لا نَدَعُ هذه البيعة أبداً
إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة كانتا من أكبر الأحلام التي تراود المسلمين في كل مكان، يحدثون أنفسهم بها، ويتمنَّون لو يبذلون أنفسهم في سبيل الله كي يروا ما يحلمون به واقعا أمامهم، أو يكون لهم على الأقل مشاركة في تحقيق ذلك.
وقد منَّ الله على عباده المؤمنين بتحقيق هذه الأمنية العزيزة عليهم، فقامت الدولة الإسلامية لتحكم بشرع الله تعالى، وعادت الخلافة لتجمع كلمة المسلمين تحت لوائها، وتوافد المسلمون من كل مكان للاعتصام بجماعتها، ومبايعة إمامها، وقتال المشركين في صفوف جيشها.
لقد عرف الناس كلهم، لا المسلمون فحسب، فضلا عن أمراء الدولة الإسلامية وجنودها، أن قضية إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة ستهزُّ دول الكفر هزّاً، وستدفع المشركين من كل حدب وصوب إلى أن يحتشدوا لقتالها، متحاملين على جراحهم، متناسين ما بينهم من نزاعات وصراعات وتضارب في المصالح، فواجب العصر عندهم أن يئِدوا الخلافة في مهدها، ويزيلوا شريعة الله من الأرض، لتعود كما كانت من قبل محكومة كلها بحكم الطاغوت، وهكذا هو حال الموحدين مع المشركين في كل زمان.
وقد روى جابر -رضي الله عنه- قصة بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم، فاشترط عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم- أن تكون بيعتهم على السمع والطاعة والنفقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى النصرة والمنعة، فوافق الأنصار على هذه الشروط، ومدُّوا أيديهم ليبايعوا رسول الله عليها، فمنعهم من ذلك أحدهم حتى يتبينوا نتيجة ما هم مقدمون عليه.
قال جابر: "أخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم، فقال: رويدا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن إخراجه اليوم منازعة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضَّكم السيوف، فإما أن تصبروا على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم جُبنا، فبيِّنوا ذلك فهو أعذر لكم، فقالوا: أمط عنا فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا، فقمنا إليه، فبايعناه، فأخذ علينا، وشرط أن يعطينا على ذلك الجنة" [رواه ابن حبان].
فعرف الصحابة الكرام ثمن هذه البيعة، وهو أن تحاربهم عليها العرب، ويُقتل في حربهم خيارهم، وأن تعضَّهم السيوف، كما عرفوا ربح هذه البيعة إن وفوا بشروطها، وهو الجنة، وعلى ذلك مضوا في بيعتهم، وثبتوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أظهر الله دينه، وأكمله، وأتمَّ عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام دينا، وعرف نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فضل الأنصار في ذلك، حتى قال: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) [رواه البخاري].
وهذه حالنا اليوم نحن معاشر الموحدين جنود الدولة الإسلامية، فقد بايعنا الإمام الذي وليناه أمرنا على أن يقيم فينا دين الله، ويُحكِّم فينا شرعه، ويقود جماعة المسلمين بما يرضي رب العالمين، ويجاهد بنا الكفار والمشركين، ويرد عادية البغاة والمفسدين، وكنا نعلم يقينا أن هذا الأمر دونه خرط القتاد، وأن تعضَّنا السيوف، وتطعننا الرماح، وأن يرمينا العالم كله عن قوس واحدة، وهو ما كان، والحمد لله على كل حال.
فيا جنود الدولة الإسلامية، لم يصبكم في سبيل الله أكثر مما كنتم تتوقعون، مصداقا لقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وما كان الجهاد كله فتحا للأمصار، وتمكينا في الأرض، واغتناما للأموال، وشفاء صدورٍ من الأعداء فحسب، بل هو فتن تُصب على رؤوس المجاهدين صبّاً من أعدائهم كي يرجعوهم عن دينهم، إلا الصابرين.
فلا تكونوا كالذين قال الله -تعالى- فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11]، واسألوا الله أن يبارك لكم بيعتكم لأمير المؤمنين على إقامة الدين، وقتال المشركين، فنِعم البيعة هي والله، لا ندعها أبدا، ولا نقيل ولا نستقيل، حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الكافرين، والحمد لله رب العالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 97
الخميس 23 ذو الحجة 1438 هـ ...المزيد
الأحدث إضافة
عبد الرحمن عارف
التدوينات
منذ 2025-06-17
لا نَدَعُ هذه البيعة أبداً إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة كانتا من أكبر الأحلام التي ...
لا نَدَعُ هذه البيعة أبداً
إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة كانتا من أكبر الأحلام التي تراود المسلمين في كل مكان، يحدثون أنفسهم بها، ويتمنَّون لو يبذلون أنفسهم في سبيل الله كي يروا ما ...المزيد
إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة كانتا من أكبر الأحلام التي تراود المسلمين في كل مكان، يحدثون أنفسهم بها، ويتمنَّون لو يبذلون أنفسهم في سبيل الله كي يروا ما ...المزيد
عبد الرحمن عارف
التدوينات
منذ 2025-06-17
أوصاف المنافقين في القرآن الكريم إن من سنن الله -عز وجل- أن جعل الأيام دولا، فيكون النصر ...
أوصاف المنافقين في القرآن الكريم
إن من سنن الله -عز وجل- أن جعل الأيام دولا، فيكون النصر والظفر للمجاهدين تارة، ويكونان لعدوهم تارة أخرى، وفي كل خير لهم، قال الله في كتابه: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي ...المزيد
إن من سنن الله -عز وجل- أن جعل الأيام دولا، فيكون النصر والظفر للمجاهدين تارة، ويكونان لعدوهم تارة أخرى، وفي كل خير لهم، قال الله في كتابه: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي ...المزيد
عبد الرحمن عارف
التدوينات
منذ 2025-06-17
• قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت وقال -تعالى- بعد ذلك: {قُل لن ينفعكُمُ الْفرارُ إن ...
• قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت
وقال -تعالى- بعد ذلك: {قُل لن ينفعكُمُ الْفرارُ إن فررْتُم من الْموْت أو الْقتْل وإذًا لا تُمتعُون إلا قليلًا} [الأحزاب: 16]، فهم وإن فروا من القتال، لا ...المزيد
وقال -تعالى- بعد ذلك: {قُل لن ينفعكُمُ الْفرارُ إن فررْتُم من الْموْت أو الْقتْل وإذًا لا تُمتعُون إلا قليلًا} [الأحزاب: 16]، فهم وإن فروا من القتال، لا ...المزيد
عبد الرحمن عارف
التدوينات
منذ 2025-06-17
الهجرة إلى الله ورسوله قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في الرسالة التبوكية: لما فصلت عير ...
الهجرة إلى الله ورسوله
قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في الرسالة التبوكية:
لما فصلت عير السَّير، واستوطن المسافر دارَ الغُربة، وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه، أحدث له ...المزيد
قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في الرسالة التبوكية:
لما فصلت عير السَّير، واستوطن المسافر دارَ الغُربة، وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه، أحدث له ...المزيد
عبد الرحمن عارف
التدوينات
منذ 2025-06-17
• الهجرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأما الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فمَعلَمٌ ...
• الهجرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
وأما الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فمَعلَمٌ لم يبق منه سوى رسمه، ومنهج لم تترك بُنيَّات الطريق سوى رسمه، ومحجَّة سفَت عليها السوافي فطمست رسومَها، ...المزيد
وأما الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فمَعلَمٌ لم يبق منه سوى رسمه، ومنهج لم تترك بُنيَّات الطريق سوى رسمه، ومحجَّة سفَت عليها السوافي فطمست رسومَها، ...المزيد
ثم. جاء. ابو. الصغيرة ماذا تفعل. أين. عجوزك. بيتك 11
ثم. جاء. ابو. الصغيرة
ماذا تفعل. أين. عجوزك. بيتك 11
ماذا تفعل. أين. عجوزك. بيتك 11
ناصر بن عبد الله القفاري
المقالات
منذ 2025-06-17
الشيعة وقضية فلسطين
أساس موقفهم من قضية فلسطين أنهم كما لا يرون للمسجد الأقصى ولا بيت الله الحرام حرمة فهم أيضاً لا يرون لفلسطين ولا لسائر أمصار المسلمين التي ليست على نحلتهم ودينهم أي منزلة ومكانة؛ لأنها عندهم ليست من بلاد المسلمين، وإن كان يحكمها ويعيش فيها المسلمون ... المزيد
أحمد عبد المنعم
الدروس
منذ 2025-06-17
كافر2 هارب امامي
كافر2 هارب امامي
37 سنة لم يشرع في طير ولا قضيت منك2 اوطاري وكوكب2
37 سنة لم يشرع في طير
ولا قضيت منك2 اوطاري وكوكب2
ولا قضيت منك2 اوطاري وكوكب2
لا يسال عما يفعل وهم مشركون يسالون
لا يسال عما يفعل وهم مشركون يسالون
اثبت احد احد جبل4 يحبنا ونحبه
اثبت احد
احد جبل4 يحبنا ونحبه
احد جبل4 يحبنا ونحبه