الرياء سارق الحسنات

منذ 2016-08-15

أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين وإلى الأهواء مائلين

بسم الله الرحمن الرحيم

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟» فقلنا: بلى يا رسول الله. قال: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ: أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ» (حديث حسن رواه ابن ماجه،  كتاب الزهد: [4204] والبيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم: [30]).

الرياء قناع خداع يحجب وجها كالحًا ونفسًا لئيمة وقلبًا صدئًا صلدًا، والرياء طلاء رقيق يخفي سوءات بعضها فوق بعض، والرياء زيف كاسد في سوق تجارة.

قال وهب بن منبه: "من طلب الدنيا بعمل الآخرة نكس الله قلبه وكتب اسمه في ديوان أهل النار".

وقال أبو العالية: "قال لي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: لا تعمل لغير الله فيكلك الله إلى من عملت له".

وقال: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف على نفسه من النفاق".

وقال الربيع بن خثيم: "كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل".

وقال: "السرائر السرائر اللاتي تخفين من الناس وهن لله تعالى بواد التمسوا دواءهن".

"ومن علم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدا في يوم القيامة غلب على قلبه حذر الرياء وتصحيح الإخلاص بعمله حتى يوافي الله تعالى يوم القيامة بالخالص المقبول، إذ علم أنه لا يخلص إلى الله جل ثناؤه إلا ما خلص منه ولا يقبل يوم القيامة إلا ما كان صافيا لوجهه لا تشوبه إرادة شيء بغيره". (الرعاية لحقوق الله، المحاسبي، ص: [155]).

قال أبو عبد الله الأنطاكي: "من طلب الإخلاص في أعماله الظاهرة وهو يلاحظ الخلق بقلبه فقد رام المحال لأن الإخلاص ماء القلب الذي به حياته والرياء يميته".

وكتب يوسف بن أسباط إلى حذيفة: "إن لنا ولك من الله مقامًا يسألنا فيه عن الرمق الخفي وعن الخليل الجافي، ولست آمن أن يكون فيما يسألني ويسألك عنه وساوس الصدور ولحاظ الأعين وإصغاء الأسماع، اعلم أن مما يوصف به منافقو هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدين بأبدانهم وفارقوهم بأهوائهم ولم ينتهوا عن خبيث أفعالهم، كثرت أعمالهم بلا تصحيح فأحرمهم الله الثمن الربيح".

والرياء مشتق من الرؤية، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس برؤيتهم خصال الخير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما يتزين به العبد للناس:

1- الرياء بالبدن: ويكون بإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد في العبادة، وعظم الحزن على أمر الدين، وغلبة خوف الآخرة، قال الربيع بن خثيم: "لا يغرنك كثرة ثناء الناس من نفسك فإنه خالص إليك عملك". وقال يحيى بن معاذ: "لا تجعل الزهد حرفتك لتكتسب به الدنيا ولكن اجعله عبادتك لتنال الآخرة وإذا شكرك أبناء الدنيا ومدحوك فاصرف أمرهم على الخرافات".

2- الرياء بالهيئة والزى: بتشعيث شعر الرأس وإطراق الرأس في المشي والهدوء في الحركة وإبقاء أثر السجود على الوجه وتحري لبس الثياب الخشنة أو لبس المرقعات، فعن محمد بن عبد الله الحذاء قال: "وقفنا للفضيل بن عياض على باب المسجد ونحن شباب علينا الصوف، فخرج علينا، فلما رآنا قال: وددت أني لم أركم ولم تروني، أتروني سلمت منكم أن أكون ترسًا لكم حيث رآيتكم وتراءيتم لي! لأن أحلف عشرًا أني مراء وأني مخادع أحب إلي من أن أحلف أني لست كذلك".

3- الرياء بالقول: كرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الأخبار لاستعمالها في المحاورة وإظهارا لغزارة العلم وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس وإظهار الغضب للمنكرات والأسف على مقارفة الناس للمعاصي، وفي ذلك يقول مطرف رحمة الله عليه: إن أقبح ما طلبت به الدنيا عمل الآخرة.

4- الرياء بالعمل كمراءاة المصلي بطول القيام والركوع والسجود وكذلك بالصوم والغزو والحج والصدقة.

5- الرياء بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالمًا أو عابدًا ليقال إن فلانًا قد زار فلانًا، وكالذي يكثر زيارة الشيوخ ليرى أنه لقي شيوخا كثيرة واستفاد منهم ويتباهى بشيوخه عند المخاصمة.

وأصل الرياء حب الجاه، والجاه هو قيام المنزلة في قلوب الناس، وهو اعتقاد القلوب نعتا من نعوت الكمال في هذا الشخص إما لعلم أو عبادة أو نسب أو قوة أو حسن منظر أو غير ذلك مما يعتقده الناس كمالًا، فبقدر ما يعتقدون له من ذلك تذعن قلوبهم لطاعته ومدحه وخدمته وتوقيره.

ومن غلب على قلبه حب هذا صار مقصور الهم على مراعاة الخلق مشغوفا بالتردد إليهم والمراءاة لهم ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتًا إلى ما يعظم منزلته لديهم، وذلك بذر النفاق وأصل الفساد، لأن من طلب هذه المنزلة في قلوب العباد اضطر أن ينافقهم بإظهار ما هو خال عنه ويجر إلى المراءاة بالعبادات واقتحام المحظورات والتوصل إلى اقتناص القلوب.

وهذا باب غامض لا يعرفه إلا العلماء بالله العارفون به المحبون له وإذا فصل رجع إلى ثلاثة أصول:

حب لذة الحمد، الفرار من الذم، الطمع فيما في أيدي الناس.

كتب خالد بن صفوان إلى عمر بن عبد العزيز: "يا أمير المؤمنين إن أقوامًا غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين، وإلى الأهواء مائلين". فبكى عمر ثم قال: "أعاذنا الله وإياك من إتباع الهوى".

الرياء الجلي والخفي

فالرياء الجلي: هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه، أما الرياء الخفي: فهو الذي لا يحمل على العمل بمجرده إلا أنه يخفف مشقة العمل على النفس، كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط للقيام وخف عليه.

ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاعته ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدءوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان، فإن قصر مقصر ثقل ذلك على قلبه كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي أخفاها.

ومن الرياء الخفي أن الإنسان يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى أنه متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به.

قال مطرف ابن عبد الله:  "كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها وذلك عند الله سفه".

وقال الحسن البصري: "من ذم نفسه في الملأ فقد مدحها وذلك من علامات الرياء".

 

____________

المصادر:

- حديث الإخلاص، د/ سيد العفاني، دار العفاني، مصر.

- إحياء علوم الدين، الإمام الغزالي، ط: دار الحديث.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 1
  • 0
  • 7,423

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً