مع القرآن - الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ
ثلاثة أمر الله تعالى كل مؤمن باجتنابها حفاظًا على عقله وماله وعقيدته، أي حفاظًا على قوام دينه ودنياه. فهل وعت أمة الإسلام؟ وهل طبقت المجتمعات؟!
الخمر مفسدة للعقل، والميسر مفسد للاقتصاد، والأزلام (الأصنام) مفسدة للعقيدة تذهب بدين الرجل.
ثلاثة أمر الله تعالى كل مؤمن باجتنابها حفاظًا على عقله وماله وعقيدته، أي حفاظًا على قوام دينه ودنياه.
فهل وعت أمة الإسلام؟ وهل طبقت المجتمعات؟!
الخمور تباع في ديار المسلمين تحت رعاية الدول وتحت غطاء القوانين.
الميسر واللعب بالمال والاقتصاد حدث ولا حرج عن انتشاره، حتى كاد الناس يتنفسون الربا.
الأزلام والأنصاب منتشرة في ديار المسلمين، متمثلة في قبور الأولياء التي تعبد من دون الله ويطلب منها ما يطلب من الله ويستغاث بها ويفر مريدوها إليها من دون الله.
هذا بجانب الأوثان العصرية المتمثلة في المناهج المضادة للإسلام كالماركسية والعلمانية وغيرها.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:90-91].
قال السعدي في تفسيره:
"يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة، ويخبر أنها من عمل الشيطان، وأنها رجس. {فَاجْتَنِبُوهُ} أي: اتركوه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله، خصوصًا هذه الفواحش المذكورة، وهي: الخمر وهي: كل ما خامر العقل أي: غطاه بسكره. والميسر، وهو: جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين، كالمراهنة ونحوها. والأنصاب التي هي: الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من دون الله. والأزلام التي يستقسمون بها. فهذه الأربعة نهى الله عنها وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها. فمنها: أنها رجس، أي: خبث، نجس معنى، وإن لم تكن نجسة حسًا.
والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها. ومنها: أنها من عمل الشيطان، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان.
ومن المعلوم أن العدو يحذر منه، وتحذر مصايده وأعماله، خصوصًا الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه، فإنها فيها هلاكه، فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين، والحذر منها، والخوف من الوقوع فيها.
ومنها: أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو: الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوقة له.
ومنها: أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها -خصوصًا الخمر والميسر- ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء.
فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصًا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى القتل. وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء.
ومنها: أن هذه الأشياء تصد القلب، ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة، اللذين خلق لهما العبد، وبهما سعادته، فالخمر والميسر، يصدانه عن ذلك أعظم صد، ويشتغل قلبه، ويذهل لبه في الاشتغال بهما، حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو.
فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها، وتجعله من أهل الخبث، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه، فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها، وتحول بين العبد وبين فلاحه، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة؟ فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها؟ ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها، عرضًا بقوله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} لأن العاقل -إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد- انزجر عنها وكفت نفسه، ولم يحتج إلى وعظ كثير ولا زجر بليغ".
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.