وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (3) تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (3)


تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن والملاحم الواردة في نصوص الوحيين، وواجب المسلم نحوها، وبينا أنها من الإيمان بالغيب الذي لا يتم إيمان المرء بغيره.

ونكمل في هذه الحلقة -بإذن الله- كلامنا، مستعينين به -عز وجل- في بيان مكانة هذا الباب من أبواب العلم، ومقدار اهتمام أهل الإسلام به.


• أخبار الغيب وأنواعها

فأخبار الغيب التي أخبر بها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- تتفاوت من حيث المدى الزمني لوقوعها، فمنها ما وقع قبل زمن التكلم بها، فيوحي بها إلى عباده المرسلين ليبلغوها لأقوامهم على سبيل التعليم وأخذ العبر وإثبات النبوة، كما في أخبار الأمم السالفة التي ما جاء نبي من بعد نوح إلا وأخبر بها، كما قال عنها الله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].

ومنها ما كان واقعا في زمن تكلم الأنبياء بها، كإخبارهم -عليهم الصلاة والسلام- الناس بأمور من الغيب لم يطلعوا عليها، على سبيل تقديم الآيات والدلائل على نبوتهم، وتلقيهم الوحي من الله عز وجل، كما في قول عيسى بن مريم -عليه السلام- لقوله، فيما أخبر عنه ربه سبحانه وتعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 49].

ومنها ما كان إخبارا عن أمور ستقع بعد فترة من إخبارهم بها، كما في إخباره -عليه الصلاة والسلام- بدخول المسلمين إلى مكة بعد رؤيا رآها، وصدق ذلك كلام ربه عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]، قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُري في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين، ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك، فلما انصرفوا ولم يدخلوا شق عليهم، فأنزل الله هذه الآية" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].

ومن تلك الأخبار، ما لم يقع في حياة الأنبياء المبلغين لها، ولكن بعد أن توفاهم الله، كإخبارهم ببعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأمرهم أتباعهم بالإيمان به، كما في قول عيسى بن مريم عليه السلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].

وكذلك بعض أخبار رسولنا عليه الصلاة والسلام، التي وقعت بعد موته، كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: (فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى)، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: (كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله منه) [رواه البخاري]، قال عدي عن الحديث نفسه: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم الحياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (يُخرج ملء كفه)".• أخبار الغيب وأشراط الساعة

ومنها ما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها تكون بعد موته، وجعلها إشارات أو علامات على اقتراب الساعة، كلما وقع منها شيء دلّ أكثر على اقتراب ذلك اليوم الموعود، كما أنها حين وقوعها تدلّ على صدق رسالته -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر به قبل حدوثه، ففي حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: (اعدد ستا بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) [رواه البخاري].

ولارتباط هذه الأخبار بالساعة، وهي موعد انتهاء الحياة الدنيا، وبداية الحياة الآخرة، ولعظم الأحداث المرتبطة بهذه الأخبار، فقد أولى بها أهل العلم من صحابة رسول الله وأتباعهم اهتماما كبيرا، وأفرد لها أهل الحديث في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم أبوابا وكتبا.

فمنهم من أوردها في معرض الحديث عن الساعة وأشراطها، وذلك ثابت في كلامه عليه الصلاة والسلام، بدلالته على اقتراب الساعة بأحداث تقع قبلها، كما في الحديث السابق، وكما في جوابه لجبريل -عليه السلام- عندما سأله عن الساعة وموعدها، قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها) [متفق عليه]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون الشعر) [رواه ابن ماجة]، وغير ذلك كثير فيما أخبر عنه عليه الصلاة والسلام.

أحاديث الفتن والملاحم وموقعها من العلم
ومن العلماء من جعلها في باب الحديث عن الأحداث العظام التي تقع قبل قيام الساعة، وهذا ما غلب على وصف هذه الأحاديث، حتى صارت تعرف عند الناس بـ (أحاديث الفتن والملاحم)، ولذلك نجد معظم هذه الأحاديث تحت هذه التسمية في كتب أهل العلم، وقلما نجد كتابا من كتب الحديث يخلو من باب بهذه التسمية أو قريبا منه.

فبوب البخاري في صحيحه (كتاب الفتن)، وفي صحيح مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة)، و(كتاب الفتن) في كل من سنن الترمذي، وسنن ابن ماجة، ومسند الشافعي، ومصنف ابن ابي الشيبة، و(كتاب الفتن والملاحم) في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم.

ومن العلماء من صنف كتبا مستقلة في هذا الباب، ككتاب (الفتن) للإمام أحمد بن حنبل، و(كتاب الفتن) لحنبل ابن إسحق بن حنبل، و(كتاب الفتن) لنعيم بن حماد المروزي، وهو أشهر ما صنف في هذا الباب، رغم تحذير العلماء منه لما احتواه من مناكير، وعلى آثارهم سار من جاء بعدهم، كالحافظ ابن كثير في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم)، وغيره كثير من كتب أهل العلم.
فأحاديث (الفتن والملاحم) تندرج في إطار العلم بالساعة، لما توضحه من علامات على قرب موعدها، ومن العلم بدلائل النبوة، لما فيها من أدلة واضحة على صدقه -عليه الصلاة والسلام- فيما يبلغه عن ربه تعالى، بل وجعلها بعض علماء السلف بابا من أبواب الاعتقاد التي يعلمونها للمسلمين، وخاصة الأحاديث التي أنكرها أهل الضلال من المعتزلة والروافض وغيرهم، لما فيها من نقض لأقوالهم ومعتقداتهم الباطلة.

بل ليس من المستبعد اعتبار (الفتن والملاحم) علما مستقلا بذاته، لما في هذا العلم من منهجية خاصة في تأويل الأخبار الواردة في متون الأحاديث التي نقلتها، من حيث مطابقة الأخبار للوقائع التي تحدث في كل زمان، وتقرير إن كانت هذه الوقائع من الأحداث التي تندرج في إطار (الفتن والملاحم) التي يدرسها هذا العلم، أم هي من جملة الأحداث التي يحدثها الله -تعالى- في كل الأزمنة المختلفة، والأماكن المتباعدة، ويبتلي بها عباده، ويمضي بها أقداره.

وسنبين في الحلقة القادمة -بإذن الله- جانبا من أهمية هذا العلم، من خلال بيان اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بتعليمه لأصحابه، واهتمامهم -رضي الله عنهم- بتعلمه وتبليغه لمن بعدهم، واهتمام علماء الإسلام بنقل هذا العلم، والفقه فيه، وبيانه للناس، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

النصيحة للمجاهدين... تحريض لا تثبيط الحمد لله ولي المجاهدين، وناصرهم وهاديهم إلى الصراط ...

النصيحة للمجاهدين... تحريض لا تثبيط

الحمد لله ولي المجاهدين، وناصرهم وهاديهم إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على من جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن الله -سبحانه وتعالى- قد بيَّن لعباده السبيل الذي يحبه ويرضاه، ودلَّهم على مواطن الخلل والنقص لديهم ليحذروا الخطايا وتكرارها، وقد ذكر الله -تعالى- ما وقع من خطأ من المجاهدين، كما أثنى على ما فعلوه من صواب، كما بعد غزوة بدر حيث أنزل الله -تعالى- سورة الأنفال، لتخبر عن تردد بعض المؤمنين أول الأمر وكراهيتهم الخروج للقتال ومجادلتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما تبيَّن الحق {كَمَا أَخرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوتِ وَهُم يَنظُرُونَ} [الأنفال: 5 - 6].


• فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم

وكذلك نزول صدر هذه السورة إثر اختلافهم في تقسيم الأنفال، إذ بيَّن الله -تعالى- لهم أن ما هو أهم من ذلك عنده أن يتقُّوه ولا يسمحوا لأعراض الدنيا أن تكون سبباً لفساد ذات بينهم، ونبَّههم -سبحانه- إلى ضرورة السعي إلى استكمال الإيمان، بذكر صفات المؤمنين التي يحبها ويحب أهلها ويثيبهم أعظم الثواب عليها في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ * إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُم دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 1- 4]، ونزلت آيات كثيرة في شأن غزوة بدر، وفي ثناياها الفوائد الجليلة التي تزكي قلوب المؤمنين وأعمالهم.

منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة
ورغم وجود المنافقين وتربصهم بالمؤمنين وبحثهم عن عثراتهم، نزلت الآيات التي تبين أن الفشل الذي حصل في غزوة أحد إنما هو بسبب معصية بعض المجاهدين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن دافع تلك المعصية كان إرادةَ الحياةِ الدنيا ومتاعِها الزائل. قال تعالى: {وَلَقَد صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعدَهُ إِذ تَحُسُّونَهُم بِإِذنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلتُم وَتَنَازَعتُم فِي الأَمرِ وَعَصَيتُم مِن بَعدِ مَا أَرَاكُم مَا تُحِبُّونَ مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُم عَنهُم لِيَبتَلِيَكُم وَلَقَد عَفَا عَنكُم وَاللَّهُ ذُو فَضلٍ عَلَى المُؤمِنِينَ} [آل عمران: 152]، وما أجملَ وأحسن أن يخبرهم الله بعفوه عنهم في الموضع الذي ينبِّههم فيه على خطئهم...
ثم أخبر -تعالى- أنه عفا عمن تولى يوم التقى الجمعان، وأخبرهم أن سبب توليهم وقوعهم في معاصٍ سابقة أوقعهم الشيطان في الزلل بسببها، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوا مِنكُم يَومَ التَقَى الجَمعَانِ إِنَّمَا استَزَلَّهُمُ الشَّيطَانُ بِبَعضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَد عَفَا اللَّهُ عَنهُم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155].


• قل هو من عند أنفسكم

آيات كثيرة تحدثت بالتفصيل عن حِكَم الله -عز وجل- فيما جرى قبل غزوة أحد وأثناءها وبعدها، كان في تلك الآيات الشفاء لقلوب المؤمنين وتساؤلاتهم عن سبب الفشل أمام الكفار في تلك المعركة، قال تعال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنَّى هَذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وفي الآيات بيان الحكمة من مقتل عدد من الصحابة، رضي الله عنهم، مع التأكيد على أن إدالة الكفار على المؤمنين لا تدل أبداً على محبة الله للظالمين، {إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140]، كما علمهم الله –تعالى- درساً عظيماً لمَّا أُصيب بعض الصحابة بالضعف والوهن عندما أشيع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قُتل، وأن الواجب الاستمرار في طاعة الله بجهاد أعدائه، ومتابعة السير في نصرة الإسلام {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلَى أَعقَابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلَى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].وأن الموت أو القتل أصاب خيار خلق الله وهم الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، فلم يمنع ذلك من اتبعوهم بإحسان من الثبات على طريق الدعوة إلى توحيد الله وجهاد أعداء الله لأطرهم على الحق ودفع عدوانهم على الشريعة وأهلها ودارها {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، ثم يشير الله -تعالى- إلى أن النصر قادم ولن تحرموا منه رغم ما سبق من أحداث، وأن عليكم أن تقتدوا بالأنبياء وأتباعهم الذين قال الله -تعالى- عنهم: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 147 - 148]، فكأن الله -تعالى- يَعِد الصحابة بالنصر بعد غزوة أحد التي وقع فيها الابتلاء والتمحيص للمؤمنين، ويوصيهم بالصبر والإحسان في طاعته، ويذكرهم بأن يطلبوا من الله مغفرة ذنوبهم وأن ينصرهم على القوم الكافرين. ولذلك كانوا واثقين من نصر الله -عز وجل- لهم يوم الأحزاب رغم الشدة وتكالب الكفار عليهم وإحاطتهم بهم {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].


• منهج رباني في النصيحة

إننا نحتاج إلى تتبع هذا المنهج الرباني في تذكير المجاهدين، فمن جهة نَذكر أسباب تأخر النصر، ومن جهة أخرى نُذكرهم بحِكَم الله -تعالى- الأخرى في إدالة الكفار على المؤمنين، وأن منها أن يصطفي الله -عز وجل- من المجاهدين أناساً لمنزلة الشهادة، وأن يمحِّص الله -تعالى- المؤمنين، ويستخرج منهم عبادة التذلل والاستكانة لله والتضرع إليه، ولعل منها أن يُخرج الله -تعالى- الخَبث من بيننا، ولعل منها أن الله لو نصرنا دائماً لأصابنا الأشر والبطر وطلب العلو في الأرض والركون إلى الدنيا، كما أن الله -تعالى- يحب أن يرانا صابرين ملحين عليه في الدعاء والاستغاثة به -عز وجل- خائفين من ذنوبنا أن تكون سبب هلاكنا وخسارتنا في دنيانا وآخرتنا، وأن نخاف من الوقوع في الزيغ والضلال والانتكاس بعد معرفة الحق واتباعه {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، ومن الحِكم أيضاً أن يُضل الله الكافرين حين يظنون أنفسهم قد انتصروا على الحق والهدى فيزدادوا إثماً وضلالاً، {ولَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178]، فينتقم الله منهم، وينزل بهم بأسه ويسلِّط عليهم أولياءه الموحدين المجاهدين فيعذبهم بأيديهم.

لقد أمرنا الله -عز وجل- أن نحرض المؤمنين على القتال وعلى الصبر فيه والمصابرة والرباط على أعداء الله، ولا يصح أبداً أن نُقنط المجاهدين من رحمة الله، ولا أن نقول لهم إنكم لن تنتصروا أبداً بسبب وقوع الذنوب والأخطاء من بعضكم، فكما أنه لا يصح أن يُغَلِّب المسلم جانب الرجاء بحيث يتجرأ على معاصي الله، فكذلك لا يصح أن يُغلب العبد جانب الخوف إلى أن ييأس من عفو الله ورحمته، فكلا الطرفين مذموم وهو سبب للفتنة والضلال.

بل نقول للمجاهدين: حافظوا على إيمانكم بفعل الواجبات وترك المعاصي، فالإيمان هو سبب نصر الله لنا، مع الخوف من الله ورجاء ما عنده من الرحمة والثواب، وكونوا دوماً أذلة على إخوانكم المؤمنين أشداء على الكفار، وجاهدوا واصبروا واستغفروا الله واطلبوا عفوه ونصره، وأحسنوا ظنكم بالله -تعالى- الذي وعد المؤمنين بالنصر وبخصال أخرى جليلة، بقوله سبحانه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14 - 15].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ - قصة شهيد: أبو عمر القوقازي وإخوانه هاجروا معاً وسقوا بدمائهم أرض الدولة ...

صحيفة النبأ - قصة شهيد:

أبو عمر القوقازي وإخوانه

هاجروا معاً وسقوا بدمائهم أرض الدولة الإسلامية
11 أخاً جمعتهم الحياة ولم يفرقهم الموت


لم يكن أبو عمر القوقازي وإخوانه العشرة على موعد بمعركة بيجي أو الموصل أو الرقة، ولم يتوقعوا عندما غادروا أرض القوقاز قبل سنوات طويلة متجهين إلى جزيرة العرب لتلقِّي العلوم الشرعية ودراسة اللغة العربية في إحدى جامعاتها أن يسقوا بدمائهم الطاهرة أرض الخلافة.

وكما جمعتهم الأرض على وجهها سنواتٍ طويلة متحابين متآخين في الله، جمعتهم الأرض كذلك في باطنها شهداء، نحسبهم والله حسيبهم.

لقد قُتل الإخوة الأحد عشر على أرض الشام والعراق في المكان الذي طالما حلموا بالعيش فيه والموت على ثراه، لم يمض على هجرتهم عدة أشهر حتى بدأ أحدهم يلحق بالآخر إلى الرفيق الأعلى، لقد تعاهدوا على المضي في الطريق إلى نهايته وقد بلغوها، لم يشغلهم شاغل، أو يمنعهم مانع، أو يعِقهم عائق، أو يلفت وجوههم بريق.

ألقوا ما على أكتافهم من متاع وأزالوا ما في قلوبهم من وهن، شدوا عزائمهم وأزمعوا أمرهم وصححوا هدفهم وجددوا نياتهم وحددوا وجهتهم الجديدة، إنها أرض الخلافة بعد أن تزودوا من علوم الآلة والعلوم الشرعية ما يعينهم على بلوغ الهدف، وبعد أن لم يجدوا بُدّاً من تطبيق ما تعلموه من مسائل العقيدة في الولاء والبراء والحاكمية وقتال الأعداء.

لقد ارتقوا مراتب الشرف ولم يُقنعهم دون النجوم مرام، فكان هاديهم في الطريق قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وكان حاديهم في المسير قول الشاعر:

إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير
كطعم الموت في أمر عظيم

إذا فلتكن الهجرة إلى أرض الخلافة هي الهدف، وليكن القتل في سبيل الله هو المرام، ولتصب المحن والبلايا منهم ما تشاء، فإن سلعة الله غالية وهي تستحق العناء، وإن قدَّر الله لنا أن نُقتل ونحن في أرض الخلافة، فلنقتل ونحن في أرض الخلافة، هذا ما قاله هؤلاء الإخوة الأحد عشر قبل هجرتهم عندما حاول ثنيهم الأهل والأصحاب.

لقد كان لبعض هؤلاء الإخوة أنشطة دعوية في القوقاز وكان أغلبهم يتابع أخبار المجاهدين فيها ويناصرونهم، لم يكونوا جماعة ولكن كانوا يعرفون بعضهم البعض ويحبون الجهاد ويدعمون أهله، ثم التقوا في أرض الجزيرة أثناء طلبهم للعلم وظلوا على تواصل مع بعضهم البعض يلتقون بين الفترة والأخرى.

الصدمة هي الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تُعبِّر عن حالة الإخوة ساعة إعلان الخلافة، وكما حدث لآلاف بل لملايين المسلمين في العالم، بدأت الأسئلة تنهال على ألسنتهم، كيف ذلك؟ من هؤلاء الذين أقدموا على أمر عظيم وكبير كهذا؟ هل هذا هو الوقت المناسب لإقامتها؟ هل؟ وهل؟ أسئلة كثيرة دارت على ألسنتهم وجالت في أذهانهم، دفعتهم إلى البحث عن الحقيقة بموضوعية وشجاعة، وبما أنهم طلاب علم فقد لجؤوا إلى الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن ذلك، وبدؤوا بالتعرف على الدولة الإسلامية عبر ألسنة قادتها وإصداراتها، وليس عبر كلام المُغرضين الكارهين والمحاربين، والتعرف على معنى الخلافة ومفهومها الشرعي ووجوب إقامتها، ووجوب الدفاع عنها، والتهيؤ لما يمكن أن يلاقوه في ذلك.

فكان أن علموا الحق ووقفوا على الحقيقة بعد أشهر من البحث والنقاش والجدال، ووصلوا إلى نتيجة مفادها أن الدارَ دارُ إسلام وجبت الهجرة إليها، وأن الرجل الذي بايعه المسلمون إمام شرعي واجبة طاعته عليهم، وأن جنوده مجاهدون يقاتلون تحت راية صحيحة نقية، وأنه لا خيار أمامهم سوى الهجرة إلى تلك الأرض، والبيعة لذلك الإمام، والالتحاق بصف أولئك المجاهدين.

فهاجروا إلى الله وهم يعلمون أن بركة العلم في العمل به، لا في الركون إلى الدنيا بزعم التفرغ له في وقت تزداد الحاجة إلى أهله خصوصا في زمن الفتن، ولم يصدهم عن طاعة ربهم تلبيسات المنتسبين إليه من علماء السوء الذين كانوا يتحلَّقون حولهم في الجامعة، وفي المساجد، وفي حلق العلم، وهم يحسنون بهم ظنا، ويحسبونهم على خير، حتى إذا جاءت الفتن عرّت عن أولئك الضالين ما لبسوا من مُسوح العلماء العاملين، وأظهرت سوءاتهم، وأبانت حقائقهم، فإذا هم أدعياء منافقون، يقولون ما لا يفعلون، وبالدين يأكلون، وفي مرضَات الطواغيت يعملون.وكان من هؤلاء الإخوة الأبطال الذين قضوا جميعا في المعارك ضد الكفار والمرتدين وأعوانهم الطبيب المجاهد أبو عمر القوقازي صاحب السبعة والثلاثين عاما، أب لأربعة أبناء، طالب علم لا يكاد يفارق الكتاب يمينَه، لقد سبق أن سجن في بلده بتهمة صداقته لأحد المجاهدين وكانت فترة سجنه رغم قصرها كفيلة بأن تعلمه شراسة الحرب التي يخوضها إخوانه ضد الكفار والمرتدين، فقد لاقى ما لاقاه من أذى، وما إن خرج من محبسه حتى جمع حقائبه وخرج فارا بنفسه وأهله ودينه.

لقد كان مقتل أبي عمر وأحد إخوانه العشرة مثالا على التضحية والفداء، حيث ترافقا -تقبلهما الله- إلى خط الدفاع الأول عن مدينة الموصل وكان ذلك الأخ قناصا، فشاهد مدرعة للروافض المشركين قريبة من نقطة رباطهم فتناول قذيفة خارقة للدروع لقذفها باتجاه المدرعة، ودنا مسافة باتجاه الهدف وفور اقترابه أصابته طلقة بجسده فسقط، فما كان من أبي عمر -تقبله الله- إلا أن تسلل باتجاه أخيه لإنقاذه وإسعافه رغم انكشاف موقعه للروافض المشركين، وما إن وصل إليه حتى وجد أخاه قد فارق الحياة، فأخذ يسحبه حتى أصابته طلقة أردته قتيلا، فسقط فوق أخيه -تقبلهما الله تعالى-.

وكان -تقبله الله- يحلم بأن يكون قناصا يدافع عن دولته، لكنه كان يعاني من ضعف في بصره، وقبل نفيره إلى أرض الخلافة خضع لعلاج كلَّفه ما يزيد على 2000 دولار، وعندما وصل إلى أرض الدولة الإسلامية والتحق بمعسكراتها، أخبر أمير المعسكر بأنه يرغب في الالتحاق بسرايا القناصين، فلما عُرِض على الإخوة في سرايا القنص رفضوا طلبه لضعف بصره، فما كان منه إلا أن بكى وحزن على ذلك.

وكان له -تقبله الله- باعٌ في مجال تربية الأطفال لما يتحلى به من صبر وحلم وأناة وعلم وتقوى -نحسبه والله حسيبه- وكان حافظا لكتاب الله تعالى، مجيدا تجويده وترتيله، فتم فرزه لمعسكرات الأشبال فقدَّم ما يملك في هذا المجال، فكان خير أب وخير معلم وخير مربٍّ، ورغم ضيق الوقت لديه إلا أنه لم ينس حلمه في القنص فكان يتعلمه بمساعدة أحد إخوانه في أوقات فراغه، وكلما سنحت له الفرصة رابط بقناصته على الكفار والمرتدين، فخرَّج في معسكرات الأشبال رجالا سيشهد لهم التاريخ والناس، نسأل الله أن يتقبل منه ومن إخوانه، وأن يتقبلهم جميعا في جنانه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

بيت المقدس إن أولياؤه إلا المتقون ستون سنة والقدس في أيدي اليهود، ثم يتباكى الناس أن أعلنها ...

بيت المقدس إن أولياؤه إلا المتقون

ستون سنة والقدس في أيدي اليهود، ثم يتباكى الناس أن أعلنها الصليبيون اليوم عاصمة لهم، ولا يعلم المرء حقيقة هذا البكاء، أهو بكاء على أرض كانت يوما قبلة للمسلمين، وحاضرة من حواضرهم، تحوي أحد مساجدهم الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا لها، أم هو بكاء على قضية اعتادوا البكاء عند ذكرها، لكونها تختصر كل مآسيهم في عصورهم المتأخرة، أم هي فرصة جديدة للمزاودين والأدعياء ليرفعوا أصواتهم مجددا منادين بهذه القضية اليتيمة التي لم يبق طاغوت من الطواغيت وطائفة من طوائف الكفر والردة في المنطقة إلا وزعم أُبُوَّتها، وادَّعى أنه ولي الدم فيها.

بل وصل الأمر بأهل الضلال أن يجعلوا من هذه الادعاءات الفارغة ماحية لكل جرائم الطواغيت والمشركين، فكانت سلعة رائجة تاجر بها طواغيت "حزب البعث" في الشام والعراق، وطواغيت الرافضة في إيران ولبنان، وطواغيت أحزاب الردة المنتسبة إلى الإسلام في كل مكان، بل كانت بالنسبة إليهم نوعا من المخدّرات التي يحقنون بها أتباعهم وعبيدهم، وسدا منيعا في وجه كل دعوة إلى الإصلاح.

وأطلقوا شعاراتهم المبتدعة، من قبيل "القدس قضية المسلمين الأولى"، الذي قصدوا منه أن لا أمل في تحقيق أي مطلب من مطالبهم قبل أن "تتحرر" القدس، فلا تحكيم للشريعة قبل أن تُخلَّص المدينة من أيدي اليهود، ولا جهاد ضد أيٍّ من أصناف الكفار والمرتدين حتى يعود المسجد الأقصى إلى أيدي المسلمين.

ومنهم من عدَّل ذلك الشعار ليكون "القدس قضية المسلمين المركزية"، قاصدا بذلك أن يجعلها مغناطيسا لجذب الأنصار والأتباع، فإن دعا إلى إقامة الدين جعل الغاية من ذلك "تحرير القدس"، وإن طالب بإعادة الخلافة كان هدفه من ذلك حشد المسلمين لمعركة "فتح القدس"، وإن نادى بتحكيم الشريعة سارع إلى الإعلان أن ذلك سيساعد في "استعادة الأقصى السليب"، ولا نعرف بماذا كانوا سيبرِّرون دعواتهم لو استفاقوا يوما ليجدوا القدس عاصمة للسلطة الفلسطينية المرتدة أو حكومة حماس الطاغوتية.

بل وصل الأمر بالضالين المضلِّين أن ينكروا على كل مجاهد في الأرض، ويطعنوا في جهاده للمشركين، وطاعته لأمر رب العالمين، متهمين إياه أنه بجهاده يصرف الأنظار عن "معركة القدس" التي يجب أن لا تتوجه الأنظار إلا إليها، ويحرف فوهة البندقية عن اليهود الذين يحرم توجيه البنادق إلى غير صدورهم، وردَّ الكثير من أهل الجهاد على هذه الشبهات، وبينوا للناس أن فتح القدس لا يمكن أن يتحقَّق وجيوش الطواغيت تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، وهي تحمي اليهود من ضربات المجاهدين، وتمنع المسلمين من مجرد التفكير في فتح جبهة مع المشركين في بيت المقدس وأكنافه.

لكن أهل الحق الربانيين لا يمكن أن تنطلي عليهم مزاودات الكاذبين، ولا أراجيف المنافقين، فميزانهم في كل أمر هو شريعة رب العالمين، وأحكامهم على الطوائف والأعيان مصدرها الكتاب المبين، فلا يرتفع حكم الكفر عن فرد أو طائفة مهما علا صراخه مناديا بـ "تحرير القدس" حتى يتوب من كفره بالله العظيم ويكون كسائر المسلمين، ولا يتوقف الجهاد المتعيِّن في أرض من الأرضين انتظارا لفتح أرض غيرها، ولا ضد صنف من المشركين تعللا بقتاله لليهود المحاربين، وهم في جهادهم مستمرون حتى يقيموا حكم الله -تعالى- في القدس وغيرها من البلاد، ويزيلوا الشرك عن كل أرض تشرق عليها الشمس، ويغشاها الليل.

يرون أن كل خطوة لهم في مسيرة جهادهم تقربهم أكثر من موعود الله لهم بقتال اليهود في بيت المقدس، وقتلهم على أرضها، حتى يقتل عبدُ الله عيسى بن مريم -عليه السلام- دجالَهم، ولا شك أن ذلك كله لا يكون إلا للطائفة المنصورة من الموحدين، الذين صبروا على الفتن، وثبتوا في الملاحم، ولم يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم، حتى أتاهم أمر ربهم -سبحانه وتعالى- وهم على ذلك.

ورجال هذه الطائفة المتقون هم أولياء بيت المقدس وأهله من المسلمين، وهم أولياء المسجد الأقصى، لا الطواغيت، ولا عبيدهم المشركون، ولا العلمانيون والديموقراطيون وإخوانهم المرتدون، الذين يصدون عن سبيل الله، ويحاربون شريعة الله، وأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، كما قال الله جل وعلا: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُہُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنفال: 34].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه ...

أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء

عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاث، يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل، فإن قوما أرداهم سوء ظنهم بالله -عز وجل- فقال لهم: {وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ}[فصلت: 23]) [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي..) [رواه مسلم]

أخي المجاهد، انزع من قلبك الهم والحزن واستعن بمولاك وأحسن الظن به، فهو لا يَرُدُّ من استجار به، ولا يُبعد من تقرب إليه، فكم أزال عنك شدة، وكم دفع عنك مكروها.

هو الذي خلقك ورزقك وربَّاك وعدلك، رزقك وأنت في رحم أمك، وأجرى لك اللبن سائغا دافئا فور خروجك، وما زال يطعمك ويسقيك ويكسوك ويشفيك ويحميك.

ربَّاك وعلَّمك وحفظ عليك سمعك وبصرك، ومنَّ عليك بكل ما تمتعت به من نعم وأولها أن أوجدك، ثم هداك، ثم اصطفاك، هداك للإسلام، واصطفاك لقتال أعدائه، فكم أنت محظوظ أن جعلك أحد جنوده، ولست أحد جنود الطواغيت، فأنت -أخي- على خير عظيم ما التزمت تقاه ولزمت طريقه.

تذكر دائما -أخي- أن الله رحمن رحيم، وأنك تردد هاتين الصفتين في اليوم والليلة بضع عشرة مرة في صلاتك المفروضة وتكررهما في البسملة، فحاشا للرحمن الذي هو أرحم بك من أمك أن يتخلى عنك فأحسن الظن به تفلح.

رُوي أن حماد بن سلمة عاد سفيان الثوري، فقال له: يا أبا سلمة أترى الله يغفر لمثلي؟ فقال حماد: والله لو خُيِّرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبوَي، لاخترت محاسبة الله على محاسبة أبوَي، وذلك أن الله أرحم بي من أبوَي.

فلتكن -أخي- عالي الهمة شديد التعلُّق بالله والتوكل عليه، فإن حسن الظن بالله باب من أبواب التوكل عليه والاعتماد عليه، فلن تستطيع التوكل على الله ما لم تُحسن الظن به.

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لله أرحم بعبده يوم يأتيه أو يوم يلقاه من أم واحد فرشت له بأرض فيء ثم قامت فلمست فراشه بيدها، فإن كان به شوكة كانت بها قبله، وإن كانت لدغة كانت بها قبله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

((نِيَّةُ الجَمْعِ)) ✍النيَّةُ ليستْ شرطًا في جواز الجمْع، بل يُجزئ الجمعُ ولو لم يَنْوِه في ...

((نِيَّةُ الجَمْعِ))
✍النيَّةُ ليستْ شرطًا في جواز الجمْع، بل يُجزئ الجمعُ ولو لم يَنْوِه في الصَّلاةِ الأولى ما دام سببُه باقيًا، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة، وقولٌ للمالكيَّة، وبه قال طائفةٌ من الشافعيَّة، وقولٌ للحنابلة، اختارَه ابنُ تيميَّة، وذهَب إليه ابنُ حجرٍ، وابنُ باز، وابنُ عُثَيمين
🌻قال ابن تيمية:
(((لا يُشترَط في الجمْع نية))
((مجموع الفتاوى)) (24/51)
🌻قال ابن باز:
((اختلف العلماءُ في ذلك، والراجح أنَّ النيَّةَ ليستْ بشرط عند افتتاح الصَّلاة الأولى، بل يجوزُ الجمع بعدَ الفراغ من الأولى إذا وُجِد شرطُه من خوفٍ، أو مطرٍ، أو مرض))
((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/294)
✍قال ابن عثيمين:
((الصحيح: أنه لا يُشترَط نيَّة الجمْع عند إحرام الأولى، وأنَّ له أن ينويَ الجمع ولو بعد سلامه من الأُولى، ولو عند إحرامه في الثانية ما دام السَّبب موجودًا))
((الشرح الممتع)) (4/397)
════════❁══════
🪀خدمة فوائد علمية🪀
════════❁══════
📌 للاشتراك في الخدمة: تفضل بالضغط على الرابط التالي :
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
📎 انشر تؤجر بإذن الله 📎
...المزيد

◾- لفتة: إذا اشتريت من بائع يظهر عليه الفقر فتسامح في القيمة، بل الأفضل أن تعطيه أكثر مما طلب، ...

◾- لفتة: إذا اشتريت من بائع يظهر عليه الفقر فتسامح في القيمة، بل الأفضل أن تعطيه أكثر مما طلب، وتشجعه على العمل، وتحاول الشراء منه ولو لم ترده أصلًا؛ إذ ستجمع بهذا عدة رسائل وحسنات منها تشجيعه على العمل، وإدخال السرور عليه، والصدقة، وكسبه لحب الخير وأهله.

#نصائح_ثمينة
•┈┈•⊰•◑️♾️◑•⊱•┈┈•
...المزيد

◾- ندائي للإخوة الذين لديهم متابعات جيدة: يجب أن تستشعروا أن متابعيكم أمانة في أعناقكم؛ فقد أتوا ...

◾- ندائي للإخوة الذين لديهم متابعات جيدة: يجب أن تستشعروا أن متابعيكم أمانة في أعناقكم؛ فقد أتوا ليستفيدوا منكم فأحسنوا نشركم، وأعدوا لهم عدتكم، واتقوا الله ربكم؛ فهم شهداء عليكم.

#نصائح_ثمينة
•┈┈•⊰•◑️♾️◑•⊱•┈┈• ...المزيد

🔸- نصيحة مجربة: الأمراض المزمنة لا تستعمل لها أدوية مسكنة وإلا أدمنت عليها وفتكت بك، وأصبحت مرضًا ...

🔸- نصيحة مجربة: الأمراض المزمنة لا تستعمل لها أدوية مسكنة وإلا أدمنت عليها وفتكت بك، وأصبحت مرضًا مزمنًا آخر.

#نصائح_ثمينة
•┈┈•⊰•◑️♾️◑•⊱•┈┈•

🔸- أيها الشاب: أنت من ستذوق جنة أو نار الزوجة فكيف توكّل -الأهل أو غيرهم- في زواجك وتغمض عينك، ...

🔸- أيها الشاب: أنت من ستذوق جنة أو نار الزوجة فكيف توكّل -الأهل أو غيرهم- في زواجك وتغمض عينك، فلهذا لا أنصحك بالاعتماد على الأهل في هذا الجانب، ولا تقبل تزكيتهم لها!.

#نصائح_ثمينة
•┈┈•⊰•◑️♾️◑•⊱•┈┈• ...المزيد

🔹- نصيحة: الصورة الجميلة لأولادك احتفظ بها لنفسك، ولا داعي لنشرها لغيرك؛ فلقد كان ﷺ يأمر بإخفاء ...

🔹- نصيحة: الصورة الجميلة لأولادك احتفظ بها لنفسك، ولا داعي لنشرها لغيرك؛ فلقد كان ﷺ يأمر بإخفاء جمال الصبيان؛ كي لا تصيبهم عيون الحساد.

#نصائح_ثمينة
•┈┈•⊰•◑️♾️◑•⊱•┈┈•

🔸- حساباتك في وسائل التواصل إذا لم تقربك من الجنة، وتباعدك عن النار فاتركها الآن فلا خير فيها؛ إذ ...

🔸- حساباتك في وسائل التواصل إذا لم تقربك من الجنة، وتباعدك عن النار فاتركها الآن فلا خير فيها؛ إذ هي زيادة حساب أو عقاب.

#نصائح_ثمينة
•┈┈•⊰•◑️♾️◑•⊱•┈┈•
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
14 ربيع الأول 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً