📚🌙 #التبيان_في_فضائل_وأحكام_شعبان 🌙 📚
#خلاصات_فقهية
◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
-----------
📍 -إن شهر شعبان هو المقدّمة لشهر أجل وأعظم, شهر القرآن, شهر فيه ليلة القدر, شهر المغفرة والعتق من النيران, شهر الفضائل والمكرمات, إنه شهر رمضان الذي ينبغي أن يستعد المؤمنون له الاستعداد الروحي الكامل, وهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم في شعبان كما سيأتي- إن شاء الله-.
💫 -وإن من سنن الله أن جعل لكل عبادة عبادة من جنسها تسبقها أو تتبعها ومن ذلك لو أخذنا الفرائض: قبل الصلوات الخمس هناك النوافل القبلية الممهّدة لها, وهكذا بعدها الرواتب والنوافل المطلقة الأخرى..., وفي الزكاة الصدقات, وفي الحج العمرة, وفي الصيام من أهم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه صيام شهر شعبان الذي هو مقدّمة لرمضان كما أسلفنا, وقد بيّن في حديث صحيح الحكمة من اهتمامه عليه الصلاة والسلام بصيام شعبان فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ , قَالَ: " ذَلِكَ شَهْرٌ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ , يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ , وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ , فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " والحديث صحّحه الألباني, فهو شهر عظيم, ومن عظمته أن الله اختاره لرفع أعمال عباده فيه كما مرّ في الحديث, وهذا رفع أعمال العباد خلال السنة وإلا فهناك رفع يومي كما في حديث: أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْناهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ)) متفق عليه, وهناك رفع أسبوعي كما وردت به الأحاديث الصحاح: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول-: (" تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ, وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللهُ - عز وجل - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا, إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ) وفي رواية: (إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ فيَقُولُ اللهُ لِلْمَلَائِكَةِ: ذَرُوهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا ")وفي رواية:((إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ)) وفي رواية: ((إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ)), وهناك الرفع الختامي وذلك في نهاية عمر الإنسان.
-ولقد كان الناس في الجاهلية-وطبعاً وأصحاب الجاهلية المعاصرة من الجهّال والحمقى يعظّمون رجب لا شعبان كصومهم له, وسبق لي أن تكلّمت مفصلا في منشور سابق شهر رجب في ميزان الفقه الإسلامي- يعظّمون شهر رجب فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلّم فعظّم شعبان بصومه له وكثرة تنسّكه فيه, ولقد عظّمه الله أيضاً حين اختار تحويل القبلة فيه.
🔖 *الصيام في شعبان* 🔖
📍 -من أهم وأعظم العبادات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان عبادة الصيام, فلقد وردت كثير من الأحاديث الصحيحة التي تفيد بمجملها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص كل الحرص على صيام أكثر شعبان، حتى أن من فرط اهتمامه بصيامه وصَفَته عائشة وأم سلمة بأنه كان يواصله برمضان؛ تأكيدا منهما على كثرة أيام شعبان التي صامها، والتي لم يعهد عنه في أي شهر يصوم مثل شعبان(غير رمضان)، ومن تلك الأحاديث:
- عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (( كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر ولم أره صام من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا)) رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ أبي داود.
-وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان أحب الشهور إليه أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان)) رواه أبوداود وصحّحه الألباني.
- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان)) رواه أبوداود وصححه الألباني.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان))، رواه البخاري ومسلم وأبو داود و رواه النسائي والترمذي وغيرهما قالت: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله))، وفي رواية للنسائي قالت: (( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لشهر أكثر صياما منه لشعبان كان يصومه أو عامته))، وفي رواية للبخاري ومسلم قالت: ((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله )), فهذه الأحاديث وغيرها تدل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيام أكثر شعبان، وقول عائشة وأم سلمة بأنه كان يصوم كله إنما هو مبالغة في صيامه لشعبان على الراجح، أو أنه كان يصوم أحيانا لكل شعبان وأحيانا لأغلبه، والأوّل هو ما رجحه ابن حجر وغيره؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ((ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا قط غير رمضان )).
-هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان لا هدي الجهلة والمبتدعة الذين يحرصون على صيام رجب بل لا يفطرون منه يوما، فإذا جاء شعبان لا يصومون منه يوما؛ مخالفة صريحة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله, بينما ربنا يقول: ﴿ فَليَحذَرِ الَّذينَ يُخالِفونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصيبَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾[النور: ٦٣].
وليراجع منشوري *شهر رجب في ميزان الفقه الإسلامي*
*تأكيد صيام سرر شعبان* 🌗
📍 -ولقد جاءت الأحاديث الصحيحة تؤكد على صيام ولو بعض شعبان –لمن لم يستطع صيام أكثره- وهي سرره(أيام البيض13 و14 و15) فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (" قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لِرَجُلٍ: هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ شَيْئًا؟ " قَالَ: لَا), فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -:( " فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ ") متفق عليه.
🌘 *حكم الصوم بعد نصف شعبان*
وهنا يجدر التنبيه لجملة أحاديث صحيحة في حكم الصوم بعد نصف شعبان: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (" إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فلَا تَصُومُوا حَتَّى يَجِيءَ رَمَضَانُ ") وفي رواية: (" لَا صَوْمَ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَتَّى يَجِيءَ شَهْرُ رَمَضَانَ "), رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وصحّحه الألباني، وفي رواية للبيهقي والدارقطني وصحّحه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَحْصُوا هِلَالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ وَلَا تَخْلِطُوا بِرَمَضَانَ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صِيَامًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ )). فللأحاديث السابقة نقول: ليس من السنة ابتداء الصيام بعد منتصف شعبان مادام وأنه لم يصم قبل ذلك، ويتأكد النهي إذا اقترب رمضان جدا بحيث لم يتبقَ سوى يوم أو يومين؛ وذلك لحديث: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (" لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ")رواه البخاري ومسلم.
وللعلم فالشافعية يحرّمون تقدّم رمضان بصوم يوم أو يومين, ويكره عندهم من النصف؛ للأحاديث الصحيحة, والجمهور يجوّزون؛ لضعّف الأحاديث السابقة لديهم, وبعضهم يرى الكراهة, والراجح التفصيل:
1-فمن كانت عادته الصيام كيوم الاثنين والخميس فلاحرج في صومه ولو قبل رمضان بيوم أو يومين؛ لأنه صام لعادته لا شكّاً في دخول رمضان, أو ابتداء صوما لم يكن يصمه قبل ذلك؛ لما في المتفق عليه: (" لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ").
2-من لم يدركه الزمن لصوم ما عليه من قضاء في رمضان, ولم يقدر البدء إلا بعد نصف شعبان فلا حرج من صومه, بل إذا كان الجمهور يوجبون صيام الواجب من رمضان -لمن أفطر- قبل دخول رمضان آخر وتضايق عليه الوقت فقد يكون صومه هذا من قبيل الواجب؛ إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
3- وأما من بدأ الصيام قبل نصف شعبان فهذا لا يشمله النهي من باب أولى بلاخلاف؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا ).
⏰ *وجوب صيام القضاء قبل مجيئ رمضان* ⌚
-الواجب على من أفطر في رمضان لعذر-كالمرأة الحائض أو المسافر- أن يبادر بقضاء ما عليه قبل أن يدخل رمضان آخر؛ ولهذا جاء في المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها قالت: )) كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ((، قَالَ يَحْيَى –أحد الرواة-: (الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) متفق عليه, ولعلها كانت تصوم مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يكثر الصيام في شعبان كما سبق وتعلم ذلك منه, أما غير شعبان فلا تعلم يقينا أنه سيصوم, ولهذا جاء في المتفق عليها قولها:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم)).
🔴 *صيام يوم الشك*🔴
-واليوم الذي يسبق شهر رمضان-تحديدا 30شعبان- لا يجوز صومه عند جماهير الفقهاء؛ كشك في دخول رمضان وعدمه فإن كان رمضان فهو عنه وإن لم يكنه فهو نافلة! وفي الحديث الصحيح: عَنْ صِلَةَ بِنْ زُفَر قَالَ:( كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ, فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فَقَالَ: كُلُوا, فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلى الله عَليهِ وسَلم). وانطر لقوله:( فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ), وقوله هذا له حكم الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم فهو ممن عايش النبي صلى الله عليه وسلم حياته كلها ومع هذا لم يره صائما ليوم الشك, ثم فيه زيادة على العبادة المفروضة التي أمرنا الله بها (رمضان), واستدراك للشرع, ناهيك على أننا نتعبد الله بالنصوص والنص قد دل على رؤية الهلال وعدمه, ثم إن من علة تحريم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: الفصل بين الفرض والنفل فلا يدخل صوم شعبان النفل في صيام رمضان الفرض, وهذا الفصل قد أكدت عليه الشريعة في الصيام وغيره وكثيرا, وذلك كتحريم صيام يوم العيد، فيفصل العيد بين الفرض وبين من أراد النفل أو صيام واجب آخر عليه, وكذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة نفل حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام، وهكذا كُره للإمام أن يتطوع في مكانه، بل كُره له أن يستديم جلوسه بعد الصلاة مستقبلا القبلة بل ينحدر تجاه المصلين.
ثم قد ورد النهي عن صيام يوم الشك عن غير عمار منهم ابن عباس وغيره فعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: (أَصْبَحْتُ فِي يَوْمٍ قَدْ أُشْكِلَ عَلَيَّ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ, فَأَصْبَحْتُ صَائِمًا, فَأَتَيْتُ عِكْرِمَةَ، فَإِذَا هُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَبَقْلاً فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ, فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: أُقْسِمُ بِاللهِ لَتُفْطِرَنَّ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ حَلَفَ وَلَا يَسْتَثْنِي تَقَدَّمْتُ, فَتَعَذَّرْتُ وَإِنَّمَا تَسَحَّرْتُ قُبَيْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قُلْتُ: هَاتِ الآنَ مَا عِنْدَكَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلى الله عَليهِ وسَلم: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ, وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالاً), وعَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ: «أَنَّ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ».
🌹 *ليلة مباركة* 🌹
-من عظيم فضل شعبان أن الله يطلع فيه على العباد في ليلة نصفه فيغفر لهم جميعاً إلا من استـثـنـته الأحاديث التي صحّحها بعض المحدّثين كالألباني: فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ , فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ , إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ " ) وفي رواية: ("فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِين، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ , حَتَّى يَدَعُوهُ ").
ويصدق في هذه اللية حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ). وحسّنه الألباني, وإن هذه الليلة لمن نفحات الله فلنتعرّض لها.
وليراجع منشوري الليلة المباركة.
🌗 *ليلة النصف من شعبان والعبادة فيها* 🕌
-قد وردت كثير من الأحاديث عن ليلة النصف من شعبان والعبادة فيها, وتخصيصها بقيام أو ذكر وغير ذلك, أو نهارها بصيام.. وخلاصة أقوال المحدّثين في تلك الأحاديث بأن: الوارد إما ضعيف جداً أو موضوع.
وقد أحسن البحث فيها صاحب كتاب: إرواء الظمآن بما ورد في ليلة النصف من شعبان قال:( وقد رويت أحاديث متعددة في أمور تتعلق بشهر شعبان وهي على أنواع كما يلي:
- أحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان ويومها وهي على أنواع:
أ/ أحاديث في النزول الإلهي ليلة النصف ومغفرة الله لخلقه باستثناء المشرك والمشاحن وفي أحاديث استـثـنت العاق وقاطع الرحم والزانية.
بَ/ أحاديث في فضل قيام ليلة النصف وبعض الصلوات المخصوصة ، وبعض الأدعية المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك الليلة وأن الدعاء فيها لا يُرَدّ.
جَـ/ أحاديث في فضل صيام يوم النصف على الخصوص.
د/ أحاديث في أن الأعمال ترفع ليلة النصف وفيها تقسّم الأرزاق وتقطع الآجال).
#شهر_شعبان_فضائل_وأحكام
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
📚🌙 #التبيان_في_فضائل_وأحكام_شعبان 🌙 📚 #خلاصات_فقهية ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله ...
📚🌙 #التبيان_في_فضائل_وأحكام_شعبان 🌙 📚
#خلاصات_فقهية
◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
...المزيد
#خلاصات_فقهية
◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
...المزيد
✍- 📚 #مختصر_الكلام_في_أحكام_الرؤى_والأحلام 📚 💡 #خلاصات_فقهية ﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ◈- *من منشورات قناة فتاوى ...
✍- 📚 #مختصر_الكلام_في_أحكام_الرؤى_والأحلام 📚 💡
#خلاصات_فقهية
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
◈- *من منشورات قناة فتاوى الشيخ/عبدالله رفيق السوطي، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
---------
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ, وبــــــــعــــد:
💡 *لماذا أحكام الرؤى...!!!*
لا يخلو يوم من الأيام-تقريباً- إلا ويأتيني سائل جديد يطلب مني تعبير رؤياه, بالرغم أني قد كررت مرارا أنه لا علم لي بتعبير الرؤى, ولم يفتحِ الله عليّ في هذا الباب؛ فهو باب يؤتيه الله من يشاء من عباده كيوسف عليه السلام: (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)[يوسف:21], ومن كثرة السائلين هممت وكثيراً أن أجعل حالتي الدائمة –واتساب- لا علم لي بتعبير الرؤى, ولكثرة ما رأيت من أولئك ألزمت نفسي وفرّغت من وقتي لأكتب فقهاً عاماً مختصراً في الرؤى وأحكامها في الفقه الإسلامي؛ لعل هذا المنشور يسد ثغرة كبيرة لدى القارئ الكريم, ويسعف السائل إسعافاً طارئا, ويهدّئ من روعه, ويجد فيه فوائد جمّة كان الأصل العلم بها قبل هذا الوقت, ولعلي بهذا المنشور -إن شاء الله- أصحّح بعض الأخطاء الواقعة عند كثير من الناس في شأن الرؤى وأحكامها, وسيجد في ثنايا هذه الأسطر ما يشفي غليله, ويريح نفسه, ويزيل عنه عناء كثيرا -بإذن الله- وذلك بالأدلة الشرعية لا غير, والآن آن الأوان للبدء بما نريد فأقول مستعيناً بالله تعالى:
لقد قص الله علينا في كتابه الكريم بعض أخبار الرؤى وصدقها وعظمتها كقصة رؤيا نبي الله يوسف عليه السلام عندما حدّث والده برؤياه كما أخبر الله عنه: (إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يوسف:4], وعن الملك ورؤياه:(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ)[يوسف:43-44] وعن صاحبَي يوسف في سجنه: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف 36].
↩ومن عظيم أمر الرؤى في ديننا أن نبينا صلى الله عليه وسلم أوّل ما بُدئ به الوحي: الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح كما في الحديث المتفق عليه (يعني يراها في الواقع كما رآها مناماً سواء بسواء).
ومما يدل على أهمية الرؤى و شأنها ما جاء من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بها, وسؤال أصحابه-وكثيرا- عن رؤاهم في المنام, ففي البخاري عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا» قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ) رواه البخاري.
↩ومن عظيم اهتمام الشرع الإسلامي بالرؤى -ومن أهميتها كذلك- ما وردت به الأحاديث الصحيحة وأسوق بعضا منها: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ " رواه البخاري ومسلم, واقتراب الزمان قيل المراد به اعتدال الليل والنهار، وقيل قرب قيام الساعة؛ فكأنه: كلما ابتعد الناس عن زمن النبوة والحق ثبّت الله المؤمنين بتلك الرؤى المبشّرة.
بل هي من أجزاء النبوة كما مرّ في الحديث السابق وفي غيرها من الأحاديث الصحيحة ومن ذلك أنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) رواه الترمذي وأبي داود وصححه الألباني, وفي رواية لمسلم عن ابن عمر: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) رواه مسلم, وفي تفسير الحديث قال كثير من العلماء لعل معنى هذا: أنّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم كان أول ما بُدئ به الوحي أنه يرى الرؤيا فتجيء مثل فلق الصبح، فاستمر ذلك معه قبل نزول جبريل عليه السلام عليه ستة أشهر، ثم إنه عليه الصلاة والسلام استمرت نبوتُه ورسالتُه ثلاثة وعشرين سنة، وكان نصيبها جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة, يعني: ستة أشهر بالنسبة لثلاثة وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءاً, وقال بعض العلماء –كالطبري-: هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي، فالمؤمن الصالح : تكون رؤياه جزءاً من ستة وأربعين جزءاً، والفاسق جزءاً من سبعين جزءا أي بعد من المؤمن.
بل ما هو أعظم ويهمنا واقعاً معاصراً أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : «لم يَبْقَ بعدي من النبوة إلا الْمُبَشِّرَاتُ، قالوا: وما الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قال : الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تُرى له » رواه البخاري, وفي رواية: (ذَهَبَتْ النُّبُوَّةُ ، وَبَقِيَتْ الْمُبَشِّرَاتُ) أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
📌 *أقــســــام الــــــرؤى* 🌷
-ليس كلما يراه الإنسان في منامه يصح أن يعبّر, أو له تعبير, أو تحقّق في الواقع, وإنما هناك قسم واحد فقط يُعبّر, وهذا القسم نادر الوقوع, وقبل أن أسوق شرح الأقسام الثلاثة وعلاماتها وأمثلتها وتفاصيلها أذكر الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم وغيره, والذي فيه بيان لأقسام الرؤى: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (" الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ "), وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ :مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ) صحّحه الألباني, ففي الحديثين نص صريح أن الرؤى على أقسام ثلاثة:
1-رؤيا حق(وهي التي سمّاها الحديث بالصالحة), وتنقسم هذه إلى قسمين: إما مبشّرة مفرحة للمؤمن, وإما منذرة محذّرة له من أو عن شر فيتقيه ويبتعد عنه (وسيأتي كيف يتعامل معهما), ومثالهما من القرآن رؤيا يوسف وصاحبَيه والملك فيما سبق.
2-رؤيا شيطانية( وتسمّى حلما لا رؤيا وقد تسمّى رؤيا من باب المجاز وسأستخدم هنا اللفظين) ودليل ذلك حديث أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:( الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ...) رواه البخاري، ومسلم, وهذه الرؤيا( الحُلُم): تحزن وتقلق الإنسان في نومه أو بعد نومه بلافائدة تعود عليه, ولذا يكره للمسلم أن يشغل بها نفسه ومن حوله-وسيأتي التفصيل-, وخير مثال لها ما ثبت في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ» رواه مسلم.
3-حديث النفس أو أضغاث الأحلام, ولعلها الأغلب في الرؤى( وهي الأسهل وستأتي أمثلـتها).
-ونأتي الآن لمزيد تفصيل عن كل ما سبق من أقسام الرؤى وإنما ذاك مختصر والتالي نوع تفصيل:
إذاً ليس كل ما يراه الناس في منامهم يكون في الحقيقة رؤيا؛ بل كثير من الناس يرى ولا تكون رؤياه حقا؛ بل تكون من أحاديث النفس أو تكون من تلعّب الشيطان بالإنسان في المنام –وقد سبقتا-.
ومثال حديث النفس: كرجل نام وهو يحدث نفسه بالسفر فرأى أنه مسافر, فهذا من حديث النفس لا تعبير له ولا يشغل به نفسه أبدا, ومثله من نام على عطش شديد فرأى أنه يسبح بين ماء أو يشربه... وهكذا.
وأما رؤيا تلعّب الشيطان بالإنسان في نومه فعلامتها: تكون غير واضحة المعالم, وإنما ملخبطة من هنا وهناك, وتفاهات وأضحوكات لا مثال لها في الواقع, ولا يُعلم أين أولها من آخرها, ومثالها الحديث السابق: عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ» رواه مسلم, ومن هذا الحديث يتبيّن لنا أن الإنسان منهي أن يخبر عن تلعّب الشيطان به في منامه, ولا ينبغي له أن يخبر الناس بها فضلا عن أن يسعى لتعبيرها, أو يشغل نفسه بها, أو ينتظر وقوعها حقيقة بل يجعل هذا القسم والذي قبله(حديث النفس) وجودهن كعدمهن تماما.
- *وباختصار:* فلعل القسمين السابقين(حديث النفس وتلعّب الشيطان) هما الغالب في رؤى الناس, ومع ذلك تجدهم يشغلون أنفسهم وغيرهم بالحديث عنهما, وطلب تعبيرهما وبإلحاح شديد, ويقلق نفسه بهما بالرغم النهي الوارد في ذلك, وما ذاك إلا من تحزين الشيطان للإنسان, والسعي لجعله مهموما مغموما - في نومه وصحوه -منتظرا للشر متى يقع عليه: (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) المجادلة(10), وإذا أخرجنا ما سبق(رؤيا حديث النفس وتلعّب الشيطان) فلم تبقَ لنا إلا رؤيا الحق, أو ما سمّاها الحديث السابق بِالرُؤْيَا الصَّالِحَةِ, وعلامتها : تكون واضحة المعالم والمداخل والمخارج, محفوظة معلومة لدى الرائي, وفيها أمثال وإشارات يعقلها العلماء المتخصّصون في هذا المجال: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)[العنكبوت:43],
وقد جاءت التوجيهات النبوية كيف يتعامل المسلم مع الرؤى بأقسامها, وهنا سأسوق الأحاديث ثم أعقّب بتعداد تلك الآداب والتوجيهات:
💡 *الأحاديث التي وردت في التعامل مع الرؤى:*
1-ففي المتفق عليه: (الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ), وفي حديث آخر صحيح: «وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي وصححه الألباني.
2- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ) رواه البخاري.
3-وعَنْ أَبِي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ يَتَحَدَّثْ بِهَا، فَإِذَا تَحَدَّثَ بِهَا سَقَطَتْ» رواه أبو داود والترمذي وصحّحه الألباني.
4-وعند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ ).
5- وفي حديث أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ، حِينَ يَسْتَيْقِظ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوّذْ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ)رواه البخاري ومسلم, وفي رواية البخاري: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ ).
6-وعن أَبَي سَلَمَةَ، قال: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ» البخاري، ومسلم, وفي رواية أخرى قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: «إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا كُنْتُ أُبَالِيهَا» رواه البخاري ومسلم.
7- وعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» رواه مسلم.
8- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَتَحَوَّلْ وَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا ) صحيح سنن ابن ماجه.
📌 *آداب وضوابط في التعامل مع الرؤى:*
من خلال الأحاديث السابقة
ما سبق كان بالنسبة لنصوص الأحاديث التي ذكرت آداب وضوابط من رأى رؤيا، والآن أسوق الآداب تلك ملخّصة من الأحاديث السابقة وهي على ما يلي:
↩ *آداب رؤيا الحق:*
1-يحمد الله عليها.
2-يستـبشر بها.
3-يحدّث بها من يحبّ, ولا يفسّرها له هذا الحبيب إلا بشرط علمه, وإلا فيكتفي بالسماع.
4-يطلب تعبيرها من أهل الاختصاص لا من غيرهم.
↩ *آداب من رأى رؤيا يكرهها:*
أولاً: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا.
ثانياً: الاستعاذة بالله من شر تلك الرؤيا ثلاث مرات(أعوذ بالله من شرّ هذه الرؤيا).
ثالثاً:
النفث عن اليسار ثلاث مرات(والنفث: إخراج النفس بطرف اللسان مع الشفتين بدون ريق أو بقليل منه).
رابعاً: التحوّل من الجنب الذي كان عليه إلى جنب آخر.
خامساً: إذا تكرر هذا الحلُم أو الرؤيا المزعجة، فلــيقم وليتوضأ ولــيصلّ لله ركعتين.
سادساً: أن لا يحدّث أحدا بهذا الحلم, أو ينـشغل به، أو يشغل الرائي به نفسه، أو يفكّر فيه.
سابعاً: زاد الحافظ ابن حجر أدباً سابعاً قال: (ورأيت في بعض الشروح ذكر قراءة آية الكرسي).
ومن عمل بــتلك الضوابط والآداب أو بعضها فإنها لن تضرّه تلك الرؤيا مهما بلغت عظمتها في نفسه كما ضمن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت من أحاديث سابقة.
يقول النووي رحمه الله: (وينبغي أن يجمع الرائي بين هذه الآداب كلها ويعمل بجميع ما تضمنته الروايات، فإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله، كما صرحت بذلك الأحاديث).
🔔 *تــنـبـيه* 🔔
-القسم الثاني من رؤيا الحق قد تكون في البداية مقلقة مخوّفة محزنة لكنها نذير وتنبيه من الله لذلك الرائي, ولعل ذلك دليل حب الله له, مثال ذلك ما ثبت في المتفق عليه عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : (كَانَ الرَّجُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا أَعْزَبَ ، فَكَنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ - قَالَ - فَرَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : انْطَلِقْ بِهِ إِلَى النَّارِ قَالَ : فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ قَالَ : فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي : لَمْ تُرَعْ قَالَ : فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفْنَا عَلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِي مَطْوِيَّةٌ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَي الْبِئْرِ قَالَ وَرَأَيْتُ فِيهَا رِجَالاً أَعْرِفُهُمْ قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهَا ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ ». قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً, رَوَاهُ الْبُخَارِي ومسلم.
فمع أن هذه الرؤيا ظاهرها مفزعاً لابن عمر رضي الله عنهما، إلا أنها كانت محفزّة له لفعل الخير؛ فقد دلّه النبي صلى الله عليه وسلم على ما ينجيه من تلك النار التي رآها في منامه.
📌 *الرؤيا فتوى فلا يحل لمسلم أن يقول فيها ما لا يعلم* 🔔
لقد نصّ الله في كتابه الكريم أن تعبير الرؤى فتوى كما قال: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ) يوسف64, وقوله: (قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ), وبأنها فتح وإلهام رباني: (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) يوسف21.
-وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سُئل: أيعبّر الرؤى كل أحد؟ فقال مالك : أبالنبوة يلعب؟! (يريد أن يوسف النبي كان تعبيره منحة ربانية, وخصيصة اختصها الله بها, وكذا لأنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة), وقال أيضاً : لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت، قيل: فهل يعبّرها على الخير، وهي عنده على المكروه؛ لأنها على ما أوّلت عليه؟ فقال: لا فالرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة.
وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسّان أنه قال: كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم, وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب, هذا ابن سيرين الذي قيل عنه يوسف هذه الأمة, وقال عنه الذهبي: له تأييد إلهي في تعبير الرؤى, ويُلقّب بالشهاب العابر, ومع هذا يحذر كل الحذر من أن يقول ما لا يعلم.
بل قل لا تكن حاشية عزيز مصر أورع في باب التعبير من بعض الناس في زماننا الذين لا يتحاشون أبدا من أن يقولوا ما لا يعلمون ويفتون فيما لا يحسنون: (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ)يوسف44, هذا قولهم وهم على الإسلام!.
وإذا كان أحيانا المعبّر نفسه والعالم بالرؤى قد يخطئ في تعبيره, فكيف بالجاهل! وخير مثال على ذلك الصديق رضي الله عنه وذلك حين عبّر رؤيا بين يدَي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له (أَصَبْتَ بَعْضًا وأَخطَأْتَ بَعْضًا) والقصة بنصها في المتفق عليه: عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلاً أَتى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبى أَنْتَ، وَاللهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اعْبُرْ قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآن، حَلاَوَتُهُ تَنْطِفُ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ؛ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّل لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَاْتُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَصَبْتَ بَعْضًا وأَخطَأْتَ بَعْضًا قَالَ: فَوَاللهِ لَتُحَدِّثنِي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ قَالَ: لاَ تُقْسِمْ) بالرغم أن الصديق إمام عالم في هذا الشأن, وكان يُفزع إليه في مثل هذا, وخير مثال على حسن تعبيره وفطنته, تعبيره لرؤيا عائشة قالت: (رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقصصت رؤياي على أبي بكر، فسكت، فلما توفي رسول الله، ودُفن في بيتي، قال لي أبو بكر: هذا أحد أقمارك، وهو خيرها), روى ذلك الإمام مالك في الموطّأ, سقت ذلك لأبيّن خطورة التقوّل والمجازفة في تعبير الرؤى, وسواء من قِبل الرائي من كتب لديه ففي الصباح تراه هائما حتى يقرأ تلك الكتبّ! أو يذهب لبعض الجهلة ليعبّرها له.
📌 *وسائل التواصل والرؤى* 📱
ومع توفّر وسائل التواصل لنا, وسهولتها علينا لزم التنبيه بأنه: قد ادعى كثير من الدجّالين عبرها بأنهم يحسنون الفتوى أو الطب أو تعبير الرؤى... وكل ذلك كذب محض لا يشك فيه عاقل، وإنما يجعلون دعاويهم تلك وسائل لصيد السذّج من الناس خاصة النساء، ثم يأخذونهم لما يأخذونهم من سحر، أو نصب أموال... وفي مجالنا هذا- تعبير الأحلام- إذا كان ديننا قد نهانا أن نشغل أنفسنا بتلك الرؤى، ونهانا أن نقــصها إلا على حبيب أو خبير فكيف تقصّ على أولئك!.
📌 *ما لابد منه*
ومن أعظم وأهم ما يجب التنبيه عليه هنا: أنه ليس كل فقيه أو عالم أو مفتي أو داعية أو إمام مسجد أو كل صالح يستطيع أن يعبّر الرؤيا؛ فتعبير الرؤيا منحة ربانية كما قال الله: (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)[يوسف:21].
📌 *الاعتماد على كتب التعبير* 📚📚
- ومما يجدر التنبيه عليه بأنه لا يكفي الاعتماد على الكتب التي تتحدّث عن تعبير الأحلام والرؤى؛ ففي أحيان كثيرة يكون تعبير الرؤيا من نفس ألفاظها, أو من مجريات أحداث سابقة للرائي, أو أحواله وبعض شأنه, ومن ذلك ما جاء في المتفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ» ففسّر النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا من ضمن ألفاظها الواردة في الرؤيا نفسها, وما أدرى الكتاب بهذه الألفاظ والأحوال! وكذا الجاهل الذي يسارع في التقوّل قبل أن يتم الرائي حديثه!.
📌 *الرؤى واختلافها* 💡
- ثم كذلك قد تذكر الكتب الخاصة بتعبير الرؤى التي في أيدي الناس بأن من رأى كذا فهو كذا وأضرب لذلك مثلا: ما يشاع أن من رأى في منامه بأنه مات فذاك دليل عمره الطويل, ومن رأى أنه عريس فذاك دليل قرب موته, وهكذا من رأى أسنانه سقطت دليل موت أهله ونفسه... لكن الحقيقة أن ذلك ليس في كل حال, ولكل رأىٍ؛ فالرؤيا وتعبيرها يختلفان باختلاف الحال والزمان والمكان والدين والعرف...لخ ولذا قال الإمام في هذا الشأن عبدالغني النابلسي في كتاب له عن الأحلام وتعبيرها إن :( تعبير الرؤيا تختلف من شخص إلى شخص, ومن بيئة إلى بيئة, ومن دين إلي دين, ومن فصل زمني إلى فصل آخر, فالسفرجل عند الفرس عز وجمال، وعند العرب سفر وجلاء، وأكل الميتة نكد عند من يحرمونها، ورزق عند من يستحلونها، والتدفئة بالنار والشمس خير في الشتاء، وشر في الصيف، والثلج والجليد غلاء وقحط في البلاد الحارة، وخصب وسعة في البلاد الباردة......لخ), وهكذا كثير مما يعلمه أهل هذا الفن, وعل العموم فليس هناك قواعد محدّدة تحتكم إليها الرؤيا وخير مثال لذلك هذه القصة: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ فقَالَ لَهُ: أَنَا رَأَيْت نَفْسِي أُؤَذِّنُ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ سِيرِينَ: تَسْرِقُ وَتُقْطَعُ يَدُك، وَسَأَلَهُ آخَرُ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ فَقَالَ: لَهُ تَحُجُّ، فَوَجَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا فُسِّرَ لَهُ بِهِ فِي الواقِعِ, فَقِيلَ لَابنْ سيْرين فِي ذَلِكَ فَقَالَ: رَأَيْتُ هَذَا بِسِمَةٍ حَسَنَةٍ وَالْآخَرُ بِسِمَةٍ قَبِيحَة.
خطر وإثم من عبّر رؤيا لا يحسنها
قد ثبت في أحاديث صحيحة -سبق بعض منها- أن الرؤيا إذا عبّرها المعبّر -عالم بها أو جاهل- فإنها تقع حسب ما عبّرها, وبالتالي لو عبّرها الغير عالم بالتعبير للرائي على شر فسيقع عليه ذلك الشر, وهكذا لو عبّرها على خير فسيقع الخير, وبالتالي يتحمّل المعبّر ظلم ما لو وقعت على ما عبّرها عليه في الشر, وفي الحديث الصحيح: (الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ) رواه أبو داود وغيره وصحّحه الألباني.
ومن عجيب ذلك ما حدّثت به عَائِشَةَ رضي الله عنها عن نفسها فقَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهَا زَوْجٌ تَاجِرٌ يَخْتَلِفُ، فَكَانَتْ تَرَى رُؤْيَا كُلَّمَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَلَّمَا يَغِيبُ إِلَّا تَرَكَهَا حَامِلًا، فَتَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: إِنَّ زَوْجِي خَرَجَ تَاجِرًا، فَتَرَكَنِي حَامِلًا، فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ سَارِيَةَ بَيْتِي انْكَسَرَتْ، وَأَنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا أَعْوَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرٌ، يَرْجِعُ زَوْجُكِ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَالِحًا، وَتَلِدِينَ غُلَامًا بَرًّا» فَكَانَتْ تَرَاهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ، تَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: ذَلِكَ لَهَا، فَيَرْجِعُ زَوْجُهَا، وَتَلِدُ غُلَامًا، فَجَاءَتْ يَوْمًا كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، وَقَدْ رَأَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا، فَقُلْتُ لَهَا: عَمَّ تَسْأَلِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَمَةَ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: رُؤْيَا كُنْتُ أُرَاهَا، فَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا؟ فَيَقُولُ: خَيْرًا، فَيَكُونُ كَمَا قَالَ: فَقُلْتُ: فَأَخْبِرِينِي مَا هِيَ؟ قَالَتْ: حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرِضَهَا عَلَيْهِ، كَمَا كُنْتُ أَعْرِضُ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهَا حَتَّى أَخْبَرَتْنِي، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَيَمُوتَنَّ زَوْجُكِ، وَتَلِدِينَ غُلَامًا فَاجِرًا(يعني عائشة عبرتها لها)، فَقَعَدَتْ تَبْكِي، وَقَالَتْ: مَا لِي حِينَ عَرَضْتُ عَلَيْكِ رُؤْيَايَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: مَا لَهَا يَا عَائِشَةُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَمَا تَأَوَّلْتُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ(كلمة زجر وإنكار) يَا عَائِشَةُ «إِذَا عَبَرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى الْخَيْرِ، فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا، فَمَاتَ، وَاللَّهِ زَوْجُهَا، وَلَا أُرَاهَا إِلَّا وَلَدَتْ غُلَامًا فَاجِرًا» والقصة رواها الدارمي وحسّن إسنادها ابن حجر.
فزجْر النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة دليل خطر ما فعلت, والأعظم من ذلك أن المرأة وقع عليها ما عبّرته لها عائشة, ولم يعبّرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن تعبير الرؤيا تقع على تعبير الأول كما سبق في الحديث, ومع أن المعبّر الجاهل هذا يتحمّل إثما لكن أيضا واجب المسلم أن لا يخبر برؤياه إلا من يحبّ إن كانت خيرا, ولا يعبّرها له إلا عالم, وليلتزم بالنصوص الواردة السابقة في ذلك؛ حتى لا يقع في الحرج, وفي المتفق عليه: ((إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ)), وفي حديث آخر صحيح: «وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي وصحّحه الألباني.
📌 *خطورة الكذب في الرؤيا* 🔔
قد يسوّل الشيطان لبعض الناس أن يقولوا على سبيل الجد أو المزاح: رأيت في منامي كذا وكذا, أو يسمع أحد الناس يحدث رؤيا رأها حقا فيكذب السامع ويقول عن نفسه إنه رأى هو كذلك! ولقد ورد في الأحاديث الصحيحة الوعيد الشديد لمن يكذب أنه رأى رؤيا هو لم يرَ شيئا, فعن ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ »أخرجه البخاري, وذلك من المستحيلات والتكليف به دليل خطورة ما ارتكب من خطإ, وفي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مِنْ أفْرَى الْفِرَى أنْ يُرِيَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ ما لم تَرَيَا». أخرجه البخاري, يعني من أشد الكذب أن يقول الرجل كاذبا رأيت في منامي كذا وكذا وهو لم يرَ شيئا.
حتى أن بعض أهل التفسير-والله أعلم بصحتها- ذكر بأن صاحب يوسف الآخر كان كاذباً في رؤياه، فلما قال له يوسف: تصلب فتأكل الطير من رأسك، قال: إني كنت كاذباً، فقال يوسف: قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان والآية: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف 36].
📌 *مسائل مهمة* 💡
هناك مسائل في الحقيقة لابد من ذكرها, والاعتناء بها, وتخصيص فقرات بارزة في هذا المنشور لها؛ لأهميتها القصوى:
↩ *رؤية الله*
كم يدندن بعض الجهّال بقولهم الآثم برؤية الله -تعالى الله- ورؤياه مستحيلة ما الدام العبد في الدنيا كيف وقد قال الله لكليمه موسى: ( ...لَنْ تَرَانِي ... ) الأعراف143, وفي الحديث الصحيح عند مسلم وغيره قال صلى الله عليه وسلم:( لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ ) والحديث لا نزاع في صحته فهو عند مسلم وغيره, بل من قال بجواز وقوعها في الدنيا مناما أو يقظة فقد أفحش وخالف نص قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )الشورى (11) فالقول بجواز رؤيته تعالى في المنام يلزم منه التشبيه -نعوذ بالله- فالواجب قطع هذا الباب بالقول بالامتناع كليا, وما يشاع بأن الإمام أحمد أو غيره رأى الله فهو محض افتراء لم يثب ذلك أبدا.
وفي البخاري ومسلم: عن مسروق قال: دخلتُ على عائشة - رضي الله عنها - فقلتُ: هل رأَى محمدٌ ربَّهُ ؟! فقالت: لقد تكلَّمْتَ بشيءٍ قَفَّ له شَعري، قُلتُ: رويد، ثم قرأتُ{ لقد رأَى من آياتِ رَبِّه الكُبْرَى} فقالت: أيْن يُذْهَبُ بِكَ ؟ إنما هو جبريل، ثم قرأتْ: {لا تُدْرِكُهُ الأبصارُ وهو يُدْرِكُ الأبصارَ وهو اللطيُف الخبير} [ الأنعام : 103] : {وما كان لِبَشر أن يُكَلِّمَهُ الله إلا وحيا أو مِنْ وراء حجاب أو يرسلَ رسولا} [الشورى : 51], وقَالَتْ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ على الله الْفِرْيَةَ, وَلَكِنْ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقُهُ سَادٌّ مَا بَيْنَ الأُفُقِ» رواه البخاري ومسلم.
وفي لفظ لمسلم: عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَا أَبَا عَائِشَةَ: ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ قُلْتُ مَا هُنَّ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ قَالَ وَقد كُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي أَلَمْ يَقُلْ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} فَقَالَتْ عائشة أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ:(( إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ - عليه السلام - لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ)) فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} إلى قوله {عَلِيٌّ حَكِيمٌ}...الحديث.
وحديثنا عن رؤية الله في المنام لكن ما أريد أن أصل إليه: أنه إذا كانت عائشة أنكرت على من ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله ليلة الإسراء والمعراج؛ تفسيرا خاطئا لآية قرآنية, وهو النبي صلى الله عليه وسلم, وقد صعد للسماء, واعتمدوا على آية, فكيف نقول لمن يزعم -كاذباً آفكاً متجرئاً مشبّهاً- بأنه رأى الله في منامه!!! أعوذ بالله من الجهل على الله, وبأي صورة سيراه, وبأي لسان سيحدثه حاشا الله من جهل الجاهلين, وافتراء المفترين, اللهم غفرا.
↩ *رؤية رسول الله*
أما رؤيا حبيبنا صلى الله عليه وسلم: فقد جاء في غير ما حديث صحيح أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه على حقيقته فقد راءه حقا؛ لامتناع الشيطان أن يتمثّل به صلى الله عليه وسلم, ومن تلك الأحاديث حديث : أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ – أو كأنما رآني في اليقظة-، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) أخرجه البخاري ومسلم, وحديث : أَبْي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الحَقَّ» أخرجه البخاري ومسلم, وفي رواية: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي).
لكن يشترط أن يكون المرئي هو النبي صلى الله عليه وسلم بكامل صفاته الخلْقية والخُلُقية الثابتة في وصفه صلى الله عليه وسلم كما في السنة الصحيحة, وإلا فليس بالنبي صلى الله عليه وسلم, فمثلا: من رأى رجلا طويلا سمينا ضاحكا فاغرا فاه ويهذي في كلامه..., أو يأمره بمنكر, أو ينهاه عن معروف, فهذا ليس النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا وحاشاه, ولا يصح أن يقول رأيت النبي عليه الصلاة والسلام.
↩ *رؤية الميّت*
قد اشتهر عند الناس أن رؤية الموتى حق والقاعدة لديهم( رؤية أهل دار الحق حق), وقد قيل أنها عن ابن سيرين, لكن الحقيقة بأنه لم يثبت في ذلك أي نص شرعي, ومثل هذه الأمور لا بد لها من نصوص؛ كونها من علم الغيب.
وقد قال شيخنا العمراني فيما أذكر: من رأى ميتا يأمره بقضاء دينه أو بالتصدّق عنه أو شيء من ذلك فلا يلزم الرائي أن يفعل ما أمره به الميت, لكن لا حرج لو فعل أهله ما قال للرائي لكن ليس على سبيل الوجوب وإنما التبرّع, لا سيما إذا تأكدوا في المنام على أن عليه دين لفلان, لكن لو كذب الدائن فقال: نعم عليه دين! فلا يلزمهم قضاء ذلك الدين؛ لأنه من باب الظن والتبرّع لا غير, وبعض التفصيل عن هذا يأتي فيما يلي:
📌 *الرؤى لا ينبني عليها أي حكم شرعي* 💡
قد أجمع الفقهاء بأن الرؤى من الناس -غير الأنبياء- كلها وبدون استـثـناء لا ينبني عليها أي حكم شرعي مهما كانت عظمة الرائي والمرئي, فمثلاً: من رأى أنه حلف على أن لا يقرب شيئا في منامه, فله فعل ما حلف عليه, ولا تلزمه أي كفارة, وهكذا من طلق زوجته أو نذر نذرا.....لخ؛ فالنائم مرفوع عنه القلم أصلاً حتى يصحى من نومه كما في الحديث الصحيح: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا, عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(رُفِعَ اَلْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ اَلنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ اَلصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ, وَعَنِ اَلْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ, أَوْ يَفِيقَ).
أما الأنبياء فلو رأوا هم شيئا فذاك وحي الله لهم؛ لأن: " رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ " كما جاء في المتفق عليه, ولهذا إبراهيم رأى رؤيا بأنه يذبح ولده إسماعيل فنفذّها حقيقة, كما قص الله لنا ذاك في كتابه الكريم:((قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)) الصافات 102, لكن الأنبياء لا غير, ونحن لا نتحدث عنهم عليهم الصلاة والسلام؛ لأن النبوات قد انقطعت بعد نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام.
📌 *صادق الرؤيا*
قد ذكر العلماء أن مما يعين على صدق الرؤيا أمور منها: تحري الصدق ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً }، وأكل الحلال، وطاعة الله ورسوله، والنوم على طهارة، وكثرة الذكر.
🌹 *وفي الأخير:*🌷
لا نشغل أنفسنا وأوقاتنا بالرؤى وأمرها، فإن كان خيرا تحدثنا بها لحبيب أو خبير، وإن كانت غير ذلك سكتنا عنها تماما ولن تضرنا إن شاء الله.
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
#خلاصات_فقهية
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
◈- *من منشورات قناة فتاوى الشيخ/عبدالله رفيق السوطي، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
---------
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ, وبــــــــعــــد:
💡 *لماذا أحكام الرؤى...!!!*
لا يخلو يوم من الأيام-تقريباً- إلا ويأتيني سائل جديد يطلب مني تعبير رؤياه, بالرغم أني قد كررت مرارا أنه لا علم لي بتعبير الرؤى, ولم يفتحِ الله عليّ في هذا الباب؛ فهو باب يؤتيه الله من يشاء من عباده كيوسف عليه السلام: (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)[يوسف:21], ومن كثرة السائلين هممت وكثيراً أن أجعل حالتي الدائمة –واتساب- لا علم لي بتعبير الرؤى, ولكثرة ما رأيت من أولئك ألزمت نفسي وفرّغت من وقتي لأكتب فقهاً عاماً مختصراً في الرؤى وأحكامها في الفقه الإسلامي؛ لعل هذا المنشور يسد ثغرة كبيرة لدى القارئ الكريم, ويسعف السائل إسعافاً طارئا, ويهدّئ من روعه, ويجد فيه فوائد جمّة كان الأصل العلم بها قبل هذا الوقت, ولعلي بهذا المنشور -إن شاء الله- أصحّح بعض الأخطاء الواقعة عند كثير من الناس في شأن الرؤى وأحكامها, وسيجد في ثنايا هذه الأسطر ما يشفي غليله, ويريح نفسه, ويزيل عنه عناء كثيرا -بإذن الله- وذلك بالأدلة الشرعية لا غير, والآن آن الأوان للبدء بما نريد فأقول مستعيناً بالله تعالى:
لقد قص الله علينا في كتابه الكريم بعض أخبار الرؤى وصدقها وعظمتها كقصة رؤيا نبي الله يوسف عليه السلام عندما حدّث والده برؤياه كما أخبر الله عنه: (إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يوسف:4], وعن الملك ورؤياه:(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ)[يوسف:43-44] وعن صاحبَي يوسف في سجنه: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف 36].
↩ومن عظيم أمر الرؤى في ديننا أن نبينا صلى الله عليه وسلم أوّل ما بُدئ به الوحي: الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح كما في الحديث المتفق عليه (يعني يراها في الواقع كما رآها مناماً سواء بسواء).
ومما يدل على أهمية الرؤى و شأنها ما جاء من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بها, وسؤال أصحابه-وكثيرا- عن رؤاهم في المنام, ففي البخاري عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا» قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ) رواه البخاري.
↩ومن عظيم اهتمام الشرع الإسلامي بالرؤى -ومن أهميتها كذلك- ما وردت به الأحاديث الصحيحة وأسوق بعضا منها: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ " رواه البخاري ومسلم, واقتراب الزمان قيل المراد به اعتدال الليل والنهار، وقيل قرب قيام الساعة؛ فكأنه: كلما ابتعد الناس عن زمن النبوة والحق ثبّت الله المؤمنين بتلك الرؤى المبشّرة.
بل هي من أجزاء النبوة كما مرّ في الحديث السابق وفي غيرها من الأحاديث الصحيحة ومن ذلك أنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) رواه الترمذي وأبي داود وصححه الألباني, وفي رواية لمسلم عن ابن عمر: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) رواه مسلم, وفي تفسير الحديث قال كثير من العلماء لعل معنى هذا: أنّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم كان أول ما بُدئ به الوحي أنه يرى الرؤيا فتجيء مثل فلق الصبح، فاستمر ذلك معه قبل نزول جبريل عليه السلام عليه ستة أشهر، ثم إنه عليه الصلاة والسلام استمرت نبوتُه ورسالتُه ثلاثة وعشرين سنة، وكان نصيبها جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة, يعني: ستة أشهر بالنسبة لثلاثة وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءاً, وقال بعض العلماء –كالطبري-: هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي، فالمؤمن الصالح : تكون رؤياه جزءاً من ستة وأربعين جزءاً، والفاسق جزءاً من سبعين جزءا أي بعد من المؤمن.
بل ما هو أعظم ويهمنا واقعاً معاصراً أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : «لم يَبْقَ بعدي من النبوة إلا الْمُبَشِّرَاتُ، قالوا: وما الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قال : الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تُرى له » رواه البخاري, وفي رواية: (ذَهَبَتْ النُّبُوَّةُ ، وَبَقِيَتْ الْمُبَشِّرَاتُ) أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
📌 *أقــســــام الــــــرؤى* 🌷
-ليس كلما يراه الإنسان في منامه يصح أن يعبّر, أو له تعبير, أو تحقّق في الواقع, وإنما هناك قسم واحد فقط يُعبّر, وهذا القسم نادر الوقوع, وقبل أن أسوق شرح الأقسام الثلاثة وعلاماتها وأمثلتها وتفاصيلها أذكر الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم وغيره, والذي فيه بيان لأقسام الرؤى: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (" الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ "), وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ :مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ) صحّحه الألباني, ففي الحديثين نص صريح أن الرؤى على أقسام ثلاثة:
1-رؤيا حق(وهي التي سمّاها الحديث بالصالحة), وتنقسم هذه إلى قسمين: إما مبشّرة مفرحة للمؤمن, وإما منذرة محذّرة له من أو عن شر فيتقيه ويبتعد عنه (وسيأتي كيف يتعامل معهما), ومثالهما من القرآن رؤيا يوسف وصاحبَيه والملك فيما سبق.
2-رؤيا شيطانية( وتسمّى حلما لا رؤيا وقد تسمّى رؤيا من باب المجاز وسأستخدم هنا اللفظين) ودليل ذلك حديث أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:( الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ...) رواه البخاري، ومسلم, وهذه الرؤيا( الحُلُم): تحزن وتقلق الإنسان في نومه أو بعد نومه بلافائدة تعود عليه, ولذا يكره للمسلم أن يشغل بها نفسه ومن حوله-وسيأتي التفصيل-, وخير مثال لها ما ثبت في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ» رواه مسلم.
3-حديث النفس أو أضغاث الأحلام, ولعلها الأغلب في الرؤى( وهي الأسهل وستأتي أمثلـتها).
-ونأتي الآن لمزيد تفصيل عن كل ما سبق من أقسام الرؤى وإنما ذاك مختصر والتالي نوع تفصيل:
إذاً ليس كل ما يراه الناس في منامهم يكون في الحقيقة رؤيا؛ بل كثير من الناس يرى ولا تكون رؤياه حقا؛ بل تكون من أحاديث النفس أو تكون من تلعّب الشيطان بالإنسان في المنام –وقد سبقتا-.
ومثال حديث النفس: كرجل نام وهو يحدث نفسه بالسفر فرأى أنه مسافر, فهذا من حديث النفس لا تعبير له ولا يشغل به نفسه أبدا, ومثله من نام على عطش شديد فرأى أنه يسبح بين ماء أو يشربه... وهكذا.
وأما رؤيا تلعّب الشيطان بالإنسان في نومه فعلامتها: تكون غير واضحة المعالم, وإنما ملخبطة من هنا وهناك, وتفاهات وأضحوكات لا مثال لها في الواقع, ولا يُعلم أين أولها من آخرها, ومثالها الحديث السابق: عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ» رواه مسلم, ومن هذا الحديث يتبيّن لنا أن الإنسان منهي أن يخبر عن تلعّب الشيطان به في منامه, ولا ينبغي له أن يخبر الناس بها فضلا عن أن يسعى لتعبيرها, أو يشغل نفسه بها, أو ينتظر وقوعها حقيقة بل يجعل هذا القسم والذي قبله(حديث النفس) وجودهن كعدمهن تماما.
- *وباختصار:* فلعل القسمين السابقين(حديث النفس وتلعّب الشيطان) هما الغالب في رؤى الناس, ومع ذلك تجدهم يشغلون أنفسهم وغيرهم بالحديث عنهما, وطلب تعبيرهما وبإلحاح شديد, ويقلق نفسه بهما بالرغم النهي الوارد في ذلك, وما ذاك إلا من تحزين الشيطان للإنسان, والسعي لجعله مهموما مغموما - في نومه وصحوه -منتظرا للشر متى يقع عليه: (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) المجادلة(10), وإذا أخرجنا ما سبق(رؤيا حديث النفس وتلعّب الشيطان) فلم تبقَ لنا إلا رؤيا الحق, أو ما سمّاها الحديث السابق بِالرُؤْيَا الصَّالِحَةِ, وعلامتها : تكون واضحة المعالم والمداخل والمخارج, محفوظة معلومة لدى الرائي, وفيها أمثال وإشارات يعقلها العلماء المتخصّصون في هذا المجال: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)[العنكبوت:43],
وقد جاءت التوجيهات النبوية كيف يتعامل المسلم مع الرؤى بأقسامها, وهنا سأسوق الأحاديث ثم أعقّب بتعداد تلك الآداب والتوجيهات:
💡 *الأحاديث التي وردت في التعامل مع الرؤى:*
1-ففي المتفق عليه: (الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ), وفي حديث آخر صحيح: «وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي وصححه الألباني.
2- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ) رواه البخاري.
3-وعَنْ أَبِي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ يَتَحَدَّثْ بِهَا، فَإِذَا تَحَدَّثَ بِهَا سَقَطَتْ» رواه أبو داود والترمذي وصحّحه الألباني.
4-وعند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ ).
5- وفي حديث أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ، حِينَ يَسْتَيْقِظ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوّذْ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ)رواه البخاري ومسلم, وفي رواية البخاري: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ ).
6-وعن أَبَي سَلَمَةَ، قال: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ» البخاري، ومسلم, وفي رواية أخرى قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: «إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا كُنْتُ أُبَالِيهَا» رواه البخاري ومسلم.
7- وعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» رواه مسلم.
8- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَتَحَوَّلْ وَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا ) صحيح سنن ابن ماجه.
📌 *آداب وضوابط في التعامل مع الرؤى:*
من خلال الأحاديث السابقة
ما سبق كان بالنسبة لنصوص الأحاديث التي ذكرت آداب وضوابط من رأى رؤيا، والآن أسوق الآداب تلك ملخّصة من الأحاديث السابقة وهي على ما يلي:
↩ *آداب رؤيا الحق:*
1-يحمد الله عليها.
2-يستـبشر بها.
3-يحدّث بها من يحبّ, ولا يفسّرها له هذا الحبيب إلا بشرط علمه, وإلا فيكتفي بالسماع.
4-يطلب تعبيرها من أهل الاختصاص لا من غيرهم.
↩ *آداب من رأى رؤيا يكرهها:*
أولاً: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا.
ثانياً: الاستعاذة بالله من شر تلك الرؤيا ثلاث مرات(أعوذ بالله من شرّ هذه الرؤيا).
ثالثاً:
النفث عن اليسار ثلاث مرات(والنفث: إخراج النفس بطرف اللسان مع الشفتين بدون ريق أو بقليل منه).
رابعاً: التحوّل من الجنب الذي كان عليه إلى جنب آخر.
خامساً: إذا تكرر هذا الحلُم أو الرؤيا المزعجة، فلــيقم وليتوضأ ولــيصلّ لله ركعتين.
سادساً: أن لا يحدّث أحدا بهذا الحلم, أو ينـشغل به، أو يشغل الرائي به نفسه، أو يفكّر فيه.
سابعاً: زاد الحافظ ابن حجر أدباً سابعاً قال: (ورأيت في بعض الشروح ذكر قراءة آية الكرسي).
ومن عمل بــتلك الضوابط والآداب أو بعضها فإنها لن تضرّه تلك الرؤيا مهما بلغت عظمتها في نفسه كما ضمن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت من أحاديث سابقة.
يقول النووي رحمه الله: (وينبغي أن يجمع الرائي بين هذه الآداب كلها ويعمل بجميع ما تضمنته الروايات، فإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله، كما صرحت بذلك الأحاديث).
🔔 *تــنـبـيه* 🔔
-القسم الثاني من رؤيا الحق قد تكون في البداية مقلقة مخوّفة محزنة لكنها نذير وتنبيه من الله لذلك الرائي, ولعل ذلك دليل حب الله له, مثال ذلك ما ثبت في المتفق عليه عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : (كَانَ الرَّجُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا أَعْزَبَ ، فَكَنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ - قَالَ - فَرَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : انْطَلِقْ بِهِ إِلَى النَّارِ قَالَ : فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ قَالَ : فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي : لَمْ تُرَعْ قَالَ : فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفْنَا عَلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِي مَطْوِيَّةٌ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَي الْبِئْرِ قَالَ وَرَأَيْتُ فِيهَا رِجَالاً أَعْرِفُهُمْ قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهَا ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ ». قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً, رَوَاهُ الْبُخَارِي ومسلم.
فمع أن هذه الرؤيا ظاهرها مفزعاً لابن عمر رضي الله عنهما، إلا أنها كانت محفزّة له لفعل الخير؛ فقد دلّه النبي صلى الله عليه وسلم على ما ينجيه من تلك النار التي رآها في منامه.
📌 *الرؤيا فتوى فلا يحل لمسلم أن يقول فيها ما لا يعلم* 🔔
لقد نصّ الله في كتابه الكريم أن تعبير الرؤى فتوى كما قال: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ) يوسف64, وقوله: (قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ), وبأنها فتح وإلهام رباني: (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) يوسف21.
-وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سُئل: أيعبّر الرؤى كل أحد؟ فقال مالك : أبالنبوة يلعب؟! (يريد أن يوسف النبي كان تعبيره منحة ربانية, وخصيصة اختصها الله بها, وكذا لأنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة), وقال أيضاً : لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت، قيل: فهل يعبّرها على الخير، وهي عنده على المكروه؛ لأنها على ما أوّلت عليه؟ فقال: لا فالرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة.
وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسّان أنه قال: كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم, وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب, هذا ابن سيرين الذي قيل عنه يوسف هذه الأمة, وقال عنه الذهبي: له تأييد إلهي في تعبير الرؤى, ويُلقّب بالشهاب العابر, ومع هذا يحذر كل الحذر من أن يقول ما لا يعلم.
بل قل لا تكن حاشية عزيز مصر أورع في باب التعبير من بعض الناس في زماننا الذين لا يتحاشون أبدا من أن يقولوا ما لا يعلمون ويفتون فيما لا يحسنون: (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ)يوسف44, هذا قولهم وهم على الإسلام!.
وإذا كان أحيانا المعبّر نفسه والعالم بالرؤى قد يخطئ في تعبيره, فكيف بالجاهل! وخير مثال على ذلك الصديق رضي الله عنه وذلك حين عبّر رؤيا بين يدَي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له (أَصَبْتَ بَعْضًا وأَخطَأْتَ بَعْضًا) والقصة بنصها في المتفق عليه: عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلاً أَتى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبى أَنْتَ، وَاللهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اعْبُرْ قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآن، حَلاَوَتُهُ تَنْطِفُ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ؛ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّل لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَاْتُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَصَبْتَ بَعْضًا وأَخطَأْتَ بَعْضًا قَالَ: فَوَاللهِ لَتُحَدِّثنِي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ قَالَ: لاَ تُقْسِمْ) بالرغم أن الصديق إمام عالم في هذا الشأن, وكان يُفزع إليه في مثل هذا, وخير مثال على حسن تعبيره وفطنته, تعبيره لرؤيا عائشة قالت: (رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقصصت رؤياي على أبي بكر، فسكت، فلما توفي رسول الله، ودُفن في بيتي، قال لي أبو بكر: هذا أحد أقمارك، وهو خيرها), روى ذلك الإمام مالك في الموطّأ, سقت ذلك لأبيّن خطورة التقوّل والمجازفة في تعبير الرؤى, وسواء من قِبل الرائي من كتب لديه ففي الصباح تراه هائما حتى يقرأ تلك الكتبّ! أو يذهب لبعض الجهلة ليعبّرها له.
📌 *وسائل التواصل والرؤى* 📱
ومع توفّر وسائل التواصل لنا, وسهولتها علينا لزم التنبيه بأنه: قد ادعى كثير من الدجّالين عبرها بأنهم يحسنون الفتوى أو الطب أو تعبير الرؤى... وكل ذلك كذب محض لا يشك فيه عاقل، وإنما يجعلون دعاويهم تلك وسائل لصيد السذّج من الناس خاصة النساء، ثم يأخذونهم لما يأخذونهم من سحر، أو نصب أموال... وفي مجالنا هذا- تعبير الأحلام- إذا كان ديننا قد نهانا أن نشغل أنفسنا بتلك الرؤى، ونهانا أن نقــصها إلا على حبيب أو خبير فكيف تقصّ على أولئك!.
📌 *ما لابد منه*
ومن أعظم وأهم ما يجب التنبيه عليه هنا: أنه ليس كل فقيه أو عالم أو مفتي أو داعية أو إمام مسجد أو كل صالح يستطيع أن يعبّر الرؤيا؛ فتعبير الرؤيا منحة ربانية كما قال الله: (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)[يوسف:21].
📌 *الاعتماد على كتب التعبير* 📚📚
- ومما يجدر التنبيه عليه بأنه لا يكفي الاعتماد على الكتب التي تتحدّث عن تعبير الأحلام والرؤى؛ ففي أحيان كثيرة يكون تعبير الرؤيا من نفس ألفاظها, أو من مجريات أحداث سابقة للرائي, أو أحواله وبعض شأنه, ومن ذلك ما جاء في المتفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ» ففسّر النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا من ضمن ألفاظها الواردة في الرؤيا نفسها, وما أدرى الكتاب بهذه الألفاظ والأحوال! وكذا الجاهل الذي يسارع في التقوّل قبل أن يتم الرائي حديثه!.
📌 *الرؤى واختلافها* 💡
- ثم كذلك قد تذكر الكتب الخاصة بتعبير الرؤى التي في أيدي الناس بأن من رأى كذا فهو كذا وأضرب لذلك مثلا: ما يشاع أن من رأى في منامه بأنه مات فذاك دليل عمره الطويل, ومن رأى أنه عريس فذاك دليل قرب موته, وهكذا من رأى أسنانه سقطت دليل موت أهله ونفسه... لكن الحقيقة أن ذلك ليس في كل حال, ولكل رأىٍ؛ فالرؤيا وتعبيرها يختلفان باختلاف الحال والزمان والمكان والدين والعرف...لخ ولذا قال الإمام في هذا الشأن عبدالغني النابلسي في كتاب له عن الأحلام وتعبيرها إن :( تعبير الرؤيا تختلف من شخص إلى شخص, ومن بيئة إلى بيئة, ومن دين إلي دين, ومن فصل زمني إلى فصل آخر, فالسفرجل عند الفرس عز وجمال، وعند العرب سفر وجلاء، وأكل الميتة نكد عند من يحرمونها، ورزق عند من يستحلونها، والتدفئة بالنار والشمس خير في الشتاء، وشر في الصيف، والثلج والجليد غلاء وقحط في البلاد الحارة، وخصب وسعة في البلاد الباردة......لخ), وهكذا كثير مما يعلمه أهل هذا الفن, وعل العموم فليس هناك قواعد محدّدة تحتكم إليها الرؤيا وخير مثال لذلك هذه القصة: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ فقَالَ لَهُ: أَنَا رَأَيْت نَفْسِي أُؤَذِّنُ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ سِيرِينَ: تَسْرِقُ وَتُقْطَعُ يَدُك، وَسَأَلَهُ آخَرُ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ فَقَالَ: لَهُ تَحُجُّ، فَوَجَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا فُسِّرَ لَهُ بِهِ فِي الواقِعِ, فَقِيلَ لَابنْ سيْرين فِي ذَلِكَ فَقَالَ: رَأَيْتُ هَذَا بِسِمَةٍ حَسَنَةٍ وَالْآخَرُ بِسِمَةٍ قَبِيحَة.
خطر وإثم من عبّر رؤيا لا يحسنها
قد ثبت في أحاديث صحيحة -سبق بعض منها- أن الرؤيا إذا عبّرها المعبّر -عالم بها أو جاهل- فإنها تقع حسب ما عبّرها, وبالتالي لو عبّرها الغير عالم بالتعبير للرائي على شر فسيقع عليه ذلك الشر, وهكذا لو عبّرها على خير فسيقع الخير, وبالتالي يتحمّل المعبّر ظلم ما لو وقعت على ما عبّرها عليه في الشر, وفي الحديث الصحيح: (الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ) رواه أبو داود وغيره وصحّحه الألباني.
ومن عجيب ذلك ما حدّثت به عَائِشَةَ رضي الله عنها عن نفسها فقَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهَا زَوْجٌ تَاجِرٌ يَخْتَلِفُ، فَكَانَتْ تَرَى رُؤْيَا كُلَّمَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَلَّمَا يَغِيبُ إِلَّا تَرَكَهَا حَامِلًا، فَتَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: إِنَّ زَوْجِي خَرَجَ تَاجِرًا، فَتَرَكَنِي حَامِلًا، فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ سَارِيَةَ بَيْتِي انْكَسَرَتْ، وَأَنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا أَعْوَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرٌ، يَرْجِعُ زَوْجُكِ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَالِحًا، وَتَلِدِينَ غُلَامًا بَرًّا» فَكَانَتْ تَرَاهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ، تَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: ذَلِكَ لَهَا، فَيَرْجِعُ زَوْجُهَا، وَتَلِدُ غُلَامًا، فَجَاءَتْ يَوْمًا كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، وَقَدْ رَأَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا، فَقُلْتُ لَهَا: عَمَّ تَسْأَلِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَمَةَ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: رُؤْيَا كُنْتُ أُرَاهَا، فَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا؟ فَيَقُولُ: خَيْرًا، فَيَكُونُ كَمَا قَالَ: فَقُلْتُ: فَأَخْبِرِينِي مَا هِيَ؟ قَالَتْ: حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرِضَهَا عَلَيْهِ، كَمَا كُنْتُ أَعْرِضُ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهَا حَتَّى أَخْبَرَتْنِي، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَيَمُوتَنَّ زَوْجُكِ، وَتَلِدِينَ غُلَامًا فَاجِرًا(يعني عائشة عبرتها لها)، فَقَعَدَتْ تَبْكِي، وَقَالَتْ: مَا لِي حِينَ عَرَضْتُ عَلَيْكِ رُؤْيَايَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: مَا لَهَا يَا عَائِشَةُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَمَا تَأَوَّلْتُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ(كلمة زجر وإنكار) يَا عَائِشَةُ «إِذَا عَبَرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى الْخَيْرِ، فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا، فَمَاتَ، وَاللَّهِ زَوْجُهَا، وَلَا أُرَاهَا إِلَّا وَلَدَتْ غُلَامًا فَاجِرًا» والقصة رواها الدارمي وحسّن إسنادها ابن حجر.
فزجْر النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة دليل خطر ما فعلت, والأعظم من ذلك أن المرأة وقع عليها ما عبّرته لها عائشة, ولم يعبّرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن تعبير الرؤيا تقع على تعبير الأول كما سبق في الحديث, ومع أن المعبّر الجاهل هذا يتحمّل إثما لكن أيضا واجب المسلم أن لا يخبر برؤياه إلا من يحبّ إن كانت خيرا, ولا يعبّرها له إلا عالم, وليلتزم بالنصوص الواردة السابقة في ذلك؛ حتى لا يقع في الحرج, وفي المتفق عليه: ((إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ)), وفي حديث آخر صحيح: «وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي وصحّحه الألباني.
📌 *خطورة الكذب في الرؤيا* 🔔
قد يسوّل الشيطان لبعض الناس أن يقولوا على سبيل الجد أو المزاح: رأيت في منامي كذا وكذا, أو يسمع أحد الناس يحدث رؤيا رأها حقا فيكذب السامع ويقول عن نفسه إنه رأى هو كذلك! ولقد ورد في الأحاديث الصحيحة الوعيد الشديد لمن يكذب أنه رأى رؤيا هو لم يرَ شيئا, فعن ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ »أخرجه البخاري, وذلك من المستحيلات والتكليف به دليل خطورة ما ارتكب من خطإ, وفي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مِنْ أفْرَى الْفِرَى أنْ يُرِيَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ ما لم تَرَيَا». أخرجه البخاري, يعني من أشد الكذب أن يقول الرجل كاذبا رأيت في منامي كذا وكذا وهو لم يرَ شيئا.
حتى أن بعض أهل التفسير-والله أعلم بصحتها- ذكر بأن صاحب يوسف الآخر كان كاذباً في رؤياه، فلما قال له يوسف: تصلب فتأكل الطير من رأسك، قال: إني كنت كاذباً، فقال يوسف: قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان والآية: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف 36].
📌 *مسائل مهمة* 💡
هناك مسائل في الحقيقة لابد من ذكرها, والاعتناء بها, وتخصيص فقرات بارزة في هذا المنشور لها؛ لأهميتها القصوى:
↩ *رؤية الله*
كم يدندن بعض الجهّال بقولهم الآثم برؤية الله -تعالى الله- ورؤياه مستحيلة ما الدام العبد في الدنيا كيف وقد قال الله لكليمه موسى: ( ...لَنْ تَرَانِي ... ) الأعراف143, وفي الحديث الصحيح عند مسلم وغيره قال صلى الله عليه وسلم:( لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ ) والحديث لا نزاع في صحته فهو عند مسلم وغيره, بل من قال بجواز وقوعها في الدنيا مناما أو يقظة فقد أفحش وخالف نص قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )الشورى (11) فالقول بجواز رؤيته تعالى في المنام يلزم منه التشبيه -نعوذ بالله- فالواجب قطع هذا الباب بالقول بالامتناع كليا, وما يشاع بأن الإمام أحمد أو غيره رأى الله فهو محض افتراء لم يثب ذلك أبدا.
وفي البخاري ومسلم: عن مسروق قال: دخلتُ على عائشة - رضي الله عنها - فقلتُ: هل رأَى محمدٌ ربَّهُ ؟! فقالت: لقد تكلَّمْتَ بشيءٍ قَفَّ له شَعري، قُلتُ: رويد، ثم قرأتُ{ لقد رأَى من آياتِ رَبِّه الكُبْرَى} فقالت: أيْن يُذْهَبُ بِكَ ؟ إنما هو جبريل، ثم قرأتْ: {لا تُدْرِكُهُ الأبصارُ وهو يُدْرِكُ الأبصارَ وهو اللطيُف الخبير} [ الأنعام : 103] : {وما كان لِبَشر أن يُكَلِّمَهُ الله إلا وحيا أو مِنْ وراء حجاب أو يرسلَ رسولا} [الشورى : 51], وقَالَتْ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ على الله الْفِرْيَةَ, وَلَكِنْ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقُهُ سَادٌّ مَا بَيْنَ الأُفُقِ» رواه البخاري ومسلم.
وفي لفظ لمسلم: عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَا أَبَا عَائِشَةَ: ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ قُلْتُ مَا هُنَّ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ قَالَ وَقد كُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي أَلَمْ يَقُلْ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} فَقَالَتْ عائشة أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ:(( إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ - عليه السلام - لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ)) فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} إلى قوله {عَلِيٌّ حَكِيمٌ}...الحديث.
وحديثنا عن رؤية الله في المنام لكن ما أريد أن أصل إليه: أنه إذا كانت عائشة أنكرت على من ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله ليلة الإسراء والمعراج؛ تفسيرا خاطئا لآية قرآنية, وهو النبي صلى الله عليه وسلم, وقد صعد للسماء, واعتمدوا على آية, فكيف نقول لمن يزعم -كاذباً آفكاً متجرئاً مشبّهاً- بأنه رأى الله في منامه!!! أعوذ بالله من الجهل على الله, وبأي صورة سيراه, وبأي لسان سيحدثه حاشا الله من جهل الجاهلين, وافتراء المفترين, اللهم غفرا.
↩ *رؤية رسول الله*
أما رؤيا حبيبنا صلى الله عليه وسلم: فقد جاء في غير ما حديث صحيح أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه على حقيقته فقد راءه حقا؛ لامتناع الشيطان أن يتمثّل به صلى الله عليه وسلم, ومن تلك الأحاديث حديث : أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ – أو كأنما رآني في اليقظة-، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) أخرجه البخاري ومسلم, وحديث : أَبْي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الحَقَّ» أخرجه البخاري ومسلم, وفي رواية: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي).
لكن يشترط أن يكون المرئي هو النبي صلى الله عليه وسلم بكامل صفاته الخلْقية والخُلُقية الثابتة في وصفه صلى الله عليه وسلم كما في السنة الصحيحة, وإلا فليس بالنبي صلى الله عليه وسلم, فمثلا: من رأى رجلا طويلا سمينا ضاحكا فاغرا فاه ويهذي في كلامه..., أو يأمره بمنكر, أو ينهاه عن معروف, فهذا ليس النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا وحاشاه, ولا يصح أن يقول رأيت النبي عليه الصلاة والسلام.
↩ *رؤية الميّت*
قد اشتهر عند الناس أن رؤية الموتى حق والقاعدة لديهم( رؤية أهل دار الحق حق), وقد قيل أنها عن ابن سيرين, لكن الحقيقة بأنه لم يثبت في ذلك أي نص شرعي, ومثل هذه الأمور لا بد لها من نصوص؛ كونها من علم الغيب.
وقد قال شيخنا العمراني فيما أذكر: من رأى ميتا يأمره بقضاء دينه أو بالتصدّق عنه أو شيء من ذلك فلا يلزم الرائي أن يفعل ما أمره به الميت, لكن لا حرج لو فعل أهله ما قال للرائي لكن ليس على سبيل الوجوب وإنما التبرّع, لا سيما إذا تأكدوا في المنام على أن عليه دين لفلان, لكن لو كذب الدائن فقال: نعم عليه دين! فلا يلزمهم قضاء ذلك الدين؛ لأنه من باب الظن والتبرّع لا غير, وبعض التفصيل عن هذا يأتي فيما يلي:
📌 *الرؤى لا ينبني عليها أي حكم شرعي* 💡
قد أجمع الفقهاء بأن الرؤى من الناس -غير الأنبياء- كلها وبدون استـثـناء لا ينبني عليها أي حكم شرعي مهما كانت عظمة الرائي والمرئي, فمثلاً: من رأى أنه حلف على أن لا يقرب شيئا في منامه, فله فعل ما حلف عليه, ولا تلزمه أي كفارة, وهكذا من طلق زوجته أو نذر نذرا.....لخ؛ فالنائم مرفوع عنه القلم أصلاً حتى يصحى من نومه كما في الحديث الصحيح: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا, عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(رُفِعَ اَلْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ اَلنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ اَلصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ, وَعَنِ اَلْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ, أَوْ يَفِيقَ).
أما الأنبياء فلو رأوا هم شيئا فذاك وحي الله لهم؛ لأن: " رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ " كما جاء في المتفق عليه, ولهذا إبراهيم رأى رؤيا بأنه يذبح ولده إسماعيل فنفذّها حقيقة, كما قص الله لنا ذاك في كتابه الكريم:((قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)) الصافات 102, لكن الأنبياء لا غير, ونحن لا نتحدث عنهم عليهم الصلاة والسلام؛ لأن النبوات قد انقطعت بعد نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام.
📌 *صادق الرؤيا*
قد ذكر العلماء أن مما يعين على صدق الرؤيا أمور منها: تحري الصدق ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً }، وأكل الحلال، وطاعة الله ورسوله، والنوم على طهارة، وكثرة الذكر.
🌹 *وفي الأخير:*🌷
لا نشغل أنفسنا وأوقاتنا بالرؤى وأمرها، فإن كان خيرا تحدثنا بها لحبيب أو خبير، وإن كانت غير ذلك سكتنا عنها تماما ولن تضرنا إن شاء الله.
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
🌙شهر رجب في ميزان الفقه الإسلامي 🌙 🌙📚 #شهر_رجب_في_ميزان_الفقه_الإسلامي ...
🌙شهر رجب في ميزان الفقه الإسلامي 🌙
🌙📚 #شهر_رجب_في_ميزان_الفقه_الإسلامي 🌙📚
#خلاصات_فقهية
🖋 *-من منشورات قناة الفتاوى الشرعية للشيخ/ عبدالله رفيق السوطي للاشتراك* ⤵
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik ️
-------------
📍 -الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد عشت ردحاً من الزمن في موطن رأيت فيه- ولسنوات- أن أغلب كبار السن من الذكور والإناث يصومون شهر رجب كما يصوم عامة المسلمين رمضان لا يخرمون منه يوماً! -وهم على ذلك حتى اللحظة- فكنت كثيراً ما أُسائل نفسي: لماذا هذا الصيام! ولماذا لا يصوم كل المسلمين! ولماذا كبار السنّ فقط! وهل رجب فُرض صيامه على كبار السنّ حصراً دون غيرهم ! وأين الوعّاظ والعلماء ما يحدّثونا عن فضائله بما صحّ من قول أو فعل أو تـقرير للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لماذا لا نرى نصّاً عن صيام شهر رجب في القرآن الكريم مادام هؤلاء يصومنه ويجهدون أنفسهم لذلك وفي كل عام.
🔍-كل هذه الأسئلة وغيرها ساقتني للبحث والقراءة في الموضوع بعمق منذ سنين طويلة، فوجدت أن ربنا المشرّع -سبحانه- أمر عباده باتباع شرعه وعدم تجاوزه بأي عبادة مهما كانت نوايا العُبّاد حسنة، وأن التشريع خاص به، ومن شرّع لنفسه فقد عبد مع الله غيره، ولو كان باسم العبادة نفسها، وتلك العبادة لله تعالى، كيف وقد قال: ﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ شَرَعوا لَهُم مِنَ الدّينِ ما لَم يَأذَن بِهِ اللَّهُ وَلَولا كَلِمَةُ الفَصلِ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [الشورى: ٢١]، ووجدت حديثا في المتفق عليه اتخذته طريقي ومنهج حياتي -وهو كذلك لكل مسلم- فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )، وَفِي لَفْظٍ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )، فَهُوَ رَدٌّ : أَي مردودٌ، بمعنى: من ابتدع واخترع واستحسن عبادة ليست بمنصوص عليها في كتاب الله ولا سنة رسول الله فعبادته تلك مردودة عليه؛ لأنه مأمور بالاتباع لا بالابتداع، والمشاغبة في دين الله تمثّل خطرا عظيما على صاحبها أعظم من رد عبادته عليه، (واتـبعوا ولا تبـتدعوا فقد كُفيتم) كما قال ابن مسعود، فما من خير إلا ودلنا عليه ديننا، وما من شر إلا وحذّرنا منه، أفسيأتي فلان وفلان فيكونوا أحرص من المشرّع الأول صلى الله عليه وسلم وهو القائل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ»رواه مسلم، ولم توصله تقواه وخشيته -وكل من اتبعه- إلا للالتزام بأمر الله ونهيه: ﴿فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ﴾[يونس: ٣٢]، ﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ﴾[يوسف: ١٠٨]، فالعبادات لابد لها من دليل شرعي صحيح لا مطعن فيه؛ لنــتعبد الله بها، والعبادة الصادرة عن جهل كثيرا ما تصل للبوار، وكل عبادة شرّعها البشر من تلقاء أنفسهم فهي مرودة عليهم، وفوق ذلك يتحمّلون وزرها ووزر من اتبعهم فعملها، والعبادة لابد لقبولها من شرطين : الإخلاص لله، ومتابعة شرعه فيها، ورحم الله الإمام الثوري حين قال: "كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة".
🔖 *وبعد:* 🔖
فـإن من أكثر شهور السنة الهجرية ظهورا للبدع والخرافات والحماقات والجهالات هو شهر رجب، كما يقال شهر العجب؛ فيحدث الجهلة من الناس ويستحسنون فيه شرائع ما أنزل الله بها من سلطان، يقف المرء مستغربا لحال أصحاب تلك الطقوس التي ما عرفها نبينا صلى الله عليه وسلم ومن سار على سنـته، ومن تلك المبتدعات:
🔴 *1-صيام شهر رجب:*🔴
-الصيام في أصله عبادة طيبة عظيمة، وباب من أبواب الجنة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ»، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ» رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم وصحّحه الألباني، وغير هذا كثير من الأحاديث المرغّبة في صوم النافلة، وقد جاء في حديث ضعيف عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا : أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ انْطَلَقَ فَعَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ سَنَةٍ, وَفِى رِوَايَةِ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ, فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ :« وَمَنْ أَنْتَ؟ », قَالَ : أَنَا الْبَاهِلِيّ الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ أَوَّلٍ قَالَ :« فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ », قَالَ : مَا أَكَلْتُ طَعَامًا مُنْذُ فَارَقْتُكَ إِلاَّ بِلَيْلٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« وَلِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا ». قَالَ : زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ :« صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمَيْنِ ». قَالَ : زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ :« صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ». زَادَ الراوي عَبْدُ الْوَاحِدِ :« مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ». قَالَ : زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ :« صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ». يَقُولُهَا ثَلاَثًا. وَفِى رِوَايَةِ مُوسَى قَالَ : زِدْنِي قَالَ :« صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ. صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ. صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاَثِ فَضَمَّهَا ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا)) والحديث قد ضعّفه جمهور المحدثين، لكن لو افترضنا صحته فإنه يحث على الصيام من الأشهر الحرم كلها التي هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، فهذه هي الأربعة الأشهر الحرم ورجب منها بلا شك، وهي المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة36، أما تخصيص شهر رحب وحده بالصيام -وكلّه لا بعضه وحسب-، واعتقاد سنية ذلك الصيام وفضله، وتشبيهه برمضان، فهذا الذي ننكره وبشدة ونحذّر منه في مثل هذا المنشور وغيره، وقولي هذا ليس بدعاُ من القول بل قد سبق لإنكار ذلك جماهير العلماء، وأكتفي بالنقل عن بعض المحققين من أهل العلم المشهورين: فقد قال إمام الحديث والمحقق الكبير والحافظ الحجة ابن حجر العسقلاني في كتاب ألّفه عن بدع وعجائب ما يحدث العوام في هذا الشهر من عبادات فأسمى كتابه المطبوع حاليا: تبـيــين العجب فيما ورد في فضل رجب قال في أوائل صفحاته: «لم يردْ في فضلِ شهرِ رجبٍ، ولا فِي صيامِه، ولا صيامِ شيءٍ منه معيَّنٍ، ولا في قيامِ ليلةٍ مخصوصةٍ فيهِ حديثٌ صحيحٌ يصلحُ للحجَّةِ، وقد سبقني إلى الجزمِ بذلك الإمامِ أبو إسماعيل الهرويُّ الحافظُ، رويناهُ عنه بإسنادٍ صحيحٍ، وكذلك رويناهُ عن غيرِه», وقال أيضاً:(( "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة: فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة، ونحن نسوق الضعيفة، ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة"))ا. هـ, ثم شرع في سوقها وبيان ضعفها أو وضعها، والكشف عن رجال إسنادها من الضعفاء والوضّاعين.
وقال الحافظِ ابنِ رجبٍ رحمه الله في كتاب له بعنوان: لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف قال: «وَأَمّا الصِّيَامُ: فلمْ يَصِحَّ في فضلِ صومِ رجبٍ بخصوصِه شيءٌ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابِه». وبمثل قولِ الحافظِ ابنِ حجرٍ وابن رجبٍ رحمهما الله قال كثيرٌ من العلماءِ المحقِّقين كابن تيمية قال: ("وأما صوم رجب بخصوصه: فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات")، وقال تلميذه ابنُ القيِّم رحمه الله في كتابه (المنار المنيف): «وكلُّ حديثٍ في ذكرِ صومِ رجبٍ وصلاةِ بعضِ اللَّيالِي فيهِ؛ فهُو كذبٌ مُفترى».
ومن أقوال العلماء أخيرا أنقل قول الإمام العلاّمةُ المحقّق المحدّث الحجة الشوكانيّ رحمه الله في كتابه( السيل الجرار) وقد شمل كلامه كلما نريد قال: «لم يردْ في رجبٍ على الخصوصٍ سنّةٌ صحيحةٌ، ولا حسنةٌ، ولا ضعيفةٌ ضعفاً خفيفاً؛ بل جميعُ ما رُوي فيه على الخصوصِ؛ إمّا موضوعٌ مكذوبٌ، أو ضعيفٌ شديدُ الضَّعفِ».
وفي ختام هذا المبحث أسوق حديثا في المتفق عليه عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ ") ولو صدقوا في عبادتهم لعملوا وفق سنة نبيّهم صلى الله عليه وسلّم.
🕌 *2-صلاة الرغائب:*🕌
-لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوّره فلو تحدّثنا في البداية عن صفتها سائقا الحديث الموضوع الذي ذكرها، ثم أنقل كلام بعض العلماء المحقّقين في حديثها وبدعيتها، فعن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:( "ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و((إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ)) ثلاث مرات، و((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) اثنتي عشرة مرة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت العزيز الأعظم ، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله حاجته ، فإنها تقضى" ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده ، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال ، وورق الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمئة من أهل بيته ممن قد استوجب النار").
هذا الحديث وغيره من أحاديث إثبات صلاة الرغائب ذكرها وبيّن كذب ووضع وبطلان تلك الأحاديث ابن حجر في كتابه السابق (تبـيــين العجب فيما ورد في فضل رجب) وكان مما قاله بنصه: (وهذا حديث موضوع ظاهر الوضع، قبّح الله من وضعه فوالله لقد وقف شعري من قراءته في حال كتابته، فقبّح الله من وضعه، ما أجرأه على الله وعلى رسوله، والمتهم به عندي: داود بن الحبر، أو العلاء بن خالد، كلاهما قد كذب، ومكحول لم يدرك أبا الدرداء، ولا والله ما حدث به مكحول قط، وقد رواه عبد العزيز بن أحمد الكسائي، بطول في كتاب " فضائل شهر رجب " من طريق الحارث بن أسامة: عن داود بن المحبر)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث صلاة الرغائب: (إنه موضوع مكذوب باتفاق أهل المعرفة بالحديث)، وقال مرّة في الفتاوى: ( والأثر الذي ذُكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً)، ونقل الاتفاق أيضاً ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين قال: (وهي بدعة-أي صلاة الرغائب-، والحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين)، وقال ابن القيم: (وكذلك أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب كلها كذب مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري وأبو بكر بن السمعاني وأبو الفضل بن ناصر وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم، وإنما لم يذكرها المتقدمون؛ لأنها أُحدثت بعدهم، وأوّل ما ظهرت بعد الأربعمائة، فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها].
وقد أوضح الطرطوشي بداية وضعها فقال: (وأخبرني أبو محمد المقدسي، قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس، يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، وما كنا رأيناها ولا سمعنا بها قبل ذلك).
وأخيراً أذكر كلام الإمام النووي إذ قال عن صلاة الرغائب: (هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها).
🌌 *3-الإسراء والمعراج:*🕋
-هذه الليلة ليلة عظيمة جد عظيمة، وحدث ضخم وفوق المتصّور، وبُوركت تلك الليلة لعظمة الحدث الذي وقع فيها، لكن شاءت إرادة الله أن لا يُنقل إلينا تاريخ وقوعها؛ ولهذا اختلف العلماء كثيرا متى كانت تلك الليلة، فلقد قال ابن تيمية: (لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به)، وقال ابن حجر ناقلا عن ابن دحية: "وذكر بعض القصّاص أن الإسراء كان في رجب، قال: وذلك عين الكذب"، وقال ابن رجب: "وروي بإسناد لا يصح، عن القاسم بن محمد، أن الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره".
وحتى لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج فإنه لا يشرع لأحد تخصيصها بشيء من عبادة؛ لأنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها، بل لم يهتموا بنقل ليلة وقوعها فضلاً عن الاهتمام بالتعبّد فيها، وقد نُقلت إلينا السيرة النبوية ولم ينقل تاريخ وقوعها، ثم لو كان لها مزية لذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وقوعها ضمن حديثه عن الأحداث التي وقعت له من فرض الصلاة وغيرها، لكن كل ذلك لم يحدث، وإذا كان كذلك فلا عبادة إلا وفق ما شرع الله ورسوله وإلا فهي مردودة على صاحبها، وهكذا نقول في إقامة الاحتفالات بذكراها، وما يتضمنه الاحتفال بها من بدع ومنكرات.
🐪 *4-عتيرة رجب:*🐑
-العتيرة هي ذبيحة كان يذبحها أهل الجاهلية في شهر رجب خاصة، وجعلوا ذلك سنة متبعة فيما بينهم كذبحنا أضحية في عيد الأضحى.
وقد اختلف أهل العلم في حكمها: فذهب الأكثرون إلى أن الإسلام أبطلها، واستدلوا بحديث في المتفق عليه عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ» وَالفَرَعُ: أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانُوا يَذْبَحُون َهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ وفي اليوم العاشر منه؛ تقربا وعبادة، وسُمّيت عتيرة؛ لأنها تُعتّر أي تذبح، وما ورد من حديث في إثباتها فليس في الصحيحين ومن صحّحه فقد ذهب جماهير العلماء إلى نسخه كما نقل النووي في "شرحه لمسلم" عن القاضي عياض قوله : " إن الأمر بالعتيرة منسوخ عند جماهير العلماء " وكذا قال ابن المنذر وعلّل النسخ؛ لتأخر إسلام أبي هريرة، وأن الجواز كان في صدر الإسلام ثم نُسخ، وقال الحسن البصري: "ليس في الإسلام عتيرة، إنما كانت العتيرة في الجاهلية، كان أحدهم يصوم ويعتر".
🕋 *5-العمرة في رجب:*🕋
-قد ورد حديث في المتفق عليه يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب لكن أنكره جمهور العلماء بل أنكرته عائشة في يوم تحديث ابن عمر به وسكت ابن عمر ونصّه:( سأل مجاهدُ وعروةُ ابنَ عمر كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرْبَعَ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهْ، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ قَالَتْ: مَا يَقُولُ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمُرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ) أي وهو حاضر معه، تريد عائشة المبالغة في نسبة النسيان إلى ابن عمر رضي الله عنهما وسبحان الذي لا ينسى، ومثلما قالت عائشة قال جمهور الفقهاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب قط، ففي حديث أنس في البخاري عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ قَالَ: (" اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ ")، ولا يعني هذا أن العمرة في رجب مكروهة، أو لا أجر فيها، أو بدعة أبدا وإنما القصد: أنه لا مزية للعمرة في رجب عن غيره من الأشهر إلا رمضان ففي البخاري وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: «مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟»، قَالَتْ: أَبُو فُلاَنٍ، تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا، قَالَ: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي» يعني في الأجر لا في إسقاط الفرض باتفاق الفقهاء.
💰 *6-الزكاة في رجب:*💰
وهكذا لا مزية لشهر رجب عن غيره بإخراج زكاة أو صدقة فيه، وأنقل كلام الإمام ابن العطّار قال: "وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له ، بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجباً أو غيره"، وقال الحافظ ابن رجب: «وَأَمَّا الزَّكَاةُ: فقدِ اعتادَ أهلُ هذِه البلادِ -يعني: بلادَ الشَّامِ- إخراجَ الزكاةِ في شهرِ رجبٍ، ولا أصلَ لذلك في السنّةِ، ولا عُرِف عن أحدٍ من السَّلفِ».
💫 *7-نسف ادعاء حوادث رجب العظيمة:*💫
قال ابن رجب: «وقد رُوي: أنّه كان في شهرِ رجبٍ حوادثُ عظيمةٌ و لم يصِحَّ شيءٌ من ذلك».
#خلاصات_فقهية
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
🌙📚 #شهر_رجب_في_ميزان_الفقه_الإسلامي 🌙📚
#خلاصات_فقهية
🖋 *-من منشورات قناة الفتاوى الشرعية للشيخ/ عبدالله رفيق السوطي للاشتراك* ⤵
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik ️
-------------
📍 -الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد عشت ردحاً من الزمن في موطن رأيت فيه- ولسنوات- أن أغلب كبار السن من الذكور والإناث يصومون شهر رجب كما يصوم عامة المسلمين رمضان لا يخرمون منه يوماً! -وهم على ذلك حتى اللحظة- فكنت كثيراً ما أُسائل نفسي: لماذا هذا الصيام! ولماذا لا يصوم كل المسلمين! ولماذا كبار السنّ فقط! وهل رجب فُرض صيامه على كبار السنّ حصراً دون غيرهم ! وأين الوعّاظ والعلماء ما يحدّثونا عن فضائله بما صحّ من قول أو فعل أو تـقرير للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لماذا لا نرى نصّاً عن صيام شهر رجب في القرآن الكريم مادام هؤلاء يصومنه ويجهدون أنفسهم لذلك وفي كل عام.
🔍-كل هذه الأسئلة وغيرها ساقتني للبحث والقراءة في الموضوع بعمق منذ سنين طويلة، فوجدت أن ربنا المشرّع -سبحانه- أمر عباده باتباع شرعه وعدم تجاوزه بأي عبادة مهما كانت نوايا العُبّاد حسنة، وأن التشريع خاص به، ومن شرّع لنفسه فقد عبد مع الله غيره، ولو كان باسم العبادة نفسها، وتلك العبادة لله تعالى، كيف وقد قال: ﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ شَرَعوا لَهُم مِنَ الدّينِ ما لَم يَأذَن بِهِ اللَّهُ وَلَولا كَلِمَةُ الفَصلِ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [الشورى: ٢١]، ووجدت حديثا في المتفق عليه اتخذته طريقي ومنهج حياتي -وهو كذلك لكل مسلم- فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )، وَفِي لَفْظٍ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )، فَهُوَ رَدٌّ : أَي مردودٌ، بمعنى: من ابتدع واخترع واستحسن عبادة ليست بمنصوص عليها في كتاب الله ولا سنة رسول الله فعبادته تلك مردودة عليه؛ لأنه مأمور بالاتباع لا بالابتداع، والمشاغبة في دين الله تمثّل خطرا عظيما على صاحبها أعظم من رد عبادته عليه، (واتـبعوا ولا تبـتدعوا فقد كُفيتم) كما قال ابن مسعود، فما من خير إلا ودلنا عليه ديننا، وما من شر إلا وحذّرنا منه، أفسيأتي فلان وفلان فيكونوا أحرص من المشرّع الأول صلى الله عليه وسلم وهو القائل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ»رواه مسلم، ولم توصله تقواه وخشيته -وكل من اتبعه- إلا للالتزام بأمر الله ونهيه: ﴿فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ﴾[يونس: ٣٢]، ﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ﴾[يوسف: ١٠٨]، فالعبادات لابد لها من دليل شرعي صحيح لا مطعن فيه؛ لنــتعبد الله بها، والعبادة الصادرة عن جهل كثيرا ما تصل للبوار، وكل عبادة شرّعها البشر من تلقاء أنفسهم فهي مرودة عليهم، وفوق ذلك يتحمّلون وزرها ووزر من اتبعهم فعملها، والعبادة لابد لقبولها من شرطين : الإخلاص لله، ومتابعة شرعه فيها، ورحم الله الإمام الثوري حين قال: "كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة".
🔖 *وبعد:* 🔖
فـإن من أكثر شهور السنة الهجرية ظهورا للبدع والخرافات والحماقات والجهالات هو شهر رجب، كما يقال شهر العجب؛ فيحدث الجهلة من الناس ويستحسنون فيه شرائع ما أنزل الله بها من سلطان، يقف المرء مستغربا لحال أصحاب تلك الطقوس التي ما عرفها نبينا صلى الله عليه وسلم ومن سار على سنـته، ومن تلك المبتدعات:
🔴 *1-صيام شهر رجب:*🔴
-الصيام في أصله عبادة طيبة عظيمة، وباب من أبواب الجنة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ»، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ» رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم وصحّحه الألباني، وغير هذا كثير من الأحاديث المرغّبة في صوم النافلة، وقد جاء في حديث ضعيف عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا : أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ انْطَلَقَ فَعَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ سَنَةٍ, وَفِى رِوَايَةِ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ, فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ :« وَمَنْ أَنْتَ؟ », قَالَ : أَنَا الْبَاهِلِيّ الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ أَوَّلٍ قَالَ :« فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ », قَالَ : مَا أَكَلْتُ طَعَامًا مُنْذُ فَارَقْتُكَ إِلاَّ بِلَيْلٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« وَلِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا ». قَالَ : زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ :« صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمَيْنِ ». قَالَ : زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ :« صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ». زَادَ الراوي عَبْدُ الْوَاحِدِ :« مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ». قَالَ : زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ :« صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ». يَقُولُهَا ثَلاَثًا. وَفِى رِوَايَةِ مُوسَى قَالَ : زِدْنِي قَالَ :« صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ. صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ. صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاَثِ فَضَمَّهَا ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا)) والحديث قد ضعّفه جمهور المحدثين، لكن لو افترضنا صحته فإنه يحث على الصيام من الأشهر الحرم كلها التي هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، فهذه هي الأربعة الأشهر الحرم ورجب منها بلا شك، وهي المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة36، أما تخصيص شهر رحب وحده بالصيام -وكلّه لا بعضه وحسب-، واعتقاد سنية ذلك الصيام وفضله، وتشبيهه برمضان، فهذا الذي ننكره وبشدة ونحذّر منه في مثل هذا المنشور وغيره، وقولي هذا ليس بدعاُ من القول بل قد سبق لإنكار ذلك جماهير العلماء، وأكتفي بالنقل عن بعض المحققين من أهل العلم المشهورين: فقد قال إمام الحديث والمحقق الكبير والحافظ الحجة ابن حجر العسقلاني في كتاب ألّفه عن بدع وعجائب ما يحدث العوام في هذا الشهر من عبادات فأسمى كتابه المطبوع حاليا: تبـيــين العجب فيما ورد في فضل رجب قال في أوائل صفحاته: «لم يردْ في فضلِ شهرِ رجبٍ، ولا فِي صيامِه، ولا صيامِ شيءٍ منه معيَّنٍ، ولا في قيامِ ليلةٍ مخصوصةٍ فيهِ حديثٌ صحيحٌ يصلحُ للحجَّةِ، وقد سبقني إلى الجزمِ بذلك الإمامِ أبو إسماعيل الهرويُّ الحافظُ، رويناهُ عنه بإسنادٍ صحيحٍ، وكذلك رويناهُ عن غيرِه», وقال أيضاً:(( "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة: فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة، ونحن نسوق الضعيفة، ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة"))ا. هـ, ثم شرع في سوقها وبيان ضعفها أو وضعها، والكشف عن رجال إسنادها من الضعفاء والوضّاعين.
وقال الحافظِ ابنِ رجبٍ رحمه الله في كتاب له بعنوان: لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف قال: «وَأَمّا الصِّيَامُ: فلمْ يَصِحَّ في فضلِ صومِ رجبٍ بخصوصِه شيءٌ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابِه». وبمثل قولِ الحافظِ ابنِ حجرٍ وابن رجبٍ رحمهما الله قال كثيرٌ من العلماءِ المحقِّقين كابن تيمية قال: ("وأما صوم رجب بخصوصه: فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات")، وقال تلميذه ابنُ القيِّم رحمه الله في كتابه (المنار المنيف): «وكلُّ حديثٍ في ذكرِ صومِ رجبٍ وصلاةِ بعضِ اللَّيالِي فيهِ؛ فهُو كذبٌ مُفترى».
ومن أقوال العلماء أخيرا أنقل قول الإمام العلاّمةُ المحقّق المحدّث الحجة الشوكانيّ رحمه الله في كتابه( السيل الجرار) وقد شمل كلامه كلما نريد قال: «لم يردْ في رجبٍ على الخصوصٍ سنّةٌ صحيحةٌ، ولا حسنةٌ، ولا ضعيفةٌ ضعفاً خفيفاً؛ بل جميعُ ما رُوي فيه على الخصوصِ؛ إمّا موضوعٌ مكذوبٌ، أو ضعيفٌ شديدُ الضَّعفِ».
وفي ختام هذا المبحث أسوق حديثا في المتفق عليه عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ ") ولو صدقوا في عبادتهم لعملوا وفق سنة نبيّهم صلى الله عليه وسلّم.
🕌 *2-صلاة الرغائب:*🕌
-لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوّره فلو تحدّثنا في البداية عن صفتها سائقا الحديث الموضوع الذي ذكرها، ثم أنقل كلام بعض العلماء المحقّقين في حديثها وبدعيتها، فعن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:( "ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و((إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ)) ثلاث مرات، و((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) اثنتي عشرة مرة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت العزيز الأعظم ، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله حاجته ، فإنها تقضى" ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده ، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال ، وورق الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمئة من أهل بيته ممن قد استوجب النار").
هذا الحديث وغيره من أحاديث إثبات صلاة الرغائب ذكرها وبيّن كذب ووضع وبطلان تلك الأحاديث ابن حجر في كتابه السابق (تبـيــين العجب فيما ورد في فضل رجب) وكان مما قاله بنصه: (وهذا حديث موضوع ظاهر الوضع، قبّح الله من وضعه فوالله لقد وقف شعري من قراءته في حال كتابته، فقبّح الله من وضعه، ما أجرأه على الله وعلى رسوله، والمتهم به عندي: داود بن الحبر، أو العلاء بن خالد، كلاهما قد كذب، ومكحول لم يدرك أبا الدرداء، ولا والله ما حدث به مكحول قط، وقد رواه عبد العزيز بن أحمد الكسائي، بطول في كتاب " فضائل شهر رجب " من طريق الحارث بن أسامة: عن داود بن المحبر)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث صلاة الرغائب: (إنه موضوع مكذوب باتفاق أهل المعرفة بالحديث)، وقال مرّة في الفتاوى: ( والأثر الذي ذُكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً)، ونقل الاتفاق أيضاً ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين قال: (وهي بدعة-أي صلاة الرغائب-، والحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين)، وقال ابن القيم: (وكذلك أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب كلها كذب مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري وأبو بكر بن السمعاني وأبو الفضل بن ناصر وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم، وإنما لم يذكرها المتقدمون؛ لأنها أُحدثت بعدهم، وأوّل ما ظهرت بعد الأربعمائة، فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها].
وقد أوضح الطرطوشي بداية وضعها فقال: (وأخبرني أبو محمد المقدسي، قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس، يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، وما كنا رأيناها ولا سمعنا بها قبل ذلك).
وأخيراً أذكر كلام الإمام النووي إذ قال عن صلاة الرغائب: (هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها).
🌌 *3-الإسراء والمعراج:*🕋
-هذه الليلة ليلة عظيمة جد عظيمة، وحدث ضخم وفوق المتصّور، وبُوركت تلك الليلة لعظمة الحدث الذي وقع فيها، لكن شاءت إرادة الله أن لا يُنقل إلينا تاريخ وقوعها؛ ولهذا اختلف العلماء كثيرا متى كانت تلك الليلة، فلقد قال ابن تيمية: (لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به)، وقال ابن حجر ناقلا عن ابن دحية: "وذكر بعض القصّاص أن الإسراء كان في رجب، قال: وذلك عين الكذب"، وقال ابن رجب: "وروي بإسناد لا يصح، عن القاسم بن محمد، أن الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره".
وحتى لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج فإنه لا يشرع لأحد تخصيصها بشيء من عبادة؛ لأنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها، بل لم يهتموا بنقل ليلة وقوعها فضلاً عن الاهتمام بالتعبّد فيها، وقد نُقلت إلينا السيرة النبوية ولم ينقل تاريخ وقوعها، ثم لو كان لها مزية لذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وقوعها ضمن حديثه عن الأحداث التي وقعت له من فرض الصلاة وغيرها، لكن كل ذلك لم يحدث، وإذا كان كذلك فلا عبادة إلا وفق ما شرع الله ورسوله وإلا فهي مردودة على صاحبها، وهكذا نقول في إقامة الاحتفالات بذكراها، وما يتضمنه الاحتفال بها من بدع ومنكرات.
🐪 *4-عتيرة رجب:*🐑
-العتيرة هي ذبيحة كان يذبحها أهل الجاهلية في شهر رجب خاصة، وجعلوا ذلك سنة متبعة فيما بينهم كذبحنا أضحية في عيد الأضحى.
وقد اختلف أهل العلم في حكمها: فذهب الأكثرون إلى أن الإسلام أبطلها، واستدلوا بحديث في المتفق عليه عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ» وَالفَرَعُ: أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانُوا يَذْبَحُون َهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ وفي اليوم العاشر منه؛ تقربا وعبادة، وسُمّيت عتيرة؛ لأنها تُعتّر أي تذبح، وما ورد من حديث في إثباتها فليس في الصحيحين ومن صحّحه فقد ذهب جماهير العلماء إلى نسخه كما نقل النووي في "شرحه لمسلم" عن القاضي عياض قوله : " إن الأمر بالعتيرة منسوخ عند جماهير العلماء " وكذا قال ابن المنذر وعلّل النسخ؛ لتأخر إسلام أبي هريرة، وأن الجواز كان في صدر الإسلام ثم نُسخ، وقال الحسن البصري: "ليس في الإسلام عتيرة، إنما كانت العتيرة في الجاهلية، كان أحدهم يصوم ويعتر".
🕋 *5-العمرة في رجب:*🕋
-قد ورد حديث في المتفق عليه يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب لكن أنكره جمهور العلماء بل أنكرته عائشة في يوم تحديث ابن عمر به وسكت ابن عمر ونصّه:( سأل مجاهدُ وعروةُ ابنَ عمر كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرْبَعَ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهْ، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ قَالَتْ: مَا يَقُولُ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمُرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ) أي وهو حاضر معه، تريد عائشة المبالغة في نسبة النسيان إلى ابن عمر رضي الله عنهما وسبحان الذي لا ينسى، ومثلما قالت عائشة قال جمهور الفقهاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب قط، ففي حديث أنس في البخاري عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ قَالَ: (" اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ ")، ولا يعني هذا أن العمرة في رجب مكروهة، أو لا أجر فيها، أو بدعة أبدا وإنما القصد: أنه لا مزية للعمرة في رجب عن غيره من الأشهر إلا رمضان ففي البخاري وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: «مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟»، قَالَتْ: أَبُو فُلاَنٍ، تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا، قَالَ: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي» يعني في الأجر لا في إسقاط الفرض باتفاق الفقهاء.
💰 *6-الزكاة في رجب:*💰
وهكذا لا مزية لشهر رجب عن غيره بإخراج زكاة أو صدقة فيه، وأنقل كلام الإمام ابن العطّار قال: "وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له ، بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجباً أو غيره"، وقال الحافظ ابن رجب: «وَأَمَّا الزَّكَاةُ: فقدِ اعتادَ أهلُ هذِه البلادِ -يعني: بلادَ الشَّامِ- إخراجَ الزكاةِ في شهرِ رجبٍ، ولا أصلَ لذلك في السنّةِ، ولا عُرِف عن أحدٍ من السَّلفِ».
💫 *7-نسف ادعاء حوادث رجب العظيمة:*💫
قال ابن رجب: «وقد رُوي: أنّه كان في شهرِ رجبٍ حوادثُ عظيمةٌ و لم يصِحَّ شيءٌ من ذلك».
#خلاصات_فقهية
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
📷 #التحرير_في_حكم_التصوير 🎥 📷 📷 📷 📷 📷 📷 #خلاصات_فقهية 🖊 من منشورات قناة فتاوى الشيخ/عبدالله رفيق ...
📷 #التحرير_في_حكم_التصوير 🎥
📷 📷 📷 📷 📷 📷
#خلاصات_فقهية
🖊 من منشورات قناة فتاوى الشيخ/عبدالله رفيق السوطي-تليجرام- للاشتراك⬇️
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
----------------------------------------
الحمد لله وحده وبعد:
📍-فإن مما تميزت به شريعتنا الغراء أنها صالحة لكل زمان ومكان، فليس هناك نازلة في عصر من العصور إلا ولشريعتنا الإسلامية فيها حكم، منذ عصر النبوة إلى هذه العصور المتأخرة، وإلى يوم القيامة.
🌹-وكنت كثيرًا ما أقرأ، أو أسمع عن علماء يفتون بحرمة التصوير! فكنت أتساءل: كيف يلعن ويذم وينهى… الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة من أعظم وسائل الدعوة إلى الله، وإيصال رسالة الإسلام إلى أنحاء المعمورة في لحظات بأقل جهد وتكلفة؟! بل لعلها أعظم وسيلة في العصر الحديث، وكيف يحجم عن هذه الوسيلة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؟ ويؤمن بمرونة هذا الدين؟ وصلاحيته لكل زمان ومكان؟ وأن مسائله تتجدد بتجدد العصور؟ وأن الفقهاء الواجب عليهم أن ييسّروا ولا يعسّروا؟!....
ولو افترضنا افتراضاً-وإلا سيأتي خلاف ذلك- حرمته فإنه مما تعم به البلوى وما كان كذلك فقد تجاوزت الشريعة عنه، ألا ترى معي مثلاً: أن الجمار لا تنقي المحل تماماً، ولا بد أن تبقى آثاراً للنجاسة لكن مع ذلك تجاوز الشرع عن هذه النجاسات؛ كونها مما تعم بها البلوى، وهكذا الفقه الإسلامي طافح بمثل هذه المسائل.
🔎-ولولا كثرة الأسئلة عن هذا الموضوع والذي لا أكاد يمضي عليّ يوم منذ أكثر من سنة إلا ويسألني سائل وقد يزيد، لولا ذلك لرأيت منشوري هذا من فضول العلم! إذ في اعتقادي أن الانشغال بهذا من فضول العلم.
❗-والغريب العجيب أننا رأينا كثيراً ممن يحرّمون التصوير -وهم يحرمون كل جديد كالشاي والتلفاز والبث المباشر...لخ- ثم يصبح ما قالوا بحرمته حلالاً، بل يصبحون-أو أكثرهم- من أكثر الناس تعرّضاً لما قالوا بحرمته من قبل، كالتصوير فنراهم صباح مساء على وسائل الإعلام بشتى أنواعها!
🗝 *تشخيص ومدخل*
🕹-القاعدة الأصولية تقول: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا أردنا أن نعرف حكم التصوير الفوتوغرافي فيلزم أن نعرف كيف يتم؟ وما هو هذا التصوير؟ وللإجابة يقول المختصون: الآلة التي تسمى (الكاميرا) هي التي تلتقط الصورة التي توجه إليها عن طريق نقل الأضواء والظلال الواقعة على الجسم وطبعها على ألواح بلاستيك شفافة (الشريط)، ثم يعاد طبع الصورة على ورق عن طريق تمرير ضوء من خلال هذا اللوح أو الشريط البلاستيكي.
📚-فيتبين لنا أن هذه الصورة ليس للمصوّر أي احتراف أو تفنّن، بل لم يضعها هو مطلقاً، وإنما سُمي بـ مصوّر مجازاً لا غير، وأما التسمية فلا تجعل الحرام حلالاً، ولا الحلال حراماً، فلو سُمي الخمر عصيراً، والعصير خمراً فالحكم لا يختلف مطلقاً ولو تغيرت الأسماء؛ فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء كما هي القاعدة الشرعية، وفرق شاسع بين حقيقة التصوير الفوتوغرافي، و التصوير المنهي عنه، فرغم اتفاقهما في التسمية إلا أنهما مختلفان في الحقيقة، ثم إن اسم التصوير الذي جاءت النصوص بالمنع منه إنما هو التصوير المعروف في زمن الوحي -المجسّم-( قيل:هذا النهي إنما هو لأجل البعد عن عبادة الأوثان التي كان الناس قريبي عهد بها) أما المعروف حالياً بالفوتوغراف فليس إلا حبس ظل لا غير؛ وإلا لقال قائل في قول الله في سورة يوسف:( *وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ* فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً...) بأنها سيارة من نوع تويوتا مثلاً (كما قاله فضيلة الشيخ الددو)، وعلى العموم فلا قدرة لمن سمي بالمصوّر، وإنما القدرة هنا قدرة الآلة المتمثلة في العدسات التي يمر خلالها الظلال والأضواء، فكانت الآلة هنا هي القائمة بالتصوير، ولا يمكن أن يقال بأن الذي اخترع هذه الصورة أو ابتدعها هو الإنسان المصوّر، ومن هنا وغيره جاء الجواز عند جمهور علماء العصر.
🔖-ثم التصوير الفوتوغرافي ليس تصويراً بالمعنى الذي جاءت نصوص الشرع بالوعيد وبالنهي عنه؛ فالتصوير بالآلة الفوتوغرافية ليس فيه تشكيل ولا تخطيط ولا تفصيل…وإنما هو نقل شكل شكّله الله، فهو أشبه بظهور الوجه في المرآة ونحوها، فهي تنقل خلق الله ولا تضاهيه مطلقاً، والمِرآة مستخدمة منذ زمن النبي عليه الصلاة والسلام حتى الآن ولم يقل أحد بحرمة النظر فيها، ومن المقرر في الأصول أنه إذا تردد فرع بين أصلين مختلفين فالحكم يلحق بأكثرهما شبهاً وهو ما يسمى بقياس الشبه، و الصورة الفوتوغرافية أكثر شبهاً بالصورة في المِرآة لما بينّا سابقاً ولما سيأتي فـُتلحق بها، والمطلوب أن نفهم روح النص لا حرفيته.
📹-والتصوير المنهي عنه هو إيجاد صورة لم تكن موجودة ولا مصنوعة من قبل، يُضاهى بها حيواناً خلقه الله تعالى، وليس هذا المعنى بموجود في أخذ الصورة بتلك الآلة، ونظير ذلك تصوير الصكوك والوثائق والورق وغيرها بالفوتوغراف، فإنك إذا صوّرت الصك فخرجت الصورة لم تكن الصورة كتابتك، بل كتابة من كتب الصك انطبعت على الورقة بواسطة آلة التصوير، وليس فيها أي مضاهة بل هي هي، ولن يقول: قد ضاهيت خطي، بل سيقول: هذا خطي، وأنت صوّرت منه صورة، ويجب أن نعلم أن علة مضاهاة خلق الله هي السبب الأعظم في قول من قال بحرمة التصوير، لكن تبين لنا الآن الأمر جلياً -بإذن الله- بأن التصوير الفوتوغراف ليس فيه شيء من ذلك، ثم لو نظرنا لمعنى المضاهاة لغة فنجدها تعني: مشاكلة الشيء بالشيء أو مشابهته، وليست الصورة الفوتوغرافية تشابه الأصل، بل هي نفس الأصل، فمن يصوّر نفسه صورة فوتوغرافية يقول هذه صورتي، و لا يقول هذه تشبهني، و المصوّر الفوتوغرافي ناقل لخلق الله لا مضاهٍ له.
📺-ثم إن النصوص المحرمة للتصوير فيها لفظ (صوَّر) و ( مصوِّر) بالتشديد، أي: جعل هذا الشيء على صورة معينة، فمادة (صوَّر) تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصورة، بمعنى آخر التصوير هو التشكيل واختيار ما سيكون عليه الشكل من هيئة و مضمون... والرسم والنحت يختلفان عن التصوير الفوتوغرافي ،فالرسام ( المصور أو الصانع ) هو من يختار اللون و الشكل والمضمون...ومعلوم أن نقل الصورة بالآلة لم يحصل فيه من المصوِّر أي عمل في هذه الصورة، فلم يحصل منه تخطيط فيها، ولا رسم، ولا زيادة، ولا نقص حتى يكون مضاهيًا خلق الله، وإنما هو سلّط الآلة على المصوَّر فانطبع بالصورة خلق الله على الصفة التي خلقها الله عليها، فهو إذن حبس وارتداد ظل ليس إلا، بل ذكر بعض المجيزين للتصوير ما يلي: (قياس الصورة الفوتوغرافية على الصورة المرسومة قياس فاسد؛ لأن علة النهي غير متحققة في الفـرع وهي مضاهاة خلق الله، والمتعارف عليه في الشرع واللغة أن التصوير الفوتغرافي ليس تصويراً حقيقيًا، ومنع من إلحاق الصورة الفوتوغرافية بالصورة المرسومة عدة موانع منها أنه جرى العرف في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بأن التصوير هو جعل الشيء على صورة؛ مضاهاة لخلق الله، وهذا خلاف التصوير الفوتغرافي الذي هو نقل صورة ما خلق الله، ولا شك أن الأعراف متغيرة بتغير الأزمان والأوطان، فما يكون عرفاً عند قوم قد لا يكون عـرفاً عند غيرهم، وأعراف الماضي غير أعراف الحاضر، ولا شك أنه يجب مراعاة ذلك كله عند التشريع والحكم والقضاء، والعرف سابقاً غير لاحق، ومن هنا فإننا نعمل بالعرف السابق المقارب دون العـرف اللاحق، ومثال ذلك: لو اشترى إنسان من غيره بستين ريالًا قبل مائة سنة، فإننا لا نحكم على ذلك بالريالات الموجودة بيننا الآن بل بما يسمى ريالًا في ذلك الزمان، كان الريالات في ذلك الزمان من فضة، والآن من ورق فيعمل بحكم العرف السابق).
🌴-ثم الأصل في الأعمال غير التعبدية الحل إلا ما أتى الشرع بتحريمه، قال الإمام المجدّد (يوسف القرضاوي): (والصور الشمسية -الفوتوغرافية- الأصل فيها الإباحة، ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم، كتقديس صاحبها تقديساً دينياً، أو تعظيمه تعظيماً دنيوياً، وخاصة إذا كان المعظّم من أهل الكفر والفسّاق كالوثنيين والشيوعيين والفنانين المنحرفين...).
وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في شرحه لرياض الصالحين بعد ذكر الخلاف :(وخلاصة القول: أن التصوير باليد ولو كان بالتلوين والتخطيط حرام على القول الراجح، وأما التصوير بالآلة الفوتوغرافية فليس بتصوير أصلاً، ونحن يجب علينا أن نتأمل أولاً بدلالة النص، ثم في الحكم الذي يقتضيه النص، وإذا تأملنا وجدنا أن هذا ليس بتصوير ولا يدخل في النهي، ولا في اللعن، ولكن يبقى مباحاً، ثم ينظر في الغرض الذي من أجله يصور، إن كان غرضاً مباحاً فالتصوير مباح، وإن كان غرضاً محرماً فهو محرم، والله الموفق)أ.هـ، وفي القول المفيد وهو يتحدث عن الصور الفوتوغرافية قال: (فهذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين)، ثم رجّح القول الثاني فقال: (إنها ليست بتصوير؛ لأن التصوير فعل المصور، وهذا الرجل ما صورها في الحقيقة، وإنما التقطها بالآلة، والتصوير من صنع الله) ثم قال: (وهذا هو الأقرب).
🏮 *شبهتان والرد عليهما*
📝-ولقد قال مانعو التصوير الفوتوغرافي: سواء صوّرنا باليد أو الكاميرا فالمحصّلة واحد، ألا وهي إبراز صورة موجودة بالفعل، فكما أن الصورة باليد حرام فالصورة بالكاميرا كذلك.
فأجاب من أجازه: بأن هذا صنع باليد، و هذا نقل بالآلة، و بون شاسع بينهما، فتحويل الخمر خلاً غير تخليل الخمر بنفسها مع أن النتيجة واحدة، والولد من الزنا غير الولد من النكاح مع أن النتيجة واحدة.
📌-وقال المانعون: (الصورة في المرآة لا تبقى، بخلاف الصور في هذه الآلات) فأُجيبوا باستفسار: وهل ثبوت الأثر شرط في التحريم؟ فمن يصنع تمثالاً و يحطمه مباشرة فهو يدخل في التحريم قطعاً، فلا عبرة بالأثر.
🖼 *حكم تعليق الصور على الجدران* 🖼
-لا يخلو ذلك من حالين:
1-أن يكون للتعظيم والتقديس للمعلّق صورته كالعظماء لدى الناس، فهذا لا يجوز.
2-أن لا يراد بها التعظيم، وإنما للذكـرى وقصد الدعاء له، فهذا لا بأس به، وكذا لو كانت للتعليم أو التّدريب (كالتي تستخدم كوسائل إيضاح في المدارس والجامعات)، فإنّها أيضاً ترتفع من الإباحة إلى الاستحباب، وربّما كانت واجبة في بعض الحالات إذا أصبحت وسيلة فعّالة لفهم العلوم والتّقدّم فيها.
- وأقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعب عائشة بالبنات (الدمى) في بيته، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت ألعب بالبنات فيأتيني صواحبي فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرَرْن منه، فيأخذهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرُدُّهنَّ عليَّ»، والسبب؛ كون هذه الصور مما تمتهن ولا تعظّم، وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على جواز دخولها البيوت؛ كونها لا تعظّم كما سبق، ويقاس عليها غيرها مما لايراد من إبرازه التعظيم؛ فالحكم يدور مع علته حيث دارت.
🚦 *تنبيه*
-لا يخالف مسلم في تحريم الصورة إذا كان موضوعها مخالفًا لعقائد الإسلام، أو شرائعه وآدابه، كتصوير النساء عاريات، أو شبه عاريات -وقد سبق في نقلي لكلام الإمام يوسف القرضاوي-. (وليس هذا بموضوعنا لكن حسماً للجدل).
-والله تعالى أعلم بالصواب.
#خلاصات_فقهية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...المزيد
📷 📷 📷 📷 📷 📷
#خلاصات_فقهية
🖊 من منشورات قناة فتاوى الشيخ/عبدالله رفيق السوطي-تليجرام- للاشتراك⬇️
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
----------------------------------------
الحمد لله وحده وبعد:
📍-فإن مما تميزت به شريعتنا الغراء أنها صالحة لكل زمان ومكان، فليس هناك نازلة في عصر من العصور إلا ولشريعتنا الإسلامية فيها حكم، منذ عصر النبوة إلى هذه العصور المتأخرة، وإلى يوم القيامة.
🌹-وكنت كثيرًا ما أقرأ، أو أسمع عن علماء يفتون بحرمة التصوير! فكنت أتساءل: كيف يلعن ويذم وينهى… الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة من أعظم وسائل الدعوة إلى الله، وإيصال رسالة الإسلام إلى أنحاء المعمورة في لحظات بأقل جهد وتكلفة؟! بل لعلها أعظم وسيلة في العصر الحديث، وكيف يحجم عن هذه الوسيلة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؟ ويؤمن بمرونة هذا الدين؟ وصلاحيته لكل زمان ومكان؟ وأن مسائله تتجدد بتجدد العصور؟ وأن الفقهاء الواجب عليهم أن ييسّروا ولا يعسّروا؟!....
ولو افترضنا افتراضاً-وإلا سيأتي خلاف ذلك- حرمته فإنه مما تعم به البلوى وما كان كذلك فقد تجاوزت الشريعة عنه، ألا ترى معي مثلاً: أن الجمار لا تنقي المحل تماماً، ولا بد أن تبقى آثاراً للنجاسة لكن مع ذلك تجاوز الشرع عن هذه النجاسات؛ كونها مما تعم بها البلوى، وهكذا الفقه الإسلامي طافح بمثل هذه المسائل.
🔎-ولولا كثرة الأسئلة عن هذا الموضوع والذي لا أكاد يمضي عليّ يوم منذ أكثر من سنة إلا ويسألني سائل وقد يزيد، لولا ذلك لرأيت منشوري هذا من فضول العلم! إذ في اعتقادي أن الانشغال بهذا من فضول العلم.
❗-والغريب العجيب أننا رأينا كثيراً ممن يحرّمون التصوير -وهم يحرمون كل جديد كالشاي والتلفاز والبث المباشر...لخ- ثم يصبح ما قالوا بحرمته حلالاً، بل يصبحون-أو أكثرهم- من أكثر الناس تعرّضاً لما قالوا بحرمته من قبل، كالتصوير فنراهم صباح مساء على وسائل الإعلام بشتى أنواعها!
🗝 *تشخيص ومدخل*
🕹-القاعدة الأصولية تقول: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا أردنا أن نعرف حكم التصوير الفوتوغرافي فيلزم أن نعرف كيف يتم؟ وما هو هذا التصوير؟ وللإجابة يقول المختصون: الآلة التي تسمى (الكاميرا) هي التي تلتقط الصورة التي توجه إليها عن طريق نقل الأضواء والظلال الواقعة على الجسم وطبعها على ألواح بلاستيك شفافة (الشريط)، ثم يعاد طبع الصورة على ورق عن طريق تمرير ضوء من خلال هذا اللوح أو الشريط البلاستيكي.
📚-فيتبين لنا أن هذه الصورة ليس للمصوّر أي احتراف أو تفنّن، بل لم يضعها هو مطلقاً، وإنما سُمي بـ مصوّر مجازاً لا غير، وأما التسمية فلا تجعل الحرام حلالاً، ولا الحلال حراماً، فلو سُمي الخمر عصيراً، والعصير خمراً فالحكم لا يختلف مطلقاً ولو تغيرت الأسماء؛ فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء كما هي القاعدة الشرعية، وفرق شاسع بين حقيقة التصوير الفوتوغرافي، و التصوير المنهي عنه، فرغم اتفاقهما في التسمية إلا أنهما مختلفان في الحقيقة، ثم إن اسم التصوير الذي جاءت النصوص بالمنع منه إنما هو التصوير المعروف في زمن الوحي -المجسّم-( قيل:هذا النهي إنما هو لأجل البعد عن عبادة الأوثان التي كان الناس قريبي عهد بها) أما المعروف حالياً بالفوتوغراف فليس إلا حبس ظل لا غير؛ وإلا لقال قائل في قول الله في سورة يوسف:( *وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ* فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً...) بأنها سيارة من نوع تويوتا مثلاً (كما قاله فضيلة الشيخ الددو)، وعلى العموم فلا قدرة لمن سمي بالمصوّر، وإنما القدرة هنا قدرة الآلة المتمثلة في العدسات التي يمر خلالها الظلال والأضواء، فكانت الآلة هنا هي القائمة بالتصوير، ولا يمكن أن يقال بأن الذي اخترع هذه الصورة أو ابتدعها هو الإنسان المصوّر، ومن هنا وغيره جاء الجواز عند جمهور علماء العصر.
🔖-ثم التصوير الفوتوغرافي ليس تصويراً بالمعنى الذي جاءت نصوص الشرع بالوعيد وبالنهي عنه؛ فالتصوير بالآلة الفوتوغرافية ليس فيه تشكيل ولا تخطيط ولا تفصيل…وإنما هو نقل شكل شكّله الله، فهو أشبه بظهور الوجه في المرآة ونحوها، فهي تنقل خلق الله ولا تضاهيه مطلقاً، والمِرآة مستخدمة منذ زمن النبي عليه الصلاة والسلام حتى الآن ولم يقل أحد بحرمة النظر فيها، ومن المقرر في الأصول أنه إذا تردد فرع بين أصلين مختلفين فالحكم يلحق بأكثرهما شبهاً وهو ما يسمى بقياس الشبه، و الصورة الفوتوغرافية أكثر شبهاً بالصورة في المِرآة لما بينّا سابقاً ولما سيأتي فـُتلحق بها، والمطلوب أن نفهم روح النص لا حرفيته.
📹-والتصوير المنهي عنه هو إيجاد صورة لم تكن موجودة ولا مصنوعة من قبل، يُضاهى بها حيواناً خلقه الله تعالى، وليس هذا المعنى بموجود في أخذ الصورة بتلك الآلة، ونظير ذلك تصوير الصكوك والوثائق والورق وغيرها بالفوتوغراف، فإنك إذا صوّرت الصك فخرجت الصورة لم تكن الصورة كتابتك، بل كتابة من كتب الصك انطبعت على الورقة بواسطة آلة التصوير، وليس فيها أي مضاهة بل هي هي، ولن يقول: قد ضاهيت خطي، بل سيقول: هذا خطي، وأنت صوّرت منه صورة، ويجب أن نعلم أن علة مضاهاة خلق الله هي السبب الأعظم في قول من قال بحرمة التصوير، لكن تبين لنا الآن الأمر جلياً -بإذن الله- بأن التصوير الفوتوغراف ليس فيه شيء من ذلك، ثم لو نظرنا لمعنى المضاهاة لغة فنجدها تعني: مشاكلة الشيء بالشيء أو مشابهته، وليست الصورة الفوتوغرافية تشابه الأصل، بل هي نفس الأصل، فمن يصوّر نفسه صورة فوتوغرافية يقول هذه صورتي، و لا يقول هذه تشبهني، و المصوّر الفوتوغرافي ناقل لخلق الله لا مضاهٍ له.
📺-ثم إن النصوص المحرمة للتصوير فيها لفظ (صوَّر) و ( مصوِّر) بالتشديد، أي: جعل هذا الشيء على صورة معينة، فمادة (صوَّر) تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصورة، بمعنى آخر التصوير هو التشكيل واختيار ما سيكون عليه الشكل من هيئة و مضمون... والرسم والنحت يختلفان عن التصوير الفوتوغرافي ،فالرسام ( المصور أو الصانع ) هو من يختار اللون و الشكل والمضمون...ومعلوم أن نقل الصورة بالآلة لم يحصل فيه من المصوِّر أي عمل في هذه الصورة، فلم يحصل منه تخطيط فيها، ولا رسم، ولا زيادة، ولا نقص حتى يكون مضاهيًا خلق الله، وإنما هو سلّط الآلة على المصوَّر فانطبع بالصورة خلق الله على الصفة التي خلقها الله عليها، فهو إذن حبس وارتداد ظل ليس إلا، بل ذكر بعض المجيزين للتصوير ما يلي: (قياس الصورة الفوتوغرافية على الصورة المرسومة قياس فاسد؛ لأن علة النهي غير متحققة في الفـرع وهي مضاهاة خلق الله، والمتعارف عليه في الشرع واللغة أن التصوير الفوتغرافي ليس تصويراً حقيقيًا، ومنع من إلحاق الصورة الفوتوغرافية بالصورة المرسومة عدة موانع منها أنه جرى العرف في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بأن التصوير هو جعل الشيء على صورة؛ مضاهاة لخلق الله، وهذا خلاف التصوير الفوتغرافي الذي هو نقل صورة ما خلق الله، ولا شك أن الأعراف متغيرة بتغير الأزمان والأوطان، فما يكون عرفاً عند قوم قد لا يكون عـرفاً عند غيرهم، وأعراف الماضي غير أعراف الحاضر، ولا شك أنه يجب مراعاة ذلك كله عند التشريع والحكم والقضاء، والعرف سابقاً غير لاحق، ومن هنا فإننا نعمل بالعرف السابق المقارب دون العـرف اللاحق، ومثال ذلك: لو اشترى إنسان من غيره بستين ريالًا قبل مائة سنة، فإننا لا نحكم على ذلك بالريالات الموجودة بيننا الآن بل بما يسمى ريالًا في ذلك الزمان، كان الريالات في ذلك الزمان من فضة، والآن من ورق فيعمل بحكم العرف السابق).
🌴-ثم الأصل في الأعمال غير التعبدية الحل إلا ما أتى الشرع بتحريمه، قال الإمام المجدّد (يوسف القرضاوي): (والصور الشمسية -الفوتوغرافية- الأصل فيها الإباحة، ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم، كتقديس صاحبها تقديساً دينياً، أو تعظيمه تعظيماً دنيوياً، وخاصة إذا كان المعظّم من أهل الكفر والفسّاق كالوثنيين والشيوعيين والفنانين المنحرفين...).
وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في شرحه لرياض الصالحين بعد ذكر الخلاف :(وخلاصة القول: أن التصوير باليد ولو كان بالتلوين والتخطيط حرام على القول الراجح، وأما التصوير بالآلة الفوتوغرافية فليس بتصوير أصلاً، ونحن يجب علينا أن نتأمل أولاً بدلالة النص، ثم في الحكم الذي يقتضيه النص، وإذا تأملنا وجدنا أن هذا ليس بتصوير ولا يدخل في النهي، ولا في اللعن، ولكن يبقى مباحاً، ثم ينظر في الغرض الذي من أجله يصور، إن كان غرضاً مباحاً فالتصوير مباح، وإن كان غرضاً محرماً فهو محرم، والله الموفق)أ.هـ، وفي القول المفيد وهو يتحدث عن الصور الفوتوغرافية قال: (فهذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين)، ثم رجّح القول الثاني فقال: (إنها ليست بتصوير؛ لأن التصوير فعل المصور، وهذا الرجل ما صورها في الحقيقة، وإنما التقطها بالآلة، والتصوير من صنع الله) ثم قال: (وهذا هو الأقرب).
🏮 *شبهتان والرد عليهما*
📝-ولقد قال مانعو التصوير الفوتوغرافي: سواء صوّرنا باليد أو الكاميرا فالمحصّلة واحد، ألا وهي إبراز صورة موجودة بالفعل، فكما أن الصورة باليد حرام فالصورة بالكاميرا كذلك.
فأجاب من أجازه: بأن هذا صنع باليد، و هذا نقل بالآلة، و بون شاسع بينهما، فتحويل الخمر خلاً غير تخليل الخمر بنفسها مع أن النتيجة واحدة، والولد من الزنا غير الولد من النكاح مع أن النتيجة واحدة.
📌-وقال المانعون: (الصورة في المرآة لا تبقى، بخلاف الصور في هذه الآلات) فأُجيبوا باستفسار: وهل ثبوت الأثر شرط في التحريم؟ فمن يصنع تمثالاً و يحطمه مباشرة فهو يدخل في التحريم قطعاً، فلا عبرة بالأثر.
🖼 *حكم تعليق الصور على الجدران* 🖼
-لا يخلو ذلك من حالين:
1-أن يكون للتعظيم والتقديس للمعلّق صورته كالعظماء لدى الناس، فهذا لا يجوز.
2-أن لا يراد بها التعظيم، وإنما للذكـرى وقصد الدعاء له، فهذا لا بأس به، وكذا لو كانت للتعليم أو التّدريب (كالتي تستخدم كوسائل إيضاح في المدارس والجامعات)، فإنّها أيضاً ترتفع من الإباحة إلى الاستحباب، وربّما كانت واجبة في بعض الحالات إذا أصبحت وسيلة فعّالة لفهم العلوم والتّقدّم فيها.
- وأقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعب عائشة بالبنات (الدمى) في بيته، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت ألعب بالبنات فيأتيني صواحبي فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرَرْن منه، فيأخذهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرُدُّهنَّ عليَّ»، والسبب؛ كون هذه الصور مما تمتهن ولا تعظّم، وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على جواز دخولها البيوت؛ كونها لا تعظّم كما سبق، ويقاس عليها غيرها مما لايراد من إبرازه التعظيم؛ فالحكم يدور مع علته حيث دارت.
🚦 *تنبيه*
-لا يخالف مسلم في تحريم الصورة إذا كان موضوعها مخالفًا لعقائد الإسلام، أو شرائعه وآدابه، كتصوير النساء عاريات، أو شبه عاريات -وقد سبق في نقلي لكلام الإمام يوسف القرضاوي-. (وليس هذا بموضوعنا لكن حسماً للجدل).
-والله تعالى أعلم بالصواب.
#خلاصات_فقهية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...المزيد
📚 #أحكام_العشر_من_ذي_الحجة_وفضائلها 📚 ----------------------------- #خلاصات_فقهية 🖊 ◈- *من ...
📚 #أحكام_العشر_من_ذي_الحجة_وفضائلها 📚
-----------------------------
#خلاصات_فقهية
🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
--------------------------
-الحمد لله رب العالمين وبعد:
فإن من حكمة الله أن يفضّل ما يشاء بما شاء كيف شاء في الوقت الذي يشاء سبحانه؛ فقد فضّل مكة على البقاع، والأنبياء على البشر، ورسولنا على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي الزمن فضّل رمضان على الشهور، وأيام عشر ذي الحجة من أيام الله المفضّلة لديه سبحانه -على كل العام- ومن تفضيلها:
1- أن الله أقسم بها في كتابه الكريم، وهو سبحانه لا يقسم إلا بعظيم -كما قال الإمام الشعبي- فلقد قال تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) والليالي العشر هي : عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين ، حتى قال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.
2- ومن تفضيلها لديه أنه قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) [الحج:28]، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس( تفسير ابن كثير).
3- وقد ثبت في فضل أيام العشر أحاديث منها: عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى الله مِنْ هَذهِ الأيَّامِ العَشْرِ)، فقالُوا يا رسولُ الله: ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ فقالَ رسولُ الله: (ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله، إلاّ رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ من ذَلِكَ بِشَيْءٍ) رواه البخاري .
4- وروى الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما مِنْ أَيامٍ أَعْظَمُ عند الله، ولا أَحبُّ إِليه من العمل فيهنَّ، من هذه الأيام العشْر، فأَكْثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد) .
5- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الْعَشْرُ»، يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ. قِيلَ: وَلاَ مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلاَ مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلاَّ رَجُلٌ عُفِّرَ وَجْهُهُ بِالتُّرَابِ) [رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلى بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني].
6- وفيها يوم عرفه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة: و لقد قَالَتْ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا يوم نزولها عِيدًا(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) , فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ , وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ , وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ , يَوْمَ عَرَفَةَ , وَإِنَّا وَاللَّهِ بِعَرَفَةَ , قَالَ سُفْيَانُ وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3) [رواه البخاري ومسلم].
7- ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، وصيامه ضمن النبي عليه الصلاة والسلام لمن صامه بمايلي: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ) رواه مسلم يعني ذنوب عامين.
8- وهو يوم إعتاق الرقاب من النار، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ » رواه مسلم.
9- دعاء يوم عرفة مجاب , فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أنا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاإله إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَديرٌ) رواه الترمذي وحسنه ورواه مالك وصححه الألباني.
- *ولذا* لمّا عرف السلف الصالح ذلك قدّروا هذه الأيام الفاضلة حق قدرها ، فكانوا يعبدون الله عبادة حتى لا يكاد أحدهم يقدر عليه ، كيف وهي خير أيام الدنيا ، وطاعاتها أحب الطاعات إلى الله، ألا فلا نفرّط في تلك الساعات الحبيبة إلى الله ، ولنعمل كل خير نقدر عليه ، ولنحرص أن لا يسبقنا إلى الله أحد… وليكن شعارنا: ﴿قالَ هُم أُولاءِ عَلى أَثَري وَعَجِلتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرضى﴾[طه: ٨٤] .
🔎 *سبب التفضيل* 🔎
- ولعل سبب تفضيلها ؛ لاجتماع أمهات العبادة فيها : قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتّى ذلك في غيره).
- ومن أهم الأحكام التي يذكرها الفقهاء في عشر ذي الحجة: الأخذ من الشعر أو البشر لمن أراد التضحية ، وسأنقل كل ذلك من منشوري:( *أحكام الأضحية* ) وأنصح بقراءته:
🚦 *ما يستحب اجتنابه في العشر لمن أراد أن يضحّي:*🚦
-دلت السنة على أن من أراد التضحية فيسنّ له - وقيل يجب عليه وسيأتي- أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي » وفي رواية :« فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً » أخرجه مسلم.
-قيل الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ ذلك : أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك (وهو التقرب إلى الله بذبح النسك) أُعْطي بعض أحكامه ، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار.
-ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة حتى يضحّي , والحكم متعلق بالمضحّي فقط دون أهل بيته ممن سيضحّي عنهم ، وسواء ذبح بنفسه أو وكَّل غيره , أما الوكيل فلا يتعلق به نهي ، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث : (وأراد أحدكم أن يضحّي) ، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي كما سبق.
-ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام ؛ لأن هذا سنة عند الحاجة , لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته.
📚 *خلاف الفقهاء في حكم الأخذ*📖
-(قال النووي: قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وقال أبو حنيفة: يكره، واختلفت الرواية عن مالك) أ. هـ.
- *والراجح* أن ترك الأخذ سنة نبوية , والأخذ من الشعر أو البشر أو الظفر قبل أن يضحي وبعد دخول العشر مكروه , لكن لا يعني ذلك فساد الأضحية بإجماع الفقهاء, *لا كما يظن بعض العوام* : أن من أخذ من شعره أو بشره فلا أضحية له ولا تصح منه, ( وقد وردتني أسئلة متعددة بنحو هذا الكلام فليتنبه له).
⌚ *بما نستقبل عشر ذي الحجة ؟*⏰
1- بالتوبة الصادقة ؛ فربنا قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)التوبة (222)، وعن الحارث بن سويد عن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله تعالى قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه ف الله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته )رواه البخاري ومسلم .
2-العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام الفاضلة بشتى أنواع الطاعات بدون استثناء ، وأهمها ما افترض الله علينا , ثم النوافل , وفي المتفق عليه :[ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ] رواه البخاري ومسلم.
3- أداء الحج والعمرة : وهما أفضل ما يمكن أن يُعمل في عشر ذي الحجة ؛ كون الحج لا يكون إلا فيها مع بعض أيام التشريق.
4- الصيام : ومن أخص العبادات في هذه الأيام الصيام , وقد استحبه جماهير الفقهاء – منهم الأئمة الأربعة- بل نُقل الإجماع على استحباب صيامها أو ما تيسر منها، بل قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: أنه مستحب استحباباً شديدا , وفي الحديث الصحيح: عن حفصة قالت: (أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِــــيُّ صلى الله عليه وسلم صِيَامَ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ) [رواه أحمد والنسائي] , وأما نفي عائشة فقد ذكر جماهير الفقهاء عدة تعليلات له وتركوا العمل بنفيها , ومن حفظ حجة على من لم يحفظ , والمثبت مقدّم على النافي , وأخص الصيام في تلك الأيام الفاضلة يوم عرفة ، لكن من كان في عرفة ( أي كان حاجاً ) فإنه لا يستحب له الصيام، وخاصة لمن لن يقوى عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطراً ، وقد ثبت في فضل صيام يوم عرفة بالذات عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ. وَالسَّنةَ الَّتِي بَعْدَهُ)رواه مسلم-وسبق فضائل يوم عرفة أوّل المنشور- .
5- التكبير والتحميد والتهليل والذكر: قال تعالى : ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) وقد فُسّرت بأنها أيام العشر ، فيجهر بذلك الرجال، وتسّر به النساء ، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) , *وكلام جمهور العلماء، وكذا الثابت عن الصحابة يدل على أن التكبير في تلك الأيام على نوعين:*
1- التكبير المطلق: وهو المشروع في كل وقت من ليل أو نهار، ويبدأ بدخول شهر ذي الحجة ، ويستمر إلى آخر أيام التشريق , وقد استحبه جمهور الفقهاء ؛ لحديث صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) , وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم: ( انهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر ، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم) . والمراد: يتذكّر الناس التكبير، فيكبرون بسبب تكبيرهما.
2- التكبير المقيد: وهو الذي يكون عقب الصلوات، والمختار: أنه عقب كل صلاة- أيًّا كانت- , وقيل خاص بالفرائض ، ويبدأ من صبح عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق , وبعد الفرائض يبدأ بالتكبير ويكرّره ما شاءالله، ثم يقرأ أذكار الصلاة المعروفة (سبق نشرها في إجابتي على إحدى الفتاوى).
-قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة.."
-وقال ابن حجر في الفتح :"و أصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود: إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره".
🕋 *صيغ التكبير:*🕋
📿-كل تكبير فهو مجزئ ولم تأتِ صيغة مخصّصة ولكن استحب الفقهاء هذه الصيغ:
📿- الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيرا.
📿- الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
📿- الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
📿- الله أكبر كبيرا , والحمد لله كثيرا , وسبحان الله بكرة وأصيلا.
-التكبير المطلق والمقيد يكون كما سبق: من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق (يوم الثالث عشر من ذي الحجة).
#خلاصات_فقهية
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
-----------------------------
#خلاصات_فقهية
🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
--------------------------
-الحمد لله رب العالمين وبعد:
فإن من حكمة الله أن يفضّل ما يشاء بما شاء كيف شاء في الوقت الذي يشاء سبحانه؛ فقد فضّل مكة على البقاع، والأنبياء على البشر، ورسولنا على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي الزمن فضّل رمضان على الشهور، وأيام عشر ذي الحجة من أيام الله المفضّلة لديه سبحانه -على كل العام- ومن تفضيلها:
1- أن الله أقسم بها في كتابه الكريم، وهو سبحانه لا يقسم إلا بعظيم -كما قال الإمام الشعبي- فلقد قال تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) والليالي العشر هي : عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين ، حتى قال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.
2- ومن تفضيلها لديه أنه قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) [الحج:28]، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس( تفسير ابن كثير).
3- وقد ثبت في فضل أيام العشر أحاديث منها: عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى الله مِنْ هَذهِ الأيَّامِ العَشْرِ)، فقالُوا يا رسولُ الله: ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ فقالَ رسولُ الله: (ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله، إلاّ رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ من ذَلِكَ بِشَيْءٍ) رواه البخاري .
4- وروى الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما مِنْ أَيامٍ أَعْظَمُ عند الله، ولا أَحبُّ إِليه من العمل فيهنَّ، من هذه الأيام العشْر، فأَكْثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد) .
5- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الْعَشْرُ»، يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ. قِيلَ: وَلاَ مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلاَ مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلاَّ رَجُلٌ عُفِّرَ وَجْهُهُ بِالتُّرَابِ) [رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلى بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني].
6- وفيها يوم عرفه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة: و لقد قَالَتْ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا يوم نزولها عِيدًا(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) , فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ , وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ , وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ , يَوْمَ عَرَفَةَ , وَإِنَّا وَاللَّهِ بِعَرَفَةَ , قَالَ سُفْيَانُ وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3) [رواه البخاري ومسلم].
7- ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، وصيامه ضمن النبي عليه الصلاة والسلام لمن صامه بمايلي: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ) رواه مسلم يعني ذنوب عامين.
8- وهو يوم إعتاق الرقاب من النار، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ » رواه مسلم.
9- دعاء يوم عرفة مجاب , فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أنا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاإله إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَديرٌ) رواه الترمذي وحسنه ورواه مالك وصححه الألباني.
- *ولذا* لمّا عرف السلف الصالح ذلك قدّروا هذه الأيام الفاضلة حق قدرها ، فكانوا يعبدون الله عبادة حتى لا يكاد أحدهم يقدر عليه ، كيف وهي خير أيام الدنيا ، وطاعاتها أحب الطاعات إلى الله، ألا فلا نفرّط في تلك الساعات الحبيبة إلى الله ، ولنعمل كل خير نقدر عليه ، ولنحرص أن لا يسبقنا إلى الله أحد… وليكن شعارنا: ﴿قالَ هُم أُولاءِ عَلى أَثَري وَعَجِلتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرضى﴾[طه: ٨٤] .
🔎 *سبب التفضيل* 🔎
- ولعل سبب تفضيلها ؛ لاجتماع أمهات العبادة فيها : قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتّى ذلك في غيره).
- ومن أهم الأحكام التي يذكرها الفقهاء في عشر ذي الحجة: الأخذ من الشعر أو البشر لمن أراد التضحية ، وسأنقل كل ذلك من منشوري:( *أحكام الأضحية* ) وأنصح بقراءته:
🚦 *ما يستحب اجتنابه في العشر لمن أراد أن يضحّي:*🚦
-دلت السنة على أن من أراد التضحية فيسنّ له - وقيل يجب عليه وسيأتي- أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي » وفي رواية :« فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً » أخرجه مسلم.
-قيل الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ ذلك : أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك (وهو التقرب إلى الله بذبح النسك) أُعْطي بعض أحكامه ، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار.
-ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة حتى يضحّي , والحكم متعلق بالمضحّي فقط دون أهل بيته ممن سيضحّي عنهم ، وسواء ذبح بنفسه أو وكَّل غيره , أما الوكيل فلا يتعلق به نهي ، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث : (وأراد أحدكم أن يضحّي) ، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي كما سبق.
-ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام ؛ لأن هذا سنة عند الحاجة , لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته.
📚 *خلاف الفقهاء في حكم الأخذ*📖
-(قال النووي: قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وقال أبو حنيفة: يكره، واختلفت الرواية عن مالك) أ. هـ.
- *والراجح* أن ترك الأخذ سنة نبوية , والأخذ من الشعر أو البشر أو الظفر قبل أن يضحي وبعد دخول العشر مكروه , لكن لا يعني ذلك فساد الأضحية بإجماع الفقهاء, *لا كما يظن بعض العوام* : أن من أخذ من شعره أو بشره فلا أضحية له ولا تصح منه, ( وقد وردتني أسئلة متعددة بنحو هذا الكلام فليتنبه له).
⌚ *بما نستقبل عشر ذي الحجة ؟*⏰
1- بالتوبة الصادقة ؛ فربنا قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)التوبة (222)، وعن الحارث بن سويد عن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله تعالى قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه ف الله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته )رواه البخاري ومسلم .
2-العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام الفاضلة بشتى أنواع الطاعات بدون استثناء ، وأهمها ما افترض الله علينا , ثم النوافل , وفي المتفق عليه :[ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ] رواه البخاري ومسلم.
3- أداء الحج والعمرة : وهما أفضل ما يمكن أن يُعمل في عشر ذي الحجة ؛ كون الحج لا يكون إلا فيها مع بعض أيام التشريق.
4- الصيام : ومن أخص العبادات في هذه الأيام الصيام , وقد استحبه جماهير الفقهاء – منهم الأئمة الأربعة- بل نُقل الإجماع على استحباب صيامها أو ما تيسر منها، بل قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: أنه مستحب استحباباً شديدا , وفي الحديث الصحيح: عن حفصة قالت: (أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِــــيُّ صلى الله عليه وسلم صِيَامَ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ) [رواه أحمد والنسائي] , وأما نفي عائشة فقد ذكر جماهير الفقهاء عدة تعليلات له وتركوا العمل بنفيها , ومن حفظ حجة على من لم يحفظ , والمثبت مقدّم على النافي , وأخص الصيام في تلك الأيام الفاضلة يوم عرفة ، لكن من كان في عرفة ( أي كان حاجاً ) فإنه لا يستحب له الصيام، وخاصة لمن لن يقوى عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطراً ، وقد ثبت في فضل صيام يوم عرفة بالذات عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ. وَالسَّنةَ الَّتِي بَعْدَهُ)رواه مسلم-وسبق فضائل يوم عرفة أوّل المنشور- .
5- التكبير والتحميد والتهليل والذكر: قال تعالى : ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) وقد فُسّرت بأنها أيام العشر ، فيجهر بذلك الرجال، وتسّر به النساء ، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) , *وكلام جمهور العلماء، وكذا الثابت عن الصحابة يدل على أن التكبير في تلك الأيام على نوعين:*
1- التكبير المطلق: وهو المشروع في كل وقت من ليل أو نهار، ويبدأ بدخول شهر ذي الحجة ، ويستمر إلى آخر أيام التشريق , وقد استحبه جمهور الفقهاء ؛ لحديث صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) , وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم: ( انهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر ، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم) . والمراد: يتذكّر الناس التكبير، فيكبرون بسبب تكبيرهما.
2- التكبير المقيد: وهو الذي يكون عقب الصلوات، والمختار: أنه عقب كل صلاة- أيًّا كانت- , وقيل خاص بالفرائض ، ويبدأ من صبح عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق , وبعد الفرائض يبدأ بالتكبير ويكرّره ما شاءالله، ثم يقرأ أذكار الصلاة المعروفة (سبق نشرها في إجابتي على إحدى الفتاوى).
-قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة.."
-وقال ابن حجر في الفتح :"و أصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود: إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره".
🕋 *صيغ التكبير:*🕋
📿-كل تكبير فهو مجزئ ولم تأتِ صيغة مخصّصة ولكن استحب الفقهاء هذه الصيغ:
📿- الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيرا.
📿- الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
📿- الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
📿- الله أكبر كبيرا , والحمد لله كثيرا , وسبحان الله بكرة وأصيلا.
-التكبير المطلق والمقيد يكون كما سبق: من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق (يوم الثالث عشر من ذي الحجة).
#خلاصات_فقهية
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
🌹🎆 #أحكام_العيدين 🎇🌹 للشيخ/ عبدالله رفيق ...
🌹🎆 #أحكام_العيدين 🎇🌹
للشيخ/ عبدالله رفيق السوطي
#خلاصات_فقهية
https://t.me/ALSoty1438AbdullahRafik
*🗝مقدّمات* 🗝
-أولاً: على الصائم أن يبقى في وجل وخوف أن لا يُتقبّل منه عمله؛ فربنا يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، ولذا السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر بعد رمضان بأن يتقبله منهم، فلنحمل همّ قبول أعمالنا الصالحة فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون...؟، قال: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون وهم يخافون أن لا يُقبل منهم: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ") .
وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه.
-ثانياً: التكبير: يشرع التكبير من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)البقرة :185، ويستحب للرجال رفع الصوت بالتكبير في الأسواق، والدور، والطرق، والمساجد، وأماكن تجمع الناس، إظهارا لهذه الشعيرة، وأحياء لها، واقتداء بسلف هذه الأمة، وصفة التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد)، ويربى النشء على هذا ويعلمون سببه.
-ثالثاً: زكاة الفطرة: ويجب التنبّه لإخراج زكاة الفطرة قبل صلاة العيد , مع ضمان وصولها إلى يد الفقير قبل الصلاة أيضاً (يُراجع فتوى سابقة عن زكاة الفطرة وأحكامها).
-رابعاً : الغسل والزينة: يستحب للرجال الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب للعيد، لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمررضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق ، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود . . " ، وكان ابن عمر يلبس في العيد أحسن ثيابه وهكذا كان السلف، وليس بضرورة أن يكلّف المسلم نفسه فيشتري الجديد، بل يلبس أحسن ما لديه ويكتفي بما اكتفى به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا للرجال، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليخرجن تَفِلات).
-خامساً: الأكل قبل صلاة العيد: يستحب قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وتراً، ثلاثاً، أو خمساً .....لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ) وفي رواية: (ويأكلهن وتراً) رواه البخاري، فإن لم يجد المسلم تمراً أفطر على غيره ولو على ماء، حتى يحصل له أجر السنة، وهي الإفطار قبل صلاة عيد الفطر، وأما عيد الأضحى فالعكس (الأفضل أن يذهب صائماً ثم يفطر بعد عودته من أضحيته).
-سادساً: التبكير في الخروج لصلاة العيد: يستحب التبكير لصلاة العيد لقول الله تعالى : (فاستبقوا الخيرات ) المائدة 48 والعيد من أعظم الخيرات وقد بوّب البخاري في صحيحه باب التبكير إلى العيد ثم ذكر حديث البراء - رضي الله عنه - قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال : "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي .." , قال الحافظ ابن حجر : (هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها ، ومن لازمه أن لا يفعل شيء غيرها ، فاقتضى ذلك التبكير إليها) .
-سابعاً: المشي إلى المصلى : عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - قال. "من السنة أن يأتي العيد ماشيا" رواه الترمذي وحسنه وقال : والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل ماشيا . . ) قال ابن المنذر- رحمه الله - : (المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع ولا شيء على من ركب ) .
-ثامناً: الفرح بالعيد: روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء فاضطجع على الفراش وحول وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فاقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "دعهما" فلما غفل غمزتهما فخرجتا) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : " تغنيان بدف " وقالت عائشة: إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت رواه أحمد والشيخان.
ورووا أيضا عنها قالت: دخل علينا أبو بكر في يوم عيد وعندنا جاريتان تذكران يوم بعاث يوما قتل فيه صناديد الاوس والخزرج، فقال أبو بكر: عباد الله أمزمور الشيطان (قالها ثلاثا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وإن اليوم عيدنا): ولفظ البخاري قالت عائشة: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم! فأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (دعهما) فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: (تشتهين تنظرين؟) فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة) حتى إذا ملك قال (حسبك؟) قلت: نعم. قال: (فاذهبي) , وقد استنبط بعض أهل العلم من هذه الأحاديث مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس ، وترويح البدن من كلف العبادة ، وأن الإعراض عن ذلك أولى ، ومنه أن إظهار السرور في ا لأعياد من شعائر الدين, ولقد قال تعالى:((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))(58) يونس.
-تاسعا: التهنئة بالعيد: لا بأس بالتهنئة بالعيد؟ كقول : (تقبّل الله منا ومنك ) ؛ لما ورد عن جبير بن نفير قال : (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبّل الله منا ومنك ) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله : [ إسناده حسن ] .
-عاشراً: مخالفة الطريق وذلك بأن يخرج من طريق ، ويعود من طريق أخرى غير التي خرج منها ؛ موافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لحديث جابر رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق " [ أخرجه البخاري ]
-وأخيراً: زيارة الأرحام , وإدخال السرور على المسلمين , وتفقّد المحتاجين , والإصلاح بين المتخاصمين, واستذكار من سُلبت فرحتهم من المسلمين .
📚 *فقه صلاة العيد* 📚
-أولاً: وقتها.
وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال (قبل الظهر بربع ساعة تقريباً)، إلا أنه يسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي صلاة عيد الأضحى إذا ارتفعت الشمس قيد رمح، وصلاة الفطر إذا ارتفعت قيد رمحين، ولأن الناس في عيد الفطر بحاجة إلى امتداد الوقت، ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر، وأما عيد الأضحى فإن المشروع المبادرة بذبح الأضحية، وهذا لا يحصل إلا إذا قٌـدّمت الصلاة في أول الوقت.
-ثانياً: حكمها.
صلاة العيد واجبة على الراجح – وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين- ، والوجوب في حق الرجال والنساء , ولو أن تصلي في دارها المرأة فرادى أو جماعة إن لم يتيسر لها الذهاب للمصلى.
-ثالثاً: مكانها.
يستحب الخروج إلى المصلى الخاص بالعيد رجالاُ ونساء صغاراً وكباراً ؛ فعن أم عطية : (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العواتق وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين )" رواه البخاري ومسلم, ولا تصلّى في المسجد إلا للحاجة لا عادة (كما عند بعض المناطق), فقد خرج النبي عليه الصلاة والسلام من مسجده مع أن الصلاة فيه بألف صلاة ومع ذلك خرج يصليها في المصلى فغيره من باب أولى.
-رابعاً: الإعلام لها.
لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد , قال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة. والسنة أن لا يفعل شئ من ذلك , وعن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الاضحى. متفق عليه.
ولمسلم عن عطاء قال: أخبرني جابر أن لا أذان الصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شئ، لا نداء يومئذ ولا إقامة..
-خامساً: التنفّل قبلها أو بعدها.
وليس من السنة الصلاة قبلها أو بعدها إلا تحية مسجد إن صُلّيت فيه , قال ابن عباس: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) متفق عليه.
-سادساً:صفة صلاة العيد .
ركعتان كركعتي الفجر غير أن المشروع فيها: أن يكبر تكبيرة الإحرام، ويستفتح، ثم يكبر مباشرة سبع تكبيرات, والراجح أنه لا يقول شيئاً بينهما , فإن ذكر الله فالأمر واسع إن شاء الله , ثم يقرأ الفاتحة وسورة معها: إما (( الأعلى )) وإما (( ق )) في الركعة الأولى، وفي الثانية إذا قام من السجود سيقوم مكبراً، ثم يكبّر خمس تكبيرات بعد قيامه، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، فإن قرأ في الأولى ((الأعلى) قرأ في الثانية ((الغاشية)) , وإن قرأ في الأولى ((ق)) قرأ في الثانية (( اقتربت الساعة وانشق القمر)).
♦ *ملاحظة:* والتكبير سنة لا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهوا , بل قال ابن قدامة: ولا أعلم فيه خلافا، ورجح الشوكاني أنه إذا تركه سهواً لا يسجد للسهو.
-و من فاتته الصلاة العيد مع الإمام فله أن يصليها جماعة مع أمثاله من المتأخرين أو فرادى.
سابعاً: الخطبة .
ثم يقوم الإمام في خطب خطبة أو خطبتين (والأخير رأي جماهير الفقهاء) , ويستحب يكبّر بعد الحمد في الخطبة الأولى تسعا، وفي الثانية بعد الحمد سبعا , قال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيد بالتكبير .
🚦 *تنبيهات* 🚦
لا يجوز للمسلم أن يتعدى شرع الله في المباحات وفي السرور , فمن الناس من يلهو بمحرمات في العيد , ويختلط بالنساء في المتنزهات , وكل ذلك وغيره من المخالفات لا تجوز لا في العيد ولا في غيره , ومنه كثرة تبرج النساء وخروجهن مستعطرات متزينات وفي الصحيح قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قوْمٍ لِيَجْدوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)).
ومن ذلك الإغراق في المباحات من لبس وأكل وشرب حتى تجاوزوا الأمر إلى الإسراف في ذلك ، قال تعالى : (( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )) الأعراف : 31.
- ومن الملاحظات التي تتكرر في مناسبات الأعياد ، عبث الأطفال والمراهقين بالألعاب النارية ، التي تؤذي المسلمين ، وتروّع الآمنين ، وكم جرّت من مصائب وحوادث !! فهذا أصيب في عينه ، وذاك في رأسه والناس في غفلة من هذا الأمر , ولا شك أن ذلك من أعظم الآثام عند الله فليحذرها المسلم.
🔸-وأختم فأقول: قد قيل : من أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها ، إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها ، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها ، والمجتمع السعيد الصالح هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة ، وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى ، حيث يبدو في العيد متماسكا متعاونا متراحما تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء , والمحافظة على مبادئ دينه.
🌷تقبّل الله منا ومنكم🌷
*ملحق مهم*
🔘-مسألة : إذا اجتمعت الجمعة والعيد كهذا العام1439هـ.
🔆-اختلف العلماء في المسألة والراجح : أنه إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد، فعن زيد بن أرقم قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم رخص في الجمعة فقال: (من شاء أن يصلي فليصل) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة والحاكم والألباني وغيرهم.
وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون) رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
-ويستحب للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإنا مجمّعون).
♻-وأنقل هنا فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية لما سُئل عن ذلك فأجاب: الحمد لله إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
(أحدها) :أنه تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة .
(والثاني) :تسقط عن أهل البر ، مثل أهل العوالي والسواد؛ لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد .
(والقول الثالث): وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة ، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ، ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كعمر وعثمان ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن الزبير وغيرهم ، ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف .
وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة ، وفي لفظ أنه قال: « أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا ، فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون » . وأيضا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع ، ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة ، فتكون الظهر في وقتها ، والعيد يحصل مقصود الجمعة ، وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم ، وتكدير لمقصود عيدهم ، وما سن لهم من السرور فيه والانبساط ، فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال ، ولأن يوم الجمعة عيد ، ويوم الفطر والنحر عيد ، ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل إحداهما في الأخرى ، كما يدخل الوضوء في الغسل ، وأحد الغسلين في الآخر والله أعلم اهـ .
-وقال في موضع آخر: إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد، فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
أصحها: أنَّ من شهد العيد، سقطت عنه الجمعة، فقد اجتمع عبادتان من جنس واحد، فدخلت إحداهما في الأخرى، ولأنَّ في إيجابهما على الناس تضييقاً لمقصود عيدهم، وما سُنَّ لهم فيه من السرور والانبساط، فحينئذ تسقط الجمعة.
والله أعلم.
#مقالات_متنوعة
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik ...المزيد
للشيخ/ عبدالله رفيق السوطي
#خلاصات_فقهية
https://t.me/ALSoty1438AbdullahRafik
*🗝مقدّمات* 🗝
-أولاً: على الصائم أن يبقى في وجل وخوف أن لا يُتقبّل منه عمله؛ فربنا يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، ولذا السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر بعد رمضان بأن يتقبله منهم، فلنحمل همّ قبول أعمالنا الصالحة فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون...؟، قال: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون وهم يخافون أن لا يُقبل منهم: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ") .
وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه.
-ثانياً: التكبير: يشرع التكبير من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)البقرة :185، ويستحب للرجال رفع الصوت بالتكبير في الأسواق، والدور، والطرق، والمساجد، وأماكن تجمع الناس، إظهارا لهذه الشعيرة، وأحياء لها، واقتداء بسلف هذه الأمة، وصفة التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد)، ويربى النشء على هذا ويعلمون سببه.
-ثالثاً: زكاة الفطرة: ويجب التنبّه لإخراج زكاة الفطرة قبل صلاة العيد , مع ضمان وصولها إلى يد الفقير قبل الصلاة أيضاً (يُراجع فتوى سابقة عن زكاة الفطرة وأحكامها).
-رابعاً : الغسل والزينة: يستحب للرجال الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب للعيد، لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمررضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق ، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود . . " ، وكان ابن عمر يلبس في العيد أحسن ثيابه وهكذا كان السلف، وليس بضرورة أن يكلّف المسلم نفسه فيشتري الجديد، بل يلبس أحسن ما لديه ويكتفي بما اكتفى به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا للرجال، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليخرجن تَفِلات).
-خامساً: الأكل قبل صلاة العيد: يستحب قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وتراً، ثلاثاً، أو خمساً .....لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ) وفي رواية: (ويأكلهن وتراً) رواه البخاري، فإن لم يجد المسلم تمراً أفطر على غيره ولو على ماء، حتى يحصل له أجر السنة، وهي الإفطار قبل صلاة عيد الفطر، وأما عيد الأضحى فالعكس (الأفضل أن يذهب صائماً ثم يفطر بعد عودته من أضحيته).
-سادساً: التبكير في الخروج لصلاة العيد: يستحب التبكير لصلاة العيد لقول الله تعالى : (فاستبقوا الخيرات ) المائدة 48 والعيد من أعظم الخيرات وقد بوّب البخاري في صحيحه باب التبكير إلى العيد ثم ذكر حديث البراء - رضي الله عنه - قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال : "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي .." , قال الحافظ ابن حجر : (هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها ، ومن لازمه أن لا يفعل شيء غيرها ، فاقتضى ذلك التبكير إليها) .
-سابعاً: المشي إلى المصلى : عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - قال. "من السنة أن يأتي العيد ماشيا" رواه الترمذي وحسنه وقال : والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل ماشيا . . ) قال ابن المنذر- رحمه الله - : (المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع ولا شيء على من ركب ) .
-ثامناً: الفرح بالعيد: روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء فاضطجع على الفراش وحول وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فاقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "دعهما" فلما غفل غمزتهما فخرجتا) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : " تغنيان بدف " وقالت عائشة: إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت رواه أحمد والشيخان.
ورووا أيضا عنها قالت: دخل علينا أبو بكر في يوم عيد وعندنا جاريتان تذكران يوم بعاث يوما قتل فيه صناديد الاوس والخزرج، فقال أبو بكر: عباد الله أمزمور الشيطان (قالها ثلاثا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وإن اليوم عيدنا): ولفظ البخاري قالت عائشة: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم! فأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (دعهما) فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: (تشتهين تنظرين؟) فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة) حتى إذا ملك قال (حسبك؟) قلت: نعم. قال: (فاذهبي) , وقد استنبط بعض أهل العلم من هذه الأحاديث مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس ، وترويح البدن من كلف العبادة ، وأن الإعراض عن ذلك أولى ، ومنه أن إظهار السرور في ا لأعياد من شعائر الدين, ولقد قال تعالى:((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))(58) يونس.
-تاسعا: التهنئة بالعيد: لا بأس بالتهنئة بالعيد؟ كقول : (تقبّل الله منا ومنك ) ؛ لما ورد عن جبير بن نفير قال : (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبّل الله منا ومنك ) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله : [ إسناده حسن ] .
-عاشراً: مخالفة الطريق وذلك بأن يخرج من طريق ، ويعود من طريق أخرى غير التي خرج منها ؛ موافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لحديث جابر رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق " [ أخرجه البخاري ]
-وأخيراً: زيارة الأرحام , وإدخال السرور على المسلمين , وتفقّد المحتاجين , والإصلاح بين المتخاصمين, واستذكار من سُلبت فرحتهم من المسلمين .
📚 *فقه صلاة العيد* 📚
-أولاً: وقتها.
وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال (قبل الظهر بربع ساعة تقريباً)، إلا أنه يسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي صلاة عيد الأضحى إذا ارتفعت الشمس قيد رمح، وصلاة الفطر إذا ارتفعت قيد رمحين، ولأن الناس في عيد الفطر بحاجة إلى امتداد الوقت، ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر، وأما عيد الأضحى فإن المشروع المبادرة بذبح الأضحية، وهذا لا يحصل إلا إذا قٌـدّمت الصلاة في أول الوقت.
-ثانياً: حكمها.
صلاة العيد واجبة على الراجح – وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين- ، والوجوب في حق الرجال والنساء , ولو أن تصلي في دارها المرأة فرادى أو جماعة إن لم يتيسر لها الذهاب للمصلى.
-ثالثاً: مكانها.
يستحب الخروج إلى المصلى الخاص بالعيد رجالاُ ونساء صغاراً وكباراً ؛ فعن أم عطية : (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العواتق وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين )" رواه البخاري ومسلم, ولا تصلّى في المسجد إلا للحاجة لا عادة (كما عند بعض المناطق), فقد خرج النبي عليه الصلاة والسلام من مسجده مع أن الصلاة فيه بألف صلاة ومع ذلك خرج يصليها في المصلى فغيره من باب أولى.
-رابعاً: الإعلام لها.
لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد , قال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة. والسنة أن لا يفعل شئ من ذلك , وعن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الاضحى. متفق عليه.
ولمسلم عن عطاء قال: أخبرني جابر أن لا أذان الصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شئ، لا نداء يومئذ ولا إقامة..
-خامساً: التنفّل قبلها أو بعدها.
وليس من السنة الصلاة قبلها أو بعدها إلا تحية مسجد إن صُلّيت فيه , قال ابن عباس: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) متفق عليه.
-سادساً:صفة صلاة العيد .
ركعتان كركعتي الفجر غير أن المشروع فيها: أن يكبر تكبيرة الإحرام، ويستفتح، ثم يكبر مباشرة سبع تكبيرات, والراجح أنه لا يقول شيئاً بينهما , فإن ذكر الله فالأمر واسع إن شاء الله , ثم يقرأ الفاتحة وسورة معها: إما (( الأعلى )) وإما (( ق )) في الركعة الأولى، وفي الثانية إذا قام من السجود سيقوم مكبراً، ثم يكبّر خمس تكبيرات بعد قيامه، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، فإن قرأ في الأولى ((الأعلى) قرأ في الثانية ((الغاشية)) , وإن قرأ في الأولى ((ق)) قرأ في الثانية (( اقتربت الساعة وانشق القمر)).
♦ *ملاحظة:* والتكبير سنة لا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهوا , بل قال ابن قدامة: ولا أعلم فيه خلافا، ورجح الشوكاني أنه إذا تركه سهواً لا يسجد للسهو.
-و من فاتته الصلاة العيد مع الإمام فله أن يصليها جماعة مع أمثاله من المتأخرين أو فرادى.
سابعاً: الخطبة .
ثم يقوم الإمام في خطب خطبة أو خطبتين (والأخير رأي جماهير الفقهاء) , ويستحب يكبّر بعد الحمد في الخطبة الأولى تسعا، وفي الثانية بعد الحمد سبعا , قال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيد بالتكبير .
🚦 *تنبيهات* 🚦
لا يجوز للمسلم أن يتعدى شرع الله في المباحات وفي السرور , فمن الناس من يلهو بمحرمات في العيد , ويختلط بالنساء في المتنزهات , وكل ذلك وغيره من المخالفات لا تجوز لا في العيد ولا في غيره , ومنه كثرة تبرج النساء وخروجهن مستعطرات متزينات وفي الصحيح قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قوْمٍ لِيَجْدوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)).
ومن ذلك الإغراق في المباحات من لبس وأكل وشرب حتى تجاوزوا الأمر إلى الإسراف في ذلك ، قال تعالى : (( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )) الأعراف : 31.
- ومن الملاحظات التي تتكرر في مناسبات الأعياد ، عبث الأطفال والمراهقين بالألعاب النارية ، التي تؤذي المسلمين ، وتروّع الآمنين ، وكم جرّت من مصائب وحوادث !! فهذا أصيب في عينه ، وذاك في رأسه والناس في غفلة من هذا الأمر , ولا شك أن ذلك من أعظم الآثام عند الله فليحذرها المسلم.
🔸-وأختم فأقول: قد قيل : من أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها ، إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها ، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها ، والمجتمع السعيد الصالح هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة ، وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى ، حيث يبدو في العيد متماسكا متعاونا متراحما تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء , والمحافظة على مبادئ دينه.
🌷تقبّل الله منا ومنكم🌷
*ملحق مهم*
🔘-مسألة : إذا اجتمعت الجمعة والعيد كهذا العام1439هـ.
🔆-اختلف العلماء في المسألة والراجح : أنه إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد، فعن زيد بن أرقم قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم رخص في الجمعة فقال: (من شاء أن يصلي فليصل) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة والحاكم والألباني وغيرهم.
وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون) رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
-ويستحب للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإنا مجمّعون).
♻-وأنقل هنا فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية لما سُئل عن ذلك فأجاب: الحمد لله إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
(أحدها) :أنه تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة .
(والثاني) :تسقط عن أهل البر ، مثل أهل العوالي والسواد؛ لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد .
(والقول الثالث): وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة ، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ، ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كعمر وعثمان ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن الزبير وغيرهم ، ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف .
وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة ، وفي لفظ أنه قال: « أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا ، فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون » . وأيضا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع ، ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة ، فتكون الظهر في وقتها ، والعيد يحصل مقصود الجمعة ، وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم ، وتكدير لمقصود عيدهم ، وما سن لهم من السرور فيه والانبساط ، فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال ، ولأن يوم الجمعة عيد ، ويوم الفطر والنحر عيد ، ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل إحداهما في الأخرى ، كما يدخل الوضوء في الغسل ، وأحد الغسلين في الآخر والله أعلم اهـ .
-وقال في موضع آخر: إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد، فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
أصحها: أنَّ من شهد العيد، سقطت عنه الجمعة، فقد اجتمع عبادتان من جنس واحد، فدخلت إحداهما في الأخرى، ولأنَّ في إيجابهما على الناس تضييقاً لمقصود عيدهم، وما سُنَّ لهم فيه من السرور والانبساط، فحينئذ تسقط الجمعة.
والله أعلم.
#مقالات_متنوعة
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik ...المزيد
📚🐪 #أحكام_الأضحية 🐑 📚 #خلاصات_فقهية 🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، ...
📚🐪 #أحكام_الأضحية 🐑 📚
#خلاصات_فقهية
🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
-الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فالأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، والعبادات الجليلة التي اهتم بها الفقه الإسلامي أيما اهتمام، فلذا كان لا بدّ للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظّم شأنها وذلك بالعلم بأهم أحكامها؛ حتى لا يقع في أخطاء شرعية تُبطل تلك العبادة، أو تنقص أجرها، وسوف أذكر لك -أخي القارئ العزيز- أهم أحكامها فيما أحسب- واعتمدت كثيراً في ذكر هذه المسائل على أسئلة السائلين، سواء في مجموعات الفتاوى الشرعية على الوتساب، أو رقمي بالخاص واتس أو تليجرام- ولنبدأ باسم الله:
💧 *تعريف الأضحية*
-الأضحية: هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) تقرباً إلى الله تعالى، من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق (يوم الثالث عشر من ذي الحجة )، بنية الأضحية.
🚦 *تنبيه:*💡
-يجب أن يتنبه المسلم لتجديد نيته – في كل عبادة وهنا في الأضحية خاصة- فلا تتحوّل العبادات إلى عادات فلا ينتفع بها العبد، ولا يجد حلاوة الإيمان في العمل بأمر الله، ولا يؤجر على فعله، وليتنبه لقول الله هنا:﴿لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّـقْوَى مِنكُمْ﴾، ومن قوله: ﴿وَلَـكِن يَنَالُهُ الـتَّـقْوَى مِنكُمْ﴾ ففيها تنبيه واضح لعباده بتجديد نواياهم وابتغاء مرضاة الله في ذلك لا غيره من هوى أو بشر....، وليعلموا جيداً أنه يجب أن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخراً، ولا رياءً ولا سمعة ولا غير ذاك، ولا مـجرد عادة مجتمعية كل عام.
🐪 *فضلُ الأضحية:*
-وردَت أحاديث ضعيفة في فضلِها منها ما روتْه عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:(ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا)؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
-ولا يَثبُت حديث صحيح في فضل الأضحية ، كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام ابن العربي المالكي .
لكن لاريب أن الله -عز وجل- يُعطي الأجر العظيم لمن استجاب له فأطاعه , لكن لم يثبت فيها أجر خاص، فيكون مقدار الأجر في عِلم الله تعالى كالصوم والصبر..
ولهذا كان من المناسب جداً ان أذكر بعض الأحاديث التي لا تصح , لكن تنتشر بين الناس خاصة مع توفّر وسائل التواصل حالياً فما من مناسبة إلا وتُنشر كل موضوعاتها...
🔎 *أحاديث لا تصح في الأضحية:*
1- ما سبق من حديث: ((ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
2- وكذلك : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة".
3- وكذلك: "يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بكل قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك. قالت: يا رسول الله ألنا خاصة آل البيت أو لنا وللمسلمين؟ قال: بل لنا وللمسلمين".
4- وكذلك: "استفرهوا –وفي رواية- عظّموا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط - وفي رواية – على الصراط مطاياكم – وفي رواية – إنها مطاياكم إلى الجنة".
5- وكذلك: "من ضحّى طيبة بها نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار".
6- وكذلك: "إن الله يعتق بكل عضو من الضحية عضوا من المضحّي - وفي رواية - يعتق بكل جزء من الأضحية جزءاً من المضحّي من النار".
7- وكذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحّى ليلاً".
🗓 *ما يستحب اجتنابه في العشر من أراد أن يضحي:*
-دلّت السنة على أن من أراد التضحية فيسنّ له - وقيل يجب عليه وسيأتي- أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي » وفي رواية :« فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً » أخرجه مسلم.
-قيل الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ ذلك : أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك (وهو التقرب إلى الله بذبح النسك) أُعْطي بعض أحكامه ، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار.
-ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة حتى يضحّي , والحكم متعلق بالمضحّي فقط دون أهل بيته ممن سيضحّي عنهم ، وسواء ذبح بنفسه او وكَّل غيره , أما الوكيل فلا يتعلق به نهي ، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث : (وأراد أحدكم أن يضحّي) ، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي كما سبق.
-ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام ؛ لأن هذا سنة عند الحاجة , لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته.
📖 *خلاف الفقهاء في حكم الأخذ* 🔖
-(قال الإمام النووي: قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وقال أبو حنيفة: يكره، واختلفت الرواية عن مالك) أ. هـ.
- *والراجح* أن ترك الأخذ سنة نبوية , والأخذ من الشعر أو البشر أو الظفر قبل أن يضحي وبعد دخول العشر مكروه , لكن لا يعني ذلك فساد الأضحية بإجماع الفقهاء, لا كما يظن بعض العوام: أن من أخذ من شعره أو بشره فلا أضحية له ولا تصح منه, ( وقد وردتني أسئلة متعددة بنحو هذا الكلام فليتنبه له).
( *يُراجع منشوري أحكام العشر من ذي الحجة وفضائلها* ).
📚 *حكم الأضحية* 🐄
-أجمع الفقهاء على مشروعية الأضحية وأنها شعيرة من شعائر الإسلام , وإذا تركها أهل بلد عن قدرة عليها , وعدم إيمان بها قوتلوا عليها ؛ لأنها من شعائر الإسلام , ثم اختلفوا في حكمها: فذهب جمهور الفقهاء –المالكية والشافعية والحنابلة- أنها سنة مؤكدة ( لكن صرّح كثير منهم بأنه يُكره تركها للقادر عليها ) ، - وذهب لوجوبها الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد , وأحد القولين في مذهب مالك ، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين ( *وهو الراجح لمن وجد سعة* ) ، واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قوله تعالى : ( فصلٍّ لربك وانحر ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : "الصلاة: المَكتوبة، والنحر: النُّسُك والذبحُ يومَ الأضحى" ، وكلمة (فصلٍّ) فعل أمر , والأمر يقتضي الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه.
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله » رواه مسلم , فهنا أمر بالإعادة (فليذبح) .
3- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربنّ مصلانا » رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم والألباني , فنهى من لم يضحٍّ من الصلاة زجراً له .
4- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية))؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن , فكل هذه الأحاديث يُفهم منها الأمر لا الندب.
-واستدل الجمهور بما يلي:
1- عن جابر - رضي الله عنه - قال: شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمُصلّى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبَحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((بسم الله، والله أكبر، اللهمَّ هذا عني وعمَّن لم يُضحِّ من أمتي))؛ أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه في الأضاحي، بسند صحيح.
قالوا: فمَن لم يُضحِّ مِنا،فقد كفاهُ تضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - وناهيكَ بها أضحيةً , والرد عليهم: أن ذلك عن من لم يجد مالاً ليضحي .
2- حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخلَت العشر، وأراد أحدُكم أن يُضحِّي، فلا يمسَّنَّ مِن شَعره وبشَرِه شيئًا))؛ أخرجه مسلم، قالوا: عُلِّق الذبح على الإرادة، والواجب لا يُعلَّق على الإرادة , والرد عليهم: أن التعليق بالإرادة يكون في الواجبات كقول الله:( لمن شاء منكم أن يستقيم) , وقوله: ( إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم...) الآية يعني : إذا أردتم القيام للصلاة...وغيرهما في القرآن والسنة.
🐐🐪 *شروط الأضحية المجزئة:*🐂🐑
-كما هي العادة في العبادات فلابد من أن تسبق بشروط وضوابط معلومة , فللأضحية شروط بينها العلماء وهي:
1- القدرة: بأن يكون صاحبها قادراً على ثمنها , فمن لم يجد فلا يجب عليه أن يتسلف مادام وأنه لن يستطيع الرد أو يصعب عليه ذلك , ومن كلّف نفسه فتسلف فهي مقبولة منه , ثم هنا وللظروف التي تمر بها بعض البلاد الإسلامية خاصة بلادنا العزيزة اليمن المكلومة: فلا قلق ولا حزن على الفقير إن لم يضحٍّ ؛ فقد ضحّى عنه النبي عليه الصلاة والسلام ونِعْم بها أضحية , كما في الصحيح قال: (اللهم هذا عني وعن من لم يضحٍّ من أمتي) , فلا يجوز له أن يكلّف نفسه فيستدين مادام يعسر عليه السداد , أما من كان قادراً على السداد فيجوز له شراء الأضحية دَيْناً ، ومن كانت عليه ديون وتزاحم الدَيْن مع الأضحية فالمقدّم سداد الدين ؛ لأنه أبرأ للذمة , وحق المخلوق , بينما الأضحية حق الخالق وحق الله مبنياً على العفو..
2-أن تكون من بهيمة الأنعام ( الغنم , الضأن , البقر , الإبل) , ولا تجزئ غيرها بالإجماع.
3- أن تكون في السن المعتبر شرعاً : ستة أشهر في الضأن (جذعة) إن لم يجد سواها , وفي الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم , والجذعة من الضأن مالها ستة أشهر كما سبق, ولا يجزئ ما دون ذلك من الضأن , ولا ما دون الثني من بقية بهيمة الأنعام(وهي المسنة التي شرطها الحديث) :
• والثنيُّ مِن المعز: ما بلغ سنَة ودخَل في الثانية.
• والثنيُّ من البقر: ما أتمَّ سنتَين ودخَل في الثالثة.
• والثنيُّ مِن الإبل: ما أتمَّ خمس سنين ودخل في السادسة.
• ولا يجزئ أقل من ذلك , ويجزئ - بلا شك - ما هو أكبر.
3- أن تكون خالية من العيوب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أربع لا يجزين في الأضاحي ، العوراء البين عورها ، المريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والعجفاء التي لا تنقي » صحيح ، وفي رواية: في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: ((أربعٌ: العرجاء البيِّن ظلعها، والعوراء البيِّن عوَرها، والمريضة البيِّن مرَضُها، والعجفاء التي لا تنقي))؛ -أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح.
(قال ابن عبد البر: أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجمع عليها؛ لا أعلم خلافًا بين العلماء فيها، ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها، فإذا كانت العلة في ذلك قائمة، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز, وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز، وكذلك ما كان مثل ذلك كله) أ. هـ.
-والأضحية قربة إلى الله ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، (ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
• والعيب الخفيف في الضحايا مَعفوٌّ عنه , وكذا ما كان من أصل خلقته كالكباش الخارجية مقطوعة الذيل( الاسترالية) , وكذا ما لا يؤثر في اللحم , وكذلك ما تعيبت لديه بعد شرائه لها سليمة بشرط بدون تقصير منه فله أن يضحي بها ولو تعيبت, وإن خرج من الخلاف وباعها واشترى أفضل منها فهو خير وأفضل ما لم يكلّف على نفسه.
4-أن تكون في الوقت المحدد شرعاَ , وهذا الوقت هو: من بعد صلاة العيد، (وليس من بعد دخول وقت الصلاة) , إلى قبل مغيب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة , فإن ذُبحت قبل الوقت المحدد أو بعده لم تُجزئ.
وقد اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنَّة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نُصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهلِه، ليس من النسك في شيء))؛ متفق عليه.
كما أنهم اتَّفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يَجوز ولا تجزئ عنه أضحية وإنما هي لحم أطعمه أهله ؛ كما ورد في الحديث الصحيح السابق ، وحديث جندب بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يُصلي - أو نصلي - فليذبح مكانها أخرى))؛ متفق عليه.
-ولا مانع من الذبح في الأيام التي مرت نهـاراً أو ليـلاً –على الراجح- وكره جمهور الفقهاء الذبح بالليل لكن لا دليل لهم.
⌚ *آخِرُ وقت لذبح الأضحية*
-وما تقدّم من أن وقت الذبح يستمر يوم العيد ويومان بعده هو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي -وهو الراجح ورجحه ابن تيمية وابن القيم- , وذهب جمهور الفقهاء- الحنفية، والمالكية، والحنابلة- أن وقت الأضحية يوم العيد ويومان بعده..
🕹 *فضل الذبح على التصدّق بالقيمة*
ذهب جماهير الفقهاء إلى أن ذبح الأضحية والتصدق بلحمها أفضل من التصدق بقيمتها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى مع وجود فقراء في زمنه , ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل ولاشك بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
🐑🐐 *الأضحية بالخصي:*
-عن عائشة وأبي هريرة، رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يُضحّي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين (خصيين)، فذبح أحدهما عن أمته ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم).
🐂 *سُنّة استحسان الأضحية واستسمانها*
-(قال ابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب)، قال بعض السلف: لا يهدي أحدكم لله تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267] , ولذا ذُكر عن السلف أنهم كانوا يستسمنون أضاحيهم.
🐑🐐 *الأفضل من بهيمة الأنعام* 🐂🐪
-اختلف الفقهاء في الأفضل من بهيمة الأنعام ،فذهب الشافعي إلى تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الكباش، وأما مالك فوافق الشافعي في الهدي، وقال بعكس ذلك في الأضحية، ففضّل الكباش، ثم البقر، ثم الإبل، ولعل سبب اختلافهم: ورود حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بالكباش؛ ولأن الله فدى إسماعيل بذبح عظيم وهو الكبش كما هو الراجح وما عليه الجمهور , ومن فضّل الإبل ثم البقر ثم الكباش(الشافعي) فنظر إلى الأكثر لحماً وأغلى قيمة , لكن الراجح خلافه ؛ لما مر من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ وكونها أفضل لحماً كما هو المعروف.
-والأفضل في الأضاحي الذكر دون الأنثى – إلا الماعز-.
🗡 *الأحق بالذبح*
-يستحب للمضحي أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح؛ لأنه عبادة وقربة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذبح أضحيته بنفسه، وذبح هديه، وإن لم يتولَ ذبحه بيده، فالأفضل أن يحضر عند ذبحه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة: (احضري أضحيتك يغفر لكِ بأول قطرة من دمها) , وهكذا فعل عليه الصلاة والسلام لما وكّل علياً في الهدي.
🚦 *تنبيه:*
-الحكم عام للرجال والنساء , و ذبيحة المرأة حلال -لا كما ينتشر جهلاً- سواء كان ذلك بحضرة رجال الدار أو بغيبتهم مادامت تحسن الذبح , ولا فرق بين أن تكون حائضاً أو على طهر.
🔪 *كيفية ذبح الأضحية*
-يستحب أن تنحر الإبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى , والبقر والغنم يضجعها على شقها الأيسر(والمقصود من ذلك راحة البهيمة) مستقبلاً بها القبلة، ويضع رجله على رقبتها حين الذبح , وأما أيديها وأرجلها: فإن الأحسن أن تبقى مطلقة غير ممسوكة , إن كان ذلك أرْيح لها ،و ذلك أبلغ في إخراج الدم منها ؛لأن الدم مع الحركة يخرج أكثر، فهذا أفضل, ثم يقول:( بسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك) , ولا صحة لما ذهب إليه الهادوية من الزيدية من قول عند ذبح الأضحية : (الحمد لله الذي هدانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الأنعام) , وهو من انفراداتهم.
📝 *من آداب الذبح*
-إذا أراد الذبح فإنه مطالب بأمور:
- أن يذبح بسكـين حـادة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذا ذبـحتم فأحسنوا الـذِّبحة، ولْـيُحدَّ أحدكم شفرته، ولْيُرح ذبيحته} [رواه مسلم].
- ألا يحد شفرته وهي تنظر، وفي الصحيح عن ابن عباس:( أن رجلا أضجع شاة وهو يُحِد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{أتريد أن تميتها موتــتين! هلّا أحْددت شفرتك قبل أن تُضجـعها!}) , وأيضاً: لا يذبحها والأخرى تنظر؛ لأنها تعرف مصيرها فتخاف.
- ومن الآداب سـحب الذبيحة برفق: فعن محمد بن سيرين: أن عمراً رضي الله عنه رأى رجلاً يجر شاة ليذبحها، فضربه بالـدرة وقال: «سُقها - لا أم لك- إلى الموت سَوقاً جميلا». رواه البيهقي.
- ومن السنة الذبح إلى القبلة , (وما سبق عام في كل ذبح أضحية أو لا) .
- ويقال عند الذبح ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن ذبح كبشيْن أقرنيْن أملحيْن مَوجوءيْن في أضحيته، فلما وجههما قال:{إني وجهتُ وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً على ملة إبراهيم، وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرِتُ، وأنا أولُ المسلمين، اللهم منك ولك} والحديث في صحيح سنن أبي داود , وورد قول : باسم الله، والله أكبر، اللّهم إن هذا منك ولك، اللهم تقبل مني.
🐪 *تقسيم الأضحية*
-يستحب أن يأكل ثلثًاً ويتصدق بثلث ويهدي بثلث – استحباباً- قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ، وهو ما استحبه جمهور الفقهاء , والأمر يعود للمضحي نفسه فإذا كان الفقراء بحاجة ماسة فالمستحب في حقه أن يجعل لهم ثلثي الأضحية وثلث له , ولا هدية في حقه وهكذا.
-ولا بد من أن يأكل المضحّي من أضحيته ولو قليلاً؛ لينال بركتها , وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام :{إذا ضحّى أحدكم فلْيأكل من أضحيته} صححه الألباني ؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لما حج حجة الوداع أهدى ثلاثاً وستين بَدَنة، ونحرها بيده عليه السلام، ثم وكَّل علياً بأن يوزعها على الفقراء والمساكين، وأن يهيأ له من كل واحدة منها قطعة، ويطبخ ذلك ليأكل منه.
-واختار بعض الفقهاء أن يكون الأكل من الكبد ؛ لأنه أخف وأسرع نضجاً ، لكن ليس من باب التعبد.
🐑 *هبة الأضاحي للمحتاجين ليضحوا بها:*
-قد ثبت في البخاري:( أن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم ضحايا بين أصحابه) , ففيه دلالة على جواز توزيع أهل الغنى ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها , ولهم الأجر مرتين , وهذه دعوة لكل من يستطيع أن يفعل ذلك فلا يبخل على نفسه من أن ينقذها من النار , وفي المتفق عليه: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) , هذا شق تمرة ينجي من النار فكيف بالكيلو وأكثر منه للفقراء .
📿 *إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية:*
-يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لتصرفها على الفقراء –إن كانت تفعل-، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها.
🥩 *الادخار من لحم الأضحية:*
-ثبت في الأحاديث الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي في إحدى السنوات ؛ لما كانت بالمسلمين حاجة للحم بسبب الوفود في المدينة، ثم أذن في الادخار بعد ذلك، أي أن النهي عن الادخار منسوخ، وبهذا قال جماهير أهل العلم...فيجوز الادخار , لكن في مثل هذه السنوات الشداد التي تمر بها بلادنا المكلومة لا أرى جواز ادخار اللحم مادام وان المضحّي بجواره فقراء بحاجة إلى اللحم.
🐪 *الاشـتراك في الأضحية الواحدة* 🐂
-الاشتراك في الأضاحي ينقسم إلى قسمين:
1- اشتراك مُلك : ولا يجزئ أن يشتـرك اثنان فأكثر - اشتراك مُلك- في الأضحية الواحدة من الغنم (ضأنها أو معزها) فلا تجزئ إلا عن الرجل وعن من يعيلهم طول العام أو أكثره.
• أما الاشتراك في البقرة أو في البعير (الإبل): فيجوز أن يشترك السبعة في واحدة؛ وفي الصحيح عن جـابر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة} رواه مسلم.
2-التشريك بالثواب: فهذا لا حرج أن يضحي الإنسان بالشاة عنه وعن أهل بيته وإن كـانوا كثيـرين ، بل له أن يضحّي عن نفسه وعن الأمة الإسلامية كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فيما مرّ (لكن لا يعني هذا أن أضحيته تجزئ عنهم).
⚖ *الضابط في البيت الواحد*
- حد البيت الذي تجزئ عنه أضحية واحدة وإن كثروا هم: من يجمعهم بيت واحد , ومطبخ واحد طول العام أو أغلبه , أما إذا جاء الولد بيت والده –مثلاً- في العيد بأهله فيجب عليه أضحية مستقلة عن والده -إن استطاع كما مر- وهكذا غيره كالإخوة , أما إن كانوا جميعاً في دار واحدة يجمعهم مطبخ واحد فعليهم جميعاً أضحية واحدة فقط وإن زادوا عنها فحسن.
- ومن كان خارج البلد بلا أسرته فيجزئ عنه أضحية والده في بلده – إن شاء الله-.
- وإن كان الرجل متزوجاً زوجتين أو أكثر فأضحية واحدة تكفي أيضاً , كما أجزأت أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجاته جميعاً , وفي الحديث الصحيح عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: « كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون » رواه ابن ماجة والترمذي وصححه .
🐪 *الاشتراك في الأضحية لغير قربة*
-اشترط الحنفية في صحِّة الاشتراك في الأضحية : أن يكون الكل مريدين للقربة وإن اختلفت جهاتها (من أضحية، وقران، ومتعة) قالوا: فلو كان أحدهم مريداً لحماً لأهله –مثلاً- فلا تجزئ عنهم جميعاً, أما الشافعية والحنابلة فلم يشترطوا ( وهو الراجح وما رجحه شيخنا العمراني): أن يتحد جميع المشتركين في الأضحية في إرادة القربة , وسواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا، كما إذا قصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي، وكذا لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية, كما يحصل: أن عشرة يشتركون في بقرة واحدة –ومعلوم أنها لا تجزئ إلا عن سبعة كما مر- فنقول على الراجح: من أخذ منها سبيعاً أجزأ عنه ولا تنفسخ أضحيته , وأما من لم يأخذ سبيعاً لمفرده وإنما اشترك اثنان أو أكثر فيه فليس بضحية بل هو لحم لأهله باتفاق الفقهاء , والخلاف إنما هو هل يفسخ أضحية غيره أم لا ؟ *فالراجح* -كما سبق- أنه لا يفسخ إلا أضحية نفسه , لكن الأحوط : أن المضحي لا يأخذ إلا مما لا شبهة فيه يعني: لا يشترك في تلك الأضحية إلا من أراد القربة فقط.
🐐 *حكم بيع الأضحية*
- إذا تعيَّنت الأضحية لم يَجُز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، فلا يجوز بيعها حتى لو ضعفت وهزلت - إلا إذا اشترى أفضل منها فقد أجاز ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة -.
- ولا يبيع جلدها بعد الذبح؛{من باع جلد أضحيته فلا أضحية له} صححه الألباني؛ لأنها تعيَّنت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه, لكن له الانتفاع به , أو هبته لفقير , فإذا باعه الفقير فلا مانع , وإن كان لن يقبله فقير فلا مانع من بيعه إن شاء الله خير من رميه فالإسراف محرّم.
- واتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو أيٍ من أجزائها: ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق , ، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة؛ لقول علي رضي الله عنه:( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزار منها شيئاً ، وقال نحن نعطيه من عندنا ) متفق عليه, أما على سبيل الهدية أو كونه فقيراً فيجوز –على الراجح-لكن لا تُحسب من الأجرة.
🕋 *أضحية الحاج*
-الأضحية تجب على غير الحاج من المسافرين عند جمهور الفقهاء ؛ لعموم الأدلة بدون تفريق بين المسافر وغيره ، أما الحاج فقد اختلف أهل العلم فيه والراجح أنها لا تجب عليه، ولم يُعرف عن الصحابة الذين حجوا مع ال ...المزيد
#خلاصات_فقهية
🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
-الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فالأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، والعبادات الجليلة التي اهتم بها الفقه الإسلامي أيما اهتمام، فلذا كان لا بدّ للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظّم شأنها وذلك بالعلم بأهم أحكامها؛ حتى لا يقع في أخطاء شرعية تُبطل تلك العبادة، أو تنقص أجرها، وسوف أذكر لك -أخي القارئ العزيز- أهم أحكامها فيما أحسب- واعتمدت كثيراً في ذكر هذه المسائل على أسئلة السائلين، سواء في مجموعات الفتاوى الشرعية على الوتساب، أو رقمي بالخاص واتس أو تليجرام- ولنبدأ باسم الله:
💧 *تعريف الأضحية*
-الأضحية: هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) تقرباً إلى الله تعالى، من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق (يوم الثالث عشر من ذي الحجة )، بنية الأضحية.
🚦 *تنبيه:*💡
-يجب أن يتنبه المسلم لتجديد نيته – في كل عبادة وهنا في الأضحية خاصة- فلا تتحوّل العبادات إلى عادات فلا ينتفع بها العبد، ولا يجد حلاوة الإيمان في العمل بأمر الله، ولا يؤجر على فعله، وليتنبه لقول الله هنا:﴿لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّـقْوَى مِنكُمْ﴾، ومن قوله: ﴿وَلَـكِن يَنَالُهُ الـتَّـقْوَى مِنكُمْ﴾ ففيها تنبيه واضح لعباده بتجديد نواياهم وابتغاء مرضاة الله في ذلك لا غيره من هوى أو بشر....، وليعلموا جيداً أنه يجب أن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخراً، ولا رياءً ولا سمعة ولا غير ذاك، ولا مـجرد عادة مجتمعية كل عام.
🐪 *فضلُ الأضحية:*
-وردَت أحاديث ضعيفة في فضلِها منها ما روتْه عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:(ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا)؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
-ولا يَثبُت حديث صحيح في فضل الأضحية ، كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام ابن العربي المالكي .
لكن لاريب أن الله -عز وجل- يُعطي الأجر العظيم لمن استجاب له فأطاعه , لكن لم يثبت فيها أجر خاص، فيكون مقدار الأجر في عِلم الله تعالى كالصوم والصبر..
ولهذا كان من المناسب جداً ان أذكر بعض الأحاديث التي لا تصح , لكن تنتشر بين الناس خاصة مع توفّر وسائل التواصل حالياً فما من مناسبة إلا وتُنشر كل موضوعاتها...
🔎 *أحاديث لا تصح في الأضحية:*
1- ما سبق من حديث: ((ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
2- وكذلك : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة".
3- وكذلك: "يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بكل قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك. قالت: يا رسول الله ألنا خاصة آل البيت أو لنا وللمسلمين؟ قال: بل لنا وللمسلمين".
4- وكذلك: "استفرهوا –وفي رواية- عظّموا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط - وفي رواية – على الصراط مطاياكم – وفي رواية – إنها مطاياكم إلى الجنة".
5- وكذلك: "من ضحّى طيبة بها نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار".
6- وكذلك: "إن الله يعتق بكل عضو من الضحية عضوا من المضحّي - وفي رواية - يعتق بكل جزء من الأضحية جزءاً من المضحّي من النار".
7- وكذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحّى ليلاً".
🗓 *ما يستحب اجتنابه في العشر من أراد أن يضحي:*
-دلّت السنة على أن من أراد التضحية فيسنّ له - وقيل يجب عليه وسيأتي- أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي » وفي رواية :« فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً » أخرجه مسلم.
-قيل الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ ذلك : أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك (وهو التقرب إلى الله بذبح النسك) أُعْطي بعض أحكامه ، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار.
-ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة حتى يضحّي , والحكم متعلق بالمضحّي فقط دون أهل بيته ممن سيضحّي عنهم ، وسواء ذبح بنفسه او وكَّل غيره , أما الوكيل فلا يتعلق به نهي ، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث : (وأراد أحدكم أن يضحّي) ، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي كما سبق.
-ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام ؛ لأن هذا سنة عند الحاجة , لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته.
📖 *خلاف الفقهاء في حكم الأخذ* 🔖
-(قال الإمام النووي: قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وقال أبو حنيفة: يكره، واختلفت الرواية عن مالك) أ. هـ.
- *والراجح* أن ترك الأخذ سنة نبوية , والأخذ من الشعر أو البشر أو الظفر قبل أن يضحي وبعد دخول العشر مكروه , لكن لا يعني ذلك فساد الأضحية بإجماع الفقهاء, لا كما يظن بعض العوام: أن من أخذ من شعره أو بشره فلا أضحية له ولا تصح منه, ( وقد وردتني أسئلة متعددة بنحو هذا الكلام فليتنبه له).
( *يُراجع منشوري أحكام العشر من ذي الحجة وفضائلها* ).
📚 *حكم الأضحية* 🐄
-أجمع الفقهاء على مشروعية الأضحية وأنها شعيرة من شعائر الإسلام , وإذا تركها أهل بلد عن قدرة عليها , وعدم إيمان بها قوتلوا عليها ؛ لأنها من شعائر الإسلام , ثم اختلفوا في حكمها: فذهب جمهور الفقهاء –المالكية والشافعية والحنابلة- أنها سنة مؤكدة ( لكن صرّح كثير منهم بأنه يُكره تركها للقادر عليها ) ، - وذهب لوجوبها الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد , وأحد القولين في مذهب مالك ، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين ( *وهو الراجح لمن وجد سعة* ) ، واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قوله تعالى : ( فصلٍّ لربك وانحر ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : "الصلاة: المَكتوبة، والنحر: النُّسُك والذبحُ يومَ الأضحى" ، وكلمة (فصلٍّ) فعل أمر , والأمر يقتضي الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه.
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله » رواه مسلم , فهنا أمر بالإعادة (فليذبح) .
3- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربنّ مصلانا » رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم والألباني , فنهى من لم يضحٍّ من الصلاة زجراً له .
4- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية))؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن , فكل هذه الأحاديث يُفهم منها الأمر لا الندب.
-واستدل الجمهور بما يلي:
1- عن جابر - رضي الله عنه - قال: شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمُصلّى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبَحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((بسم الله، والله أكبر، اللهمَّ هذا عني وعمَّن لم يُضحِّ من أمتي))؛ أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه في الأضاحي، بسند صحيح.
قالوا: فمَن لم يُضحِّ مِنا،فقد كفاهُ تضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - وناهيكَ بها أضحيةً , والرد عليهم: أن ذلك عن من لم يجد مالاً ليضحي .
2- حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخلَت العشر، وأراد أحدُكم أن يُضحِّي، فلا يمسَّنَّ مِن شَعره وبشَرِه شيئًا))؛ أخرجه مسلم، قالوا: عُلِّق الذبح على الإرادة، والواجب لا يُعلَّق على الإرادة , والرد عليهم: أن التعليق بالإرادة يكون في الواجبات كقول الله:( لمن شاء منكم أن يستقيم) , وقوله: ( إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم...) الآية يعني : إذا أردتم القيام للصلاة...وغيرهما في القرآن والسنة.
🐐🐪 *شروط الأضحية المجزئة:*🐂🐑
-كما هي العادة في العبادات فلابد من أن تسبق بشروط وضوابط معلومة , فللأضحية شروط بينها العلماء وهي:
1- القدرة: بأن يكون صاحبها قادراً على ثمنها , فمن لم يجد فلا يجب عليه أن يتسلف مادام وأنه لن يستطيع الرد أو يصعب عليه ذلك , ومن كلّف نفسه فتسلف فهي مقبولة منه , ثم هنا وللظروف التي تمر بها بعض البلاد الإسلامية خاصة بلادنا العزيزة اليمن المكلومة: فلا قلق ولا حزن على الفقير إن لم يضحٍّ ؛ فقد ضحّى عنه النبي عليه الصلاة والسلام ونِعْم بها أضحية , كما في الصحيح قال: (اللهم هذا عني وعن من لم يضحٍّ من أمتي) , فلا يجوز له أن يكلّف نفسه فيستدين مادام يعسر عليه السداد , أما من كان قادراً على السداد فيجوز له شراء الأضحية دَيْناً ، ومن كانت عليه ديون وتزاحم الدَيْن مع الأضحية فالمقدّم سداد الدين ؛ لأنه أبرأ للذمة , وحق المخلوق , بينما الأضحية حق الخالق وحق الله مبنياً على العفو..
2-أن تكون من بهيمة الأنعام ( الغنم , الضأن , البقر , الإبل) , ولا تجزئ غيرها بالإجماع.
3- أن تكون في السن المعتبر شرعاً : ستة أشهر في الضأن (جذعة) إن لم يجد سواها , وفي الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم , والجذعة من الضأن مالها ستة أشهر كما سبق, ولا يجزئ ما دون ذلك من الضأن , ولا ما دون الثني من بقية بهيمة الأنعام(وهي المسنة التي شرطها الحديث) :
• والثنيُّ مِن المعز: ما بلغ سنَة ودخَل في الثانية.
• والثنيُّ من البقر: ما أتمَّ سنتَين ودخَل في الثالثة.
• والثنيُّ مِن الإبل: ما أتمَّ خمس سنين ودخل في السادسة.
• ولا يجزئ أقل من ذلك , ويجزئ - بلا شك - ما هو أكبر.
3- أن تكون خالية من العيوب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أربع لا يجزين في الأضاحي ، العوراء البين عورها ، المريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والعجفاء التي لا تنقي » صحيح ، وفي رواية: في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: ((أربعٌ: العرجاء البيِّن ظلعها، والعوراء البيِّن عوَرها، والمريضة البيِّن مرَضُها، والعجفاء التي لا تنقي))؛ -أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح.
(قال ابن عبد البر: أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجمع عليها؛ لا أعلم خلافًا بين العلماء فيها، ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها، فإذا كانت العلة في ذلك قائمة، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز, وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز، وكذلك ما كان مثل ذلك كله) أ. هـ.
-والأضحية قربة إلى الله ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، (ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
• والعيب الخفيف في الضحايا مَعفوٌّ عنه , وكذا ما كان من أصل خلقته كالكباش الخارجية مقطوعة الذيل( الاسترالية) , وكذا ما لا يؤثر في اللحم , وكذلك ما تعيبت لديه بعد شرائه لها سليمة بشرط بدون تقصير منه فله أن يضحي بها ولو تعيبت, وإن خرج من الخلاف وباعها واشترى أفضل منها فهو خير وأفضل ما لم يكلّف على نفسه.
4-أن تكون في الوقت المحدد شرعاَ , وهذا الوقت هو: من بعد صلاة العيد، (وليس من بعد دخول وقت الصلاة) , إلى قبل مغيب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة , فإن ذُبحت قبل الوقت المحدد أو بعده لم تُجزئ.
وقد اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنَّة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نُصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهلِه، ليس من النسك في شيء))؛ متفق عليه.
كما أنهم اتَّفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يَجوز ولا تجزئ عنه أضحية وإنما هي لحم أطعمه أهله ؛ كما ورد في الحديث الصحيح السابق ، وحديث جندب بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يُصلي - أو نصلي - فليذبح مكانها أخرى))؛ متفق عليه.
-ولا مانع من الذبح في الأيام التي مرت نهـاراً أو ليـلاً –على الراجح- وكره جمهور الفقهاء الذبح بالليل لكن لا دليل لهم.
⌚ *آخِرُ وقت لذبح الأضحية*
-وما تقدّم من أن وقت الذبح يستمر يوم العيد ويومان بعده هو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي -وهو الراجح ورجحه ابن تيمية وابن القيم- , وذهب جمهور الفقهاء- الحنفية، والمالكية، والحنابلة- أن وقت الأضحية يوم العيد ويومان بعده..
🕹 *فضل الذبح على التصدّق بالقيمة*
ذهب جماهير الفقهاء إلى أن ذبح الأضحية والتصدق بلحمها أفضل من التصدق بقيمتها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى مع وجود فقراء في زمنه , ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل ولاشك بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
🐑🐐 *الأضحية بالخصي:*
-عن عائشة وأبي هريرة، رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يُضحّي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين (خصيين)، فذبح أحدهما عن أمته ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم).
🐂 *سُنّة استحسان الأضحية واستسمانها*
-(قال ابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب)، قال بعض السلف: لا يهدي أحدكم لله تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267] , ولذا ذُكر عن السلف أنهم كانوا يستسمنون أضاحيهم.
🐑🐐 *الأفضل من بهيمة الأنعام* 🐂🐪
-اختلف الفقهاء في الأفضل من بهيمة الأنعام ،فذهب الشافعي إلى تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الكباش، وأما مالك فوافق الشافعي في الهدي، وقال بعكس ذلك في الأضحية، ففضّل الكباش، ثم البقر، ثم الإبل، ولعل سبب اختلافهم: ورود حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بالكباش؛ ولأن الله فدى إسماعيل بذبح عظيم وهو الكبش كما هو الراجح وما عليه الجمهور , ومن فضّل الإبل ثم البقر ثم الكباش(الشافعي) فنظر إلى الأكثر لحماً وأغلى قيمة , لكن الراجح خلافه ؛ لما مر من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ وكونها أفضل لحماً كما هو المعروف.
-والأفضل في الأضاحي الذكر دون الأنثى – إلا الماعز-.
🗡 *الأحق بالذبح*
-يستحب للمضحي أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح؛ لأنه عبادة وقربة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذبح أضحيته بنفسه، وذبح هديه، وإن لم يتولَ ذبحه بيده، فالأفضل أن يحضر عند ذبحه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة: (احضري أضحيتك يغفر لكِ بأول قطرة من دمها) , وهكذا فعل عليه الصلاة والسلام لما وكّل علياً في الهدي.
🚦 *تنبيه:*
-الحكم عام للرجال والنساء , و ذبيحة المرأة حلال -لا كما ينتشر جهلاً- سواء كان ذلك بحضرة رجال الدار أو بغيبتهم مادامت تحسن الذبح , ولا فرق بين أن تكون حائضاً أو على طهر.
🔪 *كيفية ذبح الأضحية*
-يستحب أن تنحر الإبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى , والبقر والغنم يضجعها على شقها الأيسر(والمقصود من ذلك راحة البهيمة) مستقبلاً بها القبلة، ويضع رجله على رقبتها حين الذبح , وأما أيديها وأرجلها: فإن الأحسن أن تبقى مطلقة غير ممسوكة , إن كان ذلك أرْيح لها ،و ذلك أبلغ في إخراج الدم منها ؛لأن الدم مع الحركة يخرج أكثر، فهذا أفضل, ثم يقول:( بسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك) , ولا صحة لما ذهب إليه الهادوية من الزيدية من قول عند ذبح الأضحية : (الحمد لله الذي هدانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الأنعام) , وهو من انفراداتهم.
📝 *من آداب الذبح*
-إذا أراد الذبح فإنه مطالب بأمور:
- أن يذبح بسكـين حـادة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذا ذبـحتم فأحسنوا الـذِّبحة، ولْـيُحدَّ أحدكم شفرته، ولْيُرح ذبيحته} [رواه مسلم].
- ألا يحد شفرته وهي تنظر، وفي الصحيح عن ابن عباس:( أن رجلا أضجع شاة وهو يُحِد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{أتريد أن تميتها موتــتين! هلّا أحْددت شفرتك قبل أن تُضجـعها!}) , وأيضاً: لا يذبحها والأخرى تنظر؛ لأنها تعرف مصيرها فتخاف.
- ومن الآداب سـحب الذبيحة برفق: فعن محمد بن سيرين: أن عمراً رضي الله عنه رأى رجلاً يجر شاة ليذبحها، فضربه بالـدرة وقال: «سُقها - لا أم لك- إلى الموت سَوقاً جميلا». رواه البيهقي.
- ومن السنة الذبح إلى القبلة , (وما سبق عام في كل ذبح أضحية أو لا) .
- ويقال عند الذبح ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن ذبح كبشيْن أقرنيْن أملحيْن مَوجوءيْن في أضحيته، فلما وجههما قال:{إني وجهتُ وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً على ملة إبراهيم، وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرِتُ، وأنا أولُ المسلمين، اللهم منك ولك} والحديث في صحيح سنن أبي داود , وورد قول : باسم الله، والله أكبر، اللّهم إن هذا منك ولك، اللهم تقبل مني.
🐪 *تقسيم الأضحية*
-يستحب أن يأكل ثلثًاً ويتصدق بثلث ويهدي بثلث – استحباباً- قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ، وهو ما استحبه جمهور الفقهاء , والأمر يعود للمضحي نفسه فإذا كان الفقراء بحاجة ماسة فالمستحب في حقه أن يجعل لهم ثلثي الأضحية وثلث له , ولا هدية في حقه وهكذا.
-ولا بد من أن يأكل المضحّي من أضحيته ولو قليلاً؛ لينال بركتها , وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام :{إذا ضحّى أحدكم فلْيأكل من أضحيته} صححه الألباني ؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لما حج حجة الوداع أهدى ثلاثاً وستين بَدَنة، ونحرها بيده عليه السلام، ثم وكَّل علياً بأن يوزعها على الفقراء والمساكين، وأن يهيأ له من كل واحدة منها قطعة، ويطبخ ذلك ليأكل منه.
-واختار بعض الفقهاء أن يكون الأكل من الكبد ؛ لأنه أخف وأسرع نضجاً ، لكن ليس من باب التعبد.
🐑 *هبة الأضاحي للمحتاجين ليضحوا بها:*
-قد ثبت في البخاري:( أن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم ضحايا بين أصحابه) , ففيه دلالة على جواز توزيع أهل الغنى ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها , ولهم الأجر مرتين , وهذه دعوة لكل من يستطيع أن يفعل ذلك فلا يبخل على نفسه من أن ينقذها من النار , وفي المتفق عليه: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) , هذا شق تمرة ينجي من النار فكيف بالكيلو وأكثر منه للفقراء .
📿 *إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية:*
-يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لتصرفها على الفقراء –إن كانت تفعل-، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها.
🥩 *الادخار من لحم الأضحية:*
-ثبت في الأحاديث الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي في إحدى السنوات ؛ لما كانت بالمسلمين حاجة للحم بسبب الوفود في المدينة، ثم أذن في الادخار بعد ذلك، أي أن النهي عن الادخار منسوخ، وبهذا قال جماهير أهل العلم...فيجوز الادخار , لكن في مثل هذه السنوات الشداد التي تمر بها بلادنا المكلومة لا أرى جواز ادخار اللحم مادام وان المضحّي بجواره فقراء بحاجة إلى اللحم.
🐪 *الاشـتراك في الأضحية الواحدة* 🐂
-الاشتراك في الأضاحي ينقسم إلى قسمين:
1- اشتراك مُلك : ولا يجزئ أن يشتـرك اثنان فأكثر - اشتراك مُلك- في الأضحية الواحدة من الغنم (ضأنها أو معزها) فلا تجزئ إلا عن الرجل وعن من يعيلهم طول العام أو أكثره.
• أما الاشتراك في البقرة أو في البعير (الإبل): فيجوز أن يشترك السبعة في واحدة؛ وفي الصحيح عن جـابر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة} رواه مسلم.
2-التشريك بالثواب: فهذا لا حرج أن يضحي الإنسان بالشاة عنه وعن أهل بيته وإن كـانوا كثيـرين ، بل له أن يضحّي عن نفسه وعن الأمة الإسلامية كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فيما مرّ (لكن لا يعني هذا أن أضحيته تجزئ عنهم).
⚖ *الضابط في البيت الواحد*
- حد البيت الذي تجزئ عنه أضحية واحدة وإن كثروا هم: من يجمعهم بيت واحد , ومطبخ واحد طول العام أو أغلبه , أما إذا جاء الولد بيت والده –مثلاً- في العيد بأهله فيجب عليه أضحية مستقلة عن والده -إن استطاع كما مر- وهكذا غيره كالإخوة , أما إن كانوا جميعاً في دار واحدة يجمعهم مطبخ واحد فعليهم جميعاً أضحية واحدة فقط وإن زادوا عنها فحسن.
- ومن كان خارج البلد بلا أسرته فيجزئ عنه أضحية والده في بلده – إن شاء الله-.
- وإن كان الرجل متزوجاً زوجتين أو أكثر فأضحية واحدة تكفي أيضاً , كما أجزأت أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجاته جميعاً , وفي الحديث الصحيح عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: « كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون » رواه ابن ماجة والترمذي وصححه .
🐪 *الاشتراك في الأضحية لغير قربة*
-اشترط الحنفية في صحِّة الاشتراك في الأضحية : أن يكون الكل مريدين للقربة وإن اختلفت جهاتها (من أضحية، وقران، ومتعة) قالوا: فلو كان أحدهم مريداً لحماً لأهله –مثلاً- فلا تجزئ عنهم جميعاً, أما الشافعية والحنابلة فلم يشترطوا ( وهو الراجح وما رجحه شيخنا العمراني): أن يتحد جميع المشتركين في الأضحية في إرادة القربة , وسواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا، كما إذا قصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي، وكذا لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية, كما يحصل: أن عشرة يشتركون في بقرة واحدة –ومعلوم أنها لا تجزئ إلا عن سبعة كما مر- فنقول على الراجح: من أخذ منها سبيعاً أجزأ عنه ولا تنفسخ أضحيته , وأما من لم يأخذ سبيعاً لمفرده وإنما اشترك اثنان أو أكثر فيه فليس بضحية بل هو لحم لأهله باتفاق الفقهاء , والخلاف إنما هو هل يفسخ أضحية غيره أم لا ؟ *فالراجح* -كما سبق- أنه لا يفسخ إلا أضحية نفسه , لكن الأحوط : أن المضحي لا يأخذ إلا مما لا شبهة فيه يعني: لا يشترك في تلك الأضحية إلا من أراد القربة فقط.
🐐 *حكم بيع الأضحية*
- إذا تعيَّنت الأضحية لم يَجُز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، فلا يجوز بيعها حتى لو ضعفت وهزلت - إلا إذا اشترى أفضل منها فقد أجاز ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة -.
- ولا يبيع جلدها بعد الذبح؛{من باع جلد أضحيته فلا أضحية له} صححه الألباني؛ لأنها تعيَّنت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه, لكن له الانتفاع به , أو هبته لفقير , فإذا باعه الفقير فلا مانع , وإن كان لن يقبله فقير فلا مانع من بيعه إن شاء الله خير من رميه فالإسراف محرّم.
- واتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو أيٍ من أجزائها: ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق , ، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة؛ لقول علي رضي الله عنه:( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزار منها شيئاً ، وقال نحن نعطيه من عندنا ) متفق عليه, أما على سبيل الهدية أو كونه فقيراً فيجوز –على الراجح-لكن لا تُحسب من الأجرة.
🕋 *أضحية الحاج*
-الأضحية تجب على غير الحاج من المسافرين عند جمهور الفقهاء ؛ لعموم الأدلة بدون تفريق بين المسافر وغيره ، أما الحاج فقد اختلف أهل العلم فيه والراجح أنها لا تجب عليه، ولم يُعرف عن الصحابة الذين حجوا مع ال ...المزيد
📚🐪 #أحكام_الأضحية 🐑 📚 #خلاصات_فقهية 🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، ...
📚🐪 #أحكام_الأضحية 🐑 📚
#خلاصات_فقهية
🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
-الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فالأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، والعبادات الجليلة التي اهتم بها الفقه الإسلامي أيما اهتمام، فلذا كان لا بدّ للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظّم شأنها وذلك بالعلم بأهم أحكامها؛ حتى لا يقع في أخطاء شرعية تُبطل تلك العبادة، أو تنقص أجرها، وسوف أذكر لك -أخي القارئ العزيز- أهم أحكامها فيما أحسب- واعتمدت كثيراً في ذكر هذه المسائل على أسئلة السائلين، سواء في مجموعات الفتاوى الشرعية على الوتساب، أو رقمي بالخاص واتس أو تليجرام- ولنبدأ باسم الله:
💧 *تعريف الأضحية*
-الأضحية: هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) تقرباً إلى الله تعالى، من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق (يوم الثالث عشر من ذي الحجة )، بنية الأضحية.
🚦 *تنبيه:*💡
-يجب أن يتنبه المسلم لتجديد نيته – في كل عبادة وهنا في الأضحية خاصة- فلا تتحوّل العبادات إلى عادات فلا ينتفع بها العبد، ولا يجد حلاوة الإيمان في العمل بأمر الله، ولا يؤجر على فعله، وليتنبه لقول الله هنا:﴿لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّـقْوَى مِنكُمْ﴾، ومن قوله: ﴿وَلَـكِن يَنَالُهُ الـتَّـقْوَى مِنكُمْ﴾ ففيها تنبيه واضح لعباده بتجديد نواياهم وابتغاء مرضاة الله في ذلك لا غيره من هوى أو بشر....، وليعلموا جيداً أنه يجب أن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخراً، ولا رياءً ولا سمعة ولا غير ذاك، ولا مـجرد عادة مجتمعية كل عام.
🐪 *فضلُ الأضحية:*
-وردَت أحاديث ضعيفة في فضلِها منها ما روتْه عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:(ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا)؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
-ولا يَثبُت حديث صحيح في فضل الأضحية ، كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام ابن العربي المالكي .
لكن لاريب أن الله -عز وجل- يُعطي الأجر العظيم لمن استجاب له فأطاعه , لكن لم يثبت فيها أجر خاص، فيكون مقدار الأجر في عِلم الله تعالى كالصوم والصبر..
ولهذا كان من المناسب جداً ان أذكر بعض الأحاديث التي لا تصح , لكن تنتشر بين الناس خاصة مع توفّر وسائل التواصل حالياً فما من مناسبة إلا وتُنشر كل موضوعاتها...
🔎 *أحاديث لا تصح في الأضحية:*
1- ما سبق من حديث: ((ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
2- وكذلك : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة".
3- وكذلك: "يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بكل قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك. قالت: يا رسول الله ألنا خاصة آل البيت أو لنا وللمسلمين؟ قال: بل لنا وللمسلمين".
4- وكذلك: "استفرهوا –وفي رواية- عظّموا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط - وفي رواية – على الصراط مطاياكم – وفي رواية – إنها مطاياكم إلى الجنة".
5- وكذلك: "من ضحّى طيبة بها نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار".
6- وكذلك: "إن الله يعتق بكل عضو من الضحية عضوا من المضحّي - وفي رواية - يعتق بكل جزء من الأضحية جزءاً من المضحّي من النار".
7- وكذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحّى ليلاً".
🗓 *ما يستحب اجتنابه في العشر من أراد أن يضحي:*
-دلّت السنة على أن من أراد التضحية فيسنّ له - وقيل يجب عليه وسيأتي- أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي » وفي رواية :« فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً » أخرجه مسلم.
-قيل الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ ذلك : أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك (وهو التقرب إلى الله بذبح النسك) أُعْطي بعض أحكامه ، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار.
-ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة حتى يضحّي , والحكم متعلق بالمضحّي فقط دون أهل بيته ممن سيضحّي عنهم ، وسواء ذبح بنفسه او وكَّل غيره , أما الوكيل فلا يتعلق به نهي ، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث : (وأراد أحدكم أن يضحّي) ، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي كما سبق.
-ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام ؛ لأن هذا سنة عند الحاجة , لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته.
📖 *خلاف الفقهاء في حكم الأخذ* 🔖
-(قال الإمام النووي: قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وقال أبو حنيفة: يكره، واختلفت الرواية عن مالك) أ. هـ.
- *والراجح* أن ترك الأخذ سنة نبوية , والأخذ من الشعر أو البشر أو الظفر قبل أن يضحي وبعد دخول العشر مكروه , لكن لا يعني ذلك فساد الأضحية بإجماع الفقهاء, لا كما يظن بعض العوام: أن من أخذ من شعره أو بشره فلا أضحية له ولا تصح منه, ( وقد وردتني أسئلة متعددة بنحو هذا الكلام فليتنبه له).
( *يُراجع منشوري أحكام العشر من ذي الحجة وفضائلها* ).
📚 *حكم الأضحية* 🐄
-أجمع الفقهاء على مشروعية الأضحية وأنها شعيرة من شعائر الإسلام , وإذا تركها أهل بلد عن قدرة عليها , وعدم إيمان بها قوتلوا عليها ؛ لأنها من شعائر الإسلام , ثم اختلفوا في حكمها: فذهب جمهور الفقهاء –المالكية والشافعية والحنابلة- أنها سنة مؤكدة ( لكن صرّح كثير منهم بأنه يُكره تركها للقادر عليها ) ، - وذهب لوجوبها الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد , وأحد القولين في مذهب مالك ، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين ( *وهو الراجح لمن وجد سعة* ) ، واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قوله تعالى : ( فصلٍّ لربك وانحر ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : "الصلاة: المَكتوبة، والنحر: النُّسُك والذبحُ يومَ الأضحى" ، وكلمة (فصلٍّ) فعل أمر , والأمر يقتضي الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه.
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله » رواه مسلم , فهنا أمر بالإعادة (فليذبح) .
3- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربنّ مصلانا » رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم والألباني , فنهى من لم يضحٍّ من الصلاة زجراً له .
4- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية))؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن , فكل هذه الأحاديث يُفهم منها الأمر لا الندب.
-واستدل الجمهور بما يلي:
1- عن جابر - رضي الله عنه - قال: شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمُصلّى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبَحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((بسم الله، والله أكبر، اللهمَّ هذا عني وعمَّن لم يُضحِّ من أمتي))؛ أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه في الأضاحي، بسند صحيح.
قالوا: فمَن لم يُضحِّ مِنا،فقد كفاهُ تضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - وناهيكَ بها أضحيةً , والرد عليهم: أن ذلك عن من لم يجد مالاً ليضحي .
2- حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخلَت العشر، وأراد أحدُكم أن يُضحِّي، فلا يمسَّنَّ مِن شَعره وبشَرِه شيئًا))؛ أخرجه مسلم، قالوا: عُلِّق الذبح على الإرادة، والواجب لا يُعلَّق على الإرادة , والرد عليهم: أن التعليق بالإرادة يكون في الواجبات كقول الله:( لمن شاء منكم أن يستقيم) , وقوله: ( إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم...) الآية يعني : إذا أردتم القيام للصلاة...وغيرهما في القرآن والسنة.
🐐🐪 *شروط الأضحية المجزئة:*🐂🐑
-كما هي العادة في العبادات فلابد من أن تسبق بشروط وضوابط معلومة , فللأضحية شروط بينها العلماء وهي:
1- القدرة: بأن يكون صاحبها قادراً على ثمنها , فمن لم يجد فلا يجب عليه أن يتسلف مادام وأنه لن يستطيع الرد أو يصعب عليه ذلك , ومن كلّف نفسه فتسلف فهي مقبولة منه , ثم هنا وللظروف التي تمر بها بعض البلاد الإسلامية خاصة بلادنا العزيزة اليمن المكلومة: فلا قلق ولا حزن على الفقير إن لم يضحٍّ ؛ فقد ضحّى عنه النبي عليه الصلاة والسلام ونِعْم بها أضحية , كما في الصحيح قال: (اللهم هذا عني وعن من لم يضحٍّ من أمتي) , فلا يجوز له أن يكلّف نفسه فيستدين مادام يعسر عليه السداد , أما من كان قادراً على السداد فيجوز له شراء الأضحية دَيْناً ، ومن كانت عليه ديون وتزاحم الدَيْن مع الأضحية فالمقدّم سداد الدين ؛ لأنه أبرأ للذمة , وحق المخلوق , بينما الأضحية حق الخالق وحق الله مبنياً على العفو..
2-أن تكون من بهيمة الأنعام ( الغنم , الضأن , البقر , الإبل) , ولا تجزئ غيرها بالإجماع.
3- أن تكون في السن المعتبر شرعاً : ستة أشهر في الضأن (جذعة) إن لم يجد سواها , وفي الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم , والجذعة من الضأن مالها ستة أشهر كما سبق, ولا يجزئ ما دون ذلك من الضأن , ولا ما دون الثني من بقية بهيمة الأنعام(وهي المسنة التي شرطها الحديث) :
• والثنيُّ مِن المعز: ما بلغ سنَة ودخَل في الثانية.
• والثنيُّ من البقر: ما أتمَّ سنتَين ودخَل في الثالثة.
• والثنيُّ مِن الإبل: ما أتمَّ خمس سنين ودخل في السادسة.
• ولا يجزئ أقل من ذلك , ويجزئ - بلا شك - ما هو أكبر.
3- أن تكون خالية من العيوب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أربع لا يجزين في الأضاحي ، العوراء البين عورها ، المريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والعجفاء التي لا تنقي » صحيح ، وفي رواية: في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: ((أربعٌ: العرجاء البيِّن ظلعها، والعوراء البيِّن عوَرها، والمريضة البيِّن مرَضُها، والعجفاء التي لا تنقي))؛ -أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح.
(قال ابن عبد البر: أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجمع عليها؛ لا أعلم خلافًا بين العلماء فيها، ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها، فإذا كانت العلة في ذلك قائمة، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز, وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز، وكذلك ما كان مثل ذلك كله) أ. هـ.
-والأضحية قربة إلى الله ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، (ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
• والعيب الخفيف في الضحايا مَعفوٌّ عنه , وكذا ما كان من أصل خلقته كالكباش الخارجية مقطوعة الذيل( الاسترالية) , وكذا ما لا يؤثر في اللحم , وكذلك ما تعيبت لديه بعد شرائه لها سليمة بشرط بدون تقصير منه فله أن يضحي بها ولو تعيبت, وإن خرج من الخلاف وباعها واشترى أفضل منها فهو خير وأفضل ما لم يكلّف على نفسه.
4-أن تكون في الوقت المحدد شرعاَ , وهذا الوقت هو: من بعد صلاة العيد، (وليس من بعد دخول وقت الصلاة) , إلى قبل مغيب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة , فإن ذُبحت قبل الوقت المحدد أو بعده لم تُجزئ.
وقد اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنَّة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نُصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهلِه، ليس من النسك في شيء))؛ متفق عليه.
كما أنهم اتَّفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يَجوز ولا تجزئ عنه أضحية وإنما هي لحم أطعمه أهله ؛ كما ورد في الحديث الصحيح السابق ، وحديث جندب بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يُصلي - أو نصلي - فليذبح مكانها أخرى))؛ متفق عليه.
-ولا مانع من الذبح في الأيام التي مرت نهـاراً أو ليـلاً –على الراجح- وكره جمهور الفقهاء الذبح بالليل لكن لا دليل لهم.
⌚ *آخِرُ وقت لذبح الأضحية*
-وما تقدّم من أن وقت الذبح يستمر يوم العيد ويومان بعده هو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي -وهو الراجح ورجحه ابن تيمية وابن القيم- , وذهب جمهور الفقهاء- الحنفية، والمالكية، والحنابلة- أن وقت الأضحية يوم العيد ويومان بعده..
🕹 *فضل الذبح على التصدّق بالقيمة*
ذهب جماهير الفقهاء إلى أن ذبح الأضحية والتصدق بلحمها أفضل من التصدق بقيمتها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى مع وجود فقراء في زمنه , ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل ولاشك بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
🐑🐐 *الأضحية بالخصي:*
-عن عائشة وأبي هريرة، رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يُضحّي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين (خصيين)، فذبح أحدهما عن أمته ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم).
🐂 *سُنّة استحسان الأضحية واستسمانها*
-(قال ابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب)، قال بعض السلف: لا يهدي أحدكم لله تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267] , ولذا ذُكر عن السلف أنهم كانوا يستسمنون أضاحيهم.
🐑🐐 *الأفضل من بهيمة الأنعام* 🐂🐪
-اختلف الفقهاء في الأفضل من بهيمة الأنعام ،فذهب الشافعي إلى تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الكباش، وأما مالك فوافق الشافعي في الهدي، وقال بعكس ذلك في الأضحية، ففضّل الكباش، ثم البقر، ثم الإبل، ولعل سبب اختلافهم: ورود حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بالكباش؛ ولأن الله فدى إسماعيل بذبح عظيم وهو الكبش كما هو الراجح وما عليه الجمهور , ومن فضّل الإبل ثم البقر ثم الكباش(الشافعي) فنظر إلى الأكثر لحماً وأغلى قيمة , لكن الراجح خلافه ؛ لما مر من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ وكونها أفضل لحماً كما هو المعروف.
-والأفضل في الأضاحي الذكر دون الأنثى – إلا الماعز-.
🗡 *الأحق بالذبح*
-يستحب للمضحي أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح؛ لأنه عبادة وقربة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذبح أضحيته بنفسه، وذبح هديه، وإن لم يتولَ ذبحه بيده، فالأفضل أن يحضر عند ذبحه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة: (احضري أضحيتك يغفر لكِ بأول قطرة من دمها) , وهكذا فعل عليه الصلاة والسلام لما وكّل علياً في الهدي.
🚦 *تنبيه:*
-الحكم عام للرجال والنساء , و ذبيحة المرأة حلال -لا كما ينتشر جهلاً- سواء كان ذلك بحضرة رجال الدار أو بغيبتهم مادامت تحسن الذبح , ولا فرق بين أن تكون حائضاً أو على طهر.
🔪 *كيفية ذبح الأضحية*
-يستحب أن تنحر الإبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى , والبقر والغنم يضجعها على شقها الأيسر(والمقصود من ذلك راحة البهيمة) مستقبلاً بها القبلة، ويضع رجله على رقبتها حين الذبح , وأما أيديها وأرجلها: فإن الأحسن أن تبقى مطلقة غير ممسوكة , إن كان ذلك أرْيح لها ،و ذلك أبلغ في إخراج الدم منها ؛لأن الدم مع الحركة يخرج أكثر، فهذا أفضل, ثم يقول:( بسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك) , ولا صحة لما ذهب إليه الهادوية من الزيدية من قول عند ذبح الأضحية : (الحمد لله الذي هدانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الأنعام) , وهو من انفراداتهم.
📝 *من آداب الذبح*
-إذا أراد الذبح فإنه مطالب بأمور:
- أن يذبح بسكـين حـادة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذا ذبـحتم فأحسنوا الـذِّبحة، ولْـيُحدَّ أحدكم شفرته، ولْيُرح ذبيحته} [رواه مسلم].
- ألا يحد شفرته وهي تنظر، وفي الصحيح عن ابن عباس:( أن رجلا أضجع شاة وهو يُحِد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{أتريد أن تميتها موتــتين! هلّا أحْددت شفرتك قبل أن تُضجـعها!}) , وأيضاً: لا يذبحها والأخرى تنظر؛ لأنها تعرف مصيرها فتخاف.
- ومن الآداب سـحب الذبيحة برفق: فعن محمد بن سيرين: أن عمراً رضي الله عنه رأى رجلاً يجر شاة ليذبحها، فضربه بالـدرة وقال: «سُقها - لا أم لك- إلى الموت سَوقاً جميلا». رواه البيهقي.
- ومن السنة الذبح إلى القبلة , (وما سبق عام في كل ذبح أضحية أو لا) .
- ويقال عند الذبح ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن ذبح كبشيْن أقرنيْن أملحيْن مَوجوءيْن في أضحيته، فلما وجههما قال:{إني وجهتُ وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً على ملة إبراهيم، وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرِتُ، وأنا أولُ المسلمين، اللهم منك ولك} والحديث في صحيح سنن أبي داود , وورد قول : باسم الله، والله أكبر، اللّهم إن هذا منك ولك، اللهم تقبل مني.
🐪 *تقسيم الأضحية*
-يستحب أن يأكل ثلثًاً ويتصدق بثلث ويهدي بثلث – استحباباً- قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ، وهو ما استحبه جمهور الفقهاء , والأمر يعود للمضحي نفسه فإذا كان الفقراء بحاجة ماسة فالمستحب في حقه أن يجعل لهم ثلثي الأضحية وثلث له , ولا هدية في حقه وهكذا.
-ولا بد من أن يأكل المضحّي من أضحيته ولو قليلاً؛ لينال بركتها , وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام :{إذا ضحّى أحدكم فلْيأكل من أضحيته} صححه الألباني ؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لما حج حجة الوداع أهدى ثلاثاً وستين بَدَنة، ونحرها بيده عليه السلام، ثم وكَّل علياً بأن يوزعها على الفقراء والمساكين، وأن يهيأ له من كل واحدة منها قطعة، ويطبخ ذلك ليأكل منه.
-واختار بعض الفقهاء أن يكون الأكل من الكبد ؛ لأنه أخف وأسرع نضجاً ، لكن ليس من باب التعبد.
🐑 *هبة الأضاحي للمحتاجين ليضحوا بها:*
-قد ثبت في البخاري:( أن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم ضحايا بين أصحابه) , ففيه دلالة على جواز توزيع أهل الغنى ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها , ولهم الأجر مرتين , وهذه دعوة لكل من يستطيع أن يفعل ذلك فلا يبخل على نفسه من أن ينقذها من النار , وفي المتفق عليه: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) , هذا شق تمرة ينجي من النار فكيف بالكيلو وأكثر منه للفقراء .
📿 *إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية:*
-يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لتصرفها على الفقراء –إن كانت تفعل-، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها.
🥩 *الادخار من لحم الأضحية:*
-ثبت في الأحاديث الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي في إحدى السنوات ؛ لما كانت بالمسلمين حاجة للحم بسبب الوفود في المدينة، ثم أذن في الادخار بعد ذلك، أي أن النهي عن الادخار منسوخ، وبهذا قال جماهير أهل العلم...فيجوز الادخار , لكن في مثل هذه السنوات الشداد التي تمر بها بلادنا المكلومة لا أرى جواز ادخار اللحم مادام وان المضحّي بجواره فقراء بحاجة إلى اللحم.
🐪 *الاشـتراك في الأضحية الواحدة* 🐂
-الاشتراك في الأضاحي ينقسم إلى قسمين:
1- اشتراك مُلك : ولا يجزئ أن يشتـرك اثنان فأكثر - اشتراك مُلك- في الأضحية الواحدة من الغنم (ضأنها أو معزها) فلا تجزئ إلا عن الرجل وعن من يعيلهم طول العام أو أكثره.
• أما الاشتراك في البقرة أو في البعير (الإبل): فيجوز أن يشترك السبعة في واحدة؛ وفي الصحيح عن جـابر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة} رواه مسلم.
2-التشريك بالثواب: فهذا لا حرج أن يضحي الإنسان بالشاة عنه وعن أهل بيته وإن كـانوا كثيـرين ، بل له أن يضحّي عن نفسه وعن الأمة الإسلامية كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فيما مرّ (لكن لا يعني هذا أن أضحيته تجزئ عنهم).
⚖ *الضابط في البيت الواحد*
- حد البيت الذي تجزئ عنه أضحية واحدة وإن كثروا هم: من يجمعهم بيت واحد , ومطبخ واحد طول العام أو أغلبه , أما إذا جاء الولد بيت والده –مثلاً- في العيد بأهله فيجب عليه أضحية مستقلة عن والده -إن استطاع كما مر- وهكذا غيره كالإخوة , أما إن كانوا جميعاً في دار واحدة يجمعهم مطبخ واحد فعليهم جميعاً أضحية واحدة فقط وإن زادوا عنها فحسن.
- ومن كان خارج البلد بلا أسرته فيجزئ عنه أضحية والده في بلده – إن شاء الله-.
- وإن كان الرجل متزوجاً زوجتين أو أكثر فأضحية واحدة تكفي أيضاً , كما أجزأت أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجاته جميعاً , وفي الحديث الصحيح عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: « كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون » رواه ابن ماجة والترمذي وصححه .
🐪 *الاشتراك في الأضحية لغير قربة*
-اشترط الحنفية في صحِّة الاشتراك في الأضحية : أن يكون الكل مريدين للقربة وإن اختلفت جهاتها (من أضحية، وقران، ومتعة) قالوا: فلو كان أحدهم مريداً لحماً لأهله –مثلاً- فلا تجزئ عنهم جميعاً, أما الشافعية والحنابلة فلم يشترطوا ( وهو الراجح وما رجحه شيخنا العمراني): أن يتحد جميع المشتركين في الأضحية في إرادة القربة , وسواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا، كما إذا قصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي، وكذا لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية, كما يحصل: أن عشرة يشتركون في بقرة واحدة –ومعلوم أنها لا تجزئ إلا عن سبعة كما مر- فنقول على الراجح: من أخذ منها سبيعاً أجزأ عنه ولا تنفسخ أضحيته , وأما من لم يأخذ سبيعاً لمفرده وإنما اشترك اثنان أو أكثر فيه فليس بضحية بل هو لحم لأهله باتفاق الفقهاء , والخلاف إنما هو هل يفسخ أضحية غيره أم لا ؟ *فالراجح* -كما سبق- أنه لا يفسخ إلا أضحية نفسه , لكن الأحوط : أن المضحي لا يأخذ إلا مما لا شبهة فيه يعني: لا يشترك في تلك الأضحية إلا من أراد القربة فقط.
🐐 *حكم بيع الأضحية*
- إذا تعيَّنت الأضحية لم يَجُز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، فلا يجوز بيعها حتى لو ضعفت وهزلت - إلا إذا اشترى أفضل منها فقد أجاز ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة -.
- ولا يبيع جلدها بعد الذبح؛{من باع جلد أضحيته فلا أضحية له} صححه الألباني؛ لأنها تعيَّنت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه, لكن له الانتفاع به , أو هبته لفقير , فإذا باعه الفقير فلا مانع , وإن كان لن يقبله فقير فلا مانع من بيعه إن شاء الله خير من رميه فالإسراف محرّم.
- واتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو أيٍ من أجزائها: ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق , ، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة؛ لقول علي رضي الله عنه:( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزار منها شيئاً ، وقال نحن نعطيه من عندنا ) متفق عليه, أما على سبيل الهدية أو كونه فقيراً فيجوز –على الراجح-لكن لا تُحسب من الأجرة.
🕋 *أضحية الحاج*
-الأضحية تجب على غير الحاج من المسافرين عند جمهور الفقهاء ؛ لعموم الأدلة بدون تفريق بين المسافر وغيره ، أما الحاج فقد اختلف أهل العلم فيه والراجح أنها لا تجب عليه، ولم يُعرف عن الصحابة الذين حجوا مع ال ...المزيد
#خلاصات_فقهية
🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
-الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فالأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، والعبادات الجليلة التي اهتم بها الفقه الإسلامي أيما اهتمام، فلذا كان لا بدّ للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظّم شأنها وذلك بالعلم بأهم أحكامها؛ حتى لا يقع في أخطاء شرعية تُبطل تلك العبادة، أو تنقص أجرها، وسوف أذكر لك -أخي القارئ العزيز- أهم أحكامها فيما أحسب- واعتمدت كثيراً في ذكر هذه المسائل على أسئلة السائلين، سواء في مجموعات الفتاوى الشرعية على الوتساب، أو رقمي بالخاص واتس أو تليجرام- ولنبدأ باسم الله:
💧 *تعريف الأضحية*
-الأضحية: هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) تقرباً إلى الله تعالى، من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق (يوم الثالث عشر من ذي الحجة )، بنية الأضحية.
🚦 *تنبيه:*💡
-يجب أن يتنبه المسلم لتجديد نيته – في كل عبادة وهنا في الأضحية خاصة- فلا تتحوّل العبادات إلى عادات فلا ينتفع بها العبد، ولا يجد حلاوة الإيمان في العمل بأمر الله، ولا يؤجر على فعله، وليتنبه لقول الله هنا:﴿لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّـقْوَى مِنكُمْ﴾، ومن قوله: ﴿وَلَـكِن يَنَالُهُ الـتَّـقْوَى مِنكُمْ﴾ ففيها تنبيه واضح لعباده بتجديد نواياهم وابتغاء مرضاة الله في ذلك لا غيره من هوى أو بشر....، وليعلموا جيداً أنه يجب أن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخراً، ولا رياءً ولا سمعة ولا غير ذاك، ولا مـجرد عادة مجتمعية كل عام.
🐪 *فضلُ الأضحية:*
-وردَت أحاديث ضعيفة في فضلِها منها ما روتْه عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:(ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا)؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
-ولا يَثبُت حديث صحيح في فضل الأضحية ، كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام ابن العربي المالكي .
لكن لاريب أن الله -عز وجل- يُعطي الأجر العظيم لمن استجاب له فأطاعه , لكن لم يثبت فيها أجر خاص، فيكون مقدار الأجر في عِلم الله تعالى كالصوم والصبر..
ولهذا كان من المناسب جداً ان أذكر بعض الأحاديث التي لا تصح , لكن تنتشر بين الناس خاصة مع توفّر وسائل التواصل حالياً فما من مناسبة إلا وتُنشر كل موضوعاتها...
🔎 *أحاديث لا تصح في الأضحية:*
1- ما سبق من حديث: ((ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
2- وكذلك : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة".
3- وكذلك: "يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بكل قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك. قالت: يا رسول الله ألنا خاصة آل البيت أو لنا وللمسلمين؟ قال: بل لنا وللمسلمين".
4- وكذلك: "استفرهوا –وفي رواية- عظّموا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط - وفي رواية – على الصراط مطاياكم – وفي رواية – إنها مطاياكم إلى الجنة".
5- وكذلك: "من ضحّى طيبة بها نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار".
6- وكذلك: "إن الله يعتق بكل عضو من الضحية عضوا من المضحّي - وفي رواية - يعتق بكل جزء من الأضحية جزءاً من المضحّي من النار".
7- وكذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحّى ليلاً".
🗓 *ما يستحب اجتنابه في العشر من أراد أن يضحي:*
-دلّت السنة على أن من أراد التضحية فيسنّ له - وقيل يجب عليه وسيأتي- أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي » وفي رواية :« فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً » أخرجه مسلم.
-قيل الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ ذلك : أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك (وهو التقرب إلى الله بذبح النسك) أُعْطي بعض أحكامه ، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار.
-ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة حتى يضحّي , والحكم متعلق بالمضحّي فقط دون أهل بيته ممن سيضحّي عنهم ، وسواء ذبح بنفسه او وكَّل غيره , أما الوكيل فلا يتعلق به نهي ، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث : (وأراد أحدكم أن يضحّي) ، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي كما سبق.
-ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام ؛ لأن هذا سنة عند الحاجة , لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته.
📖 *خلاف الفقهاء في حكم الأخذ* 🔖
-(قال الإمام النووي: قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وقال أبو حنيفة: يكره، واختلفت الرواية عن مالك) أ. هـ.
- *والراجح* أن ترك الأخذ سنة نبوية , والأخذ من الشعر أو البشر أو الظفر قبل أن يضحي وبعد دخول العشر مكروه , لكن لا يعني ذلك فساد الأضحية بإجماع الفقهاء, لا كما يظن بعض العوام: أن من أخذ من شعره أو بشره فلا أضحية له ولا تصح منه, ( وقد وردتني أسئلة متعددة بنحو هذا الكلام فليتنبه له).
( *يُراجع منشوري أحكام العشر من ذي الحجة وفضائلها* ).
📚 *حكم الأضحية* 🐄
-أجمع الفقهاء على مشروعية الأضحية وأنها شعيرة من شعائر الإسلام , وإذا تركها أهل بلد عن قدرة عليها , وعدم إيمان بها قوتلوا عليها ؛ لأنها من شعائر الإسلام , ثم اختلفوا في حكمها: فذهب جمهور الفقهاء –المالكية والشافعية والحنابلة- أنها سنة مؤكدة ( لكن صرّح كثير منهم بأنه يُكره تركها للقادر عليها ) ، - وذهب لوجوبها الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد , وأحد القولين في مذهب مالك ، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين ( *وهو الراجح لمن وجد سعة* ) ، واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قوله تعالى : ( فصلٍّ لربك وانحر ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : "الصلاة: المَكتوبة، والنحر: النُّسُك والذبحُ يومَ الأضحى" ، وكلمة (فصلٍّ) فعل أمر , والأمر يقتضي الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه.
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله » رواه مسلم , فهنا أمر بالإعادة (فليذبح) .
3- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربنّ مصلانا » رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم والألباني , فنهى من لم يضحٍّ من الصلاة زجراً له .
4- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية))؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن , فكل هذه الأحاديث يُفهم منها الأمر لا الندب.
-واستدل الجمهور بما يلي:
1- عن جابر - رضي الله عنه - قال: شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمُصلّى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبَحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((بسم الله، والله أكبر، اللهمَّ هذا عني وعمَّن لم يُضحِّ من أمتي))؛ أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه في الأضاحي، بسند صحيح.
قالوا: فمَن لم يُضحِّ مِنا،فقد كفاهُ تضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - وناهيكَ بها أضحيةً , والرد عليهم: أن ذلك عن من لم يجد مالاً ليضحي .
2- حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخلَت العشر، وأراد أحدُكم أن يُضحِّي، فلا يمسَّنَّ مِن شَعره وبشَرِه شيئًا))؛ أخرجه مسلم، قالوا: عُلِّق الذبح على الإرادة، والواجب لا يُعلَّق على الإرادة , والرد عليهم: أن التعليق بالإرادة يكون في الواجبات كقول الله:( لمن شاء منكم أن يستقيم) , وقوله: ( إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم...) الآية يعني : إذا أردتم القيام للصلاة...وغيرهما في القرآن والسنة.
🐐🐪 *شروط الأضحية المجزئة:*🐂🐑
-كما هي العادة في العبادات فلابد من أن تسبق بشروط وضوابط معلومة , فللأضحية شروط بينها العلماء وهي:
1- القدرة: بأن يكون صاحبها قادراً على ثمنها , فمن لم يجد فلا يجب عليه أن يتسلف مادام وأنه لن يستطيع الرد أو يصعب عليه ذلك , ومن كلّف نفسه فتسلف فهي مقبولة منه , ثم هنا وللظروف التي تمر بها بعض البلاد الإسلامية خاصة بلادنا العزيزة اليمن المكلومة: فلا قلق ولا حزن على الفقير إن لم يضحٍّ ؛ فقد ضحّى عنه النبي عليه الصلاة والسلام ونِعْم بها أضحية , كما في الصحيح قال: (اللهم هذا عني وعن من لم يضحٍّ من أمتي) , فلا يجوز له أن يكلّف نفسه فيستدين مادام يعسر عليه السداد , أما من كان قادراً على السداد فيجوز له شراء الأضحية دَيْناً ، ومن كانت عليه ديون وتزاحم الدَيْن مع الأضحية فالمقدّم سداد الدين ؛ لأنه أبرأ للذمة , وحق المخلوق , بينما الأضحية حق الخالق وحق الله مبنياً على العفو..
2-أن تكون من بهيمة الأنعام ( الغنم , الضأن , البقر , الإبل) , ولا تجزئ غيرها بالإجماع.
3- أن تكون في السن المعتبر شرعاً : ستة أشهر في الضأن (جذعة) إن لم يجد سواها , وفي الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم , والجذعة من الضأن مالها ستة أشهر كما سبق, ولا يجزئ ما دون ذلك من الضأن , ولا ما دون الثني من بقية بهيمة الأنعام(وهي المسنة التي شرطها الحديث) :
• والثنيُّ مِن المعز: ما بلغ سنَة ودخَل في الثانية.
• والثنيُّ من البقر: ما أتمَّ سنتَين ودخَل في الثالثة.
• والثنيُّ مِن الإبل: ما أتمَّ خمس سنين ودخل في السادسة.
• ولا يجزئ أقل من ذلك , ويجزئ - بلا شك - ما هو أكبر.
3- أن تكون خالية من العيوب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أربع لا يجزين في الأضاحي ، العوراء البين عورها ، المريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والعجفاء التي لا تنقي » صحيح ، وفي رواية: في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: ((أربعٌ: العرجاء البيِّن ظلعها، والعوراء البيِّن عوَرها، والمريضة البيِّن مرَضُها، والعجفاء التي لا تنقي))؛ -أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح.
(قال ابن عبد البر: أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجمع عليها؛ لا أعلم خلافًا بين العلماء فيها، ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها، فإذا كانت العلة في ذلك قائمة، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز, وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز، وكذلك ما كان مثل ذلك كله) أ. هـ.
-والأضحية قربة إلى الله ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، (ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
• والعيب الخفيف في الضحايا مَعفوٌّ عنه , وكذا ما كان من أصل خلقته كالكباش الخارجية مقطوعة الذيل( الاسترالية) , وكذا ما لا يؤثر في اللحم , وكذلك ما تعيبت لديه بعد شرائه لها سليمة بشرط بدون تقصير منه فله أن يضحي بها ولو تعيبت, وإن خرج من الخلاف وباعها واشترى أفضل منها فهو خير وأفضل ما لم يكلّف على نفسه.
4-أن تكون في الوقت المحدد شرعاَ , وهذا الوقت هو: من بعد صلاة العيد، (وليس من بعد دخول وقت الصلاة) , إلى قبل مغيب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة , فإن ذُبحت قبل الوقت المحدد أو بعده لم تُجزئ.
وقد اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنَّة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نُصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهلِه، ليس من النسك في شيء))؛ متفق عليه.
كما أنهم اتَّفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يَجوز ولا تجزئ عنه أضحية وإنما هي لحم أطعمه أهله ؛ كما ورد في الحديث الصحيح السابق ، وحديث جندب بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يُصلي - أو نصلي - فليذبح مكانها أخرى))؛ متفق عليه.
-ولا مانع من الذبح في الأيام التي مرت نهـاراً أو ليـلاً –على الراجح- وكره جمهور الفقهاء الذبح بالليل لكن لا دليل لهم.
⌚ *آخِرُ وقت لذبح الأضحية*
-وما تقدّم من أن وقت الذبح يستمر يوم العيد ويومان بعده هو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي -وهو الراجح ورجحه ابن تيمية وابن القيم- , وذهب جمهور الفقهاء- الحنفية، والمالكية، والحنابلة- أن وقت الأضحية يوم العيد ويومان بعده..
🕹 *فضل الذبح على التصدّق بالقيمة*
ذهب جماهير الفقهاء إلى أن ذبح الأضحية والتصدق بلحمها أفضل من التصدق بقيمتها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى مع وجود فقراء في زمنه , ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل ولاشك بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
🐑🐐 *الأضحية بالخصي:*
-عن عائشة وأبي هريرة، رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يُضحّي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين (خصيين)، فذبح أحدهما عن أمته ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم).
🐂 *سُنّة استحسان الأضحية واستسمانها*
-(قال ابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب)، قال بعض السلف: لا يهدي أحدكم لله تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267] , ولذا ذُكر عن السلف أنهم كانوا يستسمنون أضاحيهم.
🐑🐐 *الأفضل من بهيمة الأنعام* 🐂🐪
-اختلف الفقهاء في الأفضل من بهيمة الأنعام ،فذهب الشافعي إلى تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الكباش، وأما مالك فوافق الشافعي في الهدي، وقال بعكس ذلك في الأضحية، ففضّل الكباش، ثم البقر، ثم الإبل، ولعل سبب اختلافهم: ورود حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بالكباش؛ ولأن الله فدى إسماعيل بذبح عظيم وهو الكبش كما هو الراجح وما عليه الجمهور , ومن فضّل الإبل ثم البقر ثم الكباش(الشافعي) فنظر إلى الأكثر لحماً وأغلى قيمة , لكن الراجح خلافه ؛ لما مر من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ وكونها أفضل لحماً كما هو المعروف.
-والأفضل في الأضاحي الذكر دون الأنثى – إلا الماعز-.
🗡 *الأحق بالذبح*
-يستحب للمضحي أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح؛ لأنه عبادة وقربة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذبح أضحيته بنفسه، وذبح هديه، وإن لم يتولَ ذبحه بيده، فالأفضل أن يحضر عند ذبحه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة: (احضري أضحيتك يغفر لكِ بأول قطرة من دمها) , وهكذا فعل عليه الصلاة والسلام لما وكّل علياً في الهدي.
🚦 *تنبيه:*
-الحكم عام للرجال والنساء , و ذبيحة المرأة حلال -لا كما ينتشر جهلاً- سواء كان ذلك بحضرة رجال الدار أو بغيبتهم مادامت تحسن الذبح , ولا فرق بين أن تكون حائضاً أو على طهر.
🔪 *كيفية ذبح الأضحية*
-يستحب أن تنحر الإبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى , والبقر والغنم يضجعها على شقها الأيسر(والمقصود من ذلك راحة البهيمة) مستقبلاً بها القبلة، ويضع رجله على رقبتها حين الذبح , وأما أيديها وأرجلها: فإن الأحسن أن تبقى مطلقة غير ممسوكة , إن كان ذلك أرْيح لها ،و ذلك أبلغ في إخراج الدم منها ؛لأن الدم مع الحركة يخرج أكثر، فهذا أفضل, ثم يقول:( بسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك) , ولا صحة لما ذهب إليه الهادوية من الزيدية من قول عند ذبح الأضحية : (الحمد لله الذي هدانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الأنعام) , وهو من انفراداتهم.
📝 *من آداب الذبح*
-إذا أراد الذبح فإنه مطالب بأمور:
- أن يذبح بسكـين حـادة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذا ذبـحتم فأحسنوا الـذِّبحة، ولْـيُحدَّ أحدكم شفرته، ولْيُرح ذبيحته} [رواه مسلم].
- ألا يحد شفرته وهي تنظر، وفي الصحيح عن ابن عباس:( أن رجلا أضجع شاة وهو يُحِد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{أتريد أن تميتها موتــتين! هلّا أحْددت شفرتك قبل أن تُضجـعها!}) , وأيضاً: لا يذبحها والأخرى تنظر؛ لأنها تعرف مصيرها فتخاف.
- ومن الآداب سـحب الذبيحة برفق: فعن محمد بن سيرين: أن عمراً رضي الله عنه رأى رجلاً يجر شاة ليذبحها، فضربه بالـدرة وقال: «سُقها - لا أم لك- إلى الموت سَوقاً جميلا». رواه البيهقي.
- ومن السنة الذبح إلى القبلة , (وما سبق عام في كل ذبح أضحية أو لا) .
- ويقال عند الذبح ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن ذبح كبشيْن أقرنيْن أملحيْن مَوجوءيْن في أضحيته، فلما وجههما قال:{إني وجهتُ وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً على ملة إبراهيم، وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرِتُ، وأنا أولُ المسلمين، اللهم منك ولك} والحديث في صحيح سنن أبي داود , وورد قول : باسم الله، والله أكبر، اللّهم إن هذا منك ولك، اللهم تقبل مني.
🐪 *تقسيم الأضحية*
-يستحب أن يأكل ثلثًاً ويتصدق بثلث ويهدي بثلث – استحباباً- قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ، وهو ما استحبه جمهور الفقهاء , والأمر يعود للمضحي نفسه فإذا كان الفقراء بحاجة ماسة فالمستحب في حقه أن يجعل لهم ثلثي الأضحية وثلث له , ولا هدية في حقه وهكذا.
-ولا بد من أن يأكل المضحّي من أضحيته ولو قليلاً؛ لينال بركتها , وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام :{إذا ضحّى أحدكم فلْيأكل من أضحيته} صححه الألباني ؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لما حج حجة الوداع أهدى ثلاثاً وستين بَدَنة، ونحرها بيده عليه السلام، ثم وكَّل علياً بأن يوزعها على الفقراء والمساكين، وأن يهيأ له من كل واحدة منها قطعة، ويطبخ ذلك ليأكل منه.
-واختار بعض الفقهاء أن يكون الأكل من الكبد ؛ لأنه أخف وأسرع نضجاً ، لكن ليس من باب التعبد.
🐑 *هبة الأضاحي للمحتاجين ليضحوا بها:*
-قد ثبت في البخاري:( أن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم ضحايا بين أصحابه) , ففيه دلالة على جواز توزيع أهل الغنى ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها , ولهم الأجر مرتين , وهذه دعوة لكل من يستطيع أن يفعل ذلك فلا يبخل على نفسه من أن ينقذها من النار , وفي المتفق عليه: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) , هذا شق تمرة ينجي من النار فكيف بالكيلو وأكثر منه للفقراء .
📿 *إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية:*
-يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لتصرفها على الفقراء –إن كانت تفعل-، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها.
🥩 *الادخار من لحم الأضحية:*
-ثبت في الأحاديث الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي في إحدى السنوات ؛ لما كانت بالمسلمين حاجة للحم بسبب الوفود في المدينة، ثم أذن في الادخار بعد ذلك، أي أن النهي عن الادخار منسوخ، وبهذا قال جماهير أهل العلم...فيجوز الادخار , لكن في مثل هذه السنوات الشداد التي تمر بها بلادنا المكلومة لا أرى جواز ادخار اللحم مادام وان المضحّي بجواره فقراء بحاجة إلى اللحم.
🐪 *الاشـتراك في الأضحية الواحدة* 🐂
-الاشتراك في الأضاحي ينقسم إلى قسمين:
1- اشتراك مُلك : ولا يجزئ أن يشتـرك اثنان فأكثر - اشتراك مُلك- في الأضحية الواحدة من الغنم (ضأنها أو معزها) فلا تجزئ إلا عن الرجل وعن من يعيلهم طول العام أو أكثره.
• أما الاشتراك في البقرة أو في البعير (الإبل): فيجوز أن يشترك السبعة في واحدة؛ وفي الصحيح عن جـابر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة} رواه مسلم.
2-التشريك بالثواب: فهذا لا حرج أن يضحي الإنسان بالشاة عنه وعن أهل بيته وإن كـانوا كثيـرين ، بل له أن يضحّي عن نفسه وعن الأمة الإسلامية كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فيما مرّ (لكن لا يعني هذا أن أضحيته تجزئ عنهم).
⚖ *الضابط في البيت الواحد*
- حد البيت الذي تجزئ عنه أضحية واحدة وإن كثروا هم: من يجمعهم بيت واحد , ومطبخ واحد طول العام أو أغلبه , أما إذا جاء الولد بيت والده –مثلاً- في العيد بأهله فيجب عليه أضحية مستقلة عن والده -إن استطاع كما مر- وهكذا غيره كالإخوة , أما إن كانوا جميعاً في دار واحدة يجمعهم مطبخ واحد فعليهم جميعاً أضحية واحدة فقط وإن زادوا عنها فحسن.
- ومن كان خارج البلد بلا أسرته فيجزئ عنه أضحية والده في بلده – إن شاء الله-.
- وإن كان الرجل متزوجاً زوجتين أو أكثر فأضحية واحدة تكفي أيضاً , كما أجزأت أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجاته جميعاً , وفي الحديث الصحيح عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: « كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون » رواه ابن ماجة والترمذي وصححه .
🐪 *الاشتراك في الأضحية لغير قربة*
-اشترط الحنفية في صحِّة الاشتراك في الأضحية : أن يكون الكل مريدين للقربة وإن اختلفت جهاتها (من أضحية، وقران، ومتعة) قالوا: فلو كان أحدهم مريداً لحماً لأهله –مثلاً- فلا تجزئ عنهم جميعاً, أما الشافعية والحنابلة فلم يشترطوا ( وهو الراجح وما رجحه شيخنا العمراني): أن يتحد جميع المشتركين في الأضحية في إرادة القربة , وسواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا، كما إذا قصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي، وكذا لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية, كما يحصل: أن عشرة يشتركون في بقرة واحدة –ومعلوم أنها لا تجزئ إلا عن سبعة كما مر- فنقول على الراجح: من أخذ منها سبيعاً أجزأ عنه ولا تنفسخ أضحيته , وأما من لم يأخذ سبيعاً لمفرده وإنما اشترك اثنان أو أكثر فيه فليس بضحية بل هو لحم لأهله باتفاق الفقهاء , والخلاف إنما هو هل يفسخ أضحية غيره أم لا ؟ *فالراجح* -كما سبق- أنه لا يفسخ إلا أضحية نفسه , لكن الأحوط : أن المضحي لا يأخذ إلا مما لا شبهة فيه يعني: لا يشترك في تلك الأضحية إلا من أراد القربة فقط.
🐐 *حكم بيع الأضحية*
- إذا تعيَّنت الأضحية لم يَجُز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، فلا يجوز بيعها حتى لو ضعفت وهزلت - إلا إذا اشترى أفضل منها فقد أجاز ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة -.
- ولا يبيع جلدها بعد الذبح؛{من باع جلد أضحيته فلا أضحية له} صححه الألباني؛ لأنها تعيَّنت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه, لكن له الانتفاع به , أو هبته لفقير , فإذا باعه الفقير فلا مانع , وإن كان لن يقبله فقير فلا مانع من بيعه إن شاء الله خير من رميه فالإسراف محرّم.
- واتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو أيٍ من أجزائها: ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق , ، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة؛ لقول علي رضي الله عنه:( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزار منها شيئاً ، وقال نحن نعطيه من عندنا ) متفق عليه, أما على سبيل الهدية أو كونه فقيراً فيجوز –على الراجح-لكن لا تُحسب من الأجرة.
🕋 *أضحية الحاج*
-الأضحية تجب على غير الحاج من المسافرين عند جمهور الفقهاء ؛ لعموم الأدلة بدون تفريق بين المسافر وغيره ، أما الحاج فقد اختلف أهل العلم فيه والراجح أنها لا تجب عليه، ولم يُعرف عن الصحابة الذين حجوا مع ال ...المزيد
📚#أحكام_صيام_الست_من_شوال 📚 🖊◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على ...
📚#أحكام_صيام_الست_من_شوال 📚
🖊◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
#خلاصات_فقهية
🌴 *توطئة*
-إن من تفضّل الله علينا ورحمته تعالى بنا أن جعل لنا ما نكمل فرائضه علينا بطاعات من جنسها , ففي الصلاة جعل النوافل القبيلة والبعدية للصلوات -وكذا النوافل المطلقة- , وفي الزكاة جعل الصدقات , وفي الحج جعل العمرة , وفي صوم رمضان – وهو موضوعنا- جعل صيام النفل كالاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وأيام البيض وعشر من ذي الحجة وعاشوراء.... وما نحن بصدد معرفة أحكامها وهي: أيام الست من شوال , هذه النوافل وغيرها المقصود منها زيادة رصيد الحسنات ليحبنا الله , ولتكميل ما قد يحصل منا من نقص في الفرائض , وفي المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " مُتَفَقٌ عَلَيْه.
📍 *فضل صيامها*
-جاء عند مسلم والترمذي وأبي داود وغيرهم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» , وقد فسّر النبي عليه الصلاة والسلام معنى صيام الدهر وأن المقصود به هنا السَنَة , وذلك في حديث صحيح آخر :عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :((من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)) صححه الألباني , وفي رواية صحيحة أيضاً : عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ , بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ , وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ , فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} , وفي رواية: " جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، الشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الشَّهْرِ , تَمَامُ السَّنَةِ " وكل ذلك صححه الألباني وغيره.
🔎 *حكم صيامها*
-صيام ستة أيام من شوال سنة عند جماهير الفقهاء – وإن خالف بعض المتقدمين ؛ لعدم وصول الدليل إليهم وغير ذلك , كمالك وأبي حنيفة ولو علموه لما خالفوه كما قال ابن عبد البر , ثم قد أطبق على القول بسنية صيامها عامة علماء المذهبين مع غيرهم , بل المالكية خصوا الكراهة بمن يُقتدى به , وأن يصومها متتابعة مظهراً لصيامها ؛ خوفاً من أن يظن العامة بوجوبها ؛ لاتصالها برمضان , ولو انتفت الموانع فلا كراهة حينئذ عندهم - ثم لا حجة في قول أحد كائناً من كان مقابل النص الصحيح الصريح – مع إجلالنا العظيم للفقهاء , لكن قول الله ورسوله فوق كل قول وأولى بالاتباع- .
⏰ *وقت صيامها*
-الفضل المترتّب في الحديث مختص بوقت مضيق وهو شهر شوال , فلا تجزئ أياماً من أي شهر غير شهر شوال ، ويُبتدأ جواز صومها من يوم ثاني عيد الفطر وحتى آخر يوم في شهر شوال , وقد استحب الشافعية والحنابلة التعجيل بصيامها بعد العيد مباشرة ؛ مسارعة في الخير ، كما هو المطلوب في كل عبادة :((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )) آل عمران (133) , ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ))طه (84) , ولما في التأخير من الآفات , ولاشك أن الأفضل هو المبادرة بالخيرات عامة -وهذه منها- لكن بشرط أن لا يكن في ذلك حرج عليه وعلى أسرته ؛ بسبب العيد وفرحته وأكله وشربه فلا ينغّص ذلك عليهم بصومه -خاصة في بعض العادات لمناطق مخصوصة-, والشهر واسع والحمد لله فالأفضل في مثل هذه الحالة التأخير , ولذا يمكن نبحث ما تقدّم في فرع جديد وهو ما يلي:
💡 *صفة صيامها*
-اختلف الفقهاء في صفة صيام هذه الست ويمكن نرد ذلك إلى أقوال ثلاثة:
القول الأول: أنه يستحب صيامها متتابعة من أول الشهر , وهو قول الشافعية والحنابلة -كما تقدم- وابن المبارك وغيرهم ورجحه النووي , واستدلوا بما سبق , وبحديث: «مَنْ الست محصورة بشوال بينما القضاء غير محصور به بل يجوز في كل العام , ثم حديث عائشة يوضّح ذلك ويدلل عليه عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قُالتْ:(( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا في شَعْبَانَ الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) متفق عليه.
والله أعلم.
#مقالات_متنوعة
﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
🖊◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
#خلاصات_فقهية
🌴 *توطئة*
-إن من تفضّل الله علينا ورحمته تعالى بنا أن جعل لنا ما نكمل فرائضه علينا بطاعات من جنسها , ففي الصلاة جعل النوافل القبيلة والبعدية للصلوات -وكذا النوافل المطلقة- , وفي الزكاة جعل الصدقات , وفي الحج جعل العمرة , وفي صوم رمضان – وهو موضوعنا- جعل صيام النفل كالاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وأيام البيض وعشر من ذي الحجة وعاشوراء.... وما نحن بصدد معرفة أحكامها وهي: أيام الست من شوال , هذه النوافل وغيرها المقصود منها زيادة رصيد الحسنات ليحبنا الله , ولتكميل ما قد يحصل منا من نقص في الفرائض , وفي المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " مُتَفَقٌ عَلَيْه.
📍 *فضل صيامها*
-جاء عند مسلم والترمذي وأبي داود وغيرهم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» , وقد فسّر النبي عليه الصلاة والسلام معنى صيام الدهر وأن المقصود به هنا السَنَة , وذلك في حديث صحيح آخر :عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :((من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)) صححه الألباني , وفي رواية صحيحة أيضاً : عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ , بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ , وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ , فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} , وفي رواية: " جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، الشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الشَّهْرِ , تَمَامُ السَّنَةِ " وكل ذلك صححه الألباني وغيره.
🔎 *حكم صيامها*
-صيام ستة أيام من شوال سنة عند جماهير الفقهاء – وإن خالف بعض المتقدمين ؛ لعدم وصول الدليل إليهم وغير ذلك , كمالك وأبي حنيفة ولو علموه لما خالفوه كما قال ابن عبد البر , ثم قد أطبق على القول بسنية صيامها عامة علماء المذهبين مع غيرهم , بل المالكية خصوا الكراهة بمن يُقتدى به , وأن يصومها متتابعة مظهراً لصيامها ؛ خوفاً من أن يظن العامة بوجوبها ؛ لاتصالها برمضان , ولو انتفت الموانع فلا كراهة حينئذ عندهم - ثم لا حجة في قول أحد كائناً من كان مقابل النص الصحيح الصريح – مع إجلالنا العظيم للفقهاء , لكن قول الله ورسوله فوق كل قول وأولى بالاتباع- .
⏰ *وقت صيامها*
-الفضل المترتّب في الحديث مختص بوقت مضيق وهو شهر شوال , فلا تجزئ أياماً من أي شهر غير شهر شوال ، ويُبتدأ جواز صومها من يوم ثاني عيد الفطر وحتى آخر يوم في شهر شوال , وقد استحب الشافعية والحنابلة التعجيل بصيامها بعد العيد مباشرة ؛ مسارعة في الخير ، كما هو المطلوب في كل عبادة :((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )) آل عمران (133) , ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ))طه (84) , ولما في التأخير من الآفات , ولاشك أن الأفضل هو المبادرة بالخيرات عامة -وهذه منها- لكن بشرط أن لا يكن في ذلك حرج عليه وعلى أسرته ؛ بسبب العيد وفرحته وأكله وشربه فلا ينغّص ذلك عليهم بصومه -خاصة في بعض العادات لمناطق مخصوصة-, والشهر واسع والحمد لله فالأفضل في مثل هذه الحالة التأخير , ولذا يمكن نبحث ما تقدّم في فرع جديد وهو ما يلي:
💡 *صفة صيامها*
-اختلف الفقهاء في صفة صيام هذه الست ويمكن نرد ذلك إلى أقوال ثلاثة:
القول الأول: أنه يستحب صيامها متتابعة من أول الشهر , وهو قول الشافعية والحنابلة -كما تقدم- وابن المبارك وغيرهم ورجحه النووي , واستدلوا بما سبق , وبحديث: «مَنْ الست محصورة بشوال بينما القضاء غير محصور به بل يجوز في كل العام , ثم حديث عائشة يوضّح ذلك ويدلل عليه عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قُالتْ:(( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا في شَعْبَانَ الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) متفق عليه.
والله أعلم.
#مقالات_متنوعة
﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
📚🐪 #أحكام_الأضحية 🐑 📚 #خلاصات_فقهية 🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، ...
📚🐪 #أحكام_الأضحية 🐑 📚
#خلاصات_فقهية
🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
-الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فالأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، والعبادات الجليلة التي اهتم بها الفقه الإسلامي أيما اهتمام، فلذا كان لا بدّ للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظّم شأنها وذلك بالعلم بأهم أحكامها؛ حتى لا يقع في أخطاء شرعية تُبطل تلك العبادة، أو تنقص أجرها، وسوف أذكر لك -أخي القارئ العزيز- أهم أحكامها فيما أحسب- واعتمدت كثيراً في ذكر هذه المسائل على أسئلة السائلين، سواء في مجموعات الفتاوى الشرعية على الوتساب، أو رقمي بالخاص واتس أو تليجرام- ولنبدأ باسم الله:
💧 *تعريف الأضحية*
-الأضحية: هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) تقرباً إلى الله تعالى، من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق (يوم الثالث عشر من ذي الحجة )، بنية الأضحية.
🚦 *تنبيه:*💡
-يجب أن يتنبه المسلم لتجديد نيته – في كل عبادة وهنا في الأضحية خاصة- فلا تتحوّل العبادات إلى عادات فلا ينتفع بها العبد، ولا يجد حلاوة الإيمان في العمل بأمر الله، ولا يؤجر على فعله، وليتنبه لقول الله هنا:﴿لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّـقْوَى مِنكُمْ﴾، ومن قوله: ﴿وَلَـكِن يَنَالُهُ الـتَّـقْوَى مِنكُمْ﴾ ففيها تنبيه واضح لعباده بتجديد نواياهم وابتغاء مرضاة الله في ذلك لا غيره من هوى أو بشر....، وليعلموا جيداً أنه يجب أن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخراً، ولا رياءً ولا سمعة ولا غير ذاك، ولا مـجرد عادة مجتمعية كل عام.
🐪 *فضلُ الأضحية:*
-وردَت أحاديث ضعيفة في فضلِها منها ما روتْه عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:(ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا)؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
-ولا يَثبُت حديث صحيح في فضل الأضحية ، كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام ابن العربي المالكي .
لكن لاريب أن الله -عز وجل- يُعطي الأجر العظيم لمن استجاب له فأطاعه , لكن لم يثبت فيها أجر خاص، فيكون مقدار الأجر في عِلم الله تعالى كالصوم والصبر..
ولهذا كان من المناسب جداً ان أذكر بعض الأحاديث التي لا تصح , لكن تنتشر بين الناس خاصة مع توفّر وسائل التواصل حالياً فما من مناسبة إلا وتُنشر كل موضوعاتها...
🔎 *أحاديث لا تصح في الأضحية:*
1- ما سبق من حديث: ((ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
2- وكذلك : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة".
3- وكذلك: "يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بكل قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك. قالت: يا رسول الله ألنا خاصة آل البيت أو لنا وللمسلمين؟ قال: بل لنا وللمسلمين".
4- وكذلك: "استفرهوا –وفي رواية- عظّموا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط - وفي رواية – على الصراط مطاياكم – وفي رواية – إنها مطاياكم إلى الجنة".
5- وكذلك: "من ضحّى طيبة بها نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار".
6- وكذلك: "إن الله يعتق بكل عضو من الضحية عضوا من المضحّي - وفي رواية - يعتق بكل جزء من الأضحية جزءاً من المضحّي من النار".
7- وكذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحّى ليلاً".
🗓 *ما يستحب اجتنابه في العشر من أراد أن يضحي:*
-دلّت السنة على أن من أراد التضحية فيسنّ له - وقيل يجب عليه وسيأتي- أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي » وفي رواية :« فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً » أخرجه مسلم.
-قيل الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ ذلك : أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك (وهو التقرب إلى الله بذبح النسك) أُعْطي بعض أحكامه ، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار.
-ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة حتى يضحّي , والحكم متعلق بالمضحّي فقط دون أهل بيته ممن سيضحّي عنهم ، وسواء ذبح بنفسه او وكَّل غيره , أما الوكيل فلا يتعلق به نهي ، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث : (وأراد أحدكم أن يضحّي) ، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي كما سبق.
-ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام ؛ لأن هذا سنة عند الحاجة , لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته.
📖 *خلاف الفقهاء في حكم الأخذ* 🔖
-(قال الإمام النووي: قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وقال أبو حنيفة: يكره، واختلفت الرواية عن مالك) أ. هـ.
- *والراجح* أن ترك الأخذ سنة نبوية , والأخذ من الشعر أو البشر أو الظفر قبل أن يضحي وبعد دخول العشر مكروه , لكن لا يعني ذلك فساد الأضحية بإجماع الفقهاء, لا كما يظن بعض العوام: أن من أخذ من شعره أو بشره فلا أضحية له ولا تصح منه, ( وقد وردتني أسئلة متعددة بنحو هذا الكلام فليتنبه له).
( *يُراجع منشوري أحكام العشر من ذي الحجة وفضائلها* ).
📚 *حكم الأضحية* 🐄
-أجمع الفقهاء على مشروعية الأضحية وأنها شعيرة من شعائر الإسلام , وإذا تركها أهل بلد عن قدرة عليها , وعدم إيمان بها قوتلوا عليها ؛ لأنها من شعائر الإسلام , ثم اختلفوا في حكمها: فذهب جمهور الفقهاء –المالكية والشافعية والحنابلة- أنها سنة مؤكدة ( لكن صرّح كثير منهم بأنه يُكره تركها للقادر عليها ) ، - وذهب لوجوبها الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد , وأحد القولين في مذهب مالك ، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين ( *وهو الراجح لمن وجد سعة* ) ، واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قوله تعالى : ( فصلٍّ لربك وانحر ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : "الصلاة: المَكتوبة، والنحر: النُّسُك والذبحُ يومَ الأضحى" ، وكلمة (فصلٍّ) فعل أمر , والأمر يقتضي الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه.
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله » رواه مسلم , فهنا أمر بالإعادة (فليذبح) .
3- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربنّ مصلانا » رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم والألباني , فنهى من لم يضحٍّ من الصلاة زجراً له .
4- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية))؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن , فكل هذه الأحاديث يُفهم منها الأمر لا الندب.
-واستدل الجمهور بما يلي:
1- عن جابر - رضي الله عنه - قال: شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمُصلّى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبَحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((بسم الله، والله أكبر، اللهمَّ هذا عني وعمَّن لم يُضحِّ من أمتي))؛ أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه في الأضاحي، بسند صحيح.
قالوا: فمَن لم يُضحِّ مِنا،فقد كفاهُ تضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - وناهيكَ بها أضحيةً , والرد عليهم: أن ذلك عن من لم يجد مالاً ليضحي .
2- حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخلَت العشر، وأراد أحدُكم أن يُضحِّي، فلا يمسَّنَّ مِن شَعره وبشَرِه شيئًا))؛ أخرجه مسلم، قالوا: عُلِّق الذبح على الإرادة، والواجب لا يُعلَّق على الإرادة , والرد عليهم: أن التعليق بالإرادة يكون في الواجبات كقول الله:( لمن شاء منكم أن يستقيم) , وقوله: ( إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم...) الآية يعني : إذا أردتم القيام للصلاة...وغيرهما في القرآن والسنة.
🐐🐪 *شروط الأضحية المجزئة:*🐂🐑
-كما هي العادة في العبادات فلابد من أن تسبق بشروط وضوابط معلومة , فللأضحية شروط بينها العلماء وهي:
1- القدرة: بأن يكون صاحبها قادراً على ثمنها , فمن لم يجد فلا يجب عليه أن يتسلف مادام وأنه لن يستطيع الرد أو يصعب عليه ذلك , ومن كلّف نفسه فتسلف فهي مقبولة منه , ثم هنا وللظروف التي تمر بها بعض البلاد الإسلامية خاصة بلادنا العزيزة اليمن المكلومة: فلا قلق ولا حزن على الفقير إن لم يضحٍّ ؛ فقد ضحّى عنه النبي عليه الصلاة والسلام ونِعْم بها أضحية , كما في الصحيح قال: (اللهم هذا عني وعن من لم يضحٍّ من أمتي) , فلا يجوز له أن يكلّف نفسه فيستدين مادام يعسر عليه السداد , أما من كان قادراً على السداد فيجوز له شراء الأضحية دَيْناً ، ومن كانت عليه ديون وتزاحم الدَيْن مع الأضحية فالمقدّم سداد الدين ؛ لأنه أبرأ للذمة , وحق المخلوق , بينما الأضحية حق الخالق وحق الله مبنياً على العفو..
2-أن تكون من بهيمة الأنعام ( الغنم , الضأن , البقر , الإبل) , ولا تجزئ غيرها بالإجماع.
3- أن تكون في السن المعتبر شرعاً : ستة أشهر في الضأن (جذعة) إن لم يجد سواها , وفي الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم , والجذعة من الضأن مالها ستة أشهر كما سبق, ولا يجزئ ما دون ذلك من الضأن , ولا ما دون الثني من بقية بهيمة الأنعام(وهي المسنة التي شرطها الحديث) :
• والثنيُّ مِن المعز: ما بلغ سنَة ودخَل في الثانية.
• والثنيُّ من البقر: ما أتمَّ سنتَين ودخَل في الثالثة.
• والثنيُّ مِن الإبل: ما أتمَّ خمس سنين ودخل في السادسة.
• ولا يجزئ أقل من ذلك , ويجزئ - بلا شك - ما هو أكبر.
3- أن تكون خالية من العيوب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أربع لا يجزين في الأضاحي ، العوراء البين عورها ، المريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والعجفاء التي لا تنقي » صحيح ، وفي رواية: في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: ((أربعٌ: العرجاء البيِّن ظلعها، والعوراء البيِّن عوَرها، والمريضة البيِّن مرَضُها، والعجفاء التي لا تنقي))؛ -أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح.
(قال ابن عبد البر: أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجمع عليها؛ لا أعلم خلافًا بين العلماء فيها، ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها، فإذا كانت العلة في ذلك قائمة، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز, وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز، وكذلك ما كان مثل ذلك كله) أ. هـ.
-والأضحية قربة إلى الله ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، (ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
• والعيب الخفيف في الضحايا مَعفوٌّ عنه , وكذا ما كان من أصل خلقته كالكباش الخارجية مقطوعة الذيل( الاسترالية) , وكذا ما لا يؤثر في اللحم , وكذلك ما تعيبت لديه بعد شرائه لها سليمة بشرط بدون تقصير منه فله أن يضحي بها ولو تعيبت, وإن خرج من الخلاف وباعها واشترى أفضل منها فهو خير وأفضل ما لم يكلّف على نفسه.
4-أن تكون في الوقت المحدد شرعاَ , وهذا الوقت هو: من بعد صلاة العيد، (وليس من بعد دخول وقت الصلاة) , إلى قبل مغيب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة , فإن ذُبحت قبل الوقت المحدد أو بعده لم تُجزئ.
وقد اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنَّة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نُصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهلِه، ليس من النسك في شيء))؛ متفق عليه.
كما أنهم اتَّفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يَجوز ولا تجزئ عنه أضحية وإنما هي لحم أطعمه أهله ؛ كما ورد في الحديث الصحيح السابق ، وحديث جندب بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يُصلي - أو نصلي - فليذبح مكانها أخرى))؛ متفق عليه.
-ولا مانع من الذبح في الأيام التي مرت نهـاراً أو ليـلاً –على الراجح- وكره جمهور الفقهاء الذبح بالليل لكن لا دليل لهم.
⌚ *آخِرُ وقت لذبح الأضحية*
-وما تقدّم من أن وقت الذبح يستمر يوم العيد ويومان بعده هو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي -وهو الراجح ورجحه ابن تيمية وابن القيم- , وذهب جمهور الفقهاء- الحنفية، والمالكية، والحنابلة- أن وقت الأضحية يوم العيد ويومان بعده..
🕹 *فضل الذبح على التصدّق بالقيمة*
ذهب جماهير الفقهاء إلى أن ذبح الأضحية والتصدق بلحمها أفضل من التصدق بقيمتها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى مع وجود فقراء في زمنه , ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل ولاشك بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
🐑🐐 *الأضحية بالخصي:*
-عن عائشة وأبي هريرة، رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يُضحّي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين (خصيين)، فذبح أحدهما عن أمته ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم).
🐂 *سُنّة استحسان الأضحية واستسمانها*
-(قال ابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب)، قال بعض السلف: لا يهدي أحدكم لله تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267] , ولذا ذُكر عن السلف أنهم كانوا يستسمنون أضاحيهم.
🐑🐐 *الأفضل من بهيمة الأنعام* 🐂🐪
-اختلف الفقهاء في الأفضل من بهيمة الأنعام ،فذهب الشافعي إلى تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الكباش، وأما مالك فوافق الشافعي في الهدي، وقال بعكس ذلك في الأضحية، ففضّل الكباش، ثم البقر، ثم الإبل، ولعل سبب اختلافهم: ورود حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بالكباش؛ ولأن الله فدى إسماعيل بذبح عظيم وهو الكبش كما هو الراجح وما عليه الجمهور , ومن فضّل الإبل ثم البقر ثم الكباش(الشافعي) فنظر إلى الأكثر لحماً وأغلى قيمة , لكن الراجح خلافه ؛ لما مر من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ وكونها أفضل لحماً كما هو المعروف.
-والأفضل في الأضاحي الذكر دون الأنثى – إلا الماعز-.
🗡 *الأحق بالذبح*
-يستحب للمضحي أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح؛ لأنه عبادة وقربة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذبح أضحيته بنفسه، وذبح هديه، وإن لم يتولَ ذبحه بيده، فالأفضل أن يحضر عند ذبحه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة: (احضري أضحيتك يغفر لكِ بأول قطرة من دمها) , وهكذا فعل عليه الصلاة والسلام لما وكّل علياً في الهدي.
🚦 *تنبيه:*
-الحكم عام للرجال والنساء , و ذبيحة المرأة حلال -لا كما ينتشر جهلاً- سواء كان ذلك بحضرة رجال الدار أو بغيبتهم مادامت تحسن الذبح , ولا فرق بين أن تكون حائضاً أو على طهر.
🔪 *كيفية ذبح الأضحية*
-يستحب أن تنحر الإبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى , والبقر والغنم يضجعها على شقها الأيسر(والمقصود من ذلك راحة البهيمة) مستقبلاً بها القبلة، ويضع رجله على رقبتها حين الذبح , وأما أيديها وأرجلها: فإن الأحسن أن تبقى مطلقة غير ممسوكة , إن كان ذلك أرْيح لها ،و ذلك أبلغ في إخراج الدم منها ؛لأن الدم مع الحركة يخرج أكثر، فهذا أفضل, ثم يقول:( بسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك) , ولا صحة لما ذهب إليه الهادوية من الزيدية من قول عند ذبح الأضحية : (الحمد لله الذي هدانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الأنعام) , وهو من انفراداتهم.
📝 *من آداب الذبح*
-إذا أراد الذبح فإنه مطالب بأمور:
- أن يذبح بسكـين حـادة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذا ذبـحتم فأحسنوا الـذِّبحة، ولْـيُحدَّ أحدكم شفرته، ولْيُرح ذبيحته} [رواه مسلم].
- ألا يحد شفرته وهي تنظر، وفي الصحيح عن ابن عباس:( أن رجلا أضجع شاة وهو يُحِد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{أتريد أن تميتها موتــتين! هلّا أحْددت شفرتك قبل أن تُضجـعها!}) , وأيضاً: لا يذبحها والأخرى تنظر؛ لأنها تعرف مصيرها فتخاف.
- ومن الآداب سـحب الذبيحة برفق: فعن محمد بن سيرين: أن عمراً رضي الله عنه رأى رجلاً يجر شاة ليذبحها، فضربه بالـدرة وقال: «سُقها - لا أم لك- إلى الموت سَوقاً جميلا». رواه البيهقي.
- ومن السنة الذبح إلى القبلة , (وما سبق عام في كل ذبح أضحية أو لا) .
- ويقال عند الذبح ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن ذبح كبشيْن أقرنيْن أملحيْن مَوجوءيْن في أضحيته، فلما وجههما قال:{إني وجهتُ وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً على ملة إبراهيم، وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرِتُ، وأنا أولُ المسلمين، اللهم منك ولك} والحديث في صحيح سنن أبي داود , وورد قول : باسم الله، والله أكبر، اللّهم إن هذا منك ولك، اللهم تقبل مني.
🐪 *تقسيم الأضحية*
-يستحب أن يأكل ثلثًاً ويتصدق بثلث ويهدي بثلث – استحباباً- قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ، وهو ما استحبه جمهور الفقهاء , والأمر يعود للمضحي نفسه فإذا كان الفقراء بحاجة ماسة فالمستحب في حقه أن يجعل لهم ثلثي الأضحية وثلث له , ولا هدية في حقه وهكذا.
-ولا بد من أن يأكل المضحّي من أضحيته ولو قليلاً؛ لينال بركتها , وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام :{إذا ضحّى أحدكم فلْيأكل من أضحيته} صححه الألباني ؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لما حج حجة الوداع أهدى ثلاثاً وستين بَدَنة، ونحرها بيده عليه السلام، ثم وكَّل علياً بأن يوزعها على الفقراء والمساكين، وأن يهيأ له من كل واحدة منها قطعة، ويطبخ ذلك ليأكل منه.
-واختار بعض الفقهاء أن يكون الأكل من الكبد ؛ لأنه أخف وأسرع نضجاً ، لكن ليس من باب التعبد.
🐑 *هبة الأضاحي للمحتاجين ليضحوا بها:*
-قد ثبت في البخاري:( أن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم ضحايا بين أصحابه) , ففيه دلالة على جواز توزيع أهل الغنى ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها , ولهم الأجر مرتين , وهذه دعوة لكل من يستطيع أن يفعل ذلك فلا يبخل على نفسه من أن ينقذها من النار , وفي المتفق عليه: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) , هذا شق تمرة ينجي من النار فكيف بالكيلو وأكثر منه للفقراء .
📿 *إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية:*
-يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لتصرفها على الفقراء –إن كانت تفعل-، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها.
🥩 *الادخار من لحم الأضحية:*
-ثبت في الأحاديث الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي في إحدى السنوات ؛ لما كانت بالمسلمين حاجة للحم بسبب الوفود في المدينة، ثم أذن في الادخار بعد ذلك، أي أن النهي عن الادخار منسوخ، وبهذا قال جماهير أهل العلم...فيجوز الادخار , لكن في مثل هذه السنوات الشداد التي تمر بها بلادنا المكلومة لا أرى جواز ادخار اللحم مادام وان المضحّي بجواره فقراء بحاجة إلى اللحم.
🐪 *الاشـتراك في الأضحية الواحدة* 🐂
-الاشتراك في الأضاحي ينقسم إلى قسمين:
1- اشتراك مُلك : ولا يجزئ أن يشتـرك اثنان فأكثر - اشتراك مُلك- في الأضحية الواحدة من الغنم (ضأنها أو معزها) فلا تجزئ إلا عن الرجل وعن من يعيلهم طول العام أو أكثره.
• أما الاشتراك في البقرة أو في البعير (الإبل): فيجوز أن يشترك السبعة في واحدة؛ وفي الصحيح عن جـابر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة} رواه مسلم.
2-التشريك بالثواب: فهذا لا حرج أن يضحي الإنسان بالشاة عنه وعن أهل بيته وإن كـانوا كثيـرين ، بل له أن يضحّي عن نفسه وعن الأمة الإسلامية كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فيما مرّ (لكن لا يعني هذا أن أضحيته تجزئ عنهم).
⚖ *الضابط في البيت الواحد*
- حد البيت الذي تجزئ عنه أضحية واحدة وإن كثروا هم: من يجمعهم بيت واحد , ومطبخ واحد طول العام أو أغلبه , أما إذا جاء الولد بيت والده –مثلاً- في العيد بأهله فيجب عليه أضحية مستقلة عن والده -إن استطاع كما مر- وهكذا غيره كالإخوة , أما إن كانوا جميعاً في دار واحدة يجمعهم مطبخ واحد فعليهم جميعاً أضحية واحدة فقط وإن زادوا عنها فحسن.
- ومن كان خارج البلد بلا أسرته فيجزئ عنه أضحية والده في بلده – إن شاء الله-.
- وإن كان الرجل متزوجاً زوجتين أو أكثر فأضحية واحدة تكفي أيضاً , كما أجزأت أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجاته جميعاً , وفي الحديث الصحيح عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: « كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون » رواه ابن ماجة والترمذي وصححه .
🐪 *الاشتراك في الأضحية لغير قربة*
-اشترط الحنفية في صحِّة الاشتراك في الأضحية : أن يكون الكل مريدين للقربة وإن اختلفت جهاتها (من أضحية، وقران، ومتعة) قالوا: فلو كان أحدهم مريداً لحماً لأهله –مثلاً- فلا تجزئ عنهم جميعاً, أما الشافعية والحنابلة فلم يشترطوا ( وهو الراجح وما رجحه شيخنا العمراني): أن يتحد جميع المشتركين في الأضحية في إرادة القربة , وسواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا، كما إذا قصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي، وكذا لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية, كما يحصل: أن عشرة يشتركون في بقرة واحدة –ومعلوم أنها لا تجزئ إلا عن سبعة كما مر- فنقول على الراجح: من أخذ منها سبيعاً أجزأ عنه ولا تنفسخ أضحيته , وأما من لم يأخذ سبيعاً لمفرده وإنما اشترك اثنان أو أكثر فيه فليس بضحية بل هو لحم لأهله باتفاق الفقهاء , والخلاف إنما هو هل يفسخ أضحية غيره أم لا ؟ *فالراجح* -كما سبق- أنه لا يفسخ إلا أضحية نفسه , لكن الأحوط : أن المضحي لا يأخذ إلا مما لا شبهة فيه يعني: لا يشترك في تلك الأضحية إلا من أراد القربة فقط.
🐐 *حكم بيع الأضحية*
- إذا تعيَّنت الأضحية لم يَجُز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، فلا يجوز بيعها حتى لو ضعفت وهزلت - إلا إذا اشترى أفضل منها فقد أجاز ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة -.
- ولا يبيع جلدها بعد الذبح؛{من باع جلد أضحيته فلا أضحية له} صححه الألباني؛ لأنها تعيَّنت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه, لكن له الانتفاع به , أو هبته لفقير , فإذا باعه الفقير فلا مانع , وإن كان لن يقبله فقير فلا مانع من بيعه إن شاء الله خير من رميه فالإسراف محرّم.
- واتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو أيٍ من أجزائها: ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق , ، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة؛ لقول علي رضي الله عنه:( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزار منها شيئاً ، وقال نحن نعطيه من عندنا ) متفق عليه, أما على سبيل الهدية أو كونه فقيراً فيجوز –على الراجح-لكن لا تُحسب من الأجرة.
🕋 *أضحية الحاج*
-الأضحية تجب على غير الحاج من المسافرين عند جمهور الفقهاء ؛ لعموم الأدلة بدون تفريق بين المسافر وغيره ، أما الحاج فقد اختلف أهل العلم فيه والراجح أنها لا تجب عليه، ولم يُعرف عن الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ضحوا، ورجَّحه ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، وجماعة من أهل العلم , وإن ضحّى فله الأجر لكن لا تجب.
🚦 *تنبيهات*
🔥-يعتقد بعض الناس اعتقادات خاطئة باطلة في دم الأضحية , فقد يقومون بتلطيخ نفوسهم بدمها -لاسيما الأطفال- وهذا لم يرد به شرع مطلقاً , فضلاً على أنه اعتقاد فاسد باطل لا يجوز , والأمور الاعتقادية لا يجوز التساهل فيها مطلقاً فيجب الحذر من ذلك.
🔥-إذا ولدت الأضحية قبل ذبحها أو حتى لو وُجد في بطنها جنيناً فهي أضحية صحيحة مجزئة عند جماهير الفقهاء , وذكاة ولدها الذي وُجد في بطنها ذكاة أمه فيجوز أكله عند جماهير الفقهاء , واستقذار الناس الأضحية بل وتركها كلية فعل غير صائب , فالشرع فوق الأهواء, وحاكم عليها , وفي المتفق عليه:(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) , وورد حديث صحيح بأكله فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَنِينِ فَقَالَ: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ". وَقَالَ مُسَدَّدٌ (أحد الرواة): قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ" , صححه الألباني.
🔥-من أراد أن يذبح الأضحية أيام التشريق ثم يدّخر اللحم لضيوفه ويصنع وليمته بعد ذلك، فلا حرج وهي أضحية ما دام الذبح وقع في أيام التشريق؛ لأن العبرة بالذبح وقد وقع صحيحاً معتبراً شرعاً بشروطه , أما ما يفعله البعض من تأخير الأضحية للضيف حتى يأتي بعد أيام التشريق فليست بأضحية باتفاق الفقهاء وإنما ذلك لحم ضيافة لا أضحية , وقد فاته ولا شك أجر الأضحية وهو أعظم وأوجب من لحم الضيافة.
- *والله تعالى أعلم*
-والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
#خلاصات_فقهية
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
#خلاصات_فقهية
🖊 ◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
-الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فالأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، والعبادات الجليلة التي اهتم بها الفقه الإسلامي أيما اهتمام، فلذا كان لا بدّ للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظّم شأنها وذلك بالعلم بأهم أحكامها؛ حتى لا يقع في أخطاء شرعية تُبطل تلك العبادة، أو تنقص أجرها، وسوف أذكر لك -أخي القارئ العزيز- أهم أحكامها فيما أحسب- واعتمدت كثيراً في ذكر هذه المسائل على أسئلة السائلين، سواء في مجموعات الفتاوى الشرعية على الوتساب، أو رقمي بالخاص واتس أو تليجرام- ولنبدأ باسم الله:
💧 *تعريف الأضحية*
-الأضحية: هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) تقرباً إلى الله تعالى، من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق (يوم الثالث عشر من ذي الحجة )، بنية الأضحية.
🚦 *تنبيه:*💡
-يجب أن يتنبه المسلم لتجديد نيته – في كل عبادة وهنا في الأضحية خاصة- فلا تتحوّل العبادات إلى عادات فلا ينتفع بها العبد، ولا يجد حلاوة الإيمان في العمل بأمر الله، ولا يؤجر على فعله، وليتنبه لقول الله هنا:﴿لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّـقْوَى مِنكُمْ﴾، ومن قوله: ﴿وَلَـكِن يَنَالُهُ الـتَّـقْوَى مِنكُمْ﴾ ففيها تنبيه واضح لعباده بتجديد نواياهم وابتغاء مرضاة الله في ذلك لا غيره من هوى أو بشر....، وليعلموا جيداً أنه يجب أن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخراً، ولا رياءً ولا سمعة ولا غير ذاك، ولا مـجرد عادة مجتمعية كل عام.
🐪 *فضلُ الأضحية:*
-وردَت أحاديث ضعيفة في فضلِها منها ما روتْه عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:(ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا)؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
-ولا يَثبُت حديث صحيح في فضل الأضحية ، كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام ابن العربي المالكي .
لكن لاريب أن الله -عز وجل- يُعطي الأجر العظيم لمن استجاب له فأطاعه , لكن لم يثبت فيها أجر خاص، فيكون مقدار الأجر في عِلم الله تعالى كالصوم والصبر..
ولهذا كان من المناسب جداً ان أذكر بعض الأحاديث التي لا تصح , لكن تنتشر بين الناس خاصة مع توفّر وسائل التواصل حالياً فما من مناسبة إلا وتُنشر كل موضوعاتها...
🔎 *أحاديث لا تصح في الأضحية:*
1- ما سبق من حديث: ((ما عمل آدمي مِن عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقُرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقَع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا بها نفسًا))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف.
2- وكذلك : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة".
3- وكذلك: "يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بكل قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك. قالت: يا رسول الله ألنا خاصة آل البيت أو لنا وللمسلمين؟ قال: بل لنا وللمسلمين".
4- وكذلك: "استفرهوا –وفي رواية- عظّموا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط - وفي رواية – على الصراط مطاياكم – وفي رواية – إنها مطاياكم إلى الجنة".
5- وكذلك: "من ضحّى طيبة بها نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار".
6- وكذلك: "إن الله يعتق بكل عضو من الضحية عضوا من المضحّي - وفي رواية - يعتق بكل جزء من الأضحية جزءاً من المضحّي من النار".
7- وكذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحّى ليلاً".
🗓 *ما يستحب اجتنابه في العشر من أراد أن يضحي:*
-دلّت السنة على أن من أراد التضحية فيسنّ له - وقيل يجب عليه وسيأتي- أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحّي » وفي رواية :« فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً » أخرجه مسلم.
-قيل الحكمة من نهي المضحّي عن أخذ ذلك : أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك (وهو التقرب إلى الله بذبح النسك) أُعْطي بعض أحكامه ، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار.
-ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة حتى يضحّي , والحكم متعلق بالمضحّي فقط دون أهل بيته ممن سيضحّي عنهم ، وسواء ذبح بنفسه او وكَّل غيره , أما الوكيل فلا يتعلق به نهي ، فإن النهي خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه كما دل عليه الحديث : (وأراد أحدكم أن يضحّي) ، وأما من يضحي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي كما سبق.
-ومن كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام ؛ لأن هذا سنة عند الحاجة , لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته.
📖 *خلاف الفقهاء في حكم الأخذ* 🔖
-(قال الإمام النووي: قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، وقال أبو حنيفة: يكره، واختلفت الرواية عن مالك) أ. هـ.
- *والراجح* أن ترك الأخذ سنة نبوية , والأخذ من الشعر أو البشر أو الظفر قبل أن يضحي وبعد دخول العشر مكروه , لكن لا يعني ذلك فساد الأضحية بإجماع الفقهاء, لا كما يظن بعض العوام: أن من أخذ من شعره أو بشره فلا أضحية له ولا تصح منه, ( وقد وردتني أسئلة متعددة بنحو هذا الكلام فليتنبه له).
( *يُراجع منشوري أحكام العشر من ذي الحجة وفضائلها* ).
📚 *حكم الأضحية* 🐄
-أجمع الفقهاء على مشروعية الأضحية وأنها شعيرة من شعائر الإسلام , وإذا تركها أهل بلد عن قدرة عليها , وعدم إيمان بها قوتلوا عليها ؛ لأنها من شعائر الإسلام , ثم اختلفوا في حكمها: فذهب جمهور الفقهاء –المالكية والشافعية والحنابلة- أنها سنة مؤكدة ( لكن صرّح كثير منهم بأنه يُكره تركها للقادر عليها ) ، - وذهب لوجوبها الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد , وأحد القولين في مذهب مالك ، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين ( *وهو الراجح لمن وجد سعة* ) ، واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قوله تعالى : ( فصلٍّ لربك وانحر ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : "الصلاة: المَكتوبة، والنحر: النُّسُك والذبحُ يومَ الأضحى" ، وكلمة (فصلٍّ) فعل أمر , والأمر يقتضي الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه.
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله » رواه مسلم , فهنا أمر بالإعادة (فليذبح) .
3- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربنّ مصلانا » رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم والألباني , فنهى من لم يضحٍّ من الصلاة زجراً له .
4- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية))؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن , فكل هذه الأحاديث يُفهم منها الأمر لا الندب.
-واستدل الجمهور بما يلي:
1- عن جابر - رضي الله عنه - قال: شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمُصلّى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبَحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((بسم الله، والله أكبر، اللهمَّ هذا عني وعمَّن لم يُضحِّ من أمتي))؛ أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه في الأضاحي، بسند صحيح.
قالوا: فمَن لم يُضحِّ مِنا،فقد كفاهُ تضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - وناهيكَ بها أضحيةً , والرد عليهم: أن ذلك عن من لم يجد مالاً ليضحي .
2- حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخلَت العشر، وأراد أحدُكم أن يُضحِّي، فلا يمسَّنَّ مِن شَعره وبشَرِه شيئًا))؛ أخرجه مسلم، قالوا: عُلِّق الذبح على الإرادة، والواجب لا يُعلَّق على الإرادة , والرد عليهم: أن التعليق بالإرادة يكون في الواجبات كقول الله:( لمن شاء منكم أن يستقيم) , وقوله: ( إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم...) الآية يعني : إذا أردتم القيام للصلاة...وغيرهما في القرآن والسنة.
🐐🐪 *شروط الأضحية المجزئة:*🐂🐑
-كما هي العادة في العبادات فلابد من أن تسبق بشروط وضوابط معلومة , فللأضحية شروط بينها العلماء وهي:
1- القدرة: بأن يكون صاحبها قادراً على ثمنها , فمن لم يجد فلا يجب عليه أن يتسلف مادام وأنه لن يستطيع الرد أو يصعب عليه ذلك , ومن كلّف نفسه فتسلف فهي مقبولة منه , ثم هنا وللظروف التي تمر بها بعض البلاد الإسلامية خاصة بلادنا العزيزة اليمن المكلومة: فلا قلق ولا حزن على الفقير إن لم يضحٍّ ؛ فقد ضحّى عنه النبي عليه الصلاة والسلام ونِعْم بها أضحية , كما في الصحيح قال: (اللهم هذا عني وعن من لم يضحٍّ من أمتي) , فلا يجوز له أن يكلّف نفسه فيستدين مادام يعسر عليه السداد , أما من كان قادراً على السداد فيجوز له شراء الأضحية دَيْناً ، ومن كانت عليه ديون وتزاحم الدَيْن مع الأضحية فالمقدّم سداد الدين ؛ لأنه أبرأ للذمة , وحق المخلوق , بينما الأضحية حق الخالق وحق الله مبنياً على العفو..
2-أن تكون من بهيمة الأنعام ( الغنم , الضأن , البقر , الإبل) , ولا تجزئ غيرها بالإجماع.
3- أن تكون في السن المعتبر شرعاً : ستة أشهر في الضأن (جذعة) إن لم يجد سواها , وفي الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم , والجذعة من الضأن مالها ستة أشهر كما سبق, ولا يجزئ ما دون ذلك من الضأن , ولا ما دون الثني من بقية بهيمة الأنعام(وهي المسنة التي شرطها الحديث) :
• والثنيُّ مِن المعز: ما بلغ سنَة ودخَل في الثانية.
• والثنيُّ من البقر: ما أتمَّ سنتَين ودخَل في الثالثة.
• والثنيُّ مِن الإبل: ما أتمَّ خمس سنين ودخل في السادسة.
• ولا يجزئ أقل من ذلك , ويجزئ - بلا شك - ما هو أكبر.
3- أن تكون خالية من العيوب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أربع لا يجزين في الأضاحي ، العوراء البين عورها ، المريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والعجفاء التي لا تنقي » صحيح ، وفي رواية: في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: ((أربعٌ: العرجاء البيِّن ظلعها، والعوراء البيِّن عوَرها، والمريضة البيِّن مرَضُها، والعجفاء التي لا تنقي))؛ -أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح.
(قال ابن عبد البر: أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجمع عليها؛ لا أعلم خلافًا بين العلماء فيها، ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها، فإذا كانت العلة في ذلك قائمة، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز, وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز، وكذلك ما كان مثل ذلك كله) أ. هـ.
-والأضحية قربة إلى الله ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، (ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
• والعيب الخفيف في الضحايا مَعفوٌّ عنه , وكذا ما كان من أصل خلقته كالكباش الخارجية مقطوعة الذيل( الاسترالية) , وكذا ما لا يؤثر في اللحم , وكذلك ما تعيبت لديه بعد شرائه لها سليمة بشرط بدون تقصير منه فله أن يضحي بها ولو تعيبت, وإن خرج من الخلاف وباعها واشترى أفضل منها فهو خير وأفضل ما لم يكلّف على نفسه.
4-أن تكون في الوقت المحدد شرعاَ , وهذا الوقت هو: من بعد صلاة العيد، (وليس من بعد دخول وقت الصلاة) , إلى قبل مغيب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة , فإن ذُبحت قبل الوقت المحدد أو بعده لم تُجزئ.
وقد اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنَّة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نُصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهلِه، ليس من النسك في شيء))؛ متفق عليه.
كما أنهم اتَّفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يَجوز ولا تجزئ عنه أضحية وإنما هي لحم أطعمه أهله ؛ كما ورد في الحديث الصحيح السابق ، وحديث جندب بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يُصلي - أو نصلي - فليذبح مكانها أخرى))؛ متفق عليه.
-ولا مانع من الذبح في الأيام التي مرت نهـاراً أو ليـلاً –على الراجح- وكره جمهور الفقهاء الذبح بالليل لكن لا دليل لهم.
⌚ *آخِرُ وقت لذبح الأضحية*
-وما تقدّم من أن وقت الذبح يستمر يوم العيد ويومان بعده هو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي -وهو الراجح ورجحه ابن تيمية وابن القيم- , وذهب جمهور الفقهاء- الحنفية، والمالكية، والحنابلة- أن وقت الأضحية يوم العيد ويومان بعده..
🕹 *فضل الذبح على التصدّق بالقيمة*
ذهب جماهير الفقهاء إلى أن ذبح الأضحية والتصدق بلحمها أفضل من التصدق بقيمتها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى مع وجود فقراء في زمنه , ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل ولاشك بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
🐑🐐 *الأضحية بالخصي:*
-عن عائشة وأبي هريرة، رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يُضحّي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين (خصيين)، فذبح أحدهما عن أمته ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم).
🐂 *سُنّة استحسان الأضحية واستسمانها*
-(قال ابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب)، قال بعض السلف: لا يهدي أحدكم لله تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267] , ولذا ذُكر عن السلف أنهم كانوا يستسمنون أضاحيهم.
🐑🐐 *الأفضل من بهيمة الأنعام* 🐂🐪
-اختلف الفقهاء في الأفضل من بهيمة الأنعام ،فذهب الشافعي إلى تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الكباش، وأما مالك فوافق الشافعي في الهدي، وقال بعكس ذلك في الأضحية، ففضّل الكباش، ثم البقر، ثم الإبل، ولعل سبب اختلافهم: ورود حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بالكباش؛ ولأن الله فدى إسماعيل بذبح عظيم وهو الكبش كما هو الراجح وما عليه الجمهور , ومن فضّل الإبل ثم البقر ثم الكباش(الشافعي) فنظر إلى الأكثر لحماً وأغلى قيمة , لكن الراجح خلافه ؛ لما مر من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ وكونها أفضل لحماً كما هو المعروف.
-والأفضل في الأضاحي الذكر دون الأنثى – إلا الماعز-.
🗡 *الأحق بالذبح*
-يستحب للمضحي أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح؛ لأنه عبادة وقربة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذبح أضحيته بنفسه، وذبح هديه، وإن لم يتولَ ذبحه بيده، فالأفضل أن يحضر عند ذبحه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة: (احضري أضحيتك يغفر لكِ بأول قطرة من دمها) , وهكذا فعل عليه الصلاة والسلام لما وكّل علياً في الهدي.
🚦 *تنبيه:*
-الحكم عام للرجال والنساء , و ذبيحة المرأة حلال -لا كما ينتشر جهلاً- سواء كان ذلك بحضرة رجال الدار أو بغيبتهم مادامت تحسن الذبح , ولا فرق بين أن تكون حائضاً أو على طهر.
🔪 *كيفية ذبح الأضحية*
-يستحب أن تنحر الإبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى , والبقر والغنم يضجعها على شقها الأيسر(والمقصود من ذلك راحة البهيمة) مستقبلاً بها القبلة، ويضع رجله على رقبتها حين الذبح , وأما أيديها وأرجلها: فإن الأحسن أن تبقى مطلقة غير ممسوكة , إن كان ذلك أرْيح لها ،و ذلك أبلغ في إخراج الدم منها ؛لأن الدم مع الحركة يخرج أكثر، فهذا أفضل, ثم يقول:( بسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك) , ولا صحة لما ذهب إليه الهادوية من الزيدية من قول عند ذبح الأضحية : (الحمد لله الذي هدانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الأنعام) , وهو من انفراداتهم.
📝 *من آداب الذبح*
-إذا أراد الذبح فإنه مطالب بأمور:
- أن يذبح بسكـين حـادة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذا ذبـحتم فأحسنوا الـذِّبحة، ولْـيُحدَّ أحدكم شفرته، ولْيُرح ذبيحته} [رواه مسلم].
- ألا يحد شفرته وهي تنظر، وفي الصحيح عن ابن عباس:( أن رجلا أضجع شاة وهو يُحِد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{أتريد أن تميتها موتــتين! هلّا أحْددت شفرتك قبل أن تُضجـعها!}) , وأيضاً: لا يذبحها والأخرى تنظر؛ لأنها تعرف مصيرها فتخاف.
- ومن الآداب سـحب الذبيحة برفق: فعن محمد بن سيرين: أن عمراً رضي الله عنه رأى رجلاً يجر شاة ليذبحها، فضربه بالـدرة وقال: «سُقها - لا أم لك- إلى الموت سَوقاً جميلا». رواه البيهقي.
- ومن السنة الذبح إلى القبلة , (وما سبق عام في كل ذبح أضحية أو لا) .
- ويقال عند الذبح ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن ذبح كبشيْن أقرنيْن أملحيْن مَوجوءيْن في أضحيته، فلما وجههما قال:{إني وجهتُ وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً على ملة إبراهيم، وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرِتُ، وأنا أولُ المسلمين، اللهم منك ولك} والحديث في صحيح سنن أبي داود , وورد قول : باسم الله، والله أكبر، اللّهم إن هذا منك ولك، اللهم تقبل مني.
🐪 *تقسيم الأضحية*
-يستحب أن يأكل ثلثًاً ويتصدق بثلث ويهدي بثلث – استحباباً- قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ، وهو ما استحبه جمهور الفقهاء , والأمر يعود للمضحي نفسه فإذا كان الفقراء بحاجة ماسة فالمستحب في حقه أن يجعل لهم ثلثي الأضحية وثلث له , ولا هدية في حقه وهكذا.
-ولا بد من أن يأكل المضحّي من أضحيته ولو قليلاً؛ لينال بركتها , وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام :{إذا ضحّى أحدكم فلْيأكل من أضحيته} صححه الألباني ؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لما حج حجة الوداع أهدى ثلاثاً وستين بَدَنة، ونحرها بيده عليه السلام، ثم وكَّل علياً بأن يوزعها على الفقراء والمساكين، وأن يهيأ له من كل واحدة منها قطعة، ويطبخ ذلك ليأكل منه.
-واختار بعض الفقهاء أن يكون الأكل من الكبد ؛ لأنه أخف وأسرع نضجاً ، لكن ليس من باب التعبد.
🐑 *هبة الأضاحي للمحتاجين ليضحوا بها:*
-قد ثبت في البخاري:( أن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم ضحايا بين أصحابه) , ففيه دلالة على جواز توزيع أهل الغنى ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها , ولهم الأجر مرتين , وهذه دعوة لكل من يستطيع أن يفعل ذلك فلا يبخل على نفسه من أن ينقذها من النار , وفي المتفق عليه: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) , هذا شق تمرة ينجي من النار فكيف بالكيلو وأكثر منه للفقراء .
📿 *إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية:*
-يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لتصرفها على الفقراء –إن كانت تفعل-، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها.
🥩 *الادخار من لحم الأضحية:*
-ثبت في الأحاديث الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي في إحدى السنوات ؛ لما كانت بالمسلمين حاجة للحم بسبب الوفود في المدينة، ثم أذن في الادخار بعد ذلك، أي أن النهي عن الادخار منسوخ، وبهذا قال جماهير أهل العلم...فيجوز الادخار , لكن في مثل هذه السنوات الشداد التي تمر بها بلادنا المكلومة لا أرى جواز ادخار اللحم مادام وان المضحّي بجواره فقراء بحاجة إلى اللحم.
🐪 *الاشـتراك في الأضحية الواحدة* 🐂
-الاشتراك في الأضاحي ينقسم إلى قسمين:
1- اشتراك مُلك : ولا يجزئ أن يشتـرك اثنان فأكثر - اشتراك مُلك- في الأضحية الواحدة من الغنم (ضأنها أو معزها) فلا تجزئ إلا عن الرجل وعن من يعيلهم طول العام أو أكثره.
• أما الاشتراك في البقرة أو في البعير (الإبل): فيجوز أن يشترك السبعة في واحدة؛ وفي الصحيح عن جـابر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة} رواه مسلم.
2-التشريك بالثواب: فهذا لا حرج أن يضحي الإنسان بالشاة عنه وعن أهل بيته وإن كـانوا كثيـرين ، بل له أن يضحّي عن نفسه وعن الأمة الإسلامية كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فيما مرّ (لكن لا يعني هذا أن أضحيته تجزئ عنهم).
⚖ *الضابط في البيت الواحد*
- حد البيت الذي تجزئ عنه أضحية واحدة وإن كثروا هم: من يجمعهم بيت واحد , ومطبخ واحد طول العام أو أغلبه , أما إذا جاء الولد بيت والده –مثلاً- في العيد بأهله فيجب عليه أضحية مستقلة عن والده -إن استطاع كما مر- وهكذا غيره كالإخوة , أما إن كانوا جميعاً في دار واحدة يجمعهم مطبخ واحد فعليهم جميعاً أضحية واحدة فقط وإن زادوا عنها فحسن.
- ومن كان خارج البلد بلا أسرته فيجزئ عنه أضحية والده في بلده – إن شاء الله-.
- وإن كان الرجل متزوجاً زوجتين أو أكثر فأضحية واحدة تكفي أيضاً , كما أجزأت أضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجاته جميعاً , وفي الحديث الصحيح عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: « كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون » رواه ابن ماجة والترمذي وصححه .
🐪 *الاشتراك في الأضحية لغير قربة*
-اشترط الحنفية في صحِّة الاشتراك في الأضحية : أن يكون الكل مريدين للقربة وإن اختلفت جهاتها (من أضحية، وقران، ومتعة) قالوا: فلو كان أحدهم مريداً لحماً لأهله –مثلاً- فلا تجزئ عنهم جميعاً, أما الشافعية والحنابلة فلم يشترطوا ( وهو الراجح وما رجحه شيخنا العمراني): أن يتحد جميع المشتركين في الأضحية في إرادة القربة , وسواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا، كما إذا قصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي، وكذا لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية, كما يحصل: أن عشرة يشتركون في بقرة واحدة –ومعلوم أنها لا تجزئ إلا عن سبعة كما مر- فنقول على الراجح: من أخذ منها سبيعاً أجزأ عنه ولا تنفسخ أضحيته , وأما من لم يأخذ سبيعاً لمفرده وإنما اشترك اثنان أو أكثر فيه فليس بضحية بل هو لحم لأهله باتفاق الفقهاء , والخلاف إنما هو هل يفسخ أضحية غيره أم لا ؟ *فالراجح* -كما سبق- أنه لا يفسخ إلا أضحية نفسه , لكن الأحوط : أن المضحي لا يأخذ إلا مما لا شبهة فيه يعني: لا يشترك في تلك الأضحية إلا من أراد القربة فقط.
🐐 *حكم بيع الأضحية*
- إذا تعيَّنت الأضحية لم يَجُز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، فلا يجوز بيعها حتى لو ضعفت وهزلت - إلا إذا اشترى أفضل منها فقد أجاز ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة -.
- ولا يبيع جلدها بعد الذبح؛{من باع جلد أضحيته فلا أضحية له} صححه الألباني؛ لأنها تعيَّنت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه, لكن له الانتفاع به , أو هبته لفقير , فإذا باعه الفقير فلا مانع , وإن كان لن يقبله فقير فلا مانع من بيعه إن شاء الله خير من رميه فالإسراف محرّم.
- واتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو أيٍ من أجزائها: ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق , ، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة؛ لقول علي رضي الله عنه:( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزار منها شيئاً ، وقال نحن نعطيه من عندنا ) متفق عليه, أما على سبيل الهدية أو كونه فقيراً فيجوز –على الراجح-لكن لا تُحسب من الأجرة.
🕋 *أضحية الحاج*
-الأضحية تجب على غير الحاج من المسافرين عند جمهور الفقهاء ؛ لعموم الأدلة بدون تفريق بين المسافر وغيره ، أما الحاج فقد اختلف أهل العلم فيه والراجح أنها لا تجب عليه، ولم يُعرف عن الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ضحوا، ورجَّحه ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، وجماعة من أهل العلم , وإن ضحّى فله الأجر لكن لا تجب.
🚦 *تنبيهات*
🔥-يعتقد بعض الناس اعتقادات خاطئة باطلة في دم الأضحية , فقد يقومون بتلطيخ نفوسهم بدمها -لاسيما الأطفال- وهذا لم يرد به شرع مطلقاً , فضلاً على أنه اعتقاد فاسد باطل لا يجوز , والأمور الاعتقادية لا يجوز التساهل فيها مطلقاً فيجب الحذر من ذلك.
🔥-إذا ولدت الأضحية قبل ذبحها أو حتى لو وُجد في بطنها جنيناً فهي أضحية صحيحة مجزئة عند جماهير الفقهاء , وذكاة ولدها الذي وُجد في بطنها ذكاة أمه فيجوز أكله عند جماهير الفقهاء , واستقذار الناس الأضحية بل وتركها كلية فعل غير صائب , فالشرع فوق الأهواء, وحاكم عليها , وفي المتفق عليه:(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) , وورد حديث صحيح بأكله فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَنِينِ فَقَالَ: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ". وَقَالَ مُسَدَّدٌ (أحد الرواة): قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ" , صححه الألباني.
🔥-من أراد أن يذبح الأضحية أيام التشريق ثم يدّخر اللحم لضيوفه ويصنع وليمته بعد ذلك، فلا حرج وهي أضحية ما دام الذبح وقع في أيام التشريق؛ لأن العبرة بالذبح وقد وقع صحيحاً معتبراً شرعاً بشروطه , أما ما يفعله البعض من تأخير الأضحية للضيف حتى يأتي بعد أيام التشريق فليست بأضحية باتفاق الفقهاء وإنما ذلك لحم ضيافة لا أضحية , وقد فاته ولا شك أجر الأضحية وهو أعظم وأوجب من لحم الضيافة.
- *والله تعالى أعلم*
-والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
#خلاصات_فقهية
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
📚#أحكام_صيام_الست_من_شوال 📚 🖊◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على ...
📚#أحكام_صيام_الست_من_شوال 📚
🖊◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
#خلاصات_فقهية
🌴 *توطئة*
-إن من تفضّل الله علينا ورحمته تعالى بنا أن جعل لنا ما نكمل فرائضه علينا بطاعات من جنسها , ففي الصلاة جعل النوافل القبيلة والبعدية للصلوات -وكذا النوافل المطلقة- , وفي الزكاة جعل الصدقات , وفي الحج جعل العمرة , وفي صوم رمضان – وهو موضوعنا- جعل صيام النفل كالاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وأيام البيض وعشر من ذي الحجة وعاشوراء.... وما نحن بصدد معرفة أحكامها وهي: أيام الست من شوال , هذه النوافل وغيرها المقصود منها زيادة رصيد الحسنات ليحبنا الله , ولتكميل ما قد يحصل منا من نقص في الفرائض , وفي المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " مُتَفَقٌ عَلَيْه.
📍 *فضل صيامها*
-جاء عند مسلم والترمذي وأبي داود وغيرهم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» , وقد فسّر النبي عليه الصلاة والسلام معنى صيام الدهر وأن المقصود به هنا السَنَة , وذلك في حديث صحيح آخر :عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :((من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)) صححه الألباني , وفي رواية صحيحة أيضاً : عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ , بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ , وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ , فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} , وفي رواية: " جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، الشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الشَّهْرِ , تَمَامُ السَّنَةِ " وكل ذلك صححه الألباني وغيره.
🔎 *حكم صيامها*
-صيام ستة أيام من شوال سنة عند جماهير الفقهاء – وإن خالف بعض المتقدمين ؛ لعدم وصول الدليل إليهم وغير ذلك , كمالك وأبي حنيفة ولو علموه لما خالفوه كما قال ابن عبد البر , ثم قد أطبق على القول بسنية صيامها عامة علماء المذهبين مع غيرهم , بل المالكية خصوا الكراهة بمن يُقتدى به , وأن يصومها متتابعة مظهراً لصيامها ؛ خوفاً من أن يظن العامة بوجوبها ؛ لاتصالها برمضان , ولو انتفت الموانع فلا كراهة حينئذ عندهم - ثم لا حجة في قول أحد كائناً من كان مقابل النص الصحيح الصريح – مع إجلالنا العظيم للفقهاء , لكن قول الله ورسوله فوق كل قول وأولى بالاتباع- .
⏰ *وقت صيامها*
-الفضل المترتّب في الحديث مختص بوقت مضيق وهو شهر شوال , فلا تجزئ أياماً من أي شهر غير شهر شوال ، ويُبتدأ جواز صومها من يوم ثاني عيد الفطر وحتى آخر يوم في شهر شوال , وقد استحب الشافعية والحنابلة التعجيل بصيامها بعد العيد مباشرة ؛ مسارعة في الخير ، كما هو المطلوب في كل عبادة :((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )) آل عمران (133) , ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ))طه (84) , ولما في التأخير من الآفات , ولاشك أن الأفضل هو المبادرة بالخيرات عامة -وهذه منها- لكن بشرط أن لا يكن في ذلك حرج عليه وعلى أسرته ؛ بسبب العيد وفرحته وأكله وشربه فلا ينغّص ذلك عليهم بصومه -خاصة في بعض العادات لمناطق مخصوصة-, والشهر واسع والحمد لله فالأفضل في مثل هذه الحالة التأخير , ولذا يمكن نبحث ما تقدّم في فرع جديد وهو ما يلي:
💡 *صفة صيامها*
-اختلف الفقهاء في صفة صيام هذه الست ويمكن نرد ذلك إلى أقوال ثلاثة:
القول الأول: أنه يستحب صيامها متتابعة من أول الشهر , وهو قول الشافعية والحنابلة -كما تقدم- وابن المبارك وغيرهم ورجحه النووي , واستدلوا بما سبق , وبحديث: «مَنْالست محصورة بشوال بينما القضاء غير محصور به بل يجوز في كل العام , ثم حديث عائشة يوضّح ذلك ويدلل عليه عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قُالتْ:(( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا في شَعْبَانَ الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) متفق عليه.
والله أعلم.
#مقالات_متنوعة
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
🖊◈- *من منشورات قناة فتاوى* *الشيخ/عبدالله رفيق السوطي ، على تليجرام.*
*للاشتراك↓👇*
https://telegram.me/ALSoty1438AbdullahRafik
#خلاصات_فقهية
🌴 *توطئة*
-إن من تفضّل الله علينا ورحمته تعالى بنا أن جعل لنا ما نكمل فرائضه علينا بطاعات من جنسها , ففي الصلاة جعل النوافل القبيلة والبعدية للصلوات -وكذا النوافل المطلقة- , وفي الزكاة جعل الصدقات , وفي الحج جعل العمرة , وفي صوم رمضان – وهو موضوعنا- جعل صيام النفل كالاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وأيام البيض وعشر من ذي الحجة وعاشوراء.... وما نحن بصدد معرفة أحكامها وهي: أيام الست من شوال , هذه النوافل وغيرها المقصود منها زيادة رصيد الحسنات ليحبنا الله , ولتكميل ما قد يحصل منا من نقص في الفرائض , وفي المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " مُتَفَقٌ عَلَيْه.
📍 *فضل صيامها*
-جاء عند مسلم والترمذي وأبي داود وغيرهم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» , وقد فسّر النبي عليه الصلاة والسلام معنى صيام الدهر وأن المقصود به هنا السَنَة , وذلك في حديث صحيح آخر :عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :((من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)) صححه الألباني , وفي رواية صحيحة أيضاً : عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ , بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ , وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ , فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} , وفي رواية: " جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، الشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الشَّهْرِ , تَمَامُ السَّنَةِ " وكل ذلك صححه الألباني وغيره.
🔎 *حكم صيامها*
-صيام ستة أيام من شوال سنة عند جماهير الفقهاء – وإن خالف بعض المتقدمين ؛ لعدم وصول الدليل إليهم وغير ذلك , كمالك وأبي حنيفة ولو علموه لما خالفوه كما قال ابن عبد البر , ثم قد أطبق على القول بسنية صيامها عامة علماء المذهبين مع غيرهم , بل المالكية خصوا الكراهة بمن يُقتدى به , وأن يصومها متتابعة مظهراً لصيامها ؛ خوفاً من أن يظن العامة بوجوبها ؛ لاتصالها برمضان , ولو انتفت الموانع فلا كراهة حينئذ عندهم - ثم لا حجة في قول أحد كائناً من كان مقابل النص الصحيح الصريح – مع إجلالنا العظيم للفقهاء , لكن قول الله ورسوله فوق كل قول وأولى بالاتباع- .
⏰ *وقت صيامها*
-الفضل المترتّب في الحديث مختص بوقت مضيق وهو شهر شوال , فلا تجزئ أياماً من أي شهر غير شهر شوال ، ويُبتدأ جواز صومها من يوم ثاني عيد الفطر وحتى آخر يوم في شهر شوال , وقد استحب الشافعية والحنابلة التعجيل بصيامها بعد العيد مباشرة ؛ مسارعة في الخير ، كما هو المطلوب في كل عبادة :((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )) آل عمران (133) , ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ))طه (84) , ولما في التأخير من الآفات , ولاشك أن الأفضل هو المبادرة بالخيرات عامة -وهذه منها- لكن بشرط أن لا يكن في ذلك حرج عليه وعلى أسرته ؛ بسبب العيد وفرحته وأكله وشربه فلا ينغّص ذلك عليهم بصومه -خاصة في بعض العادات لمناطق مخصوصة-, والشهر واسع والحمد لله فالأفضل في مثل هذه الحالة التأخير , ولذا يمكن نبحث ما تقدّم في فرع جديد وهو ما يلي:
💡 *صفة صيامها*
-اختلف الفقهاء في صفة صيام هذه الست ويمكن نرد ذلك إلى أقوال ثلاثة:
القول الأول: أنه يستحب صيامها متتابعة من أول الشهر , وهو قول الشافعية والحنابلة -كما تقدم- وابن المبارك وغيرهم ورجحه النووي , واستدلوا بما سبق , وبحديث: «مَنْالست محصورة بشوال بينما القضاء غير محصور به بل يجوز في كل العام , ثم حديث عائشة يوضّح ذلك ويدلل عليه عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قُالتْ:(( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا في شَعْبَانَ الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) متفق عليه.
والله أعلم.
#مقالات_متنوعة
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏ ...المزيد
معلومات
✾- مجاز في الفتوى، والتدريس، والدعوة من فضيلة مفتي الديار اليمنية القاضي/ محمد بن إسماعيل العمراني. ❖- زكّاه أبرز وأشهر العلماء، منهم مفتي اليمن، ورئيس هيئة علماء اليمن رئيس جامعة الإيمان، ونائبه، وغيرهم.... ❀- حصل على إجازات مختلفة، عامة، وخاصة من كبار العلماء، وفي شتّى العلوم الشرعية منها: إجازة في القراءات السبع، وإجازة خاصة برواية حفص عن عاصم، والكتب الستة، والعقيدة، والإيمان، واللغة، والفقه، وأصول الفقه، والتفسير، والحديث، والمصطلح، والتوحيد، والتجويد، والسيرة، والنحو، والصرف، والتصريف، وعلم البلاغة( معان، وبيان، وبديع)، والتاريخ، والآداب، والأدب، والمنطق، والحساب، والأذكار، والأدعية، والأخلاق، والفلك… ✦- له إجازات في المذاهب الأربعة، وإجازات في جميع مصنفات بعض العلماء كمصنفات ابن الجوزي، والسيوطي، والخطيب البغدادي، وابن حجر العسقلاني، والبيهقي.. ✺- أستاذ بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، وجامعة الإيمان، وجامعة العلوم والتكنلوجيا بالمكلا. ❃- نال عضوية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2019م. ┈┉┅━━ ❀ ❃ ✾ ❈ ❀━━ ┅┉┈ ❁- روابط لمتابعة الشيخ على منصات التواصل الاجتماعي: ❈- الصفحة العامة فيسبوك: https://www.facebook.com/Alsoty2 ❈- الحساب الخاص فيسبوك: https://www.facebook.com/Alsoty1 ❈- القناة يوتيوب: https://www.youtube.com//Alsoty1 ❈- حساب تويتر: https://mobile.twitter.com/Alsoty1 ❈- المدونة الشخصية: https://Alsoty1.blogspot.com/ ❈- حساب انستقرام: https://www.instagram.com/alsoty1 ❈- حساب سناب شات: https://www.snapchat.com/add/alsoty1 ❈- إيميل: [email protected] ❈- قناة الفتاوى تليجرام: http://t.me/ALSoty1438AbdullahRafik ❈- رقم الشيخ وتساب: https://wa.me/967714256199
أكمل القراءةالمواد المحفوظة 5
- دين لا تحافظ عليه وقت رخائك لن تعود إليه وقت شدتك، ولن ينفعك وقت ضرك.
- سورة عبس (1)
- النهي عن الاصطفاف بين السواري في الصلاة
- 🔹- ﻻ ﻳﺤﻞ ﻷﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﻗﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﺒﻌﺜﻮﺍ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﻤﺮﺿﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻔﺎﺀ؛ ﻛﻲ ﻳﺴﺘﻤﺮﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮﺍﺑﻬﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﺟﻠﺴﺎﺕ، ...
- ❁- النار أقرب إليك من شراك نعلك، والجنة شبه ذلك، فعش بين خوفك ورجائك، وسيحدد دخولك لأحدهما عملك.