مع حبيبي صلى الله عليه وسلم - البِشر والبشاشة

منذ 2016-02-23

من أجمل الجوانب في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم تلك المتعلقة بطبيعته النفسية الرحبة وصدره الواسع ولين جانبه وبشاشته وبِشره وحسن تواصله مع الكون من حوله.

لقد كان حقا ذا نفس جميلة… نفس تبدو بشاشتها لكل من يعرفه ويتأمل طبيعته؛ ربما يظهر ذلك في ملمح قد يعده البعض يسيرا لكنه ينم عن تلك الطبيعة الجميلة بوضوح؛ لقد كان حبيبنا صلوات الله وسلامه عليه يسمي أشياءه؛
كل أشيائه..

تقريبا ما كان يترك شيئا له إلا ويجعل له اسما أو لقبا؛ سواء في ذلك ما كان مخلوقا ينبض بالحياة أو جمادا باردا؛ لكل دابة كان يمتلكها أو يركبها اسم أو لقب؛ فبغلته دلدل وأخرى؛ سماها فضة؛ وحماره يعفور؛ وناقته العضباء؛ وقيل القصواء. أما شاته التي يشرب لبنها فكان يسميها غينة و يقال غوثة؛ وكانت له عنزات أسماؤها عجوة وزمزم وسقيا وبركة وورسة وأطلال وأطواف.

أما أفراسه فأسماؤها لزاز والورد والمرتجز والسكب والطرب وهذا الأخير سمي بذلك لحسن صهيله؛ واللحيف وسمي بذلك لانه كان كالملتحف بعرفه.

أما عن أشيائه فقد كانت له عمامة يسميها السحاب؛ وكان اسم قوسه الكتوم؛ واسم كنانته الكافور؛ ونبله الموتصلة؛ وترسه الزلوق؛ ومغفره ذو السبوغ؛ واسم ردائه الفتح؛ واسم رايته العقاب؛ وكان له قدحان اسم أحدهما الريان؛ والآخر المضبب.

وكان له تور من حجارة يقال له المخضب والمخضد يتوضأ فيه.

وكانت لسيوفه أسماء أيضا أشهرها ذو الفقار والمخذم والرسوب والعضب.

وكان له رمح يقال له المستوفي وكان له عنزة قصيرة يقال لها المثنى.

وأما دروعه فكان يطلق على إحداها ذات الفضول وأخرى يسميها الفضة وثالثة يقال لها السعدية ودرع اسمها ذات الوشاح.

وكانت له قوس نبع تسمى السداد وكانت له كنانة تسمى الجمع وكانت له حربة تسمى البيضاء وكان له مجن يسمى الوفر وكانت له ركوة تسمى الصادر وكانت له مرآة يسميها المدلة وكانت له مقراض يسميها الجامع؛ وغير ذلك من الأشياء الأخرى التي ذكرها أهل السير ولا يتسع المقام لذكرها جميعا والتي تشترك في تلك الخاصية العجيبة
خاصية الأسماء التي حملتها وأطلقها عليها حبيبنا صلى الله عليه وسلم.

تخيل هذه النفسية التي رغم انشغالها والهموم التي تحملها والبلاءات التي تتوالى على صاحبها ومع ذلك تصر على تسمية مرآة أو كوب ماء أو درع!! 

بعضنا لو فعل مثل ذلك لربما تلقاه الناس بالاستهجان واللوم والاتهام بالتشاغل عن الهموم الجسيمة والمهمات الجليلة ولرُمي باللامبالاة أو كما يقال بالعامية (الروقان).

لكن سيد ولد آدم وحاشاه أن يُرمى بشيء مما سبق؛ كان حريصا كما رأينا على تلك العادة المترسخة في سلوكه وذلك واضح في تلك النماذج التي ضربناها آنفا.

وتفسير ذلك في رأيي أمران: أما الأول فهي تلك الطبيعة النفسية الرحبة التي أشرت إليها في مطلع الكلام؛ وأما الثاني فرغبته صلى الإله عليه في غرس تلك القيمة في نفوس من يعرفونه ويقتدون به.

قيمة البِشر والبشاشة واللين والحنان؛ حنان يسع كل من حوله و(ما) حوله؛ حنان يجعله يضع روابط مودة وأواصر صلة وجسور علاقة مع كل ما يحيط به.

لا يحجب هذا الحنان همّ ولا تقطع تلك الروابط أزمة؛ ولا يقضي بلاء على تلك القيمة؛ ولا تضيق هذا الصدر الرحب مسؤولية أو يعكر صفاءه انشغال.

هكذا كان بأبي هو أمي؛ فأين صدورنا الضيقة من صدره وأين نفسياتنا من جمال روحه وسمو نفسه؟!

  • 9
  • 0
  • 5,929
المقال السابق
حبُّ الصحابة له صلى الله عليه وسلّم
المقال التالي
جبر الخواطر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً