سلبيات علاقات الزوج قبل الزواج
سيدة متزوجة من رجل كانت له علاقات محرمة قبل الزواج، لكنه تاب منها، وبينها وبينه مشكلات بسبب عدم اهتمامه بها، ومعاملتها بإهمال.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا سيدة متزوجةٌ منذ عام، زوجي في الأربعين من العمر، ولديَّ طفلة، مشكلتي مع زوجي أني لا أراه متلَهِّفًا عليَّ ولا مُشتاقًا لي، بل أنا المبادرة في كل شيء، أنا مَن أُقَبِّل، أنا مَن أحضن، أنا مَن أدعوه لإقامة علاقة معي!
نعيش في دولة أوروبية، وأنا جامعية وهو غير جامعي، وكانتْ له علاقات جنسية كثيرة، لكنه تاب قبل الزواج بخمس سنوات، عندما علمتُ بعلاقاته قبل الزواج صُعِقتُ، لكني قلتُ: ما دام قد تاب فعسى الله أن يتوب عليه، لكني كنتُ أتضايق من داخلي بصورة مُزعجة كلما تذكَّرتُ ذلك.
عندما أتكلم معه ونختلف في شيء أجده ينفعل حتى يَسب الله ويسب ديني وأهلي، ويقول ألفاظًا سيئة، أما صلاتُه فهو بالكاد يُصلي، وأحيانًا يُفَرِّط في الصلاة.
وضعُنا المادي ضعيف، واكتشفتُ أنه يأخذ حبوبًا مُهَّدِّئةً للأعصاب.
لا يعاملني كما تعامل مع النساء اللاتي كان على علاقة بهنَّ، بل كأني لستُ في حياته، فأقول له: هل كنتَ تعامل الفتيات اللاتي تعاشرهنَّ بهذه الطريقة، فيتضايق من كلامي.
والآن وصل الحالُ بيننا إلى الانقطاع، ولا توجد علاقةٌ بيننا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فبعضُ النساء مع الأسف الشديد لا ترى عيوبَ زوجها الظاهرة ليس بعد الزواج فحسْب، وإنما بعد الإنجاب، وهذا بلا شك مما يعسر المسألة، ويجعل كلام المستشار الأسري منصبًّا على الحفاظ على الأسرة والتحمل والصبر وهكذا، وقد يتسبب هذا في إهمال جوانب أخرى مؤثرة، وقد لا ينتبه أنَّ الحياة بين الزوجين أصبحتْ مُستحيلةً، ولكن قدر الله وما شاء الله فعل، وإذا شاء الله شيئًا قدَّرَ أسبابه.
مشكلتُك مع زوجك أيتها الابنة الكريمة قد اختصرتها في عدة نقاط: عدم تلهُّفه عليك، وأنت من تطلبين منه ممارسة العلاقة الخاصة، وماضيه السيئ، وكونه غير متعلِّم ولا متدين، يُصلي بالكاد، وأسوأ ما فيه أنه يَسُبُّ الله ويسب الدين عندما يغضب، وكلاهما كُفرٌ مجردٌ وردةٌ تجعلك مُحَرَّمة عليه، إلا أن يتوبَ توبةً نصوحًا، وهي الخالصة من كلِّ غِشٍّ، فيقلع نهائيًّا عن السبِّ، ويندم على ما اقترفتْ يداه، ويعزم على عدم العَوْد في المستقبل.
أما باقي المشكلات فأمرُها هينٌ يمكن التعامل معها، والتخفيف مِن حِدَّتها بشيءٍ مِن الصبر والجهد، ووضع خطة عمل جيدة تجعله يتغيَّر للأحسن.
وتتلخص تلك الخطة في نقاط:
أولاً: في البداية ينبغي أن تعلمي أنك قد أخطأتِ بتذكير زوجك بماضيه السيئ فقابلتِه به، وهذا عَمَلٌ غير حكيمٍ، بل الحكمةُ كانتْ تقتضي أن تنظري إليه بعين الرحمة، وأن تلمحي تصريف القدَر له، وأنه انتبه لنفسه وندم على ما جرى منه وتاب، والتائبُ مِن الذنبِ كمَنْ لا ذنب له.
وخطورةُ تذكيره بالذنب تكْمُن في أن الذنبَ كالمسمار الذي يَعْلَق في الثوب، وبعض الناس إذا تذكر الذنب تشبَّث مسمار الهوى في قلبه ثانية، والْتَذَّ به مرةً أخرى، فيحتاج أن يعودَ خطوات من الندَم للتخلص منه، ويخرج من قلب الشهوة.
ثانياً: لاحظتُ في رسالتك - سلمك الله - لَحْظ المساوئ والتركيز على الأمور السلبية، وجعلها نصب عينيك، ولم تشيري فيه لخصالٍ محمودة تحبينها، فأخشى أن يكونَ هذا منهج حياة، فإهدارُ المحاسن مهما كانتْ قليلةً يُورث التعاسة، والواجبُ النظر لهذا وذاك والموازنة بينهما، وأن نقابل ما نكرهه خلقًا بما نحبه ونرضاه طبعًا، فابحثي عن الأوْجُه الجميلة في زوجك، فلن يخلوَ عن بعض الخِصال الحميدة التي ينبغي أن تراعيها؛ كما لا تظني أنه يوجد شخصٌ بلا عيب، وقد أرشد لتلك الموازنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخر»؛ رواه مسلم.
ثالثًا: كوني له عونًا على الخير والهداية، وذلك بحُسن الخُلُق، ولطف الكلمة، والتزين والتجمل له، والإحسان إليه، والكف عن تذكيره بالماضي الأليم، وطاعته والتحلِّي بالإنصاف.
رابعًا: تحدَّثي معه بهدوءٍ ورفقٍ ولينٍ، وصارحيه بما تُعانين منه، حتى في العلاقة الخاصة، ولا حَرَجَ عليك في هذا، ولو كانتْ عنده مشكلة نفسية أو جسدية فخُذي بيده، وعاونيه حتى يتجاوزها، ولن يكون هذا حتى تشعريه بحبك له، وحرصك عليه وعلى دوام الصُّحْبَة بينكما.
خامسًا: أدي الحُقوق الواجبة عليك تُجاهه، وتنازَلي عن بعض حقوقك المستحقة عليه، وأطيعيه فيما يأمر بالمعروف، ولا تَرْفَعي صوتَك عليه، وفي نفس الوقت عظيه وانصحيه في تقصيره في جنب الله بلُطفِ عبارة، وحُسن ابتسامة، وبيني له خطورة التهاوُن في الصلاة، وكُوني أنت مَن يُوقِظُه للصلاةِ، وستجدين في باب الاستشارات العلمية ما يُعينك.
سادسًا: ذَكِّريه بأن العلماء قد أجْمَعُوا على أن مَن سَبَّ الله تعالى أو سَبَّ الدين كافرٌ، مرتدٌّ عنْ دينِ الإسلام، سواءٌ كان مازحًا أم جادًّا، معتقدًا النقص أم غير معتقد؛ قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66]، وقال: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12].
وسأذْكُر لك بعض كلام الأئمة لتستشهدي به:
قال ابنُ قُدامة: "ومَنْ سبَّ الله تعالى كفَر، سواءٌ كان مازحًا أو جادًّا، وكذلك كلُّ مَنِ استهزأ بالله تعالى أو بآياته، أو بِرُسله، أو كتبه".
وسُئِل محمد عليش المالكي كما في فَتْح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (2/ 10) في امرأة سبت الملة هل ترتد؟
فأجب: نعم ارتدت بسبب سبِّها الملة؛ لأن السب أشد من الاستخفاف، وقد نصُّوا على أنه ردة فليكن السب ردة بالأولى على أن الملة القرآن العزيز".
وفي فتاوى اللَّجنة الدائمة للبحوث: "سبُّ الدين - والعِياذ بالله - كفرٌ بَواح بالنَّصِّ والإجماع".
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز كما في مجلة الفرقان الكويتية، العدد (94): "إذا سبَّ الدِّين، أو سبَّ الرَّسول، أوِ استهزأ بالله ورسولِه، فإنَّ ذلك كفرٌ عمليٌّ أكبرُ عند جَميع أهل السُّنَّة والجماعة".
وقال: "سبُّ الدين مِن أعظم الكبائر، ومِن أعظم المنْكَرات، وهكذا سبُّ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ وهذان الأمْران مِن أعظم نواقِض الإسلام، ومنْ أسباب الردَّة عن الإسلام".
وقال العلاَّمة عبد المجيد سليم - شيخ الأزهر الأسبق -: "نفيد بأنَّ مَن قال هذه الجملة الخبيثة المذْكورة – "يلْعَن دين النبي الذي زرته" - فهو كافرٌ، مرتدٌّ عن دين الإسلام، بلا خلاف بين أئمَّة المسلمين؛ والأمر في ذلك ظاهرٌ لا يَحتاج إلى بيان".
وقال أبو محمد بن حزم في المُحَلَّى بالآثار (12/ 435): وأما سب الله تعالى، فما على ظَهْر الأرض مسلم يخالف في أنه كُفْرٌ مجرد".
وقال أيضًا: (12/ 438): "كلُّ مَنْ سَبَّ الله تعالى، أو استهزأ به، أو سَبَّ ملكًا مِن الملائكة أو استهزأ به، أو سبَّ نبيًّا مِن الأنبياء، أو استهزأ به، أو سبَّ آيةً مِن آيات الله تعالى، أو استهزأ بها، والشرائع كلها، والقرآن مِن آيات الله تعالى، فهو بذلك كافرٌ مرتدٌّ، له حُكْم المُرْتَد".
فالواجبُ عليه التوبة النَّصُوح إلى الله تعالى، وأن يشهدَ الشَّهادتين، وأن يُكثِر من الاستغْفار والعمل الصالح، وأما إنْ أَصَرَّ لا قدَّر الله على الوُقُوع في الرِّدَّة، فلا يحل لك العيش معه.
وأسأل الله أن يصلحَ زوجك، ويرزقه الهداية والصَّلاح.
- التصنيف:
- المصدر: