عمل القلب - الفريضة الغائبة - [27] إنكار منكرات القلوب وخطأ التثبيط عن الخير حذر الرياء
من شرط المنكر الذي يحتسب فيه أن يكون ظاهرًا من غير تجسس، وقد دل قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده» (صحيح مسلم[49])، على أن الإنكار متعلق بالرؤية، فلون كان مستورًا لم يره، لم يتعرض له (انظر: جامع العلوم والحكم)، وبناء على هذا، فليس لأحد الإنكار في المعاصي القلبية، كالرياء والحسد والكبر وغيرها؛ لخفائها.
من شرط المنكر الذي يحتسب فيه أن يكون ظاهرًا من غير تجسس، وقد دل قوله صلى الله عليه وسلم: «صحيح مسلم[49])، على أن الإنكار متعلق بالرؤية، فلون كان مستورًا لم يره، لم يتعرض له (انظر: جامع العلوم والحكم)، وبناء على هذا، فليس لأحد الإنكار في المعاصي القلبية، كالرياء والحسد والكبر وغيرها؛ لخفائها.
» (وربما عمد بعض الناس إلى النهي عن أمر مشروع أو التثبيط عنه بمجرد زعمه أن ذلك رياء وتشكيكه في مقاصد القائمين عليه، وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا بوجوه أربعة، فقال رحمه الله:
أحدها: أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفًا من الرياء، بل يؤمر بها وبالإخلاص فيها، ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه، وإن جزمنا أنه يفعلها رياء، فالمنافقون الذين قال الله فيهم {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، فهؤلاء كان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين، وإن كانوا مرائين، ولا ينهونهم عن الظاهر؛ لأن الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياء، كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء، ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رياء الناس.
الثاني: لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح مسلم[1064])، وقال عمر بن الخطاب: "من أظهر لنا خيرًا أحببناه، وواليناه عليه، وإن كانت سريرته بخلاف ذلك، ومن أظهر لنا شرًا أبغضناه عليه، وإن زعم أن سريرته صالحة".
الثالث: أن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين، إذا رأوا من يظهر أمرًا مشروعًا مسنونًا، قالوا: هذا مراء، فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة؛ حذرًا من لمزهم وذمهم، فيتعطل الخير، ويبقى لأهل الشر شوكة يظهرون الشر، ولا أحد ينكر عليهم، وهذا من أعظم المفاسد.
الرابع: أن مثل هذا من شعائر المنافقين، قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79]، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حض على الإنفاق عام تبوك، جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز من حملها، فقالوا: هذا مراء، وجاء بعضهم بصاع، فقالوا: لقد كان الله غنيًا عن صاع فلان.
وفي الجملة (فإن الله سبحانه لم يجعل أحكام الدنيا على السرائر، بل على الظواهر والسرائر تبع لها، وأما أحكام الآخرة فعلى السرائر والظواهر تبع لها) (إعلام الموقعين)، وإذا لم يكن لأحد الأنكار في معاصي القلوب، فإن هذا يزيد العبء والمسؤولية على الفرد في إصلاح قلبه، فعلى المتلبس بشيء منها تفقد قلبه ومعالجة نفسه وتزكيتها.
هذا وإن آفات الطريق كثيرة، والاشتغال بالبحث عنها سبب انقطاع، لكن من عرض له شيء منها وجب عليه التخلص منه، يقول ابن القيم: "سألت عن هذه المسألة بعض الشيوخ فقال لي: مثل آفات النفس مثل الحيات والعقارب التي في طريق المسافر، فإن أقبل على تفتيش الطريق عنها، والاشتغال بقتلها انقطع، ولم يمكنه السفر قط، ولكن لتكن همتك المسير، والإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، فإذا عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير فاقتله ثم امض في سيرك، فاستحسن شيخ الإسلام (ابن تيمية) ذلك جدًا وأثنى على قائله" (مدارج السالكين).
فهناك فرق بين الوساوس والخطرات بالرياء التي ترد على المخلص وهو في طاعته لربه، وبين من تستقر عنده تلك الخطرات فيصير مقصوده رياء الخلق، فالأول يمضي ولا يلتفت، والثاني يحتاج إلى علاج نفسه مع الاستمرار في العمل الصالح والاجتهاد في تصحيح النية.
- التصنيف:
- المصدر: