أمعقول أن يُقيم الإسلام الدنيا في مواجهة حلوى وشُجيرة لا قرار لها؟ !

منذ 2022-02-05

أمن المنطق في شيء أن يتصدى الإسلام في خصومة طافحة لاحتفال بمناجاة عزيزة، ومُسارة ودود، يهفو لها وجدان الولدان، وتأنس لها طبائع الإنسان؟

محمد بوقنطار

أمعقول أن يتحوّل الإسلام في مواجهة احتفاء نودع به سنة مرّت بعجرها وبجرها إلى سوط لاذع يلهب الوجدان ويلذغ المشاعر؟
أمن المنطق في شيء أن يتصدى الإسلام في خصومة طافحة لاحتفال بمناجاة عزيزة، ومُسارة ودود، يهفو لها وجدان الولدان، وتأنس لها طبائع الإنسان؟
أمن الفضل في شيء أن يقيم الإسلام الدنيا ولا يقعدها في مواجهة حلوى تتوسطها شمعة في ليلة ظلماء نودع مع تجاوز عقارب الساعة منتصفها سنة ونستقبل أخرى؟
وهل كان من العدل في شيء أن تترادف كل هذه السجالات والمعارك الفكرية والمناورات العقدية ضد طقس بارد يقيمه الناس بين الجدران أو وسط الساحات أو داخل الحانات... احتفالا برأس سنة عُلِّقت في جيد هلالها الميلادي ذكرى مولد الذي كلّم الناس في المهد وكهلا حسب ما تنص عليه العقيدة الإسلامية؟
يحكي أحد الصحاب في حنق وغضب مستدركا في عفوية: "يشهد الله أنني أشتري هذه الحلوى وما يحيط بها من عواصر ومشروبات غازية بعيدا عن أي طائلة شبهة قد تُحيل سلوكي على خارم من خوارم "الثالث ثلاثة" أو "الثلاثة في حكم الواحد"، فَلِمَ رفع العقيرة ضد اختيار فزعت فيه إلى إدخال البهجة والسرور على زوجي وأبنائي ليس إلا، أيكون الإسلام ضد غايتي، محجرا على فرحتي، لوّاما لاحتفالي بمعية أبنائي داخل بيتي بكل هذه الجفوة والقساوة؟" انتهى كلام الصاحب
أمعقول أن يكون المنقول عن سيد الخلق وهو الذي مات ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير، تحذيره ومُعاداته وتحريمه وامتناعه ومنعه مشاركة المسيحيين احتفالهم برأس سنتهم الميلادية؟
نعم إن جانبا مهما من سيرة سيد الخلق يشير ويحكي في غير ريب أو جَرَم أنه صلى الله عليه وسلم أبدى في معاملته للقوم تسامحا كبيرا كما أباح في مرونة مذهلة استعمال المنسوج والماعون والسلاح المصنوع من طرف من كانوا يخالطون مجتمعه الفاضل في مغلوبية ويد صاغرة من الكفار، بل تحكي كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم لم يغيِّر ولا نسخ العديد من الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة زمن الجاهلية الأولى...
فإذا كان هذا صحيحا فلماذا يا ترى نجده عليه الصلاة والسلام قد كان حريصا على التقعيد لمباينة ومفاصلة بيننا وبينهم على مستوى الأعياد، عكس ما أبداه من تجوّز  وتجاوز في بعض الترتيبات الاجتماعية ذات الأصل والمحضن الجاهلي أو الكُفري؟ !
تتظافر الوقائع والقرائن التاريخية من سيرة سيد الخلق أنه عليه الصلاة والسلام كان حريصا كل الحرص على أن يستأثر المسلمون في كفاية واكتفاء بأعيادهم، كما حرص صلى الله عليه وسلم على أن تكون لهذه الأعياد خصوصيتها الزمانية والمكانية، ينبه على هذا الحرص إطلاقه صلى الله عليه وسلم غير ما مرة لشعار التميّز العيدي في ظل الإسلام وهو يقول ذات مرة: "إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا" ويقول رابطا ومقيِّدا للعيد بهويتنا وأهليتنا الإسلامية: "إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهلَ الإسلام، وهي أيام أكل وشرب"
وانظر إليه عليه الصلاة والسلام وهو يتحرى مع صاحب النذر في احتراز دقيق المراجعة شديد النخل، وقد ذَيّل أسئلته عليه الصلاة والسلام قبل أن يُجوِّز له الوفاء بنذره وهو نحره إبلا في موضع بالحجاز يُقال له "بوانة" باستفسار أخير مفاده: (هل كان فيها ـ أي بوانة ـ عيد من أعيادهم؟ فقال الرجل: لا، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: أوف بنذرك)
ولعل هذا الحرص التأسيسي التقعيدي هو الذي ظهر وتجلى بوضوح ودقة بالغة في فقه الصحابة معه ومن بعده عليه الصلاة والسلام، فقد أسّسوا وبنوا عُرى فقههم رضي الله عنهم أجمعين على الاستبراء لدينهم بل على تكريس افتراق ومجافاة واضحة بيِّنة في موضوع العيد بين المسلمين وغير المسلمين، فقد روى البيهقي في "السنن الكبرى" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر الأمة قائلا: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم".
بل نجد أن هذا الحرص النبوي هو  نفسه قد شكّل المدافعة التي جعلت كلمة تبدو للوهلة الأولى منها بوادر التأسيس للقطيعة مع الرمز المناسباتي الدخيل، تُرفع بكل لطف في وجه هذا المألوف الجاهلي، نعم تلك الكلمة النبوية التي أشّر بها سيد الخلق عليه الصلاة والسلام لأصحابه وقد وجدهم يحتفلون بيومين كانوا كما أفادوا يخصونهما باللعب زمن الجاهلية فيقول عليه الصلاة والسلام مبشرا قومه كما روى أنس رضي الله عنه: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر"، وانظر كيف نسفت هذه البشرى النبوية الأدنى بالذي هو خير، حيث لم يبق لهذين اليومين أثر ولا عين في اللاحق من تاريخ الأمة الإسلامية وإلى يوم الناس هذا.
كما نجد جملة من علماء التفسير بالمأثور من كبار التابعين ومعهم الصحابي الجليل ابن عباس قد فهموا من قوله تعالى: "والذين لا يشهدون الزور" أن الزور في هذه الآية الكريمة يدخل بل تُعد من صميمه "أعياد الكفار"، حيث نجدهم قد اعتبروا بل وضعوا رحمهم الله شهود ومشاركة المسلم لغير المسلم أعياده من باب وبمثابة شهادة زور.
ولا شك أن المتتبع لما أفرده النص النبوي وخصّ به قضية حِرمة مشاركة الآخر أعياده وطقوسه، لتُسَاقُ شهيته إلى مسترغب الوقوف على ما وراء هذا الحرص الشديد منه صلى الله عليه وسلم والتزامه الصادق في أن ينأى بالشخصية المسلمة ويَشِطَّ بها بعيدا عن هذا النوع من المقاسمة والمشاركة، وهو الذي أبدى في نفس الوقت مرونة ومساكنة مع بعض المظاهر الاجتماعية والتجارية ذات الإرث والهوية العربية واليهودية والفارسية زمن الجاهلية الأولى أو زمن ما قبل الإسلام والنبوة.
وفي هذا المقام يُجيبنا شيخ الإسلام بلغة فقهية بلغ مضمونها نصاب الإقناع والإمتاع من كتابه الماتع (اقتضاء الصراط المستقيم) قائلا رحمه الله: "وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه: أحدها: أن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج والمناسك التي قال الله:(لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص  ما تتميّز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره..."
فالعيد من هذه الجهة إذاً له اعتباره الشرعي، فهو عيد ديني لا مناسبة اجتماعية، إذ هو شعيرة دينية لا يمكن فِكاكها عن سياقها التعبدي الشعائري مهما حاول المحاولون، أو زعم الزاعمون، ومن ثم جاء هذا الحرص منه عليه الصلاة والسلام مُكرسا مفهوم الخصوصية العيدية بملمح تسوده فكرة الافتراق بكامل الوضوح ومعهود النصيحة النبوية المعتنية كل الاعتناء بالشأن الإيماني والوجداني للأمة متمثلة في الصحابة معه عليه الصلاة والسلام ومَنْ بعده مِنَ التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
فحتى الذين يحاولون الهروب من هذه المسلمة تحت طائلة الزعم بأنهم لا يقيمون منسكا أو شعيرة يضارعون فيها الغرب، وإنما هو احتفال مجردٌ عن هذه التهمة الثقيلة الشبهة، بعيدٌ بريءٌ من المزايدات، فهو لا يعدو أن يكون طقسا احتفاليا القصد منه إدخال البهجة والحبور على الأسرة والأبناء، كما الإشباع البطني الذي تترأس عمادة مائدته الحلوى والشموع والمشروبات الغازية على غير العادة والمعهود...
فحتى هؤلاء قلت لا يستطيعون أن ينكروا أنهم واقعون تحت سلطة وسطوة الثقافة الاجتماعية التي يطبعها العرف الشعائري للغالب، وهذا الولع منهم كمغلوبين أو منتمين لحضارة مغلوبة تعيش الانهزامية على شتى الأصعدة نجده قد ساهم في تغوّل تلك السلطة والسطوة فلا يستطيع أن ينكرها المتلبس بدثارها، إذ ثمة سؤال أود أن أرمي به في حضن الرافعين من عقيرة الشكوى ضد الإسلام في هذا الصدد والخصوص، وهو سؤال يحيل على عمق المشكلة التي يعيشها هؤلاء المتمسكون بحلواهم، الجالسون في ظل شجيرتهم المقتناة "شجيرة الكريسميس"، كما يبيّن إلى أي حد أو دَرَك قد وصل انغماسهم وخضوع نواصيهم لسلطة الغالب وانبهارهم بمدنيته حد الإنابة والإخبات، وهو السؤال الذي مفاده: لماذا لم نر هؤلاء قد دأبوا على الاحتفال بأعياد ومناسبات شعائرية يقيمها الأفارقة هناك أو يُقيمها الأسيويون هنالك؟؟؟
بل تجدهم هم أنفسهم يغمطون ويستعرُّون من بعض الطقوس المحلية التي توارثتها عن ماضي الآباء والأجداد أجيال وشرائح تشكل طيفا ومكوّنا من مكوّنات النسيج الاجتماعي للمجتمع المحلي، بغض النظر عن صحة هذه الطقوس والممارسات أو مخالفتها للمعتقد الصحيح، أو للعُرف المواطئ للمروءة والوقار والأنفة الإنسانية...
نسأل الله العفو والمعافاة من هذه الهيمنة المستضعفة للنواصي والأفئدة آمين

محمد بوقنطار

محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.

  • 8
  • 1
  • 1,414

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً