مع القرآن - "وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ"
الرسالة وأهلُها دائمًا بنفس الصفات عبر التاريخ إما يَدَعون جنون الرسل والدعاة أو يصفونهم بالسحر أو الضَعف والقلة حتى وصفوهم بالإفساد في كثيرٍ من الحالات التي يظهر فيها فرعون (وكل فرعون) بزي الصلاح وموسى (وكل موسى) يُوصَف بالإفساد ...حلقاتٌ متكررةٌ ونهايتها معلومةٌ ومآلاتها كُلها في موقفٍ واحد بين يدي الملك الجبار سبحانه .
لا أتعجب من إعراض واستكبار الرافضين للشريعة والرسالات عبر التاريخ وآخرهم أهل عصرنا بقدر تعجبي من حلم الملك الذي خضعت لعظمته الرقاب على إجرامهم الذي وصفه سبحانه في غيرما موضع من القرآن بمثل قوله {وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} [يونس جزء من الآية: 75]
حلقات تكرارية من حلم الله و صبر الرسل والدعاة على عناد واستكبار المجرمين وبُعدهم عن تطبيق رسالات السماء و حربهم إياها و نفاق بعضهم بادعائهم الخضوع وهم أبعد ما يكونوا عن هذا الإدعاء وكأنهم نَسَوا أو تناسوا أن الله يعلم سرهم، و الأدهى أنهم يوصمون ويصفون.
الرسالة وأهلُها دائمًا بنفس الصفات عبر التاريخ إما يَدَعون جنون الرسل والدعاة أو يصفونهم بالسحر أو الضَعف والقلة حتى وصفوهم بالإفساد في كثيرٍ من الحالات التي يظهر فيها فرعون (وكل فرعون) بزي الصلاح وموسى (وكل موسى) يُوصَف بالإفساد ...حلقاتٌ متكررةٌ ونهايتها معلومةٌ ومآلاتها كُلها في موقفٍ واحد بين يدي الملك الجبار سبحانه .
تأمل تلك الدائرة القديمة من دوائر العناد:
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِين} [يونس: 75]
قال السعدي في تفسيره: أي: {ثُمَّ بَعَثْنَا} من بعد هؤلاء الرسل، الذين أرسلهم الله إلى القوم المكذبين المهلكين.
{مُّوسَىٰ} بن عمران، كليم الرّحمن، أحد أولي العزم من المرسلين، وأحد الكبار المُقتدى بهم، المُنزل عليهم الشرائع المعظمة الواسعة.
{وَ} جعلنا معه أخاه {هَارُونَ} وزيرًا بعثناهما {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أي: كبار دولته ورؤسائهم، لأن عامتهم، تبع للرؤساء.
{بِآيَاتِنَا} الدالة على صدق ما جاءا به من توحيد الله، والنهي عن عبادة ما سوى الله تعالى، {فَاسْتَكْبَرُوا} عنها ظلمًا وعلوًا، بعد ما استيقنوها.
{وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} أي: وصفهم الإجرام والتكذيب.
{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ * قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ}
{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} الذي هو أكبر أنواع الحق وأعظمها، وهو من عند الله الذي خضعت لعظمته الرقاب، وهو رب العالمين، المربي جميع خلقه بالنعم.
فلما جاءهم الحق من عند الله على يد موسى، ردوه فلم يقبلوه، و {قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} لم يكفهم قبحهم الله إعراضهم ولا ردهم إياه، حتى جعلوه أبطل الباطل، وهو السحر: الذي حقيقته التمويه، بل جعلوه سحرًا مبينًا، ظاهرًا، وهو الحق المبين. ولهذا {قَالَ} لهم {مُوسَى} - موبخًا لهم عن ردهم الحق، الذي لا يرده إلا أظلم الناس: {أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ} أي: أتقولون إنه سحرٌ مبين.
{أَسِحْرٌ هَذَا} أي: فانظروا وصفه وما اشتمل عليه، فبمجرد ذلك يجزم بأنه الحق. { وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} لا في الدنيا، ولا في الآخرة، فانظروا لمن تكون له العاقبة، ولمن له الفلاح، وعلى يديه النجاح. وقد علموا بعد ذلك وظهر لكل أحدٍ أن موسى عليه السلام هو الذي أفلح، وفاز بظفر الدنيا والآخرة.
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: