الأحدث إضافة

• التوحيد وفضله والشرك وشره فعبادة الله وحده هو توحيده، وعبادة غيره معه شرك، فعن معاذ بن جبل ...

• التوحيد وفضله والشرك وشره

فعبادة الله وحده هو توحيده، وعبادة غيره معه شرك، فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنتُ ردفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمارٍ يقال له عفيرٌ، فقال: (يا معاذُ، هل تدري حقَّ اللهِ على عبادِه، وما حقُّ العبادِ على اللهِ؟) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنَّ حقَّ اللهِ على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، وحقُّ العبادِ على اللهِ أن لا يعذِّبَ من لا يشرك به شيئاً). فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر به الناس؟ قال: (لا تبشِّرهم فيتَّكلوا) [رواه البخاري ومسلم].

والتوحيد هو تحقيق معنى لا إله إلا الله، وفضل هذه الكلمة عظيم جليل، لمن أعطاها حقها فآمن بها وعمل بمضمونها، فالموحِّد لا يُخلَّد في النار كما ورد في الصحيحين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن الله قد حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، وللموحِّد الأمن التام يوم القيامة كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وروى الترمذي عن أنس وحسَّنهُ، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (قال اللَّه تبارك وتعالى: ...يا ابن آدم إنَّكَ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة).

ومن أتى بالتوحيد بأعلى درجاته دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما في حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عرضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رُفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى -صلى الله عليه وسلم- وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب). ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صَحِبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين وُلدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما الذي تخوضون فيه؟) فأخبروه، فقال: (هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، فقام عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال (أنت منهم)، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: (سبقك بها عكاشة) [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم].

فهذا فضل التوحيد، أما شرُّ نقيضه وهو الشرك فأمره جلل وخطبه عظيم مهول، فإن المشرك لا يغفر الله له، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، بل مصيره إلى النار خالدا فيها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار)، فمن كان يصرف كل العبادات لله إلا عبادة يسيرة يصرفها لغيره فهو مشرك، وجزاؤه النار خالدا فيها فانتبه لهذا يا عبد الله.

وكثير من الناس يستهين بالشرك، ويظنُّ أن جهره بلا إله إلا الله أو حبَّه للرسول -صلى الله عليه وسلم- أو حُبَّه لأهل الدين أو بِرَّه بوالديه أو دعوته لدين الله وطباعة المصحف، أو حج بيت الله الحرام، يظن أن ذلك فقط ينجيه من النار! بل لا ينجيه من النار إلا إخلاص التوحيد لله وعدم صرف العبادة لغيره، فيعبد الله وحده ولا يتحاكم عند النزاعات إلى محاكم الطواغيت، ولا يوالي جندهم من شرطة وغيرها محبة ونصرة وإعانة، ولا يستغيث عند الشدائد بغير الله، ولا يطلب الشفاعة من غير الله، ولا يشارك في الانتخابات، ولا يذهب للسحرة ليحبِّبوا إليه زوجه أو ليرقوا له مريضه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 95
الخميس 2 ذو الحجة 1438 ه‍ـ
...المزيد

العبودية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتِم المرسلين، أما بعد... إذا عرف ...

العبودية


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتِم المرسلين، أما بعد...

إذا عرف المخلوق ربه، وأنه خالق الكون ومُدبِّره، وهو الذي يرزقه ويُنعم عليه النعم المتتالية، وجبت عليه عبادته والخضوع لأمره ونهيه.

• أهمية العبادة ومعناها

توحيد الله -تعالى- وعبادته وحده هي الغاية التي خلق الله -تعالى- لأجلها الخلق، وهي الأمر الأعظم والأوجب عليهم من خالقهم الذي يرزقهم ويدبّر أمورهم، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58]، ودعوة توحيد الله -تعالى- بالعبادة هي دعوة المرسلين لأقوامهم، فكلهم يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، ولقد ذمَّ الله المستكبرين عن عبادته فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، والعبادة تُصرف لله وحده، وصرف شيء منها لغيره يبطل إسلام المرء.

وحاجة العبد للعبادة لا تُقاربها حاجة، وهي أشد من حاجة الجسد للطعام والشراب، لأنها حاجة القلب والروح، وهما أهم من الجسد، ولا يطمئنان ولا يسكنان ولا يشبعان ولا يرتويان إلا بالعبادة، وكلما طابت العبادة طاب القلب وارتاح، وإذا أقبل على الله اعتزَّ وإن كان ذليلا، واستغنى وإن كان محتاجا.

وأركان العبادة هي امتثال أمر الله مع الخضوع والمحبة والتعظيم، والأمور التي تدخل في العبادة: كل ما رضِيَه الله من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فالأقوال كالدعاء والاستغاثة وكالذكر وشهادة أن لا إله إلا الله والأقوال الداخلة في الصلاة من ذكر وقراءة القرآن ونحوها، والأعمال كالصلاة والجهاد والذبح والتحاكم في الخصومة وغير ذلك، والأعمال الباطنة مثل الرجاء والخوف والتوكل والتعظيم، وكل هذا إما أن يُفْعل لله فهو التوحيد، وإما أن يُفْعل لغيره فهو الشرك.

• لا تصِحُّ العبادة مع الشرك والبدعة

إن مقام العبودية من أعظم المقامات التي امتدح الله بها أنبياءه ومنها قوله -تعالى- في حق نبينا صلى الله عليه وسلم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]، وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] فالعبد المسلم يشترط لصحة عبادته ووصفه بالعبودية الحقيقية لله -تعالى- أن يكون مخلصا متابعا، فما معنى الإخلاص والمتابعة؟

الإخلاص هو ضد الشرك، ولا تصِحُّ العبادة إلا بإخلاصها أي تخليصها من أي نوع من أنواع الشرك المبطل لها، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، قال الإمام الطبري: "مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك" [جامع البيان].

وأما المتابعة فتعني أن تعبُد الله -عز وجل- بما شرع -سبحانه- في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92]، وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌ)، وكل عمل بلا اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يزيد عامِلَه من الله إلا بُعدا، وإن الله -تعالى- يُعبَد وفق أمره لا بالآراء والأهواء، عن الحسن البصري قال: "صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا، صياما وصلاة، إلا ازداد من الله بعدا" [البدع لابن الوضاح].
...المزيد

• جعفر ذو الجناحين قدوة كل مسلم فيا أيها الجريح ويا أيها المبتلى اقتدِ بأولئك، ألا ترى مواكب ...

• جعفر ذو الجناحين قدوة كل مسلم

فيا أيها الجريح ويا أيها المبتلى اقتدِ بأولئك، ألا ترى مواكب المقتدين من إخوانك قد اقتدوا بهم بأبهى حلةٍ للاقتداء وقد شاهدتهم بأم عينيك؟ فسارع إلى جنة ربك، فنعم الغنيمة هذه، حيث يبدلك الله بجسد خير من جسدك وزوجة خير من زوجتك وصحبة خير من صحبتك، حيث لا تتمنى إلا أن تعود إلى الدنيا لتُقتل مرة أخرى، ولا يضرك بأي جسد تقتل، فقط لترى من كرامة القتل في سبيل الله.

نعم، إنها تلك الإرادة الجامحة التي تثور في قلب الموحد ليعلي صرح التوحيد، فينال رضا ربه الإله الواحد الأحد، إنها تلك النار التي توقدت في قلب الجيل الأول فضحَّوا تضحية منقطعة النظير حين كان القتال بالسيف والرمح، وهو قتال صعب شديد، فهذا جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم مؤتة، قُطعت يمينه فأخذ راية التوحيد بشماله فقطعت، فاحتضنها بذراعيه حتى قُتل، فلله دره، فماذا كان جزاؤه يا أهل البلاء ويا أهل العافية على حد سواء؟ الجزاء أن الله -تبارك وتعالى- أبدله بيديه أجنحة يطير بها في الجنة، وروى الإمام البخاري في صحيحه أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سلم على ابن جعفر، قال: "السلام عليك يا ابن ذي الجناحين".

فيا أخي السليم المعافى ماذا ستصنع بهذا الجسد إذا وافتك المنية، وقد أبليت صحتك بالذنوب واللهو، حتى أسقمت ذلك الجسد بسخط الله وغضبه، فهلا قمت لله قومة موحد صادق، فلعل تلك الأعضاء تشهد لك عند الله -تعالى- كما ستشهد لإخواننا المجاهدين الذين قُطِّعت أعضاؤهم في سبيل مرضاة ربهم، نحسبهم والله حسيبهم، فأعضاؤك إما أن تشهد لك أو عليك، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]، قال الإمام الطبري في تفسيره: "وذلك حين يجحد أحدهم ما اكتسب في الدنيا من الذنوب، عند تقرير الله إياه بها، فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فإن قال قائل: وكيف تشهد عليهم ألسنتهم حين يختم على أفواههم؟ قيل: عني بذلك أن ألسنة بعضهم تشهد على بعض، لا أنَّ ألسنتهم تنطق وقد ختم على الأفواه".

• الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح

فيا صاحب الصحة والسلامة، أما آن لك أن تشهد لك أعضاؤك بالخير بعد أن أوردتها ما يغضب الله تعالى؟ وهلا التحقت وسابقت إخوانك سواء من عافاهم الله ومن ابتلاهم؟ ألا ترى أن السباق جار وأن الغاية سهلة المنال؟ فاغتنم صحتك قبل سقمك، وأقدم فنعم المغنم ونعم التسابق والتنافس، قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 22 - 25]، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) [رواه مسلم].

وهنا نذكِّر إخواننا الجرحى والمصابين الذين ابتلاهم الله على طريق الجهاد فنقول لهم، إن جرحى الصحابة يوم أحد كانت الجراح فيهم فاشية، وعندما أتاهم منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد نهضوا وتركوا الدواء، لأنهم أحق الناس بهذا الأجر العظيم، قال ابن هشام في سيرته: "قال ابن إسحاق: قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}: أي الجراح، وهم المؤمنون الذين ساروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم أُحد إلى حمراء الأسد على ما بهم من ألم الجراح: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]".

فيا أيها المجاهدون الجرحى ومن ابتلاهم الله -تعالى- في أجسادهم: أنتم أحق من غيركم بالتقوى والأجر العظيم، فأنتم أهل السبق وأهل العز في زمن الخنوع، فسارعوا قبل غيركم ولا تركنوا إلى الأعذار فإنها لا تأتي بخير في زمن المدافعة عن حياض الدين والحرمات، فأكملوا طريقكم إلى ربكم، واغتنموا الأجر، وسابقوا أولي العافية والسلامة إلى الجنة، فوالله إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون، وعلى فوات العمر فليبك العاجزون المقصرون، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 95
الخميس 2 ذو الحجة 1438 ه‍ـ
...المزيد

اغتنم صحتك قبل سقمك الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله ...

اغتنم صحتك قبل سقمك

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه البيهقي وهو صحيح على شرط الشيخين].

وقد تكلمنا عن مفردات هذا الحديث، ولم يبق لنا إلا الحديث عن الصحة قبل السقم، وعند معاينة هذا الجزء من الحديث، تجول في النفس كثير من المعاني التي حققها المغتنمون من أهل الصحة فيما يكثرونه من الطاعات، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله، ثم قد يقف الواقف في معنى الاغتنام حيرانا أمام من قُطِّعت بعض أجسادهم، فلم يعجزوا ويقعدوا، بل أكملوا الطريق إلى نهايته، فلله درهم وعلى الله أجرهم.

ثم قد ترى بعض أهل الصحة من ينطبق عليهم وصف العجز بكل معانيه، فإنهم مع تمام صحتهم عجزوا عن تنفيذ مراد الله -تعالى- منهم، فأين عذرهم وقد جاهد أهل البلاء بما تبقى من أجسادهم، حتى عجز القلم أن يكتب عن جميل فعالهم وكريم خصالهم؟ أولئك الذي قُطِّعت أرجلهم فجاهدوا بأيديهم فلم يكن ذلك عائقا أمامهم لإكمال مسيرهم إلى الله -تعالى- بصدق وقوة عزيمة، قد تعالت نفوسهم على حطام الدنيا وبهرجها، فجادوا بما بقي من أجسادهم لله رب العالمين.

• العاجز من أتبع النفس هواها

فالعاجز في هذه الأيام ليس ذلك الذي فقد شيئا من جسده، بل العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ، وقعد عن نصرة دين الله -تبارك وتعالى- في زمن الجهاد والذود عن الدين والحرمات، في زمان تكالب الأمم على أمة الإسلام في دولة الإسلام، فشمَّر لها أهل العزائم من أولئك الذين أبقى الله في أجسادهم ما يستطيعون به حمل السلاح أو قيادة سيارة مفخخة نحو أهدافهم، إن العاجز ليس ذاك الولي الصادق الذي أكمل طريقه إلى ربه، إنما العاجز هو الذي وهبه الله صحة وجسدا سليما فلم يغتنم هذه النعمة في ما يرضي الله تبارك وتعالى، ولم يستعملها في نصرة دينه وعباده المستضعفين، وهذا هو الذي نعجب منه في هذا الزمن، وكما قال الشاعر:

عجِبتُ لمن له قَدٌّ وحَدٌّ
وينبو نبوة القضم الكهامِ
ومنْ يجد الطريق إلى المعالي
فلا يذرُ المطيَّ بلا سنامِ
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً
كنقص القادرين على التمامِ

فلا عجب أن ترى مواكب المغتنمين ممن ابتلاهم الله بالإصابات والابتلاءات ناصبين صدورهم لعدوهم، تروسا لحماية جناب التوحيد، فلم يجد اليأس إلى قلوبهم طريقا، وهم لا يجدون عن المعالي محيصا، حتى يركبوا إلى المجد مراكبه، للسير إلى سعادتهم وطيب مقامهم، فمن العاجز أيها الصحيح الذي لم تسقم؟ ومن المغتنم أيها السليم المنعّم؟ هل فقهت معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حول اغتنامك صحتك قبل سقمك؟

• السقم الحقيقي هو سقم القلب

إن السقم الحقيقي هو سقم القلب وعجزه وضعف إرادته عن نيل المطالب العالية، التي لا تصلها إلا النفوس المرضية عند ربها، التي لا ترضى بعيش الدون، فإما الحكم لله، وإما نار لا تنطفئ أوراها حتى تحرق جموع الكفار والمرتدين، وهنا يسقط القلم فما عاد يجد الكلمات التي يصف بها فعال أولئك الموحدين المبتلين بقطع وبتر، من الذين ركبوا مراكب المنايا، فأحلُّوا بساحة أعدائهم المهالك والرزايا، ولكن لا يزال في الجعبة من كلمات الأسف على أولئك الذين سلموا من كل بلاء، وقد أنعم الله عليهم بنعمة الصحة وسلامة الأعضاء، فوا أسفاه عليهم حين لم يجد إخواننا المبتلون لأنفسهم عذرا فمضوا في طريق الجهاد، وهؤلاء قد وجدوا لأنفسهم أعذارا فنكلوا عن العز والسؤدد، فماذا أعددت لنفسك أيها السليم المسكين بين يدي الجبار؟ وأي غنيمة فاتتك أيها المعافى لتعتق رقبتك من النار؟
نعم، إنها الإرادة التي لا تعرف الانكسار، وتسعى بالصبر والمصابرة لنصرة دين الله تبارك وتعالى، تلك التي خالطت قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا لمعنى الاغتنام إلا طلب الكفار ومقارعتهم، فهل سمعت بالأعمى الذي خرج ليحمل اللواء فقُتل في سبيل الله تعالى؟ إنه الصحابي الجليل ابن أم مكتوم، لم يتعذر بأنه أعمى بل ساقه قلبه البصير إلى خير كرامة، شهادة في سبيل الخالق جل وعلا، وهل سمعت بالأعرج الذي أراد أن يطأ بعرجته الجنة؟ إنه الصحابي عمرو بن الجموح، الذي كانت أمنيته أن يطأ بعرجته الجنة، فقُتل في سبيل الله -تعالى- ولم يعتذر لنفسه.
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 95 الافتتاحية: مزيد من خسائر الحرب للدول ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 95
الافتتاحية:

مزيد من خسائر الحرب للدول الصليبية


علَّق أحد المسؤولين الصليبيِّين على قضية استهدافهم لجنود الدولة الإسلامية بقوله: لقد دخلوا حربا وعليهم أن يتوقعوا أن يكون موتهم أحد نتائجها.

إن ما أجراه الله -تعالى- على لسان هذا الكافر حقيقة لا تقبل النقاش، وخاصة عند جنود الدولة الإسلامية، بل الحقيقة أن المجاهدين عندما يمضون للقتال لا يكون الموت مجرد احتمال بالنسبة إليهم، وإنما أمنية يطلبونها ويسعون للحصول عليها، لأن الموت في هذه الحالة هو شهادة في سبيل الله، وبها ينال المؤمن أعلى الدرجات عند رب الأرض والسماوات.

ولكن يبدو أن الصليبيِّين ما زالوا غير مدركين لحقيقة تأثير ما نطق بها أحد مسؤوليهم، ولذلك نجدهم يُظهرون كمّاً كبيراً من الاستغراب والدهشة عند كل هجوم عليهم في أرضهم من قبل جنود الدولة الإسلامية، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، هو غير العالم الذي تخوض فيه جيوشهم حربا طاحنة ضد جيش الدولة الإسلامية، ويسعون فيها جهدهم لتدمير ديار الإسلام، وقتل أكبر عدد ممكن من أطفال المسلمين ونسائهم، وشيبهم وشبانهم.

إنها ليست المرة الأولى التي تنساق فيها الدول الصليبية خلف حاملة لواء الصليب في هذا العصر، أمريكا، كما أنها ليست المرة الأولى التي يدفعون فيها الثمن الباهظ لهذه التبعية لطواغيتها في حربهم على المسلمين.

والظاهر أن طواغيت الدول الأوروبية في كل مرة يُخرجون فيها جيوشهم لقتال المسلمين وقتلهم تحت لواء أمريكا، يحسُبون فقط حجم العوائد التي ستعود عليهم من المشاركة في هذه الحرب، وينسون حساب التكاليف الباهظة التي عليهم دفعها للحصول على العوائد التي يحلمون بها.

وقد جربت إسبانيا (نفسها) هذا الأمر من قبل، فانساقت وراء الأحمق المطاع بوش في غزوه للعراق، وهي تحلم بحقول النفط، وأموال الإعمار، فوجدت جيشها الذي أرسلته إلى هناك في مقدمة الأهداف التي استهدفها المجاهدون، وأعظموا فيها النكاية ، حتى أُجبرت الحكومة الإسبانية على سحب جيشها من العراق خاسئة ذليلة، تلعق جراحها، وتتلقى اللعنات من رعاياها، ولكن يبدو أن ذلك الدرس لم يكن كافيا ليتعظ الصليبيُّون.

فعندما زعمت الحكومات اللاحقة أنها استوعبت الدرس الأول، وعزمت ألا يشارك جيشها في الحرب المباشرة على الأرض، قررت أن تشارك في حرب الدولة الإسلامية من خلال تدريب الجيش الرافضي، وتقديم الدعم الكبير له، وذلك في إطار دفعها لحصتها من التكاليف في إطار مشاركتها في التحالف الصليبي الدولي الذي أنشأته أمريكا لقتال الدولة الإسلامية.

وكما أنها لم تتعظ من تجاربها السابقة، فإنها أيضا لم تتعظ من تجارب غيرها من الدول الصليبية الأوروبية المحاربة للمسلمين، والتي هي أشد منها بأسا وقوة، وأحكم أمنا، وأمنع حدودا، كبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وأمريكا، التي نالها جميعا بأس جنود الدولة الإسلامية، الذين هبوا مجيبين لتحريض ولاة أمورهم على قتل الكافرين في عقر دورهم، فاستمرت في حربها على المسلمين، وهي تحسب نفسها في منأى عما أصاب أخواتها.

واليوم يكرر جنود الدولة الإسلامية في أرض العدوة القصوى ما فعله إخوانهم الأبطال في بقية الدول الصليبية، ويعظمون النكاية في دولة إسبانيا الصليبية، ويصيبونها في أعظم مقاتلها وهو قطاع السياحة الذي يقوم عليه الجزء الأكبر من اقتصادها، ويقتلون ويصيبون أكثر من 100 من اليهود والصليبيِّين، ليقدموا للصليبيِّين درسا جديدا في السياسة، يُنبههم إلى ضرورة الاستعداد لدفع التكاليف البشرية والاقتصادية الباهظة في حربهم على الدولة الإسلامية، قبل أن يحسبوا العوائد المتوقعة من هذه الحرب.

وقد أثبتت متابعة الأحداث، أن الدول الأوروبية الصليبية ما زالت تدفع التكاليف الكبيرة حتى بعد شهور من العمليات المباركة لجنود الخلافة في أراضيها، من استنفار للجيوش، وتعزيز للإجراءات الأمنية، وانخفاض في عائدات السياحة والتجارة، وحالة الرعب التي ليس أكبر مظاهرها الدوريات المنتشرة في الساحات، والحواجز الإسمنتية المنصوبة في الطرقات.

إن الهجمات على إسبانيا وأخواتها من الدول الكافرة ستستمر -بإذن الله- ما دامت هذه الدول في حالة حرب ضد الدولة الإسلامية، ولن يتمكنوا من إيقاف هذه الهجمات -بإذن الله- مهما نظّموا من إجراءات، وزادوا من احتياطات، وهم يعلمون ذلك جيدا، وإن تصعيد هذه العمليات بدرجة أكبر هو المأمول من جنود الدولة الإسلامية خلال الفترة القادمة، فلتستعد الحكومات الصليبية لمزيد من خسائر الحرب، ولمزيد من النزيف في الأموال والأنفس، وإن غدا لناظره قريب، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 95
الخميس 2 ذو الحجة 1438 ه‍ـ
...المزيد

• المنتكسون آفة كل عصر وأما من يرى في هروب الخبثاء حجة على جماعة المسلمين، وطعنا في منهجها، ...

• المنتكسون آفة كل عصر

وأما من يرى في هروب الخبثاء حجة على جماعة المسلمين، وطعنا في منهجها، فليعد إلى كتب التفاسير ولينظر فيمن نزلت هذه الآية: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 86 - 89].

روى الإمام الطبري بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل لي من توبة؟ قال: فنزلت هذه الآيات، فأرسل إليه قومه فأسلم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

ولقد هاجر عبيد الله بن جحش إلى الحبشة مع زوجه أم المؤمنين حبيبة -رضي الله عنها- غير أنه انتكس على أم الرأس، فارتد على عقبيه وتنصر هناك ومات على ردته، وهو الذي كان يعد في جملة المنتسبين للأصحاب، فهل في هذا مأخذ على دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ورسالته؟ معاذ الله، ولكن عيون الشانئين بها رمد وقد عز المنصفون.

وما على دولة الإسلام ولا على أمرائها وجنودها من حرج ولا خوف، إن تولى عنها وعنهم كل البشر ما دام رب البشر يقول لخير البشر: {فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ} [التوبة: 129].

ولله در عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- حين قال: "والله إنْ أبالي إذا وجدتُ ثلاث مائة يصبرون صبري لو أَجْلَبَ عليَّ أهل الأرضِ" [سير أعلام النبلاء].

• ربنا لا تزغ قلوبنا..

ومع هذا النفي للخبث والتطهير للصف، لا يسعنا إلا أن نسأل الله أن يثبتنا وأن لا يجعلنا ممن تزل بهم الأقدام، ونذكر أهل التوحيد، من رعية وجنود، بأن لا يغتروا بما هم عليه اليوم من صلاح وثبات، فإن العبرة بالنهايات لا بالبدايات، ومع كل منتكس يهوي في دركات الباطل، حري بالمؤمن الفطن أن لا يستعظم ذلك، وأن يخشى على نفسه هذه الفتن التي باتت تغشانا، فما أمِنها على نفسه صاحب المقام المحمود، فكان أكثر حلفه -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري عن ابن عمر، قال: "كانت يمين النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا ومقلب القلوب)".

وروى الإمام أحمد عن شهر بن حوشب، قال: "قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك). قالت: فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك؟ قال: (يا أم سلمة، إنه ليس من آدمي، إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله -عز وجل- ما شاء أقام، وما شاء أزاغ).

قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله: "وليعلم من أنعم الله عليه بمعرفة الشرك، الذي يخفى على أكثر الناس اليوم، أنه قد منح أعظم النعم، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ}، إلى قوله: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}، ثم لا يأمن مَن مَنّ الله عليه بذلك من الافتتان" [الدرر السنية].
فليحذر الموحد كل الحذر من أن يزيغ قلبه أو يضل فؤاده، أو أن يأخذه العجب بنفسه، والله -تعالى- يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ} [الأنعام: 110]، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على خاتِم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 94
الخميس 24 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

فرار المنتكسين نَفْيٌ لِلْخَبَث وَتَطْهِيرٌ لِلصَّف الحمد لله رب العالمين، من خلق الإنسان وهداه ...

فرار المنتكسين نَفْيٌ لِلْخَبَث وَتَطْهِيرٌ لِلصَّف

الحمد لله رب العالمين، من خلق الإنسان وهداه النجدين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم بثبات ويقين، أما بعد:

فإن الزيغ من بعد الرشاد، والضلال من بعد الهدى، والكفر من بعد الإيمان، والشرك من بعد التوحيد، والبدعة من بعد السنة، لهو من أكبر الخذلان والخسران، وإن الله -تعالى- لا يهدي إلى الحق إلا طيبا، ولا يلقي في ردغة الباطل إلا خبيثا.

وإن من تلوث بضلال، أو شاب عقيدته دخن، كثيرا ما ينتكس ويرتكس -إلا من يعصم اللهُ- وإن بدا منه صلاح أو فلاح، قد يخدع الناظرين إلى حاله حينا من الزمن، ثم سرعان ما تَجْفِئُ نفسُه زبدَها، فتنجلي عن عصارة من خبث ونفاق.

• البدع أصل الفساد

وتأمل -أرشدك الله- في هذه القصة لتستبين حقيقة المنتكسين، وأنهم عادة ما تكون لهم جذور في البدع والضلال حتى وإن ربا زرعهم وأينع بين أهل الفضل والمكرمات: "عن عبد الواحد بن صبرة قال: بلغ ابن مسعود أن عمرو بن عتبة في أصحاب له بنوا مسجدا بظهر الكوفة، فأمر عبد الله بذلك المسجد فهدم. ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحا معلوما ويهللون ويكبرون، قال: فلبس برنسا، ثم انطلق فجلس إليهم، فلما عرف ما يقولون رفع البرنس عن رأسه ثم قال: أنا أبو عبد الرحمن، ثم قال: لقد فَضَلْتم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- علما، أو لقد جئتم ببدعة ظلما. قال: فقال عمرو بن عتبة: نستغفر الله، ثلاث مرات، ثم قال رجل من بني تميم: والله ما فَضَلْنا أصحاب محمد علما، ولا جئنا ببدعة ظلما، ولكنا قوم نذكر ربنا، فقال: بلى، والذي نفس ابن مسعود بيده، لقد فَضَلْتم أصحاب محمد علما، أو جئتم ببدعة ظلما، والذي نفس ابن مسعود بيده لئن أخذتم آثار القوم ليسبقنكم سبقا بعيدا، ولئن حرتم يمينا وشمالا لتضلن ضلالا بعيدا" [رواه ابن وضاح في البدع]، ورُوي أن بعض هؤلاء الذين طردهم ابن مسعود -رضي الله عنه- قد قالوا بعد ذلك بقول الخوارج، وناجزوا المسلمين في النهروان، فتأمل كيف كانت بدعهم في العبادات سبيلا إلى انتكاستهم عند النهايات، ولطالما كانت البدعة بريدا للضلال، فكيف بمن أخفى ما أشدّها من الضلالات!

ثم انظر إلى واصل بن عطاء، فقد كان من كبار الفصحاء والبلغاء، وكان يحضر دروس الحسن البصري رحمه الله، وسمّي بالغَزَّال لتردده على سوق الغزل ليتصدق على الفقيرات من النساء، فلما قال بأن الفاسق لا مؤمن ولا كافر، طرده الحسن عن مجلسه، فضلَّ وزاغ وكان أول من حمل لواء المعتزلة.

وكذلك تأمل -يرحمك الله- في حال رَجَّال بن عُنْفُوَة، وقد كان في وفد بني حنيفة الذين قدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسلموا، ولكنه افتتن بعد ذلك بمسيلمة الكذاب وارتد وقُتل على ذلك.

وما هذا إلا غيض من فيض المنتكسين، وقطرات من بحار ظلماتهم، فعلام إذن يحزن المرء إذا غادر الخلافة منتكس، أو يجزع إذا يمم بوجهه نحو ديار الكفر مرتكس؟

• المحن تطرد الخبث

إنها المحن إذ تنفي عن الخلافة الخبث كما ينفي الكير خبث الذهب، وتُطهّر الصف من رجس لوثات المنافقين ودنس شبهاتهم، وإن الموحّدين -والله- ليدعون الله أن يخرج هؤلاء جميعا من بين أظهرهم.

وكما قيل: إن من هاجر من أجل صورة فستعود به صورة، ومن هاجر من أجل قصة فستعود به قصة، ومن هاجر لأجل عقيدة ودين فسترسخ أقدامه في الهجرة، بإذن الله تعالى.

وكذلك اليوم نقول أن من هاجر للدولة بعد النصر والتمكين لأنه يروم الدعة والعيش مع الأقوياء، فسيعود أدراجه حتما عند المحنة والابتلاء، ولن يكون أبدا من أتباع رعيل خير القرون الذين قال الله –تعالى- فيهم: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، أولئك الذين مسّتهم القروح وعركتهم الشدائد، فما تراجعوا القهقرى وما انفضوا عن نبيّهم، بل ومنذ أن صاح فيهم مناديهم تلك الصيحة الأولى: إن كان رسول الله قد قُتل فقوموا وموتوا على ما مات عليه، بقيت تلكم الصيحة حاديهم في هذه الدنيا إلى أن قضوا، وما بدلوا تبديلا، فرضي الله عنهم وأرضاهم جميعا.

ومن هاجر ظانا أنه قد يجد لدخن عقيدته أو ضلاله متنفسا في دولة الإسلام، أو أنه قد يجد لبضاعته الفاسدة سوقا يبيع فيها ما اهترأ من عقائده بين أهل التوحيد الصافي، فسيخيب سعيه قطعا وستتقيّؤه أرض الخلافة الطيبة كما تقيأت الذين سبقوه وحاولوا تلويث منهجها ولا كرامة.
...المزيد

• أبو بصير قدوة لكل مؤمن مأسور وأورد الإمام البخاري القصة كاملة في باب آخر من صحيحه، وفيها: "رجع ...

• أبو بصير قدوة لكل مؤمن مأسور

وأورد الإمام البخاري القصة كاملة في باب آخر من صحيحه، وفيها: "رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فجاءه أبو بصير -رجل من قريش- وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحُليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر، فقال: أجل، والله إنه لجيد، لقد جربت به، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآه: (لقد رأى هذا ذعرا)، فلما انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قُتل -واللهِ- صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد -واللهِ- أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل أمه مِسْعَر حرب، لو كان له أحد)، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بِعِير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تناشده بالله والرحم، لمَّا أَرْسَل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24]".

وفي هذه القصة دروس مفيدة للمجاهدين، منها أن أبا بصير -رضي الله عنه- تحايل على آسِرِه المشرك وأخذ سيفه بالتحايل عليه فقتله، وسعى لقتل الآخر الذي فرَّ مذعورا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على شجاعة أبي بصير بقوله: (ويل أمه مسعر حرب، لو كان له أحد)، إشارة إلى شجاعته وحسن فعله وتشجيعا له وإقرارا له على صنعه، وحثاً للمسلمين المستضعفين على اللحاق به وهذا ما تحقق له فيما بعد من اجتماع عصبة من المؤمنين الفارين بدينهم معه.

• على نهج حذيفة البطاوي وإخوانه

وعلى سيرة السلف سار جنود دولة الإسلام مِمَّن وقعوا في أسر الصليبيين، فكم من الأنفاق التي حفروها في سجونهم، وكم من أخ هرب حتى من أشدها تحصينا، أما في سجون المرتدين، فحديث الآساد الأحرار الذين قتلوا سجانيهم في داخل سجن (أبو غريب) وأنجدهم إخوانهم من الخارج يعرفه العدو قبل الصديق، حيث خرجت جموع غفيرة من الموحدين، الذين كان لخروجهم أثر كبير في جهاد الكفار وتقوية بنيان الدولة الإسلامية، ومن قبلها محاولة ثلة من آساد بغداد، على رأسهم الأسد الهصور الشيخ حذيفة البطاوي تقبله الله، حيث أحكموا خطتهم واستطاعوا إدخال السلاح إلى داخل السجن بمساعدة إخوانهم من الخارج، فاستطاعوا قتل كبير محققي ومجرمي "مكافحة الإرهاب" فبلغوا ثأرهم وثأر إخوانهم، وقتلوا من قتلوا واستطاعوا الوصول لبوابة السجن فتدخل الصليبيون بطائراتهم وقُتل الإخوة تقبلهم الله، حيث أغاظوا الكفار وجعلوا الحسرة تقطع أكبادهم وقلوبهم، فنكلوا بهم أيما تنكيل، وأخذوا ثأرهم من المرتدين داخل السجن، فهؤلاء وأمثالهم في مشارق الأرض ومغاربها، هم أحفاد الصحابة أباة الضيم وفرسان النزال، وحاديهم في صنيعهم قول الشيخ أبي مصعب الزرقاوي تقبله الله: "ليس الذلة أن يُقتل المرء أو يُعتقل، ولكن الذلة أن يعيش عاجزا عن تطبيق شرعة ربه في الأرض، والذلة أن ترى اليهود يسرحون ويمرحون بين ظهراني المسلمين وأنت صامت لا تستطيع حراكا، ومكبل لا تستطيع فكاكا، والذلة أن يتمكن الصليبيون وأعوانهم من بسط سيطرتهم وبناء قواعد لهم، ثم الانطلاق منها لقتل المسلمين ومحاربة الله ورسوله، والذلة أن ترى أخواتك وهنَّ يصرُخن من قهر السجان الصليبي وأنت مرتاح البال قرير العين".

وبمثل هؤلاء الغُر الميامين من السلف والخلف فليقتدِ المقتدون، فإما حياة تحت ظل شرع رب العالمين، وإما قِتلة تغيظ الكافرين، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 94
الخميس 24 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

تنبيه الأبرار لخطورة الاستئسار (2) الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما ...

تنبيه الأبرار لخطورة الاستئسار (2)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فالخلاص من الكفار سبيل الموحدين الأحرار، هذا لأن المجاهد عزيز بدينه، ولا ينبغي له أن يكون في أغلال الكفار يفتنونه ليرُدُّوهُ ويصُدُّوهُ عن دينه، فإن الموحد إذا قدَّر الله عليه الأسر والاعتقال لحِكمة قضاها سبحانه، فلا بد له من السعي للخلاص من الأسر بأي طريقة مشروعة، والخوف كل الخوف هو من الفتنة في الدين.

• اصبر أبا جندل

فإن الصحابي الجليل أبا جندل -رضي الله عنه- عندما جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- مسلما، وجاء أبوه سهيل بن عمرو ليأخذه، وكان حينئذ على الشرك، لم يكن خوفه سوى من الفتنة في الدين، فقال كما في رواية الإمام أحمد: "...صرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنوني في ديني؟... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله -عز وجل- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم) قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب. قال [راوي الحديث]: ويدني قائم السيف منه [أي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أدنى السيف لأبي جندل، رضي الله عنه]. قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف، فيضرب به أباه).

ففي قصة أبي جندل -رضي الله عنه- ما يسلي كل أسير ابتلي على أمر الله تعالى، وهي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للمأسورين بالصبر والاحتساب، فإن الموحد له ربٌّ ينجيه من هذا الكرب مع صبره على أمر الدين واحتساب الأجر عند الله سبحانه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله -عز وجل- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا)، فلم يلبث حتى فرَّج الله كرب أبي جندل وكل مستضعف مأسور، فلحقوا بمِسْعَر الحرب أبي بصير رضي الله عنه.

قال الإمام الطبري: "وينفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير، فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا منهم، فكانوا قد ضيقوا على قريش، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يناشدونه بالله وبالرحم لمَّا أَرْسَل إليهم! فمن أتاه فهو آمن، فآواهم رسول الله فقدموا عليه المدينة" [تاريخ الطبري].

وفي قصة أبي جندل أيضا أن الفاروق عمر -رضي الله عنه- كان يحث أبا جندل على قتل أبيه الذي جاء ليأخذه أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الفعل، حيث كان يدني قائم السيف من أبي جندل ليأخذه ويضرب به أباه المشرك لينجو من أسره، لكنه لم يفعل رجاء إسلام أبيه، الذي أسلم فيما بعد وكانت له مواقف في نصرة الدين حين ارتدت العرب.

• الهرب من الأسر واجب على القادر عليه

فالموحدون هم الأعلون بدينهم، والأسر فيه فتنة في الدين وهذا هو هدف الكفار، فالسجن هو أحد أساليب الكفار والمرتدين للنيل من دين المسلم، وإيراده الكفر طوعا أو كرها، قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، فدين الموحد هو ما يغيظ الكافر وهو سبب اجتماع أمم الكفر عليه، ولذلك لا ينبغي للموحد البقاء تحت قهر السجان والاستسلام للأسر، بل الهرب حين تتوفر الفرصة متوجِّبٌ إجماعا، ونقل الإجماع على ذلك الإمام ابن النحاس -رحمه الله- قائلا: "الأسير المقهور متى قدر على الهرب من الكفار لزمه ذلك بلا خلاف" [مشارع الأشواق].
ويجب على المأسور أن لا ينتظر، بل يجب عليه المبادرة وأن يتخذ الأسباب الممكنة لذلك ويسعى بكل طريقة ووسيلة للخلاص، سواء بقتل السجانين أو الهروب من دون قتلهم حسب الحال، واستخدام الحيلة وخداع الكفار مشروع في ذلك، ومن فعله فَلَهُ سلف من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمثلة واقعية من فعل إخوانه من جنود دولة الإسلام المقتدين بالسلف، ولقد بوَّب الإمام البخاري (باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟)، وأشار إلى قصة الصحابي الجليل مسعر الحرب أبي بصير، رضي الله عنه.
...المزيد

• استنزف إخواننا في الموصل ومحيطها الكفار والمرتدين، وإن الكفار قد صرحوا مرارا وتكرارا بأنهم ...

• استنزف إخواننا في الموصل ومحيطها الكفار والمرتدين، وإن الكفار قد صرحوا مرارا وتكرارا بأنهم يتوقعون أن معركة الرقة ستكون معركة طويلة مستنزِفة كذلك، فما أثر معركة الموصل على معركة الرقة؟

إن للإخوة في الموصل أثر بالغ على باقي الولايات في الدولة الإسلامية، وذلك لعظيم ثباتهم ونكايتهم بأعداء الله المشركين، وعلى الرغم من اجتماع الكافرين وتكالبهم، فإن الإخوة في الموصل أظهروا أساليب جديدة للقتال فاجأت أكبر الأنظمة الطاغوتية في العالم على الرغم من حشد هذه الأمم لقوة كبيرة جدا ومتطورة عسكريا، كما منَّ الله -سبحانه وتعالى- على الإخوة في الموصل بأساليب بسيطة أثخنت في الكفار والمرتدين وأذهلتهم.

إن تجربة الإخوة قد عُممت على جميع الولايات للاستفادة منها إيمانيا وعسكريا، فقد أعذروا إلى ربهم وأتعبونا بصنيعهم، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

وإننا نُبشر المسلمين في جميع أصقاع الأرض أن معركة الرقة لن تكون نزهة للمرتدين وأعوانهم، بل ستكون نارا تحرق الصليب وأهله، وتُعِزُّ دولة الإسلام وترفع لواءها، وتكون درسا قاسيا لأعداء الإسلام، بإذن الله تعالى.

• وجدنا أن الصليبيِّين قد قاموا بعدة عمليات إنزال وقد باؤوا بالفشل في بعض منها، بفضل الله أولا، ثم بفضل إخواننا الذين وقفوا لصد عملياتهم. حدِّثنا عن دور هذا النوع من العمليات في المعركة ولماذا يلجؤون إليه وكيف تواجهونها؟

لقد تعوَّد الجيش الصليبي على رفع معنويات جيشه المنهارة بين الحين والآخر، وذلك عبر ترسانة الطيران الهائلة التي يملكها وتهويل هذه الإنزالات عبر آلته الإعلامية الكاذبة، فإن هذه الإنزالات لا تتعدى مناطق صحراوية خالية من البشر والحجر والشجر، وهي مناطق واسعة في الدولة الإسلامية كما تعلمون، أما بالنسبة للعمليات الفاشلة فإن الله -عز وجل- يسَّر لبعض إخواننا نصب عدة كمائن منتظرين من المرتدين الإنزال ومتوقعين حدوثه في مواقع أظهر الجيش الصليبي عجزه عن اختراقها، وكان منها سدَّ الفرات الذي فشل عدة مرات في النزول فيه من الجو أو حتى عبر البر، فكانت هذه الاستعدادات التي يسَّر الله لجنود الخلافة القيام بها ضربةً قاصمةً للعقل العسكري الذي يسعى جاهدا لحسم المعارك عن طريق المجابهة الجوية أو غيرها من الأساليب الماكرة.

• ما هي رسالتك إلى الصليبيين وأعوانهم من المرتدين؟

إلى جيوش الصليب وجحافله وقطيعه المتهالك، كما سجَّل التاريخ مغازي المسلمين مرارا وتكرارا وتحطيمَهم جيوش الصليب في عقر دارهم وفي أوج قوتهم، ونصر الله عباده على الكفار في مواطن كثيرة، ومنحه أكتافهم للمسلمين قتلا وأسرا، وجعلهم في سابق العهد والزمان يتراكضون لدفع الجزية للمسلمين، حتى أنهم كانوا يأتون أذلاء صاغرين، يقدِّمون الطاعة لعباد الله المؤمنين، فإن الله -عز وجل- سيُنجز وعده فيهم في هذا الزمان، وسنكون في عقر دارهم كما كنا في سابق العهد، وسيورثنا الله أرضهم وديارهم وديارا لم نطأها من قبل، إن شاء الله تعالى، تحقيقا لا تعليقا، وعد الله لا يخلف الله الميعاد.

• ما هي رسالتك إلى المنافقين في صفوفنا الذين يتربصون بنا ويتمنون انتصار الكفار علينا ويرغبون في حكم الديموقراطية؟

إلى كل منافق يختبئ بين صفوف المسلمين ولباسهم: توبوا إلى الله تعالى، فلن ينفعكم جيش المخنثين ولا طواغيتهم ولن ينفعكم لَهْوُكم ولعبكم، وقد عَلِمتمونا وشاهدتمونا وعاينتمونا، أشداء في النزال أقوياء في القتال لا نتثاقل عن غزوة ولا نغفل عن كافر ولا ننسى مرتدا ولو طال الزمان به، وإن كنتم تعتقدون أن العاقبة ستكون للكفار والمرتدين من جيوش الطواغيت، فخبتم وخسئتم وخاب ظنكم، فإن الله تكفل لنا بالنصر ووعدكم بالهزيمة، فتوبوا إلى الله تعالى قبل أن نقدر عليكم، فأنتم تعرفون شدتنا على الكافرين وأعوانهم، وأنكم مهما اختبأتم بين المسلمين وفي زيهم ولباسهم، فإن الله عز وجل سيفضحكم ويكشف سوءتكم.

ورسالة نوجهها إلى عموم المجاهدين في مختلف الجبهات، اعلموا إخواننا -حفظكم الله ورعاكم- أن النصر للمجاهدين بعد صبرهم لَهُوَ سنّة كونية، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولكن الصبر والثبات ليس مجرد كلمات بل هو قبضٌ على الجمر حتى يُتم الله هذا الأمر، ولا يَثْبُتُ عند الابتلاء إلا من بذل لذلك الأسباب، وخيرها الإيمان وتقوى العزيز الوهّاب.

إذا اشتْدَّت رياحُ اليأْس فِينا
سَيعْقُبُ ضيق شِدّتِها الرّخاءُ
لنا بالله آمالٌ وسلوى
وعند الله ما خابَ الرّجاء


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 94
الخميس 24 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

الأمير العسكري لولاية الرقة: معركة الرقة لن تكون نزهة للمرتدين والصليبيين حيث المعارك تستعر ...

الأمير العسكري لولاية الرقة:
معركة الرقة لن تكون نزهة للمرتدين والصليبيين

حيث المعارك تستعر في نواحي المدينة التي صارت ساحة لمن أراد إحدى الحسنيين، ومقبرة للمرتدين وحلفائهم. فمن شاهد معركة الموصل عَلِم يقينا أن معركة الرقة لن تكون إلا خسارة وندامة للمرتدين وأعوانهم. فلن يتقدم الكفار شبرا في أرض الإسلام حتى تنوح نوائحهم على دماء أريقت فداء لجنود الصليبيين كما أريقت دماء الرافضة في الموصل، ولن يخلُوَ بيت من عويل نوائحهم، بإذن الله عز وجل.

(النبأ) تنقل لكم مجريات الحوار مع الأخ الأمير العسكري لولاية الرقة ليحدثنا عن أهم معالم المعركة هناك.

حَدِّثْنا عن ولاية الرقة وأهميتها الاستراتيجية ووضعها العسكري الحالي ومعنويات المجاهدين فيها.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... أما بعد:

لقد تمتعت الرقة بمكانة خاصة قبل الأهمية الاستراتيجية والعسكرية، إذ أنها من أولى المدن التي فتحها الله -سبحانه وتعالى- للمجاهدين، ونشروا فيها عقيدة التوحيد الصافي وحاربوا فيها الكفر بكل أنواعه، وكانت هي المنطلَق لتمدد الدولة الإسلامية، والمركز لعمليات الخلافة في مختلف الجبهات. أمَّا بالنسبة للأهمية الاستراتيجية، فتتمتع الرقة بموقع جغرافي يتوسط الأراضي التركية والمناطق المهمة في بلاد الشام، ويمكن اعتبارها مركز ثقل المدن الواقعة شمال الفرات.

أما عن معنويات المجاهدين، فهي عالية وإرادة القتال موجودة، بفضل الله، ولهم غايتان لا ثالث لهما، فإما شهادة ولقاء رب العالمين، وإما نصر وفتح وتمكين، إن شاء الله.

• ما الذي يهدِف إليه الصليبيون وعملاؤهم في المنطقة بحملتهم على الرقة؟

إن الهدف الرئيس من الحملة الصليبية هو القضاء على الإسلام وأهله، وردُّ الناس عن دينهم بعدما عاد إليهم التوحيد وقد طُمس حِقبة من الزمان.

وأبرز الأهداف العسكرية للحملة على الرقة هي:
• إبعاد المجاهدين عن مركز حَيَويٍّ لهم من النواحي الاقتصادية والعسكرية وغيرها.
• إخراج مجاهدي الدولة الإسلامية من إحدى أكبر مدنهم، ظناً منهم أن ذلك سيُقلل من انضمام المسلمين إلى الدولة الإسلامية.
• إعطاء الملاحدة فرصة لإقامة دُوَيْلَة لهم على مقربة من الأراضي التركية، ظناً منهم أن ذلك سيمنع دخول المجاهدين إلى أوروبا عبر المنافذ الحدودية.
• وصول الصليبيِّين إلى ضفاف نهر الفرات والسيطرة على أبرز المدن فيه وهي: الرقة والسيطرة على السدود المهمة فيها.
• إيهام الغرب والشرق أن استيلاء الصليبيِّين والملاحدة على الرقة، سيكون ضربة قاصمة للمجاهدين وعاملاً يقضي على الخلافة في الأرض، ولكن خابوا وخسِئوا إن شاء الله، فإنها باقية إلى قيام الساعة بإذن الله.

• كيف استعد جنود الخلافة وقادتهم للدفاع عن الولاية عموما ومدينة الرقة خصوصا؟

يسَّر الله -تعالى- للمجاهدين أسبابا للقتال والتصدي للحملة الصليبية والإثخان بأعداء الله، فلقد شَرَعَ المجاهدون بالولاية في بداية الحملة بامتصاص القوة الصليبية عبر الدفاع تارة، والهجوم المعاكس تارة، وضربِ العدو في العمق تارةً أخرى، ونصب الكمائن في مناطق العدو والمناطق التي يُتوقع دخول الكفار إليها، وكان لتلك العمليات أثر بالغ في الكفار والمرتدين، التي جعلت جحافله تبدو قلقة مضطربة، والخوف يعلو جباههم والرُّعبُ يملأ قلوبهم.

وإن من أنجح طرق الدفاع ضد تقدم المرتدين هي تفخيخ الأماكن المحتمل التقدم إليها، وخاصة الاستراتيجية منها، أو التي يريد العدو تحصيل نصر وهمي فيها، ومن الأساليب أيضاً نشر مفارز القنص بمختلف أنواعها الثقيلة منها أو الخفيفة في الأماكن الاستراتيجية التي تظهر فيها عورة العدو، والأماكن المرتفعة كالأبنية وغيرها.

ومن الأساليب أيضاً السيارات المفخخة التي تُغِيرُ على التجمعات والعتاد الذي لا يمكن الوصول إليه بالأسلحة الأخرى كقاذفات الصواريخ أو غيرها.
واعتمد الإخوة على التمويه مُتَّخذين منه سببا مهما لنجاح المعركة، وقام الإخوة أيضا بتقسيم المدينة إلى قواطع وقطعات صغيرة تكون ذاتية التصرف في حالة الطوارئ، وذاتية التعامل مع الأهداف، وكذلك يكون لها مؤن وذخائر، بحيث لا يحتاج القاطع إلى غيره من القواطع الأخرى، ويكون ذاتيَّ التصرف لتقدير المواقف ولترتيب الصفوف.

ومن الأساليب أيضا وضع ورش لصيانة السلاح وإصلاحه وكذلك تصنيعه بعدما أثبتت الدولة الإسلامية -بفضل الله- مهارة في تطوير السلاح، سواء إن كان سلاحا جويا أو طائرات مسيرة أو مضادات الأبنية والثكنات أو أسلحة القنص والكواتم، وكذلك العبوات... وغيرها من الأسلحة التي منَّ الله بها على عباده المجاهدين ولم نَبُح بها.
...المزيد

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً