حين تكون البهائم أكرم!

منذ 2016-02-04

«.. ولولا البهائم لم يمطروا.. » بقدر ما تُبَيِّن هذه الجملة عظيم رحمة الله تعالى وسعتها حتى شملت البهائم العجماوات، بقدر ما ألقت في روعي معنى مُرعِبًا مُحزِنًا، ذلك المعنى هو حالة سقوط البشر من عين الله!!

مع أن الله تعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء:70]، إلا أنَّ هؤلاء الْبَني آدم؛ الذين أكرمهم الله تعالى، وكرَّمهم وفضَّلهم على البهائم وعلى كثير ممن خلق، هاهم أولاء تُوصِلهم أفعالهم المشينة وتفريطهم في هذا التكريم، إلى درجة أن الله تعالى الكريم لا يعطيهم من قطر البحار والمحيطات وسُحب السموات إلا رحمة بالبهائم..

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم» (ابن ماجة في سننه، برقم:[4019]، الطبراني، المعجم الكبير، برقم:[ 13619]، وصححه الألباني في الصحيحة، برقم:[106]، وصحيح الجامع برقم:[ 7975]).

«.. ولولا البهائم لم يمطروا.. » بقدر ما تُبَيِّن هذه الجملة عظيم رحمة الله تعالى وسعتها حتى شملت البهائم العجماوات، بقدر ما ألقت في روعي معنى مُرعِبًا مُحزِنًا، ذلك المعنى هو حالة سقوط البشر من عين الله!! فحين نسقط من عين الله، تكون البهائم أكرم، وأولى بالرحمة منا، وهي التي  شرع الله لنا رَكوبها وذبحها تقديمًا لرحمتنا على رحمتها، وكرامتنا على كرامتها!: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[النحل:5-8]، ومع كل ذلك: «..ولولا البهائم لم يمطروا.. »
فهذه حصائد أفعالنا، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179]، إلى هذه الدركة ينزل المستوى ببني آدم حين يتخلَّون عن الوظيفة التي خُلِقوا لأجلها، وحين يتنكبون الطريقة التي أُمِروا أن يستقيموا عليها، ويزهدون في التكريم الذي حُبُوا به.

وهكذا يعيشون معيشة ضنكًا، متمثلٌ بعضُها في أزمات وبلايا ذكرها الحديث السابق، ولخَّصها القرآن الكريم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}[طه:124-127]. 

لا كرامة للبشر إلا بالتوبة إلى الله تعالى والاستقامة على طريقته، والتجافي عن البهيمية الأرضية والشيطانية النارية..

4/ 2/ 2016

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 3
  • 0
  • 9,166

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً