هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين "كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى، وكان يلبس ...

هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين

"كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى، وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، وكان يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمراتٍ، ويأكلهن وترًا، وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلَّى، فيأكل من أضحيته، وكان يغتسل للعيد -إن صحَّ الحديث فيه- ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدَّة اتباعه للسنَّة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل الخروج. وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشيًا، والعَنَزة تُحمَل بين يديه، فإذا وصل إلى المصلَّى نُصِبت بين يديه ليصلِّي إليها، فإنَّ المصلَّى كان إذ ذاك فضاءً لم يكن فيه بناء ولا حائط، وكانت الحَرْبة سُترته.

وكان يؤخِّر صلاة عيد الفطر، ويعجِّل الأضحى، وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلَّى أخذ في الصلاة، من غير أذان ولا إقامة، ولا قول: الصلاة جامعة! فالسُّنَّة أن لا يُفعَل شيء من ذلك، ولم يكن هو ولا أصحابه يصلُّون إذا انتهوا إلى المصلَّى شيئًا قبل الصلاة ولا بعدها، وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة انصرف، فقامَ مقابلَ الناس، والناسُ جلوسٌ على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه، أو يأمر بشيء أمَر به، قال جابر بن عبد الله: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكِّئًا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته، ووعظ الناسَ، وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساءَ، فوعَظَهن وذكَّرهن" [متفق عليه]

ورخَّص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة وأن يذهب، ورخَّص لهم إذا وقع العيدُ يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة.

وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق ويرجع في أخرى، فقيل: ليسلِّم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجةَ من له حاجة منهما، وقيل: ليُظهِر شعائرَ الإسلام في سائر الفِجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزَّةَ الإسلام وأهله وقيامَ شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع له، وقيل: إنَّه لذلك كلِّه ولغيره من الحِكم التي لا يخلو فعلُه عنها، وروي عنه أنه كان يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد". أه.

- من كتاب زاد المعاد لابن القيم



المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 498
السنة السادسة عشرة - الخميس 9 ذو الحجة 1446 هـ

مقال:
هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين
...المزيد

هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين "كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى، وكان يلبس ...

هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين

"كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى، وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، وكان يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمراتٍ، ويأكلهن وترًا، وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلَّى، فيأكل من أضحيته، وكان يغتسل للعيد -إن صحَّ الحديث فيه- ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدَّة اتباعه للسنَّة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل الخروج. وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشيًا، والعَنَزة تُحمَل بين يديه، فإذا وصل إلى المصلَّى نُصِبت بين يديه ليصلِّي إليها، فإنَّ المصلَّى كان إذ ذاك فضاءً لم يكن فيه بناء ولا حائط، وكانت الحَرْبة سُترته.

وكان يؤخِّر صلاة عيد الفطر، ويعجِّل الأضحى، وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلَّى أخذ في الصلاة، من غير أذان ولا إقامة، ولا قول: الصلاة جامعة! فالسُّنَّة أن لا يُفعَل شيء من ذلك، ولم يكن هو ولا أصحابه يصلُّون إذا انتهوا إلى المصلَّى شيئًا قبل الصلاة ولا بعدها، وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة انصرف، فقامَ مقابلَ الناس، والناسُ جلوسٌ على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه، أو يأمر بشيء أمَر به، قال جابر بن عبد الله: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكِّئًا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته، ووعظ الناسَ، وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساءَ، فوعَظَهن وذكَّرهن" [متفق عليه]

ورخَّص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة وأن يذهب، ورخَّص لهم إذا وقع العيدُ يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة.

وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق ويرجع في أخرى، فقيل: ليسلِّم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجةَ من له حاجة منهما، وقيل: ليُظهِر شعائرَ الإسلام في سائر الفِجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزَّةَ الإسلام وأهله وقيامَ شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع له، وقيل: إنَّه لذلك كلِّه ولغيره من الحِكم التي لا يخلو فعلُه عنها، وروي عنه أنه كان يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد". أه.

- من كتاب زاد المعاد لابن القيم



المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 498
السنة السادسة عشرة - الخميس 9 ذو الحجة 1446 هـ

مقال:
هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 498 الافتتاحية: بين الجهاد والحج لا يفوّت مشايخ الطاغوت ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 498
الافتتاحية:

بين الجهاد والحج

لا يفوّت مشايخ الطاغوت أي فرصة لصدّ الناس عن سبيل الجهاد وإغرائهم بالقعود عنه، ومن ذلك استغلالهم موسم الحج في إخفاء أفضلية الجهاد العيني على فريضة الحج، وتعويم المسألة وإيهام الناس بأن جهادهم هو الحج، وأنه سقف تضحيتهم ومبلغهم من الجهد.

لا شك أن معاني الحج تمتزج بالجهاد امتزاجا كبيرا، وهما فريضتان تحتلان مكانة كبيرة في الإسلام، وقد اقترن الحج بالقتال في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وتداخلت آياتهما بما يوحي بعمق العلاقة بين العبادتين؛ لكن هذا لم يُلق في نفوس الأولين الاستغناء بفضل الحج عن الجهاد؛ خصوصا عند تعيُّنه على المسلم كحال أمتنا اليوم التي دهم العدو ديارها واستباح بيضتها ودنّس حماها، فصار بذلك الجهاد فرض عين لا تطوعا.

وهذا الفهم الفاسد تسلل إلى نفوس كثير من المسلمين بسبب دعاة الإرجاف ومُعطّلة الجهاد الذين يتصدرون اليوم لشؤون الحج في بلاد الحرمين وغيرها، ويغرسون في عقول الناس أنّ جهادهم حجهم! وأنّ الحج ينوب عن الجهاد غير أنه لا قتال فيه، ويُهملون عمدا الفروق بين جهاد الدفع والطلب أو جهاد الفريضة والتطوع، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- حسم ذلك الأمر وقرر أنّ الحج جهاد النساء ومن في حكمهم، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ) وفي رواية: (لَكِنَّ ‌أَحْسَنَ ‌الْجِهَادِ ‌وَأَجْمَلَهُ؛ ‌الْحَجُّ) [البخاري]، وهذا في حال لم يكن الجهاد فرض عين، وتأمل فقه أمهات المؤمنين وهنّ يرين الجهاد أفضل الأعمال ويحرصن عليه ويطلبن من النبي -صلى الله عليه وسلم- المشاركة فيه، بينما فقهاء عصرنا يرون في نفس هذا الحديث إغراء الرجال بالحج عن الجهاد!

ولو انشغل الرجال اليوم بجهاد لا شوكة فيه ولا قتال، فمن يقاتل الكافرين ويقوي شوكة المسلمين، من يصون الحرمات ويدفع عن الحريم، بل من ينبري للذود عن حياض الحَرم ذاته، في ظل الأخطار الداخلية والخارجية التي تحيط به ممثلة بسياسات آل سلول ومطامع النصارى واليهود والرافضة؟!

لقد دلت نصوص السُّنة الصريحة الصحيحة على أن الجهاد المتعيّن أفضل الأعمال بعد التوحيد، متقدّما على الحج الذي جاء في المرتبة الثالثة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ) [متفق عليه]، قال ابن حجر في الفتح: "فإن قيل: لمَ قدّم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن؟ فالجواب: أنّ نفع الحج قاصر غالبا، ونفع الجهاد متعد غالبا، أو كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين". أه.

وقد تواترت أقوال فقهاء الملة بتقديم جهاد الفريضة على فريضة الحج، كما قال الإمام المجاهد ابن النحاس في المشارع: "الجهاد إذا صار فرض عين؛ فهو مقدم على حجة الإسلام لوجوب فعله على الفور". أه، ونقل ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد قوله: "ليس يعدل لقاء العدو شيء، ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال، والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم، فأي عمل أفضل منه؟! الناس آمنون وهم خائفون، قد بذلوا مهج أنفسهم". أه، وقال إمام التوحيد والجهاد ابن تيمية في الفتاوى: "وجنس الجهاد أفضل باتفاق المسلمين من جنس الحج"، وبيّن شيخ الإسلام أسباب تقدُّم فريضة الجهاد على ما سواها، واجتماع الفضائل فيها ما لم يجتمع في غيرها فقال: "إنّ نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة؛ فإنه مشتمل على محبة اللّه تعالى، والإخلاص له، والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له، والصبر والزهد، وذكر اللّه، وسائر أنواع الأعمال؛ على ما لا يشتمل عليه عمل آخر". أه.

وحيثما نظرتَ في موضع يتقاطع فيه الجهاد والحج؛ قادك بلا ريب إلى أفضلية جهاد الفريضة، وبصّركَ بالحكمة من ذلك خصوصا في زماننا.

فمثلا، يتقاطع الحج مع الجهاد في التضحية بالمال والجهد والمشقة، فلا حج بغير سفر ولا سفر بغير عناء، ولعل مساحة ذلك تضيق اليوم في ظل تطور وسائل النقل وسبل الإعاشة والراحة التي تتوفر للحجيج خلافا لما كان عليه الحال في السابق، ومع ذلك هل يستوي اليوم بذل الحجيج وتضحيتهم ومشاقهم وسائر جهدهم، بجهاد المجاهدين وتضحيتهم وهجرتهم وشظف عيشهم، الحاملين أرواحهم على أكفهم الباذلين أنفسهم دون دينهم وأمتهم؟!

ويتقاطع الحج مع الجهاد في تحقيق التوحيد، فالحج من أول مناسكه إلى آخرها يقرر التوحيد لله وينفي الشرك، والجهاد إنما شُرع لأجل حماية جناب التوحيد وتحقيقه ودعوة الناس إليه وأطرهم عليه وسوقهم إلى الجنة بالسلاسل.
وبالنظر إلى شيوع الشرك اليوم وحراسة الحكومات والجيوش له، ندرك فضل الجهاد ومدى العوز إليه، وأنه السبيل الوحيد لمقارعة الشرك ونبذه وصد عاديته، كما ندرك أيضا أن الدعاة إلى التوحيد مجرّدين من سيوف الجهاد؛ لم يعودوا قادرين على القيام بالدعوة على الوجه الذي أمر به الشارع الحكيم، وما يصلنا من أنّات وزفرات دعاة التوحيد في ديار الكفر يغني عن مزيد بيان، والله المستعان.

كما يتقاطع الحج مع الجهاد في تحقيق الوَحدة بين المسلمين التي تظهر في مظاهر الاجتماع من كل أقطار الأرض بلباس وشعار ونسك واحد، لكنها وَحدة مؤقتة بميقات الحج سرعان ما تتلاشى، ولا سبيل لإقامتها وإدامتها إلا بالجهاد خلف إمام يقيم الشرائع ويعظم الشعائر ويذيب الفوارق ويصهرها في بوتقة الإسلام.

ويتقاطع الحج مع الجهاد في بقائهما إلى قيام الساعة، لكن مقارنة بحجم المؤامرات المحدقة بالحرم وبلاد الوحي، ندرك أن الجهاد هو الأجدر بصون شعيرة الحج وسائر الشعائر، وقد يخفى هذا اليوم على الكثيرين ولكن لن يدوم خفاؤه مستقبلا، ولعل هذا من حِكم الله تعالى في بقاء الجهاد إلى قيام الساعة.

نخلص من كل ما سبق إلى أسباب تفضيل جهاد الفريضة على فريضة الحج، وأنه كلما اشتدت المحنة والهجمة على الإسلام؛ اشتدت الحاجة إلى الجهاد وتجلّت حكمة تفضيله وعلوه على ما سواه حتى احتل الذروة بلا منازع.

ولذلك يجب على المسلمين أن يقدِروا الجهاد قدره وينزلوه منزلته فإنه صمام أمانهم وسبيل نجاتهم والوسيلة الربانية التي اختارها الله لهم لحماية دينه وإعزاز شرعه، وبهذا سبق الجهاد والمجاهدون.

ختاما نسأله تعالى أن يتقبل من إخواننا المسلمين حجهم، وأن يهديهم سبيل نبيهم في الجهاد فهو تجارة لا تبور، وهم بحاجته أشد ما يكونون، {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.


صحيفة النبأ – العدد 498
السنة السادسة عشرة - الخميس 9 ذو الحجة 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
بين الجهاد والحج
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 498 الافتتاحية: بين الجهاد والحج لا يفوّت مشايخ الطاغوت ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 498
الافتتاحية:

بين الجهاد والحج

لا يفوّت مشايخ الطاغوت أي فرصة لصدّ الناس عن سبيل الجهاد وإغرائهم بالقعود عنه، ومن ذلك استغلالهم موسم الحج في إخفاء أفضلية الجهاد العيني على فريضة الحج، وتعويم المسألة وإيهام الناس بأن جهادهم هو الحج، وأنه سقف تضحيتهم ومبلغهم من الجهد.

لا شك أن معاني الحج تمتزج بالجهاد امتزاجا كبيرا، وهما فريضتان تحتلان مكانة كبيرة في الإسلام، وقد اقترن الحج بالقتال في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وتداخلت آياتهما بما يوحي بعمق العلاقة بين العبادتين؛ لكن هذا لم يُلق في نفوس الأولين الاستغناء بفضل الحج عن الجهاد؛ خصوصا عند تعيُّنه على المسلم كحال أمتنا اليوم التي دهم العدو ديارها واستباح بيضتها ودنّس حماها، فصار بذلك الجهاد فرض عين لا تطوعا.

وهذا الفهم الفاسد تسلل إلى نفوس كثير من المسلمين بسبب دعاة الإرجاف ومُعطّلة الجهاد الذين يتصدرون اليوم لشؤون الحج في بلاد الحرمين وغيرها، ويغرسون في عقول الناس أنّ جهادهم حجهم! وأنّ الحج ينوب عن الجهاد غير أنه لا قتال فيه، ويُهملون عمدا الفروق بين جهاد الدفع والطلب أو جهاد الفريضة والتطوع، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- حسم ذلك الأمر وقرر أنّ الحج جهاد النساء ومن في حكمهم، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ) وفي رواية: (لَكِنَّ ‌أَحْسَنَ ‌الْجِهَادِ ‌وَأَجْمَلَهُ؛ ‌الْحَجُّ) [البخاري]، وهذا في حال لم يكن الجهاد فرض عين، وتأمل فقه أمهات المؤمنين وهنّ يرين الجهاد أفضل الأعمال ويحرصن عليه ويطلبن من النبي -صلى الله عليه وسلم- المشاركة فيه، بينما فقهاء عصرنا يرون في نفس هذا الحديث إغراء الرجال بالحج عن الجهاد!

ولو انشغل الرجال اليوم بجهاد لا شوكة فيه ولا قتال، فمن يقاتل الكافرين ويقوي شوكة المسلمين، من يصون الحرمات ويدفع عن الحريم، بل من ينبري للذود عن حياض الحَرم ذاته، في ظل الأخطار الداخلية والخارجية التي تحيط به ممثلة بسياسات آل سلول ومطامع النصارى واليهود والرافضة؟!

لقد دلت نصوص السُّنة الصريحة الصحيحة على أن الجهاد المتعيّن أفضل الأعمال بعد التوحيد، متقدّما على الحج الذي جاء في المرتبة الثالثة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ) [متفق عليه]، قال ابن حجر في الفتح: "فإن قيل: لمَ قدّم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن؟ فالجواب: أنّ نفع الحج قاصر غالبا، ونفع الجهاد متعد غالبا، أو كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين". أه.

وقد تواترت أقوال فقهاء الملة بتقديم جهاد الفريضة على فريضة الحج، كما قال الإمام المجاهد ابن النحاس في المشارع: "الجهاد إذا صار فرض عين؛ فهو مقدم على حجة الإسلام لوجوب فعله على الفور". أه، ونقل ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد قوله: "ليس يعدل لقاء العدو شيء، ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال، والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم، فأي عمل أفضل منه؟! الناس آمنون وهم خائفون، قد بذلوا مهج أنفسهم". أه، وقال إمام التوحيد والجهاد ابن تيمية في الفتاوى: "وجنس الجهاد أفضل باتفاق المسلمين من جنس الحج"، وبيّن شيخ الإسلام أسباب تقدُّم فريضة الجهاد على ما سواها، واجتماع الفضائل فيها ما لم يجتمع في غيرها فقال: "إنّ نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة؛ فإنه مشتمل على محبة اللّه تعالى، والإخلاص له، والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له، والصبر والزهد، وذكر اللّه، وسائر أنواع الأعمال؛ على ما لا يشتمل عليه عمل آخر". أه.

وحيثما نظرتَ في موضع يتقاطع فيه الجهاد والحج؛ قادك بلا ريب إلى أفضلية جهاد الفريضة، وبصّركَ بالحكمة من ذلك خصوصا في زماننا.

فمثلا، يتقاطع الحج مع الجهاد في التضحية بالمال والجهد والمشقة، فلا حج بغير سفر ولا سفر بغير عناء، ولعل مساحة ذلك تضيق اليوم في ظل تطور وسائل النقل وسبل الإعاشة والراحة التي تتوفر للحجيج خلافا لما كان عليه الحال في السابق، ومع ذلك هل يستوي اليوم بذل الحجيج وتضحيتهم ومشاقهم وسائر جهدهم، بجهاد المجاهدين وتضحيتهم وهجرتهم وشظف عيشهم، الحاملين أرواحهم على أكفهم الباذلين أنفسهم دون دينهم وأمتهم؟!

ويتقاطع الحج مع الجهاد في تحقيق التوحيد، فالحج من أول مناسكه إلى آخرها يقرر التوحيد لله وينفي الشرك، والجهاد إنما شُرع لأجل حماية جناب التوحيد وتحقيقه ودعوة الناس إليه وأطرهم عليه وسوقهم إلى الجنة بالسلاسل.
وبالنظر إلى شيوع الشرك اليوم وحراسة الحكومات والجيوش له، ندرك فضل الجهاد ومدى العوز إليه، وأنه السبيل الوحيد لمقارعة الشرك ونبذه وصد عاديته، كما ندرك أيضا أن الدعاة إلى التوحيد مجرّدين من سيوف الجهاد؛ لم يعودوا قادرين على القيام بالدعوة على الوجه الذي أمر به الشارع الحكيم، وما يصلنا من أنّات وزفرات دعاة التوحيد في ديار الكفر يغني عن مزيد بيان، والله المستعان.

كما يتقاطع الحج مع الجهاد في تحقيق الوَحدة بين المسلمين التي تظهر في مظاهر الاجتماع من كل أقطار الأرض بلباس وشعار ونسك واحد، لكنها وَحدة مؤقتة بميقات الحج سرعان ما تتلاشى، ولا سبيل لإقامتها وإدامتها إلا بالجهاد خلف إمام يقيم الشرائع ويعظم الشعائر ويذيب الفوارق ويصهرها في بوتقة الإسلام.

ويتقاطع الحج مع الجهاد في بقائهما إلى قيام الساعة، لكن مقارنة بحجم المؤامرات المحدقة بالحرم وبلاد الوحي، ندرك أن الجهاد هو الأجدر بصون شعيرة الحج وسائر الشعائر، وقد يخفى هذا اليوم على الكثيرين ولكن لن يدوم خفاؤه مستقبلا، ولعل هذا من حِكم الله تعالى في بقاء الجهاد إلى قيام الساعة.

نخلص من كل ما سبق إلى أسباب تفضيل جهاد الفريضة على فريضة الحج، وأنه كلما اشتدت المحنة والهجمة على الإسلام؛ اشتدت الحاجة إلى الجهاد وتجلّت حكمة تفضيله وعلوه على ما سواه حتى احتل الذروة بلا منازع.

ولذلك يجب على المسلمين أن يقدِروا الجهاد قدره وينزلوه منزلته فإنه صمام أمانهم وسبيل نجاتهم والوسيلة الربانية التي اختارها الله لهم لحماية دينه وإعزاز شرعه، وبهذا سبق الجهاد والمجاهدون.

ختاما نسأله تعالى أن يتقبل من إخواننا المسلمين حجهم، وأن يهديهم سبيل نبيهم في الجهاد فهو تجارة لا تبور، وهم بحاجته أشد ما يكونون، {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.


صحيفة النبأ – العدد 498
السنة السادسة عشرة - الخميس 9 ذو الحجة 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
بين الجهاد والحج
...المزيد

- حديث: "اطلبوا العلم ولو كان في الصين" حديث مكذوب على رسول الله ﷺ، مع أهمية طلب العلم، بل القراءة ...

- حديث: "اطلبوا العلم ولو كان في الصين" حديث مكذوب على رسول الله ﷺ، مع أهمية طلب العلم، بل القراءة وتشجيع العلم عمومًا هي العبادة الأولى في الإسلام.

#أحاديث_منتشرة_مكذوبه

♦️- "احتمل لأخيك سبعين عذرًا" ليس بحديث عن رسول الله ﷺ، إنما هي مقالة صحيحة، وحكمة ...

♦️- "احتمل لأخيك سبعين عذرًا" ليس بحديث عن رسول الله ﷺ، إنما هي مقالة صحيحة، وحكمة صالحة.

#أحاديث_منتشرة_مكذوبة

▪️- "إكرام الميت دفنه" ليس بحديث عن النبي ﷺ وإنما هو من كلام الفقهاء، فلا يحل نسبته له ﷺ، على أن ...

▪️- "إكرام الميت دفنه" ليس بحديث عن النبي ﷺ وإنما هو من كلام الفقهاء، فلا يحل نسبته له ﷺ، على أن السنة التعجيل بالدفن إلا لمصلحة راجحة.

#أحاديث_منتشرة_مكذوبة

#فاقصص_القصص | قصة العزير ( ١ ) العُزَيرُ ... ذلك الرجل الصالح والاسم اللامع عند بنى إسرائيل ...

#فاقصص_القصص | قصة العزير
( ١ )
العُزَيرُ ... ذلك الرجل الصالح
والاسم اللامع عند بنى إسرائيل جميعًا ..
ولم لا ؟!
وقد كان بحق ، نعم العالم الزاهد ..
ونعم المؤمن الحق ،
الذى ينصح قومه،
لا لشئ ..
إلا لله .
وبلغ من مكانته وعلمه أنه كان واحدًا من الأربعة الذين حفظوا التوراة فى تاريخ بنى إسرائيل كله .
فالذين حفظوا التوراة فى صدورهم على مر تاريخ بنى إسرائيل كله هم :
موسى عليه السلام ، عيسى عليه السلام ، يوشع بن نون ،
وكذلك العزير عليه السلام .
وقد كان حفظ العُزَير عليه السلام للتوراة ،
فى زمن تضاعف حبّ بنى اسرائيل للذهب و المال ،
و عادت الروح الوثنية الى نفوسهم من جديد ،
و حرّفوا تعاليم التوراة .
من أجل هذا ضعفت روحهم القتالية ،
و أصبحوا يخافون الموت ،
و يحرصون على الحياة.
فسلط الله عليهم بخت نصر ،
ذلك الملك الجبار ،
الذى قتل منهم فى يوم واحد سبعين ألفا ..
و سقطت " أورشليم " العاصمة .
و راح بخت نصر يقتل و يقتل ، و يدّمر البلاد
و يحرق الكتب المقدسة و في طليعتها التوراة ،
كما خرّب الهيكل الذي يقدسه اليهود .
و عندما عاد بخت نصر الى بابل بالعراق أخذ اليهود معه كعبيد وسبايا ، وأذلهم غاية المذلة .
و ظلّ اليهود في بابل مائة عام تقريباً ،
و في تلك الفترة وُلد العُزَير عليه السلام .
ثم اندلعت الحرب بين بابل و فارس ،
و انتصر "كورش " ملك فارس في الحرب و دخل بابل فاتحاً .
تعرّف "كورش" على العُزَير فأحبّه لأخلاقه و أدبه ،
و طلب منه أن يسمح لليهود بالعودة الى بلادهم ،
و هكذا عاد اليهود الى بلادهم ، فأحبوا العزير عليه السلام كثيراً .
و كان العُزَير عليه السلام يحبّ الناس و يعطف عليهم ،
يقوم بنصيحتهم أن يتمسكوا بما أمرهم الله تعالى به .
و يعلمهم التوراة ويرشدهم الى ما ينفعهم فى حياتهم وآخرتهم .
وكانت للعزير مهمةٌ أكبرُ من أى مهمة أخرى ،
وهى مهمةُ جمعِ التوراة من جديد ،
بعد أن ضاع الكثير منها ،
وبعد أن حرق بخت نصر النسخ الكثيرة منها .
و قضى العزير عليه السلام في ذلك سنوات عديدة .
وبعد تمام جمعها من جديد ، أقر العلماء له بتلك التوراة وراجعوها معه فكانت نسخة أصلية خافوا عليها من الضياع .
وفكروا طويلا ، وقالوا لا بد أن نصون هذه النسخة من الضياع .
خوفا من أن يأتى عليهم غزاة فيحرقوها .
ولكن كيف نحفظها ؟
فقالوا : إن العُزَير عليه السلام هو خير من يحفظ هذه النسخة ،
واتفقوا أن يقوم بحفظها وصيانتها فى مكان لا يعرفه أحد غير العُزَير عليه السلام .
لأنه أكثر الناس إيمانًا وعلمًا ، فلن يبوح بمكانها لأى عدوٍ مهما كان .
وفعلا قام العُزَير عليه السلام بترتيبها وجمعها جيدا ،
ووضعها فى صندوق محكم ،
ودفنها فى مكان بعيد لا يعلمه إلا الله سبحانه .
وعلم علماء بنى إسرائيل تلك الحقيقة
وعلم أولاد العُزَير عليه السلام بتلك الحقيقة
وبذلك اجتمع للعُزَير عليه السلام أمرين :
الأول : حفظ التوراة فى صدره .
الثانى : حفظ التوراة المكتوبة فى مكان لا يعرفه معه أحد آخر .
والله من فوق الجميع يعلم السر وأخفى .
( ٢ )
كان العُزَير عليه السلام يعمل بيديه مثل سائر الأنبياء .
حيث كان له بستان وأراضى ،
يقوم بزراعتها ،
ومتابعتها بالرى وأعمال الزراعة ،
حتى يجنى الثمار بصورة طيبة .
وكان له حمار يرعاه و يشفق عليه ،
فلم يضربه ، ولم يكلفه من العمل ما لا يطيق ،
وكان يستخدمه في ذهابه إلى البستان و عودته .
وفى أحد الأيام ...
ركب العُزَير عليه السلام حماره و توجه الى البستان ،
لم يكن البستان قريباً بل كان بعيداً ،
وبينما كانت الطريق الذي يمتد إليها يمرّ ببقايا مدينة مندثرة و مقابر قديمة مبعثرة ،
وكان الهواء منعشاً في الصباح ، و كانت نسمات طيبة تهبّ من الحقول الخضراء .
مضى الحمار يشق طريقه وسط المزارع الخضراء ، حتى وصل الطريق الترابي الذي يمرّ بخرائب المدينة المندثرة و المقابر القديمة .
ارتفعت الشمس في السماء و راحت ترسل أشعتها الدافئة، و لاحت خرائب المدينة ، المنازل مهدمة ، و الحجارة مبعثرة هنا و هناك ، و في جانب آخر كانت المقبرة هي الأخرى خربة ، و بعض العظام كانت مبعثرة .
نزل العُزَير عليه السلام عن حماره ، و جلس في ظل شجرة.
كان جائعاً و متعباً أخرج قليلا من الطعام ليتناوله ،
ثم راح يجيل بصره في القبور و في خرائب المدينة و العظام البالية .
وأخذ يفكر فى نفسه ...
كيف تعود الحياة الى هؤلاء الذي ماتوا منذ مئات السنين ؟!
وكيف تعود الحياة الى هذه المناطق بعد أن خربها بخت نصر بجبروته وقوته وقتل الكثير من الناس .
و بعد أن ملأت قدرة الله نفسه و قلبه ،
قال العُزَير عليه السلام في نفسه:
{ أنّى يُحيى هذه اللهُ بعد موتها }؟!
فأراد الله أن يجعل له من نفسه آية ،
وهنا شعر العُزَير عليه السلام بالنعاس يُثقل جفنيه و أغمض عينيه قبل أن يتناول طعامه.
ولم يستيقظ ،
لقد مات . . و مات حماره أيضاً .
( ٣ )
مرّت الأيامُ و السنون، لم يرجع العُزَير عليه السلام الى قريته ، خرج أبناؤه يبحثون عنه و لكن أحداً لم يعثر عليه ، ذهبوا الى البستان ، ولكن لا فائدة .
وخرج علماء بنى إسرائيل يبحثون فى كل مكان عن عالمهم الذى يحفظ التوراة ويعرف مكانها ولا يعرف مكانها من البشر سواه .

وأصيب الأبناء والعلماء والجميع بخيبة أمل ،
فلم يرجع !
و بمرور الأيام نسي الناسُ العُزَير عليه السلام و لم يعد يذكره أحد، مرّت الشهور ، و الأعوام ، و العُزَير عليه السلام في مكانه ميت ،
و أصبح الحمار هيكلاً من العظام ، تبعثرت العظام ، و أصبح بعضها مثل التراب .
و لكن العجيب أن الطعام والشراب ظل كما هو على حاله لم تغيره السنون .
وبمرور الأيام دبت الحياة فى القرية بأكملها ،
وتكامل بنيانها وسكانها بعد سبعين عاما فقط ..
واستمر العُزَير عليه السلام على حاله .
( ٤ )
و ذات يوم ..
و في لحظة اختارها الله ..
عادت الروح الى العُزَير عليه السلام . .
وعادت أنفاسه تتردد ، ودبت فيه الحياة من جديد .
وناداه الله قائلا : يا عزير . كم لبثت .
أجاب العُزَير عليه السلام و هو يفرك عينيه :
نمتُ يوماً أو جزءً من اليوم !
وناداه الله قائلا : بل لبثتَ مائة عام !!
قال العُزَير عليه السلام : مائة عام ؟!
نعم ، وشاء الله أن يعيد إليك الحياة . . ليجعل منك آية للذين ينكرون البعث و المعاد . .
انظر يا عزير الى طعامك . .
انه لم يفسد بالرغم من عشرات السنين التي مرّت !!
إن بدنك يا عزير ظل على حاله لم يتغير . . لقد حفظه الله
ثم قال : انظر الى حمارك .
نظر العُزَير عليه السلام إلى حماره ، فلم يجد حمارًا ، إنما وجد عظامًا لحمار مات منذ مائة عام عظام بالية متناثرة بعضها اختلط مع التراب .
انظر يا عزير كيف سيعيد الله سبحانه الحياة للحمار ؟!
كان العُزَير عليه السلام يراقب مدهوشاً بما يجري . .
العظام البالية تتجمع من جديد لتؤلف هيكلاً عظمياً للحمار . .
الجمجمة فى مكانها ، ثم عظام الرقبة ، ثم القفص الصدرى والظهر وقوائم الحمار ..
هو هو هيكل الحمار العظمى .
ثم نبت اللحم و ظهرت العروق !!
و نبت الجلد !! و عاد الشعر . .
ثم عادت أنفاسه مرّة أخرى !!
فجأة نهض الحمار ، و راح يطلق نهيقاً عالياً ،
و هتف العُزَير عليه السلام من أعماقه :
أعلم أن الله على كل شيء قدير !!
و استغرق العُزَير عليه السلام في صلاة خاشعة كان يبكي حبّاً لله وشوقاً إليه . ولسان حاله يقول : سبحانك يا رب ..
ولا تُقال إلا لك ..
سبحانك .. سبحانك
و تناول العُزَير عليه السلام لقمات من طعامه ، و كان متأثراً بشدّة، فطعامه ظل طازجاً كل هذه السنين ، لم يتغير طعمه أبداً بمرور السنين.
كيف أوقف الله عامل الزمن بالنسبة للطعام والشراب ..
واستمرت فى حق الحمار ..
إنها آية بل آيات من الله سبحانه .
( ٥ )
نهض العُزَير عليه السلام و اعتلى ظهر حماره ، عائداً الى قريته .
ومن بعيد لاحت القرية ، وظنّها العُزَير عليه السلام قرية أخرى ! كل شيء فيها قد تغير ، حتى وجوه الناس لم يعرف فيهم أحدًا .
ولم يعرفه أحدٌ .
وبصعوبة بالغة تعرف على منزله فنادى فلم يجبه أحد ، ثم تابع النداء والطرق حتى ردت عليه امرأة عجوز عمياء ،
كانت جارية لهم ابنة عشرين عاما حين خرج عنهم.
فأصبح عمرها الآن ... مائة وعشرين عاما .
فقال لها العُزَير عليه السلام : أهذا منزل عزير ؟!
فقالت نعم ! ثم بكت .
وقالت : فارقنا العُزَير عليه السلام منذ أمدٍ بعيد ولم يعد أحد يذكره !
قال : فأنا العُزَير
قالت : إن العُزَير عليه السلام فقدناه منذ مائة سنة .
قال : فالله أماتني مائة سنة ثم بعثني
قالت : سيدى العُزَير عليه السلام كان مستجاب الدعوة ،
فإن كنت أنت العُزَير ، فادع الله يرد عليَّ بصري
فدعا الله ومسح على عينيها بيده فأبصرت بإذن الله .
فنظرت فإذا هو العُزَير عليه السلام بشحمه ولحمه ، فخرجت تهوى فى طرقات القرية كالمجنونة ، تقول : العزير حى !! العزير حى !!
فأقبل الناس عليها من كل مكان فلم يعهدوا عليها كذبا قط .
وأقبل أحفاد العُزَير عليه السلام شيوخا ،
يتقدمهم ابنٌ للعُزَير عليه السلام شيخ ابن مائة وثمانية وعشرين سنة .
فقالت العجوز : يا قوم هذا والله العُزَير!
فنظروا ليجدوا رجلاً مهيبا يعلوه الوقار و النور ،
رجلاً في الخمسين من عمره .
فقال ابنه : كانت لأبي شامة سوداء مثل الهلال بين كتفيه
فنظروها فوجدوها كما هى شامة سوداء مثل الهلال بين كتفيه
فأكب الشيخ الكبير ابن العزير على أبيه العزير يحتضنه ويبكى ،
وصار الناس يتحدثون الابن أكبر من أبيه .
بل والحفيد أكبر من الجد !
بل يرون الأحفاد والأبناء شيوخًا ، ويرونه أقرب الى الشباب !
وأقبل العلماء فقالوا : إن العُزَير عليه السلام يعرف مكان التوراة .
لقد وضعها في مكان لا يعرفه أحد.
ولقد بحثنا عنها كثيراً و لا فائدة . . لقد بحثنا عنها لأن كل النسخ
الأخرى ضاعت في الحروب .
قال العُزَير عليه السلام : سأدلكم عليها .
انطلق الجميع الى المكان . . رأوا شجرة زيتون قديمة .
كانت الأعشاب قد نبتت ، توجه العُزَير عليه السلام الى المكان ،
راح يحفر و يحفر الى أن عثر على الصندوق الخشبي.
كان الصندوق قد تسوس كثيراً ، و لكن نسخة التوراة ما تزال صحيحة
بل إنهم سألوه أن يتلوها من حفظه،
فتطابق النص المكتوب مع النص المنطوق من فم العُزَير عليه السلام ،
فأقر له العلماء والجميع .
( ٦ )
و آمن الجميع بالمعجزة لقد عاد العُزَير عليه السلام حقاً . . بعد أن اختفى و أصبح حكاية . . بعد أن مات مائة عام ثم بعثه الله ليجعله آية لعباده على قدرة الله في بعث الموتى و حشرهم يوم القيامة.
البعض آمن بالمعجزة ، لأن قلبه . . عرف أن الموت حق و أن البعث حق . . و أن الله قادر على كل شيء .
و همس البعض قائلا : عزير ابن الله !!
البعض صدّق ذلك و البعض سكت راضياً . .
و هتف العُزَير عليه السلام مندداً :
ما أنا إلا عبد لله .. جعلني الله آية لكم .. أفى كل موطن لا تعقلون ؟!
و ضاع صوته بين هذه الأصوات المُغَالِية .
قالوا ذلك لأنهم يريدون أن يعبدوا شيئاً يرونه بأعينهم .
و مات العُزَير عليه السلام ، و رحل عن تلك الدينا . .
أما اليهود .. فيا ويلهم !!
لقد صنعوا منه أسطورة الابن الإلهي .
وسجل الله فى قرآنه الكريم تلك المعجزة لتكون آية للناس فقال تعالى :
((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [سورة البقرة : ٢٥٩]
وندد الله تعالى بكل من قال أن العُزَير ابن الله فقال تعالى :
((وقَالت اليهودٌ عزيرٌ ابنُ اللهِ وقالت النصارى المسيحُ ابنُ اللهِ ذلك قولُهم بأفواهِم يضاهئون قولَ الذين كفروا من قبل قاتلَهم اللهُ أنَّى يؤفكون)) [سورة التوبة : ٣٠]
فالله لم يلد .. ولم يولد .. ولم يكن له كفوا أحدا .. وهو على كل شئ قدير .

منير عرفة : موسوعة القصص القرآني
...المزيد

✍️قال محمَّد خليل هرَّاس: 🔳 مِن أسمائِه سُبحانَه: الحفيظُ، وله معنيانِ: ⏮️ أحدُهما: أنَّه يحفَظُ ...

✍️قال محمَّد خليل هرَّاس:
🔳 مِن أسمائِه سُبحانَه: الحفيظُ، وله معنيانِ:
⏮️ أحدُهما: أنَّه يحفَظُ على العبادِ ما عَمِلوه مِن خيرٍ وشرٍّ، وعُرْفٍ ونُكْرٍ، وطاعةٍ ومَعصيةٍ...
⏮️ والمعنى الثَّاني مِن مَعنيَيِ الحفيظِ: أنَّه تعالى الحافظُ لعبادِه مِن جميعِ ما يكرَهونَ...
🔲 وحِفظُه لخَلْقِه نوعانِ: عامٌّ وخاصٌّ؛
⏹️ فالعامُّ: هو حِفظُه لجميعِ المخلوقاتِ...
⏹️ والنَّوعُ الثَّاني: حِفظُه الخاصُّ لأوليائِه حِفظًا زائدًا على ما تقدَّمَ؛ يحفَظُهم عمَّا يضُرُّ إيمانَهم، ويُزلزِلُ يقينَهم...
((شرح القصيدة النونية))(2/90)
════════❁══════
📙 خدمة فوائد علمية 📙
════════❁══════
📌 للاشتراك في الخدمة: أرسل (اشتراك) إلى الرقم
249100802323
📎 انشر تؤجر بإذن الله 📎
...المزيد

في آخر ساعة من الجمعة أسبغ الوضوء، ثم صلِّ ركعتين ولا حرج؛ لأنها سنة الوضوء، وإن ذهبت للمسجد فستكون ...

في آخر ساعة من الجمعة أسبغ الوضوء، ثم صلِّ ركعتين ولا حرج؛ لأنها سنة الوضوء، وإن ذهبت للمسجد فستكون تحية مسجد وسنة وضوء، بل ذهابك إليه أفضل؛ لأنه ﷺ كما في البخاري ومسلم: لما ذكر يوم الجمعة قال: " فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه وأشار بيده يقللها ...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
23 ربيع الأول 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً