الأخلاق والإيمان (2)

منذ 2015-12-18

حين يستشعر المؤمن أن الأخلاق ذات صلة وطيدة بالإيمان وعلاقة وثيقة بالعقيدة، وتعبير صادق عمَّا في القلب، عندئذ سوف يجتهد في تحسين أخلاقه، تصحيحا لعقيدته وتصديقًا لإيمانه

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ، فإن في مقالة سابقة ذكرنا أن التخلق بالأخلاق الفاضلة عبادة مأجورة كعبادة الصلاة والصيام، وبه يبلغ العبدُ درجة القائم الصائم، وموعدنا في هذه العُجالة أن نُذّكَّر أنفسنا وإخواننا أن الأخلاق أصلا إيمان وعقيدة، قبل أن يكون سلوكًا ظاهريًّا أو ثوبا ملبوسا يخلعه اللابس ولا بأس!

وحين يستشعر المؤمن أن الأخلاق ذات صلة وطيدة بالإيمان وعلاقة وثيقة بالعقيدة، وتعبير صادق عمَّا في القلب، عندئذ سوف يجتهد في تحسين أخلاقه، تصحيحا لعقيدته وتصديقًا لإيمانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»(متفق عليه).

 وليس لي هذا القعيد، وإنما هو للصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة لا تحتاج إلى شرح وبيان، وإنما تحتاج إلى عقل وجَنَان، ومنها حديث: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا »(الترمذي، السنن، رقم:[1162] وأبو داوود، السنن، برقم:[ 4682]). فكلّما كان إيمان المرء أكمل، كان خلُقه أحسن، وبعلاقة عكسية مُتبادلة، فإنه كلَّما حسَّن المرءُ من أخلاقه احتسابًا زاد إيمانه؛ لأنه من جملة الطاعة، وعقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية...

ومن جملة ما يُبَيِّن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»(متفق على صحته)، ومنها في جانب النهي قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا»(أحمد، المسند، برقم:[22248]، وحسنه الأرناؤوط)، ومنها حديث: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرةَ يوم وليلة ليس معها حُرمة»(البخاري في صحيح، رقم:[1088] ومسلم بنحوه برقم:[1338])، فالإيمان بالله واليوم الآخر يمنع صاحبه من هذه المخالفات الأخلاقية، بل جعل بعضها من شُعبِ النفاق، وقد يكون منافقًا خالصًا بها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»(متفق عليه)، ومعلوم أن النفاق نقص أو نقضٌ للإيمان...

لذلك حين غاب هذا المفهوم الإيماني للأخلاق صارت حياة المسلمين غير إسلامية-إلا من رحم الله-

وفي الجملة، لو أننا نستحضر مثل هذه المعاني عند ممارسة الأخلاق، وحكمناها بهذا المنطق، لحَسُن إسلام كثيرٍ مِنَّا، أما ما دام قِطاع عريضُ من (المسلمين) يعاملون الأخلاق كقشور الفاكهة التي تُرمى ويُؤكلُ لُبّها فعندئذ قل مثل ما ورد عن بعض السلف كأبي هريرة رضي الله عنهم: " ذَهَبَ النَّاسُ وَبَقِيَ النَّسْنَاسُ"، فَقِيلَ لَهُ: مَا النَّسْنَاسُ؟ قَالَ: "يَتَشَبَّهُونَ بِالنَّاسِ وَلَيْسُوا بِنَاسٍ"(السخاوي، المقاصد الحسنة، رقم[505])؛ فهل يقال الآن: ذهب الناس والنسناس؟! 

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 3
  • 0
  • 4,646

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً