كيف أتعفف عن الحرام؟
شاب متزوج وزوجته لا تلبي احتياجاته ويريد أن يتعفف عن الحرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب لدي رغبة دائمة في العلاقة الحميمة، وزوجتي لا تتفهَّم ذلك، حتى أصبحتُ أدمن الأفلام الجنسية والعادة السرية!
أعرف أني أرتكب حرامًا، ولكن لا أستطيع التحكُّم في غريزتي.
الحرام يُغلق أبواب الرزق، لذلك بحثتُ عن الزواج الثاني، ولكني سأفقد زوجتي بذلك.
حذفتُ الأفلامَ الإباحية مِن جهازي، لكن دون فائدة، وزوجتي الآن حامل وعند أهلِها، وتحتاج إلى رعايةٍ خاصةٍ فزادت المشكلة لديَّ.
فأشيروا عليَّ ماذا أفعل؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد أحسنتَ عندما حذفتَ الأفلام الإباحية مِن جهازك، فهذه الأفلامُ فضلاً عن كونها مُحرَّمة، وتدفع للرذيلة وتشيع الفاحشة، وتؤجِّج الشهوات، فهي في ذات الوقت ليستْ علاجًا لمشكلتك، بل قد تكون هي وإطلاق البصر والتمنِّي والاشتهاء الدائم سبب المشكلة.
سلْ نفسك سؤالاً محددًا: هل يَصِحُّ أو يليق مِن الإنسان الذي كرَّمه الله بجميع وجوه الإكرام، من العلمِ والعقل وإرسال الرسُل وإنزال الكتب، وأنعم عليه بالنِّعَم الظاهرة والباطنة، ويسَّر له الكونَ غاية التيسير، وخصَّه بالمناقب والفضائل التي ليستْ لغيره مِن أنواع المخلوقات - هل يليق بهذا المخلوق أن يمتلئَ قلبه وينشغل تفكيره بالشهوة النسائية وما يتعلق بها، بدلاً من الانصراف إلى ما ينفعك في دينك ودنياك؟
فاستَعِنْ باللهِ تعالى على تخفيفِ ثورة الشهوة، واصدُق اللجوءَ إليه بالتوبة الصادقة والعمل الصالح والضراعة والدعاء وتحيُّن أوقات الإجابة.
تجنَّب الاختلاء بنفسك، واتخذْ رفقة صالحةً، واشترك معهم في أعمال الخير ومجالس العلم وقراءة القرآن.
ابتعدْ عن كلِّ ما مِن شأنه أن يهيجَ شهوتك مِن النظر المحرَّم، سواء على مواقع الإنترنت أو المجلات الهابطة والمناظر الفاجرة الخليعة في التلفاز وأماكن الفتنة كالأسواق، فالنظرُ أصلُ عامة الحوادث التي تُصيب الإنسان، فالنظرةُ تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرةً، ثم تولد الفكرة شهوةً، ثم تولد الشهوة إرادةً، ثم تقوى فتصير عزيمةً جازمة، فيقع الفعلُ ولا بد، ما لم يمنعْ منه مانعٌ، وفي هذا قيل: الصبرُ على غضِّ البصر أيسرُ مِن الصبر على ألَم ما بعده؛ قاله ابن القيِّم في "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" (ص: 153).
ثم حذَّر من الخطرات، فقال: فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومَن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومَن استهان بالخطرات قادتْهُ قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردَّد على القلب حتى تصير منًى باطلة؛ قال تعالى: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
وأخسُّ الناس هِمَّةً وأوضعهم نفسًا مَن رَضِيَ من الحقائق بالأماني الكاذبة، واستَجْلَبَها لنفسه وتجلى بها، وهي لعمر الله رؤوس أموال المفلسين، ومتاجر البطالين، وهي قوتُ النفس الفارغة، التي قد قنعت من الوصل بزورة الخيال، ومن الحقائق بكواذب الآمال، وهي أضرُّ شيء على الإنسان، ويتولد منها العجزُ والكسلُ، وتولد التفريط والحسرة والندم، والمتمني لما فاتتْه مباشرة الحقيقة بجسمه حول صورتها في قلبه، وعانقها وضمها إليه، فقنع بوصال صورة وهمية خيالية صورها فكره،وذلك لا يجدي عليه شيئًا، وإنما مثله مثل الجائع والظمآن، يصور في وهْمِه صورة الطعام والشراب، وهو لا يأكل ولا ويشرب.
والسكونُ إلى ذلك واستجلابه يدلُّ على خسارة النفس ووضاعتها، وإنما شرَفُ النفس وزكاؤها، وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها، ولا يرضى أن يخطرها بباله، ويأنف لنفسه منها".
هذا، وإن كانتْ زوجتك حقًّا لا تعينك على تخفيف ثورة شهوتك الجنسية، وبلغت الشهوة مبلغها منك واستحكمتْ، فعلاجُك في الزواج الثاني لأن التعفُّف مِن أسمى مقاصد النكاح، وأنت على الرغم من أنك متزوج تشعُر بالحاجة، حتى يحصل لك فوائد النكاح التي أشار إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قوله: «يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّجْ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»، وكما قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]، فرُخصة التعدد تلبي واقع الفطرة وواقع الحياة، وتحميك من الجنوح لا قدر الله تحت ضغط الضرورات الفطرية والواقعية المتنوعة إلى الانحلال، فالتعدد ليس مطلوبًا لذاته، ولا مستحبًّا بلا مبرر من ضرورة، وإنما لحِكَمٍ جليلة؛ منها: تحقيق التعفف لبعض الرجال الذي لا تعفه امرأة واحدة.
فإن كنت ستفقد زوجتك بسبب الزواج الثاني كما تقول، فلا تُخْبِرْها به، وإذا لم يمكنك ذلك في الوقت الحاضر فعليك بكثرة الصوم، واستعففْ وتصبَّرْ وتحمَّلْ، كما أمر الله تعالى به في قوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33].
وفقك الله لكل خير، ووقاك شر نفسك.
- التصنيف:
- المصدر:
Ismail Mostafa bakr
منذ