قُلامة ظفر؛ لأن الجواب عليها واضح تمامًا، التهويل في مقام الشُبه له عامل نفسي بالنسبة للإنسان فينبغي له أن يتعامل مع هذه الشُبه بشكلٍ مُجمل أو بشكلٍ مُفصل من خلال ثقته بما أعطاه الله عزوجل ووفقه إليه من منهج حق فإذا ما ثارت الشُبهة في وقت من الأوقات فعليه أن يضعها في حجمها سواء استطاع الجواب عنها أو سال غيره عنها، وإنما أذكر هذا حتى نغرس في نفوسنا ونفوس إخواننا المسلمين أن الحق القائم بالدليل يكثر مخالفوه ومعارضوه ومُروجو الشُبه عليه وكلما قوي الحق كلما كثرت الشُبه كلما كثرت الإشكالات كلما كثر الطاعنون فبينهما كما نلاحظ تلازم كلما قوي الحق كلما قوي مُعارضوه فإذا كان كذلك فينبغي أيضًا أن نتعامل مع القضية بهذا الفهم السليم، أما هذه الشُبهة تنقض الحق لن تُسقطه لن تستطيع مهما كان.
طيب ننتقل بعد هذا إلى فقرة أُخرى وهي عندي معنونة بعنوان التعامل مع المخالف في العقيدة وهذه قضية كبيرة تحتاج إلى درس مستقل لكن سأذكر ما يتعلق بها في مسألة كتب العقيدة خاصة: طبعًا المخالف في العقيدة كما تعرفون بدأ يتجدد لديه في الأزمنة المتأخرة وسائل لنشر عقيدته أو شُبهاته أو نحو ذلك فكيف يكون التعامل مع المخالف في هذا؟
طبعًا أظن أن مسألة الرد على المخالف وجواب شُبهاته والرد على دعاواه ونحو ذلك، أمرٌ واجب على الأمة وهو واجبٌ كفائيًا عليها، يجب أن يقوم به من يكفي فإن لم يقوموا أثم الجميع، وإن قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وحصل من قام بهذا الواجب على أجر عظيم ربما قد يفوق أجر الفرض المتعين كما قال العلماء رحمهم الله؛ لأنه في هذه الحالة قام بواجب عن نفسه وعن إخوانه المسلمين.
طيب لكن التعامل مع المخالف فيما يتعلق بهذا الأمر في رأيي يحتاج إلى بعض الضوابط:
الضابط الأول: الحذر من نشر فكرة المخالف وأنت لا تشعر، يعني أحيانًا يكون المخالف أو المقالة أو الكتاب نكرة ثم نحوله نحن إلى أن يكون علمًا من الأعلام، وأنا أعتبر هذا مما ينبغي أن يُنتبه له، والسلف رحمهم الله تعالى لم يتكلموا في كل شبهة وإنما تكلموا فيما عظم خطره؛ ولذلك أرى أنه ينبغي الحذر من هذا وأنا أعلم أن كثيرًا من أهل الباطل في أن يشيع بين أهل السنة والجماعة وبين طلاب العلم القوال والمناقشات وغيرها حتى ينتشر وتنتشر مقالته، فينبغي أن نكون حقيقة واعين لمثل هذا فلا نكون نحن سببًا في نشر بدعة المخالف ونحن لا نشعر هذه واحدة.
الأمر الثاني: بالنسبة للتعامل مع المخالف في هذه القضية بالذات: هو أن يكون هناك ردود قوية ولو كان الرد واحدًا بدل الردود المتفرقة الضائعة يعني أحيانًا الشُبهة ينسفها واحد بعد توفيق الله عزوجل ينقضها تنتهي لكن في المقابل أحيانًا تكون هناك ردود ضعيفة جانبية من هنا ومن هناك، ويكثر الأخذ والرد والمناقشة ونحو ذلك فتتحول هذه الشُبهة إلى شيء واقع، وإن كانت في الحقيقة ليست كذلك بسبب الردود الضعيفة وهذا معروف من تاريخ المسلمين، يعني: كمثال شيخ الإسلام ابن تيمية لما نقض أُصول المتفلسفة وأُصول الرافضة، وأُصول المعتزلة، نقض هذه أُصولها بشكل قوي فصارت كتبه مرجعًا لطلاب العلم إلى اليوم وليس هذا من باب التقديس لشيخ الإسلام ابن تيمية كما قد يُعلم أنه يُجعل معصومًا، هذا لا يَرِد عندنا لكن لأنه ابن تيمية رحمة الله عليه بما وهبه الله عزوجل وآتاه استطاع أن يكون مرجعًا تحولت كتبه إلى مرجع، كيف كانت مرجعًا؟
قال لك في قوتها، هذه القوة مهمة جدًا ولهذا تجد الآن يعني هناك أحيانًا تتعدد المقالات التي ترد على المخالف أو تتعدد الكتب وهذا في الجملة لا بأس به لكن كلما كان الرد قويًا وحاسمًا كلما رد الفتنة والبدعة وكان له إن شاء الله تعالى الأثر الطيب.
أخيرًا: فيما يتعلق بهذه القضية وهي الحذر من البغي ومن الظلم حتى في الرد على المخالف فلنحذر من الكذب عليه، أو تقويله مالم يقل أو إدخال أُمورٍ أُخرى لا علاقة لها بالموضوع؛ لأجل الشحناء والبغضاء لأن مثل هذه الأمور لا تُفيد كثيرًا في الرد على المخالف ولربما استغلها وانقلبت فبدل أن يكون هو نفسه مبتدعًا ظالمًا الخ... يتحول إلى مظلوم، وكل ذلك أحيانًا يكون بسبب حقيقة مخالفة المنهج الحق، والله عزوجل يقول: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].
فالعدل مع الخصم أعظم الأشياء التي ينصر الله عزوجل بها الحق، وهي أيضًا من أكثر الأشياء أثرًا في بيان الحق ورسوخه، والرد على الشبهة وجوابها، أحيانًا إنسان يأتي بشبهة جميل ثم يأتي إنسان ويشتمه من هنا ومن هنا و...الخ، طيب والشبهة ما أتى عليها هذا أحيانًا يتحول إلى رد عكسي، وتُصبح القضية التي كنت تُريد أن تُبينها بالعكس أنت أصبحت كأنك أنت الظالم، وأنت المعتدي وهذا غلط، نعم يُحتسب على أهل الباطل يُرد على أهل الباطل الخ.. لكن ينبغي أن يكون بعدلٍ وانصاف وعدم ظلمٍ، وإذا اصطحب الإنسان معه هذه الأخلاق الفاضلة مع الرد القوي المتين نفع الله عزوجل برده، ولا بأس أن يغضب الإنسان لله هذا الغضب مشروع إذا انتهكت بشكلٍ صارخ إنسان اعتدى على رب العالمين، أو على نبيه صلى الله عليه وسلم أو على دين الإسلام فيعطيه ما يستحق.
عبد الرحمن بن صالح المحمود
أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا.
- التصنيف:
- المصدر: