لِنَحْيا الشريعة... حاكمين بها ومتحاكمين إليها (المقال السابع)

منذ 2018-05-15

هل استطاع أهل العلم والدعوة على مدى عقود ماكان يعرف بالصحوة..أن يؤصلوا ثم يفصلوا ثم يوصلوا هذه الرسالة البدهية إلى عموم وعوام الأمة الإسلامية..؟!.. أشك في ذلك.

فمن أشنع الأخطاء الشائعة..صرف آيات الحُكم والتحاكم كلها إلى الحُكام دون المحكومين...وإلى الرعاة دون الرعايا، أوالحكومات دون الشعوب، مع ان التحاكم للشرع يعني الرضا والقبول القلبي بما أنزل الله، مع عدم القبول بحكم غيره اذا تعارض مع حكمه. وهذا الأمر - بداهةً - يتوجه لكل مكلف، لأنه حقيقة الرضا بالله ربًا وبالإسلام دينًا، و بمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولًا. والحُكم العملي والفعلي بما أنزل الله؛ يتفرع عن التحاكم القلبي إلى ذلك الشرع المنزل.. فالحكم لايكون إلا عن تحاكم،.فمن تحاكم إلى شريعة الله حكم بها، ومن تحاكم إلى غيرها من شرائع الهوى أو التشريعات المنسوخة أو الوضعية؛ انساق وراءها وانشرح صدره لها، ولهذا نفى الله الإيمان عمن تحاكم بقلبه ورضي بغير الشريعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء/ 65)

 

وإذا كان الحكم بالشريعة والتحاكم إليها غير محصور ولا مقصور على الساسة والحكام والقضاة؛ فإن مساحة الخطاب بذلك تتسع باتساع رقعة أفراد وجماعات الأمة، إلا ماكان من الأحكام خاصا بالولاة والحكام، كإقامة الحدود وجباية الزكاة و إعلان الحرب والنفير العام ونحو ذلك، وما أحسن قول الإمام القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل): حيث قال: " هذا خطاب للولاة والأمراء والحكام، ويدخل في ذلك بالمعنى جميع الخلق، كما ذكرنا في أداء الأمانات. قال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا). وقال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهله وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة عنه، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).

 

ثم قال الإمام القرطبي: " فجعل في هذه الأحاديث الصحيحة كل هؤلاء رعاةً وحكامًا على مراتبهم، وكذلك العالِم الحاكم؛ لأنه إذا أفتى؛ حكم وقضى وفصل بين الحلال والحرام، والفرض والندب، والصحة والفساد، فجميع ذلك أمانة تؤدى وحُكم يُقضَى " انتهى كلامه.

 

والسؤال هنا.. هل استطاع أهل العلم والدعوة على مدى عقود ماكان يعرف بالصحوة..أن يؤصلوا ثم يفصلوا ثم يوصلوا هذه الرسالة البدهية إلى عموم وعوام الأمة الإسلامية..؟!.. أشك في ذلك.. وإلا لما وصلت الغالبية من المحسوبين على الخاصة والمتعلمين - فضلا عن العامة والأميين - إلى هذه الحالة من قصور الفهم وضمور الشعور وبلادة الحس، كلما جد الكلام عن قضية الشريعة وتصديرها والحياة بها،، باعتبارها تعني العبودية كلها..وتحوي الديانة بأسرها..

  • 3
  • 0
  • 5,098

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً