كيف أترك مواقع الشات والدردشة؟

منذ 2018-02-26

فتاة وقعَتْ في ذنوبٍ عدة بسبب دُخولها إلى غُرَف الدردشة، وتريد التخلص منها لتستعيدَ نفسها مرةً أخرى، وتريد المساعدة على ذلك.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالبةٌ جامعية، بدأتْ معاناتي منذ عامٍ تقريبًا عندما كنتُ في فترة الإجازة الدراسية، وكان لديَّ وقتُ فراغٍ كبير، وخلال تصفُّحي للإنترنت شدَّني رابط للدردشة فدخلتُ عليه، وكان دافعي الفضولَ لا غير! ولم أكنْ أشارِكُ في الحديث، بل كنتُ مستَمِعةً فقط.

في اليوم التالي دخلتُ وسلَّمتُ على الحُضور، واستقبَلوني استقبالًا حسنًا، وكنتُ صارمةً في رُدودي مع الشباب؛ لأن الله يعلم أني لم أدخُل لأعصيه، مع أن دُخولي للشات ومحادَثة الجنس الآخر هو أكبر معصية!

حاولتُ بشتى الوسائل ترْكَ الشات، لكن في كلِّ مرة أنقُض ما عاهدتُ نفسي عليه، وأدخُل بكل بُرودٍ.

تمسَّكتُ بالصلاة بشكل كبيرٍ في تلك الفترة؛ لأنني أعلم أنها تَنْهَى عن الفحشاء والمُنكَر، وخِفتُ أن أنجرفَ مع الشباب.

مضت الأيام وطلبتْ مني فتاةٌ أن تكلمني على انفرادٍ في موضوعٍ، فسألتني عن بعض المعلومات عني وأجبتُها، فأخبرتني أن هناك شابًّا مُعجبًا بي، ولن تخبرني باسمه حتى ترى ردةَ فعلي!

رفضتُ في البداية، لكنها بدأتْ تمدح وتُثني على هذا الشاب، وأخبرتني أني مثل أختها، وتحب لي الخير، وأنها تضمَنُ هذا الشاب لذا حدَّثتني عنه، فرفضتُ مرة أخرى!

لَم تَيْئَسْ، وأعادتْ عليَّ الأمر مرات كثيرة، فوافَقْتُ ولا أدري كيف؟! لكني صدَّقْتُها!

كنتُ أتحدَّث مع الشابٍّ في البداية بصورة عادية، ثم طلَب أن ينفردَ معي بدردشةٍ خاصة، فلم أوافقْ، وأخبرتُه أني أرفض مبدأ الدردشة الخاصة!

المشكلة أنَّ الأمر عُرِف، وأصبح الجميع يُناديني بـ(حبيبة فلان)، فصُدِمْتُ مِن الحال التي أوصلتُ نفسي إليها.

حاول الحديثَ معي مرات كثيرة، لكني كنتُ أردُّ ردودًا مختصرةً جدًّا، فشعر بتهرُّبي منه، واعتذرتُ له عن الحديث.

شعرتُ وقتها أنَّ باب النجاة انفتح لي، وأرسلتُ له قائلة: إني آسفة، ولن أتكلمَ معك، وامتنعتُ من الدخول في هذه الدوامة مرة أخرى!

ما أزعجني أن الفتاة التي كلَّمتني في المرة الأولى أرسلتْ لي رسالة تُؤنبني فيها، وتَلومني على ما فعلتُ، وأن الشاب يحبني وسينتحر بسببي، وأنا مَن سيتحمل ذنبه!

أخبروني كيف أستردُّ نفسي كما كنتُ، وكيف أبتَعِد عن هذه المعاصي؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فأحيانًا يُوقعنا الشيطانُ في ورطةٍ، فيُغَيِّب عنَّا أكبر حقيقة في الوجود بعدما تغطِّي الشهوةُ عينَ الفكر التي تُميز الإنسان، فلا نعمل بمقتضى العقل، ونقَع في المخالَفات، وقد ننتبه وبعضنا لا يفيق مِن غفلته، وتلك الحقيقةُ الكبيرة هي: أنَّ الله الخالق المبدِع الذي فطر الخلْقَ بيده مفاتيحُ ومَغاليقُ الفطرة، فلا تُفتح إلا بمفاتيحَ من عند الله، ولا تُعالج أمراضها وعللها إلا بأدويةِ شريعته، وأَوْدَعَ سبحانه منهجَه مفاتيح كل مغلق، وشفاء كل داءٍ؛ فقال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، وقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، وقال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وإنما يستحكم الداء ويستعصي عندما لا يَرُدُّ الإنسان علله وحوائجه لصانعه المبدِع الذي يعلم ما يصلحه وما يصلح له، الخبير بمسالك النفس ويعلم مساربها ومداخلها ودروبها؛ كما قال تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 13، 14]، وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16].

والخطأُ الكبير الذي وقعتِ فيه أيتها الابنةُ الكريمةُ - بعدما غيب الشيطانُ عينَ بصيرتك، فاتبعتِ خطوات الشيطان خطوةً خطوة، وكما ذكرتِ أنتِ تمامًا: "كان دافعي الفضولَ لا غير، لم أكنْ أشارِكُ في الحديث، كنتُ مستَمِعةً فقط، في اليوم التالي دخلتُ وسلَّمتُ، كنتُ صارمةً في رُدودي مع الشباب، أخبرتني أن هناك شابًّا مُعجبًا بي، رفضتُ في البداية، أعادتْ عليَّ الأمر مرات كثيرة، وافَقْتُ ولا أدري كيف لكني صدَّقْتُها، كنتُ أتحدَّث مع الشابٍّ في البداية بصورة عادية، طلَب أن ينفردَ معي بدردشةٍ خاصة، أصبح الجميع يُناديني بـ(حبيبة فلان) ...".

وما كان لك أن تتبعي تلك الخطوات إلا بغيابِ العقل - الخطأ الكبير أنك لم تلتفتي لتحذير الله في كتابه العزيز أن نُسلِّمَ أنفسنا للشيطان، فيَقُودنا إلى الشر الذي وقعتِ فيه، والذي من المُرشح أن يزيدَ إلا أن تفيقي مِن غفلتك، وتتوبي توبةً نصوحًا، وتعودي لربك، وتتقدمي للأمام في الخير، أو يزداد الهبوط والانحراف لا قدر الله؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21]، وخطوات الشيطان نزَغاتُه، وهي صورةٌ كريهةٌ ينفر منها طبعُ المؤمن، ويرتجف لها وجدانُه، فمراحلُ العمر تُطوى بسرعة عجيبة، فاستحضري عقلك، وأعْمِلي فكرك، واخلي بنفسك، وانظري لطول المسافة التي قطعتِها في الحرام بتزيين شيطان الإنس والجن.

الابنة الكريمة، حاولي أن تستحضري وتستشعري عظمةَ الله تعالى، وأنه يعلمُ سرَّك وجَهرك، وراقبيه سبحانه في جميع شؤونك، فهذا أدعى أن ينقدحَ الخوفُ مِن الله في قلبك، فهو - أعني: الخوف مِن الله - الحاجز الصلبُ في وجْهِ هوى النفس، ولا يثبت شيء غيره أمام هُجوم هوى النفس، فلا حيلةَ لك ولا نجاة مِن الحفرة التي أوقعتِ نفسك فيها إلا بالاستسلام والانقياد لله، والإقبال على طاعته، وأخْذِ نفسك بالقوة والبُعد عن شياطين الإنترنت، ولا تعودي للانخداعِ وتصديق قصة الانتحار المكررة!

وتأمَّلي رحمك الله تلك العبارات المضيئة لحكيم الإسلام في ظلاله (6/ 3636-3637):

"إن البشر وهم يحاولون التخفي مِن الله بحركةٍ أو سرٍّ أو نية في الضمير يبدون مضحكين، فالضميرُ الذي يخفون فيه نيتهم مِن خلْقِ الله، وهو يعلم دروبه وخفاياه، والنية التي يخفونها هي كذلك مِن خلقه وهو يعلمها ويعلم أين تكون، فماذا يخفون؟ وأين يستخفون؟ والقرآنُ يُعنى بتقرير هذه الحقيقة في الضمير؛ لأنَّ استقرارها فيه يُنشئ له إدراكًا صحيحًا للأمور فوق ما يودعه هناك مِن يقَظةٍ وحساسية وتقوى تناط بها الأمانة التي يحملها المؤمنُ في هذه الأرض؛ أمانة العقيدة، وأمانة العدالة، وأمانة التجرُّد لله في العمل والنية، وهو لا يتحقق إلا حين يستيقن القلبُ أنه هو وما يكمن فيه مِن سر ونية هو مِن خَلْقِ الله الذي يعلمه الله، وهو اللطيف الخبير".

انشغلي بدراستك، وحافظي على فرائضك، وأكثري مِن قراءة القرآن بتدبُّر، وابتعدي عن الإنترنت حتى يذهبَ عنك السوء، وصدقيني لن تجدي الراحة ولن تجدي السعادة في فعل المحرم فضلاً عن أن تجدي الرشد والهدى وراحة البال، وكلُّ هذا إنما يكون بالعودة الصادقة لله العلي الكبير.

أسأل الله أن يُعيذك مِن شر نفسك، ومِن شر قلبك، ومِن شر سمعك، ومِن شر بصرك.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 12
  • 1
  • 23,684
  • Fake Life

      منذ
    حفظكى الله وراعاكى ابتعدى عن طريق الشباب

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً