أَعْبَدَ الناس

منذ 2015-06-28

أعبد الناس من اتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، وأخلص لربه سبحانه وتعالى.

ليس أعبد الناس من أكثر من العبادات بغير علم، ولا من بحث عن أشقها عليه فقام بها، ولا من منع نفسه عن المباحات، ولا من أعرض عن الرخص التي شرعها الله سبحانه.

قد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا،" فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (متفق عليه).

وعن عبد الله بن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت جويرية حين صلاة الصبح، وكان اسمها برة فسماها جويرية كره أن يقال: خرج من عند برة، قال ابن عباس: فخرج من عندها حين صلى الصبح، ثم رجع إليها بعدما تعالا النهار، وهي جالسة في مصلاها، فقال لها: «لم تزالي في مجلسك هذا؟» قالت: "نعم" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت بعدك أَربع كلمات ثلاث مرات لو وزن بجميع ما قلت لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» (أخرجه أحمد والنسائي وابو داود).

إنما أعبد الناس من اتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، وأخلص لربه سبحانه وتعالى، فاكتمل عنده الاخلاص والمتابعة، وهما شرطا قبول العمل. أعبد الناس من استطاع أن يمنع نفسه عما حرم الله سبحانه، فإن فعل الطاعات والنوافل قد يمكن لكثير من الناس ولكن فعلها مع ترك المنكرات لا يسهل إلا للصادقين العابدين.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتق المحارم تكن أعبد الناس» (رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني) [1].

فترك المحرمات رقي عند الله سبحانه في مراتب العبودية، إذ قد جاهد المؤمن نفسه، وخالف هواه، وكبح جماح رغباته خشية لله وابتغاء مرضاته، قالت عائشة رضي الله عنها: "من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب" [2]، وقال الحسن البصري: "ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه" [3].


______________________
[1]- انظر: صحيح الترمذي: [2305]، السلسلة الصحيحة: [930]، صحيح الترغيب [2567].
[2]- ابن المبارك في الزهد [67].
[3]- المقصود من تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به نوافل الطاعات.

 

 

خالد رُوشه 

12/8/1436 هـ

  • 1
  • 0
  • 2,042

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً