مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون
{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ } [ فصلت 19 – 24]
{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} :
محشر الكفار و المجرمين والطغاة أعداء الله وأعداء أوليائه من أصعب المشاهد القرآنية , كما أنها من أشفى المشاهد لصدور المظلومين المضطهدين.
يوم يساقون إلى النار سوقاً عنيفاً , حتى إذا ما وردوها يدأت شهادة أعضائهم عليهم , تلك الأعضاء التي بارزوا الله بالمحاربة من أجلها , واتبعوا الشهوات إرضاء لها , هاهي تشهد عليهم و تنطق بأفعالهم.
لم يستتروا من الله و لم يقع في حسبانهم يوم تشهد عليهم حتى جلودهم , غلب على ظنهم في الدنيا أن الله لا يعلم أفعالهم ولا يحصيها عليهم و هم غافلون على أن أقرب أدوات التسجيل كامنة بداخلهم لا تفترق عنهم.
فهاهي النار التي لا ينفع معها صبراً ولا جلداً و ها هو العذاب الذي لا مفر منه ولا عتاب.
{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ } [ فصلت 19 – 24]
قال تعالى:
يخبر تعالى عن أعدائه، الذين بارزوه بالكفر به وبآياته، وتكذيب رسله ومعاداتهم ومحاربتهم، وحالهم الشنيعة حين يحشرون، أي: يجمعون. { {إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} } [أي]: يرد أولهم على آخرهم، ويتبع آخرهم أولهم، ويساقون إليها سوقا عنيفًا، لا يستطيعون امتناعًا، ولا ينصرون أنفسهم، ولا هم ينصرون.
{ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا } أي: حتى إذا وردوا على النار، وأرادوا الإنكار، أو أنكروا ما عملوه من المعاصي، { {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ } } عموم بعد خصوص. [ { {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} } ] أي: شهد عليهم كل عضو من أعضائهم، فكل عضو يقول: أنا فعلت كذا وكذا، يوم كذا وكذا. وخص هذه الأعضاء الثلاثة، لأن أكثر الذنوب، إنما تقع بها، أو بسببها.
فإذا شهدت عليهم عاتبوها، { {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ } } هذا دليل عل أن الشهادة تقع من كل عضو كما ذكرنا: { {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا } } ونحن ندافع عنكن؟ { {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } } فليس في إمكاننا، الامتناع عن الشهادة حين أنطقنا الذي لا يستعصي عن مشيئته أحد.
{ {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } } فكما خلقكم بذواتكم، وأجسامكم، خلق أيضا صفاتكم، ومن ذلك، الإنطاق. { {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } } في الآخرة، فيجزيكم بما عملتم، ويحتمل أن المراد بذلك، الاستدلال على البعث بالخلق الأول، كما هو طريقة القرآن.
{ {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} } أي: وما كنتم تختفون عن شهادة أعضائكم عليكم، ولا تحاذرون من ذلك. { { وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ }} بإقدامكم على المعاصي { {أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ } } فلذلك صدر منكم ما صدر، وهذا الظن، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال: { {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ} } الظن السيئ، حيث ظننتم به، ما لا يليق بجلاله. { {أَرْدَاكُمْ} } أي: أهلككم { {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} } لأنفسهم وأهليهم وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم، فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء، ووجب عليكم الخلود الدائم، في العذاب، الذي لا يفتر عنهم ساعة:
{ { فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} } فلا جَلَدَ عليها، ولا صبر، وكل حالة قُدِّر إمكان الصبر عليها، فالنار لا يمكن الصبر عليها، وكيف الصبر على نار، قد اشتد حرها، وزادت على نار الدنيا، بسبعين ضعفًا، وعظم غليان حميمها، وزاد نتن صديدها، وتضاعف برد زمهريرها وعظمت سلاسلها وأغلالها، وكبرت مقامعها، وغلظ خُزَّانها، وزال ما في قلوبهم من رحمتهم، وختام ذلك سخط الجبار، وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون: { {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} }
{ {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا } } أي: يطلبوا أن يزال عنهم العتب، ويرجعوا إلى الدنيا، ليستأنفوا العمل. { فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ } لأنه ذهب وقته، وعمروا، ما يعمر فيه من تذكر وجاءهم النذير وانقطعت حجتهم، مع أن استعتابهم، كذب منهم { {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} }
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: