بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الاول والآخر، الباطن الظاهر، الذي هو بكل شئ عليم، الاول فليس ...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الاول والآخر، الباطن الظاهر، الذي هو بكل شئ عليم، الاول فليس قبله شئ، الآخر فليس بعده شئ، الظاهر فليس فوقه شئ الباطن، فليس دونه شئ، الازلي القديم الذي لم يزل موجودا بصفات الكمال، ولا يزال دائما مستمرا باقيا سرمديا بلا انقضاء ولا انفصال ولا زوال.
يعلم دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وعدد الرمال.
وهو العلي الكبير المتعال، العلي العظيم الذي خلق كل شئ فقدره تقديرا.
ورفع السموات بغير عمد، وزينها بالكواكب الزاهرات، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وسوى فوقهن سريرا، شرجعا عاليا منيفا متسعا مقبيا مستديرا.
وهو العرش العظيم - له قوائم عظام، تحمله الملائكة الكرام، وتحفه الكروبيون عليهم الصلاة والسلام، ولهم زجل بالتقديس
والتعظيم.
وكذا أرجاء السموات مشحونة بالملائكة، ويفد منهم في كل يوم سبعون ألفا إلى البيت المعمور بالسماء الرابعة لا يعودون إليه، آخر ما عليهم في تهليل وتحميد وتكبير وصلاة وتسليم.
ووضع الارض للانام على تيار الماء.
وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام قبل خلق السماء، وأنبت فيها من كل زوجين اثنين، دلالة للالباء من جميع ما يحتاج العباد إليه في شتائهم وصيفهم، ولكل ما يحتاجون إليه ويملكونه من حيوان بهيم.
وبدأ خلق الانسان من طين، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين، في قرار مكين.
فجعله سميعا بصيرا، بعد ان لم يكن شيئا مذكورا.
وشرفه بالعلم والتعليم.
خلق بيده الكريمة آدم أبا البشر، وصور جثته ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وخلق منه زوجه حواء أم البشر فآنس بها وحدته، وأسكنهما جنته، واسبغ عليهما نعمته.
ثم أهبطهما إلى الارض لما سبق في ذلك من حكمة الحكيم.
وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، وقسمهم بقدرة العظيم ملوكا ورعاة، وفقراء وأغنياء، وأحرارا وعبيدا، وحرائر وإماء.
وأسكنهم أرجاء الارض، طولها والعرض، وجعلهم

خلائف فيها يخلف البعض منهم البعض، إلى يوم الحساب والعرض على العليم الحكيم.
وسخر لهم الانهار من سائر الاقطار، تشق الاقاليم إلى الامصار، ما بين صغار وكبار، على مقدار الحاجات والاوطار، وأنبع لهم العيون والآبار.
وأرسل عليهم السحائب بالامطار، فأنبت لهم سائر صنوف الزرع والثمار.
وآتاهم من كل ما سألوه بلسان حالهم وقالهم: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار): فسبحان الكريم العظيم الحليم * وكان من أعظم نعمه عليهم.
وإحسانه إليهم، بعد أن خلقهم ورزقهم ويسر لهم السبيل وأنطقهم، أن أرسل رسله إليهم، وأنزل كتبه عليهم: مبينة حلاله وحرامه، وأخباره وأحكامه، وتفصيل كل شئ في المبدإ والمعاد إلى يوم القيامة.
فالسعيد من قابل الاخبار بالتصديق والتسليم، والاوامر بالانقياد والنواهي بالتعظيم.
ففاز
بالنعيم المقيم، وزحزح عن مقام المكذبين في الجحيم ذات الزقوم والحميم، والعذاب الاليم * أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يملا أرجاء السموات والارضين، دائما أبد الآبدين، ودهر الداهرين، إلى يوم الدين، في كل ساعة وآن ووقت وحين، كما ينبغي لجلاله العظيم، وسلطانه القديم ووجهه الكريم * وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ولد له ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا نظير ولا وزير له ولا مشير له، ولا عديد ولا نديد ولا قسيم.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، المصطفى من خلاصة العرب العرباء من الصميم، خاتم الانبياء، وصاحب الحوض الاكبر الرواء، صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة، وحامل اللواء الذي يبعثه الله المقام المحمود الذي يرغب إليه فيه الخلق كلهم حتى الخليل إبراهيم صـلى الله عليه وسلم وعلى سائر اخوانه من النبيين والمرسلين، وسلم وشرف وكرم أزكى صلاة وتسليم، وأعلى تشريف وتكريم.
ورضي الله عن جميع أصحابه الغر الكرام، السادة النجباء الاعلام، خلاصة العالم بعد الانبياء.
ما اختلط الظلام بالضياء، وأعلن الداعي بالنداء وما نسخ النهار ظلام الليل البهيم.
...المزيد

هل قرأت عن قانون حفظ المخلوقات ؟ خاطرة جديدة للدكتورعثمان جيلان حول التسبيح في ايام الدراسة في ...

هل قرأت عن قانون حفظ المخلوقات ؟
خاطرة جديدة للدكتورعثمان جيلان حول التسبيح
في ايام الدراسة في جامعة صنعاء , وفي شهر رمضان من عام 1995 م , كانت عطلة نصف السنة في رمضان , فقررنا السفر بعد صلاة العشاء , السائق كان زميلي الدكتور عبد الجبار محمد منصور , ومعنا ثلاثة طلاب اخرون هم حمدي محمد منصور ومحمد عبد الله محجب و فؤاد مشهور , وبعد تناول العشاء , كان كل واحد منا حاملا حقيبته بيده , وفي ابطه حزمة القات , في جو رمضاني وفرحة شديدة , فرحة بالعطلة , وفرحة اخرى كنا نشعر بها , كما يشعر بها الصائم في ليالي رمضان , وقبل ان يصعد عبدالجبار ليقود السيارة , فرحا مبتهجا , كان يكركر بالضحك ويقول مازحا : كل واحد منكم يوصي , انا سوف اعمل حادث بالسيارة هذ الليلة , المهم انطلقت السيارة نوعها كوليرا بيضاء اللون صغيرة , انطلقنا من صنعاء متجهين الى الحديدة , وتذكرت كلمة السائق عبد الجبار وقوله كل واحد يوصي سأعمل حادث هذه الليلة , ودب الخوف الى نفسي وخشيت ان تتحقق كلمته , كنت متعودا اثناء اسفاري الى صنعاء ان اسافر مع اناس لا اعرفهم , فلا اشاركهم الحديث , واضل اسبح الله واذكره طول الطريق , فتعودت على ذلك , بل ادمنت, وفي تلك الليلة الرمضانية كان سفر ي مع زملائي , اناس اعرفهم , ومع ذلك غلبتني العادة , فلم اشاركهم الحديث , وكنت اسبح الله واذكره , والسيارة تتلوى بين تلك الجبال المرتفعة في ظلمة الليل , وادعو يا رب نجنا من شر ما قاله السائق , واحفظنا من أي حادث بين هذه الجبال وهذا الظلام , ولمدة ثلاث ساعات ونصف , وانا اسبح الله واذكره في نفسي , حتى نزلنا الى مشارف تهامة على ضفاف وادي سردود , وبعد ان تجاوزنا خميس بني سعد , اخذني النعاس , وما ان غمضت عيناي , وانقطعت عن الذكر والتسبيح , وفي بضع ثوان , انحرفت السيارة وخرجت عن الطريق واخذت تتقلب حتى نزلنا الى اسفل الوادي , وصحوت على صوت خرير الماء , والناس ينزلون بأيديهم الفوانيس لإنقاذنا واسعافنا , والحمد لله ,سلم جميع الركاب , ما عدا جروح سطحية
والسؤال هو : هل كان التسبيح طول الطريق سببا لحفظنا من الحادث؟
لقد مضى على الحادثة اكثر من عشرين عاما , فما الذي جعلني اتذكر هذه الحادثة واسرد قصتها للقراء ؟
ان الذي جعلني اتذكر تلك الحادثة , هي اننا وجدنا اشياء جديدة حول التسبيح , اشياء في نظري انها من اهم المواضيع التي يجب على كل مسلم ان يعلمها
اخي القارئ , هل قرأت يوما ما عن قانون حفظ المادة ؟ ان ما وجدناه حول التسبيح , يعتبر بمثابة قانون حفظ المخلوقات, وانت اخي القارئ احد هذه المخلوقات , فهل تريد ان تعرف هذه القانون , قانون حفظك وبقاءك في هذه الحياة ؟ وهل ستقوم بتطبيق هذا القانون , لتبقى محفوظا من اقدار الشر ؟
اقرأ الآيات التالية بتدبر : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44 ) سورة الاسراء
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(41) سورة النور)
الآيات السابقة , تحتوي على قانون الله في خلقه , هذا القانون هو ان جميع المخلوقات تسبح الله باستمرار , سوآءا كانت احياء او جمادات , ولكن لا نفقه تسبيحهم , هذا القانون باختصار : ما ان يخلق الله مخلوقا من خلقه , حتى يبدأ هذا المخلوق بتسبيحه وحمده باستمرار , لان هو الذي خلقه , يسبحه لا يكل ولا يمل , يسبحه كل مخلوق ويحمده ان خلقه من العدم , يسبحه ويحمده على نعمة الخلق والايجاد من العدم , طيلة ما بقي هذا المخلوق موجودا , حتى يأذن الله بفنائه , يسبحونه في الليل والنهار لا يفترون , ما عدا الانسان , فقد شذ عن هذه القاعدة , وعن هذا القانون , لان الانسان مخير وليس مسخر وليس مسير , اما بقية المخلوقات فهي مسخرة ومسيرة , و تسبح الله وتحمده باستمرار , وكأن تسبيح المخلوقات لخالقها يمثل قانون بقائها وحفظها , (مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) سورة سبأ اية 12)
والسؤال هنا , هل اذا قام هذا الانسان بالتسبيح وهو مخير, هل سيشمله قانون حفظ المخلوقات المسخرة المسيرة , ويحفظه الله من اقدار الشر ويبقى سليما ؟
الاجابة نعم , وسيكون حفظه وبقاؤه اقوى , لأنه سبح خالقه وهو مخير وليس مرغما على التسبيح
هل هناك امثلة ؟
نعم , امثلة من القران , المثال الاول , قصة يونس عليه السلام , فلولا انه كان من المسبحين , للبث في بطن الحوت الى يوم يبعثون , فتسبيح يونس عليه السلام , كان ضمانا لبقائه حيا في بطن الحوت , واخراجه الى خارج البحر
والمثال الثاني , قصة الاخوة اصحاب الجنة , الذين اقسموا ليصرمنها مصبحين (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) سورة القلم)
لقد فهم اليمنيون منذ القدم , ان التسبيح هو قانون الله الذي يحفظ المخلوقات المسبحة من اقدار الشر , ويضمن لها البقاء , ويدفع عنها العذاب , لذلك نصحهم اوسطهم بالتسبيح , حتى تسلم الجنة من العقاب و العذاب , لانهم عازمون ومصرون على المعصية , وهي حرمان المساكين حقهم , عندها تذكر الاخوة ذلك القانون , وتذكروا نصيحة اوسطهم , فقالوا سبحان ربنا انا كنا ظالمين , ولكن بعد فوات الاوان
ولذلك اعترضت الملائكة على خلق الانسان المخير , لقد كانت حجة الملائة في اعتراضها على خلق الانسان المخير , انه لن يسبح , لن يطبق قانون الله في خلقه ولن يسبح الله خالقه , وسيعاقب هذا الانسان بأقدار الشر , من سفك للدماء و افساد في الارض , (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)سورة البقرة )
ولذلك , عرف الانبياء والرسل هذه القانون , فكانوا يسبحون الله ويذكرونه في اكثر اوقاتهم , حتى اندمج بعضهم مع المخلوقات المسيرة المسبحة , يسبحون معهم وتسبح المخلوقات معهم , مثل داود عليه السلام (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) وموسى عليه السلام (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) سورة طه) , ونبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم , امره الله ان يسبحه في اكثر اوقاته , لأنه يحبه , يريده ان يطبق قانونه في خلقه , , ففرص الله عليه قيام الليل , كي يسبحه ويذكره كثيرا , يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا , نصفه او انقص منه قليلا او زد عليه ورتل القران ترتيلا , (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) سورة طه) , (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) سورة الطور )
ونعود لقصة الحادث , الذي حدث لنا في ظريف الحديدة , هل كان التسبيح سببا لحفظنا من الحادث الذي نطق به لسان السائق ؟ بمجرد ان غفوت وانقطعت عن التسبيح , حادت السيارة عن الطريف وتقلبت , لقد جاء في الحديث النبوي ان الخير والشر مقرون بالنطق , وكان لا بد ان يقع ما نطق به السائق , ولكن التسبيح اخر ذلك الحادث
ولنعد الى المثالين السابقين , قصة يونس عليه السلام , وقصة اصحاب الجنة , يونس عليه السلام ترك الدعوة الى الله في قومه , ولم يصبر عليهم حينما كذبوه , فخرج غاضبا وتركهم قبل ان يأذن الله له في تركهم , و ظن ان الله لن يعاقبه على تركهم دون اذنه , وان اقدار الشر لن تصيبه , فحبس في بطن الحوت , ولم ينج الا بالتسبيح (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الانبياء ) , (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)) رغم ان غضبه وتركه لقومه مخالفة لامر الله لان الله لم يأذن له , رغم كونه مخالفا ونجاه الله بسبب التسبيح
وكذلك اصحاب الجنة , وبالرغم من انهم كانوا في موقف معصية , وحرمان للمساكين من حقهم , لو سبحوا لما اصابهم العذاب
وهنا يبرز السؤال المهم , هل المستمر على المعصية والمدمن عليها , ولا يستطلع الاقلاع عن المعصية , فهل في هذه الحالة قد ينفعه التسبيح ويمنع عنه عقاب المعصية ؟
مثلا , انسان مدمن على مشاهدة الافلام الاباحية , ولا يستطيع الكف عنها اثناء خلوته , او شخص يجمعه العمل مع زميلة له لا يستطيع الكف عن النظر اليها أو .... او اي شخص مدمن على معصية من المعاصي , ولا يستطيع الكف عنها , هل يمكن ان يلجأ الى التسبيح لكي ينجو من العقاب , حتى يرزقه التوبة النصوح؟
الاجابة على ذلك , وبالنظر الى قصة يونس عليه السلام , واصحاب الجنة , قد يكون ذلك ممكنا والله اعلم , وفي هذا فتح باب امل جديد للمدمنين على معاصي لا يستطيعون تركها , وضمائرهم تؤنبهم على ارتكابها , وخائفون من عقاب الله عليها , وتضعف نفوسهم امامها في كل مرة , في هذه الحالة قد ينجيهم التسبيح من العقاب على معاصيهم في الدنيا , حتى يرزقهم الله بالتوبة النصوح , و قد يقول قائل , قد ينجيهم الاستغفار , ولكن لا يصلح الاستغفار مع الاصرار والاستمرار على المعصية , فتخيل معي رجل يشاهد فلما اباحيا وهو يستغفر ؟ الاستغفار يكون بعد الانتهاء من الذنب وليس اثناء عمله , ولكن التسبيح قد ينجي المذنب من العقاب , فبالرغم ان اصحاب الجنة متجهون الى الجنة وهم مصرون على المعصية , فلوا سبحوا اثناء ذلك لما احترقت جنتهم والله اعلم
فيا من ابتلى بمعصية مستمرة , جعلته نفسه الضعيفة , او الظروف المحيطة به اسيرا لتلك المعصية , اذا لم تستطع التوبة , سبح الله كثيرا , كي تنجو من اقدار الشر والعقاب , كما نجا يونس عليه السلام بالتسبيح
واخيرا , وبعد كل هذا , هل تعلم اخي القارئ , ما معنى التسبيح ؟ معناه تنزيه الله وتبرئته من كل نقص وعيب وشر , وانه سبحانه هو المتصف بكمال الصفات , فأنت حين تقول سبحانك يا رب , فانت تقول يا رب انت منزه ومبرأ من كل عيب ونقص وشر , وانت يا رب المتصف بكمال الصفات , و نحن نعلم جميعا , ان الجزاء من جنس العمل , فيكون جزاء المسبح , من نفس معنى التسبيح , فيقيه الله تعالى من كل نقص وعيب وشر , ويكمل نعمته عليه ويهديه الى احسن الاخلاق والصفات
...المزيد

خواطر_رمضانية_5 منابرنا تشتكي . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتفق الفقهاء من ...

خواطر_رمضانية_5
منابرنا تشتكي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة صلاة الجمعة ، فهي من ذكر الله الذي أمر الله تعالى بالسعي إليه في قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) سورة الجمعة (9) وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها مواظبة تامة ، بل جاء عن بعض الصحابة أن الخطبة هي بدل الركعتين من صلاة الظهر ، كل ذلك يدل على اشتراط الخطبة لصحة صلاة الجمعة وأهميتها فلابد أن تكون الخطبة ما تحصل منه الفائدة وأما ما يصنعه الجهلة عندنا من إقتصار الخطبتين بخمسة دقائق أو أقل فلا تصح أصلا إذ لا توفي غرض الخطبة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت ، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا ، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود " انتهى .
فمنابرنا تشتكي من غالب الخطباء فيها فترى في حالنا اليوم خطيب يخطب في صلاة الجمعة في مسجد لا يتجاوز أفراد المصلين فيه ثلاثون فردا فيقرأ عليهم ما يقارب عشرين صفحة من أوراق صورها من كتاب أو سحبها من النت ، أقرب ما تكون إلى مقامات الحريري من السجع والتكلف والتعسف والتمطيط مع الشهيق والزفير وإخراج الحرف من الجوف وآخر الحلق , فتأتي خطبته باردة مثلجة سخيفة سامجة طويلة هزيلة ، ميتة ، لأنها بلا روح ولا تأثير ، وبعد الخطبة يحول التلاوة في المسجد إلى نواح طفل صغير ، ويصرخ في الميكرفون صراخا لو سمعته الحامل لأسقطت جنينها ولأوضعت حملها ، ويجعل التلاوة مثل مقامات المصريين ، حتى ينام الناس وهم وقوف .
ومنهم من يقص على الحاضرين أساطير الأوليين وقصص السالفين ويخرج الخطبة من معناها الأصلي والروحي فيغلب عليه روح الدعابة والضحك كأنه ممثل لفيلم كوميدي ويرتل السماجة والسخافة على الحاضرين ويظنّ نفسه أحد الخطباء البارعين وإذا قيل له إتق الله واشفق علينا أخذته العزة بالإثم ورد عليهم جوابا يفهم منه أن من لم يعجبه أن يصلي معه فليصل في مسجد آخر!
ومنهم من يخطب في قرية صغيرة أو حي فيورد مفاسد العوملة ويصرخ بمقاطعته للتطبيع مع إسرائيل ويفصل القول بالقضايا السياسية العالمية ويهجم على دول وتيارات ويصرخ في وجه من قال له ما هكذا تورد الإبل يا خطيبنا !!
ومنهم من يبدأ بخطبته التطبيل والتبريك للأمراء والسلاطبن ويسرد محاسنهم من يوم ولدته أمه إلى لحظته ذاك ويشبههم بالصحابة والتابعين وينتهي بالدعاء لهم ويوصي الناس بمحبتهم والسمع والطاعة لهم ويلعن في المنبر خصمهم ويشبههم بخصوم الصحابة رضوان الله عليهم علّه أن ينال منهم فضلا أو يكون له عندهم مرتبة أيبتغون عندهم العزة فإنّ العزة لله جميعا وهذا من البدع والحوادث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الإمام النووي رحمه الله ( يكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهله منها المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم . وأما أصل الدعاء للسلطان ، فقد ذكر صاحب (المهذب ) وغيره : أنه مكروه . والاختيار : أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ، ولا نحو ذلك ، فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة الأمر ) .
ومنهم من غلب عليه اليأس والقنوط ويورد مآسي الأمة الإسلامية وويلات الشعوب من الظلمة ويختم بخطبته الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بدون بشارة للأمة ويثبط الناس ويجعلهم رعاعا وغثاء كغثاء السيل نسأل الله العافية .
وما أحسنه من خطيب ذاك الذي فهم واقع المخطوبين ووعى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليتجوز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة» (متفق عليه)، وغضب صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل، لما طول بالناس في الصلاة، وقال: «أفتان أنت يا معاذ؟» ثلاثا، (أخرجه الشيخان).
كتبه الشيخ :
شـــــرماركي محمد عيـــــــــــــــسى (بخاري )
هرجيـــــــــــــسيــــــــــا 5/ رمضان /1440 هـــــ
أبــــــــو الأثيـــــــــــــــــــر الصــــــــــــــــومالي .
...المزيد

الرسائل الأُرْطُغْرُلِيَّة: لـم يكنْ مسلسل "قيامةُ أُرْطُغْرُلْ" مجرَّد مسلسل دراميٍّ كباقي ...

الرسائل الأُرْطُغْرُلِيَّة:
لـم يكنْ مسلسل "قيامةُ أُرْطُغْرُلْ" مجرَّد مسلسل دراميٍّ كباقي الدراميات العابرة، بل كان مسلسلاً مليئًا بالرسائل التي تغنيكَ بدروس حياتية وخبراتٍ تاريخية دون حاجتكَ لأنْ تكبر في عمركَ أو تُلدغَ من جُحركَ، لعلَّ من أجلِّها:

01 ـ خدمة الدولة للدين:

وظهر ذلك جليًّا في حِرص رجل السياسة على تمثّل القيم الإسلاميّة خطابًا وممارسةً، وقد ظهرت إسلامية الدولة في رجوع "أرطغرل" إلـى الدستور الإسلامي الذي مُثِّل في شخص الإمام الأكبر "محيي الدين بن عربي" هذا الأخير الذي بنى توجيهاته على مناط الوحيين "القرآن والسنة" والصحابة والتابعين والصالحين...

فكان الدين في قلب "ابن عربي" والسيف في يد "أرطغرل"، من أجل إفادة الـمسلم أنَّ الفتوحات الإسلامية لا بد لها من كتاب يهدى وسيف ينصر.

ويجدر التنبيه هنا إلـى التفريق بين عَلَمين أشهر من نار على جبل، وهما: الإمام الـمالكي الـملَّقب بـ" القاضي أبو بكر بن العربي"، وبين أشهر الصوفيين وإمام العارفين "محيي الدين بن عربي" والـملقَّب بـ "الإمام الأكبر" و "الكبريت الأحمر" كناية عن نُدرته.

وكلاهما أندلسيان، ويشتركان في اسم الشهرة "ابن العربي"، بيد أنَّ من العلماء من مايز بينهما في الكتابة، فجعل الألف واللام في "ابن العربي" للقاضي الـمالكي "أبو بكر بن العربي"، أمَّا "محيي الدين ابن عربي" الصوفي الذي مثَّل في "قِيَامَةَ أُرْطُــغْرُلْ" فيكتب بدون الألف واللام.

02 ـ خطر خيانة الداخل أكبر من خطر عدوّ الخارج:

تعدَّدت صور الـخيانة والانقلابات في الـمسلسل سواء لصالح البيزنطيين كما في شخصيّة الأمير "سعد الدين كوبيك" مثلاً، أو لصالح المغول كما في شخصيّة الأمير "بهاء الدين".

فجاءت الرسالة واضحة كعين الشمس أنَّ العدو الذي يعيش داخل حدودنا أخطر من عدونا الذي يعيش خارجها، وأن جسم الأمة لا يتمزَّق على يد الأعداء فقط، أيضًا على يد الخونة.

لا سيَّما أن بطل الـمسلسل "أرطغرل" قد مات غَيْلَةً في الحلقة الأخيرة على يد وزير الدولة "سعد الدين كوبيك" التي عمل أرطغرل على حمايتها.

03 ـ شوكة تركيا كثيرًا ما تقوى بعد ضعفها:

كان الـمسلسل من أول حلقاته يهدفُ لغاية مقصودة، وهي بناء دولة تجمع شتات القبائل التركيّة، تجلَّت بعدها الدولة العثمانية العليَّة التي تأسست على يد "عثمان غازي بن أرطغرل".

فمن كان ليصدِّق أن الدولة العثمانية هي وليدة خيمات مشتتة توحَّدت بعدها؟

04 ـ تصوير معاناة القبائل الـمشتتة:

أبدع السيناريست في توصيف معاناة القبائل التركيّة المشتّتة، ليقنع الـمشاهد التركي أن فكرة "الدولة الواحدة" فكرة رئيسة لا ينبغي أن نحيد عنها تفكيرًا ولا ممارسة، وأن نبلغ في سبيل تأسيسها النفس والنفيس.

05 ـ الوجه الحسن للإعلام:

لا سبيل لتغيير قناعات الآخرين القديمة ولا لزرع قناعات جديدة مثل الإعلام، وكأن صُنَّاع الـمسلسل قد عرفوا أنَّ عالَم اليوم هو عالَم الصورة، لذلك ضربوا على هذا الوتر الـحسَّاس، فأبدعوا في تَقَنية الإخراج ولغة النص، حتى اكتست صور المقاطع المعبرة مواقع التواصل وأُفرد لها حسابات وصفحات خدمت المسلسل من حيث لا يدري صُنَّاعه.

ففي الوقت الذي لا نملك فيه سنداتٍ تاريخية عن أسلافنا، من الـمستحسن حينها أن يكون الفن هو صانع التاريخ، ولا نكتفي بالـمعرفة السطحية عنهم كأضراب تلك الرسومات التي نُقشت على كهوف الـمغارات.

لأنَّ أهم وظائف الفن هو جعل الخيال محسوسًا، كما نحت اليونانيين أبطال حرب طروادة، ونظم عنها "هورميوس" الإلياذة الخالدة رغم أنه جاء بعد حرب طروادة بقرون.

وكما نحت ورسم "ميكائيل أنجلو" شخصيات وأحداث قصص الكتاب المقدس، وهو الذي كان في عصر النهضة بينما أحداث الكتاب المقدس قبل الميلاد بقرون.

وكما نظم الظاهرة البريطانية "وليام شكسبير" مسرحيته عن "يوليوس قيصر" و "كليوبترا" في قالب شعري حاول محاكاته فيه شاعرنا "أحمد شوقي" بعد قرون من أحداث القصة التي دارت قبل الميلاد.

06 ـ أنهض رجولة الرجال وعفة النساء:

"قِيَامَةَ أُرْطُــغْرُلْ" استطاع أن يعيد ترتيب الأوراق في أذهان شبابنا وشوابنا، فأمَّا الرجال فقد أنهض فيهم رجولتهم لا سيَّما وأننا نعيش زمنًا حمل رجاله الدفوف ونافسوا النساء في زينتهن.

وممّا يلفت الانتباه في المسلسل الدور البارز الذي أُنيط بالنساء، فهن الناعمات في السِّلم الشرسات في الحرب، نساء مع النساء رجال مع الرجال، ومن ذلكَ ردُّ فعل حليمة الشرس ضد "حارس القصر" حين وضع يده على كتفها ليسحبها للخارج فقالت غاضبة: "بأي حق تضع يدك على امرأة؟"؛ شيئًا فشيئًا تعجبكَ عفتها حتى تودُّ لو أن بناتنا بمثل طينتها!

والترك معروفون بأنَّهم أمّةٌ مُقاتلة، قوية الشكيمة، ومما ذَكَره المؤرخون والرحَّالة الذين زاروها أنَّ: "نساء التُرك يقاتلن كرجالهم"، وهذا رسالة قيِّمة ارتكز عليها الـمسلسل حيثُ أظهر النساء مقاتلات شرسات ممَّا دفع بالعدو إلـى رؤية الـمرأة كعدو لا كأنثى سهلة الاغتصاب.

وهذا ما حدث في سورية الجريحة، إذْ قد سأل رجل سوري غيور على عرضه مفتيًا: "هل يجوز أن أقتل بناتي إذا أراد الجنود الروس اغتصابهنَّ أمام عيني؟"، فبكى المفتي وعدِمَ الجواب على فُتيا لـم يسبق أن خطرت بقلبه؛ وربَّما آن له أن يُدرك أن النساء لسنَ كائنات بيتوتية فقط، تُحبس بين أربعة جدران كما تحبس قِطَّات البيوت.

ورحم الله"هايماه" أمَّ "أرطغرل" إذْ لـم يغلب حنان أمومتها طموحها في ولدها؛ فربته تربية جهاد قبل أن تربيه تربية أولاد.

07 ـ الـخيمة هي نواة الدولة:

انطلقت أحداث الـمسلسل من خيمة زعيم القبيلة "سليمان شاه" والد "أرطغرل بك"، ملفتًا أن الخيمة هي النواة الأولـى لتهذيب الأخلاق، فقد كان الربط بين الخيمة والأخلاق ربطًا مقصودًا لا ربطًا عبثيًّا.

والخيمة باعتبارها بيت الإنسان القديم كانت بيئة عامرة بالـمشاهد الروحية التي أراد بها صنَّاع الـمسلسل أن يوصلوا للمشاهد المعاصر بألاَّ يتخلَّى عن هذه الـروحانيات في بيته الإسمنتي، فليست العبرة بخصوص الخيمة ولكن بعموم البيت.

08 ـ الأخلاق قبل الوسائل:

من أصدق ما قرأتُ لـ "روجيه جارودي" قوله:"لو قدر لأجدادنا الأقدمين أن يعودوا إلى دنيانا، فإن أول ما سيلفت انتباههم ويأخذ بعقولهم، ليس التطور التكنولوجي الذي وصلنا إليه، إنما غياب القيم والأخلاقيات".

الدولة التي لا تسعى لفرض قوتها، ريثما تُفرض عليها قوة دولة أخرى، وهذه القوة ينبغي أن تُخترع لها وسائلها، وقبل ذلكَ أخلاق قوَّادها.

لأنَّ قوة الوسائل وحدها لا تكفي لإقامة دولة قوية ما لـم تكن أخلاق مقيميها ذاتُ بطانة صالحة، وإخلاص يسري في العروق سير الدماء فيها.

09 ـ تقديس القيم الدينية:

ما أشدَّ ما يحترم الأتراك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، إذْ ما إن يُذكر عليه الصلاة والسلام في مشهد من الـمشاهد إلاَّ ورأيت الصمت قد أطبق المكان لا تسمع للحضور همسًا، ثم لا تلبث أن تراهم يضعون أيديهم على قلوبهم تعبيرًا منهم على أنه في القلب!

فقد كانت الصبغة الدينية حاضرة بقوة في طول شريط الـمسلسل، وبرع السيناريست إذْ أقحم شخصية "ابن عربي" كرمز ديني، فقد كان هذا الإقحام في ذروة الحبكة الدرامية، لا سيَّما عند لـجوء أرطغرل إليه لـمدِّ العون الإلهي لـمَّا تعوقهُ السبل، على خلاف استحياء الدراما المصرية واقتصارها على "مأذون" عقد أو طلاق أو "مقرئ" لجلسات عزاء، فكأنهم يريدون برمجة الناس أنَّ الدِّين جزء من كلٍّ، لا الكل في الكل.

وقد كان "أرطغرل" حينما يواجه الموت وجها لوجه يستدعي ذكرى "الإمام الحُسين" وواقعة "كربلاء" فيقول: "لو سقط ألف حسين فلن يتخلى ألف إنسان عن مبدأ علي".

وحينما تضيق به الأرض بما رحبت يأتي مولانا "ابن عربي" ليذكره بحمامة الغار وبيت العنكبوت اللذان على ضعفهما سخَّرهما الله بقدرته لحماية رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وصدِّيقَه أبو بكر، فتُذهب حلاوة لسان الشيخ مرارة ضيق الـجندي.

ولقد علَّمنا "قِيَامَةَ أُرْطُــغْرُلْ" أنَّ الجهاد منا والنصر من الله، وأنَّ قوتنا حينما لا تكفينا فإن إيماننا سيكفينا، ناهيك عن صيحاتهم قُبيل كل قتال "الحي هو الله" "الحق هو الله".

وحينما كانت الدراما العربية تشوِّه رجال الدِّين وتصوِّرهم "إرهابًا"، جاء "قِيَامَةَ أُرْطُــغْرُلْ" ليعيد الحقيقة إلـى مجاريها، ويثبت أن رجال الدِّين صُنَّاع "قادة".

ناهيك عن كون الـمسلسل عامرٌ باحترام علماء الدِّين، لأنَّهم يعتقدون أن احترام العلماء يرهبُ الأعداء، وهذا ما كشفه أعداء الإسلام فجعلونا نستخفُّ بهم، ونتابع زلاَّتهم ولا نُراعي حُرمتهم.

والقارئ في تاريخ هذه الحقبة التاريخية يدرك أنه منذ أن اعتنق الأتراك الإسلام وهم يُسْدون إلى الإسلام والمسلمين كل الخدمات الجليلة التي أسهمت جنبا إلى جنب مع بقية المسلمين في نشر الإسلام وتشييد حضارته.

10 ـ القادة لا يُولدون بل يُصنعون:

لم يولد "أرطغرل" بطلاً من بطن أمه؛ إنما صنعته تربية أمه الجهادية، ودرَّبه طموح أبيه، وعاش في بيئة تحترم المجاهدين وتقدر الأبطال؛ وبالتالي خرج "أرطغرل" وخرج من بعده ابنه "عثمان"؛ وبعد "عثمان" جاءت "الدولة العثمانية"، فصناعة القادة تحتاج إلى بيئة قيادية تعطي وتمنح، تربي وتعلم، فما أعظم أن تقدم للأمة قائدًا تفتخر به، وتعمل بقول الشاعر:

إنا وإن كَرُمت أوائلنا لسنا على الآباء نتكلُ نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا

11 ـ الأخوة بالـمواقف وليست بالنسب فحسب:

أحببنا "أرطغرل" ذاك الشهم الذي آل على نفسه أن لا يغمد سيفه إلا وأمة الإسلام موحَّدة، ناهيكَ عن أصحابه الذين وقفوا معه وقفة النبض مع القلب والنفَس مع الرئة، حتَّى لقد برع صُنَّاع الـمسلسل إذْ ركَّزوا على البطل ولـم يُهملوا دور أصحابه في صنع بطولته، وخدموا بهم أحداث الرواية ليلفتوا أن النصر لا يكون من رجل واحد فحسب، ولو كان يحدث حقًّا لحدث للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الذي خاطبه ربُّه: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} ، بل إن من سوء القيادة ألا يكون الذين حول القائد قادة.

ثم إنكَ لا تجد قائدًا أثبت بطولته دون عون أصدقائه، فالقائد الذكي حيثما يمضي قُدمًا لصُنع نفسه يصنع تزامنًا مع ذلك أصحابه، وهذا ما حدث مع "أرطغرل"، فلولا رفاق دربه "تورغوت"، و "بامسي"، و "دوغان" لربَّما لـم يسمع أحد "بأرطغرل".

هؤلاء الثلاثة كانوا إخوة وإن لـم ينجبهم بطنٌ واحدٌ، وأثبتوا أن الأخوة الحقيقية ليست من تنجبها نفس البطن بل من تقف معكَ جنبًا لجنب كي توقفكَ على قدميكَ، فآزروه في الوقت الذي تخلى عنه أخوه "جوندوجدو"، وفي الوقت الذي حاربه أخوه "سونغر تكين"، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أن الأخوة بالمواقف وليست بالنسب فحسب.

12 ـ وراء كل بطولة خالدة همَّة قائدة:

يقولون: "رُبّ همّة صنعت أمّةً"، لكن في "قِيَامَةَ أُرْطُــغْرُلْ" شاهدنا رأي العين أنَّى للهمة أن تصنع أمة.

فإنَّ همة "أرطغرل" ألانت له حديد الظروف، فبها جابه الـمصائب وتحدَّى الـمصاعب، وهي من كانت قُوتَهُ قبل أن يتقوَّتَ بقوَّتهُ.

ولولا همته التي قادته لترك قبيلته الأم والهجرة ب 400 مقاتلٍ جهادًا في سبيل الله لـما تأسست دولة دان العالم لها؛ لنعلم أنَّ وراء كل بطولة خالدة همَّة قائدة.

13 ـ القوة سلاح الـحق:

ولأن الحق يُسلب ولا يوهب، فمسكين من ظن أن الحق ينتصر بالدعاء فقط، أو أن الدعوات تنتصر بمصداقية أصحابها لا غير.

مسكين من رفع يديه وجبن عن حمل سلاحه، وغرَّته الأماني أنَّ الله يستجيب الدعاء ونسي أن يتسبَّب بأسبابه، ألا إن من أسباب الدعاء العمل بالوسائل.

وكما أن قوة الأسلحة دون الاستعانة بالدعاء لا تضمن نصرًا، كذلك لا ينفع حضور الدعاء إذا غابت الأسلحة، ولا بدَّ من هذا وذاك، وصدق الله العظيم حينما قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ} ؛ فسلاحكَ يُرهبُ أعداءكَ، ومن فرَّط في سلاحه اُستهينَ بقوته، ومن اُستهين به تجرَّؤوا عليه، ومن تجرَّؤوا عليه غلبوه.

علَّمني "أرطغرل" أن الحق لا بدَّ له من سلاح وإلاَّ سُلبَ منَّا ونحن نشاهد، لذلك حقيق بالسلاح أن يكون حاضرًا في السفر والـحَضَر.

14 ـ لا ينبغي للخونة أن يُرحموا:

الصفح جميل، لكن ليس في كل الـحالات، ولا مع كلِّ الأشخاص، هناك مواقف لا ينفع فيها إلاَّ العقاب، تأديبًا لـمن أخطأ ولـمن تسوِّل له نفسه الخطأ.

وبيَّن الكاتب أنَّ ضريبة الإبقاء على جاسوس واحد هي ضريبة فادحة، فقد استطاع "كورد أوغلو" جاسوس الصليبيين القيام بالاستيلاء على قبيلة "الكايي" بسبب حُسن ظنّ "سليمان شاه" به ورفضه الاستماع لكلام نجله "أرطغرل" الذي رآه شابا متهورًا، ولولا لطف الله الذي أوقع الخائن في شر أعماله، لقطعت الفأسُ الرأسَ.

فحينما انقلب "كورد أوغلو" على "سليمان شاه"، ثم طلب منه أن يسامحه بعدما فشل انقلابه في أقل من يوم، فرفض "سليمان شاه" طلب أخيه من الدم قائلا: "الخونة لا يُرحمون يا كورد أوغلو"؛ فالخائن لو عاد لعاد لخيانته، ولو رُحمَ لـن يَرحمَ، وبهذا تعامل الرئيس التركي "طيب رجب أردوغان" مع خائنيه حينما حاولوا الانقلاب عليه.

وكما أن الخائن لا ينبغي أن يُرحم، كذلك ينبغي التنبيه أنَّ العدو لا ينبغي أن يُصالَح، وهذا ما عبَّر عنه القائد المغولي "بايجو نويان" حينما وقع في الأسر وتم تخليصه بحيلة سماها أصحابها "عقد صلح"، وهنا قال "نويان" متبجحا: "المغول لا يعرفون شيئا اسمه مصالحة، الصلح عندنا مجرد حيلة نخدع بها الضعفاء".

15 ـ البُعد الوُحدوي للأمة الإسلامية:

ممَّا زاد "قِيَامَةَ أُرْطُــغْرُلْ" قيمة في عين متابعيه أن كاتبه كانَ عارفًا بكثرة اختلافات الـمسلمين الطائفية آنذاك واليوم، فلـم يعرضْ لها الـمَشاهد التي قدْ تشتتُ ذهن الـمُشاهد عمَّا يُراد له استيعابه.

وهذا ما عبَّر عنه أحد نقَّاد الـمسلسل بـ "البعد الوُحدوي"؛ إذْ نجح الـسيناريست في التركيز على الوحدة الإسلامية التي من أجلها صُنع الـمسلسل.

فكأنه يريد أن يقول لنا: أن الوحدة الإسلامية أهمُّ من الأشلاء الطائفية، وعلينا أن نتذكر كيف اجتمع المسلمون خلف "صلاح الدين الأيوبي" وهو أشعري، وكيفَ توحَّدوا خلف "محمد الفاتح" وهو صوفي فرفع الله رايتهم وقوَّى شوكتهم!

16 ـ ترك الـجهاد مذلَّة:

تساءل الكثير: لـماذا اختار "أرطغرل" حياة "الجهاد" بدل حياة "الأمن والرزق"؟

والجواب عند "أرطغرل" واضح كالشمس في رابعة النهار، فقد أكَّد لهم أن أصلح طريق للحصول على الأمن والرزق هو مجاهدة الأعداء، مصداقًا لحديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (وجُعِلَ رزقي تحت ظل رمحي)، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلّوا...

17 ـ سياسة التآمر، مشروع اليهود والنصارى:

حبكة التآمر التي دارت جلُّ مجريات الـمسلسل عليها، تُنبي مصداق قوله تعالـى في الكفرة الفجرة، إذْ هم لا يجرؤون على الـمواجهة لذلك تراهم يكيدون ويتآمرون: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}.

وحتى يومنا هذا لا زالت وستبقى سياسة "التآمر" مشروعهم الأبدي، إذْ لـمْ يتمكن الروس من قتل القائد "سيف الإسلام خطّاب" عام 2002 في الشيشان إلا عبر رسالة مسمومة سلمها له أحد الخونة في صفوف المسلمين.

كما لم تتمكن القوات الروسية والميليشيات الإيرانية الرافضية وقوات النظام السوري من احتلال حلب مؤخرا إلا بزرع العملاء في مناطق تواجد المجاهدين...

الأمر الذي يجعلنا نسعى لصنع مجاهدين مخلصين قبل السعي لصنع أسلحة، فلا تنفع أسلحة الدمار الشامل بلدًا جنوده خونة!

والعمالة الداخلية هي أخطر ما يواجه الدولة مقارنة بالخطر الظاهر من الخارج؛ لأنَّ العدو المعروف مهما بلغت قوته فإنه ليس أخطر علينا من العدو المجهول وإن كان متواضع القوة، ذلك أن القوة ليست هي وحدها من تغلبنا؛ إذْ كثيرًا ما نُغلبُ نتيجة الغدر، فحينما قتل وحشيٌّ "حمزة" أسد الله إنما قتله بطعنة رُمح في ظهره، ولـم يجرؤ على مبارزته بالسيف وجهًا لوجهٍ، وعلى هذا فقس...

فأمام الغدرات لا أحد يمكن أن يراهن على قوته.

وعلى الذين عابوا تركيز المسلسل على قضية "المؤامرة"، فذلك ممَّا لا بدَّ منه لا سيَّما في السياسة، ووجود الـخونة الذين يرتدون ثياب الوطنية كائن في صفوف كل جيش وفوق تراب كل دولة، وقد كان في جيش النبي صلى الله عليه وسلَّم منافقون كما كان فيه من استسلم وعاد القهقرى أو تخابر مع العدو...

18 ـ النصر غير مشروط بصلاح أصحابه:

صلاح الـفرد لأجل النصر قد يكون مطلبًا تعجيزيًّا، لأنَّ الـخلوَّ من الذنوب غير مشروط لحصول النصر والتمكين، وإنما النصر حليف من أخذ بالأسباب وحافظ على جملة إسلامه وإن كان من أهل الذنوب.

وما أكثر ما شهدنا انتصارات كانت وليدة أبطال قليلي صلاح، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قال: (إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر) وفي رواية: (بأناس لا خَلاق لهم).

وهذا يُفيدنا إلـى ترك تصنيف الناس إلـى صُلاَّح وغير ذلك، فإن العبرة بالخواتيم {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}، وما تدري من ينصر الإسلام ممَّن ينكصُ عن عقبيه!
...المزيد

القوة الممدوحة في قمع أهل البدع والرد على أصحاب الأهواء من الحزبيين وغيرهم لا تكون بكثرة الصياح ...

القوة الممدوحة في قمع أهل البدع والرد على أصحاب الأهواء من الحزبيين وغيرهم لا تكون بكثرة الصياح وعلو الصوت وشراسة الأسلوب وقبح التعبير والسب والشتم إنما تكون في سعة العلم مع وفرة الآدلة وفقه استخدامها وتنزيلها على الواقع واصابتها المباشرة لكبد الزيغ والانحراف
قال تعالى: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق"
...المزيد

جديد ومميز هدية للمسلمين عموماً وطلاب العلم خصوصاً من اخوكم ابو منذر الشامي بفضل الله تم تجهيز ...

جديد ومميز
هدية للمسلمين عموماً وطلاب العلم خصوصاً من اخوكم ابو منذر الشامي
بفضل الله تم تجهيز أضخم أرشيف إسلامي لما صدر عن دولة الخلافة نصرها الله من علوم شرعية بروابط ثابتة
حملوا واقرؤوا وانشروا العلم النافع في كل مكان بوركتم
رابط أول
http://cutt.us/Islamic-Archive-A
رابط ثابت ثاني
http://cutt.us/Islamic-Archive-A1
...المزيد

على سبيل السعادة... رمضان على الأبواب لكل واحد منّا مفهومه عن السعادة وماهية تلك الكلمة الساحرة ...

على سبيل السعادة... رمضان على الأبواب

لكل واحد منّا مفهومه عن السعادة وماهية تلك الكلمة الساحرة والتي يبحث عنها بمجرد أن يلجوا الحياة. يقولُ ابن تيمية رحمه الله: "مَنِ أراد السعادة الأبدية فليلزم عَتَبَة العبودية". لكل واحد منّا مفهومه عن السعادة وماهية تلك الكلمة الساحرة والتي يبحث عنها بمجرد أن يلجوا الحياة. وتظل الأعمار تفنى لهثًا وراء السعادة بحسب مفهوم كل واحد عنها، فمنهم من يراها في تحصيل المال ومنهم من يراها في الحُب، ومنهم من يجدها في العلم أو في قضاء حوائجِ الغير. وإن كان في كلِّ ما فات شيءٌ من معناها؛ يظلُّ أصل السعادة ولُب حقيقتها في عبادةِ الله جلّ في عُلاه، سُبحانه ربّ القلوب ومُقلِّبها، ويعلم ما تطيب له النفس وما يُسعدها، يقول تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43]. وعلى سبيلِ السعادة فقد اقترب شهر السعادة.. شهر الرحَمَات والعطاءات الربَّانية؛ شهر رمضان. الشهر الذي تجدُ الروحُ فيه غايتها وتُدرِكُ معنى السعادة الحقيقية. ويتفق الجميع أنّ في لذة العبودية ما لا يُمكن تحصيله بأي لذة أُخرى، تجدُ فيها السعادة المُطلقة وإنّ لم تجد لها أسبابًا ومظاهر واضحة. بالعبادةِ والدُعاء وتلاوة القرآن يتخلّص الكاهل من الأحمال المُلقاة على عاتقه، ويتخفف الصدرُ من الهموم الجاثِمة عليه والخانقة له حدّ الحرمان من السعادة، فتصبح الروح مشرقة والقلب مُستشرف للسعادة مُقبِل عليها يراها في أبسط الأشياء لتجده يبتم ملء فيه اذا ما ضحِك طفل أمامه إو اذا غرّد طير فوق رأسه!! السعادة الحقّة اذن هي في رضا الله على العبد ورضا العبد عن ربِّه، ولا يكون ذلك إلّا بالعبادة على اختلافها وكل ما يتقرّب العبد به إلى ربِّه، فتتساقط الذنوب عن الروح وتصير السعادة أقرب إلينا من حبل الوريد. أقْبِلوا بقلبٍ طامعٍ في كرمِ مولاه؛ على شهرِ العبادات والبَرَكات وإجابة الدعوات، تَنَسموا أنفاس السعادة مع كل ذكر وآية وأذان للصلاة، اجعلوا الروح تعرج إلى ربِّها في رحلة سعادة حقّة هي جنّة الدُنيا ونعيمها وهي الموصلة إلى غاية السعادة ومُنتهاها.. الجنّة !!! العيدُ سعادة وللمسلم عيدين، عيدُ الفِطر وعيد الأضحى، فلا عَجَب إذن أن يُختم شهر العبادات بأيّام عيد.. أيام سعادة !!! بلّغَنَا الله وإيّاكم شهر رمضان ورَزَقنا سعادة يرضى بها عنّا ويُرضينا. ...المزيد

{ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف ...

{ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد خاتم النبيئين.

أحيانا عند تلاوتك لآيات الله تعالى وتدبرك لها، تصطدم ببعض الآيات كأنك لم تقرأها من قبل، وإن كنت تحفظها كأنك لم تكن تحفظها.
ويرجع ذلك إلى أن تلك الآية تهم أمرا وقع لك، أو يهم واقعك.
ومن الآيات التي تستحق التأمل في عصرنا هذا، والتي نجد تطبيقها الحرفي -للأسف الشديد- في كل عصر، ابتداء من أبي بن سلول رأس المنافقين.
وهي قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة: 51-52]
يذكر ابن كثير رحمه أن المفسرين اختلفوا في سبب نزول هاته الآيات الكريمات. ومن أسباب نزولها المشهورة أنها نزلت في رأس المنافقين أبي بن سلول: "جاء عبادة بن الصامت، من بني الخزرج، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي موالي من يهود كثير عددهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود، وأتولى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي: "يا أبا الحباب، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه". قال: قد قبلت! فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة: 51-52]". [1]
يقول صاحب تفسير "المنار": "هذه الآيات وإن لم تكن نزلت في أبي سلول رأس المنافقين، فإن رواة التفسير المأثور اتفقوا على نزول الآية في المنافقين، فهم الذين في قلوبهم مرض؛ أي إيمانهم معتل غير صحيح، إذ لم يصلوا فيه إلى مستقر اليقين، وكان عبد الله بن أبي - زعيم المنافقين - ذا ضلع مع يهود بني قينقاع، وكان غيره من المنافقين يمتون إلى اليهود بالولاء والعهود، ويسارعون في هذه السبيل التي سلكوها. كلما سنحت لهم فرصة لتوثيق ولائهم وتأكيده ابتدروها، فهم يسارعون في أعمال موالاتهم مسارعة الداخل في الشيء، الثابت عليه، الراغب فيما يزيده تمكنا وثباتا، ولهذا قال: (يسارعون فيهم) ولم يقل يسارعون إليهم، فما عذر هؤلاء الذين يرددونه في أنفسهم ويقولونه عند الحاجة بألسنتهم (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) أي نخشى أن تقع بنا مصيبة كبيرة مما يدور به الزمان، أو من المصائب والدواهي التي تحيط بالمرء إحاطة الدائرة بما فيها. فنحتاج إلى نصرتهم لنا، فنحن نتخذ لنا يدا عندهم في السراء؛ ننتفع بها إذا مست الضراء. والمراد أنهم يخشون أن تدول الدولة لليهود أو المشركين على المؤمنين، وكان اليهود عونا للمشركين على المؤمنين كما ظهر في وقعة بدر والأحزاب، فيحل بهم ما يحل بالمؤمنين من النقمة. ذلك بأنهم غير موقنين بوعد الله بنصر رسوله، وإظهار دينه على الدين كله، لأنهم في شك من أمر نبوته، لم يوقنوا بصدقها ولا بكذبها، فهم يريدون أن ينتفعوا منها بإظهارهم الإيمان بها، وأن يتخذوا لهم يدا عليها لأعدائها، ليكونوا معهم إذا دالت الدولة لهم". [2]
يقول د.الزحيلي صاحب التفسير المنير ذاكر السبب في موالاة المنافقين للكفار: " وسبب موالاة هؤلاء المنافقين لأعداء الإسلام: أنهم يتأولون في مودتهم أنهم يخشون انتصار الكافرين على المسلمين، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى، فينفعهم ذلك. وهذا شأن المنافقين المستضعفين في كل زمان ومكان، يتخذون صداقات ومودات عند زعماء الكفر لتأييدهم ودعمهم أثناء الأزمات، وقد أثبت الواقع تخليهم عنهم وقت المحنة الشديدة وبيع صداقتهم بثمن بخس، وقد رأينا في عصرنا كيف تتخلى أمريكا مثلا عن رئيس دولة ما عاش كل عهده حليفا لها، ومنفذا لمآربها، وسائرا في مخططاتها، فهي التي تستخدمه وتستهلكه، ثم تتخلى عنه وقت المحنة والأزمة، فخاب كل من استعان بغير الله وبغير أهل دينه". [3]
قد رأينا كيف ربط الدكتور الزحيلي الآيات بعصرنا، الذي ما زلنا نرى فيه أمثال أبي بن سلول.
ويربط صاحب تفسير المنار هو الآخر الآيات بالواقع الذي كان يعيشه، حيث يقول: " وهكذا شأن المنافقين في كل زمان ومكان، وهو الذي جعل كثيرا من وزراء بعض الدول منذ قرن أو قرنين ما بين روسي وإنكليزي وألماني في سياسته، كل منهم يتخذ له يدا عند دولة قوية يلجأ إليها إذا أصابته دائرة، حتى تغلغل نفوذ هذه الدول في أحشاء هذه الدولة، فأضعف استقلالها في بلادها، ويخشى ما هو أكبر من ذلك، من خطر نفوذهن فيها، وحتى صار بعض رجالها الصادقين لها يرون أنفسهم مضطرين إلى الاستعانة بنفوذ بعض هذه الدول على بعض، وأما الذين استعمر الأجانب بلادهم بأي صورة من صور الاستعمار، وأي اسم من أسمائه، فأمر منافقيهم أظهر، يتقربون إلى الأجانب بما يضر أمتهم، حتى فيما لم يكلفوهم إياه، ويسمون هذا تأمينا لمستقبلهم، واحتياطا لمعيشتهم، ولو التزموا الصدق في أمرهم كله، فلم يلقوا أمتهم بوجه والأجانب بوجه لكان خيرا لهم وأقرب إلى الجمع بين مصلحة البلاد ومداراة الأجانب، ولكنه النفاق يخدع صاحبه بما يظن صاحبه أنه يخدع به غيره ويسلك سبيل الحزم لنفسه، وهو الذي يحمل بعض المنافقين الخائنين على نهب مال أمتهم ودولتهم، وإيداعه في مصارف أوربة لأجل التمتع به، إذا دارت الدائرة على دولتهم". [4]
ويصف الدكتور راتب النابلسي [5] حال المسلمين في عصرنا الحالي مع هذه الآية{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}: "طبعاً هذه الآية نعيشها، ولا تحتاج إلى شرح، لأن المسلمين حينما اتخذوا اليهود والنصارى أولياء ضاع منهم كل شيء، لكن الذي يلفت النظر:{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.
قد يكون بين هؤلاء وهؤلاء عداوات لا يعلمها إلا الله ولكنهم أمام قضية المسلمين صف واحد، شرقاً وغرباً: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. هم أمام الحق يتعاونون، أمام الحق يتحدون، أمام الحق يتوافقون:{ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }.
ما ينبغي أن يكون:
يجب أن تنتمي إلى هؤلاء المؤمنين، ولو لم يكونوا أقوياء كما تتمنى، ولو لم يكونوا متفوقين في الدنيا كما تتمنى، لكنهم قومك، بدل أن تنسحب منهم، بدل أن تنتمي إلى أعدائهم، خذ بيدهم، وقل: يا رب أعني على تخفيف الظلم عنهم.
فالعبرة في العاقبة والله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن عباده المؤمنين :قال تعالى: { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}.
وقال سبحانه {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة الأعراف: 128]
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
***
[1] تفسير القرآن العظيم، بو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، ج3، ص133، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999 م.
[2] تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، محمد رشيد رضا(المتوفى: 1354هـ)، ج6، ص356-357، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة النشر: 1990 م
[3] التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، د وهبة بن مصطفى الزحيلي، ج6، ص 226، دار الفكر المعاصر – دمشق، الطبعة : الثانية ، 1418 هـ
[4] تفسير المنار، ج6، ص 357
[5] موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية، تفسير سورة المائدة الآيات (50-53)
...المزيد

اللهم انصر اخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان

اللهم انصر اخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
25 محرم 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً