الأحدث إضافة

واقعة الباب لقد بات ثابتا لدى الجميع أن التعاون بين الطاغوت الجولاني والصليبيين في الحرب على ...

واقعة الباب

لقد بات ثابتا لدى الجميع أن التعاون بين الطاغوت الجولاني والصليبيين في الحرب على الإسلام ليس جديدا، غير أنه هذه المرة جاء أكثر وضوحا ورسوخا في "تحقيق مناط الردة" لأولئك الذين ما زالوا يفرون من تحقيقه ويتعامون عن تحقّقه منذ زمن، فما جرى في "واقعة الباب" مظاهرة ومعاونة وموالاة صريحة للمشركين على المسلمين، وهي مناط كفر وردة وناقض من نواقض الدين، كما قال ابن حزم في المحلى: "وصحّ أن قول الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين". اهـ.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [506]
"رعاة خنازير الإفرنج!"
...المزيد

سبيل الاستخلاف وإن وقود الاستخلاف في الأرض حتى يكون السلطان والحكم فيها لله وحده مصداقا لقوله: ...

سبيل الاستخلاف


وإن وقود الاستخلاف في الأرض حتى يكون السلطان والحكم فيها لله وحده مصداقا لقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}؛ هو الجهاد في سبيل الله والصبر على مشاقه وتكاليفه؛ وذلك ببذل المهج وإرخاص الأرواح كما قال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ}، فلم يقل: سايروهم أو سالموهم أو شاركوهم لأن الدم لا يُحقن إلا بالدم! والحديد لا يُفل إلا بالحديد، وكرامة النصر والتمكين ليست غنيمة باردة تأتي بالمجان دون مقابل، والقعود والانبطاح والاستسلام وكل دعاوى الانهزام بجميع أشكالها وصورها لم تكن يوما سبيلا لإقامة الحق ونصرة الدين والعقيدة، بل القتال هو الطريق الأوحد والسبيل الآكد لتحقيق ذلك، لذلك أمر به سبحانه فقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، قال ابن عباس رضي الله عنه: "حتى لا يكون شرك، ويخلص التوحيد لله". [ابن كثير]، وبهذا السبيل لا بغيره استطاع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تشييد أعظم دولة عرفها التاريخ، بنوها بجماجمهم وسقوا أصولها بدمائهم حتى غدت سيرتهم في ذلك منارة شماء تهدي الأجيال الوافدة، وموكب نور يضيء شعاعه وسط الدجنة الحالكة.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [505]
"وقود التوحيد"
...المزيد

ملل النعم

من أمراض القلوب الخفية مرض (ملل النعم) وضعف استشعار منة المنعم سبحانه، وسببه: كثرة النعم وزحامها وتواليها، واستقرار الأحوال لمدة طويلة، حتى يظن العبد دوام الحال. ... المزيد

مزاج مريض متستّر!

هناك مسافة واسعة بين "المزاج المريض" و"براعة النقد".. الأولى هي العجز عن استملاح الجمال في الناس لعظمة "الأنا" عند صاحبها، والأخرى تنصف كل مجته.. ... المزيد

وداود وسليمان اذ يحكمان ف مناطق فعلمناها1 مخلوقات جميلة عيب عليك ترى غير ذالك سليمان2

وداود وسليمان اذ يحكمان ف مناطق فعلمناها1 مخلوقات جميلة عيب عليك ترى غير ذالك سليمان2

زوغان القلب!

من أخطر ما يترتب على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تغير القلب وعدم عودته كما كان. ... المزيد

لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ الحمد لله ناصر المستضعفين ومبيد الطغاة الكافرين، والصلاة والسلام على ...

لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ


الحمد لله ناصر المستضعفين ومبيد الطغاة الكافرين، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إن كثيرا من الناس يجحد نعم الله -تعالى- عليه ويدعي أنه شاكر لله سبحانه، وهو يظن أن الشكر قول باللسان دون العمل بالجوارح والأركان، وهذا الفهم الخاطئ لمعنى الشكر يستدعي تبيان معاني الشكر التي أرادها الله -تعالى- من خلقه.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123].
قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} على أعدائكم وأنتم يومئذ أذلة، يعني: قليلون، في غير منعة من الناس، حتى أظهركم الله على عدوكم، مع كثرة عددهم وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عدداً منكم حينئذ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ}، يقول تعالى ذكره: فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، يقول: لتشكروه على ما منَّ به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضلَّ عنه مخالفوكم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

إن الله -سبحانه وتعالى- يعلمنا معنى الشكر في هذه الآية الكريمة، وكيف نشكره عندما يمُنُّ علينا بنصر من عنده ونحن ضعفاء قليلون وعدتنا قليلة ضعيفة، فهذه الآية في غاية الأهمية، فإن من المعلوم أن الشكر يكون بالعمل، كما قال سبحانه وتعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13]، أي اعملوا بطاعة الله شكرا على نعمه، وكذلك معنى الشكر في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]، هو بالعمل بأوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه حيث تتحقق التقوى، وهذه المناسبة كانت في تذكير الله للمؤمنين بأنه نصرهم في معركة بدر ولم يكن بين المسلمين والكفار تقارب من ناحية العدد والعدة، فكان الصحابة قليلِين وعدتهم بسيطة، وكان الكفار يملكون السلاح والخيالة والعدد الكثير، لكن الله -سبحانه- نصرهم بجند السماء وأيدهم بنصره، وهذا لأن الصحابة تعلقت قلوبهم بالله وصدَّقوا رسوله -صلى الله عليه وسلم- بما وعدهم من النصر والظفر، وهذه النعمة تستحق الشكر لله سبحانه وتعالى، والشكر بتعظيم أوامر الله هو من تقوى القلوب، كما قال الله سبحانه، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، فالتقوى لا بد معها من تنفيذ الأوامر، مع اجتناب ما حرَّم الله -تعالى- واجتناب الذنوب والنواهي، كما قيل:

دع الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق
أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرة
إن الجبال من الحصى

فلا بد من تحقيق الشكر لله بكلا جانبيه ليتحقق النصر، جانب الأوامر وجانب النواهي، وإن كان المجاهدون قد استسلموا لأمر ربهم وخضعوا بطاعته في قتال أعدائه صفا واحدا، فلا بد أيضا من عدم إغفال الجانب الآخر وهو الخضوع له في اجتناب نواهيه، وإن من أعظم النواهي التي تمنع ثمار العمل الصالح وتُخلُّ بالشكر وبالتالي تُؤخر النصر، هي الاختلاف والتباغض والتحاسد والغيبة والطعن والنميمة وفساد ذات البين، وهذه الآفات لا بد أن يخلو صف أهل الإيمان منها، فهي التي تُضعف الصف المؤمن وتُؤخر نعمة النصر وتُفضي إلى الفشل وغضب الله -تعالى- وحرمان حسنة التمكين في الدنيا، كما قال ربنا جل وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

فهنا في هذه الآية أمرٌ بالطاعة والصبرِ ونهيٌ عن التنازع لأنه يفضي إلى الفشل وذهاب القوة، وعلى كل مجاهد أن يدرك هذه السنن والحقائق التي لا تحابي أحدا وأن يلتزم بطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويصبر على طريق الجهاد ويربي نفسه على السمع والطاعة للأمراء وينأى بنفسه وإخوانه عن كل موطن يؤدي إلى التنازع والاختلاف، فيحفظ الحقوق ويؤدي النصيحة كما يحبها الله تعالى.

وإذا كان الإخلال بمعاني الشكر يكون في القعود عن أوامر الله والوقوع في مناهيه، فإن أعظم من ذلك كله من وقع في الشرك وفسَق عن أمر ربه، فإنه نقض كل معاني الشكر التي يستحقها الخالق جل وعلا، فإن المتدبر لقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32]، يعلم قبح فعل الكافر لنعم الله تعالى، فهو الذي خلقه ورزقه وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، ثم يقوم هذا الكفور بربه فيعبد غيره ويصرف للأنداد أنواع العبادات ويصرف الشكر لغيره، والله -تعالى- هو الخالق المستحق للشكر بعبادته وطاعته والاستجابة لأوامره والتصديق برسله، ولذلك قال -سبحانه- مذكرا بنعمه على عباده لكي يشكروه عليها فقال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "والله -تعالى- أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم عقولا تفقهون بها، وتميزون بها الخير من الشرِّ وبصَّركم بها ما لم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض، {وَالأفْئِدَةَ} يقول: والقلوب التي تعرفون بها الأشياء فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يقول: فعلنا ذلك بكم، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك، دون الآلهة والأنداد، فجعلتم له شركاء في الشكر، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك" [جامع البيان في تأويل القرآن].

ولو تأمَّل المتأمل حال أكثر أهل الأرض لتعجَّب ممَّا هم فيه من صرف الشكر لغير الله باتخاذ الأنداد والوقوع في أنواع كثيرة من الشرك بالله، سبحانه وتعالى، فمن عبادة الأصنام وعبادة الحيوانات إلى عبادة القبور والبشر وانتهاءً بشرك الديموقراطية ومنازعة الله -تعالى- في الحكم والتشريع، وهذا حال كثير من الناس اليوم من المنتسبين للإسلام والله المستعان، الذين طابق حالهم حال أولئك الذين قال الله فيهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، قال ابن عباس: "تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله وهم يعبدون غيره"، وهؤلاء تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله وهم يعبدون غيره بصرف عبادة الحكم لسواه، ويصنعون الطواغيت بأيديهم حين يوصلونهم إلى سدة التشريع في البرلمان بواسطة الانتخابات كمن يصنع صنما بيديه ويعبده، فيطيعونهم في تشريعهم ويتحاكمون إليهم، والله -تعالى- يقول: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فلله الخلق والحكم والتشريع، فتبارك الله أحسن الخالقين، وتبارك الله أحكم الحاكمين، وتعالى الله عن شرك المشركين وجحود الكافرين وافتراء الطواغيت المشرعين، وتعالى الله عما يصفون ويشركون، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

ربيع الأول

المقياس الحقيقي لعمر الإنسان هو بمقدار ما خلَّفه من آثار صالحة وأعمال مبرورة، وإحياء لمعالم للخير مهجورة، وقيادة الناس للخير وحُسن سوقهم لما يصلحهم في دنياهم وسعادتهم في آخرهم. ... المزيد

💡يَحْرُمُ البَيْعُ على بَيْعِ المُسلِمِ، والشِّراءُ على شِرائِه : ✍ قال الصَّنعانيُّ: ((وصورةُ ...

💡يَحْرُمُ البَيْعُ على بَيْعِ المُسلِمِ، والشِّراءُ على شِرائِه :
✍ قال الصَّنعانيُّ:
((وصورةُ البَيعِ على البَيعِ: أن يَكونَ قَد وقَعَ البَيعُ بِالخيارِ، فيَأتي في مُدَّةِ الخيارِ رَجُلٌ فيَقولُ لِلمُشتَري: افسَخْ هَذا البَيعَ وأنا أبيعُكَ مِثلَه بِأرخَصَ مِن ثَمَنِه أو أحسَنَ مِنه، وكَذا الشِّراءُ على الشِّراءِ: هوَ أن يَقولَ لِلبائِعِ في مُدَّةِ الخيارِ: افسَخِ البَيعَ وأنا أشتَريه مِنكَ بِأكثَرَ مِن هَذا الثَّمنِ، وصورةُ السَّومِ: أن يَكونَ قَدِ اتَّفَقَ مالِكُ السِّلعةِ والرَّاغِبُ فيها على البَيعِ ولَم يُعقَدْ، فيَقولُ آخَرُ لِلبائِعِ: أنا أشتَريه مِنكَ بِأكثَرَ، بعدَ أن كانا على الثَّمَنِ، وقَد أجمَعَ العُلَماءُ على تَحريمِ هذه الصُّوَرِ كُلِّها، وأنَّ فاعِلَها عاصٍ))
((سبل السلام)) (3/23)
...المزيد

الحوار المشهود والعذاب الموعود (2) لقد كشف الله -تبارك وتعالى- بعض مشاهد الغيب التي ستقع لا ...

الحوار المشهود والعذاب الموعود (2)

لقد كشف الله -تبارك وتعالى- بعض مشاهد الغيب التي ستقع لا محالة بين الكفار وهم يُعذَّبون في نار جهنم، والتي تتضمن الاتهامات المتبادلة بين الطواغيت والرؤساء المتبوعين، وبين أتباعهم وجندهم وأنصارهم الذين بنَوا سلطان الكفر لهم، وقد تكررت هذه الحوارات في كثير من آيات القرآن العظيم، فذكر الله -تعالى- أن أهل النار يتخاصمون ويتحاجون ويتَّهم بعضهم بعضا، ويتبرأ المتبوعون من التابعين لهم، كما في قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166]
قال الإمام الطبري رحمه الله: "والصواب من القول عندي في ذلك أنّ الله -تعالى ذكره- أخبرَ أنّ المتَّبَعين على الشرك بالله يتبرؤون من أتباعهم حين يعاينون عذاب الله. ولم يخصص بذلك منهم بعضاً دون بعض، بل عَمّ جميعهم. فداخلٌ في ذلك كل متبوع على الكفر بالله والضلال أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتَّبعونه على الضلال في الدنيا، إذا عاينوا عَذابَ الله في الآخرة" [جامع البيان في تأويل القرآن].

وهذه المودة التي بينهم في الدنيا والتعاضد في نشر الكفر والرذيلة وحرب الموحدين والصد عن سبيلهم، تتحول إلى حسرة وندامة وتبادل للتُّهم بين الرؤساء والقادة المتبوعين، وبين جندهم وأنصارهم، قال الله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت: 25].

وفي ثنايا تلك الحوارات والخصومات بين الكفار حين يُعاينون العذاب تبريرات فاسدة لما كانوا عليه من الكفر وتعاونهم عليه والدفاع عنه، فأول تلك الحوارات حين يقفون بين يدي خالقهم جل في علاه، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "قال الله -تعالى- متهددا لهم ومتوعدا، ومخبرا عن مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجهم: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} منهم وهم الأتباع: {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم قادتهم وسادتهم: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، أي: لولا أنتم تصدونا، لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاءونا به، فقال لهم القادة والسادة، وهم الذين استكبروا: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ}، أي: نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء، لشهوتكم واختياركم لذلك؛ ولهذا قالوا: {بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا، وتَغُرُّونا وتُمَنُّونا، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء، فإذا جميع ذلك باطل وكَذبٌ ومَيْن، قال قتادة، وابن زيد: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} يقول: بل مكرهم بالليل والنهار، وكذا قال مالك، عن زيد بن أسلم: مكرهم بالليل والنهار، {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} أي نظراء وآلهة معه، وتقيموا لنا شُبَهاً وأشياء من المحال تضلونا بها، {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [سبأ: 31 - 33]، أي: الجميع من السادة والأتباع، كُلٌّ نَدم على ما سَلَف منه" [تفسير القرآن العظيم].

ومن الحقائق التي يقر بها الكفار وكانوا يستكبرون عنها في الدنيا أو يسموها بغير اسمها هي اعترافهم بما كانوا عليه من اتخاذ الأرباب وتسويتهم برب الأرباب سبحانه وتعالى، فهؤلاء الأتباع العابدون للطواغيت المشرعون لأحكام جاهلية كفرية، أو العابدون للحكام الحاكمين بشرائع البشر تلك، أو العابدون لأي طاغوت في العالم بأي نوع من العبادة، كل هؤلاء سيعترفون أنهم في ضلال مبين بعد أن كانوا يرمون خصومهم الموحدين في الدنيا بالضلال والظلم والظلامية، ويختصمون مع طواغيتهم ويقرون بتسوية طواغيتهم وشريعتهم وأمرهم مع رب العالمين وشريعته وأمره، كما قال الله -تعالى- عن مقولتهم تلك بعد معاينة العذاب: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 96 - 98]، قال الإمام ابن كثير: "نجعل أمركم مطاعا كما يطاع أمر رب العالمين، وعبدناكم مع رب العالمين" [تفسير القرآن العظيم].

وفي مشهد آخر يفزع الأتباع إلى سادتهم ليجدوا لهم منجى من عذاب الله، هؤلاء الأتباع الذين كانوا يأتمرون بأمر هؤلاء الطواغيت في حرب الله وأوليائه ودينه، والذين يلجؤون إليهم حين تحدق بهم أخطار المجاهدين، فيكونوا لهم ردءا وعونا فيعقدون التحالفات ويحتشدون جنبا إلى جنب، لحرب دين الله وعباد الله الموحدين، فيلجأ المرتد إلى طاغوته، ويلجأ الطاغوت المرتد إلى الطاغوت الصليبي، وهكذا يصور لنا القرآن مشهدا جديدا من الفزع، حين يهرع الأتباع إلى طواغيتهم ليخلصوهم

من عذاب الله ولات حين خلاص، قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا الحوار بين القادة والأتباع: "{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، يقول: فقال التُّبَّاع منهم للمتبوعين، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم: {إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، في الدنيا وإنما عنَوا بقولهم: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان والكفر بالله، وينتهون عما نهوهم عنه من اتِّباع رسل الله، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}، يعنون: فهل أنتم دافعون عنَّا اليوم من عذاب الله من شيء، {قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}، قالت القادةُ على الكفر بالله لتُبَّاعها: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ}، يعنون: لو بَيَّن الله لنا شيئاً ندفع به عَذَابَه عنا اليوم، {لَهَدَيْنَاكُمْ}، لبيَّنا ذلك لكم حتى تدفعوا العذابَ عن أنفسكم، ولكنا قد جزعنا مِن العذاب، فلم ينفعنا جزعُنا منه وصَبْرُنا عليه، {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21]، يعنون: ما لهم من مَراغٍ يرُوغون عنه" [تفسير الطبري].

وفي مشهد آخر أخبرنا به الله -تبارك وتعالى- أن هؤلاء القادة والأتباع سيتحاورون ويتحاجون بعد دخولهم النار، وذلك حين يضج الجمع الضال الغفير إلى قادتهم الطواغيت، ويحاجونهم أنهم كانوا لهم أوتادا وجندا يأتمرون بأمرهم ويقيمون سلطان باطلهم، قال الإمام ابن كثير في تفسير هذا الحوار: "يخبر -تعالى- عن تحاجِّ أهل النار في النار، وتخاصمهم، وفرعون وقومه من جملتهم {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ} وهم: الأتباع {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم: القادة والسادة والكبراء: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} أي: أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} أي: قسطا تتحملونه عنا، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} أي: لا نتحمل عنكم شيئا، كفى بنا ما عندنا، وما حملنا من العذاب والنكال، {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر: 47 - 48] أي: يقسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كلٌّ مِنَّا" [تفسير القرآن العظيم].

إن الله -تعالى- حكم بين هؤلاء بما يستحقونه، فكيف كان هذا الحكم ولماذا؟ كان هذا الحكم بعد أن طلب الأتباع بمضاعفة العذاب لقادتهم لأنهم أدخلوهم النار بسبب إضلالهم لهم وذاك في قوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67 - 68].

وفي مشهد عظيم من هذه المشاهد الرهيبة، تجتمع ملل الكفر كلها في نار جهنم، حينها يطلب آخر أمم الكفر مضاعفة العذاب لمن سبقهم في الكفر من تلك الملل، لأنهم زينوا لهم طريق الكفر والضلالة، كما تتواصى الأمم اليوم في إشاعة دين الكفر الديموقراطية، وتخلف أمة إثر أمة بهذا الدين الباطل في الكفر وإشاعة الشرك والرذائل والظلم والفساد الكبير، قال الله -تعالى- عن تلك الأمم من الجن والإنس: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38].

قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا المشهد: "وهذا خبر من الله -جل ثناؤه- عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة، يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادَّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار، الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفاً وإماماً في الضلالة والكفر، لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا".

هذا هو طلب الأتباع من الأفراد والأمم الذين ائتمروا بأوامر القادة المُتَّبَعين، طلبهم أن يضاعف العذاب لمن كان سبب إضلالهم، فجاء الحكم من الله -تعالى- بأن العذاب مضاعف لكل الكفار بقدر إضلالهم، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "قوله: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38] أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه، كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].


نسأل الله -تعالى- بمنِّه وكرمه أن يثبتنا على دينه ويجيرنا من العذاب والضلال، ومشاهد الخزي والنكال، والحمد لله على نعمة الإسلام.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً