اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ...

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه, وعن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما كان يقوم من مجلس, حتى يدعو بهؤلاء الدعوات: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك, ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا, اللهم متعنا بأسماعنا, وأبصارنا, وقوتنا ما أحييتنا, واجعله الوارث منا, واجعل ثأرنا على من ظلمنا, وانصرنا على من عادانا, ولا تجعل مصيبتنا في ديننا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا, ولا مبلغ علمنا, ولا تسلط علينا من لا يرحمناْ}. –الحديث مخرج في صحيح سنن الترمذي-.

قل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس, حتى يختم مجلسه بهذه الكلمات النيرات, أكثر مجالسه كان يختمها بهذه الدعوات, يقول: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك...} أي: إجعل لنا من خشيتك نصيبا يكون حائلا بيننا وبين معصيتك, والخشية هي الخوف المقرون بالعلم, والتعظيم, كما قال سبحانه: [إنما يخشى الله من عباده العلماء], وإذا امتلأ القلب خوفا من الله, حجب عن المعاصي, وأما الذي يدعي الخوف من الله كذبا وزورا, ويؤذي إخوانه, ويسيء إليهم, ويعتدي عليهم, ومظالم العباد عنده, وقد ضيع حقوق المسلمين, فهذا كاذب, الدعاوى ما لم تقم عليها بينات, أصحابها أدعياء. إذا هم العبد بالذنب, فعليه ان يستحضرأنه تحت سمع الله وبصره, وعليه ان يستحضر أن الله قادر في أية لحظة, على أن يرسل عليه صاعقة من السماء, تبيده وتفنيه, لكنه سبحانه حليم يمهل ولا يهمل, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية -في الخفاء والظهور-, والعدل في الرضى والغضب, القصد في الفقر والغنى –أن يقتصد الإنسان في معيشته في الفقر والغنى, عندما يكون غني يبذر ويسرف, وإذا كان فقيرا, فإنه يقتر على نفسه-, وثلاث مهلكات: هوى متبع, وشح مطاع, وإعجاب المرء بنفسه} –الحديث في الصحيح الجامع-. وقدم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الخشية على الطاعة, قال: {...اقسم لنا من خشيتك...} ثم قال: {...ومن طاعتك...} لأن من خشي الله حقيقة, سارع إلى طاعته, قوله عليه الصلاة والسلام: {...واقسم لنا من طاعتك ما تبلغنا به جنتك...} أي اجعل لنا نصيبا من طاعتك, يوصلنا إلى جنتك, فدل هذا الحديث على أن الجنة ليست للخاملين الكسالى, ولكنها للمطيعين المشمرين, فإذا رزق العبد الخشية من الله, نجى من النار, وإذا قسم له من طاعة الله نصيب, فاز بالدرجات العلى, والنعيم المقيم. قوله صلى الله عليه وسلم: {...ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا...} اليقين أعلى درجات الإيمان, وقد وصف سبحانه وتعالى عباده المتقين في اول سورة البقرة بقوله: [وبالآخرة هم يوقنون]. ليس عندهم شك, إذا بلغ العبد درجة اليقين, شاهد ما غاب عنه, مما أخبر به الله ورسوله كأنه ينظر إليه بين يديه, وإذا بلغ العبد درجة اليقين, هان عليه ما يكابده من عناء الدنيا, وهان عليه ما يلقاه من الشدائد والمحن, لأنه يوقن ان مرة الدنيا حلوة الآخرة, وأن المصائب مكفرات للخطيئات, رافعة للدرجات, يقول الله تعالى: [إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب] أي بلا عد, ولا كيل, ولا وزن. إنما يصب عليهم الأجر صبا. يقول عليه الصلاة والسلام: {يود أهل العافية يوم القيامة, حين يعطى اهل البلاء الثواب, لو أن جلودهم في الدنيا كانت تقرض بالمقاريض} يعني تقطع جلودهم, هكذا يود اهل العافية, أن لو كانت جلودهم تقرض بالمقاريض, وتنشر بالمناشير, يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها, إلا رفعه الله بها درجة, وحط عنه بها خطيئة} –رواه الترمذي وهو في الصحيح الجامع-. قوله عليه الصلاة والسلام: {...اللهم متعنا باسماعنا, وأبصارنا, وقوتنا ما أحييتنا...} أي أبق هذه الحواس صحيحة سليمة, وألبسنا لباس العافية, إلى ان يأتي الأجل, لأن المؤمن يستعين بقوته, وسلامة جوارحه,على الازدياد من الخير, والاستعداد ليوم الرحيل, وأما من سخر هده القوة, وسلامة حواسه وجوارحه في البعد عن الله, فتمتعه بها كتمتع الأنعام والدواب, بل هو أضل سبيلا. لأن الأنعام لا تحاسب عليها, وهو يحاسب على كل ذلك, قال لله تعالى: [إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا]. يقول عليه الصلاة والسلام:{...واجعله الوارث منا...} أي اجعل هذه القوة و والحواس سليمة مستمرة حتى يأتينا اليقين, حتى يحضر الأجل, قوله صلى الله عليه وسلم: {...واجعل ثأرنا على من ظلمنا...} أي: واقتص لنا ممن ظلمنا, إنتقم لنا منه, وهذا يدل على أنه لا حرج على المسلم أن يدعو على من ظلمه بقدر ما لحقه من الإساءة, أما لو تجاوز وأكثر من الدعاء على الظالم, ربما أصبح هو الظالم, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المستبان ما قالا, فعلى البادئ منهما} يعني اثنان يسبان بعضهما بعض, البادئ هو الظالم, قال: {...فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم} يعني لو سب المظلوم ظالمه أكثر من سبه إياه لكان هو الظالم,والله يستجيب دعوة المظلوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {...واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} –متفق عليه-. ولو صبر المظلوم , فلم يدع على من ظلمه, حتى ينال أجره كاملا يوم القيامة, لكان خيرا له.

قوله عليه الصلاة والسلام: {...وانصرنا على من عادانا...} أكبر عدو لنا هو الشيطان, الشيطان المريد, قال الله تعالى: [إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير] ومن أكبر أعدائنا, نفوسنا التي بين جنوبنا, وذلك حين تكون أمارة بالسوء, كذلك من الأعداء الهوى, فإن اتباع الهوى مهلك ومرد, ومن أعداء المسلم أهل النفاق, قال الله تعالى: [هم العدو فاحذرهم], ومن ذلك الكفرة الفجرة, على اختلاف مللهم ونحلهم, قال الله تعالى: [إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده].

قوله عليه الصلاة والسلام: {...ولا تجعل مصيبتنا في ديننا...} تقدم أن مصائب الدنيا مع الصبر والاحتساب ذخر للمؤمن في الآخرة, ومصيبة الدين لا تنجبر, لا جبران لها, ويدخل في ذلك سوء الاعتقاد, كأن يكون عند المسلم شركيات, يعتقد في الأضرحة وأصحاب القبور, يدعوهم من دون الله, هذا سوء اعتقاد, ينذر لهم ويقدم لهم الذبائح, ويصنع لهم الزردة والوعدة, هذا من الشرك, فليتق الله المسلمون, ومن مصائب الدين أن يكون للمسلم بدع, أو نفاق, وأن يكون مضيعا للصلوات, او واقعا في أكل الحرام, وغير ذلك من مصائب الدين, والمصاب من حرم الثواب, المصاب حقا هو من حرم الثواب, قوله صلى الله عليه وسلم: {...ولا تجعل الدنيا أكبر همناو ولا مبلغ علمنا...} أي لا تجعل اكتساب المال والجاه أكبر مقاصدنا في الدنيا, وإنما أعنا على أن نتخذ الدنيا جسرا نعبر من خلاله بسلام إلى الدار الآخرة, {...ولا مبلغ علمنا...} أي اجعل علم الآخرة هو مبلغ علمنا, يجوز للمسلم أن يتعلم علوم الدنيا, بشتى أنواعها لا سيما إذا ابتغي بذلك وجه الله, وأراد خدمة أمته ومجتمعه, لكن يجعل علم الاخرة هو مبلغه من العلم, وخاصة يعني على الأقل الإنسان يتعلم ماتصح به عبادته, ومعاملاته.

أيها الإخوة, يحكي أحد الدعاة: عن أحد ممن يحلو لهم أن يسمو أنفسهم بالفنانين, استضافته إحدى القنوات, فسأله السائل: ما هي الاية التي تأثرت بها أكثر؟ قال: الجنة تحت أقدام الأمهات. يظنها آية من كتاب الله, قال السائل: صدق الله العظيم. ظلمات بعضها فوق بعض, كثير من المسلمين اليوم, إذا سألته عن العشرة المبشرين بالجنة, قد لا يذكر لك أحدا منهم, وإذا سألته عن أسماء الممثلين واللاعبين, فهو الفارس الذي لا يشق له غبار, وأضرب لكم هذه الأمثلة حتى تعلموا ما معنى مبلغ علمنا وأكبر همنا, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين,ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

قوله عليه الصلاة والسلام: {...ولا تسلط علينا من لا يرحمنا}.أي لا تسلط علينا الكفرة, والفجرة, والظلمة. لا تسلط علينا الظلمة والمفسدين, الذين يسيؤون إلينا, ويسوموننا سوء العذاب,{...ولا تسلط علينا من لا يرحمنا}.

اللهم عافنا في ديننا ودنيانا, وفي أبداننا, وفي أهلينا, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا, ربنا وتقبل دعاء, ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

الخوف من سوء الخاتمة الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه ...

الخوف من سوء الخاتمة



الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه أما بعد:

فإن سوء الخاتمة أعاذنا الله وإياكم منه هو أن يموت العبد على حال سيئة لا ترضي الله عز وجل, كأن يغلب على القلب الشك عند الموت أو الجحود, أو يجور العبد في الوصية, أو يحرم بعض الورثة من حقه في التركة, قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالخواتيم} –رواه البخاري-, ويكمن خطر هذه الكلمة في أن العبد عند الاحتضار يكون في غاية الضعف, فهو يعاني من ألم النزع, وكذلك من هجوم إبليس وجنده عليه, حيث يقول إبليس لأعوانه: دونكم هذا, فإن فاتكم اليوم فلا مطمع لكم فيه بعد اليوم, هذه الفتنة عظيمة لا يثبت فيها إلا المؤمن الصادق الذي استقام على دين الله, [يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة], وتنتكس فيها قلوب المنافقين والمفرطين, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ في الصلاة بعد التشهد من أربع, يقول: { اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار, ومن فتنة المحيى والممات, ومن شر فتنة المسيح الدجال} وفتنة الممات هي التي تنزل بالمرء عند السكرات, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظروا بم يختم له} –رواه الطبراني وهو في الصحيح الجامع-, فكم ممن شارف مركبه ساحل النجاة فلما كاد أن يبلغ بر الأمان لعب به الموج فغرق, قال القرطبي في التذكرة: "لا تعجب بإيمانك وعملك, وصلاتك وصومك, وجميع قربك, فإن ذلك وإن كان من كسبك فهو بتوفيق الله لك وفضله عليك, فإذا تفاخرت بعملك فأنت كالمفتخر بمتاع غيره, وربما سلب عنك الإيمان فأصبح قلبك من الخير خاليا, فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم, فأصبحت وزهرها يابس هشيم, إذ هبت عليه الريح العقيم, كذلك العبد يمسي وقلبه بطاعة الله مشرق سليم, فيصبح وهو بالمعصية مظلم سقيم" –إنتهى كلامه ببعض التصرف رحمه الله تعالى-. نعوذ بالله من الحور بعد الكور, ومن الضلال بعد الهدى, قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة, "لا إله إلا الله" فقال: هو كافر بما تقول ومات على ذلك, قال فسألت عنه, فإذا هو مدمن خمر, قال: فاتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه} قالت عائشة: إنا لنكره الموت, قال: {ليس ذلك, ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه, وإن الكافر إذا حضر, بشر بعذاب الله وعقوبته, فليس شيء أكره إليه مما أمامه, فكره لقاء الله وكره الله لقاءه}-رواه البخاري-, فمن كان مشغولا بالله وبذكره ومحبته وطاعته في حياته وحال صحته وجد ذلك أحوج ما يكون إليه عند خروج روحه, ومن كان مشغولا بالدنيا في حال حياته وصحته صعب عليه اشتغاله بالله عند الرحيل, ما لم تدركه عناية الله سبحانه, فليروض العبد نفسه على طاعة الكريم لأجل تلك اللحظة التي إن فاتته شقي شقاوة الأبد, قال بعض السلف: " ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق" أي ما كتب لها في اللوح المحفوظ, وكان سفيان يشتد قلقه على السوابق وعلى الخواتيم, وكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا, وأخاف أن أسلب الإيمان عند الموت, وكان مالك بن دينار يقوم ليلا طويلا قابضا على لحيته ويقول: يا رب قد علمت ساكن الجنة وساكن النار, ففي أي الدارين منزل مالك. ومن هنا كان السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق, كما قال الحسن رحمه الله: ما خافه إلا مؤمن, وما أمنه إلا منافق, فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر, ويخاف أن يغلب عليه ذلك عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر. لما احتضر أبو بكر جاءت عائشة رضي الله عنها وقالت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فكشف عن وجهه وقال: ليس كذلك ولكن قولي: [وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد] أنظروا ثوبي هذين فاغسلوهما وكفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما طعن عمر وضع رأسه في حجري في مرضه الذي مات فيه فقال لي: ضع خدي على الأرض, قلت: وما كان عليك كان في حجري أو على الأرض؟ فقال: ضعه لا أم لك, فوضعته, فقال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي –ذكره في الحلية- ولما طعن رضي الله عنه جاء بن عباس فقال: يا أمير المؤمنين, أسلمت حين كفر الناس, وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس, وقتلت شهيدا ولم يختلف عليك اثنان, وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض, فقال له عمر: أعد علي مقالتك, فأعاد عليه, فقال: المغرور من غررتموه, والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت, لافتديت به من هول المطلع. وهذا بن مسعود رضي الله عنه ملأ الدنيا علما وفقها, عاده عثمان في مرضه فقال: ما تشتكي, قال: ذنوبي, قال: ما تشتهي؟ قال: رحمة ربي, قال: آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني, قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه –ذكره في السير-. وجاء في السير أيضا: أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه, ولكن على بعد سفري وقلة زادي, وإني أمسيت في صعود ومهبطه على جنة أو نار, فلا أدري إلى أيتهما يأخذ بي. وبكى عمر بن عبد العزيز ذات ليلة فأبكى أهل الدار, فلما تجلت عنه العبرة, قالت فاطمة وهي زوجته: بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى [فريق في الجنة وفريق في السعير] ثم صرخ وغشي عليه. ولما نزل الموت بسليمان التيمي قيل: أبشر فقد كنت مجتهدا في طاعة الله تعالى, قال: لا تقولوا هكذا فإني لا أدري ما يبدوا لي من الله عز وجل فإنه سبحانه يقول: [وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون]. ولما حضرت معاوية الوفاة قال: أقعدوني, فأقعدوه فجعل يذكر الله تعالى ويسبحه ويقدسه, ثم قال مخاصما نفسه: الآن تذكر ربك يا معاوية بعد الانحطام والانهدام, ألا كان ذلك وغصن الشباب نظير ريان, وبكى حتى علا بكاءه ثم قال: هو الموت لا منجى من الموت, والذي أحاذر منه الموت أدهى وأفضع, ثم قال: يا رب إرحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي, اللهم أقل العثرة واغفر الزلة, وجد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا وثق بأحد سواك. ولما دنا أجل عمرو بن العاص دعا حراسه ورجاله, فلما دخلوا عليه, قال: هل أنتم مغنون عني من الله شيئا؟ قالوا: لا قال: فاذهبوا وتفرقوا عني, ثم دعا بماء فتوضأ وأسبغ الوضوء فقال: إحملوني إلى المسجد, ففعلوا, فقال: اللهم إنك أمرتني فعصيت, وائتمنتني فخنت, وحددت لي فتعديت, اللهم لا بريء فأعتذر, ولا قوي فأنتصر, بل مذنب مستغفر, لا مصر ولا مستكبر.

أيها المسلمون ومن أسباب سوء الخاتمة: الاشتغال بالبدعة وهجر السنة ومحاربة السنة, وتسويف التوبة فلا يزال العبد غارقا في لذاته وشهواته وهو يؤخر التوبة يوما بعد يوم, حتى يباغته الأجل, فيتحسر عندئذ ويقول: [رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت]. قال الله تعالى: [وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون]. ومن أسباب سوء الخاتمة: عدم الاستقامة على دين الله, وأهل الاستقامةهم الذين يثبتهم الله تبارك وتعالى هم الذين [تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون].

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار, آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
...المزيد

التوسل المشروع والتوسل الممنوع إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور ...

التوسل المشروع والتوسل الممنوع



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:

فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب, فاستقبل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال فادع الله يغثنا, قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: {اللهم أغثنا, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا} قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب, وما بيننا وبين سلع –يعني جبل- من بيت ولا دار, قال: فطلعت من ورائه-يعني من وراء الجبل- سحابة مثل الترس, فلما توسطت السماء إنتشرت ثم أمطرت, قال أنس: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا- أي أمطرت لمدة أسبوع كامل-. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب, فاستقبله الرجل قائما وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وانهدم البناء, فادع الله يمسكها عنا, قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:{اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام –الهضاب-, والضراب-الجبال الصغيرة-, وبطون الأودية ومنابت الشجر} يعني حولها واجعلها في هذه الأماكن في بطون الأودية ومنابت الشجر, قال: فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس. –والحديث متفق عليه- وهذا الحديث عظيم الفائدة, وفيه من الفوائد أن الدعاء من أعظم أسباب تفريج الكربات, بل هو أعظم أسباب تفريج الكربات وتيسير العسير وإزالة الشدائد والمحن, فإن من المسلمين من تصيبه شدة فيأخذ بجميع الأسباب الحسية وهذا مطلوب, لكنه يدع رب الأرباب ومسبب الأسباب, والله عز وجل يقول: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) ,وفي الحديث بيان استحباب استسقاء الإمام إذا طلب الناس منه ذلك, وفيه طلب الدعاء من أهل الخير وأنه مشروع, لكن يطلب الدعاء من الأحياء وأما طلب ذلك من الأموات فشرك وضلال مبين, ثم إنه من الخير للإنسان أن يدعو لنفسه لأنه أحرص على مصلحته من غيره, وأشد استشعارا لما يكون به من الحاجة, وفي الحديث استحباب تكرير الدعاء ثلاثا, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كرر عبارة "اللهم أغثنا" ثلاث مرات, وفيه إدخال دعاء الإستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر, وفي الحديث آية من آيات النبوة لإجابة الله دعوة نبيه ابتداءا بالاستسقاء وانتهاءا بالاستصحاء-والاستصحاء هو طلب الصحو- حينما قال: {اللهم حوالينا ولا علينا}. وفي الحديث كرامة نبينا صلى الله عليه وسلم على ربه وإنزال المطر سبعة أيام متوالية, وفي الحديث بيان أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء, فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله, بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر الناس, وسأل بقاءه في مواضع الحاجة إليه مثل بطون الأودية ومنابت الشجر, وفي الحديث أدب الدعاء عند كثرة المطر فلا يدعو برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره, بل يدعو برفع الضرر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, لم يقل اللهم أمسكها عنا وإنما قال: {اللهم حوالينا ولا علينا}, وقال: {اللهم في بطون الأودية, ومنابت الشجر}, وفي الحديث أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها, بل يٍسأل الله رفع ذلك العارض, فمن من الله عليه بالولد مثلا ثم مرض الولد فلا ينبغي له أن يتشاءم بالولد, بل يسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيه وأن يلبسه لباس العافية, وفي الحديث استحباب رفع اليدين عند الدعاء, كما قال أنس :فرفع يديه, استحباب رفع اليدين في الدعاء ويستثني من ذلك خطبة الجمعة, فإنه لا يشرع رفع اليدين لكن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه للاستسقاء وليس من أجل الخطبة نفسها, والنبي صلى الله عليه سلم يقول: {إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا}-رواه أبو داوود والترمذي-, وفي الحديث جواز ذكر النقم التي تحل بالمسلم إذا لم يقصد بذلك التسخط من تدبير الله تعالى, وإنما قصد إظهار حاله لمن يستطيع نفعه ولمن يعينه بنصيحة أو توجيه أو رأي, كأن يذكر المريض مثلا مرضه لطبيب, ويقصد بذلك أن يستعين به على العلاج, فهذا الصحابي شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما ألم بالمسلمين, وقصد بذلك أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بالغيث, فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك, وفي الحديث دليل على ضعف الإنسان, وأنه لا يتحمل ما يشق عليه, قال الله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) فهو ضعيف في خلقته في بدنه في عزيمته, فرحمه ربه ولم يجعل عليه من حرج فيما كلفه به من التكاليف الشرعية.

أيها المسلمون وإذا كان المطر غيث الحب والثمار يحتاج إليه الإنسان لأن الثمار والحبوب أقواته يتغذى بها جسده ليبقى على قيد الحياة, فحاجة الإنسان إلى غيث القلوب أعظم, حاجة الإنسان إلى غيث القلوب وهو الوحي والإيمان أعظم من حاجته إلى غيث الحبوب, لأن الأرض إذا لم تنبت شيئا ففي أسوء الأحوال يموت الإنسان, وإذا كان من أهل الخير تغمده الله بواسع رحمته وفاز فوزا عظيما, وأما إذا لم تغث القلوب بغيث الوحي والإيمان ماتت, وموت القلب يترتب عليه الشقاء والخسران المبين, فكما أن الأرض لا تحيى إلا بالماء فإن القلب لا يحيى إلى بالوحي والإيمان, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقا بالعباس, وقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" ,قال: فيسقون. –رواه البخاري-, وهذا الحديث فيه أن عمر رضي الله عنه لما أجدبوا –أصابهم الجدب والقحط- في عام الرمادة استسقى بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم, طلب منه أن يدعو الله للمسلمين للسقيا لأنه عم النبي صلى عليه وسلم, لأنه من أهل البيت, فحري أن يستجاب له لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم, وماذا قال عمر؟ "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا" وهذا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, أي كنا نطلب منه الدعاء هذا هو معنى كنا نتوسل كنا نطلب منه الدعاء, كما سمعتم في الحديث الأول وهذا عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة, فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم صار الاستسقاء به متعذرا, لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم صار التوسل به غير ممكن, لأن الميت لا يقدر على الدعاء ولا يقدر على نفع الأحياء ولذلك لا يجوز طلب شيء منه, فمن فعل وتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بشخص آخر فقد أشرك, وأما في حال الحياة فإنك تطلب من الحي الذي يقدر على الدعاء أن يدعو لك, فهذامن التوسل المشروع, إذ أن التوسل ينقسم إلى قسمين, منه مشروع ومنه ممنوع, ومن التوسل المشروع طلب الدعاء من الحي, ومنه التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى, كأن تقول: يا تواب تب علي, وكأن تقول: يا حي أحي قلبي بالإيمان, وكأن تقول: يارحمان ارحمني, والله عز وجل يقول: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ,ومن التوسل المشروع التوسل بلأعمال الصالحة, كما توسل أصحاب الغار بأعمالهم الصالحة عندما انطبقت عليهم الصخرة, عندما سدت عليهم الغار فتوسل الأول ببره لوالديه, والثاني بعفافه, والثالث بأمانته, ثم فرج الله عنهم وخرجوا يمشون, وأما التوسل الممنوع فهو التوسل بالأموات, بأن يسألهم الإنسان الدعاء أو يستشفع بهم عند الله في قضاء حوائجه, فهذا توسل شركي بدعي, وكذلك التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته أو بجاه الولي, كل ذلك من التوسل الممنوع وأشد أنواع التوسل قبحا التوسل بالأموات, لأن هذا من وسائل الشرك, وهذا من فقه عمر, انتبهوا واستمعوا هذا من فقه عمر, قال: "إنا كنا نتوسل إليك بنبينا...والآن نتوسل إليك بعم نبينا" لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أهل الصلاح, فكون عمر عدل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوسل به مع أن قبره قريب من منبره لأنه كان في المسجد النبوي وليس بينهما إلا أمتار ولا شك أنه أفضل من العباس, يعني النبي صلى الله عليه وسلم ومن كل مخلوق وفضله صلى الله عليه وسلم باق حيا وميتا, لكن كون عمر عدل عنه وعن التوسل به وهو ميت إلى العباس وهو مفضول فالتوسل بالمفضول مع وجود الفاضل لكونه ميتا فهذا هو المشروع فيه دليل على أنه لا يجوز التوسل بالموتى وإنما التوسل بدعاء الأحياء.

فاللهم إنا نسألك أن تزيننا بزينة الإيمان, اللهم إنا نسألك أن تعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, اللهم يسر العسير واجبر الكسير, اللهم اجعل خير لحظة في هذه الدنيا وأسعدها هي لحظة الرحيل عنها والخروج منها, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا ...

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ كيف أنعم؟ وصاحب الصور قد التقم القرن, واستمع الإذن متى يأمر بالنفخ} فكأنما ثقل ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لهم: { قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل} –الحديث رواه الترمذي, هو في الصحيح الجامع-.

يقول عليه الصلاة والسلام:{ كيف أنعم؟...} أي كيف أنعم بالحياة؟ كيف أركن إلى الدنيا؟ وكيف تطيب لي الحياة؟وكيف ألتذ بالعيش وأسر به؟ {...وصاحب القرن...} الذي هو إسرافيل, مستعد, متهيء ينتظر أن يأمره الله بالنفخ في الصور, فينفخ. فكأن ذلك صعب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا له: كيف نقول يارسول الله؟ قال: {قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل} يعني التجأنا إلى الله, حسبنا الله ونعم الوكيل. فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد يذكر الناس بهذا الحديث, وأن موعد الساعة قد اقترب, ليستعدوا للقاء الله بالعمل الصالح, والنفخ في الصور نفختان: النفخة الأولى: نفخة الفزع والصعق, حيث يموت على إثر النفخة كل من يكون يومئذ حيا على الأرض, والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس, وشبه العلماء تقريبا للمعنى إلى الأذهان, الصيحة بصوت الرعد, القوي, الشديد, المفزع, أو برجل جهير –أي جهوري الصوت-, يصيح إلى جانب صبي صغير, فيفزع الصبي ويموت, هذا تقريب للمعنى, وإلا فالحقيقة لا يعلمها إلا الله, ثم يمكث الناس بعد النفخة الأولى أربعين عاما, أمواتا خاملين, ثم ينزل الله مطرا, فتنبت منه أجساد الناس, حتى إذا تكاملت الأجساد, حيي إسرافيل, فيأمره الله عز وجل بالنفخة الثانية, فتنطلق الأرواح إلى أجسادها, لا تخطئ روح الجسم الذي كانت فيه, فتحيى الأجساد بإذن ربها, ويقوم الناس قياما ينظرون, يقول الله عز وجل: [ما بعثكم ولا خلقكم إلا كنفس واحدة]. عشرات الملايير من البشر وأكثر, يبعثهم الله تعالى كأنهم نفس واحدة, [ما بعثكم ولا خلقكم إلا كنفس واحدة], وهذا محير للعقول, ولكن لا يستحيل على قدرة الله عز وجل, لا يستحيل على قدرة الله شيء. قال العلماء: الذين يغرقون في البحر, فتقتسم لحومهم الحيتان, ولا يبقى منهم شيء إلا العظام, فتلقيها الأمواج إلى الساحل, ثم تصير العظام بالية نخرة, ثم تمر بها الإبل فتأكلها, ثم تسير الإبل فتبعر, ثم يجيء قوم فينزلون فيأخذون ذلك البعر, فيوقدون به النار, ثم تخمد تلك النار, ثم تجيء الريح فتلقي ذلك الرماد يمينا وشمالا, ثم إذا نفخ إسرافيل نفخة البعث والنشور, خرج أولائك الذين تناثرت ذرات أجسادهم, وأهل القبور سواءا. إن ذلك يسير على الله عز وجل, فإنه يجمع ما تناثر من ذرات أجساد الناس, ويعيده كما كانت أول مرة, يعيد ما تفرق منها في البر, والبحر وفي بطون السباع, حتى تكون كهيأتها الأولى, حتى السقط الذي لم يكتمل نموه في بطن أمه وسقط, لكن نفخت فيه الروح, يبعث يوم القيامة, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: { والذي نفسي بيده, إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته}. –رواه بن ماجه, وهو في الصحيح الجامع-. إذا احتسبته معناه: إذا صبرت, إذا احتسبت الأجر عند الله عندما سقط, عندما فقدته احتسبت. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بحمزة, وهو قتيل يوم أحد, وقد جدع ومثل به, فقال: {لولا أن تجد صفية في نفسها –أخته صفية بنت عبد المطلب- يعني لولا أن تحزن- لتركته حتى تأكله العافية –يعني السباع- حتى يحشر من بطونها يوم القيامة} –والحديث في الصحيح الجامع, رواه أبو داوود في سننه-. يقول الله عز وجل: [ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن الأرض] هذه النفخة الأولى: كلهم يموتون من الفزع, [...إلا من شاء الله] قيل: هؤلاء هم الحور العين, والولدان في الجنة, لأنهم في الجنة هكذا قيل والله أعلم. [ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ]. إذا بعث الناس يوم الدين, تحسر المجرمون المكذبون, وصدموا بحقيقة البعث بعد الموت, كانوا يظنون ألا بعث, فإذا نفخ إسرافيل في الصور صدموا, يقول الله تعالى: [ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون] يعني من القبور الأجداث, [...إلى ربهم ينسلون] أي يسرعون, [قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا] فيجابون تجيبهم الملائكة والمؤمنون: [هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون] هذا ما كنتم به تكذبون يقول الشيخ السعدي رحمه الله في قوله تعالى [هذا ما وعد الرحمان] يقول: ولا تحسبن ذكر الرحمان في هذا الموضع لمجرد الخبر عن وعده, وإنما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم سيرى الناس من رحمته ما لا يخطر على عقولهم -إنتهى-. إن الإنسان قبل أن يكون بشرا سويا, لم يكن شيئا مذكورا, لقد كان كائنا لا يمكن أن تراه إلا بالمجهر, ثم نمى ذلك الكائن, وتلك النطفة, إلى أن صارت بقدرة الله بشرا سويا, له سمع وبصر, وعقل, إلى أن أصبح شابا قوي البنية, عندئذ تمرد على الله, تمرد على الذي خلقه من نطفة, [فإذا هو خصيم مبين] طغى وتجبر, ونسي صورته الأولى, نسي خلقته, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسق يوما في كفه, فوضع عليها أصبعه, قال:{ قال الله تعالى: بني آدم, أنى تعجزني., وقد خلقتك مثل هذه, حتى إذا سويتك وعدلتك, مشيت بين برديك, وللأرض منك وئيد –يمشي مشية الاستكبار- فجمعت ومنعت, حتى إذا بلغت التراقي, قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة} –رواه بن ماجه وهو في السلسلة الصحيحة-.

العاص بن وائل أحد المشركين الغلاظ, أخذ عظما من البطحاء بطحاء مكة, وجعل يفتته بيده, ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستهزءا ساخرا: أيحيي الله هذا بعدما أرم؟ بعدما بلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يميتك ثم يحييك, ثم يدخلك جهنم} ونزلت الآيات من سورة ياسين :[وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم[] قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم]. ربما أيها الناس ستذكرون هذه اللحظات, التي أحدثكم فيها عن البعث, والنشور, وأنتم تخرجون من قبوركم, حفاة عراة غرلا, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { يآيها الناس, إنكم تحشرون إلى الله, حفاة, عراة, غرلا, [كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين]} ثم قال: {ألا إن أول الناس يكسى يوم القيامة إبراهيم, ألا إنه يأتى برجال من أمتي, فيأخذ بهم ذات الشمال, فأقول: يا رب أصحابي, فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فأقول كما قال العبد الصالح: [وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد[] إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم] فيقال: إنهم لا يزالون مدبرين مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم} –رواه البخاري ومسلم-. فهنيئا لمن كسي في ذلك اليوم من ثياب الجنة, فإنه من لبسها فقد لبس جبة تقيه مكاره الحشر, وعرقه, وحر الشمس, وغير ذلك من أهوال يوم القيامة. وإبراهيم يكون أول من يكسى, إبراهيم يكون أول من يكسى من الخلق, لأن قومه لما أرادوا أن يلقوه في النار, جردوه من ثيابه, فصار عاريا, فجوزي بأن كان أول من يكسى, ثم يليه بعد ذلك محمد صلى الله عليه وسلم, وتكون الحلة التي يكساها لا يقوم لها البشرلينجبر ما حصل له من التأخير, استدل بهذا الحديث الشيعة الشنيعة عليهم من الله ما يستحقون, على أن الصحابة ارتدوا عن دينهم وحاشاهم من ذلك, والشيعة فجرة مفترون, كذبة, يقول الله تعالى: [محمد رسول الله والذن معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود], أبعد أن زكاهم الله من فوق سبع سماوات, يرتدون على أعقابهم, إن هذا لهو البهتان المبين, وإنما الذين ارتدوا هم الأعراب, الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا, ثم تولوا مدبرين, وحاربهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين,ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تجتمعون يوم القيامة, فيقال: أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيقومون, فيقال: ماذا عملتم؟ فيقولون: ربنا ابتليتنا فصبرنا, ووليت الأموال والسلطان غيرنا, فيقول الله جل وعلا: صدقتم. قال: فيدخلون الجنة قبل الناس,} قيل بخمسمئة سنة. وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال, والسلطان, قالوا: فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: توضع لهم كراسي من نور, ويضلل عليهم الغمام, يكون ذلك أقصر على المسلم من ساعة من نهار} –رواه الطبراني وهو حديث صحيح- يكون يوم القيامة وطوله خمسون ألف سنة, يكون على المؤمن أقصر من ساعة من نهار, ولذلك قال بن عباس وغيره في قوله تعالى: [أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا] قالوا: ما هي إلا ضحوة, ما هي إلا ساعات, ثم يقيل أولياء الله مع الحور العين على الأسرة, ويقيل المجرمون أعداء الله مع الشياطين المقرنين, ما هي إلا ضحوة, [أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا] يعني تقوم القيامة بعد الفجر, فما تمضي إلا ساعات, فإذا المؤمنون قائلون على الأسرة مع الحور العين, وإذا أعداء الله قائلون مع الشياطين القرنين.

أسال الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المرحومين, اللهم اجعلنا من عبادك المرحومين, اللهم اجعلنا من عبادك المرحومين, اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب لها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب لها من قول وعمل, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا, وانصرنا على القوم الكافرين, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين
...المزيد

الأمراض النفسية أسبابها وآثارها إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور ...

الأمراض النفسية أسبابها وآثارها



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبد ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:

فإن الإنسان جسد وروح, وكل من جسده وروحه تعتريه أمراض وعلل, أما الأمراض التي تصيب الجسد فمحسوسة وتعالج لدى المختصين في المراكز الاستشفائية, وأما العلل التي تعتري الروح وتدعى بالأمراض النفسية, فهي في الغالب غير محسوسة, وإنما تعرف بآثارها, وربما كانت أشد خطورة من الأمراض الجسدية, لأنها قد تدمر حياة الإنسان, وتدفعه إلى قتل نفسه, ولقد كثرت الأمراض النفسية في عصرنا هذا بصورة واضحة, وليس أدل على ذلك من كثرة حالات الانتحار التي تحدث بين الفينة والأخرى, وهذا أخطر الآثار النفسية –أعني الانتحار-, أخطر الآثار النفسية لهذه المشكلة, ومن بين آثار هذه المشكلة: الوقوع في الجريمة, والفساد الأخلاقي, ومعاقرة الخمر, وتعاطي المخدرات, وحب العزلة, والانطواء على النفس, والنقمة على المجتمع, وتشتيت شمل الأسرة, وتفكيك الرابطة الزوجية, وكثرة الشكوك, وقلة الثقة بالناس, فقد يفقد المريض نفسيا ثقته في أقرب الناس إليه, ومن آثار هذه المشكلة: أن يصاب الإنسان بالوساوس المختلفة, بالوسواس في الطهارة, والوضوء, وبالوسواس في النية, وفي الصلاة, وفي الطلاق وغير ذلك, كل هذا مما ينشأ عن الأزمة النفسية, التي تتعب صاحبها, وتتعب من حوله من الأهل والأقارب والأصحاب, وهم يتعجبون من تصرفاته الغريبة, وقد لا يدركون الأسباب الحقيقية لهذه التصرفات, هذه أهم الآثار. وأما الأسباب فأخطرها: البعد عن الله, وضعف الوازع الديني, فإن الله توعد من أصر على معصيته وسلك طريق الغواية توعده بالحياة البائسة, وبأن يسلط عليه الهموم والغموم, [ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى [] قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا[] قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى] وأما من قويت صلته بالله, وأنس بذكره, وذاق طعم الإيمان, وقاه الله هذه الأزمات النفسية, وعاش منشرح الصدر, وكان أكثر طمأنينة من غيره, لأنه راض بما قسمه الله له, صابر على ما قدره عليه, يعلم أن في الصبر على ما يكره أجرا عظيما, [إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب]. فالبعد عن الله أخطر الأسباب التي توقع الإنسان في الأزمات النفسية, والأزمة النفسية قد تفضي بصاحبها على الإقدام على وضع نهاية لحياته, والمؤمن المستقيم على دين الله المتعلق بربه, في حفظ من ربه ووقاية [من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون] ولا ينبغي أن يتصور المسلم الحياة الطيبة المذكورة في الآية دائما أن معناها الرفاهية والترف, والمال, قد يعيش المؤمن على الكفاف, وهو اسعد من غيره ممن أعطي زهرة الحياة الدنيا, أليست العبرة براحة البال, وانشراح الصدر, [ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب] وقال الله تعالى: [الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون] ومن أنواع الأمن: الأمن النفسي, وراحة البال, فالمؤمن إذا تعرض في الحياة للمحن والشدائد فلن يفكر في قتل نفسه, لأنه يعتقد أن هذا لن يخلصه من محنته, وإنما ينقله إلى ما هو أشد, [ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما[] ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا] فالمؤمن إذا واجهته صعوبات في الحياة لجأ إلى الله, قال الله تعالى: [أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء] وقال سبحانه: [وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان] وقال سبحانه: [وقال ربكم ادعوني أستجب لكم] فالله يبتلي عبده بالمحن لأنه يحب أن يسمع صوت عبده وهو يتضرع إليه, يبتليه ليحط عنه خطاياه, ويرفع درجته في الجنة, يبتليه ليرفعه بهذا الابتلاء لمنزلة قد لا يبلغها بعمله, إن التفكير في قتل النفس يدل على أن الإنسان يظن أن الدنيا هي نهاية المطاف, وكأنه بقتل نفسه سيستريح من نصب الدنيا وعذابها, وهو في الواقع كمن يستجير من الرمضاء بالنار, تعرفون الرمضاء؟ هي شدة الحر, الإنسان الذي لا يتحمل شدة الحر فيقذف بنفسه في النار, هل هذا عاقل؟ هكذا هذا الذي يقدم على قتل نفسه, هذا تصور من لا يأمن بيوم الحساب, ولهذا تكثر حوادث الانتحار, في المجتمعات الغربيه, وتقل في المجتمعات الإسلامية. ومن أسباب الأزمات النفسية: ضعف التربية, وقد يكون ذلك بسبب موت أحد الأبوين أو كليهما, فينشأ عن ذلك انعدام التوجيه والإرشاد للولد, وقد يكون ذلك بسبب انفصال الوالدين, فيكون الطفل ضحية لذلك, ويتجرع مرارة فقدانه لحنان والديه, فيصاب بالعقد النفسية, وقد يعيش الولد بين أبويه لكنه محروم من التربية الصالحة الصحيحة, والعناية المطلوبة, بسبب قسوة المعاملة, فإن بعض الآباء يعاملون أبناءهم بغلضة وفظاظة, حتى ينفروا منهم, حتى ينفر الأبناء من آبائهم, ويبغضوهم, فالأصل في التعامل مع الأبناء, بل مع الناس جميعا الرفق, إلا إذا استدعى الأمر أن يكون الأب والأم في بعض الأحيان صارمين, فإن هذا مطلوب, فالمربي الحكيم مثل الشمس تلفح أجسادنا في الصيف, فنفر منها, ونحن إلى دفئها في الشتاء, ومن أسباب وقوع الولد في الأزمات النفسية: إنشغال الأب بتجارته ووظيفته, وانشغاله مع أصدقائه, بحيث لا يبالي بولده, ولا يتحسس مشكلاته, ولا يدري عن حاله, ولا من يصاحبهم شيئا, والكلام عن الذكور ينطبق تماما على الإناث, فلا يجد الولد قلبا حانيا يبوح له بهمومه, فينحرف ويصبح إنسانا غير سوي, في سلوكه وفي نظرته للناس وللحياة, بل قد يتحول إلى معول هدم في الأمة, ومن أسباب هذه المشكلة: ما يتعرض له بعض الناس على يد الظلمة, من عدوان فلا يجدون معينا من الناس ولا ناصرا, والمنبغي في هذه الحال الصبر والاحتساب, وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة, لأن هذا قد يزيد المشكلة تفاقما, قال الله تعالى: [خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين] وقال تعالى: [إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم] كأنه صديق حميم, إذا قابلت الإساءة بالإحسان, هذا قرآن, هذا وحي منزل من السماء, وهذا يتطلب مجاهدة عظيمة للنفس, ولذلك قال ربنا سبحانه: [وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم] لا يوفق إلى هذه الخصلة الحميدة إلا ذو قدر كبير من الأخلاق السامية الحسنة, فإن لم يأثر في المعتدي الإعراض ومقابلة الإساءة بالإحسان, لأن بعض المعتدين مثل الوحوش الكاسرة, فليلجأ المظلوم إلى من يجيب دعوة المضطر إذا دعاه, فليلجأ المظلوم إلى من يقول لدعوة المظلوم: { وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} فوالله لينصرنه الله ولو بعد حين, وفي الحديث الصحيح: {واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} ولا بأس بأن يلجأ إلى الجهات الوصية, ولا ينبغي أن يشعر بالهوان والذلة لأنه منصور إن عاجلا أو آجلا, وما أكثر ما ننسى أن الدنيا لا تصفوا لأحد, أرادها الله أن تكون مزيجا من الخير والشر, [ونبلوكم بالشر والخير فتنة] وقال الله تعالى: [ لقد خلقنا الإنسان في كبد] فابن آدم يكابد غمومها وهمومها, إلى أ يلقى ربه عز وجل, فلا بد أن يعود نفسه على تحمل الصعاب, فإن خيرة البشر أعني الأنبياء والصالحين لم يسلموا من البلاء, وفي الحديث الصحيح: { مرة الدنيا حلوة الآخرة } ومن أسباب الأزمات النفسية: أن ينظر الإنسان إلى من فضل عليه في الرزق, فيشعر بالحرمان والتعاسة, مع أن ما هو فيه من النعمة يتمناه الكثيرون ممن هم دونه, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: { أنظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم} فعلى الإنسان إذا أراد أن يعيش مطمئنا راضيا عن الله أن ينظر إلى من هو دونه, ليعرف قدر فضل الله عليه, فليست السعادة أن تملك أكثر مما يملكه الآخرون ولكن السعادة أن ترضى أكثر مما يرضى الآخرون, وأن تقنع أكثر مما يقنع الآخرون, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين, واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

أيها المسلمون ومن أسباب الأزمة النفسية: أن ينظر الإنسان إلى من حوله من زوجة وأقارب وأصدقاء نظرة خاطئة, يريد من الآخرين أن يكونوا كاملين في كل شيء, فإذا رأى منهم تقصيرا في حقه, أو عيبا تكدر وقلق, وربما أصبح في صراع مع محيطه, مع أسرته ومع أصدقائه , كأنه خلق مبرءا من كل عيب, وكأن مثله لم تلد النساء, وقد تكون هذه النظرة السيئة سببا في تنغيص حياته الزوجية, والأسرية, وسببا في تنغيص علاقته مع الآخرين, وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى التغاضي عن عيوب الآخرين, لا سيما إذا كانت عيوبهم أقل من محاسنهم, أرشدنا إلى التغافل عن العيوب لا سيما إذا كانت المحاسن أكثر من العيوب, ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم: {لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر} وهذا لا ينطبق على الزوجة فحسب, بل يشمل جميع من لك بهم صلة, فالقاعدة تشمل الجميع, فإذا رغبت في دوام الصحبة والإبقاء على المحبة, فانظر إلى الإيجابيات, وانظر إلى المحاسن, وتغاضى عن المساوئ والسلبيات, مع السعي الدائم في إصلاح نفسك وغيرك, والله تعالى أعلم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا, وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا, وانصرنا على القوم الكافرين, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا, وتوفنا مع الأبرار, اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا ...

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فعن أبي مالك الأشعري, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {أربع في امتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب, والطعن في الأنساب, والاستسقاء بالنجوم, والنياحة. وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران, ودرع من جرب} _رواه مسلم وغيره_ خصال الجاهلية التي لا تزال مستمرة في الأمة كثيرة, منها قطيعة الأرحام, والاستغاثة بأصحاب القبور, وأكل الربى وأكل مال اليتيم. وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأربع من باب ضبط العلم, حتى يتيسر حفظه, ونسب هذه الخصال المذكورة إلى الجاهلية,تحذيرا منها وتنفيرا, فهذا أبلغ من أن يقال: هذه الخصال محرمة عليكم أيها المسلمون. ولذلك لما عير أبو ذر أحد الصحابة بأمه, شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأبي ذر: {يا أبى ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرء فيك جاهلية} .قال: أعلى كبر سني؟ قال: {نعم}, يعني هذا لا يليق بمثلك, ومقامك, والجاهلية هي مرحلة ما قبل الإسلام, سميت بذلك لأن الناس كانوا في جهل مطبق, وضلال مبين, يعبدون الأوثان, ويئدون البنات, ويقتلون أولادهم خشية الفقر, ويأكل القوي منهم الضعيف, قال العلماء: "ولا يجوز وصف المجتمع المسلم بأنه مجتمع جاهلي" هذا خطأ فادح, لأن معنى ذلك أنه ليس في المجتمع رائحة الإسلام, وهذا خطأ عظيم, ترتبت عليه الويلات, والطامات, وإنما يقال: المجتمع فيه خصال من خصال الجاهلية. قال عليه الصلاة والسلام: {الفخر بالأحساب} أي يتفاخر الإنسان بمآثر آبائه,وأجداده. كأن يقول: كان أبي شجاعا مقداما يقوله من باب الفخر, والتباهي, كان أبي شجاعا مقداما وفارسا مغوارا, وكان جوادا قل نظيره في الأمة, وكان جدي مضيافا ملجأ لليتامى, والأرامل, ويدخل في الفخر بالأحساب: التباهي بشرف القبيلة, كأن يقول القائل قبيلتنا أشرف من قبيلتكم, ونسبنا أرفع من نسبكم, كأنهم خلقوا من ذهب, وغيرهم خلق من طين, وقد قال الله تعالى: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم] الكريم على الله هو التقي, بغض النظر عن كونه شريفا أو غير ذلك. الخصلة الثانية: {الطعن في الأنساب} كأن يعيب زيد نسب عمر ويتنقصه, ويحقر نسبه ونسب أبيه وجده, وأن يعتبر نسبه أرقى من نسب صاحبه, وليست الأنساب هي التي تنفعك عند الله, ليست الأنساب هي التي ترفع قدرك عند ذي الجلال والإكرام, قال صلى الله عليه وسلم: {ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} كم من شريف وقد صغره فجوره, وحقره فسقه, وكم ممن يعده الناس وضيع النسب, وقد رفع قدره عند الله تقواه, وتواضعه. المؤمن إذا كان حقيقة نسيبا لا يزيده ذلك إلا تواضعا لربه, قال صلى الله عليه وسلم: {وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله عز وجل} _رواه مسلم_.

ما ضر بلال أن كان مولى وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ لقد سمعت البارحة بين يدي دف نعليك في الجنة} وهل نفع أبا لهب نسبه؟ وهو عم نبينا صلى الله عليه وسلم, قال الله عنه: [تبت يدا أبي لهب وتب[] ما أغنى عنه ماله وما كسب[] سيصلى نارا ذات لهب] ومما ترتب على الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب, أن كثيرا من الأسر يرفضون أن يزوجوا بناتهم لأناس نسبهم وضيع, كما يدعون ويزعمون, وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: {كلكم من آدم وآدم من تراب}. ألم تعلموا أيها المسلمون أن زيد بن حارثة وكان مولى, تزوج زينب النسيبة, القرشية, وأن بلالا المولى, بلال الحبشي تزوج أخت عبد الرحمن بن عوف القرشية

كن بن من شئت واكتسب أدبا يغنيك مضمونه عن النسب إن الفتى من يقول هآ أنا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي

يقول الله عز وجل: [فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسآلون] يخبر الله تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة البعث والنشور, وقام الناس من القبور, فلا يبالي أحد بأحد, ولو كان أقرب قريب, [ولا يسأل حميم حميما [] يبصرونهم...] أي لا يسأل قريب قريبه عن حاله وهو يبصره, ولو كان عليه من الخطايا ما أثقل ظهره, ولو كان أعز عليه في الدنيا من كل عزيز, لا يمكن أن يلتفت إليه, ولا يمكن أن يحمل عنه مثقال جناح بعوضة. عن بن مسعود رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة, جمع الله الأولين والآخرين, ثم نادى مناد: ألا من كان له مظلمة, فليجئ فليأخذ حقه, فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته, وإن كان صغيرا, ومصداق ذلك [فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسآلون] , يصيبهم من الهول ما ينسيهم أنسابهم التي كانوا يتعززون بها في الدنيا, ويفتخرون.

الخصلة الثالثة {الاستسقاء بالنجوم} كان أهل الجاهلية يعتقدون أن النجوم لها تأثير في نزول المطر, وفي زمننا هذا طوائف من المسلمين يصنعون الوعدة والزردة لأصحاب القبور ليرضوا عنهم, ويشفعوا لهم عند الله زعموا, ليغيثهم, فإذا نزل الغيث قالوا رضي عنا سيدنا, أليس في هؤلاء رجل رشيد؟ الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا أقحطوا ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على قيد الحياة, فسالوه أن يدعو لهم, أو أن يصلي بهم صلاة الاستسقاء, فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم هل صنعت له الوعدة؟ كلا. بل كان عمر وهو على المنبر, يوم الجمعة يقول: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا, وإنا اليوم نتوسل إليك بعم نبينا, قم يا عباس فادع الله أن يغيثنا, فيقوم العباس فيدعوا, لماذا لم يستغيثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن بينهم وبين قبره سوى أمتار, لأنهم كانوا في المسجد النبوي, يا قومنا أجيبوا داعي الله, وتوبوا من هذه الشركيات, والبدع والضلالات, إني لكم ناصح امين, المنبغي إذا رأى الناس المطر, أن يقولوا: مطرنا بفضل الله ورحمته, [وما بكم من نعمة فمن الله], [أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون] هكذا يقول ربنا سبحانه. الخصلة الرابعة: النياحة هي البكاء على الميت برفع الصوت, مع التسخط على قدر الله وقضاءه, كأن تقول المراة إذا فقدت زوجها: وا حزناه, وا أسفاه على أسد فقدته, من لي ولأولادي بعدك, يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا, وا حسرتاه, يا ويلتاه, هذه من الجاهلية المقيتة البغيضة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة_وذلك ما يصنعه اليوم الناس في الأعراس والمناسبات السارة -, ورنة عند مصيبة} المنبغي الرضى بقضاء الله وقدره, نعم يجوز البكاء بدمع العين, لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن العين لتدمع, وإن القلب ليحزن, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} .قال صلى الله عليه وسلم: {والنائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب} وهذا فيه دليل على أن التوبة تمحو ما تقدمها من الذنوب, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} أي لم تبلغ روحه حلقومه, توبته مقبولة. تقام يوم القيامة بين أهل الموقف, للفضيحة, وعليها سربال من قطران أي لباس من قطران , والقطران مادة تطلى بها الإبل الجرباء للمداواة, فيحرق القطران بحره وحدته الجرب. فهذه المرأة تلبس لباس من قطران, { ودرع من جرب} قال العلماء: "الدرع طبعا هو اللباس الذي تلبسه النساء, يسلط على أعضاء النائحة يوم القيامة الحكة والجرب, بحيث تغطي جلدها كما يغطي الدرع جسدها, ثم تطلى بالقطران, فيأذيها بحدته وحره, ونتن ريحه وسواد لونه, بحيث تشمئز منها النفوس". يقول بعض العلماء: "خصت النائحة بالدرع من الجرب لأنها كانت تأذي بكلماتها المحرقة قلوب ذوات المصائب, وتهيجهن على الحزن والبكاء, فعوقبت بما يماثل ذلك في الصورة, وخصت بسربال من قطران لأنها كانت تلبس الثياب السود في المآتم, فألبسها الله سربالا من قطران". أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين,ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

من فوائد هذا الحديث: تحريم النياحة على الميت, لما في ذلك من عدم الرضا بقضاء الله وقدره, ثم إن النياحة سبب في تعذيب الميت, فيا من تبكين أمواتكن أتردن أن تعذبن أمواتكن؟ هل هذا هو الوفاء؟ أهكذا يكون الوفاء والمحبة؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه} فالمنبغي على المسلم الرضى بقضاء الله وقدره, وبعض المسلمين عفا الله عنا وعنهم, إذا فقد عزيزا أعفى لحيته, ليعبر عما هو فيه من شدة الحزن, هذه عادة مقيتة, بغيضة مستكرهة, المنبغي أن يعفي المسلم لحيته في كل زمان ومكان, وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: { أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى} لو كان النبي صلى الله عليه وسلم حيا بين ظهرانينا, هل يجرأ أحد أن يقول له يا رسول الله أهذه سنة أم واجب؟ كلا بل سيسارع الجميع إلى امتثال امره صلى الله عليه وسلم. المسلم يعفي لحيته وجوبا, كما قال العلماء المحققون, ولما في ذلك من التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم, [لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر]

اللهم رضنا بقضائك, اللهم اجعلنا عند النعماء من الشاكرين, وعند البلاء من الصابرين, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين
...المزيد

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله ...

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:

يقول الله تعالى وهو يصف نبينا صلى الله عليه وسلم: (وإنك لعلى خلق عظيم) قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: "في هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان سهلا لينا قريبا من الناس, مجيبا لدعوة من دعاه, قاضيا لحاجة من استقضاه, جابرا لقلب من سأله لا يحرمه ولا يرده خائبا, وإذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محظور, وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم, لم يستبد به دونهم حتى يشاورهم ويآمرهم, وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم, ولم يكن يعاشر جليسه إلا أتم عشرته, إلا أتم عشرة وأحسنها, وكان لا يعبس في وجهه, ولا يغلظ عليه في مقاله, ولا يطوي عنه بشرة, ولا يمسك عليه فلتات لسانه -يعني لا يآخذه بزلات اللسان-, ولا يآخذه بما يصدر منه من جفوة بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان, ويحتمله غاية الاحتمال" إنتهى كلامه رحمه الله.

أيها المسلمون إن الأخلاق أحد الأهداف السامية والغايات النبيلة التي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل تحقيقها {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق} –حديث صحيح-, وصفته عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما بقولها: {كان خلقه القرآن} –والحديث صحيح كما هو معروف-, كان خلقه القرآن يعني كان يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه, فالأخلاق باب عظيم من أبواب الدين, والأخلاق من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم. لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غار حراء وفرائسه ترتعد, أرادت خديجة رضي الله عنها أن تطمئنه وتسكنه, فقالت: {والله لا يخزيك الله أبدا, إنك لتصل الرحم, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم –الفقير-, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق} –رواه البخاري-. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن} –والحديث مخرج في الصحيحة-, وعن أسامة بن شريك قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير –يعني صامتين- ما يتكلم منا متكلم, إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله؟, قال: {أحسنهم خلقا}. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن معاذا رضي الله عنه أراد سفرا, فقال: يا رسول الله أوصني, قال: {اعبد الله ولا تشرك به شيئا}, قال: يا نبي الله زدني, قال: {إذا أسأت فأحسن} -إذا صدرت منك سيئة فأتبعها بحسنة تمحها-, قال: يا رسول الله زدني, قال: {استقم ولتحسن خلقك}. وأريد في هذه العجالة أن أتحدث عن أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم في رمضان, فلقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رماضانات لم يبد منه إلا كل خلق نبيل, في رمضان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيض جودا وكرما وسخاءا مثل الريح المرسلة التي يجيء بعدها الغيث الذي ينبت الزرع ويحيي الأرض بعد موتها ويعم نفعه الجميع, فعن بن عباس رضي الله عنهما قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن, فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة} –رواه البخاري-. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه}, من لم يدع الكذب والنميمة والغيبة وقول الزور وشهادة الزور وغيرها من الآثام فكأنه لم يصم, فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه -رواه البخاري-. فما أجدر المسلم أن يتحلى في هذا الشهر الكريم بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم, وكل مسلم مأمور بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم, (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) وكان عليه الصلاة والسلام يخص هذا الشهر دون غيره بمزيد من البذل والعطاء, قال بن القيم في الزاد: "كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات, فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان, وكان إذا لقيه أجود بالخير من الريح المرسلة, وكان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان, يكثر في هذا الشهر من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف, وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور, ثم إنه كان يواصل الصيام يواصل النهار بالليل يواصل فيه أحيانا حتى يوفر ساعات ليله ونهاره بالعبادة" –إنتهى كلامه رحمه الله-. وقد تعلم الصحب الكرام من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الهدي, فكان لهم في رمضان مزيد من البذل والعطاء أيضا والجود والكرم, فكان أحدهم لا يهنأ بطعام حتى يرى على مائدته الفقراء والمساكين, كانوا يبحثون عن الفقير أكثر مما يبحث عنهم فكأنهم هم أصحاب الحاجة, وقد أثر عن بن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يأكل طعاما إلا ومعه يتيم على مائدته, وكان حماد بن أبي سليمان يفطر كل ليلة في شهر رمضان مئة نفس فإذا كانت ليلة الفطر كساهم أو كسى كل أحد منهم ثوبا, فالمسلم يتقرب إلى الله في هذا الشهر ويكثر من الطاعة والعبادة كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يفعل. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلى على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

أيها المسلمون, إن المسلم في رمضان يتربى على الأخلاق الفاضلة والشمائل الحسنة, يتربى على الصبر والحلم وضبط النفس, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {...والصيام جنة -وقاية-, فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث –لا يقل كلاما سخيفا سيئا-, ولا يسخب –لا يصيح ولا يصرخ-, فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم} –رواه البخاري ومسلم-. يتربى المسلم في رمضان خاصة وإن كانت حياة المسلم كلها تربية وآداب, يتربى المسلم في رمضان على كبح جماح شهواته وتهذيب نفسه وتزكيتها, فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة, يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوات بالنهارفشفعني فيه, ويقول القرآن: أي ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه, قال: فيشفعان} –والحديث صحيح مخرج في صحيح الترغيب والترهيب- .

أيها المسلمون ويجب على المسلم أن يحذر من الخصام والشجار والغضب والاختلاف مع إخوانه, لماذا قلت هذا؟ ,لأن الخلاف شأم. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا بليلة القدر, فتلاحى رجلان –يعني اختصم رجلان-, والنبي صلى الله عليه وسلم جاء ليخبر الصحابة أي ليلة هي ليلة القدر, فتلاحى رجلان من المسلمين, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {خرجت لأخبركم بليلة القدر, وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خير لكم}, يعني رفع العلم بها من أجل ما كان من الخصام بين ذينك الرجلين, فالخلاف والخصام شأم فقد رفع العلم بليلتها من أجل الخصام الذي كان بين الرجلين. فاللهم جنبنا الخلاف وشر الخلاف, وبلغنا رمضان وتقبله منا, اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم, وتقبل منا إنك أنت السميع العليم, اللهم آت نفوسنا تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة, وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين .
...المزيد

ألا أدلكم على ما هو أخطر على الأمة من فيروس كورونا؟ الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول ...

ألا أدلكم على ما هو أخطر على الأمة من فيروس كورونا؟



الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه أما بعد:

فإن الكذب جريمة شنعاء, وخصلة ذميمة, قرنه الله لبشاعته بالشرك وعبادة الأوثان فقال: [ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور]. توعد أهله بالنار الحامية, قال النبي صلى الله عليه وسلم: { وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار, ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا} –متفق عليه-.إذا قيل لشخص: أنت كذاب, إستشاط غضبا, ولم ويرض أن ينعت بالكذب, فكيف تطيب نفسه بأن يكتب اسمه عند الله في قائمة الكذابين, بل كيف يرجوا أن يستجاب دعاءه وقد كتب عند رب العالمين كذابا. الكذب من خصال أهل النفاق, يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان, إذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر} –متفق عليه-, لقد أخبرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن مصير الكذبة في الحياة البرزخية بعد الموت مصير مخز مذل مهين, يقول عليه الصلاة والسلام: {إنه أتاني الليلة آتيان –يعني في المنام- وإنهما قالا لي: إنطلق, وإني انطلقت معهما, فأتيا على رجل مستلق لقفاه, وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد, وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه ويشرشر شقه إلى قفاه, ثم يتحول إلى الشق الثاني فيفعل به مثل ذلك, فإذا التأم الشق الأول عاد إليه ففعل به مثل ما فعل به أول مرة وهكذا يكون عذابه إلى يوم القيامة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله, ما هذا؟ قالا: هو الرجل يغدوا من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق –أي تنتشر في الناس انتشارا سريعا} –الحديث رواه البخاري-. الكاذب لا يؤتمن جانبه, ولا يوثق به في خبر ولا معاملة, وهو موضع احتقار لدى الناس, فكيف يحلوا للإنسان أن يتخذ الكذب مطية لقضاء حوائجه, بعض الكفار يعافون الكذب, ويشق عليهم التخلق به لبلوغ مآربهم لأنه ينافي الفطرة السليمة, هذا أبو سفيان قد ذهب إلى الشام قبل أن يسلم, ولما أتت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم هرقل ملك الروم, قال لمقربيه: أدعوا لي من ها هنا في الشام, أدعولي من ها هنا من العرب, فدعي إليه أبو سفيان, فسأله أسئلة عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, قال أبو سفيان: فوالله لولا الحياء أن يؤثروا علي كذبا لكذبت عليه, وكان صادقا في إجابته عن الأسئلة التي وجهت إليه حتى قال هرقل: إذا كان ما تقول حقا, فسيملك صاحبكم موضع قدمي هاتين} –رواه البخاري-. وكان الأمر كما قال, تأملوا كيف كان أهل الشرك يتنزهون عن الكذب ويستحيون من أن ينسب إليهم, فكيف يطيب للمسلم الكذب وقد أكرمه الله بالإسلام والسنة وأمره بالصدق وحرم عليه الكذب, وحذره منه تحذيرا شديدا, قال عمر: "لأن يضعني الصدق وقل ما يضع, أحب إلي من أن يرفعني الكذب وقل ما يفعل".

أيها المسلمون, إن فيروس الكذب لأخطر بكثير جدا من فيروس كورونا وغيره من الفيروسات, أتعجبون؟ فمن مات وهو مصاب بفيروس الكذب فأظنكم قد عرفتم مصيره من خلال ما تقدم من النصوص, ومن قدر الله أن يقتله فيروس كورونا من أهل الخير والصلاح فإن له عند الله للحسنى, ألا يستقيم أن تنظم حملات توعوية ودورات تحسيسية بشأن فيروس الكذب.

أيها المسلمون أخطر صور الكذب: الكذب على الله ورسوله, ومن ذلك تحليل الحرام وتحريم الحلال, والقول بأن هذا سنة, وهذا بدعة على غير بصيرة ومن غير بينة, يقول الله تعالى:[ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة] وقال الله تعالى: [ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار} –رواه البخاري ومسلم-, ومن أقبح صور الكذب ما يتوصل به إلى أكل اموال الناس بالباطل, قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من حلف على مال مسلم بغير علمه لقي الله وهو عليه غضبان, ثم قرأ قول الله تعالى: [إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم]} –رواه البخاري ومسلم-, قال بعض العلماء: ينبغي للقاضي إذا أراد أن يحلف أحد المتخاصمين أن يقرأ عليه هذه الآية العظيمة تحذيرا له من الفجور في الخصومة. ومن أبشع صور الكذب ما يقوله العرافون والكهان للجهلة السذج المغفلين, بحيث يخدعونهم بمعسول كلامهم الآثم, ويستولون على أموالهم بغير مشقة بلا كلفة في يسر وسهولة, ويشترك معهم الذين يقصدونهم, يشترك معهم هؤلاء الجهلة في الإثم لأنهم يروجون لبضاعتهم الفاسدة الخبيثة, وقد جاء في الحديث الصحيح: {من أتى عرافا أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم} –والحديث في الصحيح الجامع-. ومن صور الكذب أن يأتي إليك, أحد المخادعين الغادرين ويدعي كذبا وزورا أن زوجته في حالة مرضية حرجة, أو أن ولده على وشك إجراء عملية جراحية وليس عنده مال وليس عنده طعام, يذرفون دموع التماسيح, ويستدرون عواطف الطيبين [ألا ساء ما يعملون]. إن رحمة الضعفاء والإحسان إلى المحتاجين رفعة عند الله وعند الناس وأجر ومثوبة, لكن أهل الإحسان ينبغي ألا يجودوا بأموالهم إلا بعد التحري والإيقان وينبغي الا ينخدعوا بكلام الدجالين, ومن صور الكذب شهادة الزور, وذلك بأن يكذب الإنسان في شهادته أو يشهد بما لا يعلم, ويشتد التحريم إذا أخذ في مقابل ذلك دراهم معدودة, عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ألا أنبؤكم بأكبر الكبائر ثلاث مرات} قلنا: بلا يا رسول الله, قال: {الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وكان متكئا فجلس وجعل يقول: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت} إشفاقا عليه ورأفة به صلى الله عليه وسلم –رواه البخاري ومسلم-. ومن صور الكذب الكذب في الرؤيا, بأن يقول إنسان: رأيت في منامي كذا وكذا وهو لم ير شيئا, وخاصة إذا قال: رأيت في منامي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثني بكذا وكذا وقال لي كذا وكذا, هذا باطل وهذا خطر عظيم, فمن يفعل ذلك فهو على خطر عظيم, الكذب في الرؤيا كذب على الله, لأن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{من أفرى الفرى –يعني من أشد صور الكذب خطورة- أن يري الإنسان عينه ما لم تر}. ومما يتساهل فيه بعض الناس الكذب لإضحاك الآخرين وذلك بالطعن في أعراض الأبرياء والاستهزاء بهم والسخرية منهم, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم, ويل له ثم ويل له} –رواه أبو داوود والترمذي- ومما يتساهل فيه الناس الكذب على الصبيان بأن يعدهم آباؤهم وأمهاتهم خيرا ثم لا ينجزون لهم ما وعدوهم, فهم بذلك يغرسون في نفوسهم بذرة خبيثة, ويربونهم على الكذب منذ نعومة أظفارهم.

وإن علاج الكذب أن يلزم العبد الصدق في أقواله وأفعاله وأحواله وفي نواياه بأن يخلص لله العمل ليحظى بمقعد صدق عند مليك مقتدر, هذا الذي ينفع الناس يوم الدين, قال الله تعالى: [هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم] وقال الله تعالى: [يآيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين] يعني إن كنتم مؤمنين حقا فلزموا التقوى والزموا الصدق تفلحوا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
...المزيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا ...

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أنفق زوجين في سبيل الله, دعي في الجنة: يا عبد الله هذا خير, فمن كان من أهل الصلاة, دخل من باب الصلاة, ومن كان من أهل الجهاد, دخل من باب الجهاد, ومن كان من باب الصدقة, دخل من باب الصدقة, ومن كان من أهل الصيام دخل من باب الريان}. قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله, ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة, فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {نعم. وأرجوا أن تكون منهم} –رواه البخاري ومسلم-.

يقول عليه الصلاة والسلام: {من أنفق زوجين في سبيل الله...} يعني من تصدق بشيئين من صنف واحد, إبتغاء وجه ربه الأعلى, من تصدق بثوبين, أو كيسين من طعام –هذه أمثلة-, أو درهمين, أو كتابين مثلا يهديهما إلى طالب علم, أو عقارين, أو غير ذلك من وجوه الإحسان, المقصود تشفيع صدقة بأخرى, والمقصود من الحديث, الاستكثار من الصدقات, ويلحق بذلك جميع أعمال البر, من صلاة وصيام, وحج, وغير ذلك, لذلك قال في الحديث: {...فمن كان من أهل الصلاة, دخل من باب الصلاة, ومن كان من أهل الجهاد...-وهكذا-}, والمسلم إذا أكثر من الصدقة, وسائر أعمال البر, عود نفسه البذل والعطاء, ودربها على الطاعة, فألفت نفسه ذلك, فصار طبيعة لها وعادة, والمال أيها المسلمون شقيق الروح, إذ كثيرا ما يرد في كتاب الله قول الله تعالى: [جاهدوا بأموالهم وأنفسهم] فمن أنفق مما جعله الله مستخلفا فيه, فذلك برهان على صدق إيمانه, ألم تسمعوا إلى قول البشير النذير صلى الله عليه وسلم: {...والصلاة نور, والصبر ضياء, والصدقة برهان...} –رواه مسلم-. الصدقة برهان: أي على صدق الإيمان, فمن أكثر من فعل الخير, نادته خزنة الجنة من باب العمل الذي كان يكثر منه, فقالت: يا عبد الله, هلم, أقبل, تعال فادخل من هذا الباب فهو خير لك, المقصود هنا بالأعمال الصالحة نوافل الطاعات, إذ هي التي يتفاوت فيها الناس, فمن مستقل منهم ومستكثر, وأما الواجبات فيستوي في القيام بها المسلمون جميعا, ومن ترك شيئا من الواجبات يخاف عليه أن يدعى من أبواب جهنم, وإنما يتفاضل الناس بعد أداء الواجبات بكثرة النوافل, التي تؤهلهم إلى أن ينادوا من تلك الأبواب. ولما فهم الصديق رضي الله عنه هذا المعنى قال: يا رسول الله هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ يعني تكريما له وتشريفا, لأن الإنسان لا يمكن أن يدخل إلا من باب واحد. سؤال أبي بكر الصديق: هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها يعني تكريما له وتشريفا, هو الذي يختار. وأبو بكرمن السابقين إلى الخيرات, وقد جمع كثيرا من خصال الخير, لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم مجيبا عن سؤاله: {نعم يا أبا بكر, وأرجو أن تكون منهم} والله عز وجل لا يخيب رجاء نبينا صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث أن أبواب الجنة تسمى بالأعمال الصالحة, باب الصلاة, الصدقة, الجهاد, الريان, ترغيبا للعاملين في الجد والتشمير. وقد سمي الباب الذي يدخل منه الصائمون, بالريان, تنبيها على أن العطشان بسبب الصوم لاسيما في أيام الحر الشديد, سيروى, واكتفي بذكر الري عن الشبع, لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه. الحديث ذكرت فيه أربعة من أبواب الجنة, وقد دلت السنة على أن للجنة ثمانية أبواب, كما أن للنار سبعة أبواب, [لها سبعة أبواب لكل منهم جزء مقسوم]. ومن أبواب الجنة التي اطلعت عليها: باب الحج, وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس, وباب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب, وقيل الباب الثامن هو باب الذكر, وقيل باب العلم, والله تعالى أعلم. قال الصديق: يا رسول الله, ما على أحد أن يدعى من تلك الأبواب من ضرورة, فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ يعني: ليس على الشخص الذي يدعى من باب واحد ضرر يلحقه, ما دام مصيره الفوز العظيم, فلا يهمه أن يدخل من باب واحد, ولكن يقول له: يا رسول الله هل يمكن أن ينادى أحد من تلك الأبواب كلها تكريما له وتشريفا لقيامه بالأعمال الموجبة لها؟, قال نبينا صلى الله عليه وسلم: {نعم. وأرجوا أن تكون منهم}. من فوائد هذا الحديث بيان فضل كثرة الطاعات, والإنفاق في سبيل الله, إذ العمل الصالح سبب لدخول الجنة, قال الله تعالى: [وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون]. وفي الحديث حث على التنافس في فعل الخيرات, والاستباق إليها, وقد ورد في كتاب الله عز وجل, آيات بينات ترغب في التنافس على فعل الخير, قال الله تعالى: [إن الأبرار لفي نعيم[] على الأرائك ينظرون[] تعرف في وجوههم نضرة النعيم[] يسقون من رحيق مختوم[] ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون]. [إن الأبرار لفي نعيم] إن أهل البر والإحسان لفي نعيم, وجنات فيها فضل عميم, وخير عظيم, [على الأرائك ينظرون] أي عل السرر المزينة بالفرش الحسان, ينظرون إلى ما أعده الله من الملك الكبير, ينظرون إلى وجه ربهم الكريم, وهذا في مقابل ما وصف به الفجار, قال الله تعالى: [كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون] هذه الآية تقول: [تعرف في وجوههم نضرة النعيم], يعني تعرف أيها الناظر إلى وجوههم وجوه أهل الجنة, بهاءها وحسنها, ورونقها, فإن توالي النعم والمصرات, والملذات, تكسب الوجوه نورا وبهاءا, وبهجة. قال الله تعالى: [يسقون من رحيق مختوم] أي من أطيب ما يكون من الأشربة, وألذها, وقيل هو خمر الجنة, قد طيبه الله بالمسك الأذفر, [...وفي ذلك فليتنافس المتنافسون] في ذلك النعيم الذي لا يعلم مقداره, وحقيقته إلا عالم الغيب والشهادة, فليتسابق المتسابقون. فهذا أحق ما بذلت فيه الجهود, وأنفقت في الأموال, ومن فوائد هذا الحديث: أن من أكثر من شيء عرف به, من كان من أهل الجهاد دخل من باب الجهاد, ومن كان من أهل الصدقة دخل من باب الصدقة, من أكثر من شيء عرف به, ومن فوائد هذا الحديث أن أعمال البر جميعا لا يمكن أن تتوفر في شخص واحد, ولا تفتح إلا للقليل من الناس. ومما يستفاد من هذا الحديث: أن الملائكة يحبون صالحي بني آدم, ويفرحون بهم, ويبشرونهم بفضل الله ورضوانه, ومن فوائد الحديث: جواز مدح الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه الفتنة, ألم تسمعوا إلى قول نبينا صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: {...وأرجوا أن تكون منهم}. أما إن خفت على أخيك أن تدخل عليه الغرور, فلا تمدحه في وجهه, ولذلك لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يمدح اخاه, قال: {ويلك, أو ويحك, قسمت ظهر صاحبك}, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين,ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من أصبح منكم اليوم صائما؟} قال أبو بكر: أنا. قال: {من تبع منكم اليوم جنازة؟}, قال أبو بكر: أنا. قال: {فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟}, قال أبو بكر: أنا. قال: {فمن عاد منكم اليوم مريضا}, قال أبو بكر: انا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما اجتمعن –أي هذه الخصال- في امرئ إلا دخل الجنة} –رواه مسلم- الحديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفقد أحوال أصحابه, ويحثهم على التنافس على فعل الخيرات, ويبين الحديث أن الإنسان إذا قال: انا ليجيب عن استفسار, عن استيضاح فلا حرج عليه, لأننا دائما نسمع من يقول: أعوذ بالله من قول أنا, نعم إذا قالها الإنسان مباهاة وتفاخرا فهذا مذموم, والدليل على ذلك قول إبليس لما أمره الله تعالى بالسجود لآدم: [قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين]. وفي الحديث بشارة عظيمة لمن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة في يوم واحد, فليحاول كل منا أن يحقق هذه الأمنية العزيزة لأن وراءها الثواب العظيم, ولو مرة واحدة, وإن كان الحديث فيه حظ وحث على المواظبة على المداومة على كثرة الطاعات, وفيه الدعوة إلى مجاهدة النفس, بحيث لو تيسر للإنسان أن تجتمع فيه هذه الخصال وغيرها في أيام متفرقة مرات وكرات, فينبغي أن يغتنم الفرصة ولا يضيعها, فلا ينبغي أيها المسلم أن يكون حظك من هذه الأحاديث مجرد سماعها والعلم بها, ويستفاد من هذا الحديث أن العمل الصالح من أعظم أسباب تجديد الإيمان في القلوب, الإنسان محتاج من حين لآخرأن يجدد إيمانه, لا سيما في زمن الفتن الذي نحن فيه, قال نبينا صلى الله عليه وسلم: {إن الإيمان ليخلق –يعني ليبلى- كما يخلق الثوب, فسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم}. ثم ينبغي على المسلم أن يحول إيمانه إلى واقع عملي, الإيمان ليس مجرد اعتقاد, ينبغي أن تحوله إلى واقع عملي, في حسن خلقك, في محافظتك على الصلاة, في الإحسان إلى جارك, ينبغي أن تحول إيمانك الذي في قلبك إلى منهج حياة, أنظر إلى الصحابة رضي الله عنهم كيف استطاعوا أن يحولوا إيمانهم إلى منهج حياة, ويتحولوا من رعاة للإبل والغنم إلى سادة, وإلى قادة للعالم.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم, اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا وخطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين, اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين
...المزيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا ...

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:

عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء } –رواه مسلم-. جاء في أحاديث أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العناية بالنساء, على العناية المادية, بملبسهن, ومطعمهن, وحث كذلك على العناية الروحية, التربوية, الدينية, وهذا أعظم. قال صلى الله عليه وسلم: { استوصوا بالنساء خيرا, فإنهن عندكم عوان}. فالمرأة إذا اعتني بها, فهي من أكبر النعم, وإذا لم يعتن بها, فهي نقمة, بلية. النساء مما حبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا, قال صلى الله عليه وسلم: {حبب إلي من دنياكم الطيب, والنساء, وجعلت قرة عيني في الصلاة}. ولما سأل, من أحب الناس إليك؟, قال: {عائشة}, جعلهن الله على رأس قائمة الشهوات, التي زينت للناس, فقال سبحانه: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب). قال بعض الفضلاء: "إذا التزم العبد بالحدود الشرعية, فإن المزين هو الله, لأن الآية ورد فيها الفعل زين مبنيا للمجهول, وإذا تجاوز العبد الحدود الشرعية, فإن المزين هو الشيطان". وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهن أكثر أهل النار, وذلك لأنهن يكثرن اللعن, ويكفرن العشير, وهذا فيه تحذير للمؤمنات, لأن لا يتعاطين سبب دخول النار, وليس من أجل الاستهانة بهن, وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المرأة فتنة, ولذلك أمر الرجال أن يغضوا من أبصارهم, ويحفظوا فروجهم, وأن يبتعدوا عن الاختلاط بالنساء, وعن الخلوة بالأجنبية, وحرم على المرأة السفر من غير محرم, وأن تخضع بالقول, لأن لا يطمع الذي في قلبه مرض, وحرم عليها أن تصافح الأجانب, كل ذلك صيانة لها, وحفاظا على عفتها, وكرامتها, المرأة إذا لم تضبط بضوابط الشرع, إذا لم يضبطها وليها, أو زوجها, فتنت بتبرجها, وجمالها, ولباسها, وانقيادها إلى الحرام, فصارت سببا في انتشار الفساد, والرذيلة في الأرض, ولذلك عول عليها الكفارفي تخطيطهم, لإشاعة الفاحشة في مجتمعات المسلمين, فخدعوها بشعاراتهم الزائفة البراقة, باسم التحرر من القيود, والعادات القديمة البالية, وأوهموها أن الحجاب من العادات البالية, التي تقيد حريتها, وزينوا لها الاختلاط بالرجال, بدعوى أن المجتمع لابد أن يقوم على قدمين, لا يمكن أن يمشي على قدم واحدة, فهو محتاج إلى رجاله ونسائه معا, وهذا حق أريد به باطل, فالمجتمع بحاجة إلى الرجال والنساء معا, لكن ليس بالطريقة الغربية, ليس بأن يختلط الرجال والنساء, وأن تتجرد المرأة من حياءها, ومن جلبابها, وأن تتخذ أصدقاء من الرجال, وأن يتخذ الرجل صديقات من النساء, ولما سار المسلمون على هذا الطريق, ارتفعت نسبة الطلاق, وكثرت المشكلات الأسرية, واستشرى الفساد, وانتشرت الرذيلة, وصدق شوقي حين قال:

خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء نظرة فابتسامة فسلام فكلام, فموعد فلقاء

قال أحد الصالحين, حين سمع هذين البيتين: "أعوذ بالله من هذه الفاءات التي تجر إلى سقر". فتنة النساء أشد ضررا على الرجال من غيرها, لأن الطباع تميل إليهن, وتقع في الحرام من أجلهن, وتسعى في العداوة بسببهن, فكم من إخوان في الدين والنسب, كانوا متآلفين, يحب بعضهم بعضا, ويقف بعضهم إلى جانب بعض, في السراء والضراء, فلما تزوجوا, هجر بعضهم بعضا بالسنوات, وهذا واقع, كأن لم يكونوا إخوانا بالأمس, بسبب أن زوجة هذا حرضت زوجها على هجر أخيه, على أخيه, وربما أمه, فحلت العداوة بدل الوئام, والمودة, أهكذا يكون المسلم؟ المسلم يخاف الله, يرجو الله ويخافه, يعلم أنه لو هجر مسلما مثله فوق ثلاث, فمات, فماذا سيكون مصيره؟ دخل النار,هذا إذا هجر مسلما من غير الأقارب, فكيف إذا هجر قريبا؟ بل كيف إذا هجر أخاه, أو أمه وأباه؟ . قيل أرسل بعض الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز, فقبلوها, وردها الفضيل, فقالت له امرأته: ترد عشرة آلاف, وما عندنا قوت يومنا, فقال:" مثلي ومثلكم, كمثل قوم لهم بقرة, يحرثون عليها, فلما هرمت -كبرت- ذبحوها, وكذلك أنتم أردتم ذبحي على كبر سني, موتوا جوعا, قبل أن تذبحوا فضيلا". وكان سعيد بن المسيب يقول وقد أتت عليه ثمانون سنة: "ما شيء أخوف عندي علي من النساء", وقيل: إن إبليس لما خلقت المرأة قال: أنت نصف جندي, وأنت موضع سري, وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطأ أبدا.

أيها الناس إن المرأة إذا لم يمنعها دينها وصلاحها, كانت عين المفسدة, فلا تأمر زوجها إلا بشر, ولا تحثه إلا على فساد, إذا لم تكن على صلاح وخير, ترغبه في الدنيا فيتهالك عليها, وأي فتنة أضر من ذلك؟. وحب الدنيا رأس كل خطيئة. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الدنيا حلوة خضرة, وإن الله مستخلفكم فيها, فناظر كيف تعملون, فاتقوا الدنيا واتقوا النساء, وإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء} –رواه البخاري ومسلم-. الدنيا ناعمة, طرية جذابة, محبوبة للنفوس, فإن النفوس تطلبها طلبا شديدا, فهي كالفاكهة, حلوة خضرة, خضرة في منظرها, حلوة في مذاقها, وكل منهما يرغب فيه, الطعم والمنظر, يرغب فيه منفردا, فكيف إذا اجتمعا معا؟ فالدنيا مشتهاة, تعجب الناظرين, فمن استكثر منها أهلكته, فعلى العاقل أن يقنع منها بما تدعوا إليه الحاجة, ويجتنب الإفراط والتفريط في تناولها. الله عز وجل زينها للناس, ابتلاءا, واختبارا, وجعل بعضهم يخلف بعض, وإن الله مستخلفكم فيها, أجيال تخلفها أجيال, فناظر كيف تعملون, لينظر كيف يتصرف عباده هل يسلكون سبيل مرضاته, فيفلحون ويسعدون. أم يسلكون طريق الغواية, فيشقون ويخسرون, {فاتقوا الدنيا} أي احذروها بما فيها من الجاه والمال, واقنعوا فيها بما يعين على حسن المآل, فإن حلالها حساب, وحرامها عذاب. {واتقوا النساء} أي احذروا كيدهن ومكرهن والاغترار بهن, واحذروا أن تميلوا إليهن, في المنهيات وتقعوا في فتنة الدين بسببهن, وبسبب الافتتان بهن, فإنهن ناقصات عقل ودين, ويحملنكم على تعاطي ما فيه نقصان العقل والدين, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلى على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {الدنيا متاع, وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة} –رواه مسلم وبن ماجه-, الدنيا متاع قليل, زائل عما قريب, قال تعالى: (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى) فعلى العاقل أن يأخذ منها بقدر حاجته, وخص في هذا الحديث بالذكر الزوجة الصالحة, لأنها معينة على أمور الدين, والدنيا, صالحة في نفسها, مصلحة لزوجها وأولادها. ففي الحديث الحث على البحث عن المرأة الصالحة, إذ هي خير ما يكتنزه المرء, وبها تحصل الحياة الطيبة التي تتصل بالحياة الأخرى الأبدية, والسعادة السرمدية. بعض الناس يظن أن الرزق هو المال فقط, وهذا غير صحيح, فالمرأة الصالحة من أعظم أصناف الرزق, وخير ما يسأل المسلم ربه, أن يأتى في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة, ومن حسنة الدنيا المرأة الصالحة, وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من أصاب المرأة الصالحة بالظفر أي بالغنم ,لأنه أصاب غنيمة, فقال: {فاظفر بذات الدين تربت يداك}.

أثنى الله على المراة الصالحة فقال: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) قانتات معناه: مطيعات عابدات. حافظات للغيب أي: لأزواجهن في حال غيابهم. حافظات للغيب بما حفظ الله أي: بتوفيق الله لهن. ومن الأدعية القرآنية العظيمة التي وردت في الكتاب وكل أدعية القرآن عظيمة من أدعية القرآن التي علمنا قول الله سبحانه: (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما). ولا تقر عين المؤمن إلا بصلاح زوجه وذريته. سمعت أحد أهل العلم وهو ينصح أحدا استشاره في أمر زواجه, قال: "إجعل من زواجك حظا لآخرتك", كيف هذا؟ قال: "إعمد إلى امرأة قليلة الجمال قد عزف عنها الخطاب, شريطة أن تكون ذات دين وخلق وصلاح, فتزوجها يبارك لك فيها ولأن كان ينقصها الجمال, فإن دينها يجملها" –إنتهى-. فإذا كان كل الناس يتهافتون على الحسناوات, فمن للصالحات القانتات قليلات الحظ من الجمال. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما, اللهم اهدنا واهد بنا, واجعلنا هداة مهتدين, اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً