دليل المسلم الجديد - (26) آثار المعصية والتوبة من المعاصي

منذ 2016-04-18

إن للمعصية شؤماً على صاحبها، فإليك بعض آثارها من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى: "حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله تعالى في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور.

آثار المعصية

إن للمعصية شؤماً على صاحبها، فإليك بعض آثارها من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى:

1- حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله تعالى في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور. ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله تعالى قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تُطفئه بظلمة المعصية.

2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه» (ابن ماجه: [4022]) وحسنه الألباني في (صحيح ابن ماجه).

3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه تعالى، وبينه وبين الناس. قال بعض السلف: إني لأعصي الله سبحانه، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.

4- تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله تعالى جعل له من أمره يسرا.

5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد. قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: "إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن  ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق".

6- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله تعالى المستعان.

7- أن المعاصي تزرع أمثالها، ويُولِّد بعضها بعضاً، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها.

8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية... فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيءٍ كثير، وقلبه معقودٌ بالمعصية، مُصرٌ عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.

9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه.
وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويُحدِّث بها من لم يعلم أنه عملها، فيقول: يا فلان، عملت كذا وكذا. وهذا الضرب من الناس لا يعافون، ويُسدُّ عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرون، وإنَّ من المجاهرة: أن يستر الله العبد ثم يُصبح يفضح نفسه ويقول: يا فلان عملت يوم كذا.. كذا وكذا، فيهتك نفسه وقد بات يستره ربه» رواه (البخاري: [5949]، ومسلم: [2744]).

10- أن الذنوب إذا تكاثرت طُبِعَ على قلب صاحبها، فكان من الغافلين. كما قال بعض السلف في قول الله تعالى:  {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] قال: هو الذنب بعد الذنب.

وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طبعاً وقفلاً وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفـله، فحينئذٍ يتولاه الشيطان ويسوقه حيث أراد.


التوبة من المعاصي

الذي يرتكب المعصية مرة بعد مرة: ذنبه مغفور في كل مرة  إن أعقب معصيته بتوبة -إن كانت توبته في كل مرة صادقة- والدليل على جواز التوبة مرة بعد مرة: أن الذين ارتدوا عن الإسلام زمن أبي بكر رضي الله تعالى عنه ردهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى الإسلام وقبل منهم ذلك، علماً بأنهم كانوا كفاراً  ثم دخلوا في الإسلام ثم رجعوا إلى الكفر ثم دخلوا الإسلام، وقبِل الصحابة كلهم منهم التوبة على الرغم من أن الذي فعله المرتدون هو شر من الذي يفعله العاصي المسلم فقبول التوبة من المسلم العاصي، ولو كانت متكررة أولى من قبول توبة الكافر مرة بعد مرة.

ولكن هذا الذي نقوله بشرط أن تكون التوبة الأولى وما بعدها توبةً نصوحاً صادقة من قلب صادق وألا تكون مجرد تظاهر بذلك.

وكلامنا هذا لا يُفهم منه أننا نشجع على المعاصي وارتكابها مرة بعد مرة وأن يجعل المسلم رحمة الله تعالى وتوبة الله تعالى عليه سُلماً للمعاصي، لا، إنما نريد أن نشجع العاصي للتوبة مرة بعد مرة، فنحن نريد أن نُطمئن قلبَ المسلم الذي يريد أن يرجع إلى الله تعالى ونقول له: باب الرحمن الكريم مفتوح، وعفوه أكبر من معصيتك، فلا تيأس من رحمة الله تعالى وعُد إليه.

روى الإمامان (البخاري: [7507]، ومسلم: [2758]) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي.. » الحديث.

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال: "خياركم كل مفتن تواب. -يعني كلما فُتِن بالدنيا تاب-. قيل فإذا عاد ؟ قال : يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور".

وخرج ابن ماجه من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». حسنه الألباني في (صحيح ابن ماجه: [3427]).

وقيل للحسن: ألا يستحيي أحدنا من ربه تعالى يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار.

وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين يعني أن المؤمن كلما أذنب تاب.

وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه في خطبته: أيها الناس من ألمَّ بذنب فليستغفر الله تعالى وليتب، فإن عاد فليستغفر الله تعالى وليتب، فإن عاد فليستغفر وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال وإن الهلاك في الإصرار عليها.

ومعنى هذا أن العبد لا بد أن يفعل ما قدر عليه من الذنوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة» (مسلم: [2657]).

ولكن الله تعالى جعل للعبد مخرجا مما وقع فيه من الذنوب ومحاه بالتوبة والاستغفار فإن فعل فقد تخلص من شر الذنوب وإن أصر على الذنب هلك. اهـ (جامع العلوم والحكم: [1/164]-[165]) بتصرف.

والله تعالى أعلى وأعلم.

  • 34
  • 9
  • 81,071
المقال السابق
(25) أنواع الذنوب والسبع الموبقات
المقال التالي
(27) المحرمات في القرآن الكريم والسنة النبوية
  • محمد الصبار

      منذ
    أنا محمد الصبلر ساكن فالمدينة فاس أنا ارتكبت كل معصية دائما كل يوم وتبت ربي يغفرلي أنا لا أبلغ هذا السن أني لا أفعل المصعية بالعمد قد نسيت وأخطأت

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً