جبل من جبال القوقاز... شمخ في أرض الخلافة الشيخ عمر الشيشاني [1/4] إن الابتلاء بالخير فتنة لا ...

جبل من جبال القوقاز... شمخ في أرض الخلافة
الشيخ عمر الشيشاني
[1/4]
إن الابتلاء بالخير فتنة لا يثبت فيها إلا من أنجاه الله بإخلاصه وإرادته الآخرة، فكثيرون هم الذين ثبتوا أمام أهوال من الابتلاءات بالشر من سجن وتعذيب ومطاردة، حتى إذا زال عن أحدهم ذلك وفُتحت عليه الدنيا، وابتلاه الله بزينتها سقط في الامتحان وهو يحسب أن ما أوتيه من إكرام ونعم إنما هو جزاء على صبره في المحن، ناسيا أن هناك أوجه أخرى للابتلاء قد يصبر على بعضها، ويكفر عندما يعرض على غيرها.

وإن من أروع قصص الثبات أمام الفتن والابتلاءات وشكر الله على نعمه بمزيد من العمل والطاعات قصة الشيخ عمر الشيشاني تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا من عباده.

هاجر ذلك الشاب الذي لا زال في زهرة عمره وأول شبابه إلى الشام ملبّيا استغاثات المسلمين من أهلها، وراجيا أن يكون بهجرته إليها من الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده) واستقر به المقام في مدينة حلب مقاتلا في صف إحدى الكتائب التي كانت تزعم أنها على منهج التوحيد فعمل فيها فترة من الزمن، قبل أن يلتقي بمجموعة من المهاجرين القوقازيين كانوا في مجموعة أبي محمد العبسي -تقبله الله- (مجلس شورى المجاهدين) الذي أذن لهم بالخروج من كتيبته، وبهذا اجتمع بضعة عشرات من المهاجرين شكلوا فيما بعد (كتيبة المهاجرين)، كان عمر أميرها العسكري، ثم صار أميرها العام.

لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى أصبح عمر وكتيبته يصولون ويجولون في ساحات القتال المختلفة في الشمال، ومع كل معركة خاضوها، كانت سمعة (كتيبة المهاجرين) تزداد، لحسن تنظيمها في القتال، وبراعة مقاتليها، في الوقت الذي كان المقاتلون من أغلب الفصائل الأخرى قليلي الخبرة، عشوائيين في قتالهم ومعاركهم، ومع ازدياد شهرة (المهاجرين) وازدياد انضمام المجاهدين إليها، كان اسم أميرها عمر الشيشاني يزداد انتشارا، وخاصة بعدما فتح الله عليه في عدة غزوات أشهرها في ذلك الحين فتح كتيبةٍ حصينةٍ للنظام في منطقة (الشيخ سليمان) شمال حلب، التي شاركت فيها (المهاجرون) إلى جانب كتائب (البتار) و(مجلس شورى المجاهدين) وجنود الدولة الإسلامية الذين كانوا يعملون حينها بمسمى (جبهة النصرة)، كما شاركت (المهاجرون) في أغلب الغزوات في ريف حلب كغزوة (الطعانة) و(خان طومان) و(اللواء 80) و(كتيبة حندرات) و(الجندول) و(سجن حلب المركزي) وغيرها، ومع كل فتح جديد يكبر حجمها ويتحسن تسليحها، فصار عمر الشيشاني قائدا لواحدة من أكبر الكتائب في الشام، التي تتنافس الفصائل على كسب ودها، وتتمنى القتال إلى جانبها.

ولكن عمر -تقبله الله- كان مستعدا في كل لحظة أن يتنازل عن ذلك كله ويكون جنديا لدى من يثق بعقيدته ومنهجه، ولم يكن حينها من هم أفضل من (جبهة النصرة) لينضم إليها بجنوده، مع عدم علمه بتبعيتها للدولة الإسلامية، حيث كان القائمون عليها حريصين على إخفاء ذلك لمآرب في أنفسهم فضحها الله فيما بعد، ولما عرض عليه أبو أثير الحلبي -تقبله الله- أن يتوحّد (مجلس شورى المجاهدين) مع (كتيبة المهاجرين) أجابه عمر بعرض آخر هو أن ينضما كلاهما إلى (جبهة النصرة) توحيدا للكلمة وتقوية لصف المجاهدين، لكنّ أبا أثير رفض ذلك لعلمه بانحراف منهج القائمين على الجبهة آنذاك، وسوء أخلاقهم، حيث كان مجاورا لهم في السجن، وخبر معادنهم في السراء والضراء، وخاصة في قصة الاستعصاء الشهير في سجن صيدنايا.

وأوّل المواقف التي كشفت له حقيقة أولئك الغادرين هي مشاركته لهم في غزوتي (الشيخ سليمان) و(كتيبة الطعانة) حيث اغتنم الفاتحون غنائم كثيرة وضعوها في يد القائمين على (جبهة النصرة) لحسن ظنهم بهم، حيث تفاجؤوا بخيانة هؤلاء للأمانة، فأكلوا نصيبهم بالباطل، وتلاعبوا بكميات الأسلحة المغتنمة، وحتى الجزء القليل الذي أقرّوا به حقا لهم، ماطلوا في توزيع حصص الكتائب المشاركة منه لشهور بل وعملوا على ابتزازهم فيما بعد بذلك للضغط عليهم من أجل أن يبايعوهم، فلما أيسوا من ذلك صاروا يساومونهم بها لصدّهم عن بيعة أمير المؤمنين بعد أن أعلنت الدولة الإسلامية تمددها إلى الشام رسميا.

ورغم هذه المشكلة عرض الغادر الجولاني البيعة على عمر وكتيبته، مستشفعا لتحقيق ذلك بكل من الحاج سلام وأبي أسامة المغربي -تقبلهما الله- لعلمه بحب عمر لهما، فاجتمع عمر بمجلس شوراه واتفقوا على أن تكون بيعتهم للجولاني (الذي بدأ حينها يأخذ البيعة لنفسه) مقتصرة على القتال، وذلك لكي يدرسوا الجبهة عن قرب خلال مشاركتهم معهم في القتال، وحصل اللقاء الذي قدّر الله أن يكون كاشفا لصفة أخرى للخبيث الجولاني غير خيانته في قصة الغنائم، حيث جلس في اللقاء مزهوّا بنفسه، وخاطبهم بكبر وعنجهية، رافضا أي اشتراط في البيعة التي هو من تقدم بعرضها عليهم، فكان أن وقاهم الله من استدراج ذلك الخبيث بما رأوه من سوء طبعه.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 39
لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 39 ولا تتبعوا السُبُل فتفرّق بكم عن سبيله يزعم مشركو الديموقراطية من الذين ...

صحيفة النبأ العدد 39
ولا تتبعوا السُبُل فتفرّق بكم عن سبيله


يزعم مشركو الديموقراطية من الذين يدّعون الانتساب إلى الإسلام أنهم لم يسلكوا هذا الطريق إلا لتجنيب الناس الصدام المكلف مع الطواغيت في طريقهم لإقامة دين الله، ويكذّبهم في زعمهم هذا الحجمُ الكبيرُ للقتلى والجرحى والأسرى والمفقودين الذين يذهبون ضحية لكل تجربة من تجاربهم الديموقراطية الفاشلة.

ويزعمون أن طريق الديموقراطية الكفري هو الطريق الصحيح لإقامة الدين في هذا الزمان، رغم أن تجارب قرن من الزمن تثبت أن مشركي الديموقراطية لم يتمكنوا من إقامة الدين في أي بقعة من الأرض، ولن يتمكنوا من ذلك أبدا، لأن الإسلام دين التوحيد، والديموقراطية دين شركي، ولا يمكن للشرك أن يكون طريقا إلى التوحيد، كما أنه لا يمكن تحصيل الطهارة بالانغماس في النجاسة.

ويزعمون أنهم الوحيدون القادرون على قيادة الأمة، وأنهم الوحيدون الذي يجيدون السياسة، ويحسنون التعامل مع أعداء الإسلام، مع أن أحداث التاريخ المتعددة تفضح سفاهتهم وقلة حيلتهم، ويكفي للكشف عن ذلك أن نستذكر عدد المرات التي أوقعوا فيها أنصارهم ومريديهم فرائس سهلة بيد جيوش الطواغيت، بعد أن أقنعوهم بالخروج عليهم بصدور عارية وأيدٍ خاوية، بدعوى السلمية.

ويزعمون أنهم يريدون الحكم ليقيموا الدين، والتاريخ يثبت أن مشركي الديموقراطية وعبيد الحاضنة الشعبية يزدادون تنازلا عن شعائر الإسلام كلما زاد تمكينهم في الأرض، فيبذلون وسعهم في إرضاء أعداء الله من الصليبيين والطواغيت والمنافقين، ويسعون جهدهم لإقناعهم أنهم لن يأخذوا من الإسلام إلا بمقدار ما يأذنون لهم به، وبمقدار ما هو مباح في دين الديموقراطية الكفري، ورغم كفرهم لا يرضى عنهم أعداء الإسلام، فيزيلون حكمهم، ويزجون بهم وبأنصارهم إلى السجون، ويسوقونهم إلى ساحات الإعدام.

ويفرح السذج اليوم بانتصار الطاغوت أردوغان على بعض خصومه كما فرحوا من قبل بفوز الطاغوت مرسي في الانتخابات، ويمنّي كثير منهم أنفسهم أن الخطوة القادمة ستكون إعلانا لإقامة الدين، وتطبيقا لشريعة الله، متناسين أن تلك الأماني قد وضعوها من قبل في مرسي قبل أن تخيب آمالهم وهم يرونه خلف القضبان مع عشرات الآلاف من الحمقى والمغفلين الذي صدّقوا أكاذيب الأحبار والمرشدين أنه يمكن إقامة الدين باتباع طريقة المشركين، وبمداهنة اليهود والصليبيين.

والواجب على المسلمين أن لا يقعوا في أفخاخ شياطين الإنس فيحصروا أنفسهم في سجن الخيارات الضيقة التي يحاول الكفار إلجاءهم إلى أحدها، من قبيل الاختيار بين أحد طاغوتين، أحدهما يرفع الشعارات العلمانية البحتة، والآخر يحمل شعارات علمانية مع إشارات إسلامية زائفة، بل الواجب عليهم أن يكفروا بكل حكم طاغوتي، ولا يقبلوا بغير أن يكون الدين كله لله، كاملا، غير منقوص ولا مجزوء.

وعليهم أن يكونوا على حذر من الطواغيت، فليأخذوا حذرهم وليأخذوا أسلحتهم، ولا يتركوا لأعدائهم فرصة للنيل منهم، بقتلهم أو اعتقالهم، فإن كان لا بد، فشرف القتل في سبيل الله، والنكاية في أعداء الله، مقدّم على ذل الأسر، وفتنة السجن، فمن عادة الطواغيت المنتسبين للإسلام زورا، أن يقدموا لأسيادهم الصليبيين قرابين من دماء الموحّدين يتقربون بها إليهم زلفى، ويتّقون بها غضبهم تقوى، ويثبتون لهم من خلالها براءتهم من التوحيد وأهله، وولاءهم للشرك وأهله.

وعليهم أن يُعدّوا، ويَستعدّوا، لينتهزوا كل فرصة يمنحهم الله إياها ليظهروا توحيدهم، ويمكّنوا لدينهم في الأرض، ولا تأخذهم رأفة في دين الله بالطواغيت وجنودهم وأنصارهم، ولا يهنوا في ابتغاء القوم المجرمين، ولا يهولنهم جمعهم وعددهم وسلاحهم، فإنهم منصورون عليهم بإذن الله تعالى.

منصورون بتوحيدهم على شرك المشركين، وباتباعهم لمنهاج النبي -صلى الله عليه وسلم- على المبدّلين والمفسدين، وبجماعتهم على جاهلية المتفرّقين، وبجهادهم في سبيل الله على المقاتلين في سبيل الطاغوت أجمعين.

والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 39
الثلاثاء 14 شوال 1437 ه‍ـ

* تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وماذا بعد وداع رمضان؟ [1/2] - أحبّ العمل إلى الله أدومه... ومما يجب عليك بعد أن منَّ الله ...

وماذا بعد وداع رمضان؟
[1/2]


- أحبّ العمل إلى الله أدومه...

ومما يجب عليك بعد أن منَّ الله عليك بإتمام الشهر الفضيل الدوام على عباداتك التي كنت تتعبد بها في رمضان، من صيام وقيام وصدقات وقرآن وأذكار... إلخ، فحافظ على ما بدأتَ به كماً ونوعاً، فحافظ على الصلوات في أوقاتها وعلى سننها الراتبة وعلى الخشوع فيها وعلى التبكير إليها في المساجد... وحافظ على الصيام، فالذي شرَّع لك صيام رمضان هو سبحانه الذي شرَّع لك صيام داود -عليه السلام- وصيام ثلاثة أيام من الشهر وصيام الاثنين والخميس، ولْيكن صيامك –كما كنت في رمضان- صيام الظاهر والباطن، وحافظ على تلاوة القرآن وحفظه وتدبره والعمل به، ولا تهجر كتاب الله كما يفعل الكثير من الناس ما إن يهل هلال شوال! وهكذا مع سائر العبادات التي تعبَّدتَ بها الله تعالى.

وقد حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على المداومة على العمل الصالح بعد رمضان، كما في قوله، عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) [رواه مسلم]، فديمومة الصيام في شوال توصل المسلم بأجواء صيام رمضان، وعندما سألت عائشة -رضي الله عنها- رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: (أدْوَمُه وإن قَلَّ) [رواه مسلم]، قال النووي: «وفيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان القليل الدائم خيراً من الكثير المنقطع، لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة» [شرح صحيح مسلم].

- واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين:

وإياك إياك أن تكون من عبّاد رمضان، الذين لا يعبدون الله حق عبادته إلا في رمضان! أوليسَ الله تعالى هو ربُّ رمضان وربُّ غيره من الشهور؟!
قيل لبعض السلف: «إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان»، فقال: «بئس القوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان! إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها» [اللطائف].

وهل ضمنت -عبد الله- أن الله تعالى قد تقبل منك رمضان وأنك ستموت على ما أنت عليه؟! ألم تسمع قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، وقد قيل في تفسيرها: «واعبد ربك حتى يأتيك الموت، الذي هو مُوقَن به» [تفسير الطبري].

وقوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}، وقد قيل في تفسيرها: «إن الله تعالى، أمر نبيّه أن يجعل فراغه من كلّ ما كان به مشتغلا من أمر دنياه وآخرته، مما أدّى له الشغل به، وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته، والاشتغال فيما قرّبه إليه، ومسألته حاجاته، ولم يخصص بذلك حالا من أحوال فراغه دون حال، فسواء كلّ أحوال فراغه، من صلاة كان فراغه، أو جهاد، أو أمر دنيا كان به مشتغلا... وقوله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} يقول تعالى ذكره: وإلى ربك يا محمد فاجعل رغبتك، دون من سواه من خلقه» [تفسير الطبري].

واعلم -يا من أتممت عبادات رمضان- أنَّ من علامات قبول الله تعالى لعباداتك في رمضان، استمرارَك عليها بنفس نشاطك، فدليل قبول الطاعة أن توصل لطاعة بعدها، وعلامة ردها أن توصل بمعصية بعدها، فالحسنة تقول لأختها تعالي، والسيئة كذلك، فانظر حالك وقيِّم نفسك، ولا تكن {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}، ولا تكن من الخَلَف الذين {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ}.

وأخيراً نختم بنصيحة غالية لمن قصَّر في عبادة رمضان، ونقول له: احذر -أخي المسلم- أشد الحذر من الشيطان أن يعدك ويمنيك بأنَّ رمضان قد فات وانقضت أيامه، وأنك ستعوض ما فاتك في رمضان المقبل! فإنَّ هذا من تلبيس إبليس اللعين بالتسويف والمماطلة في العبادة، والأجدر بك أن تبادر فوراً بالتوبة والإنابة وتُقبل على عبادة الله وتستغفره لما فرطت في جنبه سبحانه، أما انتظارك أحد عشر شهراً لكي تتوب فإنَّ هذه لحياة طويلة، ما أنت ولا أي أحد يضمن إدراكها! كما أنَّ تسويفك هذا العام سيتكرر العام القادم! فكم من أناس عاهدوا الله أن يفعلوا كذا وكذا إذا حلَّ رمضان، وإذا بهم يدخل عليهم الشهر ويخرج ولم يفعلوا شيئاً مما عاهدوا الله عليه! فاحذر أخي أشد الحذر من هذا المرض الـمُهلك، وبادر بالتوبة وحسن العبادة من شوال، نسأل الله تعالى أن يبلغك رمضان المقبل فتُري الله منك ما يسرّ.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
وماذا بعد وداع رمضان؟
...المزيد

وماذا بعد وداع رمضان؟ [1/2] ها هو ضيفكم العزيز قد رحل، وشهركم الكريم قد أفل! فما أسرعَ انصرام ...

وماذا بعد وداع رمضان؟
[1/2]

ها هو ضيفكم العزيز قد رحل، وشهركم الكريم قد أفل! فما أسرعَ انصرام لياليه وأيامه، وما أعجل انطواء صفحاته وأعماله! رحل الغالي آخذاً شغاف قلوبنا، رحل الحبيبُ تاركاً دموعاً على خدودنا! كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع، وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع! فحريٌّ بقلوب الصائمين لهذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن!

سلام من الرحمن كل أوان
على خير شهر قد مضى وزمانِ
سلام على شهر الصيام فإنه
أمان من الرحمن كل أمانِ
لئن فنيت أيامك الغر بغتة
فما الحزن من قلبي عليك بفانِ

مبارك عليكم إتمام رمضان، وتقبّل الله منكم صيامكم وقيامكم وصدقاتكم وتهجّدكم وسائر عباداتكم.

ولكن ألا يجدر بكم أن تتساءلوا: وماذا بعد وداع رمضان؟

- ولعلّكم تشكرون:

فأولاً عليكم أن تشكروا الله تعالى أن بلغكم رمضان ويسّر لكم إتمام صيامه وقيامه، فكم من محروم من هذه النعمة! ثم عليكم أن تحمدوه سبحانه وتشكروه وتكبروه كثيراً، لأنه أمركم بذلك فقال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة: 185].

قال ابن كثير: «وقوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي: ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم، كما قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، وقال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}...».
وقال ابن رجب: «لما كانت المغفرة والعتق كل منهما مرتباً على صيام رمضان وقيامه، أمر الله سبحانه وتعالى عند إكمال العدة بتكبيره وشكره، فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام وإعانتهم عليه ومغفرته لهم وعتقهم من النار أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته» [لطائف المعارف].

ربّنا تقبّل منّا...

ثم اسألوا الله ثانياً القبول واستغفروه من التقصير، فقد كان السلفُ الصالح -وهم خيرُ القرون- يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه في رمضان، ما لا يجتهدون في غيره، ومع ذلك كانوا يخافون أن يُردَّ ولا يُتقبل منهم! روي عن علي –رضي الله عنه- أنه قال: «كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل»، وعن فضالة بن عبيد قال: «لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}»، وقال مالك بن دينار: «الخوف على العمل أن لا يُتقبل أشد من العمل»، وقال بن أبي رواد: «أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهمُّ أيُقبل منهم أم لا؟!» وخرج عمر بن عبد العزيز في يوم عيد فطر فقال في خطبته: «أيها الناس! إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً وقمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم»، وكان بعض الصالحين يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيُقال له: إنه يوم فرح! فيقول: «صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟!» [اللطائف]
نعم، أولئك السلف الصالح {الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [سورة المؤمنون: 57-61].

روى الترمذي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال، صلى الله عليه وسلم: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم) والحديثُ صحيح.

ومما قيل في تفسير الآية: «أي: هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله خائفون منه، وجلون من مكره بهم، لذا تراهم يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبله الله منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء» [تفسير ابن كثير].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
وماذا بعد وداع رمضان؟
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها حريّ بكلّ أمٍّ أنعم الله عليها بنعمة الإنجاب في ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها


حريّ بكلّ أمٍّ أنعم الله عليها بنعمة الإنجاب في ربوع دولة الإسلام، أن تستغل هذا الفضل العظيم الذي آتاها الله تعالى دون غيرها من النساء، فتسعى جاهدة لتنشئة أبنائها تنشئة ترضي بها ربها وتنفع بها أمتها، كيف لا؟ وهي الأم المنجبة والحاضنة والمربية، بينما الرجال الآباء هم بين عمل ورباط.

فعن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته) [متفق عليه].

وقد عرّف أهل العلم الراعي على أنه الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه، ومسؤول هل قام بما يجب لرعيته أو لا.

وعندما يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، فهذا تكليف عظيم وأمانة كبيرة قد وُسِّدت للمرأة المسلمة، فيها من الأجر والثواب ما فيها، إن هي أدت ما عليها في حق رعيتها وهم الأبناء، وفيها من الحساب والعقاب ما فيها، إن هي ضيّعت هذه الأمانة وفرطت في حق رعيتها.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم: 6]، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- لرجل: «أدِّب ابنك، فإنك مسؤول عن ولدك، ماذا أدّبته، وماذا علمته، وإنه مسؤول عن برّك وطواعيته لك» [رواه البيهقي].

- الابتداء بالتوحيد:

وإن أول ما على الأم المسلمة تنشئة الأطفال عليه عند أول نطقهم، تلقينهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومعناها، ومما يروى عن علي بن الحسين -رحمه الله- أنه كان يعلم ولده ويقول: (قل آمنت بالله وكفرت بالطاغوت) [رواه ابن أبي شيبة]، وكذلك تلقن الأم طفلها الأصول الثلاثة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وأيضا سؤال الطفل: أين الله؟ وما هو القرآن؟ ومثل هذه الأسئلة التي تضع أسسا للعقيدة السليمة والتوحيد الصافي في نفس الطفل.

ومن أجمل ما قد يتعلمه الطفل معية الله -سبحانه وتعالى- لعبيده، فيتعلم الخشية من الله -عز وجل- ويعظم شأن الخالق في نفسه، ويتحسس مراقبته له في سره وعلانيته، وهذا عبد الله التستري -رحمه الله- كان وهو طفل يردد قبل أن ينام: (الله شاهدي، الله ناظري، الله معي) [رواه ابن أبي شيبة].

- صلاح الأم سبب لإصلاح أبنائها:

وعلى الأم المربية المعلمة القدوة أن تصلح من نفسها حتى تنجح في إصلاح رعيتها في بيتها، فإن صلاح الرعية من صلاح الراعي، وصلاح الأبناء من صلاح الأم.

وقد روى ابن أبي الدنيا أن عتبة بن أبي سفيان قال لمؤدِّب ولده: «أبا عبد الصمد، ليكن أول إصلاحك بَنِيَّ إصلاحك نفسك؛ فإن عيوبهم معقودة بعيبك، الحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما استقبحت» [النفقة على العيال].


- التربية على الزهد والخشونة:

كما ويجدر بالأم المسلمة أن تزرع في نفوس أبنائها أن هذه الدنيا دار سفر، وأن الآخرة هي دار القرار، والله -عز وجل- يقول على لسان مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [سورة غافر: 39]، وهكذا يزهد هؤلاء الناشئة في هذه الدنيا الفانية فتهون عليهم وتعظم في أعينهم الآخرة، بتربية أمهم لهم على شظف العيش وشيء من الخشونة، وإرضاعهم معنى الزهد، وأن هذه النعم التي نتنعم بها لزوّالة، وليس أفضل في مثل هذا من سيرة إمام الزاهدين -صلى الله عليه وسلم- فعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار!» فقلت: «يا خالة ما كان يعيشكم؟» قالت: «الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيران من الأنصار كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ألبانهم فيسقينا» [متفق عليه].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) [متفق عليه]؛ قال ابن حجر: «(قوتا): أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا» [فتح الباري].

نعم هذا ما سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل بيته رغم أن جبريل -عليه السلام- قد أتاه بمفاتيح خزائن الأرض ولكنه -صلى الله عليه وسلم- زهد فيها، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «ما شبع آل محمد -صلى الله عليه وسلم- من طعام ثلاثة أيام حتى قُبض» [رواه البخاري]، وها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- حبيب الحق وصفيه وخير خلقه ينام على الحصير حتى تدمي جنبه ويراه عمر -رضي الله عنه- فيبكي لذلك، فيقول له النبي: (ما يبكيك؟) فيقول: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة) [متفق عليه].

هكذا كان حال نبينا -صلوات ربنا وسلامه عليه- في هذه الدنيا، وعلى مثل هذا يجب أن يتربى جيل الخلافة، فيَنشأ جيلاً صلباً خشناً قد عركته الحياة وشدت عوده، ويتهيأ بذلك لحمل الأمانة وأخذ الراية والاستخلاف في الأرض، عن أبي عثمان النهدي، قال: «أتانا كتاب عمر بن الخطاب: اخشوشنوا، واخشوشبوا، واخلولقوا، وتمعددوا كأنكم معد، وإياكم والتنعم، وزي العجم» [رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار»].


- التربية على حب القتال في سبيل الله:

ومن أعظم نعم الله على الأشبال في أرض الخلافة، التي على الأم استشعارها وحسن استغلالها وشكر الله تعالى عليها، أن ينشأ أبناؤها في كنف بيت أب مجاهد، فيكبرون وقد اعتادت أعينهم الصغيرة على رؤية السلاح من بنادق وجعب ورصاص وقنابل وأحزمة ناسفة، كما وأن متابعة إصدارات المجاهدين وأخبارهم المقروءة والمسموعة، تنمي لدى الشبل حب الجهاد وأهله وبغض من عاداهم، وقد تسمع الأم لوماً من بعض الناس على طريقة تربيتها لأبنائها، متحججين بأن هذا قد يقتل طفولتهم ويميت براءتهم، ولمثل هؤلاء نقول؛ أخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كان الحسن والحسين -عليهما السلام- يصطرعان بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (هَيَّ حسن) ، فقالت فاطمة، رضي الله عنها: يا رسول الله، لم تقول: (هَيَّ حسن)؟ فقال: (إن جبريل عليه السلام يقول: هَيَّ حسين).

وأخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: «إني لواقف يوم بدر في الصف، نظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك يا ابني أخي؟ قال: بلغني أنه سب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي نفسي بيده لو رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فغمزني الآخر فقال لي مثلها، قال: فتعجبت لذلك، قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت لهما: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فابتدراه، فاستقبلهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبراه، فقال: (أيكما قتله؟) فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا، فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السيفين فقال: (كلاكما قتله)».
وجاء في البداية والنهاية: «عن هشام بن عروة قال: إن أول ما فصح به عبد الله بن الزبير وهو صغير السيف السيف، فكان لا يضعه من فيه، وكان الزبير إذا سمع ذلك منه يقول له: أما والله ليكونن لك منه يوم ويوم وأيام».

وعن عروة بن الزبير أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر سنين ووكل به رجلا [رواه البخاري].

- الحرص على اللسان العربي:

وحبذا لو تحرص الأم المسلمة أن تحافظ على عروبة لسان أبنائها، وتقويمه من اللحن، فإن لم يكونوا من العرب فتسعى إلى تعليمهم اللسان العربي، ليتعلموا أمر دينهم، ويختلطوا بجماعة المسلمين، وقد روى الخطيب البغدادي أن عليا وابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- كانوا يضربون أبناءهم على اللحن


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [3/3] - التربية على حب القتال في سبيل الله: ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[3/3]

- التربية على حب القتال في سبيل الله:

ومن أعظم نعم الله على الأشبال في أرض الخلافة، التي على الأم استشعارها وحسن استغلالها وشكر الله تعالى عليها، أن ينشأ أبناؤها في كنف بيت أب مجاهد، فيكبرون وقد اعتادت أعينهم الصغيرة على رؤية السلاح من بنادق وجعب ورصاص وقنابل وأحزمة ناسفة، كما وأن متابعة إصدارات المجاهدين وأخبارهم المقروءة والمسموعة، تنمي لدى الشبل حب الجهاد وأهله وبغض من عاداهم، وقد تسمع الأم لوماً من بعض الناس على طريقة تربيتها لأبنائها، متحججين بأن هذا قد يقتل طفولتهم ويميت براءتهم، ولمثل هؤلاء نقول؛ أخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كان الحسن والحسين -عليهما السلام- يصطرعان بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (هَيَّ حسن) ، فقالت فاطمة، رضي الله عنها: يا رسول الله، لم تقول: (هَيَّ حسن)؟ فقال: (إن جبريل عليه السلام يقول: هَيَّ حسين).

وأخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: «إني لواقف يوم بدر في الصف، نظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك يا ابني أخي؟ قال: بلغني أنه سب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي نفسي بيده لو رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فغمزني الآخر فقال لي مثلها، قال: فتعجبت لذلك، قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت لهما: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فابتدراه، فاستقبلهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبراه، فقال: (أيكما قتله؟) فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا، فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السيفين فقال: (كلاكما قتله)».
وجاء في البداية والنهاية: «عن هشام بن عروة قال: إن أول ما فصح به عبد الله بن الزبير وهو صغير السيف السيف، فكان لا يضعه من فيه، وكان الزبير إذا سمع ذلك منه يقول له: أما والله ليكونن لك منه يوم ويوم وأيام».

وعن عروة بن الزبير أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر سنين ووكل به رجلا [رواه البخاري].

- الحرص على اللسان العربي:

وحبذا لو تحرص الأم المسلمة أن تحافظ على عروبة لسان أبنائها، وتقويمه من اللحن، فإن لم يكونوا من العرب فتسعى إلى تعليمهم اللسان العربي، ليتعلموا أمر دينهم، ويختلطوا بجماعة المسلمين، وقد روى الخطيب البغدادي أن عليا وابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- كانوا يضربون أبناءهم على اللحن


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [2/3] - التربية على الزهد والخشونة: كما ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[2/3]

- التربية على الزهد والخشونة:

كما ويجدر بالأم المسلمة أن تزرع في نفوس أبنائها أن هذه الدنيا دار سفر، وأن الآخرة هي دار القرار، والله -عز وجل- يقول على لسان مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [سورة غافر: 39]، وهكذا يزهد هؤلاء الناشئة في هذه الدنيا الفانية فتهون عليهم وتعظم في أعينهم الآخرة، بتربية أمهم لهم على شظف العيش وشيء من الخشونة، وإرضاعهم معنى الزهد، وأن هذه النعم التي نتنعم بها لزوّالة، وليس أفضل في مثل هذا من سيرة إمام الزاهدين -صلى الله عليه وسلم- فعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار!» فقلت: «يا خالة ما كان يعيشكم؟» قالت: «الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيران من الأنصار كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ألبانهم فيسقينا» [متفق عليه].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) [متفق عليه]؛ قال ابن حجر: «(قوتا): أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا» [فتح الباري].

نعم هذا ما سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل بيته رغم أن جبريل -عليه السلام- قد أتاه بمفاتيح خزائن الأرض ولكنه -صلى الله عليه وسلم- زهد فيها، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «ما شبع آل محمد -صلى الله عليه وسلم- من طعام ثلاثة أيام حتى قُبض» [رواه البخاري]، وها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- حبيب الحق وصفيه وخير خلقه ينام على الحصير حتى تدمي جنبه ويراه عمر -رضي الله عنه- فيبكي لذلك، فيقول له النبي: (ما يبكيك؟) فيقول: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة) [متفق عليه].

هكذا كان حال نبينا -صلوات ربنا وسلامه عليه- في هذه الدنيا، وعلى مثل هذا يجب أن يتربى جيل الخلافة، فيَنشأ جيلاً صلباً خشناً قد عركته الحياة وشدت عوده، ويتهيأ بذلك لحمل الأمانة وأخذ الراية والاستخلاف في الأرض، عن أبي عثمان النهدي، قال: «أتانا كتاب عمر بن الخطاب: اخشوشنوا، واخشوشبوا، واخلولقوا، وتمعددوا كأنكم معد، وإياكم والتنعم، وزي العجم» [رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار»].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [1/3] حريّ بكلّ أمٍّ أنعم الله عليها بنعمة ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[1/3]


حريّ بكلّ أمٍّ أنعم الله عليها بنعمة الإنجاب في ربوع دولة الإسلام، أن تستغل هذا الفضل العظيم الذي آتاها الله تعالى دون غيرها من النساء، فتسعى جاهدة لتنشئة أبنائها تنشئة ترضي بها ربها وتنفع بها أمتها، كيف لا؟ وهي الأم المنجبة والحاضنة والمربية، بينما الرجال الآباء هم بين عمل ورباط.

فعن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته) [متفق عليه].

وقد عرّف أهل العلم الراعي على أنه الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه، ومسؤول هل قام بما يجب لرعيته أو لا.

وعندما يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، فهذا تكليف عظيم وأمانة كبيرة قد وُسِّدت للمرأة المسلمة، فيها من الأجر والثواب ما فيها، إن هي أدت ما عليها في حق رعيتها وهم الأبناء، وفيها من الحساب والعقاب ما فيها، إن هي ضيّعت هذه الأمانة وفرطت في حق رعيتها.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم: 6]، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- لرجل: «أدِّب ابنك، فإنك مسؤول عن ولدك، ماذا أدّبته، وماذا علمته، وإنه مسؤول عن برّك وطواعيته لك» [رواه البيهقي].

- الابتداء بالتوحيد:

وإن أول ما على الأم المسلمة تنشئة الأطفال عليه عند أول نطقهم، تلقينهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومعناها، ومما يروى عن علي بن الحسين -رحمه الله- أنه كان يعلم ولده ويقول: (قل آمنت بالله وكفرت بالطاغوت) [رواه ابن أبي شيبة]، وكذلك تلقن الأم طفلها الأصول الثلاثة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وأيضا سؤال الطفل: أين الله؟ وما هو القرآن؟ ومثل هذه الأسئلة التي تضع أسسا للعقيدة السليمة والتوحيد الصافي في نفس الطفل.

ومن أجمل ما قد يتعلمه الطفل معية الله -سبحانه وتعالى- لعبيده، فيتعلم الخشية من الله -عز وجل- ويعظم شأن الخالق في نفسه، ويتحسس مراقبته له في سره وعلانيته، وهذا عبد الله التستري -رحمه الله- كان وهو طفل يردد قبل أن ينام: (الله شاهدي، الله ناظري، الله معي) [رواه ابن أبي شيبة].

- صلاح الأم سبب لإصلاح أبنائها:

وعلى الأم المربية المعلمة القدوة أن تصلح من نفسها حتى تنجح في إصلاح رعيتها في بيتها، فإن صلاح الرعية من صلاح الراعي، وصلاح الأبناء من صلاح الأم.

وقد روى ابن أبي الدنيا أن عتبة بن أبي سفيان قال لمؤدِّب ولده: «أبا عبد الصمد، ليكن أول إصلاحك بَنِيَّ إصلاحك نفسك؛ فإن عيوبهم معقودة بعيبك، الحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما استقبحت» [النفقة على العيال].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 38 رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاّب للموحدين من محمد بن عبد الوهّاب، إلى من ...

صحيفة النبأ العدد 38
رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاّب للموحدين


من محمد بن عبد الوهّاب، إلى من يصل إليه من الإخوان المؤمنين بآيات الله، المصدّقين لرسول الله، التابعين للسواد الأعظم من أصحاب رسول الله، والتابعين لهم بإحسان، وأهل العلم والإيمان، المتمسكين بالدين القيم عند فساد الزمان، الصابرين على الغربة والامتحان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فإن الله سبحانه بعث نبيكم -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، وأهل الأرض من المشرق إلى المغرب، قد خرجوا عن ملة إبراهيم، وأقبلوا على الشرك بالله، إلا بقايا من أهل الكتاب، فلما دعا إلى الله، ارتاع أهل الأرض من دعوته، وعادَوْه كلهم، جُهّالهم وأهل الكتاب، عبّادهم وفسّاقهم، ولم يتبعه على دينه إلا أبو بكر الصديق، وبلال وأهل بيته -صلى الله عليه وسلم- خديجة وأولادها، ومولاه زيد بن حارثة، وعلي، رضي الله عنه.

قال عمرو بن عبسة: لما أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة قلت: ما أنت؟ قال: نبي. قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله. قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يُعبد الله لا يُشرك به شيء. قلت: من معك على هذا؟ قال: حر وعبد. ومعه يومئذ أبو بكر، وبلال.

فهذا صيغة بُدوّ الإسلام وعداوة الخاص والعام له، وكونه في غاية الغربة، ثم قد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ) فمن تأمل هذا وفهمه، زالت عنه شبهات شياطين الإنس، الذين يجلبون على من آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيل الشيطان ورجله.

فاصبروا يا إخواني، واحمدوا الله على ما أعطاكم، من معرفة الله سبحانه، ومعرفة حقه على عباده، ومعرفة ملة أبيكم إبراهيم، في هذا الزمان التي أكثرُ الناس منكر لها، واضّرعوا إلى الله أن يزيدكم إيمانا ويقينا وعلما، وأن يثبت قلوبكم على دينه، وقولوا كما قال الصالحون، الذين أثنى الله عليهم في كتابه: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [سورة آل عمران: 8]
واعلموا أن الله سبحانه، قد جعل للهداية والثبات أسبابا، كما جعل للضلال والزيغ أسبابا؛ فمن ذلك: أن الله سبحانه أنزل الكتاب، وأرسل الرسول، ليبين للناس ما اختلفوا فيه، كما قال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة النحل: 64] فبإنزال الكتب، وإرسال الرسول، قطع العذر، وأقام الحجة، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سورة النساء: 165].

فلا تغفلوا عن طلب التوحيد وتعلمه، واستعمال كتاب الله وإجالة الفكر فيه، وقد سمعتم من كتاب الله ما فيه عبرة، مثل قولهم: نحن موحدون، نعلم أن الله هو النافع الضار، وأن الأنبياء وغيرهم لا يملكون نفعا ولا ضرا، لكن نريد الشفاعة، وسمعتم ما بيّن الله في كتابه، في جواب هذا، وما ذكر أهل التفسير وأهل العلم، وسمعتم قول المشركين: الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا، وسمعتم قولهم: لا نريد إلا من الله، لكن نريد بجاههم*، وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله.

وقد منّ الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله، سمعتم إقرارهم أن هذا الذي يفعل في الحرمين، والبصرة، والعراق، واليمن، أن هذا شرك بالله، فأقروا لكم أن هذا الدين الذي ينصرون أهله، ويزعمون أنهم السواد الأعظم، أقروا لكم أن دينهم هو الشرك.

وأقروا لكم أيضا أن التوحيد الذي يسعون في إطفائه، وفي قتل أهله وحبسهم، أنه دين الله ورسوله، وهذا الإقرار منهم على أنفسهم، من أعظم آيات الله، ومن أعظم نعم الله عليكم، ولا يبقى شبهة مع هذا إلا للقلب الميت، الذي طبع الله عليه، وذلك لا حيلة فيه.

ولكنهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة، فأصغوا لجوابها، وذلك أنهم يقولون: كل هذا حق، نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير والقتال، والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقرّوا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره وقتل من أمر به وحبسهم، كيف لا يكفر من أمر بحبسهم؟! كيف لا يكفر من جاء إلى أهل الشرك، يحثهم على لزوم دينهم وتزيينه لهم؟! ويحثهم على قتل الموحدين، وأخذ مالهم، كيف لا يكفر، وهو يشهد أن هذا الذي يحث عليه، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنكره ونهى عنه؟! وسماه الشرك بالله، ويشهد أن هذا الذي يبغضه، ويبغض أهله، ويأمر المشركين بقتلهم، هو دين الله ورسوله!

واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر، من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم.

وأنا أذكر لكم آية من كتاب الله، أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن من فعل ذلك فهو كافر في أي زمان كان، قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل: 106] إلى آخر الآية وفيها: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ} [سورة النحل: 107] ؛ فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة، وذكروا: أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه، مع بغضه لذلك وعداوة أهله، لكن خوفا منهم، أنه كافر بعد إيمانه، فكيف بالموحد في زماننا، إذا تكلم في البصرة، أو الإحساء، أو مكة، أو غير ذلك خوفا منهم، لكن قبل الإكراه، وإذا كان هذا يكفر، فكيف بمن صار معهم، وسكن معهم، وصار من جملتهم؟! فكيف بمن أعانهم على شركهم، وزينه لهم؟ فكيف بمن أمر بقتل الموحدين، وحثهم على لزوم دينهم؟
فأنتم وفقكم الله تأملوا هذه الآية، وتأملوا من نزلت فيه، وتأملوا إجماع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائما الرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم، في مسألة التكفير والقتال، فلا يجيبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ، وأمثالهم، والله أسأل أن يوفقكم لدينه القيم، ويرزقكم الثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* يقصد الشيخ بهم الذين يستشفعون بالأموات قائلين «يا فلان اشفع لي عند الله» ونحوه زاعمين أنهم يتقربون إلى الله بجاه الصالحين، وهذا هو عين شرك الجاهلية الأولى، قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} [سورة الزمر: 3].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 38 مجاهدون.. في كل أرض وتحت كل سماء إن من يراقب أفعال أعداء الدولة ...

صحيفة النبأ العدد 38
مجاهدون.. في كل أرض وتحت كل سماء


إن من يراقب أفعال أعداء الدولة الإسلامية اليوم، ليعجب من عظيم مكر الله بهم، ويسخر من خفة عقولهم، ويفرح كثيرا بتأييد الله ونصره لأوليائه.

ففي كل يوم يخرج قادتهم مستعرضين بالخرائط الملونة عدد الأمتار التي استطاعوا انتزاعها من يد المجاهدين، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء المقارنة بين التكاليف التي دفعتها الدولة الإسلامية لأخذ هذه الأرض، والتكاليف التي تكبّدوها هم لاستعادة السيطرة عليها مرّة أخرى.

وفي كل يوم يقيمون احتفالا بنصر مزعوم هنا أو هناك، وتثملهم نشوة هذه الانتصارات فترة من الزمن، فينامون سكارى وهم يحلمون بأن يستفيقوا على إعلان لانتصار حقيقي على الدولة الإسلامية، فيخيّب الله ظنونهم، حين توقظهم من سكرتهم أنباء فتوحات جديدة لجنود التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها، حتى باتوا يتخوفون من أن يجعل الله في أي خطوة يخطونها وأي انتصار موهوم يحققونه نعمة لعباده المجاهدين ويسرا عليهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

ولنا اليوم في احتفالاتهم باستعادة السيطرة على مدينة الفلوجة صورة حيّة؛ فالمدينة التي سيطر عليها جنود الدولة الإسلامية وحققوا منها أهدافهم بأن أقاموا فيها الدين كاملا ما دامت تحت سلطانهم، وجعلها الله على أيديهم شوكة في حلوق الرافضة لثلاثين شهرا أو يزيد، وخسروا على أسوارها عشرات الألوف من القتلى والجرحى، وما لا يحصى من السلاح والعتاد والأموال، لم يتمكن المرتدون من استعادتها إلا بعد أن حشدوا أكثر من ثلاثين ألفا من المقاتلين، وأسرابا من الطائرات الحربية الصليبية، ولم يدخلوها إلا وهم يتشحطون بدمائهم، فلم يجدوا فيها من جثث جنود الخلافة ما يرقصون فوقها، ولا من سلاحهم وعتادهم ما يفرحون باغتنامه، فصبّوا جام غضبهم على الجدران والأحجار يحرقونها لينفسوا ما في داخلهم من غيض، ويدمرونها ليزيلوا ذكريات مريرة تعصف بأذهانهم وهم يحصون التكلفة الباهظة التي دفعوها لتحقيق هذا الهدف الذي يعلمون هم أكثر من غيرهم أن قيمته بالنسبة إليهم دعائية لا أكثر، فيما قيمة ما حققه جنود الخلافة كبيرة جدا وعلى كل الأصعدة، والحمد لله وحده.

فقد ثبّت الله المسلمين في الفلوجة تحت حصار خانق محكم لمدة تسعة أشهر، صابرين على الجوع وقلة السلاح والعتاد، دون أن يملؤوا الدنيا بكاء وعويلا، بل ولم يوقفوا غاراتهم على المشركين، مطلقين الحملة تلو الحملة، محققين فيهم النكاية العظيمة، فلما احتشدت عليهم الأحزاب وأحاطت بهم غرسوا أقدامهم في الأرض، ولم يسلموا منها شبرا إلا وقد أجروا بقربه نهرا من دماء المرتدين، واستمرّوا على حالهم مدافعين لعدوهم حتى أعذرهم الله بأن استقر كل ما في أيديهم من ذخيرة في صدور الروافض المشركين، واستحال كل ما في أيديهم من متفجرات نارا أحرق الله بها أجساد المرتدين، فخرجوا من ساحة المعركة مكلّلين بالفخار، متحرفين لقتال ومتحيّزين إلى فئة، بعد أن عرّفوا الكفار قيمة الثمن الذي عليهم الاستعداد لدفعه إن أغرتهم نفوسهم بالمسير للقاء عساكر التوحيد وجنود الخلافة، وبيّنوا للمسلمين حقيقة الرافضة وحجم حقدهم على أهل الإسلام، وما سينال المسلمين إذا ما تمكّنوا منهم.

خرج المجاهدون من الفلوجة وهم -بفضل الله- أضعاف ما كانوا عليه حين دخولها، أصلب عودا، وأشد حنكة في الحرب، وأشد شوقا لسفك دماء المشركين في كل أرض، سهاما في كنانة أمير المؤمنين -تقبله الله- يلقيها في صدور أعداء الإسلام، ومددا لإخوانهم في كل الجبهات يجبرون كسرهم، ويسدون ثغرهم، ويشاركونهم فتحهم ونصرهم.

خرجوا من الفلوجة وهم -بإذن الله- لا ينتابهم أدنى شك أنهم أقاموا فيها بما يرضي ربهم، فأقاموا الدين كاملا غير منقوص، وأزالوا الشرك وأهله، وحكّموا الشريعة، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في سبيل الله، وبذلوا كل ما في وسعهم ليحفظوا ذلك كله، وهم عازمون اليوم وكل يوم على إعادة تلك الأرض وكل أرض إلى حمى الإسلام، وإخضاعها لأحكام الشريعة.

خرجوا وهم الكُرّار المتحفّزون للعودة إلى تلك الأرض، ليذوق أعداء الله على أيديهم أضعاف ما ذاقوه في الجولات الماضية، وليسوقوا الروافض سوقا أمامهم، لا إلى بغداد، ولكن إلى حيث ميعاد ثأرنا من المشركين، في النجف الأشرك، وكربلاء المدنّسة، بإذن الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ
...المزيد

أعداء عملاء وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام ...

أعداء عملاء

وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام والمسلمين، فلكل منهما مشروع جاهلي مدعوم من قوى خارجية كافرة تتصارع هذه القوى على أرضكم عبر بيادقها، مقابل حصولها على حصتها من التركة السودانية وبالتالي لا ينبغي لعامة المسلمين الانخداع بأي طرف منهما، فـ "البرهان وحميدتي" كلاهما عدو للإسلام فيجب معاداتهما والكفر بهما، وعدم التعويل على أي منهما مهما كانت نتيجة المعركة بينهما، فإن المنتصر منهما عدو للإسلام ومشاريعه على الأرض مهما زينها وغلفها لن تكون سوى نسخة مكررة من مشاريع نظرائهم طواغيت العرب المحاربة للإسلام والمسلمين.

مقتبس من إفتتاحية صحيفة النبأ العدد 479
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 دين الإسلام وجماعة المسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله ...

صحيفة النبأ العدد 37
دين الإسلام وجماعة المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هذه السلسلة في بيان حقيقة الإسلام وضرورة الجماعة، نسأل الله أن يفقّهنا وإيّاكم في الدين ويثبّتنا على لزوم جماعة المسلمين.

قال الله، جلّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 5]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: 19]، وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: 85].

فالدين الذي رضي الله للناس والذي لا يقبل منهم سواه هو الإسلام، وحقيقته لغة وشرعا: السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام -أي الانقياد- لله.
قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإسلام هو الاستسلام لله وحده، ولفظ الإسلام يتضمّن الإسلام، ويتضمّن إخلاصه لله... فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سورة النساء: 125]» [النبوات].

وقال رحمه الله: «الإسلام الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله... هو أن يسلم العبد لله رب العالمين فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألّها له غير متألّه لما سواه، كما بيّنته أفضل الكلام ورأس الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله؛ وله ضدان: الكبر والشرك، ولهذا رُوي أن نوحا -عليه السلام- أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك [رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو]... فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له، والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك؛ ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص» [الفتاوى]، «وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين» [النبوات].

فلا يكون المرء مسلما إلا بالتزام الإسلام بهذين المعنَيين، فمن لم يستسلم لله -كمن ترك جنس العمل أو امتنع بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- لم يكن إلا كافرا، ومن لم يكن سالما لله -كمن عبد الأنبياء والأولياء مقلّدا ومتأوّلا- لم يكن إلا مشركا ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وهذه الحقائق دلّت عليها شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإله هو المعبود المطاع» بحق [تيسير العزيز الحميد]، فلا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهذه الكلمة متضمّنة لمعنَيي السلامة والاستسلام لله، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم وأممهم.

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لفظ الإسلام... له معنيان، أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، والثاني ما اختص به محمد، صلى الله عليه وسلم... وله مرتبتان: إحداهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن» [الفتاوى].

وهذه المباني الخمس التي هي حقيقة الإسلام قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، بيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحّد الله) [رواه مسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلم يكن الإسلام الذي اختصت به شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- إسلاما من غير سلامة واستسلام لله، بل إن المباني الخمس شُرعت ليكون المرء سالما لله مستسلما له بالتزام التوحيد واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقيام بالمباني، وقال إسحاق بن راهويه، رحمه الله: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها، إنّا لا نكفّره، ويُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقرّ [بها]؛ فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم» [مسائل حرب الكرماني].

ثم إن علاقة السلامة بالاستسلام بيّنها الله في آيات كثيرة من كتابه، منها أمره بقتال المشركين، قال جلّ وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 11]، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- بعد أن تلا الآية السابقة: «فالتوبة من الشرك جعلها الله -عز وجل- قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان، افتراءً على الله -عز وجل- وخلافا لكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولو كان القول كما يقولون لم يقاتل أبو بكر -رضي الله عنه- أهل الردة!» [السنة لعبد الله بن أحمد].

وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا استسلام، فكفّروا تارك الصلاة كسلا –وهو تارك لجنس العمل- وكفّروا مانعي الزكاة -وهم ممتنعون بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- وخالفهم مرجئة الفقهاء في ذلك، فلم يعرفوا حقيقة الإسلام الذي رضيه الله للناس دينا، وكذلك أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا سلامة، فكفّروا صنف أهل الردة الذين عادوا إلى عبادة الأوثان -وهي أصنام وُضعت تصويرا للصالحين- ولم يجعلوا حداثة عهد الناس بالجاهلية وظهور الدجالين المتنبئين وتغلب مانعي الزكاة على ديار المسلمين موانع من تكفير أعيانهم، وخالفهم في ذلك جهمية العصر، الذين عارضوا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة) [رواه مسلم عن عثمان].

فلا يكون بنيان الإسلام من غير هذه المباني، ومن يستهين بركن منه، يوشك أن يسقط عليه البنيان، فإن سقط، هلك في الدنيا بالسيف قبل الآخرة بالنار، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من بدّل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري عن ابن عباس]، إلا أن أعظم هذه الأركان هو الركن الأول الذي لا يصح إسلام المرء من دونه أبدا، وهو شهادة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، أن لا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهي متضمنة لتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لا إله إلا الله: إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد، وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع» [تيسير العزيز الحميد].

وشهاد أن لا إله إلا الله، هي شهادة الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، أن يُعبد الله وحده ويُكفر بما دونه، وهي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي أُمرنا باتباعه، والذي قال لقومه: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة: 4].

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: «[الإسلام] هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» [ثلاثة الأصول]، فهو السلامة والاستسلام لله.

ولا يكون المرء مسلما ما لم يعبد الله وحده ويكفر بما دونه، كما بيّن ذلك حديث المباني الخمس: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلا إسلام من غير عبادة الله (الاستسلام)، ولا إسلام من غير الكفر بالطاغوت (السلامة)، ولا يسلم المرء من رجس الشرك ونجاسة أهله ما لم يكفر بطواغيت زمانه، وبشركهم ومشركيهم، كالديمقراطيين والوطنيين والقوميين والقانونيين المرتدين عن الإسلام، ومن هؤلاء المرشَّحين والمصوِّتين في الانتخابات والاستفتاءات من الأحزاب «الإسلامية» المزعومة، والمتحاكمين إلى المحاكم الوضعية بدعوى المصلحة والضرورة، وعساكر الطاغوت وأنصاره من المجنَّدين و»المشايخ»، وطائفة «الإخوان المرتدين» وأحزابها وفصائلها وأخواتها التي جحدت التوحيد والشريعة والولاء والبراء والجهاد وامتنعت عن التزامها وحاربتها واستهزأت بها وظاهرت الصليبيين والطواغيت في الحرب عليها، بل يجب على المسلم أن يُظهر كفره بهؤلاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بالقلم واللسان، والسيف والسنان، متّبعا في ذلك خليلَي الرحمن -عليهما أفضل الصلاة والسلام- والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - دين الإسلام وجماعة المسلمين
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً