خواطر حول ظاهرة المدح!!

منذ 2016-03-18

من أسوأ ما شاع في عصرنا التعامل مع المدح بمنطق السوق وقوانين البيع والشراء.

  1. ليس أحد مدحه يزين ويرفع، وذمه يشين ويضع إلا الله سبحانه.
  2. أما الخلق فمادحهم في الغالب مبالغ ومتكلف، وذامهم ظالم ومتعسف، وأقلهم من يعدل ويقتصد في المدح والذم.
  3. الأصل في المدح في الوجه أنه مذموم ومنهي عنه؛ وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم لمن مدح صاحبه: «وَيْلَكَ ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ» (رواه البخاري ومسلم)؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِى وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ» (رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجه)، نعم يجوز ذلك لمن ترتب على مدحه مصلحة شرعية معتبرة، ومن علمنا أنه لا يغتر بالمدح ولا يورثه ذلك كبرا ولا غرورا، لكن تالله من يأمن في هذا الزمان على نفسه الفتنة!! وأي قلب هذا الذي لا يتغير وهو يسمع بأذنيه المدح والثناء؟
  4. المدح نوع من الشهادة على الممدوح بما ذكره المادح، وما من شاهد إلا وشهادته مكتوبة وهو مسؤول عنها: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف:19].
  5. من كان مادحا لا محالة فلا يمدح إلا بحق، وإلا بما علم، ودون غلو أو إفراط، وليقدم مدحه بما قاله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لاَ مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ» (رواه البخاري ومسلم).
  6. المدح غير المعقول ابن عم الذم!! وهو دليل على تهور صاحبه، وسبب للتشكيك في إنصافه وموضوعيته.
  7. قلما مدح رجل بما ليس فيه ورضي بذلك إلا وذم بما ليس فيه، والجزاء من جنس العمل، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
  8. بعض الناس يبالغ في مدح شيخه أو من ينتسب إليه ليرفع خسيسته، وليعلي من قدر نفسه، فتراه يسبغ عليه الأوصاف الخيالية، والألقاب غير المعقولة فهو وحيد عصره وفريد دهره، وأعلم الناس وأورعهم، ومن لم تر العين مثله، وإمام أهل الزمان وحسنة الأيام وقرة عين الموحدين، وكأنه يقول بلسان الحال إذا كان هذا حال شيخي فاعلموا أن شيئا من تلك الممادح واصل لتلميذه.
  9. إذا رأيت أحدا يصف عالما أو شخصا بأنه أعلم أهل الأرض قاطبة أو أعلم الناس بالعلم الفلاني، فاغسل يديك منه واعلم أنه - غالبا- يهرف بما لا يعرف، إذ من الذي أحاط بأهل العلم كلهم، وكم في الزوايا من خبايا وكم في الناس من بقايا، وإنما تقبل عبارات كهذه حينما تصدر من عالم كبير محقق مدقق برع في فنه، وقضى في تتبع مسائله زمانا طويلا ثم هو يقوله في حق من أطبقت الأمة على علمه وفضله وتحقيقه وإمامته أما أن يقولها كل من هب ودب فتلك مأسأة مؤلمة.
  10. من أسوأ ما شاع في عصرنا التعامل مع المدح بمنطق السوق وقوانين البيع والشراء، وعلى طريقة "شيلني وشيلك" أي امدحني وأمدحك، وأثن على علمي وكتبي لأبادلك ثناء بثاء، وأمثال هؤلاء لا يمدحون إلا شلتهم ومعارفهم، ويتوسعون في ذلك جدا أما من هم خارج الشلة فكأنما يقتطع أحدهم من لحمه، ولا يعيره التفاتا وكأنما لا يعرفه ولم يسمع به!
  11. هناك فرق بين المدح للتشجيع ورفع الهمم، والأخذ بيد من هم في أول الطريق وبين أنواع المدح الأخرى، ومن ذلك مدح الوالد لأبنائه والمعلم لتلاميذه كي يشجعهم، وما أحسن ذلك وأنفعه إذا كان منضبطا ومناسبا في توقيته ومقداره ولفظه.
  12. وأخيرا، إذا علمت أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمة ويشين إلا الله وحده، فعليك بنصيحة ابن القيم حيث قال: "ازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه".

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

  • 0
  • 0
  • 15,988

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً