كيف يتعبد الجن إذا كانوا مكلفين؟
من المعلوم أن الجن والإنس مكلفان، كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وكما في قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن الآيتان: 1-2].
فإذا كان الجن خلقوا قبل آدم، فكيف كانت عبادتهم قبل أولي العزم من الرسل؟
الذي نعلمه من الشرع أنهم مخاطبون بما خوطب به الإنس من الشرائع إلا ما استثني مما لا نعلمه، فلهم أشياء تخصهم لا نعلمها، والنبي صلى الله عليه وسلم سمع بهم وبلغهم أشياء عليه الصلاة والسلام فلا نعلم شيئاً يخصهم دوننا، فالأصل أنهم مكلفون بما كلف به الإنس من صلاة وغيرها إلا ما استثناه الشارع في حقهم مما لا نعلمه.
ما كلفوا به وخصهم الله به مما لا نعلمه، الله الذي يعلمه سبحانه وتعالى، وهو سائلهم عنه جل وعلا، أما ما كلفنا به جميعاً فهم مسؤولون عنه أيضاً، وقد أنزل الله سورة الرحمن وخاطبهم فيها جميعاً من الإنس فبعد كل آية يقول تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13].
فهم مسؤولون ومكلفون وموعودون بالجنة أو النار، مطيعهم في الجنة وعاصيهم في النار، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا . وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن الآيتان: 14-15]، وقال قبل ذلك: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} [الجن: 11]. فهم فيهم الصالحون، وفيهم المبتدعة، وفيهم الكفار، وفيهم الفساق كالإنس، فليس لنا أن نقول على الله بغير علم.
فالأصل أنهم مكلفون بما كلفنا به إلا ما استثناه الشارع فيما بينه وبينهم وأعلمهم به مما لا نطلع عليه، علمه إلى الله سبحانه وتعالى وعليهم أن يؤدوا ما أوجب الله عليهم، ومن قصر منهم فله حكم المقصرين من كفر أو عصيان، إن كان كفراً فكفر وإن كان عصياناً فعصيان، وهو أيضاً مجزيٌ بعمله يوم القيامة، كما دلت عليه سورة الرحمن وسورة الجن، والله سبحانه وتعالى أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: