علاج مرض القلب من الشيطان قال ابن قيم الجوزية: هذا الباب من أهم أبواب الكتاب وأعظمها نفعاً، ...

علاج مرض القلب من الشيطان

قال ابن قيم الجوزية:

هذا الباب من أهم أبواب الكتاب وأعظمها نفعاً، والمتأخرون من أرباب السلوك لم يعتنوا به اعتناءهم بذكر النفس وعيوبها وآفاتها، فإنهم توسعوا في ذلك، وقصَّروا فى هذا الباب.

ومن تأمل القرآن والسنة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس، فإن النفس المذمومة ذكرت فى قوله: {إِن النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]، واللوامة فى قوله: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللوَّامَةِ} [القيامة: 2]، وذُكرت النفس المذمومة فى قوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40].

وأما الشيطان فذكر فى عدة مواضع، وأفردت له سورة تامة. فتحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس، وهذا هو الذى لا ينبغي غيره، فإنَّ شر النفس وفسادَها ينشأ من وسوسته، فهى مركَبُه وموضع سرِّه، ومحل طاعته، وقد أمر الله سبحانه بالاستعاذة منه عند قراءة القرآن وغير ذلك، وهذا لشدة الحاجة إلى التعوُّذ منه، ولم يأمر بالاستعاذة من النفس في موضع واحد، وإنما جاءت الاستعاذة من شرِّها في خطبة الحاجة فى قوله صلى الله عليه وسلم: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا) [سنن ابن ماجه].

وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الاستعاذة من الأمرين، في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله، علِّمني شيئا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت؟ قال قل: (اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السموات والأرض، ربَّ كل شىء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم، قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك"، فقد تضمن هذا الحديث الشريف الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته:
فإن الشر كلَّه إما أن يصدُر من النفس أو من الشيطان، وغايته: إما أن تعود على العامل، أو على أخيه المسلم، فتضمن الحديث مصدري الشر اللَّذين يصدر عنهما، وغايتيه اللتين يصل إليهما.


الاستعاذة بالله عند قراءة القرآن:

قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْكتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنّهُ لَيْسَ لَهُ سَلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّما سُلطَانُهُ عَلَى الّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالّذِينَ هُمْ بِه مُشْرِكُونَ} [النحل: 98 - 100] .

ومعنى استعذ بالله: امتنع به، واعتصم به والجأ إليه، ومصدره: العَوذ، والعياذ، والمَعَاذ؛ وغالب استعماله في المستعاذ به، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (لقد عُذت بمَعاذ)[رواه البخاري].
وأصل اللفظة: من اللَّجأ إلى الشيء والاقتراب منه، ومن كلام العرب: "أطيب اللحم عوَّذُه"، أي الذي قد عاذ بالعظم واتصل به، و(ناقة عائذ): يعوذ به ولدها، وجمعها عوذ كحُمر.
وجوه وفوائد الاستعاذة عند القراءة:

فأمر سبحانه بالاستعاذة به من الشيطان عند قراءة القرآن، وفى ذلك وجوه:

منها: أن القرآن شفاء لما في الصدور، مُذهِبٌ لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أثَّره فيها الشيطان، فأمر أن يطردَ مادة الداء، ويُخلي منه القلب ليصادف الدواء محلاً خاليا، فيتمكَّن منه، ويؤثِّر فيه، كما قيل:

أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكنا

فيجيء هذا الدواء الشافي إلى القلب قد خلا من مُزاحم ومُضادٍّ له فينجع فيه.

ومنها: أن القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب، كما أنَّ الماء مادة النبات، والشيطان نار يحرق النبات أولا فأولًا، فكلما أحسَّ بنبات الخير فى القلب سعى فى إفساده وإحراقه، فأمر أن يستعيذ بالله عز وجل منه لئلا يُفسد عليه ما يحصل له بالقرآن.

والفرق بين هذا الوجه والوجه الذى قبله: أن الاستعاذة فى الوجه الأول لأجل حصول فائدة القرآن، وفي الوجه الثاني لأجل بقائها وحفظها وثباتها.

وكأن من قال: إن الاستعاذة بعد القراءة، لحظ هذا المعنى، وهو لعَمر الله ملحظ جيد، إلا أن السنة وآثار الصحابة إنما جاءت بالاستعاذة قبل الشروع في القراءة، وهو قول جمهور الأمة من السلف والخلف، وهو محصِّلة للأمرين.

ومنها: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته. كما فى حديث أُسيد ابنُ حضَير لما كان يقرأ، ورأى مثلَ الظُّلة فيها مثل المصابيح، فقال النبىّ عليه الصلاة والسلام: (تِلْكَ المَلائِكُة) [رواه مسلم].

والشيطان ضد الملَك وعدوُّه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه حتى تحضره خاصتُه وملائكته، فهذه وليمة لا تجتمع فيها الملائكة والشياطين.

ومنها: أن الشيطان يُجلب على القارئ بخيله ورَجله، حتى يَشغَله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبُّره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه، فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأُمر عند الشروع أن يستعيذ بالله منه.

ومنها: أن القارئ مُناجٍ لله بكلامه، والله تعالى أشد أَذَناً للقارئ الحسن الصوت بالقرآن مِن صاحب القينة إلى قينته، والشيطان إنما قراءتُه الشعر والغناء، فأمر القارئ أن يطرده بالاستعاذة عند مناجاته لله، واستماع الربِّ قراءته.

ومنها: أن الله سبحانه أخبر أنه ما أرسل من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيَّته، والسلف كلُّهم على أن المعنى: إذا تلا ألقى الشيطان فى تلاوته، كما قال الشاعر فى عثمان:

تَمنَّى كِتَابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ
وَآخِرَهُ لاقَى حِمَامَ المَقَادِرِ

فإذا كان هذا فعله مع الرسل، فكيف بغيرهم؟
ولهذا يُغلِّط القارئ تارة، ويخبط عليه القراءة، ويشوِّشها عليه، فيخبط عليه لسانه، أو يشوِّش عليه فهمه وقلبه، فإذا حضر عند القراءة لم يعدم منه القارئ هذا أو هذا، وربما جمعهما له، فكان من أهم الأمور: استعاذة بالله منه عند القراءة.

ومنها: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهُم بالخير، أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه، وفى الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شيطانا تفلت على البارحة، فأراد أن يقطع على صلاتي" الحديث [رواه البخاري]، وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى كان اعتراض الشيطان له أكثر.... فالشيطان بالرَّصد للإنسان على طريق كل خير..
فأمر سبحانه العبد أن يحارب عدوه الذى يقطع عليه الطريق، ويستعيذ بالله منه أولا، ثم يأخذ في السير، كما أن المسافر إذا عرض له قاطع طريق اشتغل بدفعه، ثم اندفع في سيره.

ومنها: أن الاستعاذة قبل القراءة عنوان وإعلام بأن المأتي به بعدها القرآن، ولهذا لم تُشرع الاستعاذة بين يدي كلام غيره، بل الاستعاذة مقدمة وتنبيه للسامع أن الذي يأتي بعدها هو التلاوة، فإذا سمع السامع الاستعاذة استعد لاستماع كلام الله، ثم شُرع ذلك للقارئ، وإن كان وحده، لما ذكرنا من الحِكم وغيرها. فهذه بعض فوائد الاستعاذة. انتهى كلامه - بتصرف


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 103
الخميس 6 صفر 1439 ه‍ـ
...المزيد

قصة شهيد: أبو حفص البنغالي رجل صدق الله فصدقه الله... (كما نحسبه) عاش يتيما، فتكفل به جده ...

قصة شهيد:
أبو حفص البنغالي
رجل صدق الله فصدقه الله... (كما نحسبه)


عاش يتيما، فتكفل به جده بعد أن فقد والديه بحادث مروري، ولم يكن وقتها يتجاوز أعوامه السبع، وما هي إلا سنوات قليلة حتى فقد جده، فكفلته جدته لتكون له خير حاضن ومربٍّ.

كان وحيد أبويه فلم يكن لديه إخوة أو أخوات، وقد ترك له والده الذي كان ميسور الحال مبلغا من المال أعانه على استكمال حياته مع جدته التي كانت له خير أنيس.

وما إن اجتاز المرحلة الثانوية في إحدى المدارس ذات المنهج الغربي في البنغال حتى عزم الرحيل إلى إحدى الدول الغربية لاستكمال تحصيله العلمي فيها، فالتحق بكبرى الجامعات الغربية في أستراليا متزودا بنشاطه وجديته ومثابرته، وبعد تخرجه بدرجة امتياز في تخصص برمجة الحواسيب، تزوج ممن أحس أنها ستكون له عونا على حياته، التي ستتفق معه لاحقا على أن ينفذا عملية استشهادية مشتركة.

وكان لزوجته ابنٌ من زوج سابق، فأحس أبو حفص بالمسؤولية تجاه ربيبه فأحبه وعني بتربيته، فهو يعلم جيدا معنى أن تفقد والديك أو أحدهما، فكان له خير أب وخير راع، أحسن تربيته وتعليمه حتى صار من المتفوقين، وكان أحد الخمسة الأوائل على مستوى الدولة في المرحلة الإعدادية.

انخرط أبو حفص في المجتمع الغربي وعمله، قرابة سنتين، عمل خلالهما في إحدى الشركات المتخصصة بالبرمجيات.

حتى تعرف على أخ بدأ بنصحه وإرشاده، وأوصى الرجل صديقه بالاستماع لإحدى المحاضرات التي تتحدث عن حال المسلمين وما أصابهم من الذل والهوان، وقال له: استمع لما يُقال أحقٌ أم باطلٌ؟
وبعد سماعه للمحاضرة بدأت الأسئلة تجول في ذهنه، لماذا حال المسلمين هكذا؟ وكيف وصلنا إلى هذا الحال؟ وما هي سبل الخروج من هذا المستنقع؟ وكيف نجح إعلام الكفار والمرتدين بعزل الأمة عن خيرة أبنائها المجاهدين وتشويه صورتهم؟ وكيف نجح في التعتيم والتشويه والتشويش على دولة العراق الإسلامية؟ وما هو واجب كل مسلم تجاهها؟

أسئلة كثيرة بدأت تجول في خاطر أخينا أبي حفص البنغالي -تقبله الله- وبدأ مشوار البحث عن أجوبة لتلك الأسئلة، ووفقه الله لأن يجد أكثرها في إصدارات الدولة الإسلامية، وكلمات علماء الجهاد المناصرين لها.

وتعرَّف الرجل الباحث عن الحق على مسجد صغير في العاصمة الأسترالية يجتمع فيه عدد من الموحدين، ويتدارسون مع بعضهم على يد شيخ المسجد أبوابا في العقيدة، وكان ينقل كل ما يسمعه ويراه لرفيقة دربه، وما هي إلا سنة أو تزيد حتى وضحت له ولزوجه معالم الطريق، فحزما أمرهما وعزما على ترك تلك الديار، وقصدا البنغال كمحطة أولى للتخلص من الحياة التي كانا يعيشانها في أستراليا.

وفور وصوله فتح بيته لتعليم الأطفال المواد العلمية إضافة إلى تعليمهم ما تعلمه عن التوحيد، ورفض العمل في أي شركة خوفا من الوقوع فيما يغضب الله عز وجل.

وما هي إلا أشهر معدودة حتى بدأ الحراك ضد النظام النصيري في الشام، وبدأت بوادر تمدد دولة العراق الإسلامية إليها تلوح في الأفق، فعزم أمره مع زوجته على الهجرة، ونزل في تركيا وعينه على حلمه الذي ظل يراوده لسنوات، وهو العيش في دار الإسلام، وتحت ظل الشريعة الإسلامية، والالتقاء بإخوانه المجاهدين الذين طالما تمنى لقاءهم، والقتال إلى جانبهم.

فدخل بدايةً إلى مناطق الصحوات في إدلب فكانت أول محنة له بانتظاره، حيث سجنه المرتدون وحققوا معه عن سبب قدومه، ثم أطلقوا سراحه بعد أيام مع أسرته، فمكث غير بعيد، حتى يسر الله له طريقا إلى أرض الخلافة، حيث وافق قدومه إعلان الخلافة أدامها الله.
وبعد التحاقه بمعسكر لجندية الدولة الإسلامية وتخرجه فيه بدأ مسيرة عمله بتقديم كل ما يملك من خبرات في تخصصه (هندسة البرمجيات) إلى إدارات الدولة الإسلامية الفتية، ولم ينس وهو منشغل في عمله خطوط الرباط، فكان كثيرا ما يحن للرباط ويأنس به ويرتاح إليه.

وعند وقوع ملحمة الموصل استأذن منه ربيبه (أبو سليمان البنغالي) للالتحاق بصفوف إخوانه والمشاركة معهم في رد الكفار عن الموصل، وهو الذي كان قد التحق بكلية الطب فور وصوله الرقة، فأذن له وعيناه تفيض من الدمع فرحا بشجاعته وحزنا على فراقه.

فقد كان ربيبه نموذجا للمسلم الذي نشأ في طاعة الله، ورحل الشاب ذو الستة عشر ربيعا بعد توديع أمه وعمه، ليتلقَّيا بعد عدة أشهر خبر تنفيذه عملية استشهادية في جموع الروافض المشركين، فما كان منهما إلا أن حمدا الله ورجيا منه أن يلحقا به في جنانه.

وبعد عدة أشهر ومع اقتراب الجيش النصيري -أخزاه الله- من مدينة الميادين، اشتاق أبو حفص إلى لقاء ربه فلبس جعبته واستنفر نفسه وأهله وعزم مع زوجته على تنفيذ حلمهما بعملية استشهادية مشتركة، غير أن أولي الأمر رفضوا أن تشاركه زوجه العملية الاستشهادية التي أراد أن ينفذها، وفي تلك الأثناء رفض البقاء في البيت أو الانتظار فطلب الرباط عدة مرات، وجلس في مضافة المستنفرين، مرتديا جعبته وسلاحه، متجهزا لأي نداء قد يستدعيه في أية لحظة.
وأثناء وجوده في المضافة جاء أحد الإخوة ليوصل أحد المستنفرين للرباط فرأى أبو حفص فناداه -متوهما أنه هو المطلوب- فخرج معه من دون أن يستوضح الأمر منه، لشدة رغبته باللحاق بسوح المعارك، فخرج بسلاحه وجعبته وصعد السيارة مودعا إخوانه.

تفاجأ الإخوة بعد ذلك بسماع صوته عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي، وهو ينادي: يا إخوة إنهم يرمون عليَّ... يا إخوة لقد أُصِبت... ادعوا لي أن أكون شهيدا... ثم سكت، فتعجبوا أليس هو الذي في المضافة؟ كيف خرج؟ ومن هو الذي طلب منه الخروج؟

وبعد مراجعة الأخ الذي جاء وأخذه للرباط قال: إنه طُلب منه إحضار أخ من المضافة اسمه (أبو عمر) ليصطحبه إلى نقطة الرباط، وجاء الأخ فوجد أخانا أبا حفص متجهزا مستعدا قريبا من الباب، فناداه ظنا منه أنه (أبو عمر)، فخرج معه مسرعا، كأنه على موعد قد آن وقته، وما هي إلا ساعات ويأتي نبأ استشهاده، في نقطة الرباط تلك.

رحل أبو حفص الذي ترك الدنيا خلف ظهره راغبا بما عند الله، رحل تاركا زوجه وطفليه اللذين استقيا منه حب الجهاد، والبذل والعطاء في سبيل الله، فرحمك الله يا أبا حفص وأسكنك فسيح جناته.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 103
الخميس 6 صفر 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 103 الإفتتاحية: تاريخ دولة الإسلام ثبات ومضاء مرَّت ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 103
الإفتتاحية:

تاريخ دولة الإسلام ثبات ومضاء

مرَّت على دولة الإسلام مرحلة البداية التي تكللت بإعلان قيامها بعد أن أثخنوا في الصليبيين الجراح، فأوشكوا على هروب منكر مُذِل في العراق، فأطلَّ أهل النفاق والردة ليُدْلوا بدلوهم في إنقاذ أسيادهم الصليبيين، الذين بادروا باستنقاذ جيشهم الممزق بمعاونة صحوات الردة والخيانة، فدخلت دولة الإسلام في مرحلة المغالبة، فاستطاعت الحفاظ على كيانها وبدأت ترتسم ملامح البناء بحلة جديدة بعد سنتين من تلك المغالبة الجريئة وتحمل الأذى والبلاء في سبيل التمكين لدين رب العالمين بعد نقاء الصفوف، حيث مضى من مضى في موكب الشهداء، وسقط من سقط من الأدعياء، وحينها دخلت الدولة الإسلامية مرحلة جديدة من الرقي، إذ منَّ الله على عباده الصابرين بفتح كثير من مدن الشام والعراق وإعلان الخلافة وبيعة كثير من الصادقين لأمير المؤمنين -حفظه الله- في مناطق أخرى.

وبعد أن توسعت دولة الإسلام وتمكنت وحكمت بشرع الله، اجتمعت أمم الكفر وأجمعوا أمرهم وشركاءهم للحفاظ على خدمهم الطواغيت وجيوشهم المهترئة، فبدأت مرحلة معركة ضروس كان لدولة الإسلام فيها حظ كبير من الثبات الذي اتصف به أتباع الرسل، المتمثل بالبعد عن الوهن واللين والاستكانة للعدو مهما كثرت جيوشه وتعددت ألويته، وها هي دولة الإسلام تدخل مرحلة المغالبة في أماكن كثيرة ومهمة من العالم، وبكيان قوي يوازي الحملة الكبرى التي تواجهها، وهي اليوم أقوى مما كانت عليه في مرحلة المغالبة الأولى بعد ظهور صحوات النفاق والردة في العراق، مع احتفاظها اليوم بمناطق تمكين لا تزال تؤهلها للنكاية في الكفار والمرتدين، وبأجيال مهيأة للقتال والدفاع عن هذه الدولة المباركة، فقد اتقدت جذوة الجهاد في قلوب المسلمين بعدما عاينوا حكم رب العالمين ونقاء ديار الإسلام بالتوحيد، تلك الديار التي عاشوا في ظلها بالكتاب الهادي والسيف الناصر، فذاع صيتها بين المسلمين في أصقاع الأرض، وسار في ركبها الصادقون ولم ينقطع عنها المدد -بفضل الله تعالى- من مهاجرين وأنصار.

وبعد هذه المرحلة المباركة التي وصل إليها المسلمون، فإن النتائج التي يراها العدو الصليبي ومن معه من الفرق الباطنية والملحدة غير التي تراها دولة الإسلام، فإن الذي يراه الصادقون هو قرب الفتح الأعظم الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا حاصل كما أخبر الصادق المصدوق، مهما عظم الابتلاء، ومهما فقدت الدولة من الأرض، فإن النكاية التي يخشاها العدو ستكون -بإذن الله- ماضية لا تتوقف، وذلك بالقيام بأمر الله في جهاد الكفار حيثما وجدوا، في كل مكان وطِئه أهل التوحيد، ولن تنجلي مرحلة مغالبة الكفار والنكاية بهم -بإذن الله- إلا عن غلبة وتمكين كبير لعباد الله الصابرين، ليزيلوا فساد الشرك والرذيلة من أرض الله، وتكون كلمة الله هي العليا، لأن الأصل الثابت الذي قامت عليه هذه الدولة المباركة هو توحيد رب العالمين وتكفير وقتال طواغيت العالم وجندهم وأنصارهم.

ومع قولنا إن النتائج التي يراها عدونا على المدى القريب غير التي نراها، إلا أنهم يتوقعون أن المرحلة القادمة ستكون أشد في القتال من المواجهة المباشرة، كما أن الشركاء المتشاكسين الذين توحدوا لقتال دولة الإسلام لن يبقوا على اجتماعهم ولن تبقى خريطة الصراع كما هي رغما عنهم ورغما عن أنف أمريكا التي تسعى للضغط عليهم مقابل مساندة ومعاونة، فقد ضعف العدو المشترك في نظرهم وآن الآوان لتصفية الحسابات فيما بينهم، وبدأت معركة هنا، وغدا ستبدأ معركة أخرى هناك وصراع هنالك بإذن الله، ولن يبقى الحلف الكفري العالمي على ما هو عليه، وستتفكك أحزابهم وتبقى دولة الإسلام ماضية في مشروعها كما كانت في كل مرحلة، ماضية في جهادها وتنكيلها بأعداء الله المجرمين حتى يتحقق وعد الله بالظهور المطلق على العالم، بنصر من الله وفتح قريب.



* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 103
الخميس 6 صفر 1439 ه‍ـ
...المزيد

النَفس مُحاسَبَة • تعريفها: "أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودًا ...

النَفس مُحاسَبَة


• تعريفها:
"أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل" [درر السلوك].


• أمر رباني ووصية إلهية
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} قال ابن كثير: "أي حاسبوا أنفسكم".


• دأب المؤمن الفطن الوجل
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنّى على الله الأماني) [رواه الترمذي].


• يعرف العبد بها عيوبه فيصلحها
قال ابن القيم عند ذكره لفوائد محاسبة النفس: "الاطلاع على عيوبها، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فإذا اطلع على عيبها مَقَتها في ذات الله" [إغاثة اللهفان].


• يعرف العبد بها حق ربه عليه
"من فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حق الله عليه فإن من حقه أن يُطاع ولا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر" [المصدر السابق].


• تُخفف الحساب في الآخرة
قال الحسن: "الْمُؤْمِنُ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا خَفَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا" [محاسبة النفس]
...المزيد

صيام يَومِ عَاشُوراء • فضله وتحري صيامه عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى ...

صيام يَومِ عَاشُوراء

• فضله وتحري صيامه
عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله). [رواه مسلم]، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان). [رواه البخاري]


• الحكمة من صيامه
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه). [رواه البخاري]


• صيام التاسع قبله
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: (حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) [رواه مسلم]


• لا يشرع تخصيصه بحزن أو فرح أو عبادة غير الصيام
قال ابن القيم: "الاكتحال يوم عاشوراء، والتزين، والتوسعة، والصلاة فيه، وغير ذلك من فضائل، لا يصحّ منها شيء" [المنار المنيف]


• صيام عاشوراء يكفر الصغائر لا الكبائر
قال ابن القيم: "يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر، ولم يدر هذا المغتر، أن صوم رمضان، والصلوات الخمس، أعظم وأجل من صيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر". [الجواب الكافي]
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 502 الافتتاحية: • طلاب المعالي إنّ قيمة المرء ما يطلبه، ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 502
الافتتاحية:

• طلاب المعالي

إنّ قيمة المرء ما يطلبه، ومن طلب المعاليَ حريٌّ به أن يفارق الراحة فالنعيم لا يُدرك بالنعيم، وإنّ أعلى الناس مطلبا وأرفعهم همة المجاهدون طلاب الجنة وعشاق الشهادة، الذين عرفوا قدر سلعة الله الغالية فبذلوا ثمنها دمًا ومُهَجًا وأشلاءً، كما بيّن سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}.

وتتفاوت منازل العباد بتفاوت هممهم، فمنهم من تسابق الجوزاء همته ولا يقنع بما دون الثريا ولو تلفت نفسه دون ذلك في سبيل الله تعالى لا سبيل غيره، ومنهم من تكون همته هابطة سافلة إلى الأرض لا تتجاوز حد شهواته ونزواته، وبين تلك المنزلتين منازل شتى.

ومن عجيب طغيان المادة على أهل زماننا، أنهم صبغوا علو الهمة بصبغة الدنيا، فلم تعد تعني في قاموسهم غير الارتقاء في مناصبها والعلو في درجاتها والمنافسة في حصد مكاسبها، فصارت همتهم لا تخرج عن الدنيا ولا تنفك عنها!

ولمّا كان الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام؛ لم يقم به إلا الخُلَّصُ الذين اصطفاهم الله تعالى ووفقهم لذلك، ممّن علت همَمُهم وسمت نفوسهم، وأما الذين تركوا الجهاد وأعرضوا عنه؛ فهم غالبا ممّن: {كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}، أو هم ممّن استبدلهم الله بقوم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}؛ فالقاعد عن جهاد الفريضة بغير عذر، يُخشى عليه من النفاق أو الاستبدال؛ والأخير قد لاحت لوائحه في كل واد فيا سوءة القاعدين!

وعلى كل حالٍ فإن ترك الجهاد والنفير لا يصدر إلا عن همة ساقطة غارقة في أوحال الدنيا وشهواتها؛ كما بيّن الحكيم العليم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}.

ولمّا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أرفع الناس همما وأبعدهم عن حطام الدنيا مقصدا؛ كانوا أسرع الناس استجابةً لداعي الجهاد وأقوى الناس قيامًا بأمره، وأكثرهم تضحيةً بالنفس والنفيس على عتباته كما أخبر سبحانه عنهم: {لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وذكر ابن المبارك رحمه الله في كتابه الجهاد عن خالد رضي الله عنه قوله: "ما من ليلة يُهدى إلي فيها عروس أو أبشّر فيها بغلامٍ، أحبَّ إليَّ من ليلةٍ شديدةِ البردِ كثيرةِ الجليدِ في سريَّة أُصبِّحُ فيها العدو"، وذلك عمير بن الحمام لم تمهله همته حتى يأكل تميرات رآها عائقا عن الاستشهاد!، والأمثلة على علو همم الصحابة في الجهاد لا تكفيها الصفحات ولا تحيط بها الكلمات.

وفي المقابل، إذا تأملت أحوال المنافقين التي جلّاها الله عز وجل في كتابه؛ وجدتَ أكثرها في التخلف عن الجهاد وتقاعس هممهم عن ميادينه، وإخلادهم إلى الأرض، كما في قوله تعالى: {رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}، وقوله سبحانه: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وغيرها من الآيات.

والهمة محلها القلب ابتداءً فمنه تنبعث رياحها وتنقدح شرارتها، فأصلحوا قلوبكم تنصلح هممكم، لكن أثر الهمة العالية لا بد أن يظهر على الجوارح بذلا وتضحية وجهادا واستعدادا وتأهُّبا دائما، كما يصوّرها بدقة متناهية الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ)، بهذه الهمة وعلى هذه الأُهبة يجب أن تحيا أيها المجاهد في سبيل الله تعالى، فهذا قدَرك وقدْرك.
إن الهمة العالية تتطلب منك أيها المجاهد أن تكون مبادرا مثابرا مسابقا إلى تلبية نداء مولاك، مقداما في الحق مقدِّما إيّاه على ما سواه، باذلا لنصرته كل ما بوسعك عن طيب خاطر، فما سبق أصحاب نبيك -صلى الله عليه وسلم- وعلوا العرب والعجم قدرا ومنزلة إلا بهذا، وانظر معنا خبر القوم كيف كانوا؟ فعن جرير بن حازم قال: "سمعت الحسن قال: حضر باب عمر بن الخطاب سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وأبو سفيان بن حرب، ونفر من قريش من تلك الرؤوس، وصهيب وبلال، وتلك الموالي الذين شهدوا بدرا، فخرج آذن عمر فأذن لهم، وترك هؤلاء، فقال أبو سفيان: لم أر كاليوم قط، يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه ولا يلتفت إلينا!، قال: فقال سهيل بن عمرو، وكان رجلا عاقلا: أيها القوم، إني والله لقد أرى الذي في وجوهكم، إن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم، دُعي القوم ودعيتم؛ فأسرعوا وأبطأتم، فكيف بكم إذا دعوا ليوم القيامة وتركتم، أما والله لما سبقوكم إليه من الفضل مما لا ترون؛ أشد عليكم فوتا من بابكم هذا الذي ننافسهم عليه، قال: ونفض ثوبه وانطلق، قال الحسن: وصدق والله سهيل لا يجعل الله عبدا أسرع إليه كعبد أبطأ عنه". [رواه أحمد في الزهد]

وقد صدق والله الحسن وبرَّ، فإن الله لم يساوِ بين السابقين والمتأخرين، ولا بين المجاهدين والقاعدين، ولا بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، قال تعالى: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.

إنّ الواقع المر الذي يحياه المسلمون اليوم يتطلب صناعة رجال ذوي همم عالية وعزائم ماضية لا تلين ولا تستكين، لا تعرف للراحة طعما، ولا إلى الدعة سبيلا، قد أيقنوا أن الجنة حُفت بالمكاره فلا مناص عنها، وأدركوا أن العزة والغلبة والرفعة والمهابة وكل معالي الأمور لن تُنال إلا عندما تعلو الهمم فوق ذرى الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، عندها وحسب يعود المسلمون إلى السيادة والريادة كما كانوا.


• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 502
السنة السابعة عشرة - الخميس 8 المحرم 1447 هـ
المقال الافتتاحي:
طلاب المعالي
...المزيد

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ستكون فتن، القاعد فيها خير ...

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي، ومن يُشرف لها تستشرِفْه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فلْيعذْ به) [رواه البخاري] ...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة ◾ قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "إياك والكذبَ؛ فإنَّه يُفْسِدُ عليك ...

مِن أقوال علماء الملّة

◾ قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
"إياك والكذبَ؛ فإنَّه يُفْسِدُ عليك تصوُّرَ المعلومات على ما هي عليه، ويُفسِد عليك تصويرَها وتعليمَها للناس! فإن الكاذب يُصوِّرُ المعدومَ موجودًا والموجودَ معدومًا، والحقَّ باطلًا والباطلَ حقًّا، والخير شرًّا والشرَّ خيرًا؛ فيفسُدُ عليه تصوُّرُه وعلمه عقوبةً له، ثم يُصوِّر ذلك في نفس المخاطب المغترّ به الراكن إليه؛ فيُفسِدُ عليه تصوُّرَه وعلمه". [الفوائد] ...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 501 الافتتاحية: • جدِّدوا الهجرة من غفلة المسلمين في هذا ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 501 الافتتاحية:

• جدِّدوا الهجرة
من غفلة المسلمين في هذا الزمان تضييع الأوقات والأزمان سدى بلا إعمار ولا اعتبار، فتمرُّ الذكرى بغير تذكُّر، والحوادث بغير تدبُّر، فلا اعتبار بانصراف الأيام والشهور، ولا اتعاظ بتصرُّم الأعوام والدهور، فقد طغت الغفلة وطالت الرقدة، وقست القلوب فهي كالحجارة أو أشد قسوة. والواجب على المسلم أن يعمر بالطاعة أوقاته، ويتزود من حياته لمماته، وأن يعتبر بتسارع الأزمان وسرعة انقضائها وجريانها فهي تجري إلى أجل مسمّى، وتوشك أن تتوقف فتشرق الشمس من مغربها وتُبدل الأرض غير الأرض والسماوات، فبادِروا عباد الله قبل أن تُبادروا، فإنه: (لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناه) [الترمذي]، فما بال الناس يعيشون اليوم وكأنهم لن يُسألوا، وكأنهم لن يُحاسبوا، وقد دُونت عليهم أعمالهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}، روى ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: "لا يُلقى المؤمن إلا يُعاتب نفسه؛ ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟، والعاجز يمضي قُدُما لا يُعاتب نفسه"، وقال إبراهيم التيمي: "مثّلت نفسي في الجنة، آكل ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثّلت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالِج سلاسلها وأغلالها؛ فقلت لنفسي: أيْ نفسي، أيّ شيء تريدين؟، قالت: أريد أن أردّ إلى الدنيا؛ فأعمل صالحا، قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي". [محاسبة النفس] فبادر أيها المسلم بالأعمال، وتزود من دنياك لآخرتك، وحاسب نفسك قبل أن تُحاسب، وتقلَّلْ من الدنيا وأثقالها؛ فإن الخيل لا تجري الغايات وهي بُدن، إنما تجري وهي ضُمر، فبادر وأسرع وحثَّ الخطى إلى مولاك، فإنَّ التؤدة خيرٌ في كل شيء إلا ما كان مِن أمر الآخرة، وإن خير الأعمال وأجلَّ الطاعات نصرة الدين والجهاد في سبيل الله وما اتصل به، فهو ذروة سنام الإسلام، وفرض الساعة وواجب العصر وأمان أمة الإيمان. وإلى جانب الغفلة عن الاعتبار بتسارع الأزمان، هناك غفلة أخرى لا تقل خطورة هي الغفلة عن الاقتداء والاقتفاء، كغفلة الناس عن مقاصد الهجرة النبوية رغم تكرارها رأس كل عام، فلا يقتدون بأبطالها ولا يقتفون سيرها وأحداثها. فكل عام هجري يأتي حاملا معه ذكرى الهجرة النبوية التي كانت علامة فارقة في تاريخ الإسلام، بل منها بدأ التأريخ للإسلام، فقد ذكر أهل السير أن الخليفة الفاروق عمر لم يؤرخ لمبدأ الإسلام من مَبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا حتى من مولده على شرف المناسبة، بل اختار الهجرة تأريخًا وتقويمًا لمبدأ الإسلام، وقد بيَّن علماؤنا الحكمة من ذلك الاختيار، قال ابن الأثير: "جمع عمر الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرّخْ لمبعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقال بعضهم: لمهاجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمر: بل نؤرخ لمهاجرة رسول الله، فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل؛ قاله الشعبي... وقال سعيد بن المسيب: جمع عمر الناس فقال: من أيّ يوم نكتب التاريخ؟ فقال عليّ: من يوم مهاجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفراقه أرض الشرك، ففعله عمر". [الكامل في التاريخ] فعُلم مما تقدم أن الهجرة كانت نقطة تحوّل في تاريخ المسلمين غيرت مجرى التاريخ ووجه الأرض قاطبة، إذْ كانت فرقانا بين الحق والباطل، وكان بها قيام دولة الإسلام وجمع الكلمة ومفارقة الشرك جسدا وروحا، وبها عزّ جناب الإسلام وشُيد صرحه وغدا حاكما لا محكوما، فكانت الهجرة فتحا ربانيا نبويا في الحال والمآل. ولذا حري بالمسلمين اليوم أن لا تكون الهجرة عندهم حدثا عابرا مرَّ من التاريخ بغير رجعة ولم يبق منه إلا الذكريات، بل يجب أن تكون الهجرة عندهم حركة متجددة مستمرة يهاجرون فيها من ديار الشرك إلى ديار الإسلام، ومن مواطن الذل إلى مواطن العز والنزال، يهاجرون بأرواحهم وأجسادهم من حيث لا يأمنون على دينهم إلى حيث يأمنون، يفارقون معسكرات الشرك إلى معسكرات التوحيد ويهجرون فيها الجاهلية إلى الإسلام. فيا أيها الغافل القابع بين براثن الجاهلية تنبّه من رقدتك وتحرّر من أسرك فما زالت الهجرة ماضية، ويا أيها القاعد المتثاقل إلى الأرض انهض فما زال الجهاد ماضيا وأبوابه مشرعة، واحذر أن يفوتك الركب فتكون مع الخوالف، فإن الأزمان لا تشاوِر. وإن خير ما نوصي به إخواننا المجاهدين مبدأ كل عام هجري؛ تجديد النية ومراقبة الإخلاص وتقوية دوافعه في النفس، فإن الإخلاص أول منازل الطلب في العلم والعمل، وهو أول المدارج وأجمعها وأهمها، وهو للمجاهد حصن ونجاة، به تُنال الدرجات وتُحصل البركات وتُقبل الطاعات، بل هو ركن الدين وأصله لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، وتذكر أخي المجاهد أن أغلى ما يملكه العبد قلبه ووقته، فاعمر قلبك بالإخلاص واغمر وقتك بالعمل. وليجدد كل مجاهد نيته وليشحذ همته وعزمه على مواصلة هذا الطريق المبارك الذي سارت فيه ركاب الأنبياء وتقاطرت عليه قوافل الشهداء، فاتَّبعوا سبيل ربهم ولم يحيدوا عنه وما استبدلوه بغيره من سبل الهوى والهوان، لا في شدة ولا في رخاء، بل لزموه في عسرهم ويسرهم حتى وصلوا إلى مبتغاهم ونصر الله بهم دينه وهزم عدوه وأعز ملته، وبقيت سيَرهم ماثلة للسائرين المقتفين. ولقد اقتفى جنود الدولة الإسلامية هذا الفقه القرآني، واحتذوا هذا الهدي النبوي، واتبعوا النور الذي أُنزل معه، فأنارت دروبهم واستنارت بصائرهم، ومضوا على صراط ربهم نحو غايتهم التي خُلقوا لأجلها لا يلفتون وجوههم عنها، نحسبهم ولا نزكيهم، فكن أيها المسلم معهم لا عليهم، ولا تعْدُ عيناك عنهم، وجدِّد كما فعلوا مآثر الهجرة، ولا تجعلها مجرد ذكرى، فهي عبادة باقية ماضية مع الجهاد إلى يوم القيامة، قال تعالى، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

المصدر: صحيفة النبأ - العدد 501 السنة السابعة عشرة - الخميس 1 المحرم 1447 هـ المقال الافتتاحي: جدِّدوا الهجرة
...المزيد

الصحيح في فَضل التَّسبيح ◾ التسبيح: هو تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن كل نقص وسوء كما قال الطبري: ...

الصحيح في فَضل التَّسبيح

◾ التسبيح: هو تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن كل نقص وسوء كما قال الطبري: "التنزيه له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك".

▪ (وَالْحَمْدُ لِلهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) مسلم

▪ (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) مسلم

▪ (لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) مسلم

▪ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ سُئِلَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ، أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ) مسلم

▪ (كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ) مسلم

▪ (مَنْ قالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) متفق عليه

▪ (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ) متفق عليه

▪ (أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ) رواه مسلم
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 500 مقتطفات نفيسة 47 (من كلام الشيخ المجاهد أبي حمزة ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 500

مقتطفات نفيسة 47
(من كلام الشيخ المجاهد أبي حمزة القرشي تقبله الله تعالى)

واعلموا أنّ العالم كلّه مقبلٌ على أمورٍ عظيمةٍ، وأنّ ما تشاهدونه اليوم ما هو إلا إرهاصاتٌ لتحوّلات كبرى، ستشهدها بلدان المسلمين في الفترة المقبلة، بإذن الله تعالى، وسيكون فيها فرصٌ أعظم من التي يسرها الله تعالى لكم قبل عقدٍ من الزمان في بعض البلدان التي شهدت من الأحداث ما تعرفون.

فأعدّوا للمرحلة القادمة ما تستطيعون من القوّة ومن رباط الخيل، وأرهبوا أعداء الله وأعداءكم، وآخرين من ورائهم لا تعلمونهم، الله سبحانه بهم خبيرٌ عليم.

ونوصيكم بالشّدّة على أعداء الله الكفرة، خاطبوهم بالسيوف المرهفات، وسعّروا الغزوات ولا توقفوا الغارات، ولا تتركوا يوماً يمر على المرتدّين وأسيادهم الصليبيين إلا وقد نغصتم فيه عيشهم.

فاكمنوا لهم في الطرقات، وأحرقوا أرتالهم بالعبوّات، ودمروا الحواجز والثّكنات، وليكن شعار أحدكم لا نجوت إن نجا عباد الطّواغيت.

وشمروا عن ساعد الجدّ، وواصلوا ليلكم بنهاركم، وابذلوا أغلى ما تملكون، الأنفس والمهج لإعلاء كلمة التّوحيد وقتال أعداء الملّة والدّين.
...المزيد

هديه صلى الله عليه وسلم في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله، ...

هديه صلى الله عليه وسلم في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه

كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله، وأعذبهم كلاما، وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه.

• كلامه معدود وسهل الفهم والحفظ

وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد، ليس بهذٍّ مسرع لا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي، قالت عائشة: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيّن فصل يحفظه من جلس إليه"، وكان كثيرا ما يعيد الكلام ثلاثا ليعقل عنه، وكان إذا سلم سلم ثلاثا.

• يتكلم بجوامع الكلم بلا فضول ولا تقصير

وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام، فصل لا فضول ولا تقصير، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كره الشيء عرف في وجهه، ولم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا.

• يضحك تبسما ويتعجب مما يُتعجب منه

وكان جل ضحكه التبسم، بل كله التبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وكان يضحك مما يضحك منه، وهو مما يتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر.

• يبكي رحمة وخشوعا وخشية لله وشوقا إليه

وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، ويسمع لصدره أزيز.

وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية.

ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال: (تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون)، وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض، وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا}، وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته، وجعل ينفخ ويقول: (ألم تعِدْني أن لا تعذِّبَهُم وأنا فيهم، ألم تعِدْني أن لا تعذِّبَهُم وهم يستغفِرونَ)، وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته، وكان يبكي أحيانا في صلاة الليل.

[زاد المعاد في هدي خير العباد]
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً