حكم الشريعة لا حكم الجاهلية 1/2 الحمد لله الذي أنقذنا من حكم الطواغيت، وأنعم علينا بحكم ...

حكم الشريعة لا حكم الجاهلية
1/2

الحمد لله الذي أنقذنا من حكم الطواغيت، وأنعم علينا بحكم الشريعة، وأعاد لنا الخلافة ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله الذي محا بحوافر خيله حكم الجاهلية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فقد تكلمنا في مقالة سابقا عن الإمامة العظمى ومنزلتها من الدين، ونتناول في هذه المقالة جانب تحكيم الشريعة التي يضطلع بها الخليفة وأعوانه وفقهم الله، ويعمل للحفاظ عليها كل جندي من جنود دولة الإسلام، ويبذل في سبيل إعلائها النفس والنفيس.

لقد بعث الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة إلى توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وإن كان أهل الجاهلية قد أقروا بتوحيد الربوبية في الجملة، إلا أنهم ناقضوا ذلك الإقرار بوقوعهم في أنواع الشرك المناقضة لأنواع التوحيد الثلاثة (الربوبية والألوهية والأسماء والصفات).

• وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون:

أخبر الله -تعالى- أن الكفار إذا سُئلوا: لمن الأرض ومن فيها؟ يجيبون: لله، وإذا سئلوا: من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم؟ يجيبون: لله، وإن سئلوا: من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه؟ يقولون: لله. ومع ذلك لا يتذكرون ولا يتقون الله ولا يخافون عذابه! فمع إقرارهم بأن الله -تعالى- هو مالك الملك الخالق المدبر الرزاق المحيي المميت، إلا أنهم يشركون مع الله غيره، وهم يقرون بأن كل ما سوى الله فهو مخلوق، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "كان المشركون يقولون: لَبَّيْكَ لا شريك لك، فيقول رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم: ويلكم قَدْ قَدْ (أي يكفيكم يكفيكم)، فيقولون: إلا شَرِيكاً هو لك، تَملكُهُ وما مَلَك، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت" [ رواه مسلم].

ومع أن المشركين كانوا في الضراء يلجؤون إلى الله وحده، إلا أنهم في السراء يعودون إلى ما اعتادوه من الشرك بالله، قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]، لقد أشركوا بعبادة الله غيرَه، فدعوا معه من لا يضر ولا ينفع، وتوجهوا بأنواع العبادات إلى الطواغيت، وتحاكموا إليها، وافتروا على الله كذباً بقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].

وقد أرسل الله -تعالى- رسله وأنبياءه داعين إلى الإيمان بالله وإفراده بالعبادة، والكفر بالطواغيت كلها، فلا يصح إيمان أحد من الإنس أو الجن إلا بأن يجمعوا بين الأمرين: الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36]، فكل من أبى إفراده بالعبادة، أو أبى اجتناب الطواغيت والكفر بها فهو ضال مكذب لرسل الله، مستحق لعقوبات الله التي يجازي بها الكافرين.

بيَّن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- أن الله لا يقبل من عباده إلا الإسلام الصافي والتوحيد الخالص، فأخبروا الناس أنهم ما بُعثوا إلا ليُعبد الله وحده، كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وأخبروهم أن الله تعالى {لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وحين عرض الكفار على النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعبدوا الله سنة ويعبد هو آلهتهم سنة، أنزل الله -تعالى- سورة الكافرون الفاصلة بين الإيمان وأهله وبين الشرك وأهله؛ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [4/4] • فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)

[4/4]

• فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من أموال:


ثالثاً: تلصص التاجر والأسير بعد خلاصه والمقيم في دار الكفر ومن أسلم في دار الحرب

من ينظر في اختلاف أهل العلم في هذه المسألة يجد أن علة الخمس هو الغنم بالقوة وهذا شرط الغنيمة، واختلف أهل العلم بوصف القوة في العدد وإذن الإمام، أما غير ذلك فأخرجه أهل العلم من مسمى الغنيمة كالفيء وكالتلصص الذي اعتبروه كسباً مباحاً كالاصطياد والاحتطاب، وهو كتلصص التاجر والأسير بعد خلاصه وكالمسلم المقيم بين ظهراني الكفار وكمن أسلم بدار الحرب، أو ولد مسلما وأقام فيها، ودليل ذلك ما نقله الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره عن سالم بن أبي الجعد في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} قال: "نزلت في رجل من أشجع أصابه الجهد، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (اتقِ الله واصبر)، فرجع فوجد ابنا له كان أسيرا، قد فكه الله من أيديهم، وأصاب أعنزاً، فجاء، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل تطيبُ لي يا رسول الله؟ قال: (نعم)" [جامع البيان في تأويل القرآن].

فهذه الأعنز سلبها هذا الأسير المسلم من الكفار بعد خلاصه منهم فلم يخمسها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها حصلت خارج سلطان المسلمين في دار الحرب من غير قتال وبغير إذنه -صلى الله عليه وسلم- فلم يعتبرها غنيمة، ولذلك يشترط في أموال الاحتطاب أن تُسلب في دار الحرب وأن تكون بغير إذن الإمام، وهذا الحكم متحقق في التاجر إذا سلب المال في دار الحرب، قال الإمام البغوي رحمه الله: "ولو دخل دار الحرب، فأخذ من حربي شيئاً على جهة السوم، ثم جحد، وهرب فهو له خاصة، ولا يخمس" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

ونفس الحكم لمن أقام في دار الحرب ولم يؤمِّنهم، أو أسلم في دار الحرب وتلصص من الكفار لتحقق الشروط التي تحققت في من أخذ الأعنز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دليل لمن قال إن هذا المال المأخوذ من الكفار يخمس، قال ابن أبي زيد القيرواني: "قال سحنون: وإذا أسلم قوم بدار الحرب حل لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم" [النوادر والزيادات].

ويؤخذ مال الرجل والمرأة والطفل من الكفار على وجه الحيلة والتلصص لا فرق بينهم في ذلك.
وسنبحث في القسم الثاني من هذه المقالة -بإذن الله- مسألتي تقسيم الأموال التي تؤخذ من الكفار وأحكامها، والأمان الذي يعطيه المسلم للكفار وأحكامه، وسنرد -بإذن الله- على الشبهات التي أثارها علماء السوء ودعاة الضلال حول هذه القضية، والله الهادي إلى سواء السبيل.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [4/4] • فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)

[4/4]

• فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من أموال:


ثالثاً: تلصص التاجر والأسير بعد خلاصه والمقيم في دار الكفر ومن أسلم في دار الحرب

من ينظر في اختلاف أهل العلم في هذه المسألة يجد أن علة الخمس هو الغنم بالقوة وهذا شرط الغنيمة، واختلف أهل العلم بوصف القوة في العدد وإذن الإمام، أما غير ذلك فأخرجه أهل العلم من مسمى الغنيمة كالفيء وكالتلصص الذي اعتبروه كسباً مباحاً كالاصطياد والاحتطاب، وهو كتلصص التاجر والأسير بعد خلاصه وكالمسلم المقيم بين ظهراني الكفار وكمن أسلم بدار الحرب، أو ولد مسلما وأقام فيها، ودليل ذلك ما نقله الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره عن سالم بن أبي الجعد في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} قال: "نزلت في رجل من أشجع أصابه الجهد، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (اتقِ الله واصبر)، فرجع فوجد ابنا له كان أسيرا، قد فكه الله من أيديهم، وأصاب أعنزاً، فجاء، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل تطيبُ لي يا رسول الله؟ قال: (نعم)" [جامع البيان في تأويل القرآن].

فهذه الأعنز سلبها هذا الأسير المسلم من الكفار بعد خلاصه منهم فلم يخمسها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها حصلت خارج سلطان المسلمين في دار الحرب من غير قتال وبغير إذنه -صلى الله عليه وسلم- فلم يعتبرها غنيمة، ولذلك يشترط في أموال الاحتطاب أن تُسلب في دار الحرب وأن تكون بغير إذن الإمام، وهذا الحكم متحقق في التاجر إذا سلب المال في دار الحرب، قال الإمام البغوي رحمه الله: "ولو دخل دار الحرب، فأخذ من حربي شيئاً على جهة السوم، ثم جحد، وهرب فهو له خاصة، ولا يخمس" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

ونفس الحكم لمن أقام في دار الحرب ولم يؤمِّنهم، أو أسلم في دار الحرب وتلصص من الكفار لتحقق الشروط التي تحققت في من أخذ الأعنز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دليل لمن قال إن هذا المال المأخوذ من الكفار يخمس، قال ابن أبي زيد القيرواني: "قال سحنون: وإذا أسلم قوم بدار الحرب حل لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم" [النوادر والزيادات].

ويؤخذ مال الرجل والمرأة والطفل من الكفار على وجه الحيلة والتلصص لا فرق بينهم في ذلك.
وسنبحث في القسم الثاني من هذه المقالة -بإذن الله- مسألتي تقسيم الأموال التي تؤخذ من الكفار وأحكامها، والأمان الذي يعطيه المسلم للكفار وأحكامه، وسنرد -بإذن الله- على الشبهات التي أثارها علماء السوء ودعاة الضلال حول هذه القضية، والله الهادي إلى سواء السبيل.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [3/4] • فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)


[3/4]
• فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من أموال:

• الاحتطاب

يحصل التلصص بالإغارة بإذن الإمام وبدون إذنه، وبوجود المنعة وعدمها، وبغير إغارة كتلصص الأسير بعد خلاصه وكتلصص التاجر عن طريق السوم وجحد المال وكتلصص من أسلم في دار الحرب أو كان مسلما مقيما، وفي هذه الحالات يأتي التفصيل عن أهل العلم فيما يخمس أو لا يخمس.

أولاً: التلصص بالإغارة

اتفق الجمهور على تخميس الأموال التي يأخذها الواحد أو المجموعة من المسلمين الذين تحصل بهم القوة والمنعة سواء أغاروا على دار الحرب على وجه القوة والقهر أم على وجه الاحتيال، ولم يشترط الجمهور عدداً معيناً تحصل به القوة وذلك لعموم آية الخمس، قال الإمام البغوي الشافعي رحمه الله: "سواء قل عددهم أو كثر، فالخمس لأهل الخمس والباقي لهم، حتى لو دخل رجل واحد دار الحرب، فقاتل حربياً، وأخذ منه مالاً يخمس، والباقي بعد إفراز الخمس له" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

أما عند الأحناف، اشترط أبو يوسف تسعة فأكثر من المسلمين للتخميس لأن المنعة والقوة حاصلة بهم، وأما الإغارة من آحاد المسلمين فلا يرون فيها الخمس ويعدونها من الاكتساب المباح إلا إذا كان المغير على دار الحرب بإذن الإمام، لأنه معزز بقوة الإمام فحكمه حكم السرية.

والصحيح مذهب الجمهور أن الأموال تخمس إذا حصلت الإغارة بمجموعة غير محددة العدد، ويخرج من قول الجمهور فعل الواحد إذا كان أصلا في داخل دار الحرب ونوى التلصص فلا يخمس ماله، كمن أسلم بدار الحرب وكالأسير الناجي وكالتاجر الذي جحد مالا وهرب به.

ثانياً: الإغارة والتلصص بإذن الإمام وبغير إذنه
لم يفرق الجمهور بين إذن الإمام وعدمه وذهبوا إلى أن من خرج بإذن الإمام أو بدون إذنه وأخذ أموال الكفار فإن هذه الأموال تخمس، قال الإمام البغوي الشافعي رحمه الله: "ولو غزت طائفة بغير إذن الإمام يُكره لهم ذلك، لأنهم إذا خرجوا بإذنه يتفحص عن حالهم، ويُعينهم بالمدد، فإذا فعلوا دون إذنه، وغنموا يخمّس ما غنموا" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

قال أبو محمد الثعلبي البغدادي المالكي: "ومن دخل دار الحرب وحده متلصصاً فغنم، أُخذ منه الخمس، ولم يفصّل مالك بين دخوله بإذن الإمام أو بغير إذن" [عيون المسائل للقاضي عبد الوهاب المالكي].

وهذا مذهب الجمهور وهو أحد الروايات عن الإمام أحمد، قال ابن قدامة حاكيا رواية الإمام أحمد: "أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم، يخمسه الإمام، ويقسم باقيه بينهم. وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم الشافعي، لعموم قوله سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، الآية. والقياس على ما إذا دخلوا بإذن الإمام" [المغني].
أما الأحناف ففرقوا بين إذن الإمام وعدمه، قال أبو يوسف: "سألت أبا حنيفة، قلت: أرأيت الرجل والرجلين يخرجان من المدينة أو المصر فيغيران في أرض الحرب فيصيبان الغنائم هل يخمس ما أصاباه؟ قال: لا يخمس ما أصاباه، لأن هذين بمنزلة اللص فيما أصابا فهو لهما، قلت: فإن كان الإمام بعث رجلا طليعة من العسكر فأصاب غنيمة، هل يخمس تلك الغنيمة ويكون ما بقي بينه وبين أهل العسكر؟ قال: نعم، قلت: فمن أين اختلف هذا والرجلان؟ قال: لأن هذا بعثه الإمام من العسكر والعسكر ردء له، والرجلان الآخران لم يخرجا من العسكر، إنما خرجا من المصر أو المدينة متطوعين بغير إذن الإمام" [السير الصغير].

وهذا المذهب هو إحدى الروايات عن الإمام أحمد، قال ابن قدامة حاكيا الرواية الأخرى للإمام أحمد: "هو لهم من غير أن يخمس. وهو قول أبي حنيفة؛ لأنه اكتساب مباح من غير جهاد، فكان لهم أشبه بالاحتطاب، فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام، أو من طائفة لهم منعة وقوة، فأما هذا فتلصص وسرقة ومجرد اكتساب" [المغني].

وهناك مذهب ثالث وهو رواية عن الإمام أحمد أنه لا حق لهم فيه بل هو للمسلمين لأنهم عصاة بخروجهم بغير إذن الإمام، قال ابن قدامة: "قال أحمد، في عبد أبق إلى الروم، ثم رجع ومعه متاع: فالعبد لمولاه، وما معه من المتاع والمال فهو للمسلمين؛ لأنهم عصاة بفعلهم، فلم يكن لهم فيه حق" [المغني].

والصحيح هو مذهب الجمهور لأن الإغارة حاصلة بالقوة فتخمس الأموال لعموم آية الخمس ويكره الخروج من دار الإسلام للإغارة على دار الحرب بغير إذن الإمام فإذا منع الإمام الإغارة والتلصص فحينها تكون الإغارة بغير إذنه معصية.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [3/4] • فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)


[3/4]
• فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من أموال:

• الاحتطاب

يحصل التلصص بالإغارة بإذن الإمام وبدون إذنه، وبوجود المنعة وعدمها، وبغير إغارة كتلصص الأسير بعد خلاصه وكتلصص التاجر عن طريق السوم وجحد المال وكتلصص من أسلم في دار الحرب أو كان مسلما مقيما، وفي هذه الحالات يأتي التفصيل عن أهل العلم فيما يخمس أو لا يخمس.

أولاً: التلصص بالإغارة

اتفق الجمهور على تخميس الأموال التي يأخذها الواحد أو المجموعة من المسلمين الذين تحصل بهم القوة والمنعة سواء أغاروا على دار الحرب على وجه القوة والقهر أم على وجه الاحتيال، ولم يشترط الجمهور عدداً معيناً تحصل به القوة وذلك لعموم آية الخمس، قال الإمام البغوي الشافعي رحمه الله: "سواء قل عددهم أو كثر، فالخمس لأهل الخمس والباقي لهم، حتى لو دخل رجل واحد دار الحرب، فقاتل حربياً، وأخذ منه مالاً يخمس، والباقي بعد إفراز الخمس له" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

أما عند الأحناف، اشترط أبو يوسف تسعة فأكثر من المسلمين للتخميس لأن المنعة والقوة حاصلة بهم، وأما الإغارة من آحاد المسلمين فلا يرون فيها الخمس ويعدونها من الاكتساب المباح إلا إذا كان المغير على دار الحرب بإذن الإمام، لأنه معزز بقوة الإمام فحكمه حكم السرية.

والصحيح مذهب الجمهور أن الأموال تخمس إذا حصلت الإغارة بمجموعة غير محددة العدد، ويخرج من قول الجمهور فعل الواحد إذا كان أصلا في داخل دار الحرب ونوى التلصص فلا يخمس ماله، كمن أسلم بدار الحرب وكالأسير الناجي وكالتاجر الذي جحد مالا وهرب به.

ثانياً: الإغارة والتلصص بإذن الإمام وبغير إذنه
لم يفرق الجمهور بين إذن الإمام وعدمه وذهبوا إلى أن من خرج بإذن الإمام أو بدون إذنه وأخذ أموال الكفار فإن هذه الأموال تخمس، قال الإمام البغوي الشافعي رحمه الله: "ولو غزت طائفة بغير إذن الإمام يُكره لهم ذلك، لأنهم إذا خرجوا بإذنه يتفحص عن حالهم، ويُعينهم بالمدد، فإذا فعلوا دون إذنه، وغنموا يخمّس ما غنموا" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

قال أبو محمد الثعلبي البغدادي المالكي: "ومن دخل دار الحرب وحده متلصصاً فغنم، أُخذ منه الخمس، ولم يفصّل مالك بين دخوله بإذن الإمام أو بغير إذن" [عيون المسائل للقاضي عبد الوهاب المالكي].

وهذا مذهب الجمهور وهو أحد الروايات عن الإمام أحمد، قال ابن قدامة حاكيا رواية الإمام أحمد: "أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم، يخمسه الإمام، ويقسم باقيه بينهم. وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم الشافعي، لعموم قوله سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، الآية. والقياس على ما إذا دخلوا بإذن الإمام" [المغني].
أما الأحناف ففرقوا بين إذن الإمام وعدمه، قال أبو يوسف: "سألت أبا حنيفة، قلت: أرأيت الرجل والرجلين يخرجان من المدينة أو المصر فيغيران في أرض الحرب فيصيبان الغنائم هل يخمس ما أصاباه؟ قال: لا يخمس ما أصاباه، لأن هذين بمنزلة اللص فيما أصابا فهو لهما، قلت: فإن كان الإمام بعث رجلا طليعة من العسكر فأصاب غنيمة، هل يخمس تلك الغنيمة ويكون ما بقي بينه وبين أهل العسكر؟ قال: نعم، قلت: فمن أين اختلف هذا والرجلان؟ قال: لأن هذا بعثه الإمام من العسكر والعسكر ردء له، والرجلان الآخران لم يخرجا من العسكر، إنما خرجا من المصر أو المدينة متطوعين بغير إذن الإمام" [السير الصغير].

وهذا المذهب هو إحدى الروايات عن الإمام أحمد، قال ابن قدامة حاكيا الرواية الأخرى للإمام أحمد: "هو لهم من غير أن يخمس. وهو قول أبي حنيفة؛ لأنه اكتساب مباح من غير جهاد، فكان لهم أشبه بالاحتطاب، فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام، أو من طائفة لهم منعة وقوة، فأما هذا فتلصص وسرقة ومجرد اكتساب" [المغني].

وهناك مذهب ثالث وهو رواية عن الإمام أحمد أنه لا حق لهم فيه بل هو للمسلمين لأنهم عصاة بخروجهم بغير إذن الإمام، قال ابن قدامة: "قال أحمد، في عبد أبق إلى الروم، ثم رجع ومعه متاع: فالعبد لمولاه، وما معه من المتاع والمال فهو للمسلمين؛ لأنهم عصاة بفعلهم، فلم يكن لهم فيه حق" [المغني].

والصحيح هو مذهب الجمهور لأن الإغارة حاصلة بالقوة فتخمس الأموال لعموم آية الخمس ويكره الخروج من دار الإسلام للإغارة على دار الحرب بغير إذن الإمام فإذا منع الإمام الإغارة والتلصص فحينها تكون الإغارة بغير إذنه معصية.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [2/4] • الكافر الحربي حلال الدم والمال الأصل ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)


[2/4]

• الكافر الحربي حلال الدم والمال

الأصل في دماء وأموال أهل الحرب عدم العصمة، وقد أجمع أهل العلم على أن حكم الله في الكفار الحربيين أنه لا عصمة لدمائهم ولا لأموالهم، بل هما مباحان وحلال للمسلمين.

قال الإمام ابن تيمية، رحمه الله: "والكفر مع المحاربة موجود في كل كافر فجاز استرقاقه كما يجوز قتاله" [مجموع الفتاوى].

وإن الكفار الحربيين في اصطلاح الفقهاء غير محصورين في الكفار الذين بينهم وبين المسلمين حربٌ قائمة وقتال، بل هم الكفار الذين لم يؤمِّنهم أهل الإسلام بميثاق من ذمة أو أمان أو هدنة، سواءً كانوا من المقاتلين أو غيرهم من سائر الكفار، فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، وهذا الحكم يشمل المشركين في كل مكان، قال الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5]، وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}
[التوبة: 11]، فسبب إباحة دمائهم هو الشرك، فإن تابوا من الشرك عُصمت دماؤهم، قال ابن قدامة: "ولا قصاص على قاتلِ حربيٍّ، لقول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، ولا على قاتلِ مرتدٍ كذلك، ولأنه مباح الدم، أشبه الحربي" [الكافي في فقه الإمام أحمد].

وفي السنة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) [متفق عليه].
فإن دماء الكافرين وأموالهم تعصم بالدخول في الإسلام.

قال الإمام الطبري رحمه الله: "وفي إجماع الجميع على أن حكم الله في أهل الحرب من المشركين قتلُهم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

قال الإمام الشافعي -رحمه الله- فيما يعصم دم الكفار: "وأباح الله -تعالى- دم الكافر وماله إلا بأن يؤدي الجزية أو يستأمن إلى مدة" [الأم].
وقال -رحمه الله- في المعاهَد أيضا: "والعهد الذي وصفت على الأبد إنما هو إلى مدة إلى المعاهد نفسه، ما استقام بها كانت له، فإذا نزع عنها كان محاربا حلال الدم والمال" [الأم].

• دار الكفر دار إباحة

إن دار الحرب أو دار الكفر هي دار إباحة وذلك لما أسلفنا من الأدلة في أن الشرك بالله -تعالى- يبيح المال والدم، فدماء وأموال الكفار حلال للمسلمين.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله- في كتابه "الأم": "الدار مباحة لأنها دار شرك".

وقال الجصاص الحنفي: "ما كان في دار الحرب فليس بملك صحيح لأنها دار إباحة وأملاك أهلها مباحة" [أحكام القرآن].

وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: "قال سحنون: وإذا أسلم قوم بدار الحرب حلَّ لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم" [النوادر والزيادات].


• أموال الكفار إما مال غنيمة أو مال فيء أو مال احتطاب

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:"فأما الغنيمة فهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال" [مجموع الفتاوى].

وقد أحلَّ الله الغنيمة للمسلمين فقال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69].

وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي؛ نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلتْ لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأُحلتْ لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطيتُ الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس عامة).

أما الفيء: "فهو ما أُخذ من الكفار بغير قتال" [مجموع الفتاوى].

قال الله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6].
وأما الاحتطاب أو التلصص فهو سلب أموال الكفار على وجه الختل والاحتيال، وهو مال مباح إذا لم يصرح لهم بالتأمين، ولا يوجد خلاف معتبر بين أهل العلم من حيث الجملة في إباحته، ولكنهم اختلفوا في كونه غنيمةً يخمس أو اكتساباً مباحاً يكون لآخذه خاصة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [2/4] • الكافر الحربي حلال الدم والمال الأصل ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)


[2/4]

• الكافر الحربي حلال الدم والمال

الأصل في دماء وأموال أهل الحرب عدم العصمة، وقد أجمع أهل العلم على أن حكم الله في الكفار الحربيين أنه لا عصمة لدمائهم ولا لأموالهم، بل هما مباحان وحلال للمسلمين.

قال الإمام ابن تيمية، رحمه الله: "والكفر مع المحاربة موجود في كل كافر فجاز استرقاقه كما يجوز قتاله" [مجموع الفتاوى].

وإن الكفار الحربيين في اصطلاح الفقهاء غير محصورين في الكفار الذين بينهم وبين المسلمين حربٌ قائمة وقتال، بل هم الكفار الذين لم يؤمِّنهم أهل الإسلام بميثاق من ذمة أو أمان أو هدنة، سواءً كانوا من المقاتلين أو غيرهم من سائر الكفار، فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، وهذا الحكم يشمل المشركين في كل مكان، قال الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5]، وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}
[التوبة: 11]، فسبب إباحة دمائهم هو الشرك، فإن تابوا من الشرك عُصمت دماؤهم، قال ابن قدامة: "ولا قصاص على قاتلِ حربيٍّ، لقول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، ولا على قاتلِ مرتدٍ كذلك، ولأنه مباح الدم، أشبه الحربي" [الكافي في فقه الإمام أحمد].

وفي السنة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) [متفق عليه].
فإن دماء الكافرين وأموالهم تعصم بالدخول في الإسلام.

قال الإمام الطبري رحمه الله: "وفي إجماع الجميع على أن حكم الله في أهل الحرب من المشركين قتلُهم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

قال الإمام الشافعي -رحمه الله- فيما يعصم دم الكفار: "وأباح الله -تعالى- دم الكافر وماله إلا بأن يؤدي الجزية أو يستأمن إلى مدة" [الأم].
وقال -رحمه الله- في المعاهَد أيضا: "والعهد الذي وصفت على الأبد إنما هو إلى مدة إلى المعاهد نفسه، ما استقام بها كانت له، فإذا نزع عنها كان محاربا حلال الدم والمال" [الأم].

• دار الكفر دار إباحة

إن دار الحرب أو دار الكفر هي دار إباحة وذلك لما أسلفنا من الأدلة في أن الشرك بالله -تعالى- يبيح المال والدم، فدماء وأموال الكفار حلال للمسلمين.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله- في كتابه "الأم": "الدار مباحة لأنها دار شرك".

وقال الجصاص الحنفي: "ما كان في دار الحرب فليس بملك صحيح لأنها دار إباحة وأملاك أهلها مباحة" [أحكام القرآن].

وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: "قال سحنون: وإذا أسلم قوم بدار الحرب حلَّ لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم" [النوادر والزيادات].


• أموال الكفار إما مال غنيمة أو مال فيء أو مال احتطاب

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:"فأما الغنيمة فهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال" [مجموع الفتاوى].

وقد أحلَّ الله الغنيمة للمسلمين فقال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69].

وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي؛ نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلتْ لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأُحلتْ لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطيتُ الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس عامة).

أما الفيء: "فهو ما أُخذ من الكفار بغير قتال" [مجموع الفتاوى].

قال الله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6].
وأما الاحتطاب أو التلصص فهو سلب أموال الكفار على وجه الختل والاحتيال، وهو مال مباح إذا لم يصرح لهم بالتأمين، ولا يوجد خلاف معتبر بين أهل العلم من حيث الجملة في إباحته، ولكنهم اختلفوا في كونه غنيمةً يخمس أو اكتساباً مباحاً يكون لآخذه خاصة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [1/4] الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)

[1/4]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين. أما بعد...
فلقد عمد الدجالون من علماء السلاطين على تحريف فقه الجهاد كما حرفوا التوحيد الذي جاء به الأنبياء والمرسلون، فجعلوا أهل الكتاب والمجوس والمشـركين إخوةً للمسلمين وأولياء بزعمهم، وقاربوا بين الأديان ووحدوا الملل فعصموا دماءهم وأموالهم بفتاواهم وكتاباتهم، وحالهم كحال اليهود الذين قال تعالى فيهم: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٦]، وقد كانت مسائل قتل الكفار في ديارهم غيلة أو أخذ أموالهم تلصصاً وخفية من المسائل الشائعة عند الفقهاء، إلا أن هؤلاء الطواغيت روجوا لفقه الانبطاح وسعوا بمكرهم لمَحْوِها من دين الإسلام واستبدال منهج الذل والتبعية للكفار بها، وتطويع الناس لما يقررونه من دين جديد، الذي من أصوله "التعايش بين الأديان" وترسيخ "مبادئ السلام" وكف اليد وتعطيل الجهاد.

فأصبحتَ تجد كثيرا من المنتسبين للإسلام والعلم يكادون أن يجتمعوا على تحريم أمر قد أجمعت الأمة سابقا على جوازه، ولا غرابة في ذلك إذا تأمّلنا قول أنس بن مالك -رضي الله عنه- عندما دخل عليه الزهري بدمشق، فقال له الزهري: (ما يبكيك؟) فقال: (لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعت) [رواه البخاري].
فكيف لو أدرك زماننا الذي طُمست فيه أحكام واضحة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع السلف؟ ومن هذه الأحكام التي طُمِست حكم دماء وأموال الكفار الحربيين، وأنه لا عصمة لها إلا بإيمان أو عهد معتبر شرعا، فيجوز للمسلم أن يسفك دماءهم ويأخذ من أموالهم ما يشاء تأسيًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام، رضوان الله عليهم.

فتجد علماء السوء ودعاة الضلالة اليوم يتهمون الموحدين بتشويه صورة الإسلام ويعيبون عليهم أفعالا هي عينها أفعال الصحابة الكرام، أمثال أبي بصير وأبي جندل، رضي الله عنهما، وفي المقابل لا تسمع لهم كلمة عندما ينهب أسيادهم من طواغيت الشرق والغرب أموال المسلمين.

ولقد أخذت الدولة الإسلامية على عاتقها أن تجاهد أعداء هذا الدين من الكفار والمرتدين، بالسيف والسنان وبالحجة والبيان حتى يكون الدين كله لله وحتى يرجع للمسلمين دينهم نقيا صافيا كما كان، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39].

وسنُبين في هذه المقالة حكم أموال الكفار الحربيين في ديارهم، وأن المأخوذ منها قد يأخذ أحكام الغنيمة، أو الفيء، أو التلصص والاحتطاب، كما سنذكر أقوال بعض أهل العلم في هذا الموضوع، وسنردُّ في القسم الثاني منها على بعض شبهات المخالفين ونذكر فيه بعضا من فوائد أخذ مالهم في إطار الحرب الشاملة بين دولة الخلافة وأمم الكفر جمعاء، إن شاء الله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [1/4] الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)

[1/4]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين. أما بعد...
فلقد عمد الدجالون من علماء السلاطين على تحريف فقه الجهاد كما حرفوا التوحيد الذي جاء به الأنبياء والمرسلون، فجعلوا أهل الكتاب والمجوس والمشـركين إخوةً للمسلمين وأولياء بزعمهم، وقاربوا بين الأديان ووحدوا الملل فعصموا دماءهم وأموالهم بفتاواهم وكتاباتهم، وحالهم كحال اليهود الذين قال تعالى فيهم: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٦]، وقد كانت مسائل قتل الكفار في ديارهم غيلة أو أخذ أموالهم تلصصاً وخفية من المسائل الشائعة عند الفقهاء، إلا أن هؤلاء الطواغيت روجوا لفقه الانبطاح وسعوا بمكرهم لمَحْوِها من دين الإسلام واستبدال منهج الذل والتبعية للكفار بها، وتطويع الناس لما يقررونه من دين جديد، الذي من أصوله "التعايش بين الأديان" وترسيخ "مبادئ السلام" وكف اليد وتعطيل الجهاد.

فأصبحتَ تجد كثيرا من المنتسبين للإسلام والعلم يكادون أن يجتمعوا على تحريم أمر قد أجمعت الأمة سابقا على جوازه، ولا غرابة في ذلك إذا تأمّلنا قول أنس بن مالك -رضي الله عنه- عندما دخل عليه الزهري بدمشق، فقال له الزهري: (ما يبكيك؟) فقال: (لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعت) [رواه البخاري].
فكيف لو أدرك زماننا الذي طُمست فيه أحكام واضحة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع السلف؟ ومن هذه الأحكام التي طُمِست حكم دماء وأموال الكفار الحربيين، وأنه لا عصمة لها إلا بإيمان أو عهد معتبر شرعا، فيجوز للمسلم أن يسفك دماءهم ويأخذ من أموالهم ما يشاء تأسيًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام، رضوان الله عليهم.

فتجد علماء السوء ودعاة الضلالة اليوم يتهمون الموحدين بتشويه صورة الإسلام ويعيبون عليهم أفعالا هي عينها أفعال الصحابة الكرام، أمثال أبي بصير وأبي جندل، رضي الله عنهما، وفي المقابل لا تسمع لهم كلمة عندما ينهب أسيادهم من طواغيت الشرق والغرب أموال المسلمين.

ولقد أخذت الدولة الإسلامية على عاتقها أن تجاهد أعداء هذا الدين من الكفار والمرتدين، بالسيف والسنان وبالحجة والبيان حتى يكون الدين كله لله وحتى يرجع للمسلمين دينهم نقيا صافيا كما كان، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39].

وسنُبين في هذه المقالة حكم أموال الكفار الحربيين في ديارهم، وأن المأخوذ منها قد يأخذ أحكام الغنيمة، أو الفيء، أو التلصص والاحتطاب، كما سنذكر أقوال بعض أهل العلم في هذا الموضوع، وسنردُّ في القسم الثاني منها على بعض شبهات المخالفين ونذكر فيه بعضا من فوائد أخذ مالهم في إطار الحرب الشاملة بين دولة الخلافة وأمم الكفر جمعاء، إن شاء الله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

إن في خلق السماوات والأرض لآيات • نكدح في حياة أوجدها الله لأمر عظيم، وخلق السماوات والأرض ...

إن في خلق السماوات والأرض لآيات


• نكدح في حياة أوجدها الله لأمر عظيم، وخلق السماوات والأرض وسخر الشجر والدواب من أجله، ألا وهو الإيمان بالخالق وتوحيده، وتعظيمه حق تعظيمه.

وقد أنزل الله القرآن هدى للناس يبيِّن لهم طريق السلامة، الذي يُسلِّمهم من النار ويُسلِمهم لجنة فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذّ الأعين.

وإن من يقرأ القرآن يطوف بفكره آفاق السماء وجنبات الأرض، ويقف على النبات والزروع والدواب، ويسمو بنظره فيرى النجوم، يتأمل لينظر إلى عِظم الخالق وحسن صنعه، ويعرف بعد كل ذلك أنه -سبحانه- يستحق أن نَذل له ونعظِّمه ونتبع شرعه، يستحق أن نعبده بكل جوارحنا، وفي كل أوقاتنا، وفي كل حركاتنا وسكناتنا، ولا نلتفت لمن يصرف العبادة لغيره من الأصنام والقبور والقوانين، وغيرها من الطواغيت، ونأنف أن نلتجئ لغني أو نخاف من جبار أو ننكسر لعبد.

ومنهج القرآن في التفكُّر لا شك أنه منهج عظيم، إذ غايته الوصول إلى تعظيم الله، ونظير ذلك أنك لو وقفت على آلة معقدة أُحسن صنعُها وترتيبها، وجُوِّدت مداخلها ومخارجها، أو بناء عظيم فيه من الإتقان والتفاصيل المثيرة شيء كثير، لعجبت من ذلك وعرفت به مقام صانعه، والله أجلّ وأعظم وله المثل الأعلى.

أمرنا الله بالنظر في خلقه وشكره على أنعُمه
والحديث عن الكون وآياته مثير طويل مشوق، يستفز المشاعر ويصوِّب الفكر، والنظر فيه من الذكرى التي تنفع المؤمنين، وهم مأمورون به، كما قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]، وقال {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]، وقال: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، فنريد أن نستعرض بشكل مختصر بعض هذه الآيات، تِبيانا للجاهل وتذكيرا للغافل وإيقاظا للمتجاهل، عسى الله أن يشرح صدورنا لذلك.

قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، كيف أوجدناه، وأنزلنا المطر لإنباته، وشققنا الأرض لاحتوائه، ثم يسرنا قطفه واستخلاصه، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 25 - 31]، ولم نجعله نوعا واحدا بل أنواعا مختلفة لكلٍّ فيها ما يشتهيه، فكانت: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 32] وذكر الله قبل هذه الآيات أن الإنسان كفور لا يعظِّم من أنعم عليه: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَہُ} [عبس: 17 - 19] فهو خُلق من نطفة فقدَّره وسوَّاه بشرا سويا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة، كما ذكر مبدأ ابن آدم وأنه {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1].

عن بُسر بن جِحاش القرشي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بزق يوما في كفه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال: (قال الله: ابن آدم! أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعتَ ومنعتَ، حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتَصَدَّقُ! وأنى أوان الصدقة؟!) [رواه أحمد].

ثم أتم الله -تعالى- القول: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 20 - 23]، فالله -سبحانه- هو المدبّر الذي يدبر الأمور بحكمته، فهو الرب القادر على التدبير لا رب سواه، ولا يقدر أحد أن يقوم بأفعال الربوبية من الخلق والرزق والتدبير ومع هذه القدرة والتدبير التي تدل على عظمة الخالق فإن الإنسان لا يمتثل أوامر الله ونواهيه ولا يقوم بما فرضه الله عليه.

فهذه الفواكه المتنوعة من تمر وعنب وزيتون وتفاح وغيرها كثير، نعمةٌ من نعمٍ ومظهرٌ من مظاهرَ كثيرة لتنظيم الله هذا الخلق الهائل وترتيبه وجعل بعضه يخدم بعضا، وليست هذه النعم مجرد شهوات نشتهيها ومُتع نتمتع بها، بل الأمر أعظم يا عبد الله، فكن ممن ينظر ويعتبر، ولا تكن غافلا عن آيات الله فتكون من الخاسرين الخائبين الكافرين لأنعمه سبحانه، وامش بين الناس بعينٍ بصيرةٍ لا بعينٍ غافلةٍ، فالبصيرة بأن تنظر من حولك، كيف قدَّر الله لنا هذه النباتات نقتات منها، وأنها لم تأتِ عبثا، بل سخر الله الغيث وسخر لنا الأرض ومياهها، ويسَّر لنا حفرَها وتوثيق بنيانها، وإخراج الماء من بطن الأرض لنسقي به هذا الذي نأكله؟!

ليس هذا فحسب، بل يسر لنا تقطيعه بالأسنان ثم بالمعدة ثم عصره في الأمعاء، لنستخرج منه ما يقوينا، وما يداوينا، ثم لم يحبس ما فضل منها داخل أجسامنا، بل يسَّر إخراجه، كل ذلك بتقدير العليم الخبير.
إن نظرت لهذه المألوفات نظر بصيرة أورثك ذلك تعظيم المُقدِّر، ثم أورثك شكره بالقلب واللسان والجوارح. وإن نظرت إليها نظر غافل، لم ترع لله حقا، وكنت كالجاحد الذي جحد نعمة من ينعِم عليه، أرأيت لو أن ولدا عق أباه بعد أن سعى في تربيته وتنعيمه بقدر ما يستطيع، ألا يعدُّه الناس خسيس الطبع؟ فكذا من لا يشكر الله على نعمه، ولله المثل الأعلى.

• تسخير الله للكون إصلاحاً لحياة بني آدم

خلق الله الكون وسخره لبني آدم وقدره لتصلُح به حياتهم: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23].
وإذا تلونا مطلع سورة الزخرف تبين لنا عظم تقصير بني آدم في حق الله عز وجل، قال -تعالى- إخبارا عن سنَّته مع بني آدم في تذكيرهم بحقه عليهم في عبادته: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ} [الزخرف: 6]، ويكون حال بني آدم مع هؤلاء الرسل: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزخرف: 7]، ثم يذكر -تعالى- أن الرسول لو سأل هؤلاء المشركين: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9]، فإذا كانوا معترفين بأفعال الربوبية لله -سبحانه- كالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة فمن العجب من هؤلاء أن يشركوا به من لا يخلق ولا يدبر الأمر من رزق وغيره ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا!

ثم ذكر الله نعمه على عباده: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [الزخرف: 10]، أي صالحة للعيش وذلَّلها لندرك منها كل ما تعلقت به حاجاتنا من غرس وبناء وحرث، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف: 10]، أي جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة نعبر إلى ما وراءها من الأقطار النائية والبلدان الشاسعة.

ثم واصل ذكر بعض النعم: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الزخرف: 11]؛ أنزل الماء بقدر الحاجة لا يزيد فيفسِد ولا ينقص فتُجدب، فتغاث به الأرض ويخرج به النبات وتحيا البلاد وتنشر من الموت، ثم ذكَّرنا أن حالنا في الآخرة كحال هذه الأرض بعد نزول الغيث: {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف: 11].

وقال بعد ذلك: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 12 - 14].

والمراد بيانه من كل هذه الآيات أن الرب -سبحانه وتعالى- الموصوف بإفاضة النعم على خلقه هو المستحق للعبادة وأن الشرك من أعظم الظلم في حقه، فقال الله مستنكرا على بني آدم بعد ذكر هذه النعم: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} [الزخرف: 15]، وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] فلا تكن يا عبد الله ممن وصف الله حالهم مع كثرة نعمه عليهم، فتدبر آيات الله حتى تكون من الشاكرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة الصحيفة وللأعداد الجديدة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

إن في خلق السماوات والأرض لآيات • نكدح في حياة أوجدها الله لأمر عظيم، وخلق السماوات والأرض ...

إن في خلق السماوات والأرض لآيات


• نكدح في حياة أوجدها الله لأمر عظيم، وخلق السماوات والأرض وسخر الشجر والدواب من أجله، ألا وهو الإيمان بالخالق وتوحيده، وتعظيمه حق تعظيمه.

وقد أنزل الله القرآن هدى للناس يبيِّن لهم طريق السلامة، الذي يُسلِّمهم من النار ويُسلِمهم لجنة فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذّ الأعين.

وإن من يقرأ القرآن يطوف بفكره آفاق السماء وجنبات الأرض، ويقف على النبات والزروع والدواب، ويسمو بنظره فيرى النجوم، يتأمل لينظر إلى عِظم الخالق وحسن صنعه، ويعرف بعد كل ذلك أنه -سبحانه- يستحق أن نَذل له ونعظِّمه ونتبع شرعه، يستحق أن نعبده بكل جوارحنا، وفي كل أوقاتنا، وفي كل حركاتنا وسكناتنا، ولا نلتفت لمن يصرف العبادة لغيره من الأصنام والقبور والقوانين، وغيرها من الطواغيت، ونأنف أن نلتجئ لغني أو نخاف من جبار أو ننكسر لعبد.

ومنهج القرآن في التفكُّر لا شك أنه منهج عظيم، إذ غايته الوصول إلى تعظيم الله، ونظير ذلك أنك لو وقفت على آلة معقدة أُحسن صنعُها وترتيبها، وجُوِّدت مداخلها ومخارجها، أو بناء عظيم فيه من الإتقان والتفاصيل المثيرة شيء كثير، لعجبت من ذلك وعرفت به مقام صانعه، والله أجلّ وأعظم وله المثل الأعلى.
أمرنا الله بالنظر في خلقه وشكره على أنعُمه
والحديث عن الكون وآياته مثير طويل مشوق، يستفز المشاعر ويصوِّب الفكر، والنظر فيه من الذكرى التي تنفع المؤمنين، وهم مأمورون به، كما قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]، وقال {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]، وقال: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، فنريد أن نستعرض بشكل مختصر بعض هذه الآيات، تِبيانا للجاهل وتذكيرا للغافل وإيقاظا للمتجاهل، عسى الله أن يشرح صدورنا لذلك.

قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، كيف أوجدناه، وأنزلنا المطر لإنباته، وشققنا الأرض لاحتوائه، ثم يسرنا قطفه واستخلاصه، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 25 - 31]، ولم نجعله نوعا واحدا بل أنواعا مختلفة لكلٍّ فيها ما يشتهيه، فكانت: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 32] وذكر الله قبل هذه الآيات أن الإنسان كفور لا يعظِّم من أنعم عليه: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَہُ} [عبس: 17 - 19] فهو خُلق من نطفة فقدَّره وسوَّاه بشرا سويا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة، كما ذكر مبدأ ابن آدم وأنه {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1].

عن بُسر بن جِحاش القرشي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بزق يوما في كفه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال: (قال الله: ابن آدم! أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعتَ ومنعتَ، حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتَصَدَّقُ! وأنى أوان الصدقة؟!) [رواه أحمد].

ثم أتم الله -تعالى- القول: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 20 - 23]، فالله -سبحانه- هو المدبّر الذي يدبر الأمور بحكمته، فهو الرب القادر على التدبير لا رب سواه، ولا يقدر أحد أن يقوم بأفعال الربوبية من الخلق والرزق والتدبير ومع هذه القدرة والتدبير التي تدل على عظمة الخالق فإن الإنسان لا يمتثل أوامر الله ونواهيه ولا يقوم بما فرضه الله عليه.

فهذه الفواكه المتنوعة من تمر وعنب وزيتون وتفاح وغيرها كثير، نعمةٌ من نعمٍ ومظهرٌ من مظاهرَ كثيرة لتنظيم الله هذا الخلق الهائل وترتيبه وجعل بعضه يخدم بعضا، وليست هذه النعم مجرد شهوات نشتهيها ومُتع نتمتع بها، بل الأمر أعظم يا عبد الله، فكن ممن ينظر ويعتبر، ولا تكن غافلا عن آيات الله فتكون من الخاسرين الخائبين الكافرين لأنعمه سبحانه، وامش بين الناس بعينٍ بصيرةٍ لا بعينٍ غافلةٍ، فالبصيرة بأن تنظر من حولك، كيف قدَّر الله لنا هذه النباتات نقتات منها، وأنها لم تأتِ عبثا، بل سخر الله الغيث وسخر لنا الأرض ومياهها، ويسَّر لنا حفرَها وتوثيق بنيانها، وإخراج الماء من بطن الأرض لنسقي به هذا الذي نأكله؟!

ليس هذا فحسب، بل يسر لنا تقطيعه بالأسنان ثم بالمعدة ثم عصره في الأمعاء، لنستخرج منه ما يقوينا، وما يداوينا، ثم لم يحبس ما فضل منها داخل أجسامنا، بل يسَّر إخراجه، كل ذلك بتقدير العليم الخبير.
إن نظرت لهذه المألوفات نظر بصيرة أورثك ذلك تعظيم المُقدِّر، ثم أورثك شكره بالقلب واللسان والجوارح. وإن نظرت إليها نظر غافل، لم ترع لله حقا، وكنت كالجاحد الذي جحد نعمة من ينعِم عليه، أرأيت لو أن ولدا عق أباه بعد أن سعى في تربيته وتنعيمه بقدر ما يستطيع، ألا يعدُّه الناس خسيس الطبع؟ فكذا من لا يشكر الله على نعمه، ولله المثل الأعلى.
• تسخير الله للكون إصلاحاً لحياة بني آدم

خلق الله الكون وسخره لبني آدم وقدره لتصلُح به حياتهم: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23].
وإذا تلونا مطلع سورة الزخرف تبين لنا عظم تقصير بني آدم في حق الله عز وجل، قال -تعالى- إخبارا عن سنَّته مع بني آدم في تذكيرهم بحقه عليهم في عبادته: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ} [الزخرف: 6]، ويكون حال بني آدم مع هؤلاء الرسل: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزخرف: 7]، ثم يذكر -تعالى- أن الرسول لو سأل هؤلاء المشركين: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9]، فإذا كانوا معترفين بأفعال الربوبية لله -سبحانه- كالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة فمن العجب من هؤلاء أن يشركوا به من لا يخلق ولا يدبر الأمر من رزق وغيره ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا!

ثم ذكر الله نعمه على عباده: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [الزخرف: 10]، أي صالحة للعيش وذلَّلها لندرك منها كل ما تعلقت به حاجاتنا من غرس وبناء وحرث، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف: 10]، أي جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة نعبر إلى ما وراءها من الأقطار النائية والبلدان الشاسعة.

ثم واصل ذكر بعض النعم: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الزخرف: 11]؛ أنزل الماء بقدر الحاجة لا يزيد فيفسِد ولا ينقص فتُجدب، فتغاث به الأرض ويخرج به النبات وتحيا البلاد وتنشر من الموت، ثم ذكَّرنا أن حالنا في الآخرة كحال هذه الأرض بعد نزول الغيث: {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف: 11].

وقال بعد ذلك: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 12 - 14].

والمراد بيانه من كل هذه الآيات أن الرب -سبحانه وتعالى- الموصوف بإفاضة النعم على خلقه هو المستحق للعبادة وأن الشرك من أعظم الظلم في حقه، فقال الله مستنكرا على بني آدم بعد ذكر هذه النعم: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} [الزخرف: 15]، وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] فلا تكن يا عبد الله ممن وصف الله حالهم مع كثرة نعمه عليهم، فتدبر آيات الله حتى تكون من الشاكرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة الصحيفة وللأعداد الجديدة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

6/6

• بعد المال.. بذل النفس في سبيل الله

أثناء هجوم جنود الدولة الإسلامية لفك الحصار عن غوطة دمشق، والذي استهدف مطاري السين والضمير، ومدينة الضمير، ومنطقة المحطة الحرارية، وغيرها من المواقع، والذي توقف بسبب اتفاق الصحوات المرتدة في القلمون الشرقي مع الجيش النصيري على عرقلته، واستهدافهم طرق إمداد المجاهدين في المنطقة، كان أبو مجاهد يقتحم مع إخوانه منطقة المحطة الحرارية جنوب شرقي دمشق، وأثناء الاشتباكات استهدفت دبابة للجيش النصيري موقعهم، فأُصيب إصابات بالغة في رأسه ويده، وغاب عن الوعي، فلما أفاق وجد أنه قد فقد يده اليمنى التي بترتها القذيفة المنفجرة أمام وجهه، فنُقل إلى الخطوط الخلفية للعلاج، ونجّاه الله تعالى- من القتل في هذه الحادثة.

لم تكن خسارته ليده، لتقعده عن الجهاد في سبيل الله، ولا لتصده عن البذل طلبا لمرضاته نحسبه كذلك، بل قضى فترة نقاهته وهو يترقب العودة إلى ساحات القتال، واعتذر من إخوانه عن تولي أيّة أعمال إدارية تناسب حالته الصحية الجديدة، مصرّا على الخروج إلى المعارك من جديد فور قدرته على ذلك، واستبدل لهذا الأمر ببندقيته الروسية، أخرى أمريكية خفيفة الوزن، صغيرة الحجم، كي يستطيع القتال بها بيد واحدة.

بلغه أن إخوانه يعدّون العدة للهجوم على مواقع الصحوات المرتدة في القلمون الشرقي، فأعد للخروج العدة على عجل، وسافر ملتحقا بكتيبته، دون أن يخبر أحدا من أصدقائه مخافة أن يتمسكوا به ويأخِّروه عن الغزوة، متعللين بسوء صحته، أو بحاجتهم إليه في عمل ما.

كان جنود الدولة الإسلامية ينكلون بالمرتدين، ويسيطرون على مواقعهم في جبال البتراء في تلك الفترة، ويتقدمون باتجاه معاقلهم في قلب القلمون الشرقي، عندما وصلهم أبو مجاهد، وانطلق إلى خط القتال، رافضا البقاء في المواقع الخلفية للمجاهدين، وصاحبه في ذلك أخ مهاجر آخر، هو أبو إحسان، من جنوب فرنسا، تعرّف عليه في ساحات القتال، وتآلفت أرواحهما، كما تشابهت طباعهما، فمن عرف أبا إحسان، كان يصفه بالأوصاف ذاتها التي اتصف بها أبو مجاهد، من شجاعة، ومروءة، وحرص على إعانة المسلمين، وبذل كل ما يملك نصرة للدين، وسعيا لإرضاء رب العالمين.

وكعادته في التأهب، وأخذ الحيطة، رفض أبو مجاهد أن يسلك طريقا سلكه بقية المجاهدين، مكشوفا للعدو، يستهدفونه بالأسلحة الثقيلة والقناصات، مفضلا سلوك طريق آخر، أكثر وعورة، ولكنه مستور عن أعين المرتدين، فوصل إلى خط المجاهدين الأول، حيث كانت مجموعة من المجاهدين تستهدف المرتدين بطلقات رشاش ثقيل منصوب على سيارتهم التي وقفت في أعلى تلة، استتر خلفها أبو مجاهد ورفيقه أبو إحسان فور وصولهما إلى الموقع.

حاول المرتدون استهداف سيارة المجاهدين التي تطلق النار عليهم بصاروخ موجه أطلقوه عليها، وأخطأ الرامي توجيهه إلى الهدف، فسقط الصاروخ خلف التلة التي انتصبت السيارة في قمتها.

وقع الصاروخ الذي أخطأ هدفه بين أقدام أبي مجاهد وأبي إحسان، وانفجر لتمزق شظاياه أجسادهما، ويقتلا على الفور، تقبلهما الله.

وصل الخبر إلى أهل أبي مجاهد وإخوانه، فبشروا إخوانهم في فرنسا، سائلين الله له الشهادة، وبلغ الخبر المخابرات الفرنسية، فأعلنت لوسائل الإعلام الفرنسية أن أبا مجاهد -تقبله الله- قُتل بقصف جوي نفذته طائرات فرنسية، أثناء تحضيره لهجمات جديدة ضد الصليبيين في فرنسا.

قُتل أبو مجاهد تقبله الله، ونحسبه ولا نزكي على الله أحدا أنه نال ما تمنى وصدق فيما عاهد الله عليه، وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله تعالى، وتاجر مع الله التجارة الرابحة، ونسأله -تعالى- أن يكون ممن فاز فيها الفوز العظيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
11 رجب 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً