من أنشد شعراً في مدح كتاب صنّفه 1 – أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد ‌البر النمري القرطبي ...

من أنشد شعراً في مدح كتاب صنّفه

1 – أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد ‌البر النمري القرطبي المالكي (368 - 463 هـ).
المحدّث الحافظ الأديب المؤرخ.
أنشد عند فراغ قراءة كتابه العظيم "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" عليه:

سمير فؤادي مذ ثلاثين حجة
‌وصيقل ‌ذهني والمفرج عن همي

بسطتُ لكم فيه كلام نبيكم
بما في معانيه من الفقه والعلم

وفيه من الإيجاب ما يقتدى به
إلى البر والتقوى وينهى عن الظلم

2 – أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي ‌‌‌الزَّمَخْشَرِي، جار الله (467 - 538 هـ).
اللغوي الكبير، والأديب المفسر، المعتزلي، صاحب المصنفات والتي أشهرها كتاب التفسير "الكشاف" والذي أشد في مدحه قائلاً:

إنَّ التَّفَاسيْرَ في الدُّنْيَا بلا عَدَدٍ
وَلَيْسَ فيْهَا لَعَمْريْ ‌مثْلَ ‌كَشَّافِيْ

إنْ كُنْتَ تَبْغِي الهُدَى فَالْزَمْ قِرَاءَتَهُ
الجَهْلُ كَالْدَّاءِ وَالكَشَّافُ كَالشَّافِى

3 - ‌‌أبو المعالي الحظيري
أبو المعالي سعد بن علي بن القاسم الأنصاري الخزرجي الوراق الحظيري (ت 568 هـ).
يُعرف بدَلَّال الكُتُب، من أهل بغداد. نسبته إلى "حظيرة" من قراها. كان ورّاقا يبيع الكتب.
كانت لديه معارف، وله نظم جيد، وألف مجاميع ما قصر فيها، منها كتاب "زينة الدهر وعصره أهل العصر وذكر ألطاف شعراء العصر " الذي ذيله على " دمية القصر " لأبي الحسن الباخرزي جمع فيه جماعة كبيرة من أهل عصره ومن تقدمهم، وأورد لكل واحد طرفاً من أحواله وشيئاً من شعره.
قال في خاتمة كتابه "زينة الدهر" يمدح كتابه:

‌هذا ‌كتاب ‌قد ‌غدا ‌روضة
ونزهة للقلب والعينِ

جعلت من شعري له عوذة
خوفاً وإشفاقا من العينِ

4 - علي بن سليمان بن أسعد بن علي التميمي البكيلي، أبو الحسن، الملقب بالحيدة أو الحيدرة (ت 599هـ).
أديب من وجوه أهل اليمن وأعيانهم، علما ونحوا وشعرا.
‌قال ‌في ‌مدح ‌كتابه (كَشْفُ المُشكِل في النحو) وأجاد:

صَنَّفتُ للمتأدِّبينَ مصنَّفًا
سميته بكتابِ كشْفِ المُشكِلِ

سَبَق الأوائل مع تأخُّر عصرهِ
كم آخرٍ أزرى بفضل الأوّلِ

قيّدتُ فيه كل ما قد أرسلوا
ليس المقيّدُ كالكلام المُرسَلِ

والحمد لله رب العالمين
...المزيد

من أخذ العلم عن ألفي شيخ فصاعداً في هذا المقال سنذكر من أخذ العلم عن ألفي شيخ أو أكثر، وهذا ليس ...

من أخذ العلم عن ألفي شيخ فصاعداً

في هذا المقال سنذكر من أخذ العلم عن ألفي شيخ أو أكثر، وهذا ليس بغريب عند أهل الحديث قديماً، فرحلات أصحاب الحديث مشهورة، وتنقلهم في الأقاليم والبلدان كانت تستغرق السنين الطوال، فاجتمعوا بآلاف المشايخ، ثم انتخبوا من أولئك من رووا عنهم في مصنفاتهم.
وقد ذكرت هنا من كان من أئمة هذا الشأن أو له مزيد اهتمام به، ولم أذكر من كان مجهولاً مثل القاسم بن داود البغدادي الذي قال عنه الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال: 3/370: "طير غريب، أو لا وجود له". فقد انفرد عنه أبو بكر النقاش، ذاك التالف، فقال: سمعته يقول: كتبت عن ستة آلاف ‌شيخ.
فأرجو أن يكون في هذا المقال ما يحفز طلبة العلم على الإكثار من الشيوخ، فمَن كثر شيوخه، اتسع للخلاف صدره، واتسعت مداركه:

1 - عبد الكريم ابن الحافظ أبي بكر محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي، أبو سعد السَّمْعَاني (506-562هـ).
الإمام الحافظ محدث خراسان ومفتيها، صاحب المصنفات الكثيرة، والتي أشهرها "الأنساب".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه بْن النّجّار: سَمِعْتُ من يذكر أنّ عدد شيوخه ‌سبعة ‌آلاف ‌شيخ، وهذا شيءٌ لم يبلغْه أحد. وكان مليح التّصانيف، كثير النّشْوار والأناشيد، لطيف المزاج، ظريفا، حافظا، واسع الرحلة، ثقة، صدوقا، ديّنا، جميل السّيرة.
سمع منه مشايخه وأقرانه.
[السير للذهبي: 20/456، وطبقات علماء الحديث: 4/94].

2 - عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي (118 – 118 هـ)
الإمام، شيخ الإسلام، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته، أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم، التركي، ثم المروزي، الحافظ، الغازي، أحد الأعلام.
قال عن نفسه: حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف شيخ.
[سير أعلام النبلاء: 8/397].

3 - إسماعيل بن علي بن الحسين بن زَنْجُوَيْه الرَّازِيّ، أبو سَعْد السَّمَّان (ت 443هـ).
الحافظ، العلامة، الزاهد، المعتزليّ، الفقيه الحنفيّ، شيخ المعتزلة وعالمهم وفقيههم ومتكلّمهم ومحدّثهم.
كان إماما في القراءات والحديث ومعرفة الرجال والأنساب والفرائض والحساب والشروط والمقدّرات، وفقه أبي حنيفة وأصحابه، ومعرفة الخلاف بين أبي حنيفة والشافعيّ رحمهما الله، وفي فقه الزيديّة وفي الكلام.
قال الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي سعد السمان: ‌قدم ‌دمشق ‌طالب ‌علم وكان من المكثرين الجوالين سمع من نحو من أربعة آلاف شيخ...
[تاريخ دمشق: 9/21].

4 - عمر بن عبد الكريم بن سعدويه بن مَهْمَت، الدِّهسْتاني، أبو ‌الفِتْيَان الرَّوَّاسي(428-503هـ)
الشيخ، الإمام، الحافظ، المكثر، الجوَّال.
قال ابنُ نقطة: سمِعْتُ من غير واحد من أهل العِلْم أنه سَمِعَ من ‌ثلاثة ‌آلافٍ وسَبْعِ مئة ‌شيخ.
[تكملة الإكمال لابن نقطة: 2/746].

‌5 - أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن، محبّ الدين بن النجار البغدادي (578 – 643 هـ).
الإمام الحافظ العلامة، محدث العراق، ومؤرخ العصر. رحل إلى الشام ومصر والحجاز وخراسان وأصبهان ومرو وهراة ونيسابور، وسمع الكثير وحصل الأصول والمسانيد، واستمرت رحلته سبعا وعشرين سنة، واشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ، وكان إماما حجة ثقة حافظا مقرئا أديبا عارفا بالتاريخ وعلوم الأدب حسن الالقاء والمحاضرة، وكان له شعر حسن.
[معجم الأدباء: 6/2644]
قال ابن الساعي: اشتملت مشيخته على ‌ثلاثة ‌آلاف ‌شيخ وأربع مائة امرأة.
[سير أعلام النبلاء: 23/133]

‌6 - المبارك ‌بن ‌كامل بن أبي غالب البغدادي، ويعرف أبوه بالخفاف، أبو بكر المفيد (490 – 543 هـ).
الشيخ، العالم، المحدث، مفيد العراق، أبو بكر البغدادي، الظفري.
سمع خلقا كثيرا، وما زال يسمع العالي والنازل ويتبع الأشياخ في الزوايا، وينقل السماعات، فلو قيل: إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ، لما رد قول القائل. وجالس الحفاظ وكتب بخطه الكثير وانتهت إليه معرفة المشايخ ومقدار ما سمعوا والإجازات لكثرة دربته في ذلك.
[المنتظم لابن الجوزي: 18/70].

7 - مُحَمَّد بن ‌حبَان بن أَحْمد بن ‌حبَان ‌أَبُو ‌حَاتِم التَّمِيمِي البستي (ت 354 هـ).
الإمام، العلامة، الحافظ، المجود، شيخ خراسان، صاحب الأنواع والتقاسيم، وغير ذلك من التصانيف في التاريخ، والجرح والتعديل.
قال في مقدمة كتابه "التقاسيم والأنواع" والمعروف بصحيح ابن حبان: ولعلنا قد كتبنا عن أكثر من ‌ألفي ‌شيخ من إسبيجاب إلى الإسكندرية.
[صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع: 1/109].
قال الإمام الذهبي بعد نقله كلام ابن حبان معلقاً: كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كان عليه من الفقه، والعربية، والفضائل الباهرة، وكثرة التصانيف.
[سير أعلام النبلاء: 16/94].

8 - أبو ‌عليّ ‌الحُسَين ‌بن ‌عليّ ‌بن ‌يَزِيد النَّيْسَابُوريّ (ت 349 هـ)
الحافِظ الكبير، إمامٌ في وَقْته، مُتَّفَق عليه، تَلْمَذَ عليه الحُفَّاظُ، وارْتَحلَ إلى العِرَاقَيْن والشَّام ومِصْر، ...كَتَبَ عن قَريْبٍ من ‌ألْفَي ‌شَيْخ، ولُقِّبَ في صِبَاه بالحافِظ.
[الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي: 3/843]

9 - أبو عبد الله الحاكم: محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، الضبي الطهماني النيسابوري الشافعي المعروف بابن البيِّع (321- 405 هـ).
الإمام، الحافظ، الناقد، العلامة، شيخ المحدثين، صاحب "المستدرك على الصحيحين"، و"تاريخ نيسابور" وغيرهما من المصنفات.
طلب هذا الشأن في صغره بعناية والده وخاله، وأول سماعه كان في سنة ثلاثين، وقد استملى على أبي حاتم بن حبان في سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثلاث عشرة سنة. ولحق الأسانيد العالية بخراسان والعراق وما وراء النهر، ‌وسمع ‌من ‌نحو ‌ألفي ‌شيخ، ينقصون أو يزيدون، فإنه سمع بنيسابور وحدها من ألف نفس...
[سير أعلام النبلاء: 17/163].

10 - القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد بن ‌يدّاس البِرْزالي عَلَم الدين أبو محمد الأشبيلي الدمشقي، الشافعي (665 - 739 هـ)
الشيخ المحدِّث الإمام العالم الحافظ، مُفِيد الشام، مؤرِّخ الإسلام، كان رأسًا في صِدْق اللَّهجة والأمانة، صاحب سُنّة واتِّباع ولزوم للفرائض، له مجاميع مفيدة كثيرة وتعاليق، وعملٌ في فنِّ الرواية قلَّ مَن بلغ إليه، وبلغ عدد مشايخه بالسَّماع أزيدَ من ألفين، وبالإجازة أكثرَ من ألف، رَتَّب ذلك كلَّه وترجمهم في مسوَّدات مُتقَنة.
[تكملة سير أعلام النبلاء: 30/422].

11 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني، الجرواني، أبو طاهر السلفي (478 – 576 هـ)
الإمام، العلامة، المحدث، الحافظ، المفتي، شيخ الإسلام، شرف المعمرين.
قال الإمام الذهبي: قرأت بخط عمر بن الحاجب: أن (معجم السَّفر) للسلفي يشتمل على ألفي شيخ.
[سير أعلام النبلاء: 15/282].

12 - أبو الفداء ‌إسماعيل ‌بن ‌إبراهيم ‌بن ‌سالم بن رِكاب الأنصاريّ، يعرف بابن الخبّاز (629 – 703 هـ).
الشَّيْخ الصَّالح الْمُحدث نجم الدّين، من ذُرِّيَّة عبَادَة بن الصَّامِت الأنصاري.
خرج لنَفسِهِ مشيخة في مائَة جُزْء عَن أَكثر من ألفى شيخ، وَبَالغ حَتَّى كتب عَمَّن هُوَ دونه أَكثر من سِتّمائَة جُزْء، وَحدث بهَا أَيَّام الْجمع على كرسيه بالجامع، وَكَانَ متوددا حسن الْأَخْلَاق متواضعا.
[المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد: 1/255].

والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

نماذج من رجوع الأسياد عن الخطأ في العلم والاعتراف على رؤوس الأشهاد 1 – عمر بن الخطاب رضي الله ...

نماذج من رجوع الأسياد عن الخطأ في العلم والاعتراف على رؤوس الأشهاد

1 – عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع امرأة من قريش.
عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصَّدُقات فيما بينهم أربع مائة درهم فما دون ذلك ، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفنَّ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربع مئة درهم ، قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيتَ النَّاس أن يزيدوا في مهر النساء على أربع مائة درهم ؟ قال : نعم ، فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت: أما سمعت الله يقول {وآتيتُم إحداهنَّ قنطاراً} الآية؟ قال: فقال: اللهمَّ غفراً، كل النَّاس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مائة درهم، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب. قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل.
أخرجه سعيد بن منصور (598)، وأبو يعلى -كما في المطالب العالية (1674) -.
قال ابن تيمية معلقاً على هذا القصة عندما جعلها أغبى الفرق المنتسبة للإسلام سبباً للطعن في عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والجواب : أن هذه القصة دليل على كمال فضل عمر ودينه وتقواه ورجوعه إلى الحق إذا تبين له ، وأنه يقبل الحق حتى من امرأة ، ويتواضع له ، وأنه معترف بفضل الواحد عليه ولو في أدنى مسألة ، وليس من شرطِ الأفضل أن لا ينبهه المفضول لأمرٍ من الأمور ، فقد قال الهدهد لسليمان { أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأٍ بنبأٍ يقينٍ } [ سورة النمل / 22 ] ، وقد قال موسى للخضر { هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً } [ سورة الكهف / 66 ] ، والفرق بين موسى والخضر أعظم من الفرق بين عمر وبين أشباهه من الصحابة ، ولم يكن هذا بالذي أوجب أن يكون الخضر قريباً من موسى فضلاً عن أن يكون مثله ، بل الأنبياء المتِّبعون لموسى كهارون ويوشع وداود وسليمان وغيرهم أفضل من الخضر . وما كان عمر قد رآه فهو مما يقع مثله للمجتهد الفاضل.

2 –الداخلي مع البخاري.
عن محمد بن أبي حاتم، قال: قلت لأبي عبد الله [أي البخاري]: كيف كان بدء أمرك؟
قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب.
فقلت: كم كان سنك؟
فقال: عشر سنين، أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان، عن أبي ‌الزبير، ‌عن ‌إبراهيم، فقلت له: إن أبا ‌الزبير لم يرو ‌عن ‌إبراهيم.
فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل فدخل فنظر فيه، ثم خرج، فقال لي: كيف هو يا غلام؟
قلت: هو ‌الزبير بن عدي، ‌عن ‌إبراهيم، فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، وقال: صدقت.
فقيل للبخاري: ابن ‌كم ‌كنت حين رددت عليه؟
قال: ابن إحدى عشرة سنة، فلما طعنت في ست عشرة سنة، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت رجع أخي بها! وتخلفت في طلب الحديث.
[سير أعلام النبلاء: 12/393]

3 – أبو بكر ابن الأنباري مع الدار قطني.
حكى أبو الحسن الدَّارَقُطْني أَنَّه حضره في مجلس يوم جُمُعة، فصحَّف اسمًا، إما كان جبَّان أو حَيَّان. قال أبو الحسن: فأعظمتُ أن يُحْملَ عن مثله وَهمٌ، وهِبْتُه، فلمَّا انقضى المجلس تقدَّمْتُ إلى المُسْتَملي وذكرت له، وعرَّفْتُه الصَّواب، ثم حضرت الجُمُعة الثانية، فقال ابنُ الأنباري للمُسْتَملي: ‌عرَّفْ ‌جماعة ‌الحاضرين أنّا صَحَّفْنَا الاسم الفُلاني، ونبَّهَنَا على الصّواب ذلك الشَّاب، وعرِّفْه أَنَّا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قال.
[تاريخ بغداد: 4/301].

4 – ابن حزم وأحد العلماء.
ناظرت رجلًا ‌من ‌أصحابنا ‌في ‌مسألة ‌فعلوته فيها لبكوء كان في لسانه، وانفصل المجلس على أني ظاهر، فلما أتيت منزلي حاك في نفسي منها شيء، فتطلبتها في بعض الكتب فوجدت برهانًا صحيحًا يبين بطلان قولي وصحة قول خصمي، وكان معي أحد أصحابنا ممن شهد ذلك المجلس فعرَّفته بذلك، ثم رآني قد علمت على المكان من الكتاب، فقال لي: ما تريد؟ فقلت: أريد حمل هذا الكتاب وعرضه على فلان وإعلامه بأنه المحق وأني كنت المبطل وأني راجع إلى قوله. فهجم عليه من ذلك أمر مبهت، وقال لي: وتسمح نفسك بهذا! فقلت له: نعم، ولو أمكنني ذلك في وقتي هذا لما أخرته إلى غد. واعلم أن مثل هذا الفعل يكسبك أجمل الذكر مع تحليك بالإنصاف الذي لا شيء يعدله. ولا يكن غرضك أن توهم نفسك أنك غالب، أو توهم من حضرك ممن يغتر بك ويثق بحكمك أنك غالب، وأنت بالحقيقة مغلوب، فتكون خسيسًا وضيعًا جدًّا وسخيفًا البتة وساقط الهمة، وبمنزلة من يوهم نفسه أنه ملك مطاع وهو شقي منحوس، أو في نصاب من يقال له إنك أبيض مليح وهو أسود مشوه، فيحصل مسخرة ومهزأة عند أهل العقول الذين قضاؤهم هو الحق.
[رسائل ابن حزم: 4/337].

5 – أبو الفضل بن الجوهري مع محمد بن القاسم العثماني.
قال أبو بكر بن العربي: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمٍ ‌الْعُثْمَانِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ: وَصَلْت الْفُسْطَاطَ مَرَّةً، فَجِئْت مَجْلِسَ الشَّيْخِ أَبِي الْفَضْلِ الْجَوْهَرِيِّ، وَحَضَرْت كَلَامَهُ عَلَى النَّاسِ، فَكَانَ مِمَّا قَالَ فِي أَوَّلِ مَجْلِسٍ جَلَسْت إلَيْهِ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ وَظَاهَرَ وَآلَى، فَلَمَّا خَرَجَ تَبِعْته حَتَّى بَلَغْت مَعَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي جَمَاعَةٍ، فَجَلَسَ مَعَنَا فِي الدِّهْلِيزِ، وَعَرَّفَهُمْ أَمْرِي، فَإِنَّهُ رَأَى إشَارَةَ الْغُرْبَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ الشَّخْصَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْوَارِدِينَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْفَضَّ عَنْهُ أَكْثَرُهُمْ قَالَ لِي: أَرَاك غَرِيبًا، هَلْ لَك مِنْ كَلَامٍ؟ قُلْت: نَعَمْ. قَالَ لِجُلَسَائِهِ: أَفْرِجُوا لَهُ عَنْ كَلَامِهِ. فَقَامُوا وَبَقِيت وَحْدِي مَعَهُ. فَقُلْت لَهُ: حَضَرْت الْمَجْلِسَ الْيَوْمَ مُتَبَرِّكًا بِك، وَسَمِعْتُك تَقُولُ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَدَقْت، وَطَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَدَقْت.
وَقُلْت: وَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ؛ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَضَمَّنِي إلَى نَفْسِهِ وَقَبَّلَ رَأْسِي، وَقَالَ لِي: أَنَا تَائِبٌ مِنْ ذَلِكَ، جَزَاك اللَّهُ عَنِّي مِنْ مُعَلِّمٍ خَيْرًا. ثُمَّ انْقَلَبْت عَنْهُ، وَبَكَّرْت إلَى مَجْلِسِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَأَلْفَيْته قَدْ سَبَقَنِي إلَى الْجَامِعِ، وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا دَخَلْت مِنْ بَابِ الْجَامِعِ وَرَآنِي نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: مَرْحَبًا بِمُعَلِّمِي؛ أَفْسِحُوا لِمُعَلِّمِي، فَتَطَاوَلَتْ الْأَعْنَاقُ إلَيَّ، وَحَدَّقَتْ الْأَبْصَارُ نَحْوِي، وَتَعْرِفنِي: يَا أَبَا بَكْرٍ يُشِيرُ إلَى عَظِيمِ حَيَائِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَوْ فَاجَأَهُ خَجِلَ لِعَظِيمِ حَيَائِهِ، وَاحْمَرَّ حَتَّى كَأَنَّ وَجْهَهُ طُلِيَ بِجُلَّنَارٍ قَالَ: وَتَبَادَرَ النَّاسُ إلَيَّ يَرْفَعُونَنِي عَلَى الْأَيْدِي وَيَتَدَافَعُونِي حَتَّى بَلَغْت الْمِنْبَرَ، وَأَنَا لِعَظْمِ الْحَيَاءِ لَا أَعْرِفُ فِي أَيْ بُقْعَةٍ أَنَا مِنْ الْأَرْضِ، وَالْجَامِعُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، وَأَسَالَ الْحَيَاءُ بَدَنِي عَرَقًا، وَأَقْبَلَ الشَّيْخُ عَلَى الْخَلْقِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا مُعَلِّمُكُمْ، وَهَذَا مُعَلِّمِي؛ لَمَّا كَانَ بِالْأَمْسِ قُلْت لَكُمْ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَلَّقَ، وَظَاهَرَ؛ فَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَقُهَ عَنِّي وَلَا رَدَّ عَلَيَّ، فَاتَّبَعَنِي إلَى مَنْزِلِي، وَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا؛ وَأَعَادَ مَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَنَا تَائِبٌ عَنْ قَوْلِي بِالْأَمْسِ، وَرَاجِعٌ عَنْهُ إلَى الْحَقِّ؛ فَمَنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ حَضَرَ فَلَا يُعَوِّلْ عَلَيْهِ. وَمَنْ غَابَ فَلْيُبَلِّغْهُ مَنْ حَضَرَ؛ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا؛ وَجَعَلَ يَحْفُلُ فِي الدُّعَاءِ، وَالْخَلْقُ يُؤَمِّنُونَ.
فَانْظُرُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ إلَى هَذَا الدِّينِ الْمَتِينِ، وَالِاعْتِرَافِ بِالْعِلْمِ لِأَهْلِهِ عَلَى رُءُوسِ الْمَلَإِ مِنْ رَجُلٍ ظَهَرَتْ رِيَاسَتُهُ، وَاشْتُهِرَتْ نَفَاسَتُهُ، لِغَرِيبٍ مَجْهُولِ الْعَيْنِ لَا يُعْرَفُ مَنْ وَلَا مِنْ أَيْنَ، فَاقْتَدُوا بِهِ تَرْشُدُوا.
[الجامع لأحكام القرآن: 1/248].

والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

من توفي والكتاب على صدره ‌‌1 - الجاحِظ (163- 255هـ) عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، ...

من توفي والكتاب على صدره

‌‌1 - الجاحِظ (163- 255هـ)
عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ: كبير أئمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة. مولده ووفاته في البصرة. فلج في آخر عمره. وكان مشوه الخلقة. ومات والكتاب ‌على ‌صدره. قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه. له تصانيف كثيرة...
[الأعلام للزركلي: 5/74]

2 - أبوحامد الغزالي (450-505هـ).
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الشيخ، الإمام، البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين، صاحب التصانيف، والذكاء المفرط.
قال الحافظ ابن كثير: ولما كان ‌الغزالي رحمه الله قد أوغل في علوم كثيرة، وصنف في كثير منها واشتهرت، فصار من نظر في شيء منها يعتقد أنه كان يقول بذلك، وإنما قاله والله أعلم أثرا لا معتقدا، وقد رجع عن ذلك كله في آخر عمره إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والاشتغال بصحيح البخاري، حتى يقال: إنه مات وهو ‌على ‌صدره.
[طبقات الشافعيين: 536].

وقال الإمام ابن القيم يذكر حال الإمام الغزالي قبل موته: وأقبل على طريقة أهل الحديث، وأقبل على "صحيح البخاري" فمات وهو ‌على ‌صدره.
[الصواعق المرسلة: 1/508]

3 – المُعَلِّمِي (1312-1386هـ)
عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن مُحُمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن حسن المعلمي العُتْمي اليماني.
الشيخ، العلامة، ذهبي العصر.
ذكر الشيخ حمد الجاسر في مجلة العرب 1386هـ (ص 245) أنه توفّي منكبًّا على بعض الكتب في مكتبة الحرم المكي الشريف.
قال ماجد الزيادي: "توفي ‌المعلمي رحمه الله سنة (1386 هـ) صباح يوم الخميس من شهر صفر على سريره والكتاب ‌على ‌صدره.
[مقدمة كتاب "عمارة القبور" (ص 89)].

والحمد لله رب العالمين
...المزيد

نماذج مشرقة للإخلاص في طلب العلم وبذله 1 - الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150-204هـ) قال الحسن ...

نماذج مشرقة للإخلاص في طلب العلم وبذله

1 - الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150-204هـ)
قال الحسن بن عبد العزيز الجروي المصري: قال الشافعي: ما ناظرت أحدا، فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم، إلا وددت أنه عند كل أحد، ولا ينسب إليّ.
قال الربيع: سمعت الشافعي، ودخلت عليه وهو مريض، فذكر ما وضع من كتبه، فقال: لوددت أن الخلق تعلمه، ولم ينسب إليّ منه شيء أبدا.
وقال حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي، يقول: وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أوجر عليه، ولا يحمدوني.
[آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم: ص68].

2 - الإمام أبو نصر عبيد الله بن سعيد ‌السجزيّ الوائلي البكري (ت 444هـ).
قال أبو إسحاق الحَبَّال: كنت يومًا عند أبي نَصْر فدُقَّ الباب، فقمت ففتحتُه، فدخلتْ ‌امرأة، فأخرجتْ كيسًا فيه ألفُ ‌دينار، فوضعَتْه بين يدي الشَّيخ، وقالت: أنْفِقْها كما ترى. قال: ما المقصود؟ قالت: تزوَّجني ولا حاجة لي في الزَّوْج، ولكن لأخدمك. فأمرها بأخذ الكيس وأن تنصرف، فلما انصرفَتْ قال: خرجت من سِجِسْتَان بنيَّة طلب العِلْم، ومتى تزوَّجْتُ سقط عني هذا الاسم، وما أُوثر على ثواب طلب العلم شيئًا.
[طبقات علماء الحديث: 3/314، وسير أعلام النبلاء: 17/655].

3 - الإمام علي بن محمد حبيب، أبو الحسن ‌الماوردي (364-540هـ)
وقيل: إنه ‌لم ‌يظهر ‌شيئا ‌من ‌تصانيفه ‌في ‌حياته، وجمعها في موضع، فلما دنت وفاته، قال لمن يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي، وإنما لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة، فإذا عاينت الموت، ووقعت في النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها، فاعلم أنه لم يقبل مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب، وألقها في دجلة، وإن بسطت يدي، فاعلم أنها قبلت.
قال الرجل: فلما احتضر، وضعت يدي في يده، فبسطها، فأظهرت كتبه.
[وفيات الأعيان: 3/282، وسير أعلام النبلاء: 18/66].

4 - الإمام القاسم بن فِيرُّه بن خلف بن أحمد الرعينيّ الشَّاطبي (538-590هـ)
قال رحمه الله تعالى عن منظمته في القراءات "حرز الأماني ووجه التهاني" والشهيرة بالشاطبية: ‌لا ‌يقرأ ‌أحد ‌قصيدتى هذه إلا ونفعه الله عز وجل بها، لأنّى نظمتها لله تعالى.
[إنباه الرواة على أنباه النحاة: 4/161].

‌‌‌5 - شرف الدين يحيى بن محمد الحدادي المُنَاوِي (798-871هـ)
قال الشريف السمهودي: كان شيخنا شيخ الإسلام فقيه العصر الشرف المناوي إذا أخرج إلى دهليزه ذاهبا للدرس يقف حتى يخلص النية ويستحضرها خوفا من الرياء ثم يخرج وكان كثيرا ما ينشد:
لئن كان هذا الدمع يجري ‌صبابة. . . على غير ليلى فهو دمع مضيع
ثم يبكي بكاءً شديدا.
[فيض القدير لزين الدين المُناوي: 2/226].

6 - الإمام أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (909-974هـ)
قال الدكتور المحقق محمد أبو بكر باذيب -حفظه الله تعالى-: وأنقل لكم هنا نصا فريداً، بل خطيراً!! وقفتُ عليه في مخطوط مغربي، لعالم من المغرب لم أقف على اسمه، وهو من تلامذة الشيخ إبراهيم الميموني (ت 1079هـ)، وهذا نص كلامه: نقلا عن خطه، قال رحمه الله:
حدثني شيخنا الشيخ إبراهيم الميموني، قال: سمعت من شيخنا الشنواني (ت 1019هـ)، قال: كنت جالساً مع ابن حجر الهيتمي تجاه الكعبة، فجاء إنسان فقال له: إن الشيخ محمد الرملي انتحل شرحك على المنهاج، ونسبه لنفسه. قال: فسجد الشيخ ابن حجر شكرا لله، وقال: والله لقد كنت أردت أن لا ينسب لي من هذا العلم شيء، فإن مرادي أن أبذله من عندي (!)، وما حصلته من هذه العلوم للناس، لينتفعوا بها، وإذ حصل ذلك فلا أبالي بمن انتحله. انتهى النص.
...المزيد

أحسن تطبيق عملي لمراعاة الخلاف مراعاة الخلاف بشروطه من القواعد المعتبرة عند أهل العلم، بل جعلها ...

أحسن تطبيق عملي لمراعاة الخلاف

مراعاة الخلاف بشروطه من القواعد المعتبرة عند أهل العلم، بل جعلها الإمام مالك - رحمه الله تعالى - من أصول مذهبه.
ومن التطبيق العملي للأئمة الكبار لها ما يروى عن إمامنا الشافعي -رحمه الله تعالى- حين قدم العراق فلم يقنت، وصلّى خلف المالكية الذين لا يقرأون البسملة في الفاتحة رغم أنها واجبة عنده.
لكن أحسن ما مر بي من التطبيق العملي لمراعاة الخلاف ما ذكره الأستاذ ناصر الوليدي -حفظه الله تعالى- نقلاً عن كتاب (أعمال الدعوة ص 115) لمولانا محمد إحسان الحقّ، أن الشيخ المحدّث صدّيق حسن خان -صاحب "الروضة الندية" وهو على مذهب المحدثين وغير متقيد بمذهب- عزم على زيارة مولانا أحمد اللاهوري، وهو من كبار علماء القارة الهندية وكان حنفياً، وقبل أن يغادر الشيخ صديق حسن بلدته بهوبال جمع تلاميذه الذين سيسافرون معه فقال لهم:
الشيخ أحمد اللاهوري حنفي ولذا حينما نكون في مدرسته ومسجده فلا تجهروا بالتأمين، ولا ترفعوا أيديكم في الصلاة إلا في تكبيرة الإحرام، ولما كان الشيخ في الطريق جمع الشيخ اللاهوري تلاميذه وقال لهم: سيزورنا الشيخ صديق حسن خان وهو على طريقة المحدثين فإذا كانوا عندنا فإكراماً لهم اجهروا بالتأمين وارفعوا أيديكم في الصلاة.
فلما وصل وفد الشيخ صديق خان وحان وقت الصلاة كانت المفاجأة أن الزائرين لم يجهروا بالتأمين ولم يرفعوا أيديهم، بينما المزورون جهروا بالتأمين ورفعوا أيديهم، فلما سلم الإمام، التفت صديق خان إلى اللاهوري مبتسماً وقال: ما الخطب؟ فقال: نفس خطبكم، فعلنا ذلك إكراماً لكم؛ وكانت قصة تناقلها العلماء وطلاب العلم.
رحم الله الشيخين صديق حسن خان وأحمد علي اللاهوري.
...المزيد

طلب العلم والاستذكار في ساعة الاحتضار 1 – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت: 182هـ)، قاضي ...

طلب العلم والاستذكار في ساعة الاحتضار

1 – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت: 182هـ)، قاضي القضاة، الإمام المجتهد صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان، وتلميذه، وناشر مذهبه.
قال إِبْرَاهِيم بن الْجراح [وهو آخر من روى عن أبى ‌يوسف]: دخلت على أبي ‌يوسف - رحمه الله تعالى - في مرضه الذي مات فيه ففتح عينيه وقال: الرمي راكباً أفضل أم ماشيا؟ فقلت: ماشياً. فقال: أخطأت. فقلت: راكباً. فقال: أخطأت، ثم قال: كل رمي كان بعده وقوف فالرمي فيه ماشياً أفضل، وما ليس بعده وقوف فالرمي راكباً أفضل. فقمت من عنده فما انتهيت إلى باب الدار ‌حتى ‌سمعت ‌الصراخ لموته، فتعجبت من حرصه على العلم في مثل تلك الحالة..
[مختصر اختلاف العلماء للطحاوي: 2/159، والمبسوط للسرخسي: 4/23 واللفظ منه، والجوهر المضية: 1/76]

2 – أبو زُرْعَة الرَّازِي، عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ الرازي (ت: 264هـ)، الإمام المحدّث الحافظ المُسنِد.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: مات أبو ‌زُرْعَة مطعوناً مبطوناً يعرق جبينه في النزع، فقلت لمحمد بن مسلم: ما تحفظ في تلقين الموتى ‌لا ‌إله ‌إلا ‌الله؟ فقال محمد بن مسلم: يروى عن ‌معاذ بن جبل - فمِن قبل أن يستتم رفع أبو ‌زُرعة ‌رأسه وهو في النزع فقال: روى عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
فصار البيت ضجّة بِبُكاء مَن حَضر.
[الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي: 1/346]

3 – أبو حاتم الرَّازِي، محمد بن إدريس بن المُنذر الحنظّلي الغطفاني الرَّازي (ت: 277هـ)، الإمام المحدّث الثبت المصنّف.
قال ابن أبي حاتم: حضرت أبي -رحمه الله- ‌وكان ‌في ‌النّزع وأنا لا أعلم، فسألته عن عقبة بن عبد الغافر يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: له صحبة؟ فقال: برأسه: لا. فلم اقنع منه، فقلت: فهمتَ عني: له صحبة؟ قال: هو تابعي.
قلت [ابن أبي حاتم]: فكان سيد عمله معرفة الحديث، وناقِلَة الأخبار، فكان في عمره يُقتَبَس منه ذلك، فأراد الله أن يُظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته.
[الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 1/367-368]
4 –محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ)، الإمام الكبير المُفسِّر المحدّث المؤرخ، إمام المفسّرين، وصاحب المُصَنّفات.
قال القاضي [المعافى الجريري]: كنت منذ سنين كثيرة دعوت الله عز وجل وقلت: يا سابق الفوت، وقلت في وقت آخر: يا سابق كل فوت، وكان عندي أنه شيء خطر لي ولم أكن ذاكراً لهذه الرواية ولا عالماً بها في الوقت، فاستحسنت هذه الدعوة ثم وجدتها عندي فيما سمعته وكتبته ورويته. وحكى لي بعض بني الفرات عن رجل منهم، أو من غيرهم، أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري رحمه الله قبل موته وتوفي بعد ساعة أو أقل منها، فذكر له هذا الدعاء عن جعفر بن محمد عليهما السلام، فاستدعى محبرة وصحيفة فكتبها، فقيل له: أفي هذه الحال؟ فقال: ينبغي للإنسان أن لا يدع ‌اقتباس ‌العلم ‌حتى يموت.
[الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي: 527، وتاريخ دمشق: 52/199]

5 – ‌‌ محمد بن محمد بن محمش بن علي بن داود، أبو طاهر الزيادي (ت: 410هـ)، إمام المحدثين، والفقهاء بنيسابور في زمانه.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: ومن أعجب ذلك ما وجدته بخط بعض أصحاب القاضي الإمام حسين بن محمد المروروذي، عنه: أنه سمع الإمام أبا عاصم العَبَّادي يذكر أنه كان عند الأستاذ أبي طاهر وهو الإمام ‌الزيادي شيخ خراسان حين احتضر ‌فسُئِل ‌عن ‌ضَمان ‌الدَّرَك، وكان في النَّزع، فقال: إن قَبَض الثمن فَيَصحُّ، وإن لم يقْبِضْ فلا يَصِح، قال: لأنه بعد قبض الثمن يكون ضَمان ما وَجَب. والله أعلم.
[أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح: 113-114]

6 - محمد بن أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي، (ت: 440هـ]، الفيلسوف، الرياضي، المؤرخ، الطبيب، الفلكي، صاحب العلوم.
قال [الفقيه] أبو الحسن علي بن عيسى الوَلوَالجي: دخلتُ على أبي الرّيحان وهو يجود بنفسِه، وقد حَشْرج نفَسُه، وضاقَ به صدرُه، فقال لي في تلك الحالة: كيف قلت لي يومًا حساب الجدَّات الفاسِدَة؟ فقلت له -إشفاقًا عليه-: أفي هذه الحالةِ؟! قال لي: يا هذا! أُوَدِّعُ الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ألا يكون خيرًا من أن أُخلِّيها وأنا جاهلٌ بها. فأعدتُ ذلك عليه، وحَفِظَ، وعلّمني مَا وعد، وخرجتُ من عِنْده، وأنا في الطريق، فسمعتُ الصُّرَاخ.
[معجم الأدباء لياقوت الحموي: 2332]

7 – ‌‌محمد بن عبد الرحيم بن محمد، صفي الدين الهندي الشافعي، (ت: 715هـ)، العلامة الأصولي البارع.
قال الإمام الذهبي: وكان يحفظ ربع يس، روى لنا عند موته أحاديث، وكان ذا حَظٍّ من صلاة وتعبد، وتصوف وحسن معتقد...
أخبرنا محمد بن عبد الرحيم الأرموي، أنا علي بن أحمد، أنا عمر بن طبرزد، فذكر حديثين ليسا هما عندي، ‌قرأتهما ‌عليه ‌ونَفَسُه ‌يُحشرج ‌في ‌الصدر، فتوفي يومئذ، عفا الله عنه وعنا، آمين.
[معجم الشيوخ الكبير للذهبي: 2/216]

8 - شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي ‌طالب ‌الحَجَّار المعروف بابن الشحنّة (ت: 730هـ)، المعمر الكبير، رحلة الآفاق، وأعلى أهل عصره إسناداً.
قال الإمام الذهبي: وكان أمياً لا يكتب ولا يقرأ إلا اليسير من القرآن، حدّث في صفر سنة ثلاثين وسبع مائة تحدثوا بموته، وأفاق فقرءوا عليه أجزاء ثم مات يوم الخامس والعشرين من الشهر.
[انظر: معجم الشيوخ الكبير للذهبي: 1/119]

9 - زين الدّين عبد الرحمن بن علي الأجهوري (ت: 961هـ)، المصري المالكي، الشيخ الإمام العلامة الزاهد الخاشع، زين الدين مفتي المسلمين.
قال الشعراوي: لمّا مَرِض دخلت إليه فوجدته ‌لا ‌يقدر ‌يبلع ‌الماء ‌من ‌غصة ‌الموت، فدخل عليه شخص بسؤال، فقال: أجلسوني. قال: فأجلسناه وأسندناه، فكتب على السؤال ولم يغب له ذهن مع شدة المرض، وقال: لعل ذلك آخر سؤال نكتب عليه، فمات تلك الليلة ودفن بالقرافة.
[شذرات الذهب: 10/477]

وكتبه: محمد علي حميسان غفر الله تعالى له ولوالديه وأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين... اللهم آمين.
...المزيد

من كان له مزيد اهتمام بكتاب فنُسب إليه مما يُستملح ذكره تلقيب بعض الأعلام بأسماء الكتب التي كان ...

من كان له مزيد اهتمام بكتاب فنُسب إليه

مما يُستملح ذكره تلقيب بعض الأعلام بأسماء الكتب التي كان لهم مزيد اهتمام بها إما حفظاً أو شرحاً وتدريساً، ومن تلك الألقاب على سبيل المثال:
*1 – الوجيزي*
نسبة لكتاب الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي للإمام أبي حامد الغزالي -رحمه الله تعالى- (ت: 505 هـ) وممن لُقب بهذا الكتاب:
• الشيخ الفقيه، وجيه الدين، أبو ‌الحجّاج، ‌يوسف ‌بن ‌الصارم عبد الله بن إبراهيم الدمشقي، ثم القاهري، الشافعيّ (ت: 667 هـ)، ويُعرف بالوجيزيّ نسبة إلى حِفْظ كتاب "الوجيز".

• أحمد بن محمد بن أحمد ‌الواسطي الأشموني الشافعي المصري، ‌جمال ‌الدين أبو العباس، (ت: 728 وقيل 729 هـ) عُرف بالوجيزى لكثرة قراءته وحفظه لكتاب "الوجيز" في الفقه، وكان فقيها معدوداً من فقهاء الشافعية.

• ‌أَحمد ‌بن ‌محمد ‌بن ‌أَحمد بن ‌عَرَنْدة المحلَّى، شهاب الدين الوجيزى الناسخ (ت: 818 هـ)، وعُرف بالوجيزي لحفظه كتاب "الوجيز".

*2 – المنهاجي.*
نسبة لكتاب "منهاج الطالبين وعمدة المفتين" لشيخ الإسلام النووي (ت: 631 هـ)، وهو عمدة الفتوى في مذهب الإمام الشافعي وعليه الكثير من الشروح، ومن شرف الكتاب أن من حفظه نُسب إليه، ومن أولئك:
• العلامة بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت: 797هـ)، الفقيه الأصولي، صاحب المؤلفات النافعة، كان تركي الأصل ولد بالقاهرة وتفقه بمذهب الشافعي، وحفظ المنهاج للنووي فلٌقب بالمنهاجي.

• شمس الدين ‌محمد ‌بن ‌أحمد ‌بن ‌علي بن عبد الخالق ‌المنهاجي الأسيوطي ثم القاهري الشافعي (ت: 880 هـ)، وكان من محفوظاته المنهاج الفرعي، والأصلي.

*3 – الكافياجي*
لُقِّب به محمَّدُ بنُ سليمانَ بنِ سعيدٍ، المحيوي، أبو عبدِ الله، الكافياجي، الحنفيُّ، (ت: 879 هـ) الإمام في اللغة والنحو، تصدى للتدريس والتأليف حتى زادت تصانيفه على المئة، وغالبها صغير.
والكافياجي: ‌نسبة ‌إلى ‌كتاب: الكافية في النحو لابن الحاجب، فقد أكثر من قراءته وتدريسه حتى نسب إليه، بزيادة جيم كما هي عادة الترك في النسب.

*4 – المُقْتَرَح*
لُقب به أبو العز ‌مظفّر ‌بن ‌عبد ‌الله ‌بن ‌علي ‌بن ‌الحسين، الإمام الفقيه تقي الدين المِصري الشافعي (ت: 612 هـ)، جد ابن دقيق العيد لأمه، وسبب اللقب أنه كان حافظًا ثم شارحًا لكتاب "المقترح في المصطلح" للشيخ أبي منصور البروي (ت: 567 هـ) فعُرف به.

*5 – التعجيزي*
نسبة لكتاب "التعجيز في الفقه على مذهب الإمام الشافعي"، وهو مختصر الوجيز للإِمام الغزالي، اختصره وشرحه أيضًا تاج الدين عبد الرحيم بن محمَّد بن محمَّد بن يونس الموصلي الشافعي (ت: 671 هـ)، وعُرف به:
• عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عمر الفقيه الزاهد أبو المجد ابن المحدث أبي عبد الله الإسفراييني ثم الدمشقي الشافعي (ت: 701 هـ)، ولقب بالتعجيزي؛ لأنه حفظ ‌كتاب ‌التعجيز في المذهب وجوده حفظاً وفهما.

• ‌أحمد ‌بن ‌محمد بن إسماعيل الإربلي (ت 728 هـ)، وعُرف بالتعجيزي؛ لأنه كان يحفظ ‌كتاب ‌التعجيز في الفقه على مذهب الإِمام الشافعي.


*6 – الفصيحي*
لُقب به عليّ بن أبي زيد محمد بن علي ‌الفصيحيّ (ت 516 هـ). وقد سمّي بالفصيحيّ لكثرة إعادته ودرسه كتاب (الفصيح) لثعلب.

*7 – المستبشري*
وهو كتاب في التصوف اسمه: "المستبشر للمستبصر" ألّفه محمد بن أحمد بن أبي بكر الصوفي، فعُرف بالمستبشري.

ويمكن لمن بحث ونقب أن يجعل أن يضيف إلى هذه النبذة فيحيلها كتاباً لطيف الحجم.
...المزيد

*[طرائف ونوادر أهل الحديث] (المجموعة الخامسة)* *41 -* عن ابن شهاب: أنه كان يسمع العلم من عروة ...

*[طرائف ونوادر أهل الحديث] (المجموعة الخامسة)*

*41 -* عن ابن شهاب: أنه كان يسمع العلم من عروة وغيره فيأتي إلى جارية له وهي نائمة فيوقظها فيقول: اسمعي، حدثني فلان كذا، وفلان كذا. فتقول: مالي وما لهذا الحديث؟ فيقول: قد علمت أنك لا تنتفعين به، ولكن سمعته الآن فأردت أن أستذكره.
قال زياد بن سعد: ذهبنا مع الزهري إلى أرضه بالشعب، قال: وكان الزهري يجمع الأعاريب فيحدثهم، يريد الحفظ.
[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/268]

*42 -* قال الأعمش: كان إسماعيلُ بنُ رَجَاء يجمعُ صبيانَ الكُتَّاب يحدِّثهم، يتحفَّظُ بذلك.
[مسند الدارمي: 1/481 رقم (629)، وعيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري: 2/150]

*43 –* جاء في ترجمة عبد الله بن فروخ الفارسي القيرواني أن قال: كنت يوماً عند أبي حنيفة، فسقطت آجرة من أعلى داره على رأسي فدمي، فقال لي: اختر، إن شئت أرش الجرح، وإن شئت ‌ثلاثمائة حديث. فقلت: الحديث خير لي، فحدثني ‌ثلاثمائة حديث.
[رياض النفوس لأبي بكر المالكي: 1/181]

*44 –* قال عبد الله بن فروخ أيضاً: لما أتيت الكوفة، وأكثر أملي السماع من سليمان بن مهران الأعمش فسألت عنه، فقيل لي: غضب على أصحاب الحديث، فحلف ألا يسمعهم مدة. فكنت أختلف إلى باب داره، لعلي أصل إليه، فلم أقدر على ذلك، فجلست يوماً على بابه، وأنا متفكر في غربتي وما حرمته من السماع منه، إذ فتحت جارية بابه يوماً وخرجت منه، فقالت لي: ما بالك على بابنا؟
فقلت: أنا رجل غريب، وأعلمتها بخبري.
قالت: وأين بلدكم؟
قلت: إفريقية، فانشرحت إلي، وقالت: تعرف القيروان؟
قلت: أنا من أهلها.
قالت: تعرف دار ابن فروخ؟
قلت: أنا هو؟! فتأملتني، ثم قالت: عبد الله؟
قلت: نعم، وإذا هي ‌جارية ‌كانت ‌لنا ‌بعناها ‌صغيرة، فسارعت إلى الأعمش، وقالت له: إن مولاي الذي كنت أخبرك بخبره بالباب. فأمرها بإدخالي، فدخلت وأسكنني قبالة بيته، فسمعت منه وحدثني، وقد حرم سائر الناس إلى أن قضيت أربي منه.
[ترتيب المدارك للقاضي عياض: 3/110]

*45 –* ومن الطرائف المحفزة للهمم والتي تدعو إلى العجب ما جاء في ترجمة الحافظ أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد الأندلسي رحمه الله (ت 276 هـ) فقد نقل بعض العلماء من كتاب حفيده قوله: سمعت أبي يقول: رحل أبي من مكة إلى بغداد، وكان رجلا بغيته ملاقاة أحمد بن حنبل.
قال: فلما قربت بلغتني المحنة، وأنه ممنوع، فاغتممت غمًا شديدًا، فاحتللت بغداد، واكتريت بيتًا في فندق، ثم أتيت الجامع، وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين، ففرجت لي فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا ـ رحمك الله ـ رجل غريب، ناء عن وطنه، أردت السؤال فلا تستخفني.
فقال: قل. فسألت عن بعض من لقيته فبعضًا زكى، وبعضًا جرح، فسألته عن هشام بن عمار، فقال لي أبو الوليد: صاحب صلاة دمشق ثقة وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر أو متقلدًا كبرًا ما ضره شيئًا لخيره وفضله.
فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك ـ رحمك الله ـ غيرك له سؤال.
فقلت: ـ وأنا واقف على قدم اكشف عن رجل واحد ـ أحمد بن حنبل .
فنظر إليَّ كالمتعجب فقال لي: ومثلنا نحن نكشف عن أحمد، ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم.
فخرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه، فقرعت بابه فخرج إليَّ فقلت: يا أبا عبد الله، رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث، ومقيد سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك.
فقال: ادخُل الأسطوان ـ يعني به الممر إلى داخل الدار ـ ولا يقع عليك عين. فدخلت فقال لي: وأين موضعك؟! قلت: المغرب الأقصى.
فقال لي: إفريقية؟ قلت: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية بلدي الأندلس.
قال: إن موضعك لبعيد، وما كان شيءٌ أحب إليَّ من أن أحسن عون مثلك على مطلبه، غير أنِّي في حيني هذا ممتحن بما لعله قد بلغك.
فقلت: بلى قد بلغني، وأنا قريب من بلدك، مقبل نحوك.
فقلت له: يا أبا عبد الله، هذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم، فان أذنت لي أن آتي كل يوم زي السؤال، فأقول عند الباب ما يقولونه، فتخرج إلى هذا الموضع، فلو لم تحدثني في كل يوم إلا بحديث واحد لكان لي فيه كفاية.
فقال لي: نعم على شرط أن لا تظهر في الحِلق، ولا عند المحدثين.
فقلت: لك شرطك.
فكنت آخذ عصا بيدي، وألف رأسي بخرقة مدنسة، وأجعل كاغدي ـ أي … ورقي ـ ودواتي في كمي، ثمَّ آتي بابه، فأصيح: الأجر ـ رحمك الله ـ والسؤال هناك كذلك، فيخرج إلي ويُغلق باب الدار، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر، فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له، وولي بعده من كان على مذهب السنة، فظهر أحمد، وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة، ويقرؤه عليَّ، وأقرؤه عليه...
[سير أعلام النبلاء: 13/292، وتاريخ الإسلام: 6/526]

*46 –* قال السمعاني سمعت إسماعيل الحافظ بأصبهان يقول: رحل أبو سعد البغدادي [وعمره ست عشرة سنة] إلى أبي نصر الزينبي، فدخل بغداد، ولم يلحقه، فحين أخبر بموته خرق ثوبه، ولطم، وجعل يقول: ‌من ‌أين ‌لي ‌علي ‌بن ‌الجعد، ‌عن ‌شعبة؟ فسألت إسماعيل عن الزينبي، فقال زاهد، صحيح السماع، آخر من حدث عن المخلص.
[طبقات علماء الحديث: 4/58، وتذكرة الحفاظ: 4/54، والسير: 18/444]

*47 –* قال أبو العباس البكري- من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه-: ‌جمعت ‌الرحلة بين مُحَمَّد بْن ‌جرير، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بْن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضربهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون اليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة، قَالَ: فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والى مصر يدق الباب، ففتحوا الباب، فنزل عن دابته، فَقَالَ: أيكم مُحَمَّد بْن/ نصر؟ فقيل: هو هذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ: أيكم مُحَمَّد بْن جرير؟ فقالوا: هذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ: أيكم مُحَمَّد بْن هارون؟ فقالوا: هو هذا، فأخرج صرة في خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ: أيكم مُحَمَّد بْن إسحاق بْن خزيمة، فقالوا: هو هذا يصلي، فلما فرغ دفع إلَيْهِ صرة فيها خمسون دينارا، ثم قَالَ: إن الأمير كَانَ قائلا بالأمس فرأى في المنام خيالا قَالَ: إن المحامد طووا كشحهم جياعا. فأنفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إليّ أحدكم.
[تاريخ بغداد: 2/552، وتاريخ دمشق: 52/193، والمنتظم لابن الجوزي: 13/235].

*48 -* سئل الإمام أبو علي صالح بن محمد الأسدي البغدادي عن سبب تسميته بصالح جزرة فقال: قدم علينا بعض الشيوخ من الشام وكان عنده عن حريز بن عثمان، فقرأت أنا عليه: حدثكم حريز بن عثمان قال: " كان لأبي أمامة خرزة يرقي بها المريض، فصحفت أنا الخرزة، فقلت: وكان لأبي أمامة ‌جزرة، وإنما هو خرزة ".
قال الإمام الذهبي: قد كان صالح صاحب ‌دعابة، ولا يغضب إذا واجهه أحد بهذا اللقب.
[سير أعلام النبلاء: 14/25، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/294]

*50 –* من طريف ما يُذكر في حرص السلف على مجالس الحديث، والتبكير والسباق إليه، ما حكاه جَعْفَرُ بْنُ دُرُسْتَوَيْهِ قال: كُنَّا نَأْخُذُ الْمَجْلِسَ فِي مَجْلِسِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَقْتَ الْعَصْرِ، الْيَوْمَ لِمَجْلِسِ غَدٍ، فَنَقْعُدُ طُولَ اللَّيْلِ مَخَافَةَ أَنْ لَا نَلْحَقَ مِنْ الْغَدِ مَوْضِعًا نَسْمَعُ فِيهِ، فَرَأَيْت شَيْخًا فِي الْمَجْلِسِ ‌يَبُولُ فِي طَيْلَسَانِهِ، وَيُدْرِجُ الطَّيْلَسَانَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْخَذَ مَكَانُهُ إنْ قَامَ لِلْبَوْلِ.
[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/138، والآداب الشرعية لابن مفلح: 2/139]

وكتبه: محمد علي حميسان، غفر الله له ولوالديه وأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين.. اللهم آمين.
...المزيد

*[طرائف ونوادر أهل الحديث] (المجموعة الرابعة)* *31 -* قال جرير: كنا نأتي الأعمش، وكان له كلب، ...

*[طرائف ونوادر أهل الحديث] (المجموعة الرابعة)*

*31 -* قال جرير: كنا نأتي الأعمش، وكان له كلب، يؤذي أصحاب الحديث. قال: فجئناه يوماً، وقد مات، فهجمنا عليه، فلما رآنا بكى، ثم قال: هلك من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. [يعني الكلب].
قال أبو بكر: وأخبار الأعمش في هذا المعنى كثيرة جداً. وكان مع سوء خلقه، ثقة في حديثه، عدلا في روايته، ضابطا لما سمعه، متقنا لما حفظه، فرحل الناس إليه، وتهافتوا في السماع عليه. فكان أصحاب الحديث ربما طلبوا منه أن يحدثهم، فيمتنع عليهم، ويلحون في الطلب، ويبرمونه بالمسألة، فيغضب ويستقبلهم بالذم حتى إذا سكنت فورته، وذهبت ضجرته، أعقب الغضب صلحاً، وأبدل الذم مدحا.
[شرف أصحاب الحديث: 134]

*32 -* عن حفص بن غياث، قال: بعث العباس بن موسى أمير الكوفة إلى الأعمش بألف درهم وصحيفة، فقال: اكتب لي فيها من حديثك، فأخذ الألف درهم وكتب له فاتحة الكتاب فبعث بها إليه، فبعث إليه: أبلغك أنا لا نحسن القرآن؟ فبعث إليه: أبلغك أنا ‌نبيع ‌العلم.
[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/356]

*33 -* قال حفص بن غياث: قال لي سليمان الأعمش: إذا كان غدا فبكر عليّ حتى أحدثك بعشرة أحاديث نخب، وأطعمك عصيدة، واحذر أن تجيئني معك بثقيل.
قال: فلما كان من غد ثم أصبحت غدوت إليه فتلقاني ابن إدريس فقال: حفص؟: قلت: نعم. قال: أين تريد؟ قلت: الأعمش. قال: مكانك حتى أجيء معك. قال: فلما بصر بنا قام ودخل، وقام وراء الباب، فلما دققت الباب قال: من هذا؟ قلت: حفص. قال: يا حفص: لا تأكل العصيد إلا بجوز، ألم أقل لك: لا تجيئني معك بثقيل؟ قال: ولم يخرج، فلما كان العشي جئت فدققت الباب قلت: يا جارية، أبو محمد في الدار؟ قال: فدخل البيت وقال: قولي له: لا. قال: فلما كان من غد، جئت فدققت الباب فقلت: يا جارية، أبو محمد في البيت؟ فخرج إلى الدار، وقال: قولي له: لا. قال: فلما كان بعد شهر لقيته في الطريق فقلت: يا أبا محمد، إن إتيانك لذل، وإن تركك لحسرة، قال: كذا وحقك أشتهي، فانصرف.
[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/307]

*34 –* قال محمد بن عبيد: كان الأعمش لا يدع أحداً يقعد بجنبه. فإن قعد إنسان، قطع الحديث وقام. وكان معنا رجل، يستثقله. قال: فجاء، فجلس بجنبه، وظن أن الأعمش لا يعلم. وفطن الأعمش، ‌فجعل ‌يتنخم، ‌ويبزق ‌عليه، والرجل ساكت، مخافة أن يقطع الحديث.
[شرف أصحاب الحديث: 133، والمشيخة البغدادية لأبي طاهر السلفي: 2/184]

*35 –* قال عيسى بن يونس: خرجنا في جنازة، ورجل من أصحاب الحديث يقود الأعمش. فلما رجعنا من الجنازة، عدل به عن الطريق. فلما أصحر، قال له: يا أبا محمد أتدري أين أنت؟ أنت في جبانة كذا. لا والله لا أردك حتى تملأ ألواحي حديثا. قال: اكتب. فلما ملأ الألواح، وضعها في حجره، وأخذ بيد الأعمش، يقوده. فلما دخل الكوفة، لقيه بعض معارفه، فدفع الألواح إليه، فلما انتهى الأعمش إلى بابه، تعلق به، وقال: خذوا الألواح من الفاسق. قال: يا أبا محمد قد فاتت. فلما أيس منه، قال: كل ما حدثتك كذب. قال الفتى: أنت أعلم بالله من أن تكذب.
[شرف أصحاب الحديث: 132، والمشيخة البغدادية: 2/355]

*36 -* قال أبو أسامة: سأل حفص بن غياث الأعمش عن إسناد حديث، فأخذ بحلقه فأسنده إلى حائط، وقال: هذا إسناده.
[شرف أصحاب الحديث: 133]

*37 –* قال عبد الله بن إدريس: قلت للأعمش: يا أبا محمد! ما يمنعك من أخذ شعرك؟
قال: كثرة فضول الحجامين.
قلت: ‌فأنا ‌أجيئك ‌بحجام ‌لا ‌يكلمك حتى تفرغ.
فأتيت جنيدا الحجام، وكان محدّثاً، فأوصيته، فقال: نعم.
فلما أخذ نصف شعره، قال: يا أبا محمد! كيف حديث حبيب بن أبي ثابت في المستحاضة؟
فصاح صيحة، وقام يعدو، وبقي نصف شعره بعد شهر غير مجزوز.
سمعها: علي بن خشرم منه.
[سير أعلام النبلاء: 6/238]

*38 –* قال عطاء بن مسلم الحلبي: كان الأعمش إذا غضب على أصحاب الحديث قال: لا أحدثكم ولا كرامة، ولا تستأهلونه، ولا يرى عليكم أثره. فلا يزالون به حتى يرضى، فيقول: نعم وكرامة، وكم أنتم في الناس والله لأنتم أعز من الذهب الأحمر.
[شرف أصحاب الحديث: 135، والمشيخة البغدادية: 2/184]

*39 –* قال الإمام الترمذي: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَهُوَ يَتَّكِئُ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَلَيْهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ قَدْ تَوَشَّحَ بِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: سَأَلَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوَّلَ مَا جَلَسَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ مِنْ كِتَابِكَ، فَقُمْتُ لِأُخْرِجَ كِتَابِي فَقَبَضَ عَلَى ثَوْبِي ثُمَّ قَالَ: أَمْلِهِ عَلَيَّ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَلْقَاكَ، قَالَ: ‌فَأَمْلَيْتُهُ ‌عَلَيْهِ، ‌ثُمَّ ‌أَخْرَجْتُ ‌كِتَابِي ‌فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ.
[الشمائل المحمدية للترمذي: حديث رقم (60) صفحة (69)]

*40 –* جاء شعبة إلى خالد الحذاء، فقال: يا أبا منازل عندك حديث حدثني به؟ وكان خالد عليلا، فقال له: أنا وجع. فقال: إنما هو واحد؟ فحدّثه به، فلما فرغ قال: مت إذا شئت.
[شرف أصحاب الحديث: 116]

وكتبه: محمد علي حميسان، غفر الله له ولوالديه وأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين.. اللهم آمين.
...المزيد

*[ استجابات الأمراء لاستغاثات النساء ]* للمرأة في الإسلام خصوصاً وعند العرب وغيرهم من الأحرار ...

*[ استجابات الأمراء لاستغاثات النساء ]*

للمرأة في الإسلام خصوصاً وعند العرب وغيرهم من الأحرار عموماً، مكانة لا توازيها مكانة، فهي الدرة المصونة، والجوهرة المكنونة، فلِمَسّ كرامتها تغلي القلوب، وتشتعل الحروب، فلأجلها قامت غزوة بني قينقاع، فشتتهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في النواحي والبقاع، وحين أراد الخليفة العبيدي أن يستغيث بالصارم المنكي، السلطان نور الدين محمود زنكي، ليدفع عنه زحف الروم، أرسل له كتابا مكلوم، يحوي قصات شعر النساء والبنات، ليستثير فيه الحمية والنخوة والمكرمات، فلبى نداءه، وصدّ أعداءه، وقد جمعت هنا قطوفاً مستلذات، وصفحات نيرات، وشواهد بينات، لا يجد قارئها بداً من الاعتراف، على عظم السادة الأسلاف، فأبدأ مستعيناً بالله، متبرئاً من كل معبود سواه.


*1 – الحجاج بن يوسف الثقفي (ت: 95 هـ)*
رغم ما يُروى عن الحجاج من شدة وسفكٍ للدماء، إلا أن له محاسناً لم يبلغ بعضها الكثير ممن جاء بعده، وقد ذكر الحجاج عند عبد الوهاب الثقفي بسوء، فغضب، وقال: إنما تذكرون المساوئ، أو ما تعلمون أنه أول من ضرب درهما عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام، وأول من اتخذ المحامل، وأن امرأة من المسلمين سبيت بالهند فنادت يا ‌حجاجاه! فاتصل به ذلك، فجعل يقول: لبيك، لبيك، وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند، واستنقذ المرأة، وأحسن إليها، واتخذ المناظر بينه وبين قزوين، وكان إذا دخن أهل قزوين دخنت المناظر إن كان نهارا، إن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرد الخيل إليهم، فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط، وكان قزوين ثغرا حينئذ.
[معجم البلدان: 5/350، والبلدان لابن الفقيه: 267]
فهذه المرأة كانت سبباً في فتح بلاد الهند ودخول الإسلام إليها، قال الحميري في كتابه الروض المعطار في خبر الأقطار ص 596: أرض الهند فتحها محمد بن القاسم الثقفي سنة أربع وتسعين، وكان السبب في ذلك أن امرأة مسلمة ممن سباها أهل الهند أرادوها على نفسها، فصرخت: وا ‌حجاجاه، فجهز الجنود إلى أرض الهند مع محمد بن القاسم، وكان معسكره بشيراز، فاتخذه الولاة منزلاً إلى الآن.

*2 – الحكم بن هشام الأموي الأندلسي. (ت: 206هـ)*
في سنة (194هـ)، غزا الحَكَم إلى أرض الشرك، وكان السبب في هذه الغزاة أن عباس بن ناصح الشاعر كان بمدينة الفرج (وهي وادي الحجارة). وكان العدو، بسبب اشتغال الحَكَم بماردة وتوجيه الصوائف إليها مدة من سبعة أعوام، قد عظمت شوكته، وقوي أمره. فشن الغارات في أطراف الثغور، يسبي ويقتل، وسمع عباس بن ناصح امرأة في ناحية وادي الحجارة، وهي تقول: (واغوثاه يا حكم! ‌قد ‌ضيعتنا ‌وأسلمتنا ‌واشتغلت ‌عنا، حتى استأسد العدو علينا!). فلما وفد عباس على الحكم، رفع إليه شعرا يستصرخه فيه، ويذكر قول المرأة واستصراخها به؛ وأنهى إليه عباس ما هو عليه الثغر من الوهن والتياث الحال. فرثى الحكم للمسلمين، وحمى لنصر الدين، وأمر بالاستعداد للجهاد، وخرج غازيا إلى أرض الشرك؛ فأوغل في بلادهم، وافتتح الحصون، وهدم المنازل، وقتل كثيرا، وأسر كذلك، وقفل على الناحية التي كانت فيها المرأة، وأمر لأهل تلك الناحية بمال من الغنائم، يصلحون به أحوالهم ويفدون سباياهم؛ وخص المرأة وآثرها، وأعطاهم عددا من الأسرى عونا. وأمر بضرب رقاب باقيهم، وقال لأهل تلك الناحية وللمرأة: (هل أغاثكم الحكم؟) قالوا: (شفا والله الصدور، ونكى في العدو، وما غفل عنا إذ بلغه أمرنا! فأغاثه الله وأعز نصره!).
[البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: 2/73].

*3 – المعتصم بالله بن هارون الرشيد العباسي (ت: 227 هـ)*
وقصة فتحه لمدينة عمّورية مشهورة جدّاً، والسبب أن ملك الروم قتل وسبى وأسر من المسلمين، وكان بين السبي امرأة هاشمية، فصاحت: وا معتصماه!، فسمعها رجل مسلم، حملته الحمية فرحل من عمّورية -أنقرة حالياً- إلى دار الخلافة بغداد فدخل على خليفة المسلمين المعتصم بالله، وأخبره الخبر، فحملته النخوة والغيرة والمسؤولية على تلبية ندائها، فأجابها وهو جالس على سريره: لبيكِ لبيكِ! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته، واستحث الجيوش، وقاد الجيش بنفسه، ففتح عمّوريّة سنة (223هـ)، وأطلق المرأة وأكرمها.
[يُنظر على سبيل المثال: الكامل في التاريخ: 6/38، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة: 1/221]

*4 – الصلت بن مالك الخروصي (ت: 275 هـ)*
في عهده هجم الأحباش الصليبيون على جزيرة سقطرى والتي كانت تتبع سلطان عمان في حينها الصلت بن مالك الخروصي، فاحتلوها، وقتلوا واليها، وعاثوا فيها فساداً، فدمروها وأحرقوا مساجدها واستباحوا نساءها وقتلوا رجالها.
فاستغاثت فاطمة بنت حمد بن خلفان بن حميد الجهضمية -والتي تُعرف بلقب الزهراء السقطرية لارتباط اسمها بقصة تحرير جزيرة سقطرى- بالإمام الصلت بن مالك الخروصي تستنهضه ليغيث الجزيرة وأهلها من بطش الأحباش الذين نقضوا العهد، فأرسلت له قصيدة مكلومة تقول فيها:
قــل للإمـام الذي ترجى فضائله * * ابن الكــرام وابن السـادة النجبِ
وابن الجحاجحة الشــــم الذين هم * * كانوا سناها وكانـوا ســادة العربِ
أمست سقطـرى من الإسلام مقفرة * * بعـد الشرائـع والفرقـان والكتبِ
وبـعـد حـي حـلال صـار مـغتبطـا * * في ظل دولتهم بالمال والحسبِ
لم تُبقِ فيها سنـون المـحل ناضـرةً * * من الغصـون ولا عـوداً من الرُطَبِ
واستبدلت بالهـدى كفـراً ومعصيةً * * وبـالأذان نواقـيساً مـن الـخشبِ
وبالذراري رجـالاً لا خَــلاَقَ لـهم * * من اللئـام علـوا بالقهـر والغـلبِ
جارَ النصارى علـى واليـكَ وانتهبوا * * من الحريـم ولـم يألـوا من السلبِ
إذ غادروا قاسمـاً فـي فتيـةٍ نُجُـبِ * * عقوى مسامعهم فـي سبسبٍ خـربِ
مُجـدّلين سِراعـاً لا وسـاد لـهم * * للعـاديـات لسبـعٍ ضـارئ كـلبِ
وأخرجـوا حُـرم الإسـلام قـاطبة * * يهتفـن بالويـل والأعـوال والكُربِ
قـل للإمـام الذي تُرجـى فضائله * * بـأن يـغيث بنـات الدين والـحسب
كـم مـن مُنعـمةً بـكرٍ وثـيبـةٍ * * مـن آل بيـتٍ كريـم الجد والنسب
تـدعو أبـاها إذا ما العِلـجُ همّ بها * * وقـد تلقّـف منهـا موضـع اللبـب
وباشر العِلـجُ ما كـانت تَضُـنُ به * * على الحلال بوافـي الـمهر والقـهب
وحـلّ كـلَ عـراءٍ من مُـلمتـها * * عن سـوءةٍ لـم تزل في حوزةِ الحُجُبِ
وعن فخـوذٍ وسيقـانٍ مـدملجـةٍ * * وأجعـدٍ كعنـاقيــدٍ مـن العـنب
قهراً بغيـر صـداقٍ لا ولا خُطِبت * * إلا بضـرب العوالـي السُمرِ والقُضُبِ
أقولُ للعيـن والأجفـان تسعدنـي * * يا عين جودي على الأحبـاب وانسكب
ما بال صلـتٍ ينـام الليـلَ مُغتبطاً * * وفـي سقطـرى حريـم عُرضة النهب
يـا للرجـال أغيثـوا كـل مسلمةٍ * * ولو حبوتـم علـى الأذقـانٍ والرُكبِ
حتـى يعـودَ نصـاب الدين منتصباً * * ويهـلك الله أهـل الـجور والـريب
وثم يصبح دعـى الزهراء صــادقة * * بعد الفســـوق وتحيى سنـة الكتب
ثم الصلاة علـى الـمختـار سيـدنا * * خيـر البـريـة مـأمـونٍ ومنتـخبِ

فلبى الإمام نداءها، وأرسل أسطولاً يتكون من مائة سفينة محملة بالجند، فكسروا شوكة الأحباش، ورفعوا راية الإسلام على الجزيرة من جديد.
[ينظر لتفصيل ذلك: "عمان عبر التاريخ" لحمود السيابي، وكتاب "تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان" لنور الدين عبد الله بن حميد السالمي].

*5 – المنصور ابن أبي عامر (ت: 392 هـ)*
مر معنا في بعض المواضيع سيرة الأمير المنصور محمد بن أبي عامر المعافري الأندلسي، وأنه كان يغوز بلاد الفرنجة مرتين في السنة واحد في الشتاء وأخرى في الصيف، فغزاهم نيفاً وخمسين غزوة لم تسقط له راية.
ومن مفاخر المنصور: أنه قدم من غزوة، فتعرضت له امرأة عند القصر، فقالت: يا منصور! يفرح الناس وأبكي؟ إن ابني أسير في بلاد الروم.
فثنى عنانه وأمر الناس بغزو الجهة التي فيها ابنها.
[سير أعلام النبلاء: 17/125-126]

ومن ذلك أيضاً ما حكاه ابن عذاري المراكشي قائلاً: ومن أوضح الأمور هنالك، وأفصح الأخبار في ذلك، أن أحد رسله -أي المنصور- كان كثير الانتياب، لذلك الجناب، فسار في بعض مسيراته إلى غرسية (ت 390هـ / 1000م) صاحب البشكنس (ممكلة نبره أو نافار النصرانية) فوالى في إكرامه، وتناهى في برِّه واحترامه، فطالت مدَّته فلا متنزَّه إلا مرَّ عليه متفرِّجا، ولا منزل إلا سار عليه معرِّجا، فحلَّ في ذلك، أكثر الكنائس هنالك، فبينا هو يجول في ساحتها، ويجيل العين في مساحتها، إذ عرضت له امرأة قديمة الأسر، قويمة على طول الكسر، فكلمته، وعرَّفته بنفسها وأعلمته، وقالت له: أيرضى المنصور أن ينسى بتنعمه بوسها، ويتمتَّع بلبوس العافية وقد نضت لبوسها، وزعمت أن لها عدة سنين بتلك الكنيسة محبسة، وبكل ذل وصغار ملبسة، وناشدته الله في إنهاء قصتها، وإبراء غصَّتها، واستحلفته بأغلظ الأيمان، وأخذت عليه في ذلك أوكد مواثيق الرحمن. فلمَّا وصل إلى المنصور عرَّفه بما يجب تعريفه به وإعلامه، وهو مصغٍ إليه حتى تم كلامه، فلما فرغ قال له المنصور: هل وقفت هناك على أمر أنكرته، أم لم تقف على غير ما ذكرته؟ فأعلمه بقصة المرأة وما خرجت عنه إليه، وبالمواثيق التي أخذت عليه. فعتبه ولامه، على أن لم يبدأ بها كلامه، ثم أخذ للجهاد من فوره، وعرض من من الأجناد في نجده وغوره، وأصبح غازيًا على سرجه، مباهيًا مروان يوم مرجه، حتى وافى ابن شانجة في جمعه، فأخذت مهابته ببصره وسمعه، فبادر بالكتاب إليه يتعرف ما الجليَّة، ويحلف له بأعظم أليَّة، أنه ما جنى ذنبًا، ولا جفا عن مضجع الطاعة جنبًا، فعنف أرساله، وقال لهم -أي المنصور: كان قد عاقدني أن لا يبقى ببلاده مأسورةٌ ولا مأسور، ولو حملته في حواصلها النسور، وقد بلغني بعد بقاء فلانة المسلمة في تلك الكنيسة، ووالله لا أنتهي عن أرضه حتى أكتسحها. فأرسل إليه المرأة في اثنتين معها، وأقسم أنه ما أبصرهنَّ ولا سمع بهنَّ، وأعلمه أن الكنيسة التي أشار بعلمها، قد بالغ في هدمها، تحقيقًا لقوله، وتضرع إليه في الأخذ في بطوله، فاستحيا منه، وصرف الجيش عنه، وأوصل المرأة إلى نفسه، وألحف توحشها بأنسه، وغيَّر من حالها، وعاد بسواكب نعماه على جدبها وإمحالها، وحملها إلى قومها، وكحلها بما كان شرد من نومها.
[البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: 2/297]

*6 – بيبرس البندقداري المملوكي. (ت: 676 هـ)*
للسلطان الظاهر بيبرس مواقف محمودة في التصدي للتتار ومحاربة الفرنج، ومما يتعلق بموضوعنا هنا أنه لما كان السلطان بيبرس بالشام، فى سنة (667هـ)، وقفت له امرأة ذكرت أنها كانت أسيرة في صور، وأنها اشترت نفسها، ثم قطعت على بنت لها قطيعة، وحصلت من أوقاف دمشق مبلغاً اشترتها به من صور بمكاتبة عليها خط الفرنج، ولما خرجت بها إلى قرب بلاد صفد سير خلفها جماعة من صور أخذوا البنت منها ونصّروها.
فلما سمع السلطان كلامها غضب لله تعالى، وكتب يطلب هذه البنت، فاعتذروا بأنها تنصرت، وكان بالنواقير من جهة صفد جماعة من المسلمين سيّر صاحب صور أمسكهم، وقتل منهم نفرين، واعتقل الباقين، وطلبهم السلطان فأصروا على منعهم، فركب السلطان في العشرين من شهر رمضان، وساق بنفسه ومن معه من العسكر الخفيف، وتوجه الأمير جمال الدين المحمدي من جهة، والأتابك من جهة، ووصلوا إلى صور، فأمسكوا جماعة من الرجال والنساء والصغار، وهرب في ذلك الوقت مملوك للأمير جمال الدين أقوش الرومي فنصّره صاحب صور لوقته، وطلب منه فدافع عنه، وأمسك السلطان عن إتلاف زرعه، ورد الحريم والأطفال وكانوا جملة كبيرة، ورجع السلطان إلى المخيم، وأمهل عليه مدة، فلما استمر على منع البنت والمملوك، جرد السلطان جماعة لاستغلال بلاده، وقطع الميرة عنها.
[الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر: 347، و نهاية الأرب في فنون الأدب: 30/320]


*7 – كنكا منسى موسى امبراطور مالي (1373 هـ)*
ومما يمكن ذكره هنا ما ذكره صاحب كتاب "ما أخفاه التاريخ: قصص منسية لبطولات أسطورية" قال: كان الملك المسلم كنكا موسى يسترد قرية اغتصبها النصارى في الحبشة وأخذ جيشه وحرر القرية واخرج كل جيش النصارى في ساحة القرية أسرى بما فيهم قائد جيشهم وكبير القساوسة وزوجة قائد جيش النصارى وأمه وأولاده فجاء طفل صغير للملك كنكا موسى وهو راكب على فرسه فمسكه الطفل من قدمه وقال له يا سيدي يا سيد فرد عليه الملك وقال للطفل : هل أنت مسلم يا غلام ؟
قال : نعم يا سيدي .
فقال له الملك كنكا ناظرا بعينه لقائد النصارى والقس : لبيك يا شبل الإسلام .
فانهار القس مطروحا على الأرض من الغيظ .
فقال له الطفل : يا سيدي لقد خطف قائد جيش النصارى أمي واختي .
فقال الملك للجنود : آتوني بقائد الجيش والقس والطفل إلى خيمتي .
وقال لقائد الجيش : اين أم الغلام وأخته ؟ .
قال له بعد تردد : ذهبت بهما إلى دير القديسة هيلانا تخدم في حظيرة خاصة بالدير .
فقال لهم الملك : أرسل من يأتي بهما في موكب من 70 فرس و70 جمل و 1000 من العبيد والجنود يحوطون بالموكب وسوف تبقى أنت والقس تعملون خدما في حظيرة المسلمون تخدمون دوابهم حتى تعود المسلمة وابنتها.
فقال قائد النصارى : إن كانوا أحياء حتى اليوم سنأتي بهم وإن كانوا غير ذلك يمكن إن تدفع البرتغال وبريطانيا المال والذهب فداء لهما .
فقال لهم الملك كنكا بغيظ والشرر يطير من عينيه : اسمعا ما اقول ( والله الذي لا إله إلا هو لو جعلتم بريطانيا حذاء في يميني والبرتغال حذاء في شمالي لن اقبل لهما دية اقل من رأس ملك مقابل البنت وراس ملك مقال أمها ) .
فأرسل قائد الجيش والقس برسائل مع رسل منهم وأتو بالأم وابنتها وكانتا على قيد الحياة من تقدير الله الحليم العظيم .
وكان ما امر ملك المسلمين .
وقال الملك كنكا: ستبقى المعركة قائمة ولن نعلن النصر إلا بعد أن يصل نساء المسلمين إلى بيوتهم .
وأرسل قساوسة الدير الأم وبنتها في الموكب كما طلب ملك المسلمين بالضبط .
فقال الملك للأم وبنتها معتذرا عن ما حدث : هل تسامحونا فيما حدث لكما؟
فقالت الأم : نسامحك وبكل فخر يا سيدي !
فقال كنكا : وأنا والله لن اسامح نفسي أن تبيت مسلمة أسيرة خارج بيتها ولو ليلة واحدة وبكى وبكت المرأة وبنتها والغلام وبكى الجميع لبكاء ملك المسلمين .
هذا يوم أن كنا عظماء .
وما دام الإسلام ديننا فسنبقى عظماء مهما أكل علينا الدهر أو شرب .
وسيأتي اليوم الذي يرفع أذان المسلمين من فوق برج روما خمس مرات في اليوم والليلة فأبشروا وبشروا من تعرفون بأن عز الإسلام باق ما بقيت الدنيا.
[ما أخفاه التاريخ: قصص منسية لبطولات أسطورية: 39، نقلاً عن "وثائق غرائب الأمصار" للمؤرخ يعقوب فرح].
والحمد لله رب العالمين

وكتبه: محمد علي حميسان غفر الله له ولوالديه وأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين.. اللهم آمين.
...المزيد

*[ مَنْ كان يجمع غبار معاركه ليكون معه في قبره ]* روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن أبي ...

*[ مَنْ كان يجمع غبار معاركه ليكون معه في قبره ]*

روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "‌لَا ‌يَجْتَمِعُ ‌غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ"، وكان هذا الحديث حافزاً للعديد من القادة المسلمين لكي يحرصوا على جمع ما لصق بثيابهم من غبار المعارك ليكون معهم في قبورهم، وإليك أيها القارئ الكريم ذكر من فعل ذلك:

*1 - أبو الحسن على بن عبد الله بن حمدان، الملقَّب بسيف الدولة ‌الحمدانى،* أحد الأمراء الشجعان. ولد سنة (303 هـ = 916 م)، وأسس إمارة الحمدانيين بحلب عندما استولى عليها سنة (333 هـ = 934 م)، ودامت تلك الإمارة نحوًا من ستين سنة، منها (23) سنة تحت حكم ‌سيف ‌الدولة. وسجَّل التاريخ له ولدولته جهادهما العظيم في صد غارات الروم المتوالية على مشارف الدولة الإسلامية، وكانت الحرب بينهما سجالا، وتحقق أعظم انتصار له على الروم سنة (343 هـ = 954 م) فى معركة الحدث. اشتهر سيف بالكرم والجود، فقصده الشعراء والكتاب والعلماء، حتى قيل إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب ‌سيف ‌الدولة من الشعراء، ويأتى فى مقدمتهم المتنبى، الذي مدحه بقصائد كثيرة عرفت في تاريخ الأدب باسم السيفيَّات.
وتوفي ‌سيف ‌الدولة بحلب سنة (356 هـ) عن (53) عامًا، وحُمل جثمانه إلى ميافارقين فدفن بها. [موسوعة سفير للتأريخ الإسلامي: 10/292].
جاء في كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف: 6/22 ما نصه: ولم يلبث البطل العظيم أن أصابه فى سنة 352 فالج فى يده ورجله ورغم هذا الفالج النصفى نهض البطل من فراشه وصدّ بقوة هجومًا للروم على حصن من حصون حلب. وفى سنة 356 لبّى البطل نداء ربه، وكان قد أوصى بأن يوضع خده في لحده على لبنة بقدر الكف جمعها مما علق بثيابه ودروعه وسلاحه من ‌غبار غزواته للروم. ونفّذت وصيته.

*2 - أبو عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر محمد بن وليد القحطاني، المعافري، القرطبي،* (ت:393هـ)، القائم بأعباء دولة الخليفة المرواني المؤيد بالله هشام بن الحكم أمير الأندلس.
طلب العلم والأدب، ورأس وترقى، وساعدته المقادير، واستمال الأمراء والجيش بالأموال، ودانت لهيبته الرجال، وتلقب بالمنصور، واتخذ الوزراء لنفسه، وبقي المؤيد معه صورة بلا معنى، لأن المؤيد كان أخرق ضعيف الرأي.
وكان له مجلس معروف في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته ما كان مقيماً بقرطبة؛ لأنه كان ذا همة ونية في الجهاد، مواصلاً لغزو الروم، حتى أنه كان ربما يخرج إلى المصلى يوم العيد فتقع له نية في ذلك اليوم فلا يرجع إلى قصره، ويخرج بعد انصرافه من الصلاة كما هو من فوره إلى الجهاد فتتبعه العساكر، وتلحق به أولاً فأولاً فلا يصل إلى أوائل الدروب إلا وقد لحقه كل من أراده من العساكر.
غزا نيفاً وخمسين غزوة ذكرت في المآثر العامري بأوقاتها وآثاره فيها، وفتح فتوحاً كثيرة، ووصل إلى معاقل جهة امتنعت على من كان قبله، ملأ الأندلس بالغنائم والسبي، وكان في أكثر زمانه لا يخل بغزوتين في السنة، وكان كلما انصرف من قتال العدو إلى سرادقه يأمر بأن ينفض غبار ثيابه التي حضر فيها معركة القتال وأن يجمع ويتحفظ به، فلما حضرته المنية أمر بما اجتمع من ذلك أن ينثر على كفنه إذا وضع في قبره، وتوفى في طريق الغزو في أقصى الثغور بمدينة سالم.
[ يُنظر: بغية الملتمس: 115، وسير أعلام النبلاء: 17/15، و17/123].

*3 - ‌عماد ‌الدين ‌زنكى بن قسيم الدولة الحاجب آق سنقر،* ولد سنة (478هـ). وكان والده أول ملوك الدولة الأتابكية فى الموصل، وحينما مات كان ابنه ‌زنكى صغيرًا، فتواصى به أصحاب أبيه إلى أن شبَّ وتولى مدينة واسط. وقاد ميمنة الجيش في حرب الخليفة المسترشد بالله وسلَّم إليه السلطان محمود ولديه ألب أرسلان والخفاجى ليربيهما؛ ولذا أُطلق عليه لقب أتابك.
استولى ‌زنكى على بلاد كثيرة بعد أن عظم أمره فافتتح الرها وتملك حلب والموصل وحماة وحمص وبعلبك وبانياس، وحرر كفرطاب والمعرة من الفرنج، ودانت له البلاد فعمرها وتحرى العدل في الرعية؛ فامتلأت البلاد بالحركة والحياة، بعد أن خربها الفرنج وظلموا أهلها. وأراد ‌زنكى الاستيلاء على قلعة جعبر سنة (541هـ)، فحاصر ملكها علي بن مالك وأوشك أن يفتحها، إلا أن جماعة من مماليكه غدروا به ليلاً فقتلوه [ سنة 594 هـ] عن عمر يزيد على الستين عامًا. [موسوعة سفير: 10/817].
قال ابن العديم الحلبي في كتابه "بغية الطلب في تاريخ حلب" 8/429: قال لي ابن خَيْر الله: وكان له غَزَواتٌ مُتَعدِّدة رحمه الله، وكان قد جَمَعَ الغُبَار الّذي صَارَ على دِرْعه في غَزَواتهِ، وادَّخَرها لتُجْعَل في أكْفَانهِ، فجُعِلَتْ في أكْفَانهِ حينَ ماتَ، رحمه الله.
قال: وكان كَثِيْر الخَيْر والمَعْرُوف، وبَنى بسِنْجَار مَدْرِسَةً، هو مَدْفُونٌ بِهَا، وبِيْمَارِسْتانًا، وبَنى بنصِيبِيْن مَدْرسَةً لأصْحَاب أبي حَنِيْفَة، ووقَفَ على ذلك وُقُوفًا كَثِيْرة.

*4 - ‌‌صلاح الدين الأيوبى،* هو يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادي، مؤسس الدولة الأيوبية. ولد سنة 526هـ ونشأ في بلاط "نور الدين زنكي" بالموصل وعُرف باسم "صلاح الدين"، وقضى طفولته في ظل والده أيوب ببعلبك، وأخذ عنه براعته في السياسة، وشجاعته في الحروب، فشب خبيرًا بالسياسة وفنون الحرب، وتعلم علوم عصره وتثقف بثقافة أهل زمانه، وحفظ القرآن، ودرس الفقه والحديث. رحل صلاح الدين يوسف مع والده إلى دمشق بعد وفاة عماد الدين زنكى، ثم دخل في خدمة نور الدين بن عماد الدين زنكى سلطان حلب، فاستعان نور الدين بشيركوه وابن أخيه صلاح الدين في ضم مصر إليه.
بعد وفاة نور الدين زنكي سعى صلاح الدين لإقامة دولة إسلامية يكون هو مؤسسها وسلطانها، فظل يعمل على توحيد العالم الإسلامي مدة عشر سنوات في الفترة من سنة (572هـ) إلى سنة (582هـ)، حتى تحقق له ما أراد، واستعد لمواجهة الصليبيين المتربصين بالعالم الإسلامي، ثم تصدَّى لهم، فسجل التاريخ أبرز صور البطولة، وأسمى درجات الفداء والجهاد ضد هؤلاء المغتصبين، وكان من أبرز هذه المعارك واقعة حِطِّين [583هـ = يولية 1187م] التي تعد "حِطِّين" من أشهر الحروب التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين وانتصر عليهم فيها انتصاراً عظيماً، وكان هذا الانتصار فاتحة خير على المسلمين، وبداية لسلسلة من الانتصارات على الصليبيين، واستسلمت قلعة طبرية وسلمت لصلاح الدين عقب هذا الانتصار، واتجه صلاح الدين صوب الساحل وحاصر عكا حتى استسلمت بعهد وأمان، ثم تتابع -بعد ذلك - استسلام باقي المدن الساحلية التي تقع جنوب عكا وهى: نابلس و الرملة و قيسارية و أرسوف و يافا و بيروت، وكذا المدن الواقعة شمال عكا مثل: الإسكندرونة، وكلها حصلت على العهد بالأمان من صلاح الدين الذى لم يبق أمامه سوى أن يمضى في طريقه إلى فلسطين، فاستسلمت عسقلان له أثناء مروره بها، وحانت المواجهة الحاسمة لتحرير بيت المقدس التي نجح في فتحها بعد حصار شديد حتى اضطر مَنْ بداخلها إلى الاستسلام وطلب الصلح. وتوفى صلاح الدين في سنة (589هـ = 1193م)، وله من العمر خمسة وخمسون عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامي بقوة إيمانه من كوارث داخلية وخارجية كادت تودي به وتوقعه في أيدي الأعداء. [موسوعة سفير: 10/294 باختصار وتصرف]
جاء في كتاب "بهجة النفوس والأسرار في تاريخ دار هجرة النبي المختار" 1/420: ويذكر أن السلطان ‌صلاح ‌الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شادي ابن مروان الملك الناصر، كان إذا عاد من الغزو نفض ثيابه من ‌غبار الغزو على نطع وأمر من يجمعه، وإن ذلك الغبار عجن بماء زمزم وجعل لبنة لطيفة وجعلت تحت رأسه في قبره.

*5 - سيف الدين الدواداري الصالحي النجمي* (ت: 699هـ) كان كبير القدر، فإنه عمل دوادارية* الملك الصالح، وبقى بعده ينتقل من حال إلى حال إلى أن كان له مائة فارس بمصر وخمسون بدمشق، وما زال معظما في سائر الدول، وكان له سماع عال في الحديث، وله علم وفقه وديانة، وهو الذى أنشأ القاضي بدر الدين بن جماعة وأنشأ فقهاء كثيرين، ومع هذا كان صاحب شجاعة وفروسية، وله غارات كثيرة حتى نقل عن بعض مماليكه أنه صنع له طوبة من ‌غبار الغزوات التي حضرها وغزا فيها، وأوصى أن تكون هذه الطوبة تحت رأسه إذا دفن، وكان إذا ركب يكون شعره على قربوس سرجه الوراني وجميعه أبيض، وكانت له صدقات وبرّ وأوقاف على عتقائه، وله بالقدس الشريف رباط رتب فيها شيخا وفقراء ووقفا جاريا، ولما ورد خبره إلى دمشق صلّوا عليه صلاة الغائب في جامع بنى أمية وسائر جوامع دمشق، وكذلك صلوا عليه صلاة الغائب بمصر.
[عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان لبد الدين العيني: 4/19].
*المقصود بالدوادارية: صاحب هذه الوظيفة هو الدوادار: وهو الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير، ويتولى أمرها، وما يلحق ذلك من المهمات، مثل تبليغ الرسائل وغيرها.
...المزيد

معلومات

دكتوراة في الفقه الإسلامي

أكمل القراءة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً