أهمية الفتوى في المجتمع

منذ 2017-10-25

يتكرَّر الوعيد مشددًا على المفتينأن لا يحرِّفوا العلم الذي ورثوه، وأن لا يكتموه، وأن يتقوا الله في الناس، وأن يجتهدوا في إرشادهم ودلالتهم للحق، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَل اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 174].

إن الفتوى هي حكم يصدره المفتي، يصبح منهجًا ينتهجه المقلدون، وسلوكًا يسلكه السائرون، طاعة لأمر الحكيم الخبير في قوله المبين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُول َوَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الذين بسببهم يهتدي الناس للحق والنور إذا ادلهمَّت الخطوب، وتنازعتهم الأهواء، وتفرَّقت بهم السُّبُل، فما أعظمَ أمانتَهُم، وما أخطرَ تأثيرَهُم!

ولهذا يتكرَّر الوعيد مشددًا على المفتينأن لا يحرِّفوا العلم الذي ورثوه، وأن لا يكتموه، وأن يتقوا الله في الناس، وأن يجتهدوا في إرشادهم ودلالتهم للحق، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَل اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 174]. وهذه الآية وإن كانت خاصةً في علماء بني إسرائيل، إلا أن العبرة بعموم اللفظ، وهو يشمل كل من كتم ما شرعه الله أو حرَّفه وزوَّره، فإن أعظمَ ما يجبُ حفْظُه وبيانُه وحمايتُه هو دِينُ الله وكتابُه الخاتمُ الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لن يقبلَ الله من أحدٍ دِينًا سواه، وحماية الدين من أولى الواجبات، بل هي أهم الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها، والضروريات كما عرفها الإمام الشاطبي رحمه الله هي: "ما لا بدَّ منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تـجرِ مصالحُ الدنياعلى استقامة، بل فساد وتهارج... والخسران المبين".

وهذه الضروريات خمس، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، وأعظمها شأنًا والتي من أجلها خلق الله الخلق حفظ الدين.

ولما كان حفظ الدين أهمَّ مقاصد الشريعة، فلا يمكن أن تترك الشريعةهذاالمقصد عُرضةً للضياع أو التحريف، ففي ضياعه ضياع للمقاصد الأخــــرى، وخراب لنظام الحياة بأسره.

ولا بد أن يقيم الله أُناسًا تقوم بهم الحجة خلفًا عن الرسل، وهم كثيرون ولله الحمد،فينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

ولقد كان علماء الأمة وأئمـتها على هذا القدر من المسؤولية والتقوى للـه تعالى عبر العصور والأزمنة، حتى حفظ الله تعالى بهم دينه، فوصل إلينا خالصًا من كل شائبة.

فهذا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يسجن أربعة عشر عامًا ويعذب، حتى توالى على سجنه وتعذيبه ثلاثة خلفاء من خلفاء بني العباس! يطلبون منه فتوى لا يرى أنها صحيحة، ويدعوه خوفه من ربه وتعظيمه لأمانة العلم أن يصبر، فيحسم القضية من بدايتها؛ لأن كل فتوى تصدر منه سيكون لها بالغ الأثر في هداية الناس أو ضلالهم،والعياذ بالله، لأنه إمام يقتدي به الناس ويعملون بقوله.

ولما جاءه تلميذه المروذي وهو معلَّق للتعذيب، قال: يا أستاذ، قال الله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]، فقال الإمام أحمد: يا مروذي، اخرج وانظر، فخرج ونظر إلى رحبة دار الخلافة، فرأى خلقًا لا يحصيهم إلا الله، والصحف في أيديهم، والأقلام والـمحابر، فقال لهم المروذي: ماذا تعملون؟

قالوا: ننظر ما يقول أحمد؟ فنكتبه، فدخل فأخبره، فقال: يا مروذي، أُضِلُّ هؤلاء كلهم؟!!.

ومات الإمام أحمد، ومات معذبوه، ومات أهل الفتن والأهواء، وبقيت فتاواه والعلم الذي جاهد من أجله راسخًا في قلوب المسلمين، وظلَّدين الله محفوظَ الجناب من الزيغ والضلال، فلله الحمد من قبلُ ومن بعدُ.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينـتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء،حتى إذا لم يترك عالمـًا، اتخذ الناس رؤوسًاجهَّالًا، فسُئلوا، فأَفْتَوْا بغيرِ علم، فضَلُّوا وأَضلُّوا» (رواه الإمام مسلم).

إعداد: الشيخ عبد اللطيف دريان

مفتي الجمهورية اللبنانية

  • 2
  • 1
  • 12,351

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً