خطبة جمعة بعنوان: البعث بعد الموت حق وأكثر الناس غافلون إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ...

خطبة جمعة بعنوان: البعث بعد الموت حق وأكثر الناس غافلون
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ كيف أنعم؟ وصاحب الصور قد التقم القرن, واستمع الإذن متى يأمر بالنفخ} فكأنما ثقل ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لهم: { قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل} –الحديث رواه الترمذي, هو في الصحيح الجامع-.
يقول عليه الصلاة والسلام:{ كيف أنعم؟...} أي كيف أنعم بالحياة؟ كيف أركن إلى الدنيا؟ وكيف تطيب لي الحياة؟وكيف ألتذ بالعيش وأسر به؟ {...وصاحب القرن...} الذي هو إسرافيل, مستعد, متهيء ينتظر أن يأمره الله بالنفخ في الصور, فينفخ. فكأن ذلك صعب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا له: كيف نقول يارسول الله؟ قال: {قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل} يعني التجأنا إلى الله, حسبنا الله ونعم الوكيل. فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد يذكر الناس بهذا الحديث, وأن موعد الساعة قد اقترب, ليستعدوا للقاء الله بالعمل الصالح, والنفخ في الصور نفختان: النفخة الأولى: نفخة الفزع والصعق, حيث يموت على إثر النفخة كل من يكون يومئذ حيا على الأرض, والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس, وشبه العلماء تقريبا للمعنى إلى الأذهان, الصيحة بصوت الرعد, القوي, الشديد, المفزع, أو برجل جهير –أي جهوري الصوت-, يصيح إلى جانب صبي صغير, فيفزع الصبي ويموت, هذا تقريب للمعنى, وإلا فالحقيقة لا يعلمها إلا الله, ثم يمكث الناس بعد النفخة الأولى أربعين عاما, أمواتا خاملين, ثم ينزل الله مطرا, فتنبت منه أجساد الناس, حتى إذا تكاملت الأجساد, حيي إسرافيل, فيأمره الله عز وجل بالنفخة الثانية, فتنطلق الأرواح إلى أجسادها, لا تخطئ روح الجسم الذي كانت فيه, فتحيى الأجساد بإذن ربها, ويقوم الناس قياما ينظرون, يقول الله عز وجل: [ما بعثكم ولا خلقكم إلا كنفس واحدة]. عشرات الملايير من البشر وأكثر, يبعثهم الله تعالى كأنهم نفس واحدة, [ما بعثكم ولا خلقكم إلا كنفس واحدة], وهذا محير للعقول, ولكن لا يستحيل على قدرة الله عز وجل, لا يستحيل على قدرة الله شيء. قال العلماء: الذين يغرقون في البحر, فتقتسم لحومهم الحيتان, ولا يبقى منهم شيء إلا العظام, فتلقيها الأمواج إلى الساحل, ثم تصير العظام بالية نخرة, ثم تمر بها الإبل فتأكلها, ثم تسير الإبل فتبعر, ثم يجيء قوم فينزلون فيأخذون ذلك البعر, فيوقدون به النار, ثم تخمد تلك النار, ثم تجيء الريح فتلقي ذلك الرماد يمينا وشمالا, ثم إذا نفخ إسرافيل نفخة البعث والنشور, خرج أولائك الذين تناثرت ذرات أجسادهم, وأهل القبور سواءا. إن ذلك يسير على الله عز وجل, فإنه يجمع ما تناثر من ذرات أجساد الناس, ويعيده كما كانت أول مرة, يعيد ما تفرق منها في البر, والبحر وفي بطون السباع, حتى تكون كهيأتها الأولى, حتى السقط الذي لم يكتمل نموه في بطن أمه وسقط, لكن نفخت فيه الروح, يبعث يوم القيامة, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: { والذي نفسي بيده, إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته}. –رواه بن ماجه, وهو في الصحيح الجامع-. إذا احتسبته معناه: إذا صبرت, إذا احتسبت الأجر عند الله عندما سقط, عندما فقدته احتسبت. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بحمزة, وهو قتيل يوم أحد, وقد جدع ومثل به, فقال: {لولا أن تجد صفية في نفسها –أخته صفية بنت عبد المطلب- يعني لولا أن تحزن- لتركته حتى تأكله العافية –يعني السباع- حتى يحشر من بطونها يوم القيامة} –والحديث في الصحيح الجامع, رواه أبو داوود في سننه-. يقول الله عز وجل: [ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن الأرض] هذه النفخة الأولى: كلهم يموتون من الفزع, [...إلا من شاء الله] قيل: هؤلاء هم الحور العين, والولدان في الجنة, لأنهم في الجنة هكذا قيل والله أعلم. [ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ]. إذا بعث الناس يوم الدين, تحسر المجرمون المكذبون, وصدموا بحقيقة البعث بعد الموت, كانوا يظنون ألا بعث, فإذا نفخ إسرافيل في الصور صدموا, يقول الله تعالى: [ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون] يعني من القبور الأجداث, [...إلى ربهم ينسلون] أي يسرعون, [قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا] فيجابون تجيبهم الملائكة والمؤمنون: [هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون] هذا ما كنتم به تكذبون يقول الشيخ السعدي رحمه الله في قوله تعالى [هذا ما وعد الرحمان] يقول: ولا تحسبن ذكر الرحمان في هذا الموضع لمجرد الخبر عن وعده, وإنما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم سيرى الناس من رحمته ما لا يخطر على عقولهم -إنتهى-. إن الإنسان قبل أن يكون بشرا سويا, لم يكن شيئا مذكورا, لقد كان كائنا لا يمكن أن تراه إلا بالمجهر, ثم نمى ذلك الكائن, وتلك النطفة, إلى أن صارت بقدرة الله بشرا سويا, له سمع وبصر, وعقل, إلى أن أصبح شابا قوي البنية, عندئذ تمرد على الله, تمرد على الذي خلقه من نطفة, [فإذا هو خصيم مبين] طغى وتجبر, ونسي صورته الأولى, نسي خلقته, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسق يوما في كفه, فوضع عليها أصبعه, قال:{ قال الله تعالى: بني آدم, أنى تعجزني., وقد خلقتك مثل هذه, حتى إذا سويتك وعدلتك, مشيت بين برديك, وللأرض منك وئيد –يمشي مشية الاستكبار- فجمعت ومنعت, حتى إذا بلغت التراقي, قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة} –رواه بن ماجه وهو في السلسلة الصحيحة-.
العاص بن وائل أحد المشركين الغلاظ, أخذ عظما من البطحاء بطحاء مكة, وجعل يفتته بيده, ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستهزءا ساخرا: أيحيي الله هذا بعدما أرم؟ بعدما بلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يميتك ثم يحييك, ثم يدخلك جهنم} ونزلت الآيات من سورة ياسين :[وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم[] قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم]. ربما أيها الناس ستذكرون هذه اللحظات, التي أحدثكم فيها عن البعث, والنشور, وأنتم تخرجون من قبوركم, حفاة عراة غرلا, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { يآيها الناس, إنكم تحشرون إلى الله, حفاة, عراة, غرلا, [كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين]} ثم قال: {ألا إن أول الناس يكسى يوم القيامة إبراهيم, ألا إنه يأتى برجال من أمتي, فيأخذ بهم ذات الشمال, فأقول: يا رب أصحابي, فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فأقول كما قال العبد الصالح: [وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد[] إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم] فيقال: إنهم لا يزالون مدبرين مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم} –رواه البخاري ومسلم-. فهنيئا لمن كسي في ذلك اليوم من ثياب الجنة, فإنه من لبسها فقد لبس جبة تقيه مكاره الحشر, وعرقه, وحر الشمس, وغير ذلك من أهوال يوم القيامة. وإبراهيم يكون أول من يكسى, إبراهيم يكون أول من يكسى من الخلق, لأن قومه لما أرادوا أن يلقوه في النار, جردوه من ثيابه, فصار عاريا, فجوزي بأن كان أول من يكسى, ثم يليه بعد ذلك محمد صلى الله عليه وسلم, وتكون الحلة التي يكساها لا يقوم لها البشرلينجبر ما حصل له من التأخير, استدل بهذا الحديث الشيعة الشنيعة عليهم من الله ما يستحقون, على أن الصحابة ارتدوا عن دينهم وحاشاهم من ذلك, والشيعة فجرة مفترون, كذبة, يقول الله تعالى: [محمد رسول الله والذن معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود], أبعد أن زكاهم الله من فوق سبع سماوات, يرتدون على أعقابهم, إن هذا لهو البهتان المبين, وإنما الذين ارتدوا هم الأعراب, الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا, ثم تولوا مدبرين, وحاربهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين,ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تجتمعون يوم القيامة, فيقال: أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيقومون, فيقال: ماذا عملتم؟ فيقولون: ربنا ابتليتنا فصبرنا, ووليت الأموال والسلطان غيرنا, فيقول الله جل وعلا: صدقتم. قال: فيدخلون الجنة قبل الناس,} قيل بخمسمئة سنة. وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال, والسلطان, قالوا: فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: توضع لهم كراسي من نور, ويضلل عليهم الغمام, يكون ذلك أقصر على المسلم من ساعة من نهار} –رواه الطبراني وهو حديث صحيح- يكون يوم القيامة وطوله خمسون ألف سنة, يكون على المؤمن أقصر من ساعة من نهار, ولذلك قال بن عباس وغيره في قوله تعالى: [أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا] قالوا: ما هي إلا ضحوة, ما هي إلا ساعات, ثم يقيل أولياء الله مع الحور العين على الأسرة, ويقيل المجرمون أعداء الله مع الشياطين المقرنين, ما هي إلا ضحوة, [أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا] يعني تقوم القيامة بعد الفجر, فما تمضي إلا ساعات, فإذا المؤمنون قائلون على الأسرة مع الحور العين, وإذا أعداء الله قائلون مع الشياطين القرنين.
أسال الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المرحومين, اللهم اجعلنا من عبادك المرحومين, اللهم اجعلنا من عبادك المرحومين, اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب لها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب لها من قول وعمل, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا, وانصرنا على القوم الكافرين, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.
أبو أنس الجزائري
...المزيد

خطبة جمعة بعنوان: الأمراض النفسية أسبابها وآثارها إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ ...

خطبة جمعة بعنوان: الأمراض النفسية أسبابها وآثارها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبد ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:
فإن الإنسان جسد وروح, وكل من جسده وروحه تعتريه أمراض وعلل, أما الأمراض التي تصيب الجسد فمحسوسة وتعالج لدى المختصين في المراكز الاستشفائية, وأما العلل التي تعتري الروح وتدعى بالأمراض النفسية, فهي في الغالب غير محسوسة, وإنما تعرف بآثارها, وربما كانت أشد خطورة من الأمراض الجسدية, لأنها قد تدمر حياة الإنسان, وتدفعه إلى قتل نفسه, ولقد كثرت الأمراض النفسية في عصرنا هذا بصورة واضحة, وليس أدل على ذلك من كثرة حالات الانتحار التي تحدث بين الفينة والأخرى, وهذا أخطر الآثار النفسية –أعني الانتحار-, أخطر الآثار النفسية لهذه المشكلة, ومن بين آثار هذه المشكلة: الوقوع في الجريمة, والفساد الأخلاقي, ومعاقرة الخمر, وتعاطي المخدرات, وحب العزلة, والانطواء على النفس, والنقمة على المجتمع, وتشتيت شمل الأسرة, وتفكيك الرابطة الزوجية, وكثرة الشكوك, وقلة الثقة بالناس, فقد يفقد المريض نفسيا ثقته في أقرب الناس إليه, ومن آثار هذه المشكلة: أن يصاب الإنسان بالوساوس المختلفة, بالوسواس في الطهارة, والوضوء, وبالوسواس في النية, وفي الصلاة, وفي الطلاق وغير ذلك, كل هذا مما ينشأ عن الأزمة النفسية, التي تتعب صاحبها, وتتعب من حوله من الأهل والأقارب والأصحاب, وهم يتعجبون من تصرفاته الغريبة, وقد لا يدركون الأسباب الحقيقية لهذه التصرفات, هذه أهم الآثار. وأما الأسباب فأخطرها: البعد عن الله, وضعف الوازع الديني, فإن الله توعد من أصر على معصيته وسلك طريق الغواية توعده بالحياة البائسة, وبأن يسلط عليه الهموم والغموم, [ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى [] قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا[] قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى] وأما من قويت صلته بالله, وأنس بذكره, وذاق طعم الإيمان, وقاه الله هذه الأزمات النفسية, وعاش منشرح الصدر, وكان أكثر طمأنينة من غيره, لأنه راض بما قسمه الله له, صابر على ما قدره عليه, يعلم أن في الصبر على ما يكره أجرا عظيما, [إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب]. فالبعد عن الله أخطر الأسباب التي توقع الإنسان في الأزمات النفسية, والأزمة النفسية قد تفضي بصاحبها على الإقدام على وضع نهاية لحياته, والمؤمن المستقيم على دين الله المتعلق بربه, في حفظ من ربه ووقاية [من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون] ولا ينبغي أن يتصور المسلم الحياة الطيبة المذكورة في الآية دائما أن معناها الرفاهية والترف, والمال, قد يعيش المؤمن على الكفاف, وهو اسعد من غيره ممن أعطي زهرة الحياة الدنيا, أليست العبرة براحة البال, وانشراح الصدر, [ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب] وقال الله تعالى: [الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون] ومن أنواع الأمن: الأمن النفسي, وراحة البال, فالمؤمن إذا تعرض في الحياة للمحن والشدائد فلن يفكر في قتل نفسه, لأنه يعتقد أن هذا لن يخلصه من محنته, وإنما ينقله إلى ما هو أشد, [ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما[] ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا] فالمؤمن إذا واجهته صعوبات في الحياة لجأ إلى الله, قال الله تعالى: [أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء] وقال سبحانه: [وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان] وقال سبحانه: [وقال ربكم ادعوني أستجب لكم] فالله يبتلي عبده بالمحن لأنه يحب أن يسمع صوت عبده وهو يتضرع إليه, يبتليه ليحط عنه خطاياه, ويرفع درجته في الجنة, يبتليه ليرفعه بهذا الابتلاء لمنزلة قد لا يبلغها بعمله, إن التفكير في قتل النفس يدل على أن الإنسان يظن أن الدنيا هي نهاية المطاف, وكأنه بقتل نفسه سيستريح من نصب الدنيا وعذابها, وهو في الواقع كمن يستجير من الرمضاء بالنار, تعرفون الرمضاء؟ هي شدة الحر, الإنسان الذي لا يتحمل شدة الحر فيقذف بنفسه في النار, هل هذا عاقل؟ هكذا هذا الذي يقدم على قتل نفسه, هذا تصور من لا يأمن بيوم الحساب, ولهذا تكثر حوادث الانتحار, في المجتمعات الغربيه, وتقل في المجتمعات الإسلامية. ومن أسباب الأزمات النفسية: ضعف التربية, وقد يكون ذلك بسبب موت أحد الأبوين أو كليهما, فينشأ عن ذلك انعدام التوجيه والإرشاد للولد, وقد يكون ذلك بسبب انفصال الوالدين, فيكون الطفل ضحية لذلك, ويتجرع مرارة فقدانه لحنان والديه, فيصاب بالعقد النفسية, وقد يعيش الولد بين أبويه لكنه محروم من التربية الصالحة الصحيحة, والعناية المطلوبة, بسبب قسوة المعاملة, فإن بعض الآباء يعاملون أبناءهم بغلضة وفظاظة, حتى ينفروا منهم, حتى ينفر الأبناء من آبائهم, ويبغضوهم, فالأصل في التعامل مع الأبناء, بل مع الناس جميعا الرفق, إلا إذا استدعى الأمر أن يكون الأب والأم في بعض الأحيان صارمين, فإن هذا مطلوب, فالمربي الحكيم مثل الشمس تلفح أجسادنا في الصيف, فنفر منها, ونحن إلى دفئها في الشتاء, ومن أسباب وقوع الولد في الأزمات النفسية: إنشغال الأب بتجارته ووظيفته, وانشغاله مع أصدقائه, بحيث لا يبالي بولده, ولا يتحسس مشكلاته, ولا يدري عن حاله, ولا من يصاحبهم شيئا, والكلام عن الذكور ينطبق تماما على الإناث, فلا يجد الولد قلبا حانيا يبوح له بهمومه, فينحرف ويصبح إنسانا غير سوي, في سلوكه وفي نظرته للناس وللحياة, بل قد يتحول إلى معول هدم في الأمة, ومن أسباب هذه المشكلة: ما يتعرض له بعض الناس على يد الظلمة, من عدوان فلا يجدون معينا من الناس ولا ناصرا, والمنبغي في هذه الحال الصبر والاحتساب, وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة, لأن هذا قد يزيد المشكلة تفاقما, قال الله تعالى: [خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين] وقال تعالى: [إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم] كأنه صديق حميم, إذا قابلت الإساءة بالإحسان, هذا قرآن, هذا وحي منزل من السماء, وهذا يتطلب مجاهدة عظيمة للنفس, ولذلك قال ربنا سبحانه: [وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم] لا يوفق إلى هذه الخصلة الحميدة إلا ذو قدر كبير من الأخلاق السامية الحسنة, فإن لم يأثر في المعتدي الإعراض ومقابلة الإساءة بالإحسان, لأن بعض المعتدين مثل الوحوش الكاسرة, فليلجأ المظلوم إلى من يجيب دعوة المضطر إذا دعاه, فليلجأ المظلوم إلى من يقول لدعوة المظلوم: { وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} فوالله لينصرنه الله ولو بعد حين, وفي الحديث الصحيح: {واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} ولا بأس بأن يلجأ إلى الجهات الوصية, ولا ينبغي أن يشعر بالهوان والذلة لأنه منصور إن عاجلا أو آجلا, وما أكثر ما ننسى أن الدنيا لا تصفوا لأحد, أرادها الله أن تكون مزيجا من الخير والشر, [ونبلوكم بالشر والخير فتنة] وقال الله تعالى: [ لقد خلقنا الإنسان في كبد] فابن آدم يكابد غمومها وهمومها, إلى أ يلقى ربه عز وجل, فلا بد أن يعود نفسه على تحمل الصعاب, فإن خيرة البشر أعني الأنبياء والصالحين لم يسلموا من البلاء, وفي الحديث الصحيح: { مرة الدنيا حلوة الآخرة } ومن أسباب الأزمات النفسية: أن ينظر الإنسان إلى من فضل عليه في الرزق, فيشعر بالحرمان والتعاسة, مع أن ما هو فيه من النعمة يتمناه الكثيرون ممن هم دونه, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: { أنظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم} فعلى الإنسان إذا أراد أن يعيش مطمئنا راضيا عن الله أن ينظر إلى من هو دونه, ليعرف قدر فضل الله عليه, فليست السعادة أن تملك أكثر مما يملكه الآخرون ولكن السعادة أن ترضى أكثر مما يرضى الآخرون, وأن تقنع أكثر مما يقنع الآخرون, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين, واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
أيها المسلمون ومن أسباب الأزمة النفسية: أن ينظر الإنسان إلى من حوله من زوجة وأقارب وأصدقاء نظرة خاطئة, يريد من الآخرين أن يكونوا كاملين في كل شيء, فإذا رأى منهم تقصيرا في حقه, أو عيبا تكدر وقلق, وربما أصبح في صراع مع محيطه, مع أسرته ومع أصدقائه , كأنه خلق مبرءا من كل عيب, وكأن مثله لم تلد النساء, وقد تكون هذه النظرة السيئة سببا في تنغيص حياته الزوجية, والأسرية, وسببا في تنغيص علاقته مع الآخرين, وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى التغاضي عن عيوب الآخرين, لا سيما إذا كانت عيوبهم أقل من محاسنهم, أرشدنا إلى التغافل عن العيوب لا سيما إذا كانت المحاسن أكثر من العيوب, ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم: {لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر} وهذا لا ينطبق على الزوجة فحسب, بل يشمل جميع من لك بهم صلة, فالقاعدة تشمل الجميع, فإذا رغبت في دوام الصحبة والإبقاء على المحبة, فانظر إلى الإيجابيات, وانظر إلى المحاسن, وتغاضى عن المساوئ والسلبيات, مع السعي الدائم في إصلاح نفسك وغيرك, والله تعالى أعلم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا, وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا, وانصرنا على القوم الكافرين, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا, وتوفنا مع الأبرار, اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.
أبو أنس الجزائري
...المزيد

خطبة جمعة بعنوان : ألا أدلكم على ما هو أخطر على الأمة من فيروس كورونا؟ الحمد لله, والصلاة والسلام ...

خطبة جمعة بعنوان : ألا أدلكم على ما هو أخطر على الأمة من فيروس كورونا؟
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه أما بعد:
فإن الكذب جريمة شنعاء, وخصلة ذميمة, قرنه الله لبشاعته بالشرك وعبادة الأوثان فقال: [ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور]. توعد أهله بالنار الحامية, قال النبي صلى الله عليه وسلم: { وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار, ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا} –متفق عليه-.إذا قيل لشخص: أنت كذاب, إستشاط غضبا, ولم ويرض أن ينعت بالكذب, فكيف تطيب نفسه بأن يكتب اسمه عند الله في قائمة الكذابين, بل كيف يرجوا أن يستجاب دعاءه وقد كتب عند رب العالمين كذابا. الكذب من خصال أهل النفاق, يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان, إذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر} –متفق عليه-, لقد أخبرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن مصير الكذبة في الحياة البرزخية بعد الموت مصير مخز مذل مهين, يقول عليه الصلاة والسلام: {إنه أتاني الليلة آتيان –يعني في المنام- وإنهما قالا لي: إنطلق, وإني انطلقت معهما, فأتيا على رجل مستلق لقفاه, وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد, وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه ويشرشر شقه إلى قفاه, ثم يتحول إلى الشق الثاني فيفعل به مثل ذلك, فإذا التأم الشق الأول عاد إليه ففعل به مثل ما فعل به أول مرة وهكذا يكون عذابه إلى يوم القيامة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله, ما هذا؟ قالا: هو الرجل يغدوا من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق –أي تنتشر في الناس انتشارا سريعا} –الحديث رواه البخاري-. الكاذب لا يؤتمن جانبه, ولا يوثق به في خبر ولا معاملة, وهو موضع احتقار لدى الناس, فكيف يحلوا للإنسان أن يتخذ الكذب مطية لقضاء حوائجه, بعض الكفار يعافون الكذب, ويشق عليهم التخلق به لبلوغ مآربهم لأنه ينافي الفطرة السليمة, هذا أبو سفيان قد ذهب إلى الشام قبل أن يسلم, ولما أتت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم هرقل ملك الروم, قال لمقربيه: أدعوا لي من ها هنا في الشام, أدعولي من ها هنا من العرب, فدعي إليه أبو سفيان, فسأله أسئلة عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, قال أبو سفيان: فوالله لولا الحياء أن يؤثروا علي كذبا لكذبت عليه, وكان صادقا في إجابته عن الأسئلة التي وجهت إليه حتى قال هرقل: إذا كان ما تقول حقا, فسيملك صاحبكم موضع قدمي هاتين} –رواه البخاري-. وكان الأمر كما قال, تأملوا كيف كان أهل الشرك يتنزهون عن الكذب ويستحيون من أن ينسب إليهم, فكيف يطيب للمسلم الكذب وقد أكرمه الله بالإسلام والسنة وأمره بالصدق وحرم عليه الكذب, وحذره منه تحذيرا شديدا, قال عمر: "لأن يضعني الصدق وقل ما يضع, أحب إلي من أن يرفعني الكذب وقل ما يفعل".
أيها المسلمون, إن فيروس الكذب لأخطر بكثير جدا من فيروس كورونا وغيره من الفيروسات, أتعجبون؟ فمن مات وهو مصاب بفيروس الكذب فأظنكم قد عرفتم مصيره من خلال ما تقدم من النصوص, ومن قدر الله أن يقتله فيروس كورونا من أهل الخير والصلاح فإن له عند الله للحسنى, ألا يستقيم أن تنظم حملات توعوية ودورات تحسيسية بشأن فيروس الكذب.
أيها المسلمون أخطر صور الكذب: الكذب على الله ورسوله, ومن ذلك تحليل الحرام وتحريم الحلال, والقول بأن هذا سنة, وهذا بدعة على غير بصيرة ومن غير بينة, يقول الله تعالى:[ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة] وقال الله تعالى: [ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار} –رواه البخاري ومسلم-, ومن أقبح صور الكذب ما يتوصل به إلى أكل اموال الناس بالباطل, قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من حلف على مال مسلم بغير علمه لقي الله وهو عليه غضبان, ثم قرأ قول الله تعالى: [إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم]} –رواه البخاري ومسلم-, قال بعض العلماء: ينبغي للقاضي إذا أراد أن يحلف أحد المتخاصمين أن يقرأ عليه هذه الآية العظيمة تحذيرا له من الفجور في الخصومة. ومن أبشع صور الكذب ما يقوله العرافون والكهان للجهلة السذج المغفلين, بحيث يخدعونهم بمعسول كلامهم الآثم, ويستولون على أموالهم بغير مشقة بلا كلفة في يسر وسهولة, ويشترك معهم الذين يقصدونهم, يشترك معهم هؤلاء الجهلة في الإثم لأنهم يروجون لبضاعتهم الفاسدة الخبيثة, وقد جاء في الحديث الصحيح: {من أتى عرافا أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم} –والحديث في الصحيح الجامع-. ومن صور الكذب أن يأتي إليك, أحد المخادعين الغادرين ويدعي كذبا وزورا أن زوجته في حالة مرضية حرجة, أو أن ولده على وشك إجراء عملية جراحية وليس عنده مال وليس عنده طعام, يذرفون دموع التماسيح, ويستدرون عواطف الطيبين [ألا ساء ما يعملون]. إن رحمة الضعفاء والإحسان إلى المحتاجين رفعة عند الله وعند الناس وأجر ومثوبة, لكن أهل الإحسان ينبغي ألا يجودوا بأموالهم إلا بعد التحري والإيقان وينبغي الا ينخدعوا بكلام الدجالين, ومن صور الكذب شهادة الزور, وذلك بأن يكذب الإنسان في شهادته أو يشهد بما لا يعلم, ويشتد التحريم إذا أخذ في مقابل ذلك دراهم معدودة, عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ألا أنبؤكم بأكبر الكبائر ثلاث مرات} قلنا: بلا يا رسول الله, قال: {الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وكان متكئا فجلس وجعل يقول: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت} إشفاقا عليه ورأفة به صلى الله عليه وسلم –رواه البخاري ومسلم-. ومن صور الكذب الكذب في الرؤيا, بأن يقول إنسان: رأيت في منامي كذا وكذا وهو لم ير شيئا, وخاصة إذا قال: رأيت في منامي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثني بكذا وكذا وقال لي كذا وكذا, هذا باطل وهذا خطر عظيم, فمن يفعل ذلك فهو على خطر عظيم, الكذب في الرؤيا كذب على الله, لأن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{من أفرى الفرى –يعني من أشد صور الكذب خطورة- أن يري الإنسان عينه ما لم تر}. ومما يتساهل فيه بعض الناس الكذب لإضحاك الآخرين وذلك بالطعن في أعراض الأبرياء والاستهزاء بهم والسخرية منهم, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم, ويل له ثم ويل له} –رواه أبو داوود والترمذي- ومما يتساهل فيه الناس الكذب على الصبيان بأن يعدهم آباؤهم وأمهاتهم خيرا ثم لا ينجزون لهم ما وعدوهم, فهم بذلك يغرسون في نفوسهم بذرة خبيثة, ويربونهم على الكذب منذ نعومة أظفارهم.
وإن علاج الكذب أن يلزم العبد الصدق في أقواله وأفعاله وأحواله وفي نواياه بأن يخلص لله العمل ليحظى بمقعد صدق عند مليك مقتدر, هذا الذي ينفع الناس يوم الدين, قال الله تعالى: [هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم] وقال الله تعالى: [يآيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين] يعني إن كنتم مؤمنين حقا فلزموا التقوى والزموا الصدق تفلحوا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
أبو أنس الجزائري
...المزيد

قد يعشق المرئ من لا مال في يده و يكره القلب من في كفه الذهب ما قيمة الناس الا في مبادئهم لا ...

قد يعشق المرئ من لا مال في يده
و يكره القلب من في كفه الذهب
ما قيمة الناس الا في مبادئهم
لا المال يبقى و لا الالقاب و الرتب

متى كانت سرية عبد الله بن أنيس، وأين؟ .٥ من محرم لسنة ٤هـ ، بمنطقة عرنة خارج المدينة. أسباب ...

متى كانت سرية عبد الله بن أنيس، وأين؟
.٥ من محرم لسنة ٤هـ ، بمنطقة عرنة خارج المدينة.

أسباب سرية عبد الله بن أنيس
احتشاد خالد الهذلي وعدد من الكارهين لدعوة الإسلام، بغرض مهاجمة المدينة.

من قائدها، ومن حمل اللواء؟
قادها الصحابي عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، وفي المقابل كان على رأس المتربصين خالد بن سفيان الهذلي.
https://www.withprophet.com/ar/%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A8%D9%86-%D8%A3%D9%86%D9%8A%D8%B3-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B3%D9%81%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%86-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%AD-6-%D9%87%D9%80
...المزيد

سبب التسمية بغزوة سفوان نسبة لواد نزل عنده رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لطلب مشرك أغار على ...

سبب التسمية بغزوة سفوان
نسبة لواد نزل عنده رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لطلب مشرك أغار على أنعام المسلمين.

متى كانت غزوة سفوان (بدر الأولى)، وأين؟
ربيع الأول سنة 2 هـ ، ودارت عند وادي سفوان من ناحية بدر.
https://www.withprophet.com/ar/%D8%BA%D8%B2%D9%88%D8%A9-%D8%A8%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%B3%D9%81%D9%88%D8%A7%D9%86-2-%D9%87%D9%80
...المزيد

العاقل هو الانسان الذي يعلم متى يتكلم وكيف يتكلم ومع من يتكلم ...

العاقل هو الانسان الذي يعلم متى يتكلم وكيف يتكلم ومع من يتكلم 😊

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ...

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه, وعن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما كان يقوم من مجلس, حتى يدعو بهؤلاء الدعوات: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك, ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا, اللهم متعنا بأسماعنا, وأبصارنا, وقوتنا ما أحييتنا, واجعله الوارث منا, واجعل ثأرنا على من ظلمنا, وانصرنا على من عادانا, ولا تجعل مصيبتنا في ديننا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا, ولا مبلغ علمنا, ولا تسلط علينا من لا يرحمناْ}. –الحديث مخرج في صحيح سنن الترمذي-.

قل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس, حتى يختم مجلسه بهذه الكلمات النيرات, أكثر مجالسه كان يختمها بهذه الدعوات, يقول: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك...} أي: إجعل لنا من خشيتك نصيبا يكون حائلا بيننا وبين معصيتك, والخشية هي الخوف المقرون بالعلم, والتعظيم, كما قال سبحانه: [إنما يخشى الله من عباده العلماء], وإذا امتلأ القلب خوفا من الله, حجب عن المعاصي, وأما الذي يدعي الخوف من الله كذبا وزورا, ويؤذي إخوانه, ويسيء إليهم, ويعتدي عليهم, ومظالم العباد عنده, وقد ضيع حقوق المسلمين, فهذا كاذب, الدعاوى ما لم تقم عليها بينات, أصحابها أدعياء. إذا هم العبد بالذنب, فعليه ان يستحضرأنه تحت سمع الله وبصره, وعليه ان يستحضر أن الله قادر في أية لحظة, على أن يرسل عليه صاعقة من السماء, تبيده وتفنيه, لكنه سبحانه حليم يمهل ولا يهمل, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية -في الخفاء والظهور-, والعدل في الرضى والغضب, القصد في الفقر والغنى –أن يقتصد الإنسان في معيشته في الفقر والغنى, عندما يكون غني يبذر ويسرف, وإذا كان فقيرا, فإنه يقتر على نفسه-, وثلاث مهلكات: هوى متبع, وشح مطاع, وإعجاب المرء بنفسه} –الحديث في الصحيح الجامع-. وقدم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الخشية على الطاعة, قال: {...اقسم لنا من خشيتك...} ثم قال: {...ومن طاعتك...} لأن من خشي الله حقيقة, سارع إلى طاعته, قوله عليه الصلاة والسلام: {...واقسم لنا من طاعتك ما تبلغنا به جنتك...} أي اجعل لنا نصيبا من طاعتك, يوصلنا إلى جنتك, فدل هذا الحديث على أن الجنة ليست للخاملين الكسالى, ولكنها للمطيعين المشمرين, فإذا رزق العبد الخشية من الله, نجى من النار, وإذا قسم له من طاعة الله نصيب, فاز بالدرجات العلى, والنعيم المقيم. قوله صلى الله عليه وسلم: {...ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا...} اليقين أعلى درجات الإيمان, وقد وصف سبحانه وتعالى عباده المتقين في اول سورة البقرة بقوله: [وبالآخرة هم يوقنون]. ليس عندهم شك, إذا بلغ العبد درجة اليقين, شاهد ما غاب عنه, مما أخبر به الله ورسوله كأنه ينظر إليه بين يديه, وإذا بلغ العبد درجة اليقين, هان عليه ما يكابده من عناء الدنيا, وهان عليه ما يلقاه من الشدائد والمحن, لأنه يوقن ان مرة الدنيا حلوة الآخرة, وأن المصائب مكفرات للخطيئات, رافعة للدرجات, يقول الله تعالى: [إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب] أي بلا عد, ولا كيل, ولا وزن. إنما يصب عليهم الأجر صبا. يقول عليه الصلاة والسلام: {يود أهل العافية يوم القيامة, حين يعطى اهل البلاء الثواب, لو أن جلودهم في الدنيا كانت تقرض بالمقاريض} يعني تقطع جلودهم, هكذا يود اهل العافية, أن لو كانت جلودهم تقرض بالمقاريض, وتنشر بالمناشير, يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها, إلا رفعه الله بها درجة, وحط عنه بها خطيئة} –رواه الترمذي وهو في الصحيح الجامع-. قوله عليه الصلاة والسلام: {...اللهم متعنا باسماعنا, وأبصارنا, وقوتنا ما أحييتنا...} أي أبق هذه الحواس صحيحة سليمة, وألبسنا لباس العافية, إلى ان يأتي الأجل, لأن المؤمن يستعين بقوته, وسلامة جوارحه,على الازدياد من الخير, والاستعداد ليوم الرحيل, وأما من سخر هده القوة, وسلامة حواسه وجوارحه في البعد عن الله, فتمتعه بها كتمتع الأنعام والدواب, بل هو أضل سبيلا. لأن الأنعام لا تحاسب عليها, وهو يحاسب على كل ذلك, قال لله تعالى: [إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا]. يقول عليه الصلاة والسلام:{...واجعله الوارث منا...} أي اجعل هذه القوة و والحواس سليمة مستمرة حتى يأتينا اليقين, حتى يحضر الأجل, قوله صلى الله عليه وسلم: {...واجعل ثأرنا على من ظلمنا...} أي: واقتص لنا ممن ظلمنا, إنتقم لنا منه, وهذا يدل على أنه لا حرج على المسلم أن يدعو على من ظلمه بقدر ما لحقه من الإساءة, أما لو تجاوز وأكثر من الدعاء على الظالم, ربما أصبح هو الظالم, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المستبان ما قالا, فعلى البادئ منهما} يعني اثنان يسبان بعضهما بعض, البادئ هو الظالم, قال: {...فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم} يعني لو سب المظلوم ظالمه أكثر من سبه إياه لكان هو الظالم,والله يستجيب دعوة المظلوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {...واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} –متفق عليه-. ولو صبر المظلوم , فلم يدع على من ظلمه, حتى ينال أجره كاملا يوم القيامة, لكان خيرا له.

قوله عليه الصلاة والسلام: {...وانصرنا على من عادانا...} أكبر عدو لنا هو الشيطان, الشيطان المريد, قال الله تعالى: [إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير] ومن أكبر أعدائنا, نفوسنا التي بين جنوبنا, وذلك حين تكون أمارة بالسوء, كذلك من الأعداء الهوى, فإن اتباع الهوى مهلك ومرد, ومن أعداء المسلم أهل النفاق, قال الله تعالى: [هم العدو فاحذرهم], ومن ذلك الكفرة الفجرة, على اختلاف مللهم ونحلهم, قال الله تعالى: [إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده].

قوله عليه الصلاة والسلام: {...ولا تجعل مصيبتنا في ديننا...} تقدم أن مصائب الدنيا مع الصبر والاحتساب ذخر للمؤمن في الآخرة, ومصيبة الدين لا تنجبر, لا جبران لها, ويدخل في ذلك سوء الاعتقاد, كأن يكون عند المسلم شركيات, يعتقد في الأضرحة وأصحاب القبور, يدعوهم من دون الله, هذا سوء اعتقاد, ينذر لهم ويقدم لهم الذبائح, ويصنع لهم الزردة والوعدة, هذا من الشرك, فليتق الله المسلمون, ومن مصائب الدين أن يكون للمسلم بدع, أو نفاق, وأن يكون مضيعا للصلوات, او واقعا في أكل الحرام, وغير ذلك من مصائب الدين, والمصاب من حرم الثواب, المصاب حقا هو من حرم الثواب, قوله صلى الله عليه وسلم: {...ولا تجعل الدنيا أكبر همناو ولا مبلغ علمنا...} أي لا تجعل اكتساب المال والجاه أكبر مقاصدنا في الدنيا, وإنما أعنا على أن نتخذ الدنيا جسرا نعبر من خلاله بسلام إلى الدار الآخرة, {...ولا مبلغ علمنا...} أي اجعل علم الآخرة هو مبلغ علمنا, يجوز للمسلم أن يتعلم علوم الدنيا, بشتى أنواعها لا سيما إذا ابتغي بذلك وجه الله, وأراد خدمة أمته ومجتمعه, لكن يجعل علم الاخرة هو مبلغه من العلم, وخاصة يعني على الأقل الإنسان يتعلم ماتصح به عبادته, ومعاملاته.

أيها الإخوة, يحكي أحد الدعاة: عن أحد ممن يحلو لهم أن يسمو أنفسهم بالفنانين, استضافته إحدى القنوات, فسأله السائل: ما هي الاية التي تأثرت بها أكثر؟ قال: الجنة تحت أقدام الأمهات. يظنها آية من كتاب الله, قال السائل: صدق الله العظيم. ظلمات بعضها فوق بعض, كثير من المسلمين اليوم, إذا سألته عن العشرة المبشرين بالجنة, قد لا يذكر لك أحدا منهم, وإذا سألته عن أسماء الممثلين واللاعبين, فهو الفارس الذي لا يشق له غبار, وأضرب لكم هذه الأمثلة حتى تعلموا ما معنى مبلغ علمنا وأكبر همنا, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين,ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

قوله عليه الصلاة والسلام: {...ولا تسلط علينا من لا يرحمنا}.أي لا تسلط علينا الكفرة, والفجرة, والظلمة. لا تسلط علينا الظلمة والمفسدين, الذين يسيؤون إلينا, ويسوموننا سوء العذاب,{...ولا تسلط علينا من لا يرحمنا}.

اللهم عافنا في ديننا ودنيانا, وفي أبداننا, وفي أهلينا, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا, ربنا وتقبل دعاء, ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

الخوف من سوء الخاتمة الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه ...

الخوف من سوء الخاتمة



الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه أما بعد:

فإن سوء الخاتمة أعاذنا الله وإياكم منه هو أن يموت العبد على حال سيئة لا ترضي الله عز وجل, كأن يغلب على القلب الشك عند الموت أو الجحود, أو يجور العبد في الوصية, أو يحرم بعض الورثة من حقه في التركة, قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالخواتيم} –رواه البخاري-, ويكمن خطر هذه الكلمة في أن العبد عند الاحتضار يكون في غاية الضعف, فهو يعاني من ألم النزع, وكذلك من هجوم إبليس وجنده عليه, حيث يقول إبليس لأعوانه: دونكم هذا, فإن فاتكم اليوم فلا مطمع لكم فيه بعد اليوم, هذه الفتنة عظيمة لا يثبت فيها إلا المؤمن الصادق الذي استقام على دين الله, [يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة], وتنتكس فيها قلوب المنافقين والمفرطين, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ في الصلاة بعد التشهد من أربع, يقول: { اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار, ومن فتنة المحيى والممات, ومن شر فتنة المسيح الدجال} وفتنة الممات هي التي تنزل بالمرء عند السكرات, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظروا بم يختم له} –رواه الطبراني وهو في الصحيح الجامع-, فكم ممن شارف مركبه ساحل النجاة فلما كاد أن يبلغ بر الأمان لعب به الموج فغرق, قال القرطبي في التذكرة: "لا تعجب بإيمانك وعملك, وصلاتك وصومك, وجميع قربك, فإن ذلك وإن كان من كسبك فهو بتوفيق الله لك وفضله عليك, فإذا تفاخرت بعملك فأنت كالمفتخر بمتاع غيره, وربما سلب عنك الإيمان فأصبح قلبك من الخير خاليا, فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم, فأصبحت وزهرها يابس هشيم, إذ هبت عليه الريح العقيم, كذلك العبد يمسي وقلبه بطاعة الله مشرق سليم, فيصبح وهو بالمعصية مظلم سقيم" –إنتهى كلامه ببعض التصرف رحمه الله تعالى-. نعوذ بالله من الحور بعد الكور, ومن الضلال بعد الهدى, قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة, "لا إله إلا الله" فقال: هو كافر بما تقول ومات على ذلك, قال فسألت عنه, فإذا هو مدمن خمر, قال: فاتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه} قالت عائشة: إنا لنكره الموت, قال: {ليس ذلك, ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه, وإن الكافر إذا حضر, بشر بعذاب الله وعقوبته, فليس شيء أكره إليه مما أمامه, فكره لقاء الله وكره الله لقاءه}-رواه البخاري-, فمن كان مشغولا بالله وبذكره ومحبته وطاعته في حياته وحال صحته وجد ذلك أحوج ما يكون إليه عند خروج روحه, ومن كان مشغولا بالدنيا في حال حياته وصحته صعب عليه اشتغاله بالله عند الرحيل, ما لم تدركه عناية الله سبحانه, فليروض العبد نفسه على طاعة الكريم لأجل تلك اللحظة التي إن فاتته شقي شقاوة الأبد, قال بعض السلف: " ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق" أي ما كتب لها في اللوح المحفوظ, وكان سفيان يشتد قلقه على السوابق وعلى الخواتيم, وكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا, وأخاف أن أسلب الإيمان عند الموت, وكان مالك بن دينار يقوم ليلا طويلا قابضا على لحيته ويقول: يا رب قد علمت ساكن الجنة وساكن النار, ففي أي الدارين منزل مالك. ومن هنا كان السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق, كما قال الحسن رحمه الله: ما خافه إلا مؤمن, وما أمنه إلا منافق, فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر, ويخاف أن يغلب عليه ذلك عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر. لما احتضر أبو بكر جاءت عائشة رضي الله عنها وقالت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فكشف عن وجهه وقال: ليس كذلك ولكن قولي: [وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد] أنظروا ثوبي هذين فاغسلوهما وكفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما طعن عمر وضع رأسه في حجري في مرضه الذي مات فيه فقال لي: ضع خدي على الأرض, قلت: وما كان عليك كان في حجري أو على الأرض؟ فقال: ضعه لا أم لك, فوضعته, فقال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي –ذكره في الحلية- ولما طعن رضي الله عنه جاء بن عباس فقال: يا أمير المؤمنين, أسلمت حين كفر الناس, وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس, وقتلت شهيدا ولم يختلف عليك اثنان, وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض, فقال له عمر: أعد علي مقالتك, فأعاد عليه, فقال: المغرور من غررتموه, والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت, لافتديت به من هول المطلع. وهذا بن مسعود رضي الله عنه ملأ الدنيا علما وفقها, عاده عثمان في مرضه فقال: ما تشتكي, قال: ذنوبي, قال: ما تشتهي؟ قال: رحمة ربي, قال: آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني, قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه –ذكره في السير-. وجاء في السير أيضا: أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه, ولكن على بعد سفري وقلة زادي, وإني أمسيت في صعود ومهبطه على جنة أو نار, فلا أدري إلى أيتهما يأخذ بي. وبكى عمر بن عبد العزيز ذات ليلة فأبكى أهل الدار, فلما تجلت عنه العبرة, قالت فاطمة وهي زوجته: بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى [فريق في الجنة وفريق في السعير] ثم صرخ وغشي عليه. ولما نزل الموت بسليمان التيمي قيل: أبشر فقد كنت مجتهدا في طاعة الله تعالى, قال: لا تقولوا هكذا فإني لا أدري ما يبدوا لي من الله عز وجل فإنه سبحانه يقول: [وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون]. ولما حضرت معاوية الوفاة قال: أقعدوني, فأقعدوه فجعل يذكر الله تعالى ويسبحه ويقدسه, ثم قال مخاصما نفسه: الآن تذكر ربك يا معاوية بعد الانحطام والانهدام, ألا كان ذلك وغصن الشباب نظير ريان, وبكى حتى علا بكاءه ثم قال: هو الموت لا منجى من الموت, والذي أحاذر منه الموت أدهى وأفضع, ثم قال: يا رب إرحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي, اللهم أقل العثرة واغفر الزلة, وجد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا وثق بأحد سواك. ولما دنا أجل عمرو بن العاص دعا حراسه ورجاله, فلما دخلوا عليه, قال: هل أنتم مغنون عني من الله شيئا؟ قالوا: لا قال: فاذهبوا وتفرقوا عني, ثم دعا بماء فتوضأ وأسبغ الوضوء فقال: إحملوني إلى المسجد, ففعلوا, فقال: اللهم إنك أمرتني فعصيت, وائتمنتني فخنت, وحددت لي فتعديت, اللهم لا بريء فأعتذر, ولا قوي فأنتصر, بل مذنب مستغفر, لا مصر ولا مستكبر.

أيها المسلمون ومن أسباب سوء الخاتمة: الاشتغال بالبدعة وهجر السنة ومحاربة السنة, وتسويف التوبة فلا يزال العبد غارقا في لذاته وشهواته وهو يؤخر التوبة يوما بعد يوم, حتى يباغته الأجل, فيتحسر عندئذ ويقول: [رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت]. قال الله تعالى: [وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون]. ومن أسباب سوء الخاتمة: عدم الاستقامة على دين الله, وأهل الاستقامةهم الذين يثبتهم الله تبارك وتعالى هم الذين [تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون].

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار, آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
...المزيد

التوسل المشروع والتوسل الممنوع إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور ...

التوسل المشروع والتوسل الممنوع



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:

فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب, فاستقبل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال فادع الله يغثنا, قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: {اللهم أغثنا, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا} قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب, وما بيننا وبين سلع –يعني جبل- من بيت ولا دار, قال: فطلعت من ورائه-يعني من وراء الجبل- سحابة مثل الترس, فلما توسطت السماء إنتشرت ثم أمطرت, قال أنس: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا- أي أمطرت لمدة أسبوع كامل-. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب, فاستقبله الرجل قائما وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وانهدم البناء, فادع الله يمسكها عنا, قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:{اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام –الهضاب-, والضراب-الجبال الصغيرة-, وبطون الأودية ومنابت الشجر} يعني حولها واجعلها في هذه الأماكن في بطون الأودية ومنابت الشجر, قال: فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس. –والحديث متفق عليه- وهذا الحديث عظيم الفائدة, وفيه من الفوائد أن الدعاء من أعظم أسباب تفريج الكربات, بل هو أعظم أسباب تفريج الكربات وتيسير العسير وإزالة الشدائد والمحن, فإن من المسلمين من تصيبه شدة فيأخذ بجميع الأسباب الحسية وهذا مطلوب, لكنه يدع رب الأرباب ومسبب الأسباب, والله عز وجل يقول: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) ,وفي الحديث بيان استحباب استسقاء الإمام إذا طلب الناس منه ذلك, وفيه طلب الدعاء من أهل الخير وأنه مشروع, لكن يطلب الدعاء من الأحياء وأما طلب ذلك من الأموات فشرك وضلال مبين, ثم إنه من الخير للإنسان أن يدعو لنفسه لأنه أحرص على مصلحته من غيره, وأشد استشعارا لما يكون به من الحاجة, وفي الحديث استحباب تكرير الدعاء ثلاثا, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كرر عبارة "اللهم أغثنا" ثلاث مرات, وفيه إدخال دعاء الإستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر, وفي الحديث آية من آيات النبوة لإجابة الله دعوة نبيه ابتداءا بالاستسقاء وانتهاءا بالاستصحاء-والاستصحاء هو طلب الصحو- حينما قال: {اللهم حوالينا ولا علينا}. وفي الحديث كرامة نبينا صلى الله عليه وسلم على ربه وإنزال المطر سبعة أيام متوالية, وفي الحديث بيان أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء, فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله, بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر الناس, وسأل بقاءه في مواضع الحاجة إليه مثل بطون الأودية ومنابت الشجر, وفي الحديث أدب الدعاء عند كثرة المطر فلا يدعو برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره, بل يدعو برفع الضرر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, لم يقل اللهم أمسكها عنا وإنما قال: {اللهم حوالينا ولا علينا}, وقال: {اللهم في بطون الأودية, ومنابت الشجر}, وفي الحديث أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها, بل يٍسأل الله رفع ذلك العارض, فمن من الله عليه بالولد مثلا ثم مرض الولد فلا ينبغي له أن يتشاءم بالولد, بل يسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيه وأن يلبسه لباس العافية, وفي الحديث استحباب رفع اليدين عند الدعاء, كما قال أنس :فرفع يديه, استحباب رفع اليدين في الدعاء ويستثني من ذلك خطبة الجمعة, فإنه لا يشرع رفع اليدين لكن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه للاستسقاء وليس من أجل الخطبة نفسها, والنبي صلى الله عليه سلم يقول: {إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا}-رواه أبو داوود والترمذي-, وفي الحديث جواز ذكر النقم التي تحل بالمسلم إذا لم يقصد بذلك التسخط من تدبير الله تعالى, وإنما قصد إظهار حاله لمن يستطيع نفعه ولمن يعينه بنصيحة أو توجيه أو رأي, كأن يذكر المريض مثلا مرضه لطبيب, ويقصد بذلك أن يستعين به على العلاج, فهذا الصحابي شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما ألم بالمسلمين, وقصد بذلك أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بالغيث, فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك, وفي الحديث دليل على ضعف الإنسان, وأنه لا يتحمل ما يشق عليه, قال الله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) فهو ضعيف في خلقته في بدنه في عزيمته, فرحمه ربه ولم يجعل عليه من حرج فيما كلفه به من التكاليف الشرعية.

أيها المسلمون وإذا كان المطر غيث الحب والثمار يحتاج إليه الإنسان لأن الثمار والحبوب أقواته يتغذى بها جسده ليبقى على قيد الحياة, فحاجة الإنسان إلى غيث القلوب أعظم, حاجة الإنسان إلى غيث القلوب وهو الوحي والإيمان أعظم من حاجته إلى غيث الحبوب, لأن الأرض إذا لم تنبت شيئا ففي أسوء الأحوال يموت الإنسان, وإذا كان من أهل الخير تغمده الله بواسع رحمته وفاز فوزا عظيما, وأما إذا لم تغث القلوب بغيث الوحي والإيمان ماتت, وموت القلب يترتب عليه الشقاء والخسران المبين, فكما أن الأرض لا تحيى إلا بالماء فإن القلب لا يحيى إلى بالوحي والإيمان, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقا بالعباس, وقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" ,قال: فيسقون. –رواه البخاري-, وهذا الحديث فيه أن عمر رضي الله عنه لما أجدبوا –أصابهم الجدب والقحط- في عام الرمادة استسقى بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم, طلب منه أن يدعو الله للمسلمين للسقيا لأنه عم النبي صلى عليه وسلم, لأنه من أهل البيت, فحري أن يستجاب له لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم, وماذا قال عمر؟ "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا" وهذا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, أي كنا نطلب منه الدعاء هذا هو معنى كنا نتوسل كنا نطلب منه الدعاء, كما سمعتم في الحديث الأول وهذا عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة, فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم صار الاستسقاء به متعذرا, لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم صار التوسل به غير ممكن, لأن الميت لا يقدر على الدعاء ولا يقدر على نفع الأحياء ولذلك لا يجوز طلب شيء منه, فمن فعل وتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بشخص آخر فقد أشرك, وأما في حال الحياة فإنك تطلب من الحي الذي يقدر على الدعاء أن يدعو لك, فهذامن التوسل المشروع, إذ أن التوسل ينقسم إلى قسمين, منه مشروع ومنه ممنوع, ومن التوسل المشروع طلب الدعاء من الحي, ومنه التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى, كأن تقول: يا تواب تب علي, وكأن تقول: يا حي أحي قلبي بالإيمان, وكأن تقول: يارحمان ارحمني, والله عز وجل يقول: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ,ومن التوسل المشروع التوسل بلأعمال الصالحة, كما توسل أصحاب الغار بأعمالهم الصالحة عندما انطبقت عليهم الصخرة, عندما سدت عليهم الغار فتوسل الأول ببره لوالديه, والثاني بعفافه, والثالث بأمانته, ثم فرج الله عنهم وخرجوا يمشون, وأما التوسل الممنوع فهو التوسل بالأموات, بأن يسألهم الإنسان الدعاء أو يستشفع بهم عند الله في قضاء حوائجه, فهذا توسل شركي بدعي, وكذلك التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته أو بجاه الولي, كل ذلك من التوسل الممنوع وأشد أنواع التوسل قبحا التوسل بالأموات, لأن هذا من وسائل الشرك, وهذا من فقه عمر, انتبهوا واستمعوا هذا من فقه عمر, قال: "إنا كنا نتوسل إليك بنبينا...والآن نتوسل إليك بعم نبينا" لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أهل الصلاح, فكون عمر عدل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوسل به مع أن قبره قريب من منبره لأنه كان في المسجد النبوي وليس بينهما إلا أمتار ولا شك أنه أفضل من العباس, يعني النبي صلى الله عليه وسلم ومن كل مخلوق وفضله صلى الله عليه وسلم باق حيا وميتا, لكن كون عمر عدل عنه وعن التوسل به وهو ميت إلى العباس وهو مفضول فالتوسل بالمفضول مع وجود الفاضل لكونه ميتا فهذا هو المشروع فيه دليل على أنه لا يجوز التوسل بالموتى وإنما التوسل بدعاء الأحياء.

فاللهم إنا نسألك أن تزيننا بزينة الإيمان, اللهم إنا نسألك أن تعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, اللهم يسر العسير واجبر الكسير, اللهم اجعل خير لحظة في هذه الدنيا وأسعدها هي لحظة الرحيل عنها والخروج منها, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا ...

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ كيف أنعم؟ وصاحب الصور قد التقم القرن, واستمع الإذن متى يأمر بالنفخ} فكأنما ثقل ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لهم: { قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل} –الحديث رواه الترمذي, هو في الصحيح الجامع-.

يقول عليه الصلاة والسلام:{ كيف أنعم؟...} أي كيف أنعم بالحياة؟ كيف أركن إلى الدنيا؟ وكيف تطيب لي الحياة؟وكيف ألتذ بالعيش وأسر به؟ {...وصاحب القرن...} الذي هو إسرافيل, مستعد, متهيء ينتظر أن يأمره الله بالنفخ في الصور, فينفخ. فكأن ذلك صعب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا له: كيف نقول يارسول الله؟ قال: {قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل} يعني التجأنا إلى الله, حسبنا الله ونعم الوكيل. فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد يذكر الناس بهذا الحديث, وأن موعد الساعة قد اقترب, ليستعدوا للقاء الله بالعمل الصالح, والنفخ في الصور نفختان: النفخة الأولى: نفخة الفزع والصعق, حيث يموت على إثر النفخة كل من يكون يومئذ حيا على الأرض, والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس, وشبه العلماء تقريبا للمعنى إلى الأذهان, الصيحة بصوت الرعد, القوي, الشديد, المفزع, أو برجل جهير –أي جهوري الصوت-, يصيح إلى جانب صبي صغير, فيفزع الصبي ويموت, هذا تقريب للمعنى, وإلا فالحقيقة لا يعلمها إلا الله, ثم يمكث الناس بعد النفخة الأولى أربعين عاما, أمواتا خاملين, ثم ينزل الله مطرا, فتنبت منه أجساد الناس, حتى إذا تكاملت الأجساد, حيي إسرافيل, فيأمره الله عز وجل بالنفخة الثانية, فتنطلق الأرواح إلى أجسادها, لا تخطئ روح الجسم الذي كانت فيه, فتحيى الأجساد بإذن ربها, ويقوم الناس قياما ينظرون, يقول الله عز وجل: [ما بعثكم ولا خلقكم إلا كنفس واحدة]. عشرات الملايير من البشر وأكثر, يبعثهم الله تعالى كأنهم نفس واحدة, [ما بعثكم ولا خلقكم إلا كنفس واحدة], وهذا محير للعقول, ولكن لا يستحيل على قدرة الله عز وجل, لا يستحيل على قدرة الله شيء. قال العلماء: الذين يغرقون في البحر, فتقتسم لحومهم الحيتان, ولا يبقى منهم شيء إلا العظام, فتلقيها الأمواج إلى الساحل, ثم تصير العظام بالية نخرة, ثم تمر بها الإبل فتأكلها, ثم تسير الإبل فتبعر, ثم يجيء قوم فينزلون فيأخذون ذلك البعر, فيوقدون به النار, ثم تخمد تلك النار, ثم تجيء الريح فتلقي ذلك الرماد يمينا وشمالا, ثم إذا نفخ إسرافيل نفخة البعث والنشور, خرج أولائك الذين تناثرت ذرات أجسادهم, وأهل القبور سواءا. إن ذلك يسير على الله عز وجل, فإنه يجمع ما تناثر من ذرات أجساد الناس, ويعيده كما كانت أول مرة, يعيد ما تفرق منها في البر, والبحر وفي بطون السباع, حتى تكون كهيأتها الأولى, حتى السقط الذي لم يكتمل نموه في بطن أمه وسقط, لكن نفخت فيه الروح, يبعث يوم القيامة, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: { والذي نفسي بيده, إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته}. –رواه بن ماجه, وهو في الصحيح الجامع-. إذا احتسبته معناه: إذا صبرت, إذا احتسبت الأجر عند الله عندما سقط, عندما فقدته احتسبت. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بحمزة, وهو قتيل يوم أحد, وقد جدع ومثل به, فقال: {لولا أن تجد صفية في نفسها –أخته صفية بنت عبد المطلب- يعني لولا أن تحزن- لتركته حتى تأكله العافية –يعني السباع- حتى يحشر من بطونها يوم القيامة} –والحديث في الصحيح الجامع, رواه أبو داوود في سننه-. يقول الله عز وجل: [ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن الأرض] هذه النفخة الأولى: كلهم يموتون من الفزع, [...إلا من شاء الله] قيل: هؤلاء هم الحور العين, والولدان في الجنة, لأنهم في الجنة هكذا قيل والله أعلم. [ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ]. إذا بعث الناس يوم الدين, تحسر المجرمون المكذبون, وصدموا بحقيقة البعث بعد الموت, كانوا يظنون ألا بعث, فإذا نفخ إسرافيل في الصور صدموا, يقول الله تعالى: [ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون] يعني من القبور الأجداث, [...إلى ربهم ينسلون] أي يسرعون, [قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا] فيجابون تجيبهم الملائكة والمؤمنون: [هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون] هذا ما كنتم به تكذبون يقول الشيخ السعدي رحمه الله في قوله تعالى [هذا ما وعد الرحمان] يقول: ولا تحسبن ذكر الرحمان في هذا الموضع لمجرد الخبر عن وعده, وإنما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم سيرى الناس من رحمته ما لا يخطر على عقولهم -إنتهى-. إن الإنسان قبل أن يكون بشرا سويا, لم يكن شيئا مذكورا, لقد كان كائنا لا يمكن أن تراه إلا بالمجهر, ثم نمى ذلك الكائن, وتلك النطفة, إلى أن صارت بقدرة الله بشرا سويا, له سمع وبصر, وعقل, إلى أن أصبح شابا قوي البنية, عندئذ تمرد على الله, تمرد على الذي خلقه من نطفة, [فإذا هو خصيم مبين] طغى وتجبر, ونسي صورته الأولى, نسي خلقته, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسق يوما في كفه, فوضع عليها أصبعه, قال:{ قال الله تعالى: بني آدم, أنى تعجزني., وقد خلقتك مثل هذه, حتى إذا سويتك وعدلتك, مشيت بين برديك, وللأرض منك وئيد –يمشي مشية الاستكبار- فجمعت ومنعت, حتى إذا بلغت التراقي, قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة} –رواه بن ماجه وهو في السلسلة الصحيحة-.

العاص بن وائل أحد المشركين الغلاظ, أخذ عظما من البطحاء بطحاء مكة, وجعل يفتته بيده, ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستهزءا ساخرا: أيحيي الله هذا بعدما أرم؟ بعدما بلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يميتك ثم يحييك, ثم يدخلك جهنم} ونزلت الآيات من سورة ياسين :[وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم[] قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم]. ربما أيها الناس ستذكرون هذه اللحظات, التي أحدثكم فيها عن البعث, والنشور, وأنتم تخرجون من قبوركم, حفاة عراة غرلا, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { يآيها الناس, إنكم تحشرون إلى الله, حفاة, عراة, غرلا, [كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين]} ثم قال: {ألا إن أول الناس يكسى يوم القيامة إبراهيم, ألا إنه يأتى برجال من أمتي, فيأخذ بهم ذات الشمال, فأقول: يا رب أصحابي, فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فأقول كما قال العبد الصالح: [وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد[] إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم] فيقال: إنهم لا يزالون مدبرين مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم} –رواه البخاري ومسلم-. فهنيئا لمن كسي في ذلك اليوم من ثياب الجنة, فإنه من لبسها فقد لبس جبة تقيه مكاره الحشر, وعرقه, وحر الشمس, وغير ذلك من أهوال يوم القيامة. وإبراهيم يكون أول من يكسى, إبراهيم يكون أول من يكسى من الخلق, لأن قومه لما أرادوا أن يلقوه في النار, جردوه من ثيابه, فصار عاريا, فجوزي بأن كان أول من يكسى, ثم يليه بعد ذلك محمد صلى الله عليه وسلم, وتكون الحلة التي يكساها لا يقوم لها البشرلينجبر ما حصل له من التأخير, استدل بهذا الحديث الشيعة الشنيعة عليهم من الله ما يستحقون, على أن الصحابة ارتدوا عن دينهم وحاشاهم من ذلك, والشيعة فجرة مفترون, كذبة, يقول الله تعالى: [محمد رسول الله والذن معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود], أبعد أن زكاهم الله من فوق سبع سماوات, يرتدون على أعقابهم, إن هذا لهو البهتان المبين, وإنما الذين ارتدوا هم الأعراب, الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا, ثم تولوا مدبرين, وحاربهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين,ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تجتمعون يوم القيامة, فيقال: أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيقومون, فيقال: ماذا عملتم؟ فيقولون: ربنا ابتليتنا فصبرنا, ووليت الأموال والسلطان غيرنا, فيقول الله جل وعلا: صدقتم. قال: فيدخلون الجنة قبل الناس,} قيل بخمسمئة سنة. وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال, والسلطان, قالوا: فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: توضع لهم كراسي من نور, ويضلل عليهم الغمام, يكون ذلك أقصر على المسلم من ساعة من نهار} –رواه الطبراني وهو حديث صحيح- يكون يوم القيامة وطوله خمسون ألف سنة, يكون على المؤمن أقصر من ساعة من نهار, ولذلك قال بن عباس وغيره في قوله تعالى: [أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا] قالوا: ما هي إلا ضحوة, ما هي إلا ساعات, ثم يقيل أولياء الله مع الحور العين على الأسرة, ويقيل المجرمون أعداء الله مع الشياطين المقرنين, ما هي إلا ضحوة, [أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا] يعني تقوم القيامة بعد الفجر, فما تمضي إلا ساعات, فإذا المؤمنون قائلون على الأسرة مع الحور العين, وإذا أعداء الله قائلون مع الشياطين القرنين.

أسال الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المرحومين, اللهم اجعلنا من عبادك المرحومين, اللهم اجعلنا من عبادك المرحومين, اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب لها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب لها من قول وعمل, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا, وانصرنا على القوم الكافرين, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
16 ربيع الآخر 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً