صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

7/7
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يجد الشهيد مس القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة)، فالحذر الحذر من أن تزل قدم بعد ثبوتها، وأنتم اليوم بفضل الله تسطرون الملاحم وتنكلون بأعداء الله، ولو شاء العزيز الحكيم لانتصر منهم، ولكن سنته في عباده ماضية، قال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].

فإن المجاهد كما قال ابن حزم رحمه الله: "شريك لكل من يحميه بسيفه في كل عمل خير يعمله، وإن بعدت داره في أقطار البلاد، وله مثل أجر من عمل شيئا من الخير، في كل بلد أعان على فتحه بقتال أو حصر، وله مثل أجر كل من دخل في الإسلام بسببه، أو بوجه له فيه أثر إلى يوم القيامة، واعلموا لولا المجاهدون، لهلك الدين ولكنا ذمة لأهل الكفر، فتدبروا هذا فإنه أمر عظيم، وإنما هذا كله إذا صفت النيات وكانت لله".

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: "واعلموا -أصلحكم الله- أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيرا أن أحياه إلى هذا الوقت، الذي يجدد الله فيه الدين ويحيي فيه شعار المسلمين، وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيها بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فمن قام في هذا الوقت بذلك، كان من التابعين لهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم، فينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة، التي حقيقتها منحة كريمة من الله، حتى والله، لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار -كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم- حاضرين في هذا الزمان، لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين".

فكونوا يا جنود الخلافة وحراس العقيدة في كل مكان، ردءا لإخوانكم بثباتكم وصبركم، ولا يؤتين الإسلام من قبلكم، وأوصيكم وأذكركم بوصية نبينا صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما حين قال له: (يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، نعم لو اجتمعت أمريكا وروسيا والعالم بأسره، بطائراتهم و بارجاتهم وقاذفاتهم وما أرهبوا به الأمم لعقود، فلن يضروك شيئا يا عبد الله، إلا بشيء قد كتبه الله عليك، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].

فيا جنود الخلافة وأبطال الإسلام، يا حملة الراية وفرسان الميدان، أوقدوا لهيب الحرب على عدوكم، وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم في كل مرصد، تمنطقوا الحزم، والتحفوا الصبر، وأحيوا الهمم وشدوا العزائم نحو القمم، ويا جنود الدولة في الشام، اثبتوا فإن الله ناصركم على عدوكم إن صبرتم وأيقنتم، فجموع النصيرية وملاحدة الأكراد إلى زوال، فهم أذل وأحقر من أن يقفوا أمامكم، إن غابت عنهم طائرات الصليب ساعة، وما الشجاعة لفلولهم ببضاعة.

ويا جنود الإسلام وأنصار الخلافة في كل مكان، كثفوا الضربات تلو الضربات، واجعلوا مراكز إعلام أهل الكفر ودور حربهم الفكرية ضمن الأهداف، فمن لكعب بن الأشرف وحمالة الحطب، من لعلماء السوء ودعاة الشر والفتنة، فواصلوا جهادكم وعملياتكم المباركة، وإياكم أن يهنأ الصليبيون والمرتدون في عقر دارهم بلذيذ عيش وطيب مقام، وإخوانكم يذوقون القصف والقتل والدمار.
ويا إخواننا الأسرى في كل مكان، إنا والله ما نسيناكم ولكم حق علينا، ولن ندخر أي وسيلة في سبيل استنقاذكم، فاثبتوا على العهد، وكونوا عونا لإخوانكم المجاهدين بالدعاء وصدق الالتجاء إليه سبحانه، فإن الأمر كله بيديه، والفرج من عنده، ولن يغلب عسر يسرين، وحسبكم أنكم معذورون عند الله.

اللهم العن الكفرة الذين يصدون عن دينك ويحاربون أوليائك، اللهم رد عادية أمم الكفر عن ديار الإسلام، اللهم اشدد وطأتك على أمريكا وروسيا وإيران ومن حالفهم، اللهم عليك بطواغيت العرب والعجم، اللهم عليك بطواغيت آل سلول، اللهم أزل ملكهم وافتح لنا ديارهم، وارزقنا حج بيتك المحرم في عامنا هذا يا رب العالمين، اللهم يا ناصر المستضعفين، ويا كاشف الكرب عن المظلومين، اكشف كربنا وأزل الغمة عن أمتنا يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

6/7
فيا أهل السنة في العراق والشام واليمن، يا أهل السنة في كل مكان، لقد طاول أبناء الخلافة حشود الرفض وقطعان النصيرية والحوثة في العراق والشام واليمن، وفلوا بفضل الله جيوشهم وجموعهم، فثبوا من مخادعكم، وانفضوا غبار الذل عنكم، واعلموا أن الرافضة والنصيرية لن يقبلوا بأنصاف الحلول، بعدما سلبوا الديار وانتهكوا الأعراض، وقد حل بكم ما حذركم منه نبيكم صلى الله عليه وسلم حين قال: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)، فارجعوا إلى دينكم، ارجعوا إلى عزكم وما فيه رفعتكم، وانبذوا فصائل الردة والخسة والعمالة، من تسيرهم أمريكا وحكومات الردة في المنطقة، من يقتاتون بدمائكم وعلى أشلاء أبنائكم، فقولوا لي بربكم، ماذا جنيتم من محافل الذل وفتات الداعمين، سوى مهادنة النصيرية وتسليم دياركم، وأصبح أبناؤكم وقود حرب يُشعلها الصليبي الكافر ضد دولة الإسلام، أو تظنون أنكم اليوم بمنأى من بطش النصيرية وداعميهم، كلا والله، لقد حذرناكم من قبل، ولا زلنا نحذركم من المكر الذي يراد بكم، ولن يغن عنكم المرتد الإخواني التركي شيئا، ولن تُغني عنكم فصائل الردة وداعموهم شيئا، إن اُصطلم لا قدر الله جنود الخلافة وحراس العقيدة في الشام، فإنا نعتقد أنه لولا الله، ثم هؤلاء الشعث الغبر، لكان الأمر على غير ما تشتهون، فأفيقوا من سباتكم يا أهل السنة في الشام، واطردوا آمال السراب عنكم وعودوا إلى ربكم، فقد أقبل النصيرية اليوم وبكل ما يملكون، يدفعهم الروس ودولة المجوس إيران، للمضي قدما في قتال دولة الإسلام، فلا تهولنكم قطعانهم التائهة في أودية الشام وسوحها، فاحملوا على عدوكم حملة رجل واحد، فقد أصبح بفضل الله وحده مكشوف الظهر واهن العظم، فلا تعطوه فرصة لالتقاط أنفاسه، واغتنموا ساعة الإمكان قبل فوات الأوان،
ويا جنود الخلافة وآساد الإسلام في العراق والشام وجزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وخراسان واليمن وليبيا وسيناء ومصر وشرق آسيا، وغرب إفريقية والصومال وتونس والجزائر والقوقاز وبلاد البنغال وغيرها من البلدان.
قال ربنا في كتابه العزيز: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].

اعلموا -يرحمكم الله- أنكم اليوم في عُدوةٍ واحدة، تقارعون أمم الكفر وتصدون حملتهم الغاشمة عن ديار الإسلام، فبثباتكم ثبات لإخوانكم وسلوة لهم في كل ثغر وصقع من الأرض، وفي تجلدكم إرباك لمخططات الصليبيين، واستنزاف حقيقي لمقدراتهم، ودفع وتأخير لصيالهم على معقل الإسلام في هذا الزمان، فاثبتوا يرحمكم الله، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] فقد أخبر الله سبحانه، عن حال الرسل وأتباعهم لما قاتلوا مَن كفر بالله، وكيف أنهم صبروا ولم يهنوا لما يصيبهم في سبيل الله، ودعوا الله متضرعين أن يغفر لهم ذنوبهم، وأن يثبتهم وينصرهم على القوم الكافرين.

قال ربنا في محكم التنزيل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146 - 148].

فالذين رباهم الأنبياء جاهدوا معهم أعداء الله، ولم يضعفوا بسبب ما يصيبهم من الجراحات والقتل، وعلموا أن الذنوب من معوقات النصر وأسباب تأخره، مع أنهم أعدوا ما استطاعوا من قوة، إلا أنهم لا يعتمدون على الأسباب بل قلوبهم متعلقة بربهم عز وجل، الذي يجيب من دعاه، ويكفي من توكل عليه، وينصرمن يستغيث به، فاستعينوا بالله على عدوكم، وواصلوا جهادكم، وأكثروا من التضرع إلى القوي المتين، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

5/7
وهي ذات الطريق التي سلكها الأنبياء عليهم السلام ولم يحيدوا عنها كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، فمهما حشدوا وألبوا فلن تغني جموعهم من أمر الله شيئا، وقد أخبرنا سبحانه في مواطن من كتابه العزيز، أن العبرة ليست بالعدد والعدة والقوة، قال صاحب أضواء البيان بتصرف يسير: "إن الفئة القليلة المتمسكة بدين ربها تغلب الفئة القوية الكافرة التي لم تتمسك به"، ففي غزوة الخندق، ذلك الحصار العسكري الذي نوه الله بشأنه، وبين شدته وعظمه في سورة الأحزاب في قوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10، 11] وقع هذا الحصار العظيم وأهل الكفر في عدد وعدة وقوة، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ضعف وجوع وقلة من المال والسلاح، حتى ذكر أهل السير، أن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يشد حزامه على الحجارة من شدة الجوع، ومع شدة الحصار والضيق، نقضت بنو قريظة العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين، وهذا هو ديدن اليهود، فأصبح المسلمون في موقف حرج وضيق أشد، فكان الذي واجه المسلمون به هذا الموقف الشديد والحصار العسكري الكبير، هو الإيمان والتسليم كما أخبر الله -تعالى- عنهم بقوله، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، وكان من نتائج هذا الإيمان والتسليم، ما قصه الله علينا في محكم كتابه في سورة الأحزاب في قوله، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25].

ولقد أثبت أبناء الإسلام في دولة الخلافة بفضل الله ومنه، أنهم بثباتهم وعدم نكولهم من مصادمة آلة العدو وترسانته الصماء، هم حصن الأمة ودرعها المتين، وأملها المتقد، وخط دفاعها الأول، في وجه العدو الرافضي الحوثي المجوسي النصيري، الذي بات يؤمِّل نفسه أن يُحكم قبضته على ديار أهل السنة، وبدعم منقطع النظير من عباد الصليب وأذنابهم المرتدين، ومما يدل على ذلك، صمود رجالات الأمة في هذا الزمان الذين ثبتوا على أرض الموصل، وأبوا أن يسلموا أرضا حكمت بشرع الله لأهل الكفر وأمم الصليب، إلا بدق الرقاب وسكب الدماء، معتزين بدينهم مستعلين بإيمانهم موقنين صابرين محتسبين، فأوفوا بعهدهم وما بذمتهم، ولم يسلموها إلا على جماجمهم وأشلائهم، فأعذروا بعد ما يقارب سنة من القتال والنزال -نحسبهم والله حسيبهم- رغم أن الصليبيين الحاقدين وكعادتهم مع المسلمين، في الموصل وغيرها من ديار الإسلام، لم يتركوا سلاحا فاتكا مدمرا إلا واستخدموه، ولا محرما عندهم زعموا إلا وألقوا به وجربوه، فأحرقوا البشر والشجر وكل شيء على الأرض عليهم من الله ما يستحقون، ولن يثني ذلك المجاهدين عن جهادهم وسيظل أبناء الإسلام يُرخصون دماءهم وأجسادهم في سبيل خالقهم جل وعلا، ولسان حالهم، {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52].

وليعلم كل موحد مجاهد في دولة الإسلام وخارجها، بأنَّا على يقين، أن سيل الدماء والأشلاء الذي سكبه الثابتون الصابرون في الموصل وسرت، والرقة والرمادي وحماة، أن الله سيجريه في البلاد، فيهلك به كل طاغوت جثم على صدر الأمة، وستنزاح به الستور التي فرقت المسلمين لدهور، فلن نعود أعزة كرماء بديننا إلا بضرب البيض الصفاح، ومصادمة العدو في كل ساح، هذا سبيل فلاحنا في ديننا ودنيانا إن اعتصمنا بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

وإنا بحول الله وقوته باقون ثابتون صابرون محتسبون في دار الإسلام، لن تثنينا كثرة القتل والأسر وألم الجراح، وأنيسنا قول ربنا {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

4/7
و توالت حملات أمم الكفر على أرض المسلمين وغدت حمى مستباحا فضاع الدين، وأصبح المسلمون في هرج ومرج تتلقفهم الأهواء وتلقي بهم في كل واد، وسلط عليهم طواغيت العرب والعجم أذناب اليهود وخدام الصليب، إلا أن رحمة الله وفضله ومنته على هذه الأمة عظيم، فقيض لها أبناء الإسلام النزاع من القبائل، الذين لم يجمع بينهم شيء من حطام الدنيا الزائل، فعمروا الأرض بالجهاد وأحيوا ما اندرس من معالم الدين الحنيف وشرعة رب العالمين، وقارعوا أمم الكفر في مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها، حتى ساق الله دولة الصليب أمريكا إلى بلاد الرافدين، واشتعلت جذوة الجهاد، فحمل الراية وتقدم الركب أمير الاستشهاديين، الشيخ المجاهد أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله، فقد كان مجددا في عصره مربيا معلما أجاد فأفاد وعم خيره البلاد.

بل وما من مجاهد اليوم في دولة الإسلام إلا وللشيخ عليه فضل كبير، ثم حمل الراية من بعده الجبلان الأشمان، الشيخان المجاهدان، أبو عمر البغدادي، ووزير حربه أبو حمزة المهاجر، نسأل الله أن يتقبلهما من الشهداء، فصانوا الأمانة وساروا على منهج الحق الذي لا لبس فيه، غير مبدلين ولا ناكثين، وفاء المسلمون إلى شرع الله، وعلت بين أبناء الإسلام روح التضحية والفداء، فأعلنت دولة الإسلام وكان لها ولأبنائها نصيب من الابتلاء، وقدر من التمحيص والعناء، لأن سنن الله لا تحابي أحدا من خلقه، قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} [البقرة: 214]. فهم المسلمين الأكبر أن يرضى الله تعالى عنهم ويدخلهم الجنة، ثم أن ينصرهم الله تعالى على عدوه وعدوهم، وهذا هو طريق الجنة، ابتلاء وصبر وثبات على دين الله، وصبر على مقارعة الأعداء، ومهما أصاب المسلمين في هذا الطريق، فإنهم يبقون معتزين متمسكين بدينهم لا يهينون ولا يحزنون، وغدا السائر في طريق الجهاد يرى عجبا من تقلب الأحوال، ما بين صابر ثابت ومنتكس مرتكس ناكث، فتمايزت الصفوف ونفي الخبث، وظل السائرون الثابتون على الطريق وحاديهم قول ربهم، : {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسًا وأشد تنكيلًا} [النساء: 84]، ثم أعقب تلك المحنة التي في حقيقتها منحة جليلة، نصر من الله وفتح مبين، ذاق فيه المجاهدون لذة الصبر وحسن العاقبة، وازدادوا ثقة ويقينا بموعود الله لهم إن صبروا وثبتوا، فأعلنت الخلافة واتسعت رقعة دولة الإسلام، وفي هذه السنوات الماضية، رأى المجاهدون من نصر الله تعالى لهذه الدولة الفتية، بأن مكنها من الحكم بشريعته في مناطق كثيرة، فقد فتحت مدنا عدة وأزالت الحدود التي رسمها الكفار، فأقامت دين الله وعلمته للناس واستنفرتهم للدفاع عنه، وبايع الدولة الإسلامية من وفق الله من أهل التوحيد والجهاد في أقطار عدة، فحصل بفضل الله الاعتصام بحبل الله ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وأقامت الدولة الإسلامية -نصرها الله-، الحجة على الناس في المسائل التي ضل فيها أكثرهم، كالحكم بما أنزل الله، حتى صار واقعا استشعره أكثر الناس مسلمهم وكافرهم، ولذلك كله، احتدم الصدام مع أمم الكفر، وامتلأ الطواغيت غيظا وحنقا، فما تركوا باب حيلة إلا وطرقوه، ولا باب مكيدة إلا وفتحوه، يتعجلون زوال شوكة المجاهدين الموحدين ودولتهم، التي أظهرها الله رغم أنوفهم وتجبرهم وطغيانهم في الأرض، مع أن الأحداث اليوم وبفضل الله ومنه، خير شاهد على الإحباط الذي يلف تحالف أمم الكفر، وهم يواجهون ثبات وصمود جنود الخلافة، مما جعلهم يطلبون من بعضهم البعض، تأجيل الخلافات والتعاون وجمع الجهود كلها في خندق واحد لقتال دولة الإسلام، ولكن هذه الحكومات لا تستطيع تأجيل كل شيء لأن هناك أمورا تنضج، وهناك من أمم الكفر من يستغل الأحداث ليسيطر على أماكن جديدة، ويأمل أن يكون له تحكم وفرض لوضعه بالقوة، فأمريكا التي صورت للناس أنها الدولة العظمى الوحيدة، تفقد مكانتها كدولة وحيدة ترأس دول العالم، فقد صارت دولة منهكة مرهقة بديون هائلة، مما يهيئها لسقوط مدوٍ تسحب فيه دولا كثيرة نحو الهاوية، مما جعل روسيا تستغل هذا الضعف، وتظهر على أنها القوة العظمى البديلة عن أمريكا، وأصبحت تتحكم في إدارة ما يسمى بالملف السوري، وذلك بمنأى عن أمريكا، وهذا ما حصل مؤخرا في اجتماع الأستانة، وما نتج عنه من مخرجات هزلية وذر للرماد في العيون، يتم بمقتضاها تسليم مناطق أهل السنة للنظام النصيري، بعد أن أفرغوها من أهلها، ولم يكن لأمريكا أي حضور أو صوت ظاهر على الأقل في ذلك، والروس يتدخلون في مناطق عدة، كأوكرانيا والقرم على غير ما يشتهي الأمريكان والأوربيون، وصارت كوريا الشمالية تهدد أمريكا واليابان بالقوة النووية.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

3/7
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الصحابة على الإيمان وعلى أن ينصروا دين الله، وكان يخبرهم أن الله ناصر دينه، دون أن يضرب لذلك أجلا محددا، أو كيفية معينة، حتى لا يربطوا النصر والخسارة بفقد أرض أو مقتل أحد من المؤمنين، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم أكمل الله لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: "تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحيه في الهواء، إلا وهو يذكرنا منه علما، قال، فقال: صلى الله عليه وسلم: (ما بقي شيء يقرب من الجنة، ويباعد من النار، إلا وقد بُيِّن لكم)" وترك أمته صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، وسار على هديه الخلفاء الراشدون المهديون فكانوا بحق حماة للدين، وأخزى الله على أيديهم من ارتد من العرب، فنصروا رضوان الله عليهم الملة والدين، وشرعة رب العالمين، فجابوا الأرض بكتائب الإسلام ينشرون الدين بالسيف والسنان والحجة والبيان، وقد أثنى عليهم ربنا بقوله {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

قال ابن كثير: "وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار، رحيما برا بالأخيار، غضوبا عبوسا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن".

ومن تأمل حال الصحابة رضوان الله عليهم، وكيف تلقوا هذا الدين وفهموه وطبقوه واقعا معاشا في جميع أحوالهم، وكيف سرى نَمِير الإيمان في أجسادهم وخالط بشاشة قلوبهم، سمت همته واشرأبت نفسه للسير في ركابهم والاقتداء بهم، فهم أعرف الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهم خير القرون وأزكاها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي القرن الذين يلوني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).

وبعد قرون مضت من قيام حكم الله في الأرض واتساع سلطان المسلمين ودولتهم، انكفأ المسلمون وانحسر سلطانهم بما كسبت أيديهم {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ولن يصلح حالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

و توالت حملات أمم الكفر على أرض المسلمين وغدت حمى مستباحا فضاع الدين، وأصبح المسلمون في هرج ومرج تتلقفهم الأهواء وتلقي بهم في كل واد، وسُلط عليهم طواغيت العرب والعجم أذناب اليهود وخدام الصليب، إلا أن رحمة الله وفضله ومنته على هذه الأمة عظيم، فقيض لها أبناء الإسلام النزاع من القبائل، الذين لم يجمع بينهم شيء من حطام الدنيا الزائل، فعمروا الأرض بالجهاد وأحيوا ما اندرس من معالم الدين الحنيف وشرعة رب العالمين، وقارعوا أمم الكفر في مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها، حتى ساق الله دولة الصليب أمريكا إلى بلاد الرافدين، واشتعلت جذوة الجهاد، فحمل الراية وتقدم الركب أمير الاستشهاديين، الشيخ المجاهد أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله، فقد كان مجددا في عصره مربيا معلما أجاد فأفاد وعم خيره البلاد.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

2/7
وعلى حين فترة من الرسل و اندراس للملة الحنيفية السمحة، بُعث نبي الملحمة والمرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلق كافة، إنسهم وجنهم، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، داعيا إلى التوحيد ومنذرا من الشرك والتنديد، ولاقى في دعوته صلى الله عليه وسلم ما لاقى من أذى الأقربين ومكر اليهود والمنافقين، فما انثنى عن قتالهم وجهادهم حتى أتم الله له الدين وقمع به المشركين، فهذا الصحابي الجليل خباب بن الأرت رضي الله عنه، يروي حال الصحابة في مكة وما لا قوه في سبيل الحق الذي اتبعوه، قال رضي الله عنه: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).

ثم لم يزل الصحابة رضوان الله عليهم، يضربون لمن خلفهم من أبناء الأمة أجل المواقف وأسماها في لزوم الحق ودفع الضريبة والثمن، ففي بيعة العقبة وقبل الهجرة إلى المدينة يقف الصحابي الجليل أسعد ابن زرارة رضي الله عنه، يراجع قومه فيما هم عليه مقدمون فقال: "رويدا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر عند الله"، قالوا: يا أسعد ابن زرارة أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلا رجلا يأخذ علينا بشُرْطَة العباس، ويعطينا على ذلك الجنة.

و توالت الأحداث في دار الهجرة وأرض الإسلام، وظل البلاء قدر تلك الطائفة المؤمنة، وكثر الوافدون الداخلون في الإسلام من غير أهل المدينة، فثبت ونجا من صبر وأخلص دينه لله، ونكص وخاب من دبه الريب وسعى في غير رضى مولاه، وفي إحدى مواطن البلاء تلك، بيَّن العليم الحكيم لعباده أن قدره نافذ وحكمته بالغة في تنقية صف جماعة المسلمين، حيث قال في كتابه العزيز: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179].

قال ابن كثير رحمه الله: أي لا بد أن يعقد سببا من المحنة، يظهر فيه وليُّه، ويفتضح فيه عدوه، يعرف به المؤمن الصابر، والمنافق الفاجر، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلَدُهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهتك به ستر المنافقين، فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الصحابة على الإيمان وعلى أن ينصروا دين الله، وكان يخبرهم أن الله ناصر دينه، دون أن يضرب لذلك أجلا محددا، أو كيفية معينة، حتى لا يربطوا النصر والخسارة بفقد أرض أو مقتل أحد من المؤمنين، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

1/7
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولًا سَدِيدًا * يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
لقد خلق الله تبارك وتعالى الخلق لغاية عظيمة وكلفهم حمل أمانة جسيمة، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط قال تعالى: {وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال سبحانه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165]، وقال جل شأنه: {لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ} [الحديد: 25].

ومنذ أن خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ليستخلفه في الأرض، علمه الأسماء كلها وأسجد له ملائكته، وكان إبليس مع الملائكة فأبى السجود وعصى أمر ربه، استكبارا وعنادا وتفضيلا لنفسه على آدم عليه السلام، فطرد مذؤوما مدحورا، عند ذلك، سأل إبليس من ربه النظرة إلى يوم الدين، فقال: {أَنظِرنِي إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } [الأعراف: 14، 15]، فأجابه الرب تبارك وتعالى إلى ما سأل، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة سبحانه، ثم أخبرنا ربنا في كتابه العزيز، ما توعد به إبليس آدم وبنيه، {قَالَ فَبِمَا أَغوَيتَنِي لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِرَاطَكَ المُستَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم وَلَا تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16، 17].

فعن سبرة ابن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطِّوَل، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال، فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة).

ومنذ ذلك العهد، انقدحت شرارة الصراع بين الحق والباطل، وانقسمت الخليقة بأجمعها إلى فريقين لا ثالث لهما، فريق المؤمنين وفريق الكافرين، قال تعالى: {قُلنَا اهبِطُوا مِنهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 38، 39] وظل بنو آدم على التوحيد بعد وفاة أبيهم آدم عشرة قرون، إلى أن حظي إبليس بما أراد وتوعد، فدب الشرك في قوم نوح عليه السلام، فكان أول انحراف لذرية آدم عن التوحيد، فبعث الله إليهم نوحا عليه السلام، يدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، فاحتجوا بما وجدوا عليه الآباء والأجداد، وكذبه أكثر الناس، وما آمن معه إلا قليل، فأنجاه الله ومن آمن معه من قومه، وأغرق بعد الباقين لكفرهم وشركهم، ثم تتابع الرسل والأنبياء عليهم السلام، يدعون أقوامهم إلى التوحيد وينذرونهم ويحذرونهم من الشرك، قال تعالى: {وَلَقَد بَعَثنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنهُم مَن هَدَى اللَّهُ وَمِنهُم مَن حَقَّت عَلَيهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرضِ فَانظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ} [النحل: 36].
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 99 الافتتاحية: • وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 99
الافتتاحية:

• وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ


إن القارعة التي تضرب بلاد الكفر اليوم هي مقدمة وعد الله بزوال من كفر به وتكبَّر على عباده، فتلك أمريكا التي طغت في الأرض فأكثرت فيها الفساد، وأحلت دين الكفر والإباحية وتحدت الخالق جل في علاه، وتجبرت وأوغلت في الحرب على دين الله وأوليائه، تقف اليوم عاجزة عن مواجهة جندي من جنود الله، فإن مقدمات النصر الإلهي من تلك القارعات التي قرعت دار طاغوت العصر أمريكا إنما هي إيناس من الله -تعالى- لأوليائه وتثبيت لهم، كيف لا وتلك الصور التي رُسمت في مخيلة أبناء المسلمين من التشريد والدمار الذي حلَّ بديارهم قد حلَّ بساحة أمريكا الصليبية الكافرة اليوم أضعافا مضاعفة، فهذه إحدى ولاياتهم التي هي بحجم دولة كبيرة قد دُمِّر ثلاثة أرباعها بضربة إعصار واحدة، فقد بطش بهم العزيز الجبار في أيام قليلة، فأغرقهم وشردهم ودَمَّر بيوتهم فأضحت ديارهم خرابا دمارا، وخسروا من الأموال ما يعادل ميزانيات دول، وهذا هو ما أخبر الله -تعالى- به رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن العذاب والقارعة التي تحل بديار الكفار مقدمة لتحقيق الوعد الإلهي، وهو أن يحل بساحتهم جيش المسلمين الفاتحين فيحكمون بشريعة الرحمن، قال الله تعالى: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد: 31].

قال الإمام أبو جعفر الطبري -رحمه الله- في تأويلها: "يقول تعالى ذكره: {وَلا يَزَالُ} يا محمد {الَّذِينَ كَفَرُوا}، من قومك {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا} من كفرهم بالله، وتكذيبهم إياك، وإخراجهم لك من بين أظهرهم {قَارِعَةٌ}، وهي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنِّقم، بالقتل أحياناً، وبالحروب أحياناً، والقحط أحياناً {أَوْ تَحُلُّ}، أنت يا محمد، يقول: أو تنزل أنت {قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} بجيشك وأصحابك {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} الذي وعدك فيهم، وذلك ظهورُك عليهم وفتحُك أرضَهمْ، وقهرُك إياهم بالسيف {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}، يقول: إن الله منجزك، يا محمد ما وعدك من الظهور عليهم، لأنه لا يخلف وعده" [جامع البيان في تأويل القرآن].

وفي عصرنا هذا فقد حل القتل واستحر بالجيش الصليبي عند غزوه بلاد المسلمين فانسحب ذليلا حقيرا لا يلوي على شيء، ولا يزال عذاب الله ونقمه تصيبهم والأعاصير والحرائق تضربهم، وتستنزف أموالهم وتبيد خضراءهم، وفي هذا انشراح الصدر وزيادة الإيمان واليقين بوعد الله تعالى، فلا مقارنة بين قارعة العذاب من القوي العزيز وبين كل ما يقوم به المجاهدون من نكاية بالكفار، فلا يضاهيه تفجير ولا دهس ولا طعن ولا عملية استشهادية ولا غيرها، وفي هذا تنبيه للمجاهدين ودرس بليغ أن الله -تعالى- غني عنهم وعن جهادهم، كما قال عز وجل: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6]، فالله -سبحانه- هو الغني عن العالمين وهو وحده قادر على أن يبيد الكفار ويستخلف من عباده من يشاء، ولكنه الاختبار والابتلاء ليميز الله الخبيث من الطيب، وليظهر المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، فهلَّا قام أهل التوحيد ممن يعيش بين ظهراني الصليبيين، فإن أمريكا تترنح بين ضربات المجاهدين وبين قارعات العذاب التي يرونها قبل مجيئها ويقفون عاجزين عن مواجهتها، وهذه آية عظيمة أراها الله -تعالى- لعباده مؤنسا لهم وناصرا ومعينا، حتى يأتي وعده ونصره لعباده فيكبّروا في أروقة البيت الأبيض، إن شاء الله.

لقد استهزأ الكفار وأذنابهم ممَّا حل بالمجاهدين من البلاء الذي كتبه الله على عباده في هذا الطريق الشائك المحفوف بالبلايا وعظيم الرزايا في النفس والأهل والمال، وأطلت رؤوس النفاق باللمز والإرجاف، فوجد المجاهدون في قلوبهم الشوق لانتقام الله وتأييده، يترقبونه بصبر ويقين ودعاء مضطر، وأما الكفار والمرتدون فأصابهم الغرور والطغيان والتمادي في الظلم والكفر والعدوان، وهنا جاء العذاب والانتقام من الله -تعالى- لعباده فجبر انكسار الموحدين وبلاءهم وذل عدوهم وأخزاه، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110]، أي إن الأمم المستهزئة المكذبة لرسلهم يقولون لرسلهم أين ما وعدكم ربكم من النصر علينا، وهذا عين ما يقوله الكفار من الاستهزاء بأولياء الله الموحدين، فيأتي العذاب الذي لا يمكن رده عن القوم المجرمين، والحمد لله على نصره وتأييده وإنعامه حمدا يليق بعزّته وكبريائه وكمال صفاته.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 99
الخميس 8 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

• التوحيد وفضله والشرك وشره فعبادة الله وحده هو توحيده، وعبادة غيره معه شرك، فعن معاذ بن جبل ...

• التوحيد وفضله والشرك وشره

فعبادة الله وحده هو توحيده، وعبادة غيره معه شرك، فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنتُ ردفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمارٍ يقال له عفيرٌ، فقال: (يا معاذُ، هل تدري حقَّ اللهِ على عبادِه، وما حقُّ العبادِ على اللهِ؟) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنَّ حقَّ اللهِ على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، وحقُّ العبادِ على اللهِ أن لا يعذِّبَ من لا يشرك به شيئاً). فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر به الناس؟ قال: (لا تبشِّرهم فيتَّكلوا) [رواه البخاري ومسلم].

والتوحيد هو تحقيق معنى لا إله إلا الله، وفضل هذه الكلمة عظيم جليل، لمن أعطاها حقها فآمن بها وعمل بمضمونها، فالموحِّد لا يُخلَّد في النار كما ورد في الصحيحين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن الله قد حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، وللموحِّد الأمن التام يوم القيامة كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وروى الترمذي عن أنس وحسَّنهُ، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (قال اللَّه تبارك وتعالى: ...يا ابن آدم إنَّكَ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة).

ومن أتى بالتوحيد بأعلى درجاته دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما في حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عرضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رُفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى -صلى الله عليه وسلم- وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب). ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صَحِبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين وُلدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما الذي تخوضون فيه؟) فأخبروه، فقال: (هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، فقام عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال (أنت منهم)، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: (سبقك بها عكاشة) [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم].

فهذا فضل التوحيد، أما شرُّ نقيضه وهو الشرك فأمره جلل وخطبه عظيم مهول، فإن المشرك لا يغفر الله له، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، بل مصيره إلى النار خالدا فيها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار)، فمن كان يصرف كل العبادات لله إلا عبادة يسيرة يصرفها لغيره فهو مشرك، وجزاؤه النار خالدا فيها فانتبه لهذا يا عبد الله.

وكثير من الناس يستهين بالشرك، ويظنُّ أن جهره بلا إله إلا الله أو حبَّه للرسول -صلى الله عليه وسلم- أو حُبَّه لأهل الدين أو بِرَّه بوالديه أو دعوته لدين الله وطباعة المصحف، أو حج بيت الله الحرام، يظن أن ذلك فقط ينجيه من النار! بل لا ينجيه من النار إلا إخلاص التوحيد لله وعدم صرف العبادة لغيره، فيعبد الله وحده ولا يتحاكم عند النزاعات إلى محاكم الطواغيت، ولا يوالي جندهم من شرطة وغيرها محبة ونصرة وإعانة، ولا يستغيث عند الشدائد بغير الله، ولا يطلب الشفاعة من غير الله، ولا يشارك في الانتخابات، ولا يذهب للسحرة ليحبِّبوا إليه زوجه أو ليرقوا له مريضه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 95
الخميس 2 ذو الحجة 1438 ه‍ـ
...المزيد

العبودية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتِم المرسلين، أما بعد... إذا عرف ...

العبودية


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتِم المرسلين، أما بعد...

إذا عرف المخلوق ربه، وأنه خالق الكون ومُدبِّره، وهو الذي يرزقه ويُنعم عليه النعم المتتالية، وجبت عليه عبادته والخضوع لأمره ونهيه.

• أهمية العبادة ومعناها

توحيد الله -تعالى- وعبادته وحده هي الغاية التي خلق الله -تعالى- لأجلها الخلق، وهي الأمر الأعظم والأوجب عليهم من خالقهم الذي يرزقهم ويدبّر أمورهم، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58]، ودعوة توحيد الله -تعالى- بالعبادة هي دعوة المرسلين لأقوامهم، فكلهم يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، ولقد ذمَّ الله المستكبرين عن عبادته فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، والعبادة تُصرف لله وحده، وصرف شيء منها لغيره يبطل إسلام المرء.

وحاجة العبد للعبادة لا تُقاربها حاجة، وهي أشد من حاجة الجسد للطعام والشراب، لأنها حاجة القلب والروح، وهما أهم من الجسد، ولا يطمئنان ولا يسكنان ولا يشبعان ولا يرتويان إلا بالعبادة، وكلما طابت العبادة طاب القلب وارتاح، وإذا أقبل على الله اعتزَّ وإن كان ذليلا، واستغنى وإن كان محتاجا.

وأركان العبادة هي امتثال أمر الله مع الخضوع والمحبة والتعظيم، والأمور التي تدخل في العبادة: كل ما رضِيَه الله من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فالأقوال كالدعاء والاستغاثة وكالذكر وشهادة أن لا إله إلا الله والأقوال الداخلة في الصلاة من ذكر وقراءة القرآن ونحوها، والأعمال كالصلاة والجهاد والذبح والتحاكم في الخصومة وغير ذلك، والأعمال الباطنة مثل الرجاء والخوف والتوكل والتعظيم، وكل هذا إما أن يُفْعل لله فهو التوحيد، وإما أن يُفْعل لغيره فهو الشرك.

• لا تصِحُّ العبادة مع الشرك والبدعة

إن مقام العبودية من أعظم المقامات التي امتدح الله بها أنبياءه ومنها قوله -تعالى- في حق نبينا صلى الله عليه وسلم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]، وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] فالعبد المسلم يشترط لصحة عبادته ووصفه بالعبودية الحقيقية لله -تعالى- أن يكون مخلصا متابعا، فما معنى الإخلاص والمتابعة؟

الإخلاص هو ضد الشرك، ولا تصِحُّ العبادة إلا بإخلاصها أي تخليصها من أي نوع من أنواع الشرك المبطل لها، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، قال الإمام الطبري: "مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك" [جامع البيان].

وأما المتابعة فتعني أن تعبُد الله -عز وجل- بما شرع -سبحانه- في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92]، وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌ)، وكل عمل بلا اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يزيد عامِلَه من الله إلا بُعدا، وإن الله -تعالى- يُعبَد وفق أمره لا بالآراء والأهواء، عن الحسن البصري قال: "صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا، صياما وصلاة، إلا ازداد من الله بعدا" [البدع لابن الوضاح].
...المزيد

• جعفر ذو الجناحين قدوة كل مسلم فيا أيها الجريح ويا أيها المبتلى اقتدِ بأولئك، ألا ترى مواكب ...

• جعفر ذو الجناحين قدوة كل مسلم

فيا أيها الجريح ويا أيها المبتلى اقتدِ بأولئك، ألا ترى مواكب المقتدين من إخوانك قد اقتدوا بهم بأبهى حلةٍ للاقتداء وقد شاهدتهم بأم عينيك؟ فسارع إلى جنة ربك، فنعم الغنيمة هذه، حيث يبدلك الله بجسد خير من جسدك وزوجة خير من زوجتك وصحبة خير من صحبتك، حيث لا تتمنى إلا أن تعود إلى الدنيا لتُقتل مرة أخرى، ولا يضرك بأي جسد تقتل، فقط لترى من كرامة القتل في سبيل الله.

نعم، إنها تلك الإرادة الجامحة التي تثور في قلب الموحد ليعلي صرح التوحيد، فينال رضا ربه الإله الواحد الأحد، إنها تلك النار التي توقدت في قلب الجيل الأول فضحَّوا تضحية منقطعة النظير حين كان القتال بالسيف والرمح، وهو قتال صعب شديد، فهذا جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم مؤتة، قُطعت يمينه فأخذ راية التوحيد بشماله فقطعت، فاحتضنها بذراعيه حتى قُتل، فلله دره، فماذا كان جزاؤه يا أهل البلاء ويا أهل العافية على حد سواء؟ الجزاء أن الله -تبارك وتعالى- أبدله بيديه أجنحة يطير بها في الجنة، وروى الإمام البخاري في صحيحه أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سلم على ابن جعفر، قال: "السلام عليك يا ابن ذي الجناحين".

فيا أخي السليم المعافى ماذا ستصنع بهذا الجسد إذا وافتك المنية، وقد أبليت صحتك بالذنوب واللهو، حتى أسقمت ذلك الجسد بسخط الله وغضبه، فهلا قمت لله قومة موحد صادق، فلعل تلك الأعضاء تشهد لك عند الله -تعالى- كما ستشهد لإخواننا المجاهدين الذين قُطِّعت أعضاؤهم في سبيل مرضاة ربهم، نحسبهم والله حسيبهم، فأعضاؤك إما أن تشهد لك أو عليك، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]، قال الإمام الطبري في تفسيره: "وذلك حين يجحد أحدهم ما اكتسب في الدنيا من الذنوب، عند تقرير الله إياه بها، فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فإن قال قائل: وكيف تشهد عليهم ألسنتهم حين يختم على أفواههم؟ قيل: عني بذلك أن ألسنة بعضهم تشهد على بعض، لا أنَّ ألسنتهم تنطق وقد ختم على الأفواه".

• الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح

فيا صاحب الصحة والسلامة، أما آن لك أن تشهد لك أعضاؤك بالخير بعد أن أوردتها ما يغضب الله تعالى؟ وهلا التحقت وسابقت إخوانك سواء من عافاهم الله ومن ابتلاهم؟ ألا ترى أن السباق جار وأن الغاية سهلة المنال؟ فاغتنم صحتك قبل سقمك، وأقدم فنعم المغنم ونعم التسابق والتنافس، قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 22 - 25]، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) [رواه مسلم].

وهنا نذكِّر إخواننا الجرحى والمصابين الذين ابتلاهم الله على طريق الجهاد فنقول لهم، إن جرحى الصحابة يوم أحد كانت الجراح فيهم فاشية، وعندما أتاهم منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد نهضوا وتركوا الدواء، لأنهم أحق الناس بهذا الأجر العظيم، قال ابن هشام في سيرته: "قال ابن إسحاق: قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}: أي الجراح، وهم المؤمنون الذين ساروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم أُحد إلى حمراء الأسد على ما بهم من ألم الجراح: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]".

فيا أيها المجاهدون الجرحى ومن ابتلاهم الله -تعالى- في أجسادهم: أنتم أحق من غيركم بالتقوى والأجر العظيم، فأنتم أهل السبق وأهل العز في زمن الخنوع، فسارعوا قبل غيركم ولا تركنوا إلى الأعذار فإنها لا تأتي بخير في زمن المدافعة عن حياض الدين والحرمات، فأكملوا طريقكم إلى ربكم، واغتنموا الأجر، وسابقوا أولي العافية والسلامة إلى الجنة، فوالله إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون، وعلى فوات العمر فليبك العاجزون المقصرون، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 95
الخميس 2 ذو الحجة 1438 ه‍ـ
...المزيد

اغتنم صحتك قبل سقمك الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله ...

اغتنم صحتك قبل سقمك

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه البيهقي وهو صحيح على شرط الشيخين].

وقد تكلمنا عن مفردات هذا الحديث، ولم يبق لنا إلا الحديث عن الصحة قبل السقم، وعند معاينة هذا الجزء من الحديث، تجول في النفس كثير من المعاني التي حققها المغتنمون من أهل الصحة فيما يكثرونه من الطاعات، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله، ثم قد يقف الواقف في معنى الاغتنام حيرانا أمام من قُطِّعت بعض أجسادهم، فلم يعجزوا ويقعدوا، بل أكملوا الطريق إلى نهايته، فلله درهم وعلى الله أجرهم.

ثم قد ترى بعض أهل الصحة من ينطبق عليهم وصف العجز بكل معانيه، فإنهم مع تمام صحتهم عجزوا عن تنفيذ مراد الله -تعالى- منهم، فأين عذرهم وقد جاهد أهل البلاء بما تبقى من أجسادهم، حتى عجز القلم أن يكتب عن جميل فعالهم وكريم خصالهم؟ أولئك الذي قُطِّعت أرجلهم فجاهدوا بأيديهم فلم يكن ذلك عائقا أمامهم لإكمال مسيرهم إلى الله -تعالى- بصدق وقوة عزيمة، قد تعالت نفوسهم على حطام الدنيا وبهرجها، فجادوا بما بقي من أجسادهم لله رب العالمين.

• العاجز من أتبع النفس هواها

فالعاجز في هذه الأيام ليس ذلك الذي فقد شيئا من جسده، بل العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ، وقعد عن نصرة دين الله -تبارك وتعالى- في زمن الجهاد والذود عن الدين والحرمات، في زمان تكالب الأمم على أمة الإسلام في دولة الإسلام، فشمَّر لها أهل العزائم من أولئك الذين أبقى الله في أجسادهم ما يستطيعون به حمل السلاح أو قيادة سيارة مفخخة نحو أهدافهم، إن العاجز ليس ذاك الولي الصادق الذي أكمل طريقه إلى ربه، إنما العاجز هو الذي وهبه الله صحة وجسدا سليما فلم يغتنم هذه النعمة في ما يرضي الله تبارك وتعالى، ولم يستعملها في نصرة دينه وعباده المستضعفين، وهذا هو الذي نعجب منه في هذا الزمن، وكما قال الشاعر:

عجِبتُ لمن له قَدٌّ وحَدٌّ
وينبو نبوة القضم الكهامِ
ومنْ يجد الطريق إلى المعالي
فلا يذرُ المطيَّ بلا سنامِ
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً
كنقص القادرين على التمامِ

فلا عجب أن ترى مواكب المغتنمين ممن ابتلاهم الله بالإصابات والابتلاءات ناصبين صدورهم لعدوهم، تروسا لحماية جناب التوحيد، فلم يجد اليأس إلى قلوبهم طريقا، وهم لا يجدون عن المعالي محيصا، حتى يركبوا إلى المجد مراكبه، للسير إلى سعادتهم وطيب مقامهم، فمن العاجز أيها الصحيح الذي لم تسقم؟ ومن المغتنم أيها السليم المنعّم؟ هل فقهت معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حول اغتنامك صحتك قبل سقمك؟

• السقم الحقيقي هو سقم القلب

إن السقم الحقيقي هو سقم القلب وعجزه وضعف إرادته عن نيل المطالب العالية، التي لا تصلها إلا النفوس المرضية عند ربها، التي لا ترضى بعيش الدون، فإما الحكم لله، وإما نار لا تنطفئ أوراها حتى تحرق جموع الكفار والمرتدين، وهنا يسقط القلم فما عاد يجد الكلمات التي يصف بها فعال أولئك الموحدين المبتلين بقطع وبتر، من الذين ركبوا مراكب المنايا، فأحلُّوا بساحة أعدائهم المهالك والرزايا، ولكن لا يزال في الجعبة من كلمات الأسف على أولئك الذين سلموا من كل بلاء، وقد أنعم الله عليهم بنعمة الصحة وسلامة الأعضاء، فوا أسفاه عليهم حين لم يجد إخواننا المبتلون لأنفسهم عذرا فمضوا في طريق الجهاد، وهؤلاء قد وجدوا لأنفسهم أعذارا فنكلوا عن العز والسؤدد، فماذا أعددت لنفسك أيها السليم المسكين بين يدي الجبار؟ وأي غنيمة فاتتك أيها المعافى لتعتق رقبتك من النار؟
نعم، إنها الإرادة التي لا تعرف الانكسار، وتسعى بالصبر والمصابرة لنصرة دين الله تبارك وتعالى، تلك التي خالطت قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا لمعنى الاغتنام إلا طلب الكفار ومقارعتهم، فهل سمعت بالأعمى الذي خرج ليحمل اللواء فقُتل في سبيل الله تعالى؟ إنه الصحابي الجليل ابن أم مكتوم، لم يتعذر بأنه أعمى بل ساقه قلبه البصير إلى خير كرامة، شهادة في سبيل الخالق جل وعلا، وهل سمعت بالأعرج الذي أراد أن يطأ بعرجته الجنة؟ إنه الصحابي عمرو بن الجموح، الذي كانت أمنيته أن يطأ بعرجته الجنة، فقُتل في سبيل الله -تعالى- ولم يعتذر لنفسه.
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً