أريد الزواج، ولا أحب أصحاب اللحى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا فتاةٌ في منتصف العشرينيَّات مِن عمري, جميلة ومتعلِّمة ومثقَّفة, ولكني إلى الآن لم أتزوَّجْ؛ والزواجُ مشكلةٌ كبيرةٌ تُؤرِّقني ليلًا ونهارًا, أريد الزواج لأعفَّ نفسي، وأغيِّر نمَط حياتي الممل, تعبتُ كثيرًا, ودعوتُ الله كثيرًا، وعلى أمل إن شاء الله أن يُجِيب دعوتي قريبًا، ولكني خائفة مِن ثلاثة أشياء، ربما تعوقني عن الزواج:
أولها: أنني كنتُ مِن قبلُ أسخرُ من الفتيات اللاتي يطلبن الزواج بإلحاحٍ، ويقدِّرن الزوج كثيرًا، فأصبحتُ مثلهنَّ الآن؛ فأخاف أن يكونَ ذلك ابتلاء مِن الله.
ثانيًا: أبي دائمًا يسخر مِن العوانس والمطلَّقات؛ رغم حُسن نيته، كان يقول: لولا أنهنَّ لم يقبلن برجالهن، لما تطلَّقن، ويشمت فيهنَّ، لا أدري لماذا؟!
أخاف أن يكونَ الله كتب عليَّ العنوسة؛ لأنني شمتُّ أنا وأبي، والآن قد تبتُ، وأصلي، وأتصدَّق، وأستغفر، وأدعو كثيرًا.
ثالثًا: عندما أدعو دائمًا أقول: رب ارزقني زوجًا صالحًا، فيتبادر إلى ذهني أنهُ ذو لحيةٍ، وأنا لا أريد زوجًا ذا لحيةٍ؛ أي: المتدين جدًّا؛ لأني لا أحبُّ منظره, أريده مُلتزمًا ومتدينًا، ولكن دون لحية وثوب قصير, ولكني لم أذكرْ في دعائي هذا؛ لأني أخجل كثيرًا من الله, وربي أعلم بما أريد، وبحولِه وقوتِه سيحقِّق لي ما أريد، هل عليَّ إثمٌ إن دعوتُ أن أرزقَ برجلٍ بدون لحية؟ هل سيُعاقبني ربي ويحرمني الزواج؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقك زوجًا صالحًا.
ولا يخفى عليكِ أيتها الأخت الكريمة أن الزواج رزقٌ له أَجَلٌ مسمى، لا يتقدم ولا يتأخر، يَسُوقُه الله تعالى إلى المرأة، وما كتبه الله لك مِن رزقٍ لم يَحِنْ أجلُه بعدُ، وفي هذا التأخير مِن الحِكَم والمصالح ما لا نُدركه؛ قال عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
الله قدَّر مقاديرَ الخلائق قبل أن يخلقَ السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ كما ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة"، وفي "سنن أبي داود" و"الترمذي" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول ما خلق القلم، فقال له: اكتبْ، قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكْتُب مقادير كل شيءٍ حتى تقومَ الساعة"، وفي حديث مسلم: "كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس"؛ فكل ما يعمله الإنسانُ وما يحدث له، فهو مقدَّر قبل ميلاده، سواء كان زواجًا أم غير ذلك.
والسبيل الأمثل لتيسير أمر الزواج وتعجيله؛ صدق اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء في أوقات الإجابة، مع تيقُّن الإجابة بما ورد مِن أدعية بشأن طلب العون والتوفيق، وتيسير العسير، وبما لم يردْ، مثل: "اللهم لا سهلَ إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن سهلًا إذا شئتَ" [رواه ابن حبان عن أنس]، و "يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تَكِلْني إلى نفسي طرفة عين".
والإكثار مِن الاستغفار؛ قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12]، وقال: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3].
لزوم الطاعة لله عز وجل وتجنُّب المعاصي.
اعتصمي بالله تعالى، وأكْثِري مِن ذِكْر الله وشكره، والتقرُّب إليه بطاعته ومَرْضاته، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، ولْتحذري مِن المعاصي والذنوب، فإنها التي تُعَسِّر على الإنسانِ في الحياة أمورَه، وتكون سببًا في مُعاناته.
أما ما كنتِ تقولينه ثم تبتِ منه وندمتِ؛ كما هو بادٍ في كلامك؛ فلا تُؤاخَذين به؛ لأنَّ التائب مِن الذنب كمَن لا ذنب له، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها.
أما كُرْهُ منظر الرجل الملتحي، أو صاحب الثوب القصير، فلها أسباب دينية وثقافية واجتماعية؛ فَقِفِي مع نفسك لتعلمي حقيقة الأمر، وهل سبب تلك الكراهية الحملات الإعلامية المنظمة والمُمَنْهَجَة مع الأسف في بعض بلداننا الإسلامية على المتديِّن؛ لتنفير الناس عن الدين في صورة هذا الملتحي، ولتجفيف منابع التدين كما يظنون؟ ولكنك نسيتِ أن هذه الحملات تسخر وتنفِّر أيضًا من الحجاب الإسلامي، فهل يقول عاقلٌ يريد العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظفر بذات الدين: إنه لا يحب أن تكون زوجته محجبة حجابًا صحيحًا، وليس حجابًا على الموضة؛ لأنه يكرهه، أو لا يحب ذلك المنظر الذي وصفه بعض الملاحدة بالخَيْمة!
ولا تنسي أن تلك الحملات هي امتدادٌ للهجمة الشرسة على الإسلام من الغرب الكافر! وكذلك قد يكون سبب تلك النفرة من مواقف شخصية مع بعض المتدينين، تصرَّفوا فيها بصورةٍ سلبية، فأصبح ذلك الهَدْي الظاهر الذي هو هَدْي الأنبياء مرتبطًا عندك بالموقف السلبي؛ فكلُّ إنسان أسير تجاربه الشخصية، أو راجع للتحسين والتقبيح بحكم العادات المخالفة للشرع، والحق أن المسلم يرى الحسن ما حسَّنه الشرع، والعقل السليم، والقبيح ما قبَّحاه.
وراجعي على شبكتنا حكم إطلاق اللحية في استشارة: "الكل يطلب مني حلق لحيتي!"؛ لتقهري هذا الشعور في قلبك، وتسدي باب فتنة الشيطان، وتزيينه للنفس ما يخالف الشريعة؛ فكاره جنس الملتحين في خطرٍ داهم!
وكيفما كان السببُ؛ فشأن المؤمن أن يحب ويرضى بما شرعه الله، وأن يجاهدَ نفسه على ذلك، ويسلم وينقاد انقيادًا مُطلقًا لأحكام الدين، ويتقبلها مُعتقدًا حسنها وصلاحها، فقد أمر بها الحكيم الخبيرُ، وقد قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، بل لا يتم إيمان العبد حتى يكون هواه تبعًا للشريعة، وقال تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، وقال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم: 29]، وقال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]؛ فلو جعلنا ما ذكرتِ من النفرة وعدم التقبُّل مِقياسًا لتقبل الأحكام وتركها، لأهملنا كثيرًا مِن أحكام الشرع، ولا يقول هذا مسلم، فتأمَّلي!
- التصنيف:
- المصدر: