✍قال الجرَّاح الحكمي: ((تركت الذُّنوب حياءً أربعين سنة، ثمَّ أدركني الورع)) ((سير أعلام ...

✍قال الجرَّاح الحكمي:
((تركت الذُّنوب حياءً أربعين سنة، ثمَّ أدركني الورع))
((سير أعلام النبلاء))(5/290)
════════❁══════
📙 خدمة فوائد علمية 📙
════════❁══════
📌 للاشتراك في الخدمة: تفضل بالضغط على الرابط التالي :
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
📎 انشر تؤجر بإذن الله 📎
...المزيد

مقدمة خطبة عن القرآن الكريم وأثره - قصيرة - مكتوبة الحمد لله الذي أنزل القرآن نورًا وهدًى، ...

مقدمة خطبة عن القرآن الكريم وأثره - قصيرة - مكتوبة

الحمد لله الذي أنزل القرآن نورًا وهدًى، ورحمةً للعباد وسُدًى، فيه شفاء للصدور، وهداية للنفوس، نحمده على وحيه، ونشكره على عطائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بحبل القرآن، فإنه النجاة من الفتن، والنور في الظُلمات، والحصن من الشبهات، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، فتدبروه وتعلموه، واعملوا به ولا تهجروه، فهو كلام الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والمكافأة هي: خطبة عن القرآن الكريم مكتوبة «قصيرة & مشكولة»
...المزيد

✍️عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((خَدَمْتُ النَّبيَّ ﷺ عَشْرَ سِنينَ، فما قال لي: أُفٍّ، ولا: لمَ ...

✍️عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((خَدَمْتُ النَّبيَّ ﷺ عَشْرَ سِنينَ، فما قال لي: أُفٍّ، ولا: لمَ صَنَعْتَ؟! ولا: ألا صَنَعْتَ؟!))
((رواه البخاري))(6038)، و((مسلم))(2309).
════════❁══════
📙 خدمة فوائد علمية 📙
════════❁══════
📌 للاشتراك في الخدمة: تفضل بالضغط على الرابط التالي :
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
📎 انشر تؤجر بإذن الله 📎
...المزيد

✍قال الله عز وجل للرحم: ((أمَا تَرضَينَ أن أصِلَ مَن وصلَكِ، وأقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالت: بلى، يا ...

✍قال الله عز وجل للرحم:
((أمَا تَرضَينَ أن أصِلَ مَن وصلَكِ، وأقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالت: بلى، يا رَبِّ. قال: فهو لَكِ))
((أخرجه البخاري))(5987)، و((مسلم))(2554).
════════❁══════
📙 خدمة فوائد علمية 📙
════════❁══════
📌 للاشتراك في الخدمة: تفضل بالضغط على الرابط التالي :
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
📎 انشر تؤجر بإذن الله 📎
...المزيد

✍قال رسول اللهﷺ: ((ليس الواصِلُ بالمكافِئِ، ولكِنَّ الواصِلَ الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه ...

✍قال رسول اللهﷺ:
((ليس الواصِلُ بالمكافِئِ، ولكِنَّ الواصِلَ الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وَصَلَها))
((أخرجه البخاري))(5991)
════════❁══════
📙 خدمة فوائد علمية 📙
════════❁══════
📌 للاشتراك في الخدمة: تفضل بالضغط على الرابط التالي :
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
📎 انشر تؤجر بإذن الله 📎
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (2) تحدثنا في العدد السابق -بحمد الله تعالى- عن بعض الضوابط في ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (2)

تحدثنا في العدد السابق -بحمد الله تعالى- عن بعض الضوابط في مسألة التعامل مع أخبار الفتن والملاحم التي تقع في آخر الزمان، وخاصة ما ورد منها في صحاح الأحاديث النبوية.

وبيّنا وجوب الإيمان بكل خبر ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، بما فيها أخبار الفتن والملاحم التي هي من أنباء الغيب، مع التأكيد على التثبت من صحة نسبة هذه الأخبار إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصحة تأويل هذه الأخبار الواردة في الوحيين، وعدم الالتفات إلى الأخبار المكذوبة والتأويلات الباطلة.

وكما يتفاضل الناس إزاء أي من واجبات الإيمان، فإنهم يتفاضلون أيضا في مواقفهم من هذا الواجب، وهو الإيمان بأخبار المرسلين، التي منها ما أخبروا عنه من فتن آخر الزمان وأشراط الساعة، فهُم بين مؤمن بها حق الإيمان، وبين ناقصٍ إيمانه بها لمرض في قلبه، وبين جاحد لها أشد الجحود، ومنافق يظهر الإيمان، ويطعن فيه من جوانب يظنها تخفى على المؤمنين.

ولنا في كتاب الله وسيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الكثير من النماذج التي توضح اختلاف مواقف الناس من أخبار المرسلين.


• الكافرون: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

فقد أوحى الله تعالى إلى عبده نوح -عليه السلام- شيئا من الغيب في مصير من كفر من قومه، وأمره بصناعة الفلك لتجنيب الذين آمنوا ما سيصيب المشركين من العذاب، ولكن الذين كفروا بكل ما أنبأهم نبيهم من أمر الغيب لم يكونوا ليؤمنوا بما بلغهم من أمر العذاب الذي قدّره الله عليهم، فسخروا من نوح وما يعدهم به من العذاب، وطالبوه أن يستعجل لهم ما يعدهم به، حتى حاق بهم ما كانوا به يستهزؤون، في الوقت الذي كان نبي الله موقنا بوعد ربه له، ويتوعد به الكفار أنهم مصيبهم ما وعدهم ربهم لا محالة، قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 36-39].

وهذا المشهد نجده يتكرر في كثير من قصص الأنبياء مع الكافرين من أقوامهم، تكذيب لهذه الوعود، وسخرية منها، حتى وهم متيقنون من صدق أنبياءهم، كما كان حال كفار قريش مع الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومن ذلك ما رواه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- من اعتداء قومه على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، فلما أكثروا من أذاه، توعَّدهم بما يسوؤهم، وهو في حال استضعاف منهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح)، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: "انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فوالله ما كنت جهولا"، ثم عادوا إلى إيذائه في اليوم التالي، رغم ما وجدوه في أنفسهم من رهبة له عندما توعدهم.


• المنافقون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

وكذلك نجد في مواقف المنافقين محاولات للطعن في صدق دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خلال التشكيك فيما أخبر المسلمينَ به من بشائر وهم في أحلك الظروف، ليثبتهم بها، ويربط على قلوبهم، فاستغل المنافقون الضعف الذي مرَّ به المسلمون، ليشككوهم في صدقه -عليه الصلاة والسلام-، إذ يبشّرهم بفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، وهم يخشون أن يدخل عليهم عدوهم في أي لحظة، فيستبيح بيضاءهم ويستأصل شأفتهم.

فقد روى الإمام أبو جعفر الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، عن قتادة قوله: "قال ذلك أُناس من المنافقين، قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حُصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" [جامع البيان في تأويل القرآن].

• الظالمون: اذهب أنت وربك فقاتلا

وهذا المرض، وهو عدم تصديق أخبار الأنبياء والمرسلين، قد لا يتجلى في الإنكار القولي، ولكنه يظهر أحيانا بصورة التولي العملي عن تنفيذ الأحكام التي قد ترتبط بهذه الأخبار، كما كان حال بني إسرائيل مع إخبار نبيهم موسى -عليه السلام- لهم بأن الله قد جعل لهم الأرض المقدسة، وأمرهم فقط أن يدخلوها فينصرهم الله على عدوهم ويورثهم الأرض التي بأيديهم، وهذا ما فقِهَه أولوا الإيمان من بني إسرائيل، فقالوا: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].

فكان جواب الظالمين التشكيك في هذا الوعد من خلال امتناعهم عن تنفيذ أمر الله لهم بدخول تلك الأرض، بحجة أن فيها قوما جبارين يمنعون من تحقيق موعود الله تعالى لهم، كما قال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 21-22].

فكان عقوبة فعلهم هذا أن حرَّمها الله عليهم أربعين سنة، ثم صدق وعده مع بني إسرائيل بأن أدخلهم هذه الأرض التي كتبها لهم، كما قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137]، وذلك بعد أن خرج منهم من صدّق موعود الله وأطاع أمره سبحانه، وما كان الله ليُخلف وعده، وإن استبطأ الناس تحقيقه، قال تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 47].


• المؤمنون: هذا ما وعدنا الله ورسوله

أما أهل الإيمان فإنهم يصدقون موعودَ الله، ويزدادون إيمانا بما يجدونه في واقعهم من حدوث ما آمنوا به سابقا من أخبار جاءتهم عن طريق الوحي، حتى لو كانت تلك الأخبار تتضمن ابتلاءات سيجدونها في طريقهم قبل أن يأتيهم نصر الله، كما كان موقفهم من قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، إذ وجدوا مصداقا لها في ذات الموقف الذي أظهر المنافقون فيه كفرهم، وهو الشدة التي أصابتهم يوم الأحزاب، فازدادوا بذلك تصديقا لكلام الله ورسوله، وازدادوا بذلك إيمانا.

قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء، فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] أي: تصديقا لله وتسليما لأمر الله" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].

وهذا التصديق رافقه عمل صالح هو الثبات أمام الأحزاب، والصبر على الشدة والحرب حتى فصل الله بينهم وبين القوم المشركين، وكان فرحهم بتحقق موعود الله تعالى لهم بالنصر يرافقه فرح آخر ببشرى جديدة ألقاها إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تتعلق بانقلاب كلي في مسار الحرب بين المسلمين ومشركي قريش، بقوله: (نغزوهم ولا يغزوننا) [رواه البخاري]، فلا زالوا مصدّقين لذلك حتى فتح الله عليهم مكة عقر دار المشركين يومئذ.

وهكذا هم المتّقون في كل زمان، يؤمنون بالغيب، الذي منه ما جاءهم من أنباء ما يأتي من الأيام، ويؤمنون بكل ما أنزل إلى أنبيائهم، ومنه ما أوحي إليهم من أخبار آخر الزمان، ويوقنون بالآخرة وبالساعة، التي يبعث فيها الناس من قبورهم، ويُنشرون لحسابهم، ويؤمنون بما جاءهم من أشراطها، التي لا تقوم إلا بعد حدوثها، كما قال تعالى فيهم: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 2-5].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

✍قال النووي: ((أجمع العُلَماءُ على الأمرِ ببِرِّ الوالِدَينِ وأنَّ عُقوقَهما حرامٌ مِن ...

✍قال النووي:
((أجمع العُلَماءُ على الأمرِ ببِرِّ الوالِدَينِ وأنَّ عُقوقَهما حرامٌ مِن الكبائِرِ))
((شرح صحيح مسلم)) (16/104)
════════❁══════
📙 خدمة فوائد علمية 📙
════════❁══════
📌 للاشتراك في الخدمة: تفضل بالضغط على الرابط التالي :
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
📎 انشر تؤجر بإذن الله 📎
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (2) تحدثنا في العدد السابق -بحمد الله تعالى- عن بعض الضوابط في ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (2)

تحدثنا في العدد السابق -بحمد الله تعالى- عن بعض الضوابط في مسألة التعامل مع أخبار الفتن والملاحم التي تقع في آخر الزمان، وخاصة ما ورد منها في صحاح الأحاديث النبوية.

وبيّنا وجوب الإيمان بكل خبر ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، بما فيها أخبار الفتن والملاحم التي هي من أنباء الغيب، مع التأكيد على التثبت من صحة نسبة هذه الأخبار إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصحة تأويل هذه الأخبار الواردة في الوحيين، وعدم الالتفات إلى الأخبار المكذوبة والتأويلات الباطلة.

وكما يتفاضل الناس إزاء أي من واجبات الإيمان، فإنهم يتفاضلون أيضا في مواقفهم من هذا الواجب، وهو الإيمان بأخبار المرسلين، التي منها ما أخبروا عنه من فتن آخر الزمان وأشراط الساعة، فهُم بين مؤمن بها حق الإيمان، وبين ناقصٍ إيمانه بها لمرض في قلبه، وبين جاحد لها أشد الجحود، ومنافق يظهر الإيمان، ويطعن فيه من جوانب يظنها تخفى على المؤمنين.

ولنا في كتاب الله وسيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الكثير من النماذج التي توضح اختلاف مواقف الناس من أخبار المرسلين.


• الكافرون: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

فقد أوحى الله تعالى إلى عبده نوح -عليه السلام- شيئا من الغيب في مصير من كفر من قومه، وأمره بصناعة الفلك لتجنيب الذين آمنوا ما سيصيب المشركين من العذاب، ولكن الذين كفروا بكل ما أنبأهم نبيهم من أمر الغيب لم يكونوا ليؤمنوا بما بلغهم من أمر العذاب الذي قدّره الله عليهم، فسخروا من نوح وما يعدهم به من العذاب، وطالبوه أن يستعجل لهم ما يعدهم به، حتى حاق بهم ما كانوا به يستهزؤون، في الوقت الذي كان نبي الله موقنا بوعد ربه له، ويتوعد به الكفار أنهم مصيبهم ما وعدهم ربهم لا محالة، قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 36-39].

وهذا المشهد نجده يتكرر في كثير من قصص الأنبياء مع الكافرين من أقوامهم، تكذيب لهذه الوعود، وسخرية منها، حتى وهم متيقنون من صدق أنبياءهم، كما كان حال كفار قريش مع الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومن ذلك ما رواه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- من اعتداء قومه على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، فلما أكثروا من أذاه، توعَّدهم بما يسوؤهم، وهو في حال استضعاف منهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح)، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: "انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فوالله ما كنت جهولا"، ثم عادوا إلى إيذائه في اليوم التالي، رغم ما وجدوه في أنفسهم من رهبة له عندما توعدهم.


• المنافقون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

وكذلك نجد في مواقف المنافقين محاولات للطعن في صدق دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خلال التشكيك فيما أخبر المسلمينَ به من بشائر وهم في أحلك الظروف، ليثبتهم بها، ويربط على قلوبهم، فاستغل المنافقون الضعف الذي مرَّ به المسلمون، ليشككوهم في صدقه -عليه الصلاة والسلام-، إذ يبشّرهم بفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، وهم يخشون أن يدخل عليهم عدوهم في أي لحظة، فيستبيح بيضاءهم ويستأصل شأفتهم.

فقد روى الإمام أبو جعفر الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، عن قتادة قوله: "قال ذلك أُناس من المنافقين، قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حُصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" [جامع البيان في تأويل القرآن].

• الظالمون: اذهب أنت وربك فقاتلا

وهذا المرض، وهو عدم تصديق أخبار الأنبياء والمرسلين، قد لا يتجلى في الإنكار القولي، ولكنه يظهر أحيانا بصورة التولي العملي عن تنفيذ الأحكام التي قد ترتبط بهذه الأخبار، كما كان حال بني إسرائيل مع إخبار نبيهم موسى -عليه السلام- لهم بأن الله قد جعل لهم الأرض المقدسة، وأمرهم فقط أن يدخلوها فينصرهم الله على عدوهم ويورثهم الأرض التي بأيديهم، وهذا ما فقِهَه أولوا الإيمان من بني إسرائيل، فقالوا: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].

فكان جواب الظالمين التشكيك في هذا الوعد من خلال امتناعهم عن تنفيذ أمر الله لهم بدخول تلك الأرض، بحجة أن فيها قوما جبارين يمنعون من تحقيق موعود الله تعالى لهم، كما قال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 21-22].

فكان عقوبة فعلهم هذا أن حرَّمها الله عليهم أربعين سنة، ثم صدق وعده مع بني إسرائيل بأن أدخلهم هذه الأرض التي كتبها لهم، كما قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137]، وذلك بعد أن خرج منهم من صدّق موعود الله وأطاع أمره سبحانه، وما كان الله ليُخلف وعده، وإن استبطأ الناس تحقيقه، قال تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 47].


• المؤمنون: هذا ما وعدنا الله ورسوله

أما أهل الإيمان فإنهم يصدقون موعودَ الله، ويزدادون إيمانا بما يجدونه في واقعهم من حدوث ما آمنوا به سابقا من أخبار جاءتهم عن طريق الوحي، حتى لو كانت تلك الأخبار تتضمن ابتلاءات سيجدونها في طريقهم قبل أن يأتيهم نصر الله، كما كان موقفهم من قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، إذ وجدوا مصداقا لها في ذات الموقف الذي أظهر المنافقون فيه كفرهم، وهو الشدة التي أصابتهم يوم الأحزاب، فازدادوا بذلك تصديقا لكلام الله ورسوله، وازدادوا بذلك إيمانا.

قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء، فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] أي: تصديقا لله وتسليما لأمر الله" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].

وهذا التصديق رافقه عمل صالح هو الثبات أمام الأحزاب، والصبر على الشدة والحرب حتى فصل الله بينهم وبين القوم المشركين، وكان فرحهم بتحقق موعود الله تعالى لهم بالنصر يرافقه فرح آخر ببشرى جديدة ألقاها إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تتعلق بانقلاب كلي في مسار الحرب بين المسلمين ومشركي قريش، بقوله: (نغزوهم ولا يغزوننا) [رواه البخاري]، فلا زالوا مصدّقين لذلك حتى فتح الله عليهم مكة عقر دار المشركين يومئذ.

وهكذا هم المتّقون في كل زمان، يؤمنون بالغيب، الذي منه ما جاءهم من أنباء ما يأتي من الأيام، ويؤمنون بكل ما أنزل إلى أنبيائهم، ومنه ما أوحي إليهم من أخبار آخر الزمان، ويوقنون بالآخرة وبالساعة، التي يبعث فيها الناس من قبورهم، ويُنشرون لحسابهم، ويؤمنون بما جاءهم من أشراطها، التي لا تقوم إلا بعد حدوثها، كما قال تعالى فيهم: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 2-5].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

لقد كان في قصصهم عبرة (3) • ذو القرنين رحمه الله لقد أنزل الله سبحانه القرآن العظيم على ...

لقد كان في قصصهم عبرة (3)


• ذو القرنين رحمه الله


لقد أنزل الله سبحانه القرآن العظيم على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد تضمن آيات الأحكام والقصص والعبر والأمثال لتكون منارا للموحدين السائرين إلى ربهم، ومن القصص التي ينبغي أن نقف عندها ونستقي منها العلم النافع ونحن نسير على طريق الموحدين الغزاة في سبيل الله هي قصة ذي القرنين.
ذلك الملك الصالح الغازي في سبيل الله الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها فاتحا داعيا إلى الله تعالى بالسيف واللسان، وهذا ما يحتاجه المجاهدون اليوم وهم يسيرون على خطى ذلك الملك الصالح في بلوغ الوعد الإلهي وظهور هذه الأمة في هذا الزمان على العالمين، فإن الله تعالى أعطى ذا القرنين من كل شيء سببا، أي إن الله تبارك وتعالى أراد له التمكين في الأرض فأعطاه من كل العلوم والخبرات لتكون له سببا في سعيه وغزوه في سبيل الله ومواجهة أمم الكفر في وقته، قال الإمام البغوي في تفسيره: "أعطيناه من كل شيء يحتاج إليه الخلق، وقيل: من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء، {سببا} أي: علما يتسبب به إلى كل ما يريد ويسير به في أقطار الأرض، والسبب: ما يوصل الشيء إلى الشيء".
وحينها أخبرنا الله تعالى أنه {اتبع سببا}، أي سار في منازل الأرض ومعالمها وطرقها، فبلغ مغرب الشمس ووجد في تلك البلاد البعيدة أمة عظيمة من الأمم الكافرة، فألهمه الله أن يفعل فيهم أحد أمرين إما أن يعذبهم بالقتل إن لم يقبلوا التوحيد أو أن يتخذ فيهم حسنا قيل: أي أن يأسرهم ويعلمهم الهدى، وبعد أن أظفره الله بهم كان حكمه فيهم: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 87-88]، فأخبرنا الله تعالى عن سيرته في الأقوام الكافرين، فمن أصر منهم وعاند فإن جزاءه التعذيب الدنيوي بيد ذي القرنين وهو القتل، ثم يرد إلى ربه سبحانه فيعذبه العذاب الأنكر من القتل وهو العذاب بنار جهنم.
وهكذا يسير كل موحد مجاهد في من ظلم وتعدى على حق الله وعبد غيره، فإن الشرك أعظم الظلم، ومن تعدى على حق الله وعبَد غيره فإن جزاءه العذاب بأيدي الموحدين، قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، وأما من آمن وعمل صالحا فله الحسنى عند ربه وهي الجنة، وأما عند ذي القرنين فإنه سيجد منه اللين والمعاملة الطيبة، معاملة المسلم لأخيه المسلم، فمنهج ذي القرنين يعتمد على أخوة الدين مهما اختلفت الأعراق والأجناس، فمن أسلم وعبَد الله وكفر بالمعبودات الباطلة فهو وليه وأخوه.
وتستمر رحلة الملك الغازي في سبيل الله سيرا في طرق الأرض ومعالمها حتى بلغ مطلع الشمس فوجد فيها قوما ليس لهم بنيان يسترهم عنها، فسار فيهم مسيرة من قبلهم في المعاملة الرشيدة، ثم سار في مسلك آخر حتى وصل بين السدين أي الجبلين حيث يخرج من بينهما قوم يأجوج ومأجوج ليشنوا غاراتهم، وهم قوم مفسدون ظالمون باغون، وكان خارج السد أقوام في عزلة عن الناس، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم"، ولكن الله تعالى آتى ذا القرنين من كل شيء سببا، فجاءه المترجم ليسمع منه مُراد أولئك القوم الذين عانوا من فساد وشر يأجوج ومأجوج ، فوجدوا في ذي القرنين الرجل الصالح الذي يريد إصلاح الأرض بالتوحيد والسير بين الناس بالعدل ورفع الظلم، {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94].
وسياق الآية يدل على أن هؤلاء الأقوام المنعزلين عن محيطهم كانوا أيضا يملكون المال ولكنهم لم يستطيعوا توظيف جهدهم لمواجهة خطر يأجوج ومأجوج، فعرضوا على ذي القرنين أن يعطوه المال مقابل أن يبني لهم سدا يكف به شر يأجوج ومأجوج الذين أهلكوا الحرث والنسل، ولكن ذا القرنين عرض عليهم عرضا مغايرا، فأخبرهم أنه ليس بحاجة إلى أموالهم ولكن يحتاج جهدهم البشري، فكان جوابه يفيض بالاعتراف بنعمة الله تعالى ونسبة الفضل إليه والتعفف عن أموال الغير، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السلام: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النَّمْلِ: 36] وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني {بِقُوَّةٍ} أي: بعملكم وآلات البناء".

وعندما تهيأت آلات البناء واستعد الناس للعمل، قام ذو القرنين باستخدام ما حباه الله به من أسباب النجاح فقال، {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، أي إن ذا القرنين جمع قطع الحديد ورتبها حتى بلغ بها رؤوس الجبلين، ثم أجج فيها النار ثم أفرغ في الحديد المذاب نحاسا حتى يكون السد صلبا لا يمكن ثقبه، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، ولأن الظهور من فوق السد أسهل من نقبه، جاءت الأولى بالتخفيف بدون تاء {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} وجاءت الثانية بالتاء للتعبير عن استحالة إحداث نقب فيه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}.
ثم قال ذو القرنين بعد اكتمال بناء السد معترفا مرة أخرى بنعمة الله عليه ورادا الفضل إليه: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}، وهكذا ينبغي لكل مجاهد غاز في سبيل الله أن يرد الفضل لله سبحانه في كل أحواله مهما بذل وتعب ومهما جنى من النتائج المفرحة التي يحبها ويرجوها من المغنم والفتح والتمكين والظهور على الكفار، فإن ذلك كله بفضل الله ورحمته، وقد ذكر الله قول عبده الملك الصالح لنقتديَ به ونعتبر، فمن شكر نعمة الله زاده الله من فضله ورحمته.
أما هؤلاء القوم المفسدون فلا يزالون يحفرون حتى يأذن الله عز وجل بخروجهم وذلك حين يسوي الله تعالى السد بالأرض فيدكه دكا، وقد أعطى الله تعالى ذا القرنين العلم بهذا حين قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}، قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم، جعله دكاء، يقول: سوَّاه بالأرض، فألزقه بها، وكان وعد ربي الذي وعد خلقه في دك هذا الردم، وخروج هؤلاء القوم على الناس، وعيثهم فيه، وغير ذلك من وعده حقا، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن".
فهذه قصة عبد صالح من عبيد الله تعالى، مكن له في الأرض، فحمد الله على هذه النعمة بإقامة دينه، والسعي في إخضاع الناس لحكمه، وجهاد المشركين في سبيله، واتخذ في ذلك كل ما مكنه الله من وسائل القوة المادية التي استعان بها على أعداء الله تعالى، وحري على كل مسلم أن يستن بسنة هذا العبد الصالح، الذي أثنى عليه ربه، وقص قصته على عبيده ليتأسوا به.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

لقد كان في قصصهم عبرة (3) • ذو القرنين رحمه الله لقد أنزل الله سبحانه القرآن ...

لقد كان في قصصهم عبرة (3)



• ذو القرنين رحمه الله



لقد أنزل الله سبحانه القرآن العظيم على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد تضمن آيات الأحكام والقصص والعبر والأمثال لتكون منارا للموحدين السائرين إلى ربهم، ومن القصص التي ينبغي أن نقف عندها ونستقي منها العلم النافع ونحن نسير على طريق الموحدين الغزاة في سبيل الله هي قصة ذي القرنين.

ذلك الملك الصالح الغازي في سبيل الله الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها فاتحا داعيا إلى الله تعالى بالسيف واللسان، وهذا ما يحتاجه المجاهدون اليوم وهم يسيرون على خطى ذلك الملك الصالح في بلوغ الوعد الإلهي وظهور هذه الأمة في هذا الزمان على العالمين، فإن الله تعالى أعطى ذا القرنين من كل شيء سببا، أي إن الله تبارك وتعالى أراد له التمكين في الأرض فأعطاه من كل العلوم والخبرات لتكون له سببا في سعيه وغزوه في سبيل الله ومواجهة أمم الكفر في وقته، قال الإمام البغوي في تفسيره: "أعطيناه من كل شيء يحتاج إليه الخلق، وقيل: من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء، {سببا} أي: علما يتسبب به إلى كل ما يريد ويسير به في أقطار الأرض، والسبب: ما يوصل الشيء إلى الشيء".

وحينها أخبرنا الله تعالى أنه {اتبع سببا}، أي سار في منازل الأرض ومعالمها وطرقها، فبلغ مغرب الشمس ووجد في تلك البلاد البعيدة أمة عظيمة من الأمم الكافرة، فألهمه الله أن يفعل فيهم أحد أمرين إما أن يعذبهم بالقتل إن لم يقبلوا التوحيد أو أن يتخذ فيهم حسنا قيل: أي أن يأسرهم ويعلمهم الهدى، وبعد أن أظفره الله بهم كان حكمه فيهم: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 87-88]، فأخبرنا الله تعالى عن سيرته في الأقوام الكافرين، فمن أصر منهم وعاند فإن جزاءه التعذيب الدنيوي بيد ذي القرنين وهو القتل، ثم يرد إلى ربه سبحانه فيعذبه العذاب الأنكر من القتل وهو العذاب بنار جهنم.

وهكذا يسير كل موحد مجاهد في من ظلم وتعدى على حق الله وعبد غيره، فإن الشرك أعظم الظلم، ومن تعدى على حق الله وعبَد غيره فإن جزاءه العذاب بأيدي الموحدين، قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، وأما من آمن وعمل صالحا فله الحسنى عند ربه وهي الجنة، وأما عند ذي القرنين فإنه سيجد منه اللين والمعاملة الطيبة، معاملة المسلم لأخيه المسلم، فمنهج ذي القرنين يعتمد على أخوة الدين مهما اختلفت الأعراق والأجناس، فمن أسلم وعبَد الله وكفر بالمعبودات الباطلة فهو وليه وأخوه.

وتستمر رحلة الملك الغازي في سبيل الله سيرا في طرق الأرض ومعالمها حتى بلغ مطلع الشمس فوجد فيها قوما ليس لهم بنيان يسترهم عنها، فسار فيهم مسيرة من قبلهم في المعاملة الرشيدة، ثم سار في مسلك آخر حتى وصل بين السدين أي الجبلين حيث يخرج من بينهما قوم يأجوج ومأجوج ليشنوا غاراتهم، وهم قوم مفسدون ظالمون باغون، وكان خارج السد أقوام في عزلة عن الناس، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم"، ولكن الله تعالى آتى ذا القرنين من كل شيء سببا، فجاءه المترجم ليسمع منه مُراد أولئك القوم الذين عانوا من فساد وشر يأجوج ومأجوج ، فوجدوا في ذي القرنين الرجل الصالح الذي يريد إصلاح الأرض بالتوحيد والسير بين الناس بالعدل ورفع الظلم، {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94].

وسياق الآية يدل على أن هؤلاء الأقوام المنعزلين عن محيطهم كانوا أيضا يملكون المال ولكنهم لم يستطيعوا توظيف جهدهم لمواجهة خطر يأجوج ومأجوج، فعرضوا على ذي القرنين أن يعطوه المال مقابل أن يبني لهم سدا يكف به شر يأجوج ومأجوج الذين أهلكوا الحرث والنسل، ولكن ذا القرنين عرض عليهم عرضا مغايرا، فأخبرهم أنه ليس بحاجة إلى أموالهم ولكن يحتاج جهدهم البشري، فكان جوابه يفيض بالاعتراف بنعمة الله تعالى ونسبة الفضل إليه والتعفف عن أموال الغير، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السلام: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النَّمْلِ: 36] وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني {بِقُوَّةٍ} أي: بعملكم وآلات البناء".

وعندما تهيأت آلات البناء واستعد الناس للعمل، قام ذو القرنين باستخدام ما حباه الله به من أسباب النجاح فقال، {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، أي إن ذا القرنين جمع قطع الحديد ورتبها حتى بلغ بها رؤوس الجبلين، ثم أجج فيها النار ثم أفرغ في الحديد المذاب نحاسا حتى يكون السد صلبا لا يمكن ثقبه، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، ولأن الظهور من فوق السد أسهل من نقبه، جاءت الأولى بالتخفيف بدون تاء {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} وجاءت الثانية بالتاء للتعبير عن استحالة إحداث نقب فيه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}.

ثم قال ذو القرنين بعد اكتمال بناء السد معترفا مرة أخرى بنعمة الله عليه ورادا الفضل إليه: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}، وهكذا ينبغي لكل مجاهد غاز في سبيل الله أن يرد الفضل لله سبحانه في كل أحواله مهما بذل وتعب ومهما جنى من النتائج المفرحة التي يحبها ويرجوها من المغنم والفتح والتمكين والظهور على الكفار، فإن ذلك كله بفضل الله ورحمته، وقد ذكر الله قول عبده الملك الصالح لنقتديَ به ونعتبر، فمن شكر نعمة الله زاده الله من فضله ورحمته.

أما هؤلاء القوم المفسدون فلا يزالون يحفرون حتى يأذن الله عز وجل بخروجهم وذلك حين يسوي الله تعالى السد بالأرض فيدكه دكا، وقد أعطى الله تعالى ذا القرنين العلم بهذا حين قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}، قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم، جعله دكاء، يقول: سوَّاه بالأرض، فألزقه بها، وكان وعد ربي الذي وعد خلقه في دك هذا الردم، وخروج هؤلاء القوم على الناس، وعيثهم فيه، وغير ذلك من وعده حقا، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن".

فهذه قصة عبد صالح من عبيد الله تعالى، مكن له في الأرض، فحمد الله على هذه النعمة بإقامة دينه، والسعي في إخضاع الناس لحكمه، وجهاد المشركين في سبيله، واتخذ في ذلك كل ما مكنه الله من وسائل القوة المادية التي استعان بها على أعداء الله تعالى، وحري على كل مسلم أن يستن بسنة هذا العبد الصالح، الذي أثنى عليه ربه، وقص قصته على عبيده ليتأسوا به.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد: دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله أبو سليمان الليبي: ...

صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد:

دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله
أبو سليمان الليبي:
"لقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا"


إن الدعوة إلى الله هدي الأنبياء، وسبيل الصالحين والأتقياء، قال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وللدعوة طريقان، طريق السنان وطريق اللسان، وأكمل أسلوب للدعوة هو الجمع بين الطريقين، وقد تجسَّد ذلك كله بأخلاق النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وسار على هديه الصحابة والتابعون الكرام، فقد كانوا دعاة لله بأفعالهم قبل أقوالهم.

وممن نحسبه كذلك -والله حسيبه- الأخ المجاهد أبو سليمان الليبي -تقبله الله- فلقد كان -رحمه الله- مثلا في الدعوة إلى الله بفعله وقوله، حيث كان طالب علم على صغر سنِّه الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين، وقد كان حافظا لكتاب الله، ولآلاف من الأحاديث النبوية الصحيحة، وكان له باع في علوم الآلة.

ولم يكن -تقبله الله- ممن حفظ المتون والكتب وتجاهل العمل بها، بل كان علمه قائدا له في جميع شؤون حياته، فكان قوّاما بالليل صواما بالنهار، عابدا لله على بصيرة، مجاهدا ذو أخلاق كريمة رفيعة.

لم تمنعه الدنيا من الالتحاق بجندية الخلافة
ينحدر أبو سليمان الليبي -تقبله الله- من عائلة ثرية من مدينة بنغازي، فلم يكن ينقصه المال كي يطلبه عبر الغزوات أو القتال، ولم تكن تنقصه الشهرة كي يطلبها عن طريق الالتحاق بصفوف الدولة الإسلامية وجنديتها، لم يرض القعود ودماءُ المسلمين تسيل، وأعراضهم تنتهك، فشمَّر عن ساعد الجد، وتسلَّح بالإيمان وتوكل على الله، وأدرك يقينا حقيقة الضر والنفع، التي لخَّصها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بقوله لابن عباس -رضي الله عنه- عندما كان يافعا: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [سنن الترمذي].

كان حريصا على طلب العلم وتعلمه، وكان أكثر ما يحرص على علم المواريث، ولم يكن طلبه للعلم يصدُّه عن الجهاد في سبيل الله، بل كان من السباقين للقتال في ليبيا منذ اندلعت شرارة الجهاد فيها، وأُصيب -تقبله الله- في إحدى المعارك هناك خلال قتاله ضد المرتدين أعوان الصليبيين الأمريكان.

ولما منّ الله على عباده المجاهدين بإعلان الخلافة، سارع بإعلان بيعته لخليفة المسلمين وحثَّ إخوانه هناك على اللحاق بركب الخلافة، خاصة وأنه وجد في إعلانها في ذلك الوقت فرصة ذهبية لجمع شتات الأمة بعد تبعثرها ولإحيائها بعد موتها بمئات السنين، ففرح أشد الفرح لإعلانها وبدأ ينشط نشاطا كبيرا لإقناع إخوانه بالالتحاق بركبها.


• ابتعاثه إلى أرض الشام

فانتدبه إخوانه للهجرة إلى أرض الشام مبتعثا من قبلهم للتواصل مع الأمراء، وإخبارهم عن حال إخوانهم في ليبيا وإطلاعهم على منهجهم وعقيدتهم، فانطلق أبو سليمان قاصدا أرض الشام، فالتقى بإخوانه من الأمراء ورفع لهم أمر إخوانه في ليبيا، فرحبوا به وبإخوانه بعد أن تأكدوا من صحة منهجهم، وقوة عزيمتهم، وقام بدوره -تقبله الله- بنقل ما رآه في أرض العراق والشام لإخوانه في ليبيا مشجعا ومحرضا لهم على البيعة، فبايع الإخوة هناك.

وبعد فترة وجيزة من وصوله لأرض الشام، عُين -تقبله الله- الشرعي العام لولاية حمص وأميرا للمراكز الشرعية فيها، فأحبه الإخوة حبا شديدا لما رأوا من طيب أخلاقه وحسن إدارته، وما زادته تلك التكليفات إلا انكسارا لربه وتواضعا لإخوانه الذين وُلِّي أمرهم.

واستمر الشيخ -رحمه الله- في طلب العلم والجهاد في سبيل الله حتى بعد تكليفه بمهام كثيرة منها خدمة إخوانه، فكان يدير شؤونهم في النهار ويسهر على طلب العلم في الليل، وإذا ما نادى منادي الجهاد والقتال تراه في الصفوف الأولى بجنب إخوانه المقاتلين في المعارك يحرض ويقاتل، وكأن لسان حاله ما قاله ابن حزم:

مناي من الدنيا علوم أبثها
وأنشرها في كل باد وحاضر

دعاء إلى القرآن والسنن التي
تناسى رجال ذكرها في المحاضر

وألزم أطراف الثغور مجاهدا
إذا هيعة قامت فأول نافر

لألقى حمامي مقبلا غير مدبر
بسمر العوالي والربيع البواتر

فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها
ولا تجعلني من قطين المقابر

لم يغفل -رحمه الله- عن العمل بما تعلمه من خلق نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فلقد كان لينا رحيما بإخوانه المجاهدين، يؤثرهم على نفسه حتى في أموره الخاصة، وكانوا لا يسمعون منه إلا طيب الكلام ولا يرون منه إلا حسن المعاملة، ولقد صدق من قال عنه أنه كان مدرسة بفعله وأخلاقه وتعامله مع إخوانه.
• مقتله -تقبله الله-

ولقد كان لمقتله –تقبله الله- أثر كبير في نفوس إخوانه لا يمحى، فلقد كان مقتله علامة على صدقه -نحسبه والله حسيبه-، صدق الله عز وجل فصدقه الله، وما أشبه مقتله بمقتل ذلك الصحابي الكريم الذي قال عندما وصله نصيبه من الغنائم: "ما على هذا بايعتك يا رسول الله، بايعتك على سهم يدخل من هنا ويخرج من هنا، بايعتك على أن أقتل في سبيل الله"، وما هي إلا أن دارت رحى الحرب حتى تفقد الصحابة الكرام الصحابي فرأوا السهم وقد اخترق رقبته كما أشار.

وهنا مع أخينا أبي سليمان الليبي حصل الشيء نفسه، حيث ينقل لنا أحد إخوانه الذين كانوا مع في آخر غزوة خاضها -رحمه الله- ما حدث فيقول: ركب أخونا أبو سليمان معنا في عربة BMP لينغمس في حاجز للجيش النصيري في محيط المحطة الثالثة بولاية حمص شرق مدينة تدمر، فأصيب بطلق ناري وبدأ ينزف دما فيغمى عليه ويفيق، فقال له الأخوة: ارجع يا شيخ لن تستطيع مواصلة القتال معنا فلقد أُصبت، فقال: "لا والله لا أرجع"، فلما أعاد عليه إخوانه طلب الرجوع وألحوا عليه قال: "لا والله لا أرجع ولقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا وأشار إلى جبهته ومؤخرة رأسه"، وما هي إلا دقائق قليلة حيث رفع رأسه فجاءته رصاصة أصابت جبهته بالمكان الذي أشار إليه فارتقى -تقبله الله- شهيدا كما نحسبه.

رحمك الله أبا سليمان، لقد كنت نعم الأخ ونعم الرفيق ونعم الأمير ونعم المعلم، وأسكنك الله فسيح جنانه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد: دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله أبو سليمان الليبي: ...

صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد:

دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله
أبو سليمان الليبي:
"لقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا"


إن الدعوة إلى الله هدي الأنبياء، وسبيل الصالحين والأتقياء، قال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وللدعوة طريقان، طريق السنان وطريق اللسان، وأكمل أسلوب للدعوة هو الجمع بين الطريقين، وقد تجسَّد ذلك كله بأخلاق النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وسار على هديه الصحابة والتابعون الكرام، فقد كانوا دعاة لله بأفعالهم قبل أقوالهم.

وممن نحسبه كذلك -والله حسيبه- الأخ المجاهد أبو سليمان الليبي -تقبله الله- فلقد كان -رحمه الله- مثلا في الدعوة إلى الله بفعله وقوله، حيث كان طالب علم على صغر سنِّه الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين، وقد كان حافظا لكتاب الله، ولآلاف من الأحاديث النبوية الصحيحة، وكان له باع في علوم الآلة.

ولم يكن -تقبله الله- ممن حفظ المتون والكتب وتجاهل العمل بها، بل كان علمه قائدا له في جميع شؤون حياته، فكان قوّاما بالليل صواما بالنهار، عابدا لله على بصيرة، مجاهدا ذو أخلاق كريمة رفيعة.

لم تمنعه الدنيا من الالتحاق بجندية الخلافة
ينحدر أبو سليمان الليبي -تقبله الله- من عائلة ثرية من مدينة بنغازي، فلم يكن ينقصه المال كي يطلبه عبر الغزوات أو القتال، ولم تكن تنقصه الشهرة كي يطلبها عن طريق الالتحاق بصفوف الدولة الإسلامية وجنديتها، لم يرض القعود ودماءُ المسلمين تسيل، وأعراضهم تنتهك، فشمَّر عن ساعد الجد، وتسلَّح بالإيمان وتوكل على الله، وأدرك يقينا حقيقة الضر والنفع، التي لخَّصها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بقوله لابن عباس -رضي الله عنه- عندما كان يافعا: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [سنن الترمذي].

كان حريصا على طلب العلم وتعلمه، وكان أكثر ما يحرص على علم المواريث، ولم يكن طلبه للعلم يصدُّه عن الجهاد في سبيل الله، بل كان من السباقين للقتال في ليبيا منذ اندلعت شرارة الجهاد فيها، وأُصيب -تقبله الله- في إحدى المعارك هناك خلال قتاله ضد المرتدين أعوان الصليبيين الأمريكان.

ولما منّ الله على عباده المجاهدين بإعلان الخلافة، سارع بإعلان بيعته لخليفة المسلمين وحثَّ إخوانه هناك على اللحاق بركب الخلافة، خاصة وأنه وجد في إعلانها في ذلك الوقت فرصة ذهبية لجمع شتات الأمة بعد تبعثرها ولإحيائها بعد موتها بمئات السنين، ففرح أشد الفرح لإعلانها وبدأ ينشط نشاطا كبيرا لإقناع إخوانه بالالتحاق بركبها.


• ابتعاثه إلى أرض الشام

فانتدبه إخوانه للهجرة إلى أرض الشام مبتعثا من قبلهم للتواصل مع الأمراء، وإخبارهم عن حال إخوانهم في ليبيا وإطلاعهم على منهجهم وعقيدتهم، فانطلق أبو سليمان قاصدا أرض الشام، فالتقى بإخوانه من الأمراء ورفع لهم أمر إخوانه في ليبيا، فرحبوا به وبإخوانه بعد أن تأكدوا من صحة منهجهم، وقوة عزيمتهم، وقام بدوره -تقبله الله- بنقل ما رآه في أرض العراق والشام لإخوانه في ليبيا مشجعا ومحرضا لهم على البيعة، فبايع الإخوة هناك.

وبعد فترة وجيزة من وصوله لأرض الشام، عُين -تقبله الله- الشرعي العام لولاية حمص وأميرا للمراكز الشرعية فيها، فأحبه الإخوة حبا شديدا لما رأوا من طيب أخلاقه وحسن إدارته، وما زادته تلك التكليفات إلا انكسارا لربه وتواضعا لإخوانه الذين وُلِّي أمرهم.

واستمر الشيخ -رحمه الله- في طلب العلم والجهاد في سبيل الله حتى بعد تكليفه بمهام كثيرة منها خدمة إخوانه، فكان يدير شؤونهم في النهار ويسهر على طلب العلم في الليل، وإذا ما نادى منادي الجهاد والقتال تراه في الصفوف الأولى بجنب إخوانه المقاتلين في المعارك يحرض ويقاتل، وكأن لسان حاله ما قاله ابن حزم:

مناي من الدنيا علوم أبثها
وأنشرها في كل باد وحاضر

دعاء إلى القرآن والسنن التي
تناسى رجال ذكرها في المحاضر

وألزم أطراف الثغور مجاهدا
إذا هيعة قامت فأول نافر

لألقى حمامي مقبلا غير مدبر
بسمر العوالي والربيع البواتر

فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها
ولا تجعلني من قطين المقابر

لم يغفل -رحمه الله- عن العمل بما تعلمه من خلق نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فلقد كان لينا رحيما بإخوانه المجاهدين، يؤثرهم على نفسه حتى في أموره الخاصة، وكانوا لا يسمعون منه إلا طيب الكلام ولا يرون منه إلا حسن المعاملة، ولقد صدق من قال عنه أنه كان مدرسة بفعله وأخلاقه وتعامله مع إخوانه.
• مقتله -تقبله الله-

ولقد كان لمقتله –تقبله الله- أثر كبير في نفوس إخوانه لا يمحى، فلقد كان مقتله علامة على صدقه -نحسبه والله حسيبه-، صدق الله عز وجل فصدقه الله، وما أشبه مقتله بمقتل ذلك الصحابي الكريم الذي قال عندما وصله نصيبه من الغنائم: "ما على هذا بايعتك يا رسول الله، بايعتك على سهم يدخل من هنا ويخرج من هنا، بايعتك على أن أقتل في سبيل الله"، وما هي إلا أن دارت رحى الحرب حتى تفقد الصحابة الكرام الصحابي فرأوا السهم وقد اخترق رقبته كما أشار.

وهنا مع أخينا أبي سليمان الليبي حصل الشيء نفسه، حيث ينقل لنا أحد إخوانه الذين كانوا مع في آخر غزوة خاضها -رحمه الله- ما حدث فيقول: ركب أخونا أبو سليمان معنا في عربة BMP لينغمس في حاجز للجيش النصيري في محيط المحطة الثالثة بولاية حمص شرق مدينة تدمر، فأصيب بطلق ناري وبدأ ينزف دما فيغمى عليه ويفيق، فقال له الأخوة: ارجع يا شيخ لن تستطيع مواصلة القتال معنا فلقد أُصبت، فقال: "لا والله لا أرجع"، فلما أعاد عليه إخوانه طلب الرجوع وألحوا عليه قال: "لا والله لا أرجع ولقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا وأشار إلى جبهته ومؤخرة رأسه"، وما هي إلا دقائق قليلة حيث رفع رأسه فجاءته رصاصة أصابت جبهته بالمكان الذي أشار إليه فارتقى -تقبله الله- شهيدا كما نحسبه.

رحمك الله أبا سليمان، لقد كنت نعم الأخ ونعم الرفيق ونعم الأمير ونعم المعلم، وأسكنك الله فسيح جنانه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
24 صفر 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً