✍ ما حزنتُ يوماً على امرئٍ حاول أن يعانق حُلمه فلم يُدركْهُ، بقدر حزني على من عاش خاملاً فاتِراً ...


ما حزنتُ يوماً على امرئٍ حاول أن يعانق حُلمه فلم يُدركْهُ، بقدر حزني على من عاش خاملاً فاتِراً لم يحلُمْ، ولم يتطلَّع، ولم يَصبُ إلى معنى شريفٍ؛ قلبُه خواءٌ من بر، ونفسُه لا تضطرب لمَكرُمة، وروحُه لا تتطلَّع إلى فضيلة، لا هدفَ يستثيرُ عزيمتَه، ولا هم يُؤرق مضجعَه، ولا غايةٌ تَستلُّه من رِبقة الخُمُود. عاش خافتَ النفس، خاليَ القلب، خامدَ الهمّة، كأنّما أُخرج من العدم ليحيا عدما آخر.

أمَا والله إنّ الحياةَ الحقيقية هي تلك التي يتعلق فيها القلبُ بأمنياتٍ شريفة، ومطامحَ سامية، ومآربَ تُطاوِلُ الجبال شموخاً ورفعةً؛ وإن لم يبلغ جميعَ غاياتِه، وإن لم يُحققْ كل أهدافه، فالسعيُ في ذاته نعيم، والغايةُ في ذاتها شرف، والألمُ فيهما حياة!

وكل نبضة في قلبك تنبئك بأن الله اختارك أنت بالذات، ووهبك حياة، وذلَّل لك الوسائل لتُريَه أحسنَ ما في نفسك، وتُخرجَ من نفسك أثمَنَ ما وُضِعَ فيك؛ لن يسألك عمّا عجزتَ عنه، ولن يُحاسبَك على ما لم يكن في قدرتِك، لكنّه سبحانه حتماً سائلك عن نعمِه وعطايَاهُ، ما عملتَ فيها؛ فأعِدَّ للسؤالِ جواباً، وتدبر شأنَك، وتبيَّنْ مواطئَ أقدامك، فما أمَدَّ الله في عمرِك إلا ليبلُوَ عملَك، ولا أفسح لك في أجلِك إلا ليَختبرَ سعيَك.

فكل نفس يتردد في صدرك هو نعمة تستوجب الشكر ومضاعفة السعي، وكل صباح يشرق عليك ولم تزل حياً هو عهد آخر مع الحياة، بأن الوقت ما زال فيه متسع لتملأ حدائق جنتك بغراس الباقيات الصالحات.

هذه فُرصتكَ فانهضْ... وهذه مِنحتُكَ فشمِّرْ... وأعمالٌ تُرفَعُ بالليلِ والنهارِ فاستبِقْ... وعطايا من الكريم فاغتنِمْ!

وما الأيامُ فينا دقائقُ تُعدُّ أو ساعاتٌ تمضي، وإنّما هي تلك اللحظاتُ التي عاش فيها القلبُ مُخبِتاً لله، ونبضتْ فيها الروحُ بمعاني السماء، وسمَتْ فيها المعاني بنفحاتِ الوحي.

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

صباحُ الخير..🧡
===============
#محمد المحرابي
...المزيد

🎤 *خطبة جمعة بعنوان:* *غزّة تستغيث جوعاً؛ فأين المسلمون؟!* *إعــداد/ حــســـــــــــــن ...

🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*غزّة تستغيث جوعاً؛ فأين المسلمون؟!*
*إعــداد/ حــســـــــــــــن الـكـنزلي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*محاور الخطبة:*
□ مقدمة
□ غزة بين الحصار والجوع
□ فريضة النصرة وإغاثة الملهوف
□ صور من التخاذل المخزي
□ سنن الله في المجتمعات التي تخذل إخوانها
□ مسؤوليتنا تجاه مجاعة غزة
□ نماذج من مواقف السلف الصالح
□ الأمل لا يموت، والنصر قادم
□ خاتمة

*الخطبة الأولى:*
الحمد لله القائل في كتابه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل نُصرة المظلومين من أعظم القُربات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأوصيكم ونفسي المقصّرة أولاً بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 131].
وبعد، أيها المؤمنون!

□ أما آن لقلوبكم أن تهتز؟ أما آن لضمائركم أن تصحو؟ أما آن لدموعكم أن تنهمر؟!
إنها غزّة، لا مجرد مدينة؛ بل رمز العزة، تحتضر الآن جوعًا وقصفًا، تموت صمتًا لا صراخًا، تحترق في بطون أطفالها، وتئن في صدور أمّهاتها، وتذبل في عيون شِيبها!

أيها الأحبة! في غزة أطفال يتضوّرون جوعًا، وأمّهات يغلين الحجارة بدل الطعام، وشيوخ يتمنّون الموت على حياة الذل.
في غزة، الموت له رائحة، له طعم... له طيف يمرّ في العيون الخاوية، وفي الأرواح المنهكة، في غرف الإنعاش الخالية، وفي أروقة المساعدات الممنوعة!

□ أيها المسلمون! المجاعة لا تعني فقط نفاد الطعام؛ بل انهيار الكرامة، واحتضار الأمل. إنها الموت ببطء... أن ترى أبناءك يموتون ولا تجد لهم لبنًا، ولا فتاتًا، ولا حتى رغيفًا!

غزة ليست جائعة اليوم فقط؛ بل محاصرة منذ 2007، منذ ثمانية عشر عامًا، يُشدّ عليها الخناق، وتُغلق عليها المعابر، وتُمنع عنها الكهرباء والماء والدواء. ثلاث حروبٍ كبرى، آلاف الغارات، ومئات آلاف الأطنان من القنابل، ثم جاء الحصار الغذائي!

قالت منظمة الصحة العالمية قبل أشهر: "غزّة تواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة، يموت فيها الأطفال جوعًا قبل أن يصلهم الغذاء" [تقرير منظمة الصحة العالمية، مارس 2024]

وأعلنت الأونروا أن "أكثر من 80% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد". [UNRWA Food Security Report, 2024]

أيها المسلمون! تخيلوا أمًّا تُرضع ابنها ماءً مغليًا... تخيلوا طفلًا يموت وهو يبحث عن لقمة في القمامة... تخيلوا بيتًا خاوياً إلا من بكاء الجوع!
وقد قال النبي ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته» [صحيح البخاري: 893]؛ فما بالنا بمسؤوليةٍ بحجم أمّةٍ تتفرج على موت الأطفال؟!

□ عباد الله! ليست نصرة غزة أمرًا تطوّعيًا، ولا خيارًا بين البدائل؛ بل فرضٌ شرعيٌّ عظيم، دل عليه صريح القرآن، وصحيح السنة، وأجمعت عليه الأمة. قال تعالى: ﴿وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ﴾ [الأنفال: 72]
وهذا خطاب للأمة كلها، إن استنصركم إخوانكم المظلومون والمجاهدون والجوعى… فعليكم النصر؛ لا "فكّروا"، ولا "تفاوضوا"، ولا "أصدروا بيانًا"؛ بل عليكم النصر! قال النبي ﷺ: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسلمه» [صحيح البخاري: 2442]؛ فإن تركتموهم للجوع والمرض والقهر، فقد خذلتم، وقد أسلمتم، وقد خُنتم الأخوّة والميثاق.
وقال ﷺ أيضًا: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» [المعجم الأوسط للطبراني: 6026]؛ فليبحث كل مسلم عن قلب؛ فإن لم يضطرب لغزّة، وإن لم ينكسر للجوع، وإن لم يتحرك لإنقاذهم؛ فليُراجع إيمانه.

إن النصرة ليست فقط قتالاً؛ بل إغاثة، وإنقاذ، وعطاء، وإعلام، وتضامن...
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لو أن بغلةً في العراق عثرت، لخشيت أن يسألني الله عنها: لِمَ لمْ تمهّد لها الطريق؟" [تاريخ ابن عساكر: 44/312]؛ فكيف بمن يموت من الجوع أمام عيوننا، ونحن لا نرسل له حتى دعاءً صادقًا أو رغيفًا يابسًا؟!
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن لم ينصر المظلوم، ولم يردّ الظالم؛ فقد شاركه في الإثم، وكان خصيمه يوم القيامة" [الطرق الحكمية: ص 74]

أين رجال المال؟
أين تجار الأمة؟
أين الكرماء الذين كانوا ينحرون الجمال من أجل ضيف، ولا يملكون اليوم أن ينحروا الشهوة في بطونهم، لينقذوا طفلاً يموت؟!

أما علمتم أن النبي ﷺ قال: «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه» [المستدرك على الصحيحين: 7302]؛ فكيف بمن يجوع إخوتُه في غزة ونحن نأكل في سبعة صحون، ونرمي الفائض في القمامة؟!

غزة تستغيث، فهل من مغيث؟
غزة تموت، فمن يُحيي القلوب؟
غزة تصرخ، فهل تسمع الآذان أم طُمست؟ وهل تحنّ القلوب أم ماتت؟ وهل تتحرك الأيدي بالعطاء، أم جفّت من الجبن والتخاذل؟!

يا أمة محمد ﷺ، يا أمة القرآن، يا من تصرخون كل جمعة: "اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين!" ها هو الإسلام جائع في غزة، فأين العزّة؟!

غزّة تستغيث، فأين المسلمون؟!
صرخة من الجوع، وموت بصمت الجُبن والتخاذل!

□ أيها المسلمون! ليس الجرح في غزة فقط جرحَ جوعٍ؛ بل هو جرح في الضمير، وخزي في جبين الأمة!
فبينما تموت غزّة جوعًا، تموت فينا الغيرة والرجولة، والحسّ الإنساني والكرامة الإسلامية..!

نعم، إن ما نراه اليوم من الصمت الرسمي أمام المجاعة في غزة، لا يفسَّر؛ إلا بالخيانة أو بالجبن أو بالتحالف مع العار!
أين المؤتمرات؟ أين التصريحات؟ أين السفراء؟ أين القمم؟
أين فقه «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»؟ [صحيح البخاري: 893]

أما الشعوب؛ فقد نام كثيرٌ منها أو أُلهي بمواسم الترفيه والمهرجانات والمسلسلات...
صار الدم الفلسطيني مادةً للأخبار لا للقلب... وصار الجوع خبرًا في النشرات لا نداءً في المساجد!

يتعلّلون بالعجز، ويتباكون على ضعف اليد، ونسوا أن الأمة التي تُنفق على ملاعب كرة القدم، والمهرجانات الغنائية، ومواسم الرفاهية مئات الملايين، لا تُعفى من خيانة الجائعين في غزة.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "من رأى منكم منكرًا فاستطاع أن يُغيره بيده فليُغيره، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" [صحيح مسلم: 49]

أيها الناس! هل سمعتم أن طفلاً أمريكياً مات من الجوع؟ أو بريطانياً؟ أو فرنسياً؟
لكن غزة تموت جوعاً، ومع ذلك لم يتحرك الإعلام العربي كما تحرّك لوفاة مغنية، أو إصابة لاعب!
ما هذا التناقض؟ أليس هذا هو الإعلام الذي قالوا إنه "سلطة رابعة"؟! بل هو سلطة صامتة حين يتعلق الأمر بفلسطين!

بل قارِنوا ما جرى في زلزال تركيا أو المغرب من حملات تبرع وإغاثة واسعة، مع ما جرى في غزة!
غزة لا زلنا نختلف: هل نجوع معها أم نكمل وجبتنا؟ أي مهزلة هذه؟!
قال ابن الجوزي رحمه الله: "من عظمة المصيبة، قلّة العِبرة بها عند الغافلين" [صيد الخاطر: ص 114].
نعم، لقد اعتاد الناس على مأساة غزة حتى صار الجوع فيها خبراً معتاداً لا يُبكي ولا يُفزع! وما هذا إلا من البلاء في الدين قبل أن يكون في الدنيا.

□ عباد الله! ما أشدّها من سُنَّة! إن الله لا يظلم، ولا يُهلك القرى بظلم؛ لكن يهلكها إن رضيت بالسكوت، وإن أعرضت عن المصلحين، وإن خذلت المستضعفين.
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117]؛ فليس المطلوب أن نكون فقط "غير ظالمين"؛ بل أن نكون مصلحين، رافضين للظلم، منتصرين للمظلومين، غاضبين لله لا خانعين للبشر!
وقال النبي ﷺ: «ما من قوم يمنعون الضعيف حقه، إلا مُنِعوا النصر من السماء» [مسند الإمام أحمد: 22298].
هكذا قالها نبي هذه الأمة: من منع الضعفاء حقهم، رُفع عنه النصر!
فلا تستغربوا تأخر النصر في الأمة، فإن الله لا ينصر قومًا يخذلون أطفالهم!

أيها الناس! اقرؤوا التاريخ؛ فستجدون أن الله أهلك أممًا كاملة بسكوتها عن الظلم؛ لا بظلمها فحسب.

أهلك الله قوم سبأ، لأنهم كفروا بنعمة العدل، ورضوا بالتخاذل، ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ﴾ [سبأ: 16]

وهلكت ثمود؛ ليس فقط لأنهم كذبوا صالحًا؛ بل لأنهم رضوا بذبح الناقة وسكتوا، ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: 65]
قال الحسن البصري رحمه الله: "إذا رأيت القوم يخذلون المظلوم، فاعلم أن الساعة قد اقتربت" [الزهد للإمام أحمد: ص 172]

واليوم، إذا جاع أهل غزة وسكتنا، وغضضنا الطرف، وتذرّعنا بالعجز، فغدًا، والله، نجوع نحن ويصمّ العالم آذانه عنا!
وما نحن بناجين من سنن الله إن تخلّينا عن عباده. قال الشاعر:
إذا اشتكى مسلمٌ في الهندِ أرَّقني ** وإن بكى مسلمٌ في الصينِ أبكاني
ومصر ريحانتي والشام نرجستي ** وفي الجزيرة تاريخي وعنواني
وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ** عددتُّ أرجاءَها من جنس أوطاني

أيها المسلمون! لا تكونوا أول أمة تموت فيها الأخوّة الإسلامية على يد أهلها!
لا تكونوا سببًا في منع نصر السماء، ورفعة الدين، وكرامة الأرض!
واعلموا أن الله عز وجل لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.

قال العدلُ الحكيم، الغنيُّ عن عذابِ عبادِه، الرحيمُ بأوليائه، لا يُهلِكُ إلا من استحق، ولا يرفعُ نِقمتَه إلا بعد قيامِ الحُجّة، القائلُ في كتابه الكريم، وعدًا لأهلِ الصلاح، وتحذيرًا لأهلِ الفساد:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117].
اللهمّ اجعلنا من عبادك المصلحين، وأحيِ قلوبَنا بالإيمان والعملِ الصالح، وادفع عن بلادِنا أسبابَ الهلاك، وهيّئ لنا من أمرِنا رشدًا.
أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين؛ إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
الحمد لله القويّ في عدله، الرحيم بعباده، ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156]، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، أيها الإخوة المؤمنون؛

□ فنحن لا نقف اليوم بينكم بخطبة عابرة؛ بل نصرخ من على منبر النبي ﷺ لعلّ في الأمة قلبًا يفيق، أو دمعةً تذرف، أو كفًّا تمتد، أو ضميرًا يثور. غزة تموت جوعًا، فماذا نحن فاعلون؟:

- حاسب نفسك أيها المؤمن، اسأل قلبك: هل تألمت حقًا لما يجري في غزة؟ هل دعوت لهم بين يدي الله دعاء الملهوف؟ هل بكيت من أجل طفلٍ يتضوّر جوعًا، وامرأة تطبخ الحجارة؟
قال النبي ﷺ: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» [صحيح مسلم: 2586]؛ فهل جزعت جوارحنا؟ هل سهرنا؟ هل أصابتنا الحمى؟ أم أنّا جسدٌ مبتور لا يحسّ؟!

- أيها الناس! المسلم صاحب ضمير حيّ، لا يُسمي نفسه إنسانًا ثمّ يأكل حتى التُّخمة وإخوانه يُسلخون من الجوع.
قال ابن عباس رضي الله عنه: "من بات شبعانًا وجاره جائع، فليس بمؤمن" [أخرجه البزار في مسنده: 1870]؛ فكيف إذا كان هذا الجائع أمّة منسية في أقفاص الحصار؟!

- أمة الإسلام! لا تُطفئ نار الجوع في غزة بالشعارات؛ بل بالأفعال. تَصدَّقوا ولو بالقليل، فقد قال النبي ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» [صحيح البخاري: 1410]
وتتبّعوا الحملات الإغاثية الموثوقة، وكونوا عونًا للثقات، وارفعوا أصواتكم على منابركم، وفي صفحاتكم، وفي أحيائكم، ومساجدكم.
فإن عجزتم عن المال؛ فلا تعجزوا عن الكلمة، ولا تعجزوا عن الضغط الشعبي، ولا عن إثارة الضمير الجماعي.

□ ما كان سلفنا صالحين؛ لأنهم صاموا وصلّوا فقط؛ بل لأنهم نصروا المظلوم وأغاثوا الجائع. لما رأى عبد الرحمن بن عوف حاجة المسلمين، تصدّق بقافلة كاملة من سبعمئة بعير محمّلة بالطعام، وقال: "أُقرّبها إلى الله". [سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/84]؛ فلمن تقرّبنا نحن؟ ولأي خزائن نخزّن، ونحن ندفن أطفال غزة جوعًا؟!
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمّاله: "إذا جاع الناس، فإن أول من يُحاسب نحن" [تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 224]؛ فأين من يحاسب نفسه اليوم؟ بل أين من يشعر بالجوع أصلاً؟!
وكان أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه يُنفق كل ماله مرارًا نصرةً للمظلومين والمجاهدين، حتى قال النبي ﷺ: «ما نفعني مالٌ ما نفعني مال أبي بكر» [سنن ابن ماجه: 94]؛ فهل من مسلم اليوم يُنفق؛ لا ليُشكر؛ بل لأن الجوع في غزة عورة لا تُستر إلا بالمال؟

□ أيها المؤمنون! لن يَكسر الجوع عزائم غزة؛ فالتاريخ يشهد أن من الجوع وُلدت البطولات، ومن الحصار تولدت الانفجارات.
إن وعد الله لا يتخلّف، ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ﴾ [القصص: 5]
إنهم اليوم جوعى؛ لكنهم سادة الغد، بإيمانهم، وصبرهم، ودمائهم، وتربيتهم تحت القصف والمقابر والجوع.

يا قوم! أهل غزة لا يريدون دموعكم؛ بل عزّتكم. لا يريدون الشفقة؛ بل الشراكة. يريدون أن تقولوا: نحن معكم؛ قولًا وفعلًا.

□ يا من يسمع الآن
اعلم أن الرغيف الذي تبخل به اليوم على غزة، قد يُحرم منه ولدك غدًا. واعلم أن الله سائلك؛ لا عن ماذا قال لسانك؛ بل ماذا فعلت يدك؟ فأنقذوا إخوانكم؛ قبل أن تُسأَلوا أمام الله.

هذا وصلوا وسلموا على من أمر ربنا بالصلاة والسلام عليه؛ فقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ ۚ يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب : 56].

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمَّد، وعلى آل سيدنا محمَّد، عددَ خلقِك ورضى نفسِك وزنةَ عرشِك ومدادَ كلماتِك... وارضَ اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين، وعن الصحابةِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وعنا معهم برحمتك وفضلك يا أرحمَ الراحمينَ!
وأعرضْ اللهمَّ عليه صلاتَنا وسلامَنا في هذه الساعةِ يا ربَّ العالمينَ!

اللهم يا رحمن الدنيا والآخرة، يا واسع الرحمة، يا عظيم العطاء…
اللهم إن إخواننا في غزة جائعون، مظلومون، محاصرون، مقهورون…
اللهم أطعِم جائعهم، وآمِن خائفهم، وداوِ جريحهم، وارفع عنهم البلاء والوباء والسقم والعدوان.

اللهم إنهم قد اشتدّ بهم الجوع، وضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، وبك وحدك الرجاء…
اللهم أغثهم غيثًا من عندك، يسدّ جوعهم، ويجبر كسرهم، ويطفئ حرّ الظمأ والأنين.
اللهم فرّج كربهم، واكسر حصارهم، وارفع عنهم بأس الظالمين.
اللهم من أرادهم بسوءٍ فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين.

اللهم أصلح قلوبنا، وأحيِ ضمائرنا، ولا تجعلنا ممن خذلوا إخوانهم، أو رضوا بالظلم أو سكتوا عنه.
اللهم لا تؤاخذنا بتقصيرنا، ووفّقنا لنصرتهم بمالنا، ودعائنا، وكلمتنا، وكل ما نملك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعلنا من الذين إذا رأوا الجوع أطعموا، وإذا رأوا العري كسَوا، وإذا سمعوا الصرخة أجابوا.
اللهم لا تجعلنا ممن يُمنعون الضعفاء عندهم حقوقهم، فَيُمنَع عنهم النصر من السماء.

اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان:
في غزة، وفي اليمن، وفي سوريا، وفي السودان، وفي كشمير، وفي تركستان، وفي كل أرض يُظلم فيها عبدٌ من عبادك المؤمنين.
اللهم اجبر كسرهم، وآوِ شريدهم، واحفظ أطفالهم، وارزقهم الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والعافية الدائمة، والرزق الواسع، والنصر المبين.

عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب. 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.
...المزيد

يجوز للإمام أن يصلي فريضة، ومن خلفه يصلون بنية فريضة أخرى، كأن يصلي العصر، بينما من خلفه يصلون ...

يجوز للإمام أن يصلي فريضة، ومن خلفه يصلون بنية فريضة أخرى، كأن يصلي العصر، بينما من خلفه يصلون الظهر، فإذا اختلف العدد كمن يصلي المغرب مع من يصلي العشاء فليدخل معهم من الركعة الثانية.

#أحكام_الإمامة

إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم فيجب عليه أن يتم صلاته، ولو لم يدرك مع إمامه إلا ركعة واحدة؛ إذ حكمه ...

إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم فيجب عليه أن يتم صلاته، ولو لم يدرك مع إمامه إلا ركعة واحدة؛ إذ حكمه حكم إمامه، وصلاته مرتبطة به.

#أحكام_الإمامة

تصح على الراجح إمامة الصبي غير البالغ الأقرأ لغيره ما دام يحسن الصلاة، وشروطها، وأركانها، ويعلم ...

تصح على الراجح إمامة الصبي غير البالغ الأقرأ لغيره ما دام يحسن الصلاة، وشروطها، وأركانها، ويعلم أحكامها؛ لأن في زمنه ﷺ كان عمرو بن سلمة إمام قومه وعمره سبع سنوات.

#أحكام_الإمامة

صيام يَومِ عَاشُوراء • فضله وتحري صيامه عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى ...

صيام يَومِ عَاشُوراء

• فضله وتحري صيامه
عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله). [رواه مسلم]، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان). [رواه البخاري]


• الحكمة من صيامه
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه). [رواه البخاري]


• صيام التاسع قبله
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: (حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) [رواه مسلم]


• لا يشرع تخصيصه بحزن أو فرح أو عبادة غير الصيام
قال ابن القيم: "الاكتحال يوم عاشوراء، والتزين، والتوسعة، والصلاة فيه، وغير ذلك من فضائل، لا يصحّ منها شيء" [المنار المنيف]


• صيام عاشوراء يكفر الصغائر لا الكبائر
قال ابن القيم: "يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر، ولم يدر هذا المغتر، أن صوم رمضان، والصلوات الخمس، أعظم وأجل من صيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر". [الجواب الكافي]
...المزيد

إن الهمة العالية تتطلب منك أيها المجاهد أن تكون مبادرا مثابرا مسابقا إلى تلبية نداء مولاك، مقداما ...

إن الهمة العالية تتطلب منك أيها المجاهد أن تكون مبادرا مثابرا مسابقا إلى تلبية نداء مولاك، مقداما في الحق مقدِّما إيّاه على ما سواه، باذلا لنصرته كل ما بوسعك عن طيب خاطر، فما سبق أصحاب نبيك -صلى الله عليه وسلم- وعلوا العرب والعجم قدرا ومنزلة إلا بهذا، وانظر معنا خبر القوم كيف كانوا؟ فعن جرير بن حازم قال: "سمعت الحسن قال: حضر باب عمر بن الخطاب سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وأبو سفيان بن حرب، ونفر من قريش من تلك الرؤوس، وصهيب وبلال، وتلك الموالي الذين شهدوا بدرا، فخرج آذن عمر فأذن لهم، وترك هؤلاء، فقال أبو سفيان: لم أر كاليوم قط، يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه ولا يلتفت إلينا!، قال: فقال سهيل بن عمرو، وكان رجلا عاقلا: أيها القوم، إني والله لقد أرى الذي في وجوهكم، إن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم، دُعي القوم ودعيتم؛ فأسرعوا وأبطأتم، فكيف بكم إذا دعوا ليوم القيامة وتركتم، أما والله لما سبقوكم إليه من الفضل مما لا ترون؛ أشد عليكم فوتا من بابكم هذا الذي ننافسهم عليه، قال: ونفض ثوبه وانطلق، قال الحسن: وصدق والله سهيل لا يجعل الله عبدا أسرع إليه كعبد أبطأ عنه". [رواه أحمد في الزهد]

وقد صدق والله الحسن وبرَّ، فإن الله لم يساوِ بين السابقين والمتأخرين، ولا بين المجاهدين والقاعدين، ولا بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، قال تعالى: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.

إنّ الواقع المر الذي يحياه المسلمون اليوم يتطلب صناعة رجال ذوي همم عالية وعزائم ماضية لا تلين ولا تستكين، لا تعرف للراحة طعما، ولا إلى الدعة سبيلا، قد أيقنوا أن الجنة حُفت بالمكاره فلا مناص عنها، وأدركوا أن العزة والغلبة والرفعة والمهابة وكل معالي الأمور لن تُنال إلا عندما تعلو الهمم فوق ذرى الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، عندها وحسب يعود المسلمون إلى السيادة والريادة كما كانوا.


• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 502
السنة السابعة عشرة - الخميس 8 المحرم 1447 هـ
المقال الافتتاحي:
طلاب المعالي


طلاب المعالي
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 502 الافتتاحية: • طلاب المعالي إنّ قيمة المرء ما يطلبه، ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 502
الافتتاحية:

• طلاب المعالي

إنّ قيمة المرء ما يطلبه، ومن طلب المعاليَ حريٌّ به أن يفارق الراحة فالنعيم لا يُدرك بالنعيم، وإنّ أعلى الناس مطلبا وأرفعهم همة المجاهدون طلاب الجنة وعشاق الشهادة، الذين عرفوا قدر سلعة الله الغالية فبذلوا ثمنها دمًا ومُهَجًا وأشلاءً، كما بيّن سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}.

وتتفاوت منازل العباد بتفاوت هممهم، فمنهم من تسابق الجوزاء همته ولا يقنع بما دون الثريا ولو تلفت نفسه دون ذلك في سبيل الله تعالى لا سبيل غيره، ومنهم من تكون همته هابطة سافلة إلى الأرض لا تتجاوز حد شهواته ونزواته، وبين تلك المنزلتين منازل شتى.

ومن عجيب طغيان المادة على أهل زماننا، أنهم صبغوا علو الهمة بصبغة الدنيا، فلم تعد تعني في قاموسهم غير الارتقاء في مناصبها والعلو في درجاتها والمنافسة في حصد مكاسبها، فصارت همتهم لا تخرج عن الدنيا ولا تنفك عنها!

ولمّا كان الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام؛ لم يقم به إلا الخُلَّصُ الذين اصطفاهم الله تعالى ووفقهم لذلك، ممّن علت همَمُهم وسمت نفوسهم، وأما الذين تركوا الجهاد وأعرضوا عنه؛ فهم غالبا ممّن: {كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}، أو هم ممّن استبدلهم الله بقوم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}؛ فالقاعد عن جهاد الفريضة بغير عذر، يُخشى عليه من النفاق أو الاستبدال؛ والأخير قد لاحت لوائحه في كل واد فيا سوءة القاعدين!

وعلى كل حالٍ فإن ترك الجهاد والنفير لا يصدر إلا عن همة ساقطة غارقة في أوحال الدنيا وشهواتها؛ كما بيّن الحكيم العليم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}.

ولمّا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أرفع الناس همما وأبعدهم عن حطام الدنيا مقصدا؛ كانوا أسرع الناس استجابةً لداعي الجهاد وأقوى الناس قيامًا بأمره، وأكثرهم تضحيةً بالنفس والنفيس على عتباته كما أخبر سبحانه عنهم: {لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وذكر ابن المبارك رحمه الله في كتابه الجهاد عن خالد رضي الله عنه قوله: "ما من ليلة يُهدى إلي فيها عروس أو أبشّر فيها بغلامٍ، أحبَّ إليَّ من ليلةٍ شديدةِ البردِ كثيرةِ الجليدِ في سريَّة أُصبِّحُ فيها العدو"، وذلك عمير بن الحمام لم تمهله همته حتى يأكل تميرات رآها عائقا عن الاستشهاد!، والأمثلة على علو همم الصحابة في الجهاد لا تكفيها الصفحات ولا تحيط بها الكلمات.

وفي المقابل، إذا تأملت أحوال المنافقين التي جلّاها الله عز وجل في كتابه؛ وجدتَ أكثرها في التخلف عن الجهاد وتقاعس هممهم عن ميادينه، وإخلادهم إلى الأرض، كما في قوله تعالى: {رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}، وقوله سبحانه: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وغيرها من الآيات.

والهمة محلها القلب ابتداءً فمنه تنبعث رياحها وتنقدح شرارتها، فأصلحوا قلوبكم تنصلح هممكم، لكن أثر الهمة العالية لا بد أن يظهر على الجوارح بذلا وتضحية وجهادا واستعدادا وتأهُّبا دائما، كما يصوّرها بدقة متناهية الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ)، بهذه الهمة وعلى هذه الأُهبة يجب أن تحيا أيها المجاهد في سبيل الله تعالى، فهذا قدَرك وقدْرك.
...المزيد

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ستكون فتن، القاعد فيها خير ...

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي، ومن يُشرف لها تستشرِفْه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فلْيعذْ به) [رواه البخاري] ...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة ◾ قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "إياك والكذبَ؛ فإنَّه يُفْسِدُ عليك ...

مِن أقوال علماء الملّة

◾ قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
"إياك والكذبَ؛ فإنَّه يُفْسِدُ عليك تصوُّرَ المعلومات على ما هي عليه، ويُفسِد عليك تصويرَها وتعليمَها للناس! فإن الكاذب يُصوِّرُ المعدومَ موجودًا والموجودَ معدومًا، والحقَّ باطلًا والباطلَ حقًّا، والخير شرًّا والشرَّ خيرًا؛ فيفسُدُ عليه تصوُّرُه وعلمه عقوبةً له، ثم يُصوِّر ذلك في نفس المخاطب المغترّ به الراكن إليه؛ فيُفسِدُ عليه تصوُّرَه وعلمه". [الفوائد] ...المزيد

وإن خير ما نوصي به إخواننا المجاهدين مبدأ كل عام هجري؛ تجديد النية ومراقبة الإخلاص وتقوية دوافعه في ...

وإن خير ما نوصي به إخواننا المجاهدين مبدأ كل عام هجري؛ تجديد النية ومراقبة الإخلاص وتقوية دوافعه في النفس، فإن الإخلاص أول منازل الطلب في العلم والعمل، وهو أول المدارج وأجمعها وأهمها، وهو للمجاهد حصن ونجاة، به تُنال الدرجات وتُحصل البركات وتُقبل الطاعات، بل هو ركن الدين وأصله لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، وتذكر أخي المجاهد أن أغلى ما يملكه العبد قلبه ووقته، فاعمر قلبك بالإخلاص واغمر وقتك بالعمل.

وليجدد كل مجاهد نيته وليشحذ همته وعزمه على مواصلة هذا الطريق المبارك الذي سارت فيه ركاب الأنبياء وتقاطرت عليه قوافل الشهداء، فاتَّبعوا سبيل ربهم ولم يحيدوا عنه وما استبدلوه بغيره من سبل الهوى والهوان، لا في شدة ولا في رخاء، بل لزموه في عسرهم ويسرهم حتى وصلوا إلى مبتغاهم ونصر الله بهم دينه وهزم عدوه وأعز ملته، وبقيت سيَرهم ماثلة للسائرين المقتفين.

ولقد اقتفى جنود الدولة الإسلامية هذا الفقه القرآني، واحتذوا هذا الهدي النبوي، واتبعوا النور الذي أُنزل معه، فأنارت دروبهم واستنارت بصائرهم، ومضوا على صراط ربهم نحو غايتهم التي خُلقوا لأجلها لا يلفتون وجوههم عنها، نحسبهم ولا نزكيهم، فكن أيها المسلم معهم لا عليهم، ولا تعْدُ عيناك عنهم، وجدِّد كما فعلوا مآثر الهجرة، ولا تجعلها مجرد ذكرى، فهي عبادة باقية ماضية مع الجهاد إلى يوم القيامة، قال تعالى، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 501
السنة السابعة عشرة - الخميس 1 المحرم 1447 هـ
المقال الافتتاحي:
جدِّدوا الهجرة

جدِّدوا الهجرة
...المزيد

غطرسة الكافرين وعندما نستعرض المكر الكبار والمؤامرات العظام التي يحيكها الكافرون لأهل الإسلام؛ ...

غطرسة الكافرين


وعندما نستعرض المكر الكبار والمؤامرات العظام التي يحيكها الكافرون لأهل الإسلام؛ يتبين لنا مدى غطرستهم وتكبرهم، وفي المقابل يتضح لنا حجم خوفهم من الحق وأهله، فالمعسكرات والترسانات التي صارت تملأ الآفاق شغلها الشاغل ووظيفتها الكبرى هي الحرب على المجاهدين بصفتهم رأس حربة الحق، بل لم تعد الجيوش والحكومات تكتفي بنفسها أو تطمئن حتى تجمع معها في هذا الباب غيرها، فتقيم التحالفات وتتناسى خلافاتها -رغم اتساعها- من أجل حرب المجاهدين ولو كانوا نفرا يسيرا، قليلٌ عددهم، هزيلةٌ عُدَّتهم.


مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [504]
"فأما الزبد فيذهب جفاءً"
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
5 ربيع الأول 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً