الأحدث إضافة

الصبر على طاعة الله

إن الصبر عبادة جليلة أمَرَ اللهُ بها وفرضها على عباده، وهو وسيلة وغاية، فلا يقوم العبد بالعبودية والطاعة لله تعالى إلا إذا تحلى وتحقق بالصبر.." ... المزيد

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ [1/2] الحمد لله الذي حرّم على نفسه الظلم وتوعّد الظالمين، والصلاة ...

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ

[1/2]

الحمد لله الذي حرّم على نفسه الظلم وتوعّد الظالمين، والصلاة والسلام على سيد العادلين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فعن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّما، فلا تظالموا...) [رواه مسلم]، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا فاستوصوا بالنساء خيرا، فإنهنّ عَوَانٌ عندكم) [رواه الترمذي والنسائي]، «فإنما هنّ عوان عندكم جمع عانية أي أُسَرَاء كالأُسَرَاء، شُبِّهن بهِنَّ عند الرجال لتحكمهم فيهن. قال في النهاية: العاني الأسير وكل من ذل واستكان وخضع» [تحفة الأحوذي].

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (باب الوصاة بالنساء)، من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا.

هذا وقد فضّل الله تعالى الرجال على النساء، ولم يجعل الذكر كالأنثى، وجعل القوامة بيد الرجل، وفرض على المرأة طاعة الزوج بل وجعلها عبادة تتقرب بها إلى خالقها عز وجل. كما وأحلّ الله تعالى للرجال أربعا من الزوجات، وما شاء من السراري، فقال تبارك اسمه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء: 3].

ولكن هل ترك الشارع الحكيم هذا الأمر (أي تعدد الزوجات) على إطلاقه؟ لا، بل قيده سبحانه بشرط عظيم، حري بكل رجل تدبره بقلبٍ وَجِلٍ، وهذا الشرط هو: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [سورة النساء: 3]، إنه العدل، عمود تعدد الزوجات وذروة سنامه!

{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}؛ نعم واحدة لأن الله عَدْلٌ يحب العَدْلَ، واحدة إذا خيف الظلم والجور والتعدي على حقوق إحدى الزوجات، واحدة لأن الظلم يوم الحساب ظلمات، فما بال كثير من الرجال اليوم يستهينون بأمر التعدد ولا يخشون مغبة الظلم والتعدي؟ أما بلغهم حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) وفي رواية: (أحد شقيه مائل) [أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي].

قال المباركفوري: «قال الطيبي في شرح قوله (وشقه ساقط): أي: نصفه مائل، قيل: بحيث يراه أهل العَرَصات ليكون هذا زيادة في التعذيب» [تحفة الأحوذي].

فمن ذا الذي يقدر على الوقوف بين يدي الملك وشقه مائل، ومن ذا الذي يقدر على عذاب الآخرة والسبب زوجة!

إنا أحيانا ونحن ننصر شرعة التعدد ونذب عنها، نُصدم بواقع مرير وبتجارب مفجعة لبعض الأزواج المعددين، ولكنهم أزواج معتدون، لا يعرفون من تعدد الزوجات سوى أنه سنة ثابتة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، نعم هو سنة ونعمت السنة هي والله، ولكنها كذلك إذا أتينا بها وفق ما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أما أن نشذ ونتعدى، وتحكمنا الشهوة والهوى، فهذا لم يأمرنا به ربنا ولم يرضه لنا.

وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم فقهاً، وللزكاة فقهاً، وللحج فقهاً... إلخ، فكما لا يمكن للمرء أن يزكي قبل أن يلم بشروط الزكاة وأركانها، لا يمكن لمن أراد أن يعدد أن يلج هذا الباب خالي الوفاض صفر اليدين من فقه التعدد، جاهلا بأبسط أحكامه!


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 دين الإسلام وجماعة المسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله ...

صحيفة النبأ العدد 37
دين الإسلام وجماعة المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هذه السلسلة في بيان حقيقة الإسلام وضرورة الجماعة، نسأل الله أن يفقّهنا وإيّاكم في الدين ويثبّتنا على لزوم جماعة المسلمين.

قال الله، جلّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 5]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: 19]، وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: 85].

فالدين الذي رضي الله للناس والذي لا يقبل منهم سواه هو الإسلام، وحقيقته لغة وشرعا: السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام -أي الانقياد- لله.
قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإسلام هو الاستسلام لله وحده، ولفظ الإسلام يتضمّن الإسلام، ويتضمّن إخلاصه لله... فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سورة النساء: 125]» [النبوات].

وقال رحمه الله: «الإسلام الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله... هو أن يسلم العبد لله رب العالمين فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألّها له غير متألّه لما سواه، كما بيّنته أفضل الكلام ورأس الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله؛ وله ضدان: الكبر والشرك، ولهذا رُوي أن نوحا -عليه السلام- أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك [رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو]... فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له، والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك؛ ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص» [الفتاوى]، «وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين» [النبوات].

فلا يكون المرء مسلما إلا بالتزام الإسلام بهذين المعنَيين، فمن لم يستسلم لله -كمن ترك جنس العمل أو امتنع بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- لم يكن إلا كافرا، ومن لم يكن سالما لله -كمن عبد الأنبياء والأولياء مقلّدا ومتأوّلا- لم يكن إلا مشركا ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وهذه الحقائق دلّت عليها شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإله هو المعبود المطاع» بحق [تيسير العزيز الحميد]، فلا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهذه الكلمة متضمّنة لمعنَيي السلامة والاستسلام لله، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم وأممهم.

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لفظ الإسلام... له معنيان، أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، والثاني ما اختص به محمد، صلى الله عليه وسلم... وله مرتبتان: إحداهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن» [الفتاوى].

وهذه المباني الخمس التي هي حقيقة الإسلام قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، بيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحّد الله) [رواه مسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلم يكن الإسلام الذي اختصت به شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- إسلاما من غير سلامة واستسلام لله، بل إن المباني الخمس شُرعت ليكون المرء سالما لله مستسلما له بالتزام التوحيد واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقيام بالمباني، وقال إسحاق بن راهويه، رحمه الله: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها، إنّا لا نكفّره، ويُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقرّ [بها]؛ فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم» [مسائل حرب الكرماني].ثم إن علاقة السلامة بالاستسلام بيّنها الله في آيات كثيرة من كتابه، منها أمره بقتال المشركين، قال جلّ وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 11]، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- بعد أن تلا الآية السابقة: «فالتوبة من الشرك جعلها الله -عز وجل- قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان، افتراءً على الله -عز وجل- وخلافا لكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولو كان القول كما يقولون لم يقاتل أبو بكر -رضي الله عنه- أهل الردة!» [السنة لعبد الله بن أحمد].

وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا استسلام، فكفّروا تارك الصلاة كسلا –وهو تارك لجنس العمل- وكفّروا مانعي الزكاة -وهم ممتنعون بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- وخالفهم مرجئة الفقهاء في ذلك، فلم يعرفوا حقيقة الإسلام الذي رضيه الله للناس دينا، وكذلك أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا سلامة، فكفّروا صنف أهل الردة الذين عادوا إلى عبادة الأوثان -وهي أصنام وُضعت تصويرا للصالحين- ولم يجعلوا حداثة عهد الناس بالجاهلية وظهور الدجالين المتنبئين وتغلب مانعي الزكاة على ديار المسلمين موانع من تكفير أعيانهم، وخالفهم في ذلك جهمية العصر، الذين عارضوا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة) [رواه مسلم عن عثمان].

فلا يكون بنيان الإسلام من غير هذه المباني، ومن يستهين بركن منه، يوشك أن يسقط عليه البنيان، فإن سقط، هلك في الدنيا بالسيف قبل الآخرة بالنار، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من بدّل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري عن ابن عباس]، إلا أن أعظم هذه الأركان هو الركن الأول الذي لا يصح إسلام المرء من دونه أبدا، وهو شهادة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، أن لا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهي متضمنة لتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لا إله إلا الله: إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد، وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع» [تيسير العزيز الحميد].

وشهاد أن لا إله إلا الله، هي شهادة الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، أن يُعبد الله وحده ويُكفر بما دونه، وهي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي أُمرنا باتباعه، والذي قال لقومه: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة: 4].

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: «[الإسلام] هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» [ثلاثة الأصول]، فهو السلامة والاستسلام لله.

ولا يكون المرء مسلما ما لم يعبد الله وحده ويكفر بما دونه، كما بيّن ذلك حديث المباني الخمس: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلا إسلام من غير عبادة الله (الاستسلام)، ولا إسلام من غير الكفر بالطاغوت (السلامة)، ولا يسلم المرء من رجس الشرك ونجاسة أهله ما لم يكفر بطواغيت زمانه، وبشركهم ومشركيهم، كالديمقراطيين والوطنيين والقوميين والقانونيين المرتدين عن الإسلام، ومن هؤلاء المرشَّحين والمصوِّتين في الانتخابات والاستفتاءات من الأحزاب «الإسلامية» المزعومة، والمتحاكمين إلى المحاكم الوضعية بدعوى المصلحة والضرورة، وعساكر الطاغوت وأنصاره من المجنَّدين و»المشايخ»، وطائفة «الإخوان المرتدين» وأحزابها وفصائلها وأخواتها التي جحدت التوحيد والشريعة والولاء والبراء والجهاد وامتنعت عن التزامها وحاربتها واستهزأت بها وظاهرت الصليبيين والطواغيت في الحرب عليها، بل يجب على المسلم أن يُظهر كفره بهؤلاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بالقلم واللسان، والسيف والسنان، متّبعا في ذلك خليلَي الرحمن -عليهما أفضل الصلاة والسلام- والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - دين الإسلام وجماعة المسلمين
...المزيد

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ [2/2] وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم ...

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ

[2/2]

وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم فقهاً، وللزكاة فقهاً، وللحج فقهاً... إلخ، فكما لا يمكن للمرء أن يزكي قبل أن يلم بشروط الزكاة وأركانها، لا يمكن لمن أراد أن يعدد أن يلج هذا الباب خالي الوفاض صفر اليدين من فقه التعدد، جاهلا بأبسط أحكامه!

وإن كثيرا من هؤلاء الرجال هم من أعانوا الشيطان على النساء، فأصبحن يجدن منافذ وأسبابا ليقفن في وجوه أزواجهن إن أرادوا التعدد، وساهم في التنفير بأفعاله من سنة هُجرت وكادت تموت، فغرتهم الدنيا وحسبوا أنهم لا يُسألون، وكما صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن منكم لمنفرين) [رواه أحمد].

ولمثل هؤلاء نقول: على رسلكم فالأمر ليس كما تحسبون أو تظنون، فهلّا تريثتم وفكرتم وقدّرتم وزنتم ما أنتم عليه مقدمون بميزان الشرع؟ هلّا تفقّهتم وتعلّمتم كيف تعددون كما عدد النبي، صلى الله عليه وسلم؟

فمن هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يسبّع للبكر ويثلّث للثيب؛ عن أم سلمة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما تزوج أم سلمة، أقام عندها ثلاثا، وقال: (إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك، سبعت لنسائي) [رواه مسلم]، بل إن من رحمته بنسائه ورفقه بهن، أنه ليلة بنى بأم المؤمنين زينب بنت جحش، رضي الله عنها، كما أخرج البخاري عن أنس، قال: «فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدتَ أهلك بارك الله لك. فتقرّى حُجَر نسائه كلهن، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة». والبعض اليوم يتزوج الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فيغيب عمَّن قبلها ما شاء الله دون إشارة أو أمارة، بل إن من الرجال من إذا عدد وجاء بالجديدة نسي القديمة والولد، إنها غيبوبة التجديد التي يدخلها أحيانا بعض الأزواج، ومن كان هذا حاله فلا يستفيق من غيبوبته غالبا إلا على أبواب المحكمة والدعوى خلع أو طلاق والله المستعان.

وما أكثر المستهينين بمسألة القسم بين الزوجات، فتجد أحدهم يطيل مع زوجة على حساب أخرى، أو قد يأخذ ليلة هذه ليهبها لتلك دون قضاء، متعللا بأمور كثيرة إن هي وزنت بميزان الشرع بان عوارها وزيفها، وقد أجمع أهل العلم على وجوب التسوية في القسم بين الزوجات؛ «قال أبو القاسم: وعلى الرجل أن يساوي بين زوجاته في القسم؛ لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا، وقد قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة النساء: 19]، وليس مع الميل معروف» [المغني].

كذلك بعض المعددين يأبى إلا أن يكون أذنا لإحدى زوجاته، ولكن أذن شر لا خير، فيظلم هذه على حساب تلك، وعندما تغيب تقوى الله ويحضر كيد النساء، وتصبح الزوجة لا همّ لها سوى افتعال المشاكل والتحريض على ضرتها وإيغار قلب الزوج عليها، بل أحيانا تطلب هذه الزوجة رقيقة الدين من زوجها أن يطلق ضرتها! نعم هكذا وبمنتهى الصراحة والبساطة، خاصة إذا كانت صاحبة أطفال منه فتجدها تزبد وترعد: «إما أنا وأطفالك أو هي»! وكم من زوج مسكين رضخ لمثل هذه وضحى بزوجته الثانية حتى لا يخسر عائلته الأولى، هكذا يزعم وهكذا يظن، ولو أنه اتقى ربه ورد ما تُنُوزِع فيه إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لا إلى هوى زوجة متجبرة لجعل الله له مخرجا لا إثم فيه ولا عدوان.

وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مثيلات هذه الزوجة فقال: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها) [أخرجه الشيخان].

قال ابن عبد البر: «وذكر الصحفة في هذا الحديث كناية عن خير الزوج»، أي أن هذه الزوجة تسعى لطلاق ضرتها ليصبح الزوج وما يملك ملكا لها وحدها، ويكأن العقد الذي ربط بينهما كان عقد تمليك لا عقد زواج.

وأيضا من فقه التعدد أن لا يُسكن الرجل زوجاته في حجرة واحدة، قال الحجاوي: «ويحرم جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما»، وقال البهوتي: «لأن عليهما ضررا في ذلك، لما بينهما من الغيرة، واجتماعهما يثير الخصومة» [الروض المربع].

وقال ابن قدامة في المغني: (فصل: ليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما): «وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما، صغيرا كان أو كبيرا؛ لأن عليهما ضررا؛ لما بينهما من العداوة والغيرة، واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة، وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى، أو ترى ذلك، فإن رضيتا بذلك جاز؛ لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه... وإن أسكنهما في دار واحدة، كل واحدة في بيت، جاز، إذا كان ذلك مسكن مثلها».
وعليه فلا يجمع الزوج نساءه في حجرة واحدة لتندلع الحروب بينهن ثم نقول التعدد أمر صعب والعدل مستحيل، لأن ما سلف ليس من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في شيء، وليس من فقه التعدد في شيء.
...المزيد

الوجبات السريعة .. سباق نحو السمنة والمرض

وعلى غرار مقولة " ليس كل ما يلمع ذهبـًا "، نقول ليس كل ما يستقطب الزبائن صحيـًا ومفيدًا، أو ليست حلاوة الطعم دليلاً على جودة الأكل، وسوف نبرهن على ذلك. ... المزيد

عوائق الهمة والطموح

لا بد أن تعلم يا من كَبَّلته العوائق أن طلب العُلى وتحقيق العلو والرفعة لا يمكن أن يكون بالتمني ولا بالترجِّي؛ إنما يكون بالهمَّة العالية، والإصرار المستمر، والعزيمة القوية، لتحقيق الهدف ... المزيد

{بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا} في الجانب الشرعي، امتنع الدعاة الحداثيون عن الإقرار بأن ما حل ...

{بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا}

في الجانب الشرعي، امتنع الدعاة الحداثيون عن الإقرار بأن ما حل بأمريكا هو انتقام إلهي وعذاب أصابها كما أصاب الأمم الكافرة قبلها، بينما حسم "دعاة الإخوان" أمرهم هذه المرة ووصفوه بذلك وربطوا الانتقام الإلهي بجرح غزة، وقد كانوا من قبل يرفضون الربط بين القوارع التي تضرب أمريكا وأوروبا وبين الانتقام الإلهي للمسلمين المكلومين في العراق أو الشام أو خراسان وغيرها، ويمنعون الفرح بها، وكانوا يقولون كما يقول الممتنعون: إنها مجرد كوارث طبيعية لأسباب علمية لا تحتمل العقوبة أو البلاء أو التخويف!، إنها انتقائية فقهية حزبية تطوّع الدين لأجل الحزب! وتتاجر بالآيات كما تتاجر بالجراحات!

وعلى كل فاضطرابات وتقلبات أهواء دعاة الإخوان والإرجاء، لا تقل عن اضطرابات وتقلبات المناخ، لكن بما أنهم أقروا بأنه انتقام إلهي عادل من أمريكا لغزة، ماذا لو نجح المجاهدون بافتعال هذه الحرائق في قادم الأيام؟! هل سيشاركوننا فرحة الانتقام أم سيصير "إرهابا" مخالفا لسماحة الإسلام؟!

الملحدون وأفراخهم من العقلانيين ينسبون هذه القوارع والكوارث دوما إلى التغيّرات المناخية الحادة، ويفسرونها بتفسيرات جافة تخرجها عن قدرة الله وتدبيره، وكأن الطبيعة تتغير بأمر نفسها وتتحرك بتدبيرها لا بأمر خالقها ومدبرها سبحانه.

هذه الاضطرابات ناجمة عن الخلط بين المصائب التي تحل بالمسلم، وبين القوارع التي تضرب الأمم والأقوام، فالأولى لا سبيل للجزم أن ما أصاب فلانا بعينه هو عقوبة له أو ابتلاء، وقد يجتمعان أو يفترقان، وبينهما عموم وخصوص فكل عقوبة ابتلاء، وليس كل ابتلاء عقوبة بدليل أن أكثر الناس بلاء الأنبياء، ولا يتصور أن بلاءهم عقوبة! بخلاف غيرهم من المؤمنين فقد يجتمع فيهم هذا وذاك، وقطعا بخلاف أحوال الكافرين الذين لا يتحقق في حقهم من هذه القوارع إلا العقاب أو التخويف الذي يرفض الحداثيون طرقه ويهمزونه بأنه "ثقافة وعظية تقليدية" لا تناسب المقام وتسيء إلى الإسلام!

وقد دلت النصوص الشرعية على استمرار وقوع القوارع والعقوبات في أمم الكفر إلى يوم القيامة لقوله تعالى: {ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحلّ قريبًا مّن دارهم}، قال ابن كثير: "أي: بسبب تكذيبهم، لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا".

والمتأمل لأقوال أئمة التفسير من السلف كابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير، يجد أنهم جمعوا في تفسيرهم لهذه القوارع بين تعذيب الكافرين بجنود السماء وجنود الأرض!، فالقارعة هي النكبة أو العذاب الذي يرسله الله على الكافرين، أو هي السرايا والغزوات التي تنزل بساحتهم فتعذبهم بأيدي المؤمنين، قلنا: وهذا هو الذي يعززه الواقع اليوم ونظيره قوله تعالى: {ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا}، قال ابن كثير: "أي: ننتظر بكم هذا أو هذا، إما أن يصيبكم الله بقارعة من عنده أو بأيدينا، بسبي أو بقتل" أ.هـ. وهذا مستمر حتى يأتي وعد الله، بالنصر والفتح في الدنيا، أو الفوز الكبير يوم القيامة ولذلك ختم بقوله: {إنّ اللّه لا يخلف الميعاد}.

وقد ترد شبهة كيف تكون هذه القوارع التي تضرب الكافرين عقابا إلهيا عادلا وفيهم الأطفال ومن ليس منهم، فنقول إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو على أقوام من الكافرين بعينهم بالهلاك الذي لا يفرق بين الصغير والكبير، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أعدل وأرحم بالخلق منكم، بل قد يضرب البلاء قوما كافرين بينهم مسلمون، فيبعثون على نياتهم كما في حديث الخسف، وفيه إشارة إلى وجوب مفارقة الكافرين وعدم تكثير سوادهم، كما بين الإمام النووي في شرحه فقال: "أي يبعثون مختلفين على قدر نياتهم فيجازون بحسبها، وفي هذا الحديث من الفقه: التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا يناله ما يعاقبون به، وفيه: أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا". [شرح مسلم]

وإنما نتج الإشكال عند الناس من سيادة فقه الإرجاء الذي يساوي بين المؤمن والكافر عند القوارع والمصائب بحجة "الإنسانية" الجائرة التي صارت مرتكزا لكثير من هذه الفتاوى المائعة المنحرفة التي ينسفها حديث الخسف السابق وفهم السلف لا فهم الخوالف.

وهذه رسالة إلى نصارى أمريكا والعالم ندعوكم فيها إلى الإسلام قبل أن تطبق عليكم جنود الأرض وجنود السماء! فإن الإسلام هو الدين الحق وما سواه باطل لن يقبله الله تعالى!، ولذلك سينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان مخيّرا إياكم بين الإسلام أو القتل، وها نحن نقرع في مسامعكم هذه الدعوة قبل أن يأتيكم الموت من كل مكان {بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا}، فهذا وعد الله لنا، والله لا يخلف الميعاد.

◼ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 478
السنة السادسة عشرة - الخميس 16 رجب 1446 هـ

مقتطف من المقال الافتتاحي:
{بعذابٍ مّن عنده أو بأيدينا}
...المزيد

صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان لله في أيامه مواسم أنعم بها على عباده المؤمنين، ليتقرّب ...

صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان


لله في أيامه مواسم أنعم بها على عباده المؤمنين، ليتقرّب إليه محسنهم، ويتوب إليه مسيئهم، ويعود إليه مدبرهم، فهي سوق الرحمن، تُعرض فيه الجنة على المشمرين لها، ومن تلك المواسم الفضیلة التي منّ الله بها على المؤمنين في هذه الأمة شهر رمضان، حيث تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار، وتُصفّد فيه الشياطين، وينادي فيه منادٍ كل ليلة: يا باغي الخيرِ أقبلْ، ويا باغي الشرّ أقْصر، حتى ينقضي رمضان.

وإن من أهم الأعمال في هذا الشهر العظيم قيام لياليه، ومن أفضل ما تقام به ليالي رمضان المباركة الصلاة، التي تعرف عند المسلمين بصلاة التراويح، أو صلاة التهجد.

فالتهجد وقيام الليل وقيام رمضان والتراويح هي عدة أسماء لمسمى واحد، قال النووي: «والمرادُ بقيام رمضان صلاةُ التراويح» [شرح صحيح مسلم]، وقال الكرماني: «اتَّفَقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح» [فتح الباري].

1. تسميتها:

قال ابن حجر: «والتّراويح جمع تَرْويحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، كتسليمة من السلام، سُمِّيَت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح؛ لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين» [فتح الباري].

2. حكمها:

قال ابن قدامة: «ولا شك أن صلاة التراويح سنة مؤكدة، أول من سنها بقوله وفعله رسول الله، صلى الله عليه وسلم» [المغني]، وقال النووي: «اتفق العلماء على استحبابها» [شرح صحيح مسلم].

3. عدد ركعاتها:

أما عدد ركعاتها فإن السنة الفعلية الواردة بأسانيد صحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمان ركعات، والوتر بعدها بثلاث أو خمس، وهو ما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة، كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ قالت: «ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة» [متفق عليه]. وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة» [رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح]. ولم يرد عنه -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح أكثر من هذا ولم يَجمع صحابتَه في المسجد للتراويح إلا ليلتين أو ثلاث، عن عائشة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما أصبح قال: قد رأيتُ الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفرض عليكم، قال: وذلك في رمضان) [أخرجه البخاري ومسلم].

وأما الزيادة على هذا المسنون فجائزة عند الأئمة، إن كان المصلي يصليها محققا للطمأنينة ولا يعتقد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى هذه الزيادة، والزيادة واردة عن الصحابة والسلف بأعداد مختلفة، فروي عن بعض الصحابة عشرين ركعة وعن بعض السلف ست وثلاثين وست وأربعين وغيرها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: «وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يُكره شيء من ذلك»، ثم يقول: «ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ» [مجموع الفتاوی].

وال‍ذی یتتبع السنة وأحوال السلف یتبین له أن عدد الركعات يختلف باختلاف تحمّل القيام، فمن يتحمّل طول القراءة فليصلِّ بإحدى عشر ركعة، وهو الأولى لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن يريد أن يستوعب الليل كله لكن شق عليه طول القيام فليصلِّ حسب حالته، كما روى السائب بن يزيد: «أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أُبيَّ بن كعب -رضي الله عنه- وتميما الداري -رضي الله عنه- أن يقوما للناس في رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر» [رواه أبو داود والنسائي وغيرهما] وعن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: «كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر» [رواه مالك]، أما التراويح المعتادة عند كثير من الناس اليوم أنهم يصلون 23 ركعة في 23 دقيقة، بعجلة ودون طمأنينة، فهي بدعة محضة ولم تثبت عن أحد من السلف، بل من فعل ذلك لم يفهم فقه السلف ولم يصب السنة.


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان
...المزيد

هذا غيض من فيض من بحر من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج المعددين، بعضهم عن جهل، وبعضهم عن لا ...

هذا غيض من فيض من بحر من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج المعددين، بعضهم عن جهل، وبعضهم عن لا مبالاة واستهانة بحقوق الزوجة، وبعضهم عن جبروت وغطرسة، فليتق الله كل زوج عدد أو يريد أن يعدد، وليذكر وقوفه بين يدي الله عز وجل، وليحاسِب نفسه قبل أن يحاسَب، فإما مثنى وثلاث ورباع تسعد القلب وترضي الرب، وإما {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.



◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ
...المزيد

{بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} (ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) هكذا وصف النبي ...

{بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}

(ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) هكذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- نار الدنيا، هذه النار داهمت أمريكا في أبهى مدنها فأحرقتها وأدمت قلوب مترفيها فأبكتهم وشردتهم وأبادت ديارهم حتى وصفوها بـ "أهوال يوم القيامة" و "نهاية العالم" ووقفت "الدولة العظمى" بكل قواتها ومقدراتها عاجزة أمام قدرة الخالق سبحانه التي تجلت في نار الطهي والتخييم، فكيف بهم غدا وهم يحترقون في نار الجحيم!

وبينما اتّحدت الجاهلية المعاصرة بجيوشها وحكوماتها ودعاتها، على وصم التوحيد والجهاد بـ "التطرف الفكري" تحريفا وتشويها، واجتمعوا على حربه ومكافحته، سلط الله عليهم "التطرف المناخي" كما اصطلحوا على تسميته وتفسيره، ولا يظلم ربك أحدا.

على الأرض، امتدت ألسنة اللهب لتطال أبعد من القصور والبنيان، حيث تضررت بشدة "أسواق التأمين والإسكان" الربوية التي عجزت عن تأمين الخسائر التي بلغت عشرات المليارات في تقديرات ليست نهائية.

العجز الأمريكي أمام نار الطهي، بلغ حد الاستعانة بمئات السجناء للمشاركة فيما عجز عنه الطلقاء، واستنفرت فرق الجيش الأمريكي لضبط الأمن الذي ذرّته الرياح في الهواء، باختصار سقطت المنظومة الأمريكية الحكومية الأمنية في مناطق الحريق، وعمّ الرعب والفوضى الأرجاء، هذا مشهد مصغر للعجز الأمريكي أمام قدرة الخالق تعالى، وهو مشهد تقريبي لما قد تشهده الدول الصليبية المتغطرسة في حال داهمتها قوارع أكبر وأوسع، إنها رسالة إلهية مفادها: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ}.

هذا المشهد حيث الفوضى العارمة وفقدان السيطرة هو فرصة عملياتية ملهمة لشن هجمات أو الإعداد لها، حيث تنقدح أفكار لدى المجاهدين المنفردين حول مدى إمكانية التسبب بحريق مشابه؟ الأمر ممكن، كل ما عليك هو الخروج في "رحلة تخييم" إلى إحدى الغابات القريبة من الأحياء السكنية، ثم أضرم النار وانسحب بهدوء.

في الجانب الشرعي، امتنع الدعاة الحداثيون عن الإقرار بأن ما حل بأمريكا هو انتقام إلهي وعذاب أصابها كما أصاب الأمم الكافرة قبلها، بينما حسم "دعاة الإخوان" أمرهم هذه المرة ووصفوه بذلك وربطوا الانتقام الإلهي بجرح غزة، وقد كانوا من قبل يرفضون الربط بين القوارع التي تضرب أمريكا وأوروبا وبين الانتقام الإلهي للمسلمين المكلومين في العراق أو الشام أو خراسان وغيرها، ويمنعون الفرح بها، وكانوا يقولون كما يقول الممتنعون: إنها مجرد كوارث طبيعية لأسباب علمية لا تحتمل العقوبة أو البلاء أو التخويف!، إنها انتقائية فقهية حزبية تُطوّع الدين لأجل الحزب! وتتاجر بالآيات كما تتاجر بالجراحات!

وعلى كل فاضطرابات وتقلبات أهواء دعاة الإخوان والإرجاء، لا تقل عن اضطرابات وتقلبات المناخ، لكن بما أنهم أقروا بأنه انتقام إلهي عادل من أمريكا لغزة، ماذا لو نجح المجاهدون بافتعال هذه الحرائق في قادم الأيام؟! هل سيشاركوننا فرحة الانتقام أم سيصير "إرهابا" مخالفا لسماحة الإسلام؟!

الملحدون وأفراخهم من العقلانيين ينسبون هذه القوارع والكوارث دوما إلى التغيُّرات المناخية الحادة، ويفسرونها بتفسيرات جافة تخرجها عن قدرة الله وتدبيره، وكأن الطبيعة تتغير بأمر نفسها وتتحرك بتدبيرها لا بأمر خالقها ومدبرها سبحانه.

هذه الاضطرابات ناجمة عن الخلط بين المصائب التي تحل بالمسلم، وبين القوارع التي تضرب الأمم والأقوام، فالأولى لا سبيل للجزم أن ما أصاب فلانا بعينه هو عقوبة له أو ابتلاء، وقد يجتمعان أو يفترقان، وبينهما عموم وخصوص فكل عقوبة ابتلاء، وليس كل ابتلاء عقوبة بدليل أن أكثر الناس بلاء الأنبياء، ولا يُتصور أن بلاءهم عقوبة! بخلاف غيرهم من المؤمنين فقد يجتمع فيهم هذا وذاك، وقطعا بخلاف أحوال الكافرين الذين لا يتحقق في حقهم من هذه القوارع إلا العقاب أو التخويف الذي يرفض الحداثيون طرقه ويهمزونه بأنه "ثقافة وعظية تقليدية" لا تناسب المقام وتسيء إلى الإسلام!

وقد دلت النصوص الشرعية على استمرار وقوع القوارع والعقوبات في أمم الكفر إلى يوم القيامة لقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ}، قال ابن كثير: "أي: بسبب تكذيبهم، لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا".


◼ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 478
السنة السادسة عشرة - الخميس 16 رجب 1446 هـ

مقتطف من المقال الافتتاحي:
{بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}
...المزيد

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً